Ads by Google X

رواية في حي الزمالك الفصل السادس و الاربعون 46 - بقلم ايمان عادل

الصفحة الرئيسية

      


 رواية في حي الزمالك الفصل السادس و الاربعون 46 - بقلم ايمان عادل


رَحْلِه إلَى الْمَاضِي ✨🤎🦋

أخذ أنس يتجول ذهابًا وإيابًا في حجرة رحيم في انتظار رد ميرال على ما أرسله لكن الرد تأخر، خمسة دقائق… عشرة… خمسة عشر… عشرون… ساعة ونصف ومازالت لا تُجيب بالرغم من أنها متاحة الآن!


أي أن الهاتف في يدها وهي داخل التطبيق على الآرجح لكنها لم تُجيب على رسالته، وهنا يوجد احتمالين لا ثالث لهما أولًا أنها منشغلة كثيرًا وقائمة الرسائل خاصتها مزدحمة فضاعت محادثة أنس في الوسط أو أنها قرأت ما كتبه أنس من الخارج ولم يروق لها ما قاله فقررت تجاهله…

“مالك يا أنس رايح جاي كده ليه؟ دوختني يا أخي حرام عليك!”


“وأنت شوفتني ازاي وأنتَ لسه داخل؟ ولا بتبص من عقب الباب ولا أيه؟” سأل أنس بنبرة درامية وهو يغمز بإحدى عينيه لرحيم ليقلب الأخير عيناه بتملل قبل أن يُجيب على اسئلته بإزدراء قائلًا:

“لا يا ظريف كنت تحت في ال backyard وشوفت خيالك وأنت رايح جاي في الأوضة.”

“بعت لميرال مسدج، أحنا كنا بنتكلم يعني هي كانت بتطمن عليا وبعدين بعت مسدج Risky ‘خطيرة/ مجازفة’ جدًا وكنت مستني الرد بس هي مردتش عليا ما تسأل أفنان عليها شوفها كويسة ولا أيه؟”

“لو في حاجة أكيد أفنان كانت هتقولي يعني… بقولك أيه سيبك من موضوع ميرال وقولي هتروح للدكتورة بتاعتك أمتى؟”

“عندي جلسة بكرة إن شاء الله.”

“طيب كويس جدًا، هي كان اسمها أيه صحيح؟ قصدي الدكتورة… كان اسم غريب كده؟”

“مسك.”

 

 

 

“ايوا صح… اسمها حلو بس غريب برضوا.” تمتم رحيم وهو يضحك لينظر نحوه أنس بنظرة حالمة قبل أن يُردف بمبالغة ودرامية زائدة:

“في الحقيقة يعني هي اسمها حلو وهي شخصيًا قمر بصراحة بسم الله ما شاء الله، الله أكبر ربنا يحميها لشبابها.”


“خلاص بس بالع راديو؟! وبعدين قال يعني بعد كل اللي قولته ده مبقتش معاكسة كده.”

“متدخلنيش في تفاصيل دلوقتي.”

“يعني من الآخر ميرال ولا مسك؟” سأل رحيم وقد توقع الإجابة بالفعل لكنه أراد أن يراقب ردة فعل أنس ففي حالة شعور رحيم بصدق مشاعر أنس تجاه ميرال لن يتردد في مساعدته على الوصول إليها بالطريقة الصحيحة الحلال.

ساد الصمت لثوانٍ قبل أن يُجيبه أنس بصدق وبنبرة لطيفة مرحة مُردفًا:

“هو مبدأيًا اسم ميرال مينفعش يتحط في جملة واحدة مع اسم أي بنت تانية، تاني حاجة بقى مسك متنفعش لأن مش من آداب المهنة أصلًا إن يكون في علاقة بينها وبين المريض يا جاهل.”

“أنا عارف طبعًا بس حبيت اتأكد إن أنتَ عارف.”

أنهى رحيم هذه المحادثة على هذا النحو قبل أن يطلب من أنس أن يرافقه إلى عش الزوجية الخاص به هو وأفنان كي يساعده على إنجاز بعض الأعمال.

في عصر اليوم التالي ذهب أنس في الموعد المحدد لجلسته مع الطبيبة النفسية خاصته هو وميرال، دلف نحو الداخل بصخبة المعتاد والذي لم يعد يُفاجئ الطبيبة أو من يعمل العيادة.

“دكتورتنا عاملة أيه النهاردة؟”

 

 

“الحمدلله يا أنس بخير وأنتَ؟ اتفضل استريح.”

رحبت به بلطف قبل أن يُجيبها أنس بمزاحة وغزله المعتاد ومن ثم يسألها حول الآتي:

“يريح قلبك يا غالية، هو أنتِ معاد جلستك الجاية مع ميرال أمتى؟ وهي بتتحسن ولا لا؟”


“أظن حد بثقافتك وفكرك أكيد عارف إن ممنوع تمامًا أقول أي معلومة ليها علاقة بأي مريض.”


رفضت الطبيبة مسك الإجابة عن سؤاله بأدب وبطريقة غير مباشرة، تنهد أنس بضيق ومن ثم أزاح خصلات شعره التي ازدادت طولًا مؤخرًا بينما يُردف بنبرة حنونة مشوبة بالحزن:

“أنا بس عايز اطمن عليها وهي مش عايزة ترد عليا ومش عارف اعمل أيه؟!”

“طيب هنشوف الموضوع ده بعدين، أنتَ كنت قولتلي عالواتساب إنك حابب تتكلم في موضوع مهم معايا… خير؟”

“أنا تعبت، لا مش تعبير مجازي هو أنا اتنقلت المستشفى فعلًا، ضغط عالي وحصلي نزيف… مش ده المهم؛ المهم إن ده حصل بسبب خناقة بيني وبين أروى أختي…”

“ألف سلامة عليك، بس مش غريبة شوية حكايى الخناقة؟ اللي فهمته منك إن علاقتك بأختك مستقرة وتمام بل إنك بتحبها وبتخاف عليها جدًا.”


“ده حقيقي بس اللي حصل إنها راحت تزورها…” لم يصعب على الطبيبة تخمين هوية المرأة التي يتحدث عنها أنس، والدته والتي يرفض حتى أن يُفصح عن اسمها ويرفض أن يضع أي كلمة مشتقة من كلمة ‘أم’ حينما يتحدث عنها، ساد الصمت لبرهة قبل أن يُضيف أنس:

 

 

“مش عارف أنا قولتلك ولا لا بس هي كانت بتتعالج في مصحة من بعد الحادثة اللي حصلت والمشاكل اللي كانت بينا وبعد موت فريد حالتها بقت اسوء بكتير لكن أنا مهتمتش بصراحة…”

“ممكن تحكي من الأول يا أنس؟” سألته بإهتمام وتركيز واضح ليُطالعها بحيرة وقد اختلط عليه الأمر فسألها بتردد:

“أعيد كلامي تاني؟”

“مش قصدي… قصدي من أول المشكلة، فين العقدة أو النقطة السوداء اللي بدأت كل ده؟”

“مبدأيًا أنا علاقتي بأمي وأبويا وحشة جدًا…”

“ده بسبب أيه؟”

“فريد ومراته اتجوزوا عن حب، الإتنين كانوا من عائلة مرموقة وكل حاجة كانت كويسة إلا إن فريد كان بيحب الستات، سكير، عصبي وعنيف طبعًا الكلام ده مكنش واضح أوي قبل الجواز أو كانوا معتقدين انه طيش شباب، بكرة يتجوز ويعقل.”

“واللي حصل عكس كده طبعًا، صح؟”

كان سؤال الطبيبة أقرب إلى كونه جملة مؤكده أكثر من كونه سؤالًا فلقد سمعت مئات القصص المماثلة، حيث تؤمن شريحة كبيرة من المجتمع أن الزواج هو الحل للذكور التالفة…

يشرب الخمر، ذو علاقات متعددة، لديه مشاكل في التحكم في الغضب، يعشق العنف، سارق، مرتشي، ولربما كان يعامل والديه بأقذر الطرق الممكنة ولكن الحل لكل ذلك هو الزواج وإنجاب أطفال…


 

 

فبدلًا من جعل فردًا أو اثنين يعانون فلنضاعف ذلك العدد ولنقوم بتكوين أسرة من جدران هشة، أرضية مشوهة، أثاث تالف… ونتيجة لتلك التجربة المريرة ينشأ مئات الأشخاص الغير أسوياء لتبدأ معاناتهم مع التشوه النفسي…. ويضطرون إلى البحث عن علاج لآفات لم يكن لهم أي ذنب في ظهورها من البداية تمامًا كأنس وأروى…

“بقى لعنة! من ساعة ما وعيت عالدنيا وهو بيضربها وبيضربني أنا وأختي… طول ما هو في البيت مش عايز يسمع دوشة مش عايز يسمع صوت لعبنا وهزارنا وإلا هنتعاقب، في الوقت ده هي كانت بتاخدنا وتودينا عند رحيم… مامته وباباه كانوا شبه متبنيني أنا وأروى، قضيت معاه معظم فترة طفولتي واتربينا سوا وكبرنا سوا…”

“وبعدين؟”

“لما كبرت حاولت أقنعها تتطلق منه إلا أنها كانت بتحبه ومكنتش تتخيل حياتها من غيره… معرفش بقى دي Stockholm Syndrome ‘متلازمة ستوكهولم’ ولا أيه؟ المهم إنه هي مكنتش مدركة إنها مريضة ومحتاجه علاج وهو كمان كان انسان مريض!”

“دي حقيقة هما الإتنين كانوا في حاجة لعلاج نفسي، طيب وأنتَ شايف إن وجودك مع عائلة رحيم كان ليه تأثير عامل ازاي عليك؟”

“خلاني انسان ساوي بنسبة، وبنسبة تانية خلوني عندي قلق مستمر وضغط… خلوني مش قادر أخد خطوة الإرتباط بصورة رسمية بقى عندي Fear of commitment ‘خوف من الإلتزام’، خلوني خايف من التعامل مع الأطفال… حاسس أني مشوه من جوا بس أنا من جوايا انسان نضيف بجد بس نفسي أكون طبيعي زي أي حد تاني… عايز أبقى كويس لنفسي وكويس عشان رحيم، عشان أروى وعشان… عشان ميرال، عشان أليق بيها…”

“يعني أنتِ مش شايف إن الجواز مثلًا وحش أو إنه عبارة عن قيود أو كده؟”

 

 

 

“هو قيود للطرفين طبعًا بس في المقابل أنتِ بتلاقي حد تشاركيه كل حاجة الحلو والوحش، بتلاقي حد مستنيكي آخر ليل، بتلاقي حضن حنين وكل ده في إطار سليم مش حرام ولا عيب… أنا مُدرك إن علاقة فريد ومراته كانت غلط ومش ساوية بس مفهومي للجواز مش علاقتهم ببعض لو ده اللي تقصديه يعني.”

“أنا فخورة بيك جدًا يا أنس على فكرة.”

“هو أيه حوار الفخر المنتشر ده؟ محسساني أني حمثلاح… أنتِ فخورة بيا، أروى فخورة بيا ورحيم كمان، أيه الإنجاز طيب اللي عملته؟”

“بغض النظر عن إنك مش بتعرف تكمل 10 دقائق على بعض بتتكلم جد بس ما علينا يعني، أنا بتكلم بجد أنا حقيقي فخورة بيك وده لكذا سبب…”

“سمعيني.”

“أولًا أنك أدركت إن عندك مشكلة وقررت تدور عليها في المكان الصح وده نص طريق رحلة العلاج أصلًا، ثانيًا أنك انسان صريح؛ صريح مع نفسك ومعايا، ثالثًا أنك مش سايب نفسك تنجرف وراء التيار أنتِ عشت طفولة صعبة وشوفت تصرفات سيئة جدًا من باباك الله يرحمه بس في نفس الوقت حاولت تمنع نفسك من أنك تتصرف زيه…”

“معاكي حق بس… أنا مش عارف لما ابقى مكانه، زوج وأب هكون بتصرف ازاي… مرعوب من أني أكون نسخة تانية من فريد حتى لو غصب عني…”

“دي حاجة واردة فعلًا، وعشان كده أنا هنا بساعدك عشان نحاول نغير طريقة تفكيرك ونعدل أفكارك المشوهة وعشان نعمل كده لازم تبقى مصدق من جواك أنك انسان كويس وإن عندك القدرة على التغير للأحسن.”

 

 

 

“أنا بحاول صدقيني… مش فاكر قولتلك قبل كده ولا لا بس أنا كنت بشرب خمرة في وقت من الأوقات، كنت فاكر أني بهرب من الواقع لكن في الحقيقة أنا كنت معيش نفسي في جحيم وقرف… مكنتش بفكر في حاجة وقتها لحد أما رحيم فوقني وفي مرة من المرات قالي أني بحول نفسي لنسخة من فريد وأني مش بس هخسر آخرتي ده أنا كمان هخسر دنيتي وكل اللي حواليا هيبعدوا عني وهو أولهم لو مبتطلتش عك…”

“والكلام ده فرق معاك؟ وكان أيه رد فعلك؟”

“الكلام فوقني… صدمني ووجعني بس فوقني، أدركت بشاعة اللي كنت بعمله وقررت من وقتها أوقف شرب وقررت أقرب من ربنا وأحاول أبقى انسان أحسن…”

“وقدرت تعمل ده؟”

“الحمدلله، مكنش الموضوع صعب أوي لأني مكنتش واصل لمرحلة إدمان الكحوليات يعني، وكنت بروح زي Group therapy كده للناس اللي أقلعت عن الخمور وده ساعدني جدًا.”

“جميل جدًا ورحيم كان بيشرب زيك؟”

“لا، رحيم آخره سجائر وحتى دي بطلها من ساعة ما أفنان دخلت حياته ويلا بقى يا شباب نسيب كل برامج الإقلاع عن التدخين وندور على كتكوتة تساعدنا على ده.”

“هو مش عيب إن حد يساعدك على فكرة ممكن يكون تأثير حد أنتَ بتحبه عليك أقوى من تأثر دكتور أو أخصائي مثلًا، المهم عايزاك تكلمني أكتر عن علاقتك برحيم أكبر منك بكام سنة وعرفته ازاي وكده؟”

“بصي يا ست الكل… أنا فتحت عني لاقيت اتنين؛ رحيم وأروى… وأنا صغير كنت مقتنع أنه أخويا شقيقي وهو كمان كان مقتنع بكده لحد لما كبرنا شوية، رحيم أكبر مني بسنتين وباباه وفريد كانوا صحاب جدًا وبطبيعة العائلات المخملية العائلة كاملة بتبقى صحاب فمامته ومرات فريد بقوا صحاب وبالتابعية أنا ورحيم…”

 

 

أجاب أنس على سؤاله وهو يعبث في خصلات شعره قبل أن يُرخي جسده على الكرسي وقد كان من الواضح من لغة جسده أنه يسترجع بعض الذكريات وقد ارتسمت ابتسامة لطيفة على ثغره ولمعت عيناه بينما أضاف الآتي:

“كنا دايمًا مع بعض في نفس المدرسة ونفس الجامعة ونفس الشغل وفرق السن ده عشان بسيط مكنش بيأثر، كان بيقعد يذاكرلي عادي عشان هو كان دايمًا شاطر أوي وبيجيب تقديرات حلوة.”

أكمل أنس سرد كل شيء حول علاقته برحيم وحتى الآن وقد أفصح أنس عن شيء كان يرفض الإعتراف به ولكن يشعر بالغيرة لوجود أفنان برفقة رحيم.

“بصي مش عايزك تفهميني غلط والجملة ممكن تبان غريبة… بس ده العادي كده كده في مجتمعنا مش من حق الراجل أو الشاب يعني أنه يعبر عن مشاعره، عمومًا أنا نص الخناقات بتاعتي مع أفنان كان بسبب أني حاسس إنها واخدة رحيم مني…”

تنهد أنس بعد جملته تلك قبل أن يقترب من المكتب الخاص بالطبيب ويأخذ قطعة من الشيكولاتة الموضوعة أمامها ويقوم بتناولها بينما يُتابع حديثه بجدية شديدة قائلًا:

“أنا ورحيم أخوات وصحاب من سنين وهو معايا طول الوقت وفجاءة حسيت أنه اتاخد مني وكمان كنت شايف إن في بنات كتير أحسن وأحلى من أفنان وأنها متستحقش تبقى معاه بس مع الوقت عرفت أنه فعلًا بيحبها واكتشفت أنها انسانة كويسة وبتحبه ومش طمعانة فيه.”

 

 

“دي مشاعر طبيعية جدًا بس لازم نوظفها صح، لما بنت أختها بتتخطب مثلًا بتحس أنها غيرانة لأنها بتبقى فاكرة إن خطيبها هيشغل كل وقتها وهياخد مكانتها في قلبه، لما حد والدته متوفية مثلًا وباباه بيقرر يتجوز تاني بيبقى برضوا حاسس بغيرة وغضب لأنه خايف الست دي تشغله عنهم أو إنها تاخد مكان والدتهم اللي اتوفت وأنتَ حالتك مختلفتش عن الأمثلة دي، وأنتَ عشان انسان عاقل قدرت تتحكم في المشاعر دي ولما شوفت إن صاحبك أو أخوك مبسوط فرحت عشانه وتفهمت الموضوع لأنه مهما حب أفنان أو أي واحدة تانية أو حتى لو بقى ليه صديق تاني غيرك فأنت ليك مكانة ووضع خاص في قلبه.”

“شكرًا جدًا يا دكتورة، حقيقي قرار أني أجي هنا كان أكتر قرار صح أخدته في آخر عشر سنين بعض قرار أني اضرب نوح يعني.”

تمتم أنس وهو يضحك قبل أن يُتابع حديثه مع الطبيبة خاصته وقد عاود الحديث عن علاقته بوالدته قائلًا:

“عارفة يا دكتورة، أنا نفسي أسامحها… وزي أي انسان كان نفسي يبقى ليا أم طبيعية حضن حنين اترمي فيه واشتكيلها وقت ضعفي بس ده محصلش مش بس عشان علاقتها المريضة بفريد بس عشان هي بعد الحادثة فضلت تلومني… كانت شايفة إن أنا السبب عشان اتخنقت مع فريد يومها مش عشان هو كان طاير بالعربية وهو متنيل شارب وضارب… مش قادر أسامحها عالشعور اللي هي خلتني أحس بيه الشهور اللي فاتت…”

“ليك كامل الحق في الغضب، والشعور بالنفور تجاهها طبعًا الناس شايفة إنك قاسي لأن المفروض مهما عمل والدك أو والدتك لازم تتقبل ومتعترضش وتسامح وده مش صح طبعًا لكن برضوا في نقطة… والدتك مريضة نفسيًا يا أنس وقد تكون مريضة عقليًا كمان أنا معنديش دراية كافية بالحالة بتاعتها، ده مش مبرر للي عملته ولا بقولك كده عشان تسامحها لكن حط في عين الإعتبار إن هي مضطربة ودماغها مش ماشية بنفس ال System ‘نظام’ بتاعنا.”

“أنا عارف بس مش قادر… يمكن المرة الوحيدة اللي هقبل أشوفها فيها واحضنها هو يوم وفاتها لكن دلوقتي أنا مش قادر…”

“خد وقتك، سيب نفسك لحد لما تحاول تتعافى وتتأقلم مع الندوب اللي سببتها التجربة المريرة دي بس متنساش تستفاد من كل اللي حصل عشان متبقاش التجربة عدت عالفاضي، وأنا أظن لو خليت أروى تساعدك في موضوع مامتك هيبقى الوضع أفضل وأسهل بالنسبالك.”

“هحاول… شكرًا يا مسك… يا دكتورة.”

 

 

 

في ذلك اليوم شعر أنس بتحسن شديد لكونه قد أفصح عن ما يجول في خاطره ويؤلم قلبه منذ مدة طويلة والأهم من ذلك أنه لم يتعرض للنقد، السخرية أو اللوم بل كانت الطبيبة مستمعة جيدة… في واقع الأمر هي لم تقدم له حلول فعلية لكن الأهم من ذلك أنها ساعدته على إيجاد حلولًا لمشكلاته بنفسه، ساعدته على تحسين الطريقة التي يُفكر بها وساعدته على تقبل نفسه وتقبل التجربة المريرة التي مر بها ومساعدته على محو الندوب التي خلفتها.

في مساء اليوم التالي كانت أفنان تجلس في حجرتها وهي تحاول إنهاء ‘شييت’ الكيمياء الصيدلية لتقتحم عليها والدتها الحجرة وهي تُردف بهدوء:

“أفنان تعالي مريم بنت خالتك عايزاكي برا.”

“مريم؟ طب خليها تدخل هنا يا ماما لو سمحتِ عشان مش هعرف أسيب اللي في ايدي.”

“حاضر، بس خفي عليها شوية ها.”

“هي قالتلك حاجة ولا أيه؟ عمومًا حاضر.”

شعرت أفنان ببعض الغرابة تجاه ما قالته والدتها ولكن قررت أن تُنفذ مطلبها في هدوء وبالفعل بمجرد أن لمحت أفنان طيف مريم رحبت بها بلطف شديد.

“ازيك يا مريوم وحشتيني جدًا أيه الأخبار؟”

“هو أنتِ عملتِ أيه في نوح؟”

“عملت في أيه ازاي يعني مش فاهمة؟ هو نوح حصله حاجة؟”

 

 

“نوح نفسيته متدمرة يا أفنان من وقت ما هو وميرال انفصلوا، واللي عرفته منه أنه حاول كتير يرجعلها بس أنتِ دايمًا كنتِ بتحرضيها إنها ترفض وتتخانق معاه وتجرح كرامته… أنتِ مش متخيلة البيت من بعد اللي حصل بقل عامل ازاي، علاقة ماما ونوح بقت كلها مشاكل بسبب الموضوع ده…”

كانت مريم تتحدث من موضوع هجوم وإن كانت نبرة صوتها لم ترتفع كثيرًا لكن نبرتها تلك كانت كافية لإثارة غضب أفنان وكادت أن تنفعل لولا أن تذكرت ما قالته والدتها، أخذت أفنان نفس عميق قبل أن تُردف بنبرة لا تخلو من الحدة:

“بصي يا مريم عشان العشرة وأحنا متربين مع بعض وعشان الدم اللي بينا أنا مش هرد عالهبل اللي أنتِ بتقوليه وهعذرك لأنك أخته وطبيعي تبقي خايفة على مشاعره وعايزاه مبسوط بس خليكي فاكرة إن أنتِ شخصيًا كنتِ رافضة علاقته بميرال من الأول.”

أردفت أفنان وساد الصمت لبرهة، لم تُعلق مريم على ما قالته أفنان لذا تابعت الأخيرة حديثها قائلة:

“أما بالنسبة لعلاقة خالتو بنوح فأنا أسفة بس دي حاجة متخصناش واحده ابنها غلط وهي واخدة رد فعل بالطريقة اللي هي شايفاها مناسبة، وياريت يا مريم تبطلوا ترموا اللوم على حد تاني لما تغلطوا عشان محدش ليه ذنب.”

“ماشي دي حقيقة أنا كنت رافضة في الأول بس اتضح بعد كده أنه بيحبها فعلًا وكانوا هيتجوزوا لولا اللي أنتِ كنتِ دايمًا بتعمليه كان زمان أخويا دلوقتي في بيته ومبسوط مع مراته.”

 

 

“أنا مش مصدقاكي يا مريم بجد! ده أنتِ نفسك عديتِ بتجربة شبه دي وكنتِ في علاقة توكسيك برضوا… على العموم يا مريم ميرال اتخطت نوح خلاص وأنا اتجوزت رحيم، فياريت بقى تحاولي تقنعي نوح أنه يشيل ميرال من دماغه عشان منخسرش بعض كلنا، وتاني بكررها يا مريم بطلوا ترموا اللوم عليا.”

“يا أفنان أنا… أنا شايفة أخويا بيتعذب ولا عارف يركز في شغل ولا الماچيستير بتاعه ولا عارف يعيش حياته… مش قادرة أشوفه كده وأفضل ساكته…”

“اطلبي منه يروح لدكتور نفسي، حاولي تقنعيه ده هيبقى أحسن حل لينا كلنا… نوح ممكن يكون من جواه انسان كويس، ممكن يتحسن لما يتابع مع دكتور ويغير طريقة تفكيره.”

“يعني لو ده حصل واقتنع… تفتكري ميرال ممكن توافق ترجعله؟”

سألت مريم بلهفة وكأن أفنان قد قامت بإلقاء حبل النجاة من أجلها لكن في الواقع لم يزيدها ردها غير إحباطًا، حيث نظرت نحوها أفنان بنظرة جامدة قبل أن تُردف بجدية لم تعهدها مريم قائلة:

“لا، أنا قولتلك موضوع ميرال ونوح ده انتهى وياريت تمسحوه من دماغكوا خالص! هو ممكن يبقى كويس لنفسه، كويس ليكوا، أو كويس للبنت اللي هيقابلها بعد كده ويكمل معاها حياته لكن غير كده انسي.”

“ماشي يا أفنان، وأسفة لو كلامي ضايقك.”

“ولا يهمك يا مريم أنا عارفة الواحد بيندفع ازاي لما الموضوع يتعلق بإخواته، بس أنتِ لو بتحبي أخوكي بجد وبتخافي عليه ساعديه يتغير للأحسن مش تطبليله على غلطاته… وخليكي عارفة أني بحبك جدًا وزعلانة أننا بعدنا عن بعض من ساعة اللي حصل.”

“كل حاجة هترجع زي ما كانت إن شاء الله، فرحتك هتلم شمل العائلة من تاني.”

“يارب.”

 

 

انتهاء الحديث عند ذلك الحد، قررت مريم أن ترحل قبل أن تعود ميرال من الخارج فهي مازالت تشعر بحساسية تجاه علاقتهما منذ ما حدث ونظرًا لآخر الأحداث فلقد ازداد الوضع سوءًا، ودعت أفنان مريم بلطف بعد أنا عانقتها وذكرتها مجددًا بأن تُقنع نوح بأمر الطبيب وبالفعل قد شعرت مريم بالإقتناع النسبي في مسألة الطبيب تلك لكنها لم تدرِ كيف عليها اقناع نوح بفعل ذلك…

مع نهاية الأسبوع التالي غادرت أفنان مقر الكلية خاصتها بإرهاق شديد، محاضرتين ودرسًا عملي في يوم واحد… كانت الساعة تقريبًا الخامسة مساءًا وقد أوشكت الشمس على المغيب أجل… تلك هي الشتاء.

كادت أفنان أن تسلك طريقها المعتاد لولا أن لمحت سيارة فاخرة للغاية تقف بالقرب من باب الجامعة، لم تهتم أفنان كثيرًا ولو أن بداخلها بعض الفضول لمعرفة من صاحب تلك السيارة أي من يقدر على امتلاك سيارة من هذا الطراز وقبل أن تُكمل اسئلتها الداخلية غادر السيارة شاب ذو بنية جسدية قوية وعضلات أخفاها جاهدًا بإرتداء تلك البذلة الرسمية، توقف أمام أفنان مباشرة وكادت أن تتخطاه وتسير في الإتجاه الآخر لولا أن تفوه بالآتي موجهًا حديثه إليها:

“دكتورة أفنان… اتفضلي معايا.”

“مين حضرتك؟ اتفضل فين؟” سألت أفنان بفزع واضح ولكن حاولت جاهدة أن تُخفيه، رمقها الشاب بهدوء قبل أن يُجيبها برسمية تامة مُردفًا:

“إيڤيلين هانم منتظرة حضرتك في العربية.”

“طنط إيڤيلين؟!! حاضر…” نبست أفنان وقد تمنت في تلك اللحظة لو أن تنشق الأرض وتبتلعها داخلها على أن تخوض محادثة مع والدة رحيم، وما زاد الطين بلة هو كونها ستتحدث مع والدة رحيم بمفردها تمامًا!

“اصعدي السيارة ‘Get in the car’.” تمتمت والدة رحيم فور أن قام الشاب بفتح الباب من أجل أفنان، أومئت الأخيرة وهي تدلف إلى داخل السيارة ثم تُتمتم بنبرة مشوبة بالتوتر:

 

 

 

“ازيك يا طنط لا ثواني… ازيك يا Auntie.”

“هعمل نفسي مش واخدة بالي من نبرة السخرية في كلامك.”

“أنا مش قصدي أي سخرية إطلاقًا أنا بس فاكرة من المرة اللي فاتت إن حضرتك اتضايقتي فقولت أقول الكلمة اللي تريح حضرتك، أبقى كده غلطانة؟”

“من أول يوم شوفتك فيه وعرفت إنك مش سهلة، لكن أنا كمان مش سهلة ومش بزهق يا أفنان.”

“ولا أنا بزهق… منكرش أني استغربت شوية إن حضرتك طلبتِ تشوفيني بس أنا متوقعة الحوار اللي هيدور بينا.”

“بصي يا أفنان If you think it’s too late then you’re wrong… I can ruin everything if i want to ‘إذا كنتِ تظنين بأن الآوان قد فات فأنتِ مخطئة… مازال بإمكاني إفساد كل شيء إن أردت ذلك’.”

“حضرتك برضوا لسه فهماني غلط، I am no the type of person that would give up on something they love, and i love your son with every piece of my heart and i will never let anything or anyone get in between ‘أنا لستُ من النوع الذي سيتخلى عن شيء يُحبه، وأنا أحب ابنكِ من كل قلبي ولن أسمح أبدًا لأي شيء أو أي شخص بالتدخل بيني وبينه’.”

 

 

“كلام جميل، طلعتِ مثقفة وبتفهمي كمان بس أتمنى إنك تبقى قادرة تفهمي معنى الكلام مش بس تترجميه، طيب خلينا نغير قواعد اللعبة… أنا هقبل بيكي كفرد من أفراد عائلة البكري لكن صدقيني يا أفنان لو خطر على بالك في يوم تزعلي ابني أو لو مقدرتيش توفري له السعادة اللي هو يستحقها أنا هدمرك أنتِ وأي حد تبعك، He is my only son ‘هو ابني الوحيد’ ومعنديش حاجة أغلى منه.”

“طالما هو ابن حضرتك الوحيد ومعندكيش حاجة أغلى منه يبقى ياريت يا طنط تعامليه عالأساس ده وأديله حب واهتمام ودلع… حضرتك كبرتيه قبل آوانة وخليتيه دايمًا زعلان وحاسس إن ناقصه حاجة أعتقد حضن منك وكلمة حلوة هيفرقوا معاه أوي وهيوفروا ليه السعادة اللي حضرتك فاكرة إن أنا مش هعرف أوفرها ليه، رحيم محتاج حنان الأم وحبها بعيدًا عن مشاعره تجاهي فياريت حضرتك تقريبه منك وتحسسيه بحبك ولو لمرة واحدة يمكن بعدها حضرتك تقدري تحبيني وتتقبليني ولو عالسعادة فأنا مستعدة اضحي بأي حاجة في سبيل سعادة رحيم زي ما أنا واثقة أنه هيعمل معايا نفس الحاجة.”

“أنا عمري ما كنت قاسية على رحيم، أنا بس كنت بشد عليه عشان عايزاه يطلع راجل يُعتمد عليه… وده اللي حصل بالفعل وكان رحيم بينفذ أي طلب بطلبه منه وأول مرة عصى أوامري كانت بسببك أنتِ، ظهورك في حياته لغبطه وخلاه يتصرف تصرفات غير عقلانية تمامًا.”

“عشان أنا من مستوى مختلف يعني؟ طيب ممكن اسأل حضرتك سؤال؟ دلوقتي لو رحيم كانت ارتبط بواحده من العائلات الكبيرة اللي متعوده عالرفاهية الآوفر ومعندهاش استعداد تستحمل الظروف الصعبة وبعدها لقدر الله حصل أي ظروف ورحيم أفلس تفتكري بقى البنت دي هتفضل معاه؟”

 

 

سألت أفنان مبراوغة وهي واثقة تمام الثقة من أن والدة رحيم لن تجد الرد المناسب على ما قالته لذا ساد الصمت لبرهة فقررت أفنان أن تُهاجم مجددًا وتستخدم سلاحًا آخر بأن تقوم بإلقاء الكرة في ملعب والدة رحيم حيث أردفت أفنان بنبرة بريئة وإن كانت تحوي في داخلها خبث خفي:

“طيب ولو حضرتك كنتِ فقيرة أنا أسفة يعني أو من مستوى متوسط وكان أهل Uncle حامد رفضوا حضرتك كان هيبقى عادي؟ ولا حضرتك كنتِ هتبقي شايفة إن دي طبقية وإن المفروض يدوا حضرتك فرصة لأنك بتحبيه بجد؟”

قوست والدة رحيم شفتيها وحاولت جاهدة إخفاء زهولها من دهاء أفنان فتلك الفتاة تعرف كيف تصوغ كلماتها جيدًا، فكرت إيڤيلين لوهلة بأن رحيم قد أخبرها برفض عائلة زوجها علاقتهما بالفعل ولكنها أشاحت بتلك الفكرة بعيدًا عن رأسها فهي لم تُقص ذلك الأمر على رحيم من قبل لكن كيف خطرت تلك الجمل على بال الجالسة أمامها، خيم الصمت على المكان لدقيقة ونصف تقريبًا قبل أن تُردف:

“كنت هحاول اتفهم موقفهم وهقدر خوف عائلته عليه وكنت هبطل أنانية.”
“أنا أسفة بس حضرتك مش بتقولي الحقيقة، لأن حضرتك لو فعلًا بتحبي Uncle حامد كنتِ هتحاولي بكل الطرق أنك تبقي معاه وهتبقي على استعداد إنك تحاربي الدنيا كلها علشانه وأتوقع إن ده حصل فعلًا لأنه مش سهل إن عائلة مصرية عريقة وقديمة تتقبل إن ابنهم يتجوز بنت انجليزية وهيبقوا قلقانين من اختلاف الثقافات والعادات، حتى لو حضرتك نصك مصري والنص التاني انجليزي في النهاية حضرتك اتربيتي برا.”

“بصي يا أفنان بعيدًا عن إنك بتكدبيني بس مش مشكلة، I will make a deal with you ‘سأعقد معكِ اتفاقًا’.”

“اتفضلي.”

 

 

 

“أنا هعمل هدنة معاكي، مش هضايقك وهحاول اتقبل وجودك عشان بس سعادة ابني الوحيد لكن لو في يوم من الأيام زعلتيه أو فكرتي إنك تبعديه عني أو عن حامد i will surprise with my ability to turn your life into hell ‘سأفاجئكِ بقدرتي على تحويل حياتك إلى جحيم.”

“تمام معنديش مشكلة، Deal.”

تمتمت أفنان وهي تحاول أن تبدو نبرتها واثقة قد المستطاع على عكس ما تشعر به داخليًا، هي على وشك خوض معركة والأمر لن يكون سهلًا لكنها على استعداد لتحمل كل العواقب والمخاطر فقط من أجل رحيم، بإنتهاء جملة أفنان قامت بفتح باب السيارة وقد غادرتها دون أن تنبس والدة رحيم ببنت شفة بل اكتفت بمراقبتها وهي تبتعد.

بعد أن تركت أفنان والدة رحيم اتجهت إلى منزلها مباشرة وشيء واحد فقط يشغل بالها… هل عليها إخبار رحيم بالمحادثة التي جرت بينها وبين والدته أم أن ذلك سيزيد الأمر سوءًا؟ ولربما تظن والدة رحيم أن أفنان تقوم بتحديها أو تقوم بشن هجومًا مفاجئ عليها… لم تصل أفنان إلى قرارٍ حاسم بل قررت أن تسأل والدتها وميرال عن رأيهما…

بعد أسبوع تقريبًا على محادثة أفنان ووالدة رحيم قررت الأخيرة أن تُفاجئ رحيم وأن تذهب إلى مقر عمله في الشركة التي شهدت قصة حبهما اللطيفة، كان رجال الأمن ومعظم موظفو الشركة يذكرون أفنان منذ أن كانت متدربة في الشركة فلقد كانت دائمًا ما تلفت الأنظار لسلوكها الغير متوقع على غير المعتاد من باقي الطلاب.

“إلا قولي يا رحيم… هي فين الشهادة بتاعتي يا شركة نصابة؟ الناس كلها خدت شهادتها ما عدا أنا! أيه الظلم ده؟!”

“بقى بزمتك تبقى الشركة وصاحب الشركة تحت أمرك وملك ايديكي وأنتِ كل اللي همك الشهادة؟ يا ستي اطبعلك مليون شهادة ولا تضايقي نفسك.”

 

 

“أحم لا أحرجتني بكلامك الحلو كده مليش حجة بصراحة.”

“أي خدمة، صحيح أنا أحتمال أسافر… أنتِ أول حد يعرف على فكرة الموضوع ده.”

“مسافر؟ ليه؟ هتقعد كام يوم طيب؟ متغبش عني…”

“بس بس هتعيطي ولا أيه؟ ده هو أسبوع واحد بس.”

“ما هو أسبوع ده كتير يا رحيم، وأنتَ هتوحشني أوي أنا أتعودت على وجودك وأني بشوفك كل يومين تقريبًا.”

“حقك عليا بجد، بس أحنا بنفتح فرع جديد للشركة برا ولازم أكون موجود في الإفتتاح حتى بابي ومامي هيسافروا معايا… كان نفسي أخدك بس أنا عارف إن أسرتك مش هتوافق بس مش مشكلة تتعوض بعد الفرح إن شاء الله أي سفر شغل هاخدك معايا.”

“إن شاء الله يا حبيبي، صحيح هو أحنا هنسافر فين في الهوني مول.”

“هوني مول؟ اسمه Honeymoon ‘ شهر العسل’ يا أفي!”

“يا سيدي مش هتفرق، هنروح بقى العين السخنة ولا نروح اسكندرية زي الحج متولي كده.”

“نعمل جولة في Europe ‘أوروبا’ أيه رأيك؟”

 

 

 

“جولة؟ جولة؟ أيه يا ابني الإفتراء ده!”

“خلاص بلاش جولة اختاري بلد أو اتنين عايزة تزوريهم ونسافر بعد الفرح على طول بإذن الله.”

“اتفقنا هبقى ابص كده في الدول لأن بعيد عنك الجغرافيا عندي ضايعة خالص ممكن أقولك اسم دولة تبقى في القطب الشمالي مثلًا.”

“يارب صبرني… ما علينا، كنت عايز أقولك على حاجة على فكرة…” أردف رحيم بنبرة هادئة لتعقد أفنان حاجبيها وهي تُتمتم بنبرة لا تخلو من الشك:

“أشجيني يا حبيب قلبي.”

“أنا كلمت ناتالي امبارح وقبل ما تقلبي وشك عليا بس سيبيني أكمل من فضلك.”

“سمعاك يا حبيبي سمعاك، المايك مع حضرتك.”

“كلمتها وقولتلها إن علاقتي بيها غلط وإن أنا خدت قرار بقطع العلاقة دي نهائيًا مينفعش يبقى في وجود لل Ex في حياتي، أنا أصلًا الحمدلله أتغيرت للأحسن وقابلتك وحاسس أني بدأت استقر ومش مستعد أضحي بكل ده عشان خاطر أي حد أو أي حاجة.”

“يا نهار أبيض!! أنا مش مصدقة… هو أنا سامعة غلط ولا فاهمة غلط… أنتَ بتتكلم بجد؟”

“أسمعك المكالمة طيب ولا أيه؟”

 

 

 

“ليه هو أنتَ مسجلها؟”

“لا بتريق عليكِ أكيد… عشان تعرفي بس أني مستعد أعمل أي حاجة عشانك.”

تفوه رحيم بنبرة حنونة لتشرد أفنان لثوانٍ قبل أن تسأله بنبرة درامية مستخدمة عبارة شهيرة من أحد الأفلام الرومانسية قائلة:

“أي حاجة أي حاجة؟”

“لا ما هو مفيش شلال هنا أنط منه… انجزي، بس قولي حاجة عقلانية يعني.”

علق رحيم على جملتها وهو يضحك لتبتسم لبرهة قبل أن ترسم ملامح جادة على وجهها وهي تقول بنبرة حادة:

“أقطع علاقتك بالكلب اللي اسمه أنس ده!”

“لا حول ولا قوة إلا بالله… يبقى الواحد قاعد في حاله تجيبه سيرته وبقلة أدب كمان، بقولك أيه لو مطلقتش البت دي حالًا لا أنا صاحبي ولا أعرفك يا رحيم!”

“لا بقولكوا أيه… مامي قدامها عشر دقايق وتوصل عشان في Meeting مهم ومش عايز دوشة.”

“أمك!!!” صرخ أنس وأفنان في آن واحد قبل أن تستقيم أفنان من مقعدها وهي تُضيف بهلع:

“تصدق النهاردة عيد ميلاد بابا يا دوبك ألحق أجيبله تورتة لأن المحلات بتقفل الساعة عشرة.”

“أفي الساعة لسه أربعة.”

“وأنا نسيت العربية جوا المفاتيح ولازم أنزل أجبهم بسرعة.”

“أنتَ بتقول أيه؟”

“يلا سلام.”

 

 

 

رحل الإثنين على الفور من أمام رحيم، عاود الجلوس على الكرسي خاصته وهو يضحك متذكرًا ما حدث قبل قليل ولكن سرعان ما تلاشت ضحكته وتحولت إلى ابتسامة رسمية فور رؤيته لوالدته التي دلفت نحو الداخل بخطواتها الواثقة المعتادة، رحب بها رحيم على الفور مُقبلًا يدها ومن ثم ذهب كلاهما للجلوس على الأريكة فليس من الأدب أن يجلس رحيم على كرسي الإدارة في وجود والدته أمامه.

“المكتب نور يا مامي، حضرتك كويسة؟”

“اه يا حبيبي Don’t worry ‘لا تقلق’.”

عقد رحيم حاجبيه لثوانٍ جراء تفوه والدته لكلمة ‘حبيبي’ فوالدته لم تعتد على تدليله بهذا الشكل، ابتسم لثوانٍ وهو يُردف:

“يعني حضرتك بخير؟ الحمدلله… أنس وأفنان كانوا هنا من شوية كان نفسهم يقابلوا حضرتك بس كانوا مستعجلين بقى تتعوض إن شاء الله.”

“أنا كنت جاية عشان… Just forget about it ‘فقط انسى الأمر’.”

“مامي… هو ممكن حضرتك وأفنان تقعدوا مع بعض؟ أنا حقيقي نفسي علاقتكوا تبقى كويسة، أنتوا الإتنين أغلى حاجة عندي وصدقيني يا مامي أفنان انسانة كويسة بجد وحضرتك طبعًا ست الكل ومفيش زيك… أنتوا بس مش عارفين تفهموا بعض بس لو حاولتوا هتنجحوا صدقيني…”

“حاضر يا رحيم هحاول Cause i just want to see you happy ‘لأنني فقط أريد أن أكون سعيدًا’.”

“ربنا يخليكي ليا يا مامي، أنا بحبك جدًا بجد.”

 

 

أردف رحيم بنبرة صادقة حنونة وبحماس طفلًا صغير وهو يعانق والدته بقوة، ابتسمت والدته ابتسامة واسعة وهي تضم ابنها الوحيد في المقابل، شعرت بعيناها تدمع تلقائيًا فهي لا تذكر متى كانت المرة الأخيرة التي أخبرها فيها رحيم أنه يحبها… ربما حينما كان في الصف الخامس؟ السادس على الأكثر؟ فمنذ ذلك الحين كبرت الفجوة بينهما وأصبحت علاقته بوالدته علاقة رسمية تمامًا تكاد تخلو من المشاعر.

“أنا كمان بحبك… يلا خليني امشي i don’t want to interrupt you from doing your job ‘لا أريد مقاطعتك عن اداء عملك’.”

أومئ رحيم بلطف وهت يستقيم من مقعده ويقوم بإغلاق أحد أزرار معطف بذلته الرسمية ومن ثم يودع والدته ويصطحبها نحو المرأب لتستقل سيارتها ويتأكد من انطلاقها بسلام.

صعد رحيم مجددًا إلى الطابق حيث يوجد المكتب خاصته ليلمح أنس يسير مترنحًا في الممر وفي يظه كوبًا من القهوة، اقترب منه رحيم بخطوات مسرعة وهو يجذبه من معطف بذلته الرسمية بينما يسأله مستنكرًا:

“خد هنا أنت روحت فين؟ ومالك مش على بعضك ليه؟ بقيت بتسكر من البن ولا أيه مش فاهم؟!”

“خلعت بس لما شوفت طنط أمك نزلت رجعت تاني، ولا مش بسكر يا ظريف أنا دايخ فتلاقيني بتطوح يمين وشمال كده.”

فسر أنس وهو يرتشف من كوب القهوة الكبير خاصته بينما يحاول الحفاظ على توازنه كي لا يسقط، رمقه رحيم بإزدراء قبل أن يقول مستنكرًا:

 

 

“طنط وأمك ازاي يعني في نفس الجملة؟! وأما أنتَ دايخ يا حيوان وعارف إنك متنيل تعبان ومريض ضغط عالي بتشرب قهوة ليه؟ عايز تموت نفسك ولا بتحاول تعمل أيه؟”

“أيه يا رحيم الأوڤر ده؟ مش لدرجة أموت يعني ممكن أفطس منكوا ويغم عليا مثلًا بس مش موت.”

“يارب صبرني عالصداقة دي… على فكرة ميرال مش هنا عشان تلحقك، فأنا عن نفسي هسيبك مرمي في الأرض عادي.”

قال رحيم بنفاذ صبر متعمدًا إثارة غيظ أنس وبالفعل رمقه الأخير بإزدراء بطرف عيناه قبل أن يسأله بنبرة درامية مُردفًا:

“أيه يا ابني الجحود ده؟ وبعدين حتى لو أنتَ سبتني عارف في كام بنت في الشركة هتيجي تلحقني؟”

“مفيش فايدة فيك بجد! بعيدًا بقى عن الهزار، حضرتك خلص الكوباية اللي في ايدك دي ومش عايز ألمح وشك في ال Hall ‘ردهة’ هنا، روح على مكتبك وبطل استعباط يا أنس أنتَ بقالك مدة بتتهرب من الشغل وأنا سايبك بمزاجي بس مرة كمان يا أنس ومش هسمي عليك وهرفدك.”

“لا يا عم وعلى أيه؟ ده الواحد لسه بيبدأ حياته وعايز يفتح بيت.”

أردف أنس بنبرة ساخرة ولكن لسبب ما استشعر رحيم لمحة من الجدية في حديثه ليعقد حاجبيه على الفور بينما يسأله مستنكرًا أثناء دخوله إلى مكتبه مُردفًا:

 

 

“بيت؟ هي كانت ال Risky message ‘رسالة مُجازفة’ ولا كانت proposal ‘عرض زواج’ ولا حكايتك أيه؟! فهمني!”

“مش عارف بقى…” همس أنس بصوتٍ منخفض وكأنه طفلًا قد تلفظ بكلمة سيئة ويخشى عقاب والدته،

“مش عارف ازاي يعني؟ يا ابني أنتَ عبيط؟ مش أنت اللي باعتلها ال Message ‘رسالة’ أومال مين اللي هيعرف نانا الله يرحمها؟”

“يمكن ليه لا؟”

“طب أمشي من وشي يا أنس دلوقتي.”

تمتم رحيم وهو يقذف أنس بإحدى الملفات ليهرول الأخير مبتعدًا عنه متجهًا نحو الباب وقبل أن يُمسك بالنقبض ليقوم بفتحه توقف لبرهة وهو ينظر نحو رحيم بنفاذ صبر بينما يصيح بنبرة طفولية:

“كنت بقولها حقيقة مشاعري ارتحت؟”

“كنت واثق!” صاح رحيم وهو يصفع المكتب بيده بينما يبتسم بإنتصار قبل أن ينظر نحو أنس بفضول شديد في انتظار أن يُريه أنس الرسالة التي أرسلها…

يتبع..


google-playkhamsatmostaqltradent