رواية زئير القلوب الفصل العاشر 10 - بقلم سهام احمد
صعد الاثنان السيارة وأثناء جلوسهم تحدثت داليا مع والدتها عبر الهاتف:
-ايوا يا ماما انا في التاكسي مروحة.
-اتأخرتي كده ليه يا داليا انتي كويسه؟
-اه يا حبيبتي كويسه هاعمل ايه ناس معندهاش زوق، شايفين واحده بطنها قدامها المفروض يخلو عندهم شوية دم، لكن مفيش.
-في ايه يابت انتي اتكلمتي مع حد في الشارع.
-لأ يا ماما ف التاكسي مش في الشارع.
استفزت ليلى من طريقة حديثها عنها فقالت:
-انتي تقصدي مين باللي معندهمش زوق في التاكسي ها، على فكرة انا من الصبح وانا سكتالك مش عايزه ارد عليكي علشان خالتك دي لكن انتي انسانه قليلة الزوق ومش محترمة.
تركت الهاتف من يدها وامها تنادي عبر الهاتف:
-داليا يا داليا؟
نظرت إليها داليا قائلة:
-هي مين دي اللي مش محترمة يا مهزقة اااااااااه.
بينما كانت ليلى تتحدث وترد عليها والسائق يهدء بينهم، صرخت داليا باستمرار، ظنت ليلى انها تفعل ذلك عمدا حتى أمسكت بيدها داليا وهي تبكي وتتألم وتقول:
-انا بولد اااااااه بولد بولد.
ارتعبت ليلى عندما نظرت تحت اقدامها فوجدت دماء ومياه تسيل بين اقدامها، ويبكي فارس خوفا من الاصوات المرتفعة، ولعن السائق تلك الساعة التي جعلته يلتقي بهما، حاولت ليلى أن تهدأ من روعها ومن بكاء فارس:
-خلاص يا ماما اهدى خلاص، وانتي اسكتي شوية بقا قربنا نوصل المستشفي اهدي وخدي نفس كده براحة، خلاص يا قلبي اهدي ماما معاك اهو.
-اااااااه مش قادره الحقوني.
ثم قامت بعض يد ليلى، وصرخت ليلى ثم كتمت صرختها عندما رأت الدموع بتعين فارس، بعدما تركت يدها قامت بضربها ليلى على كتفها برفق:
-اتهدي شوية بقا يا شيخة يخرب بيتك ايه ده، انتي جوزك عايش معاكي ازاي، اهدي بقا خلاص احنا على وصول.
-ااااااه مش قادرة يا ناس هموت.
-خلاص خلاص احنا وصلنا اهو، ايوا يا اسطا الله يباركلك هنا على جنب تمام بس كده.
نزلت ليلى من السيارة راكضة وهي تحمل فارس إلى الطوارئ واخبرتهم بحالة داليا، خرج فريق من المشفى بكرسي متحرك، حملوا المريضة على الكرسي وهي لا تتوقف عن الصراخ وقالت ل ليلى:
-الحاجة والنبي الموبايل في العربية، الحاجات في الشنطة والنبي هاتيهم.
تعجبت ليلى من تفكيرها ثم قالت في نفسها:
-يخرب بيتك ايه ده انتي في ايه والا في ايه يا بعيدة، بتولد وهما في الحاجة والموبايل، طيب تمام ماشي ماشي روحي انا هطلعها اطمني، ياربي ع اليوم ده اوووووف استغفر الله العظيم.
جلب سائق السيارة اغراضها والحقائب:
-اتفضلي يا مدام الشنط بتاعتنا.
-تمام شكرا والموبايل معلش واقع تحت الكرسي ورا.
-تمام ماشي، اتفضلي الموبايل اهو وانا بقا مين هايحاسبني انتي والا هي؟
-لالا انا هحاسب حضرتك اتفضل كتر خيرك شكراً.
-هاتي يا ستي نسوان رغم جاتكو الهم.
-طب ليه يعني ليه الغلط ده هو انت حد كلمك.
-امشي يا شيخة انا مش عارف جوازكم مستحنلاكم ازاي.
انطلق بسيارته بسرعه حتى انتفضت من صوتها المزعج، قالت وهي تلتقط انفاسها:
-اهدي يا ليلى خلاص اهدي، معلش يا قلب ماما حظك معايا كده، ايه ده انت بقيت تضحك دلوقتي، مبسوط إن ماما اتهزقت يعني، ماشي يا سيدي.
نداها صوت من خلفها:
-يا مدام.
اردفت تنظر إليه باستغراب:
-ايوا.
-اتفضلي حضرتك علشان تملي البيانات بتاعة المريضة وادخلي الحسابات؛ علشان المريضة هاتدخل العمليات حالة ولادة.
-لأ معلش هي مش قريبتي انا معرفهاش انا ساعدتها بس في التاكسي.
-طب ممكن حضرتك اتفضلي لحد ما نعرف نتصل بحد من اهلها، ماينفعش تمشي غير لما نتصل بحد من اهلها ويجي.
-طيب ماشي تمام، معلش ممكن تساعدني ف الشنط دي هي بتاعها على فكرة.
-ولا يهمك اتفضلي حضرتك.
~~~
تخطت الساعة السادسة وفوزي ينتظر في غرفة الدكتور خالد يأخذ الغرفة طريقا ذهاباً وإياباً، حتى قال الدكتور خالد بزهق:
-ماتهدى بقا يا اخي خيلتني.
-خالد انت متأكد انك قلتلها تكون عندك الساعة سته.
-اه والله قلتلها.
-طب ايه اللي آخرها كده الساعة داخله على سبعة الا ربع، طب اتصل بيها تاني.
-يبني اتصلت ومش بترد، هي شكلها حست بحاجة ومش هاتيجي.
-لالا ليلى ماتعملش كده على القليل كانت اتصلت بيك واعتذرت، لكن ماتردش لا ده مش اسلوبها، اكيد في حاجة حصلت، انا هاروحلها.
-استنى بس تروح فين انا هتصل كمان مرة يمكن ترد.
اخرج الدكتور خالد الهاتف من جيبه، ثم رن هاتفه بمكالمة واردة من مدام ليلى:
-الو مدام ليلى.
-انا اسفة جدا يا دكتور خالد على التأخير كنت في موقف صعب جداً، معلش انا قدامي نص ساعة واكون عند حضرتك لو الوقت مش هايسمح ممكن اروح واجيلك بكرة.
-لالا خالص تمام انا في انتظارك، انتو كويسين فارس كويس؟
-اه اه الحمد لله بخير، موقف بعيد عننا يعني لما اشوف حضرتك هحكيلك.
-تمام يا مدام ليلى في انتظارك.
-شكرا لحضرتك.
اهو يا سيدي نص ساعة وتيجي.
-ماقالتلكش ايه اللي آخرها كده؟
-انت مش سامع المكالمة يابني بتقولك حصل موقف ولما تيجي هانعرف.
-طيب ماشي يارب يكون خير.
دخلت الممرضة بعد طرق الباب:
-دكتور خالد؟ عايزين حضرتك في الاستقبال تحت.
-استقبال؟! ماتعرفيش في ايه؟
-لأ والله يا دكتور.
-طيب انا جاي حالا، شكرا، انا هروح اشوف في ايه يا فوزي وارجعلك ماتتحركش من هنا ولو اتأخرت عن نص ساعة وليلى جت ماتخليهاش تمشي لحد ماجي.
-ماشي تمام.
~~~
بينما يتجه الدكتور خالد إلى المصعد وجد الدكتور خليل ينتظر امامه، سأله قائلاً وهو يربت على كتفه:
-على فين العزم يا ابو خليل؟
-ايه يا خالد معرفش بعتولي في الاستقبال عايزيني معرفش ليه.
-والله! وانا كمان نفس الموضوع.
-غريبة جدا صح!؟
-دلوقتي نشوف في إيه.
دخلوا المصعد ثم نزلوا إلى الطابق الارضي، اتجهوا إلى موظفة الاستقبال معا، سأل الدكتور خالد:
-لو سمحتي انا الدكتور خالد حسام الدين، وده الدكتور خليل مراد، بعتولنا من قسم الاستقبال هنا.
-اه يا دكتور بعتنا لحضرتك بالفعل؛ لان في حالة ولادة قالت إن حضرتك اخوها والدكتور خليل زوجها، هي حالياً في غرفة العمليات اسمها داليا حسام الدين.
نظر كل منهم إلى الآخر وركضوا مسرعين إلى قسم العمليات غرفة الولادة، دخل الدكتور خليل وهو ينهج إلى ممرضة الاستقبال الخاصة بالقسم:
-لو سمحتي لو سمحتي، مدام داليا حسام الدين في غرفة العمليات حالة ولادة، عملت إيه؟ قصدي هي فين؟ انا جوزها.
-لحظة يا فندم هشوف الكشف، هي خرجت يا فندم من العمليات وحاليا في غرفة رقم اربعتاشر.
ركضوا مسرعين خلف بعضهم ثم عاد خليل من نصف الممر وقال:
-هي فين الغرفة دي معلش.
-اخر الممر يمين يا فندم.
-شكرا شكرا.
ركض خليل وخلفه خالد الى الغرفة فوجدوا سيدة تقف بظهرها وتحمل طلفل صغير بينما يجلس الآخر في عربة الأطفال، وداليا ترقد على فراشها، ركض إليها خليل مسرعاً امسك بيدها يقبلها:
-داليا انتي كويسه حمد الله على سلامتك يا حبيبتي فداكي اي حاجة المهم انتي بخير، مش مهم اي حاجة تانية إن شاء الله ربنا يعوضنا بعيال كتير جدا يا قلبي.
تركت يده وهي مستعجله من كلامه:
-في ايه يا خليل ايه اللي انت بتقوله ده، بعد ابشر ليه بتقول كده؟
-داليا انا عارف ان الموضوع صعب والصدمة كبيرة عليكي، خالد الحقني هي مش مستوعبة والا ايه داليا جرالها ايه؟ حبيبتي هاتبقي كويسه إن شاء الله.
اشارت داليا إلى ليلى إن تجلب إليها الطفلة:
-هاتيها معلش، اتفضل يا خليل يا حبيبي، شكلك انت اللي مش مستوعب.
-ايه ده؟! قصدي مين ده؟!
-لأ قصدك مين دي؟ دي بنتك يا حبيبي بنتنا.
-بجد والله العظيم يعني هي كويسه؟ انا لما شفتك لوحدك والمدام معاكي افتكرتهم اولادها، هههه ياربي بجد مش مصدق، الحمد لله الحمد لله، حبيبت قلبي انتي نورتي الدنيا وحياتي كلها، خالد تعالى شوف.
ابتسم الدكتور خالد وتقدم خطوتين الى الامام وقف جوار ليلى دون ان ينظر إليها:
-ربنا يخليها لكم تتربى في عزكم يارب، حمد الله ع السلامة يا داليا، انا كنت شاكك في امرك من الصبح.
ضحكت داليا ثم قالت بمزاح:
-البركة في المدام بقا هي اللي ولدتني بدري.
ردت عليها ليلى وقالت:
-ليلى اسمي ليلى يا ستي حمد الله على سلامتك، استأذن انا بقا.
نظر إليها الدكتور خالد باستغراب ثم قال:
-ايه ده معقول مدام ليلى.
-دكتور خالد؟! حضرتك تعرفها؟
-داليا تبقا اختى التوأم والوحيدة.
-معقوووول وتوأم كمان مش باين عليها خالص انها اختك.
تحدثت داليا وهي تقول:
-انت تعرفها يا خالد؟
-اه يا داليا بعدين هبقا اقولك ارتاحي دلوقتي، اتفضلي يا مدام ليلى.
-لأ استنى يا خالد بصراحة مدام ليلى ساعدتني كتير وهي اللي جابتني لحد هنا ووقفت معايا لحد ما ولدت وخرجت من العمليات ولحد مافقت وهي جمبي، شكراً يا مدام ليلى كتر خيرك.
-الله مانتي طلعتي زوق اهو امال ايه بقا، الحمد لله انك بخير حمد الله على سلامتك وتتربى في عزك إن شاء الله، مبروك يا ابواا صحيح هاتسموها ايه؟
-خليل بعد اذنك انا عايزة مدام ليلى هي اللي تسميها، لو معندكش مانع؟
نظر إليها الدكتور خليل ثم قام وهو يحمل الطفلة بين يديه وتقدم إليها واعطاها الطفلة قائلاً وهو مبتسم:
-لأ طبعا ماعنديش اي مانع اتفضلي يا فندم لعله خير.
رسمت البسمة على شفاه ليلى وكانت تلك الفرحة الاولى التي تتخلل إلى قلبها بعد رجوع ابنها إليها، بأعين دامعة تقول:
-يا جماعة بجد انتو بتحرجوني جدا، يعني ممكن الاسم مايعجبكوش طيب او نفسكم تسموها حاجة تانية.
جلس خليل بجوار زوجته يضمها إلى صدره ثم قال:
-احنا ماتفقناش على اسم، واهم حاجة عندي انهم بخير بنتي ومامتها، يبقى الاسم من نصيبك، وبعدين كفاية اللي انتي عملتيه معاها، انتي سديتي مكان جوزها واخوها وامها وابوها كمان، يبقى ده اقل شكر نقدمه ليكي.
تحدث فارس بصوت مرتفع وهو يضحك قائلاً:
-مامااااا امامااااا هههه.
ضحك الجميع ثم قال خالد بمزاح:
-شفتي حتى فارس مصر كمان.
نظرت ليلى إليها تتأملها وهي تقول:
-انا كان نفسي لما اخلف بنت اسميها ثريا، على اسم واحدة صحبتي، فلو تسمحولى اسميها "ثريا" .
فرحت داليا كثيرا بالاسم ورددته بصوت واضح وهي تضحك:
-ثريا خليل مراد يا سلام اسم كله مزيكا، بجد تسلمي يا ليلى كتر خيرك.
قبلت ليلى الطفلة واعطتها لوالدتها ثم ودعت الجميع وخرجت مع الدكتور خالد إلى غرفته، بينما تتحدث معه عما حدث بينها وبين شقيقته داليا، وصلو الى الغرفة وفتح باب الغرفة وهي تضحك، ثم فجأة تغيرت ملامح وجهها وملأ الحزن عيناها وقالت باستغراب:
-ايه ده؟!
الفصل العاشر
فراق للابد.
مازال الحزن يملأ قلبها بالرغم من لحظات فرح بسيطة تخللت وجدانها، الا انه مازال القلب يتألم ومازال الجسد يتوجع لآلامه، عندما رأت ليلى فوزي في غرفة الدكتور خالد لم تغضب فقط من رؤيته، لقد كان بالنسبة إليها عشق لا ينتهي وثقة لا تهتز، لقد خيب ظنها وكسر قلبها، في الحقيقة لم يكن يقصد ذلك لكنه قد فعل دون تردد.
وقفت امام باب الغرفة وترددت في الدخول الى ان قال فارس الصغير:
-بابااااااا.
ضحك فوزي ثم قام مسرعا يجلس على اقدامه، وامسك بيد طفله وقبلها:
-حبيبي، نعم يا روح البابا انا هنا، يا الله على الريحة الجميلة دي، وحشتني اوي يا بابا.
ثم نظر الى اعلى ووقف يمد يده إليها قائلاً:
-ازيك يا ليلى.
رمقته بتلك النظرات القاتلة، من اعلى الى اسفل تتعجب من وقاحته وكأنها تقول:
-ازيك عين ازاي تمد ايدك وتسلم يا بجاحتك ياخي.
ادارات وجهها بعيدا عنه، ضم يده إليه بخجل وإحراج ثم قال وهو ينظر الى اسفل:
-تمام ماشي، اتفضلي انا حابب احكي معاكي شوية.
لم تعره انتباه، ثم نظرت إلى الدكتور خالد بغضب:
-هو ده السبب اللي خلاك تجيبني هنا يا دكتور خالد، معقول؟! معقول يطلع منك كل ده.
امسك الدكتور خالد بعربة الطفل ثم ابتسم قائلاً:
-لأ يا مدام ليلى حضرتك فهمتي غلط، انا هاخد فارس اخلصله التحاليل اللازمة اللي قلت لحضرتك عليها، وده نفس السبب اللي جاب فوزي هنا هو ابنه، هو كمان من حقه يطمن عليه والا إيه؟
-بس مش المفروض حضرتك تديني علم بوجوده وخصوصاً انك عارف الوضع بينا، والا هو علشان صاحبك المقرب.
-انا الاتنين اخواتي يا ليلى ويهمني مصلحة فارس قبل ما يهمني ايه الوضع بينكم، لو عايزه رأيي دي فرصة ليكم انتو الاتنين تقدعوا بهداوة وتتكلموا ياريت؛ علشان خاطر فارس وصحته، استأذن انا.
اخذ العربة وتراجع مستعدا للذهاب:
-يلا يا بطل يلا يا فارس، نروح نجيب حاجة حلوة.
اشار الى فوزي من خلف ظهرها وهو يهمس بشفتيه:
-بالهداوة براحة واحده واحده.
دخلت ليلى إلى الغرفة وجلست على الكرسي المقابل له، وضعت قدم فوق الاخرى، نظرت إليه بعد شهيق وزفير نظرة طويلة، تنتظر ماذا سيقول حتى تنفجر بكل قوتها بما يحمله قلبها؛ لقد اصبح الحمل ثقيل ومؤلم إلى حد لا يوصف.
رفع عينيه إليها يتأملها، ثم ازاح بنظره بعيدا خجلاً قائلاً:
-بلاش النظرات دي يا ليلى ابوس ايدك، خليني اتكلم معاكي كلمتين على بعض.
وضعت يدها اسفل ذقنه، ترفع وجهه إليها باصابعها قائلة بتهكم:
-ايه؟! مكسوف؟! والا مش لاقي حاجة تبرر بيها موقفك؟
رفع يده ليمسك بيدها فضمت يدها إليها مسرعة قبل أن تلمس يده وتراجعت إلى الخلف تعتدل في جلستها، قال فوزي بعدما زفر بضيق وابتسامة حزينة ثم قال:
-ليلى اسمعيني ارجوكي؛ انا لما اخدت فارس اخدته علشان بابا كان تعبان وكان نفسه يشوفة، كنت فاكر إنه اخر مره هايشوفه ويشوفني فيها، انتي ماسبتليش خيار حاولت معاكي وحاولت اقنعك لكن ماديتنيش اي فرصة يا ليلى، لكن رغم كل ده انا عمري ما فكرت أءذيكي او اكون سبب في اي حاجة وحشة تحصلك.
-ليلى انتي مش عارفة بابا لما شاف فارس كان عامل ازاي، ده كان عامل زي الطفل الصغير.
خرج جالسا عند قدميها وهو نادم، باعين دامعه يقول:
-ليلى انا عارف اني مهما اعتذرت منك مش هكفر عن غلطي، ولا هرجع كل اللي ضاع منك بسببي، بس انا اسف انا اسف يا ليلى والله اسف على حاجة وحشة حصلتلك بسببي، ايه يرضيكي وانا اعمله، لو قولتي ارمي نفسك من فوق دلوقتي هرمي نفسي، لو قولتي موت نفسك هموت نفسي لو ده يرضيكي بس قوليها يا ليلى لو ده اللي هايريحك قوليها.
امسك بيديها يقبلها وهو يبكي:
-ابوس ايدك يا ليلى قولي اي حاجة، انا بموت من جوايا كل يوم من احساسي بالذنب والندم.
زرفت تلك الجفون دمعا لا يوصف، دموع وجع والم كانت مسجونة داخل جدران قلبها الصغير، الذي اذاق من العذاب الوان بالرغم من صغر حجمه:
-ندم؟ ندم ايه يا فوزي ندم ايه، انت اللي زيك عمره مايحس بالندم لأنه معندوش احساس اصلا.
امسكت ياقة قميصه أوقفته على أقدامه، وقفت أمامه وهي غاضبة بل تشطاط غضبا:
-انت عارف انت عملت فيا ايه؟ انا كان ممكن اموت وابني بعيد عني، تلات شهور وانا بين الحياة والموت وانت عايش حياتك مبسوط، مفكرتش حتى مرة تتصل تطمني أو تطمن بابا، ولا حتى كنت بترد عليه، وتقولي حاسس بالذنب.
دفعته إلى الخلف بقوة حتى سقط على الكرسي جالساً:
-حاسس بالذنب على ايه على الحالة اللي انا فيها وعلى امي اللي ماتت بسببك والا على ايه بالظبط.
وقف وهو منهار من شدة البكاء:
-ليلى انا.
بترت حديثة باصبعها الذي رفعته في وجهه:
-اخرص، اوعى تنطق اسمي تاني على لسانك، مفيش اي حاجة هاتغفرلك يا فوزي ولا هاتخليني اسامحك على اللي انت عملته معايا ابدا.
أدارت ظهرها تستعد للخروج، أمسك بيدها بقوة وجذبها إليه بشدة حتى ارتطمت بصدره، امسك بكتفيها بقوة:
-بصيلي يا ليلى بصي في عينيا، دي العيون اللي انت حبيتيها واللي كنتي بتموتي فيها تفتكري ممكن يوم تقدر تضرك بقصد، الوش اللي قدامك ده، ده انا يا ليلى فوزي اللي عمره ماحب ولا هيحب حد غيرك، افتكري اي حاجة حلوة لينا مع بعض، حبنا مايستاهلش انك تديه فرصة تانية يا ليلى.
حاولت التخلص من قيدها بين احضانه، لكنها لم تستطيع فهو يمسك بها بكل قوته وكأنه امتلك شيئاً ثميناً لا يريد تركه يذهب من بين يديه:
-ليلى خلينا نبتدي من جديد وننسى اللي فات، انتي عارفة بابا دلوقتي عايز يشوفك طلب مني اني استنى لحد ماطمن عليكي، هو أول مرة يقولي خلي بالك من مراتك وابنك، عارفة يعني ايه؟ يعني مشكلتنا اتحلت ومفيش حاجة هاتقدر تبعدنا عن بعض تاني.
تعجبت ليلى من كلامه واشمئزت من طريقة تفكيره، أفلتت قيدها من بين يديه بقوة ودفعته بعيدا عنها:
-انا مش قادرة اصدق انت فوزي اللي انا حبيته؟! انت الإنسان اللي عاشرته وعشت معاه سنين من عمري، اد ايه انت انسان اناني، دلوقتي باباك رضي عني وعايزني اكون معاك، لكن انا عمري ماهرضي يا فوزي عمري، انت كنت خايف بس على ابوك أنه يضيع منك من غير ماتشوفه، لكن انا امي ماتت بسببك من غير ماشوفها ولا تشوفني.
بصرخات مؤلمة تردد:
-ماتت من غير ماشوفها انا كان نفسي بس اشوفها، عارف يعني ايه، ربنا ياخدك ياخي زي ماخدتها مني، امشي بقا امشي، رووووح من وشي.
ظلت تبكي ليلى بقهراقبل عليها فوزي وضمها إليه بشدة، حاولت أبعاده وهي تصرخ حتى التم الناس خارجا حول باب الغرفة، لكن لم يتجرأ أحد منهم على الدخول ظنا أن هناك أحد مريض أو يتألم من مرضه، لكن استوقفهم ذلك الصراخ المؤلم بصوت انثى تتألم بقهر، ظلت تضرب صدره بقوة بيديها حتى فقدت توازنها:
-ليه عملت كده فيا ليه ليه ليه؟ اه يا ماماااااااا، مامااااااا، حرام عليك حرام عليك انا بموت من جوايا، ليه عملت كده لييييه.
سقطت على الأرض وهي بين احضانه إلى أن توقفت عن البكاء، بعد أن حاول تهدئتها:
-اهدي يا ليلى ابوس ايدك اهدى علشان فارس، وحياة فارس عندك خلاص كفاية خلاص، هعملك اللي انتي عايزاه خلاص.
أمام الغرفة تجتمع الناس يتساءلون فيما بينهم ماذا يحدث، رأى تلك الضجة الدكتور خالد وهو قادم إلى غرفته ومعه فارس الصغير، انتابه القلق تقدم بخطوات مسرعة وسأل أحد الأشخاص المجتمعين حول الغرفة:
-هو في ايه يا جماعة خير مالكم واقفين كده ليه؟
اجابه أحدهم:
-سمعنا صوت صريخ لواحده وفي اصوات من الاوضة دي وقفنا نشوف في ايه.
-طب يا جماعة شكرا دي اوضتي انا دكتور هنا ومعايا حالة خاصة من فضلكم ماينفعش كده دي اسرار مرضى، اتفضلوا بعد اذنكم كل واحد يروح لحاله لو سمحتوا.
انصرف الجميع من حول الغرفة، فتح خالد باب الغرفة تعجب لهذا الهدوء، يجلس فوزي على الأريكة بينما تجلس ليلى محلها، لكن تغيرت ملامح وجوههم من البكاء والصراخ، تمعن النظر في وجوههم ثم قال:
-خير يا جماعة في إيه؟ احنا اكبر من كده والا ايه.
جلس الدكتور خالد على الكرسي المقابل ل ليلى، وكان فوزي خلفه، أردف ينظر إليه قائلاً:
-ايه يا فوزي في ايه مش كده.
-مازالت تلك النظرات المتألمة لا تفارق ليلى من أعين فوزي، عندما تحدث إليه الدكتور خالد انهار من البكاء، بكى بشدة وهو ينظر إليها، ثم وقفت ليلى وهي تمسح وجهها براحتها قائلة:
- من فضلك يا دكتور انا همشي وياريت تبلغ صاحبك يبعتلي ورقة طلاقي في اسرع وقت ممكن، بعد اذنك.
خرجت ليلى وتركت تلك الكلمات التي اخترقت قلب فوزي كالسهام الحادة حتى اقتلعته من موضعه، اغمض عينيه من شدة الالم الذي شعر به، وكأن الزمن توقف في تلك الخطوات التي كانت تخطيها ليلى إلى الخارج، يجول في خاطره انها من الممكن أن تكون تلك المرة الأخيرة التي يراها فيها، خرجت ليلى بخطوات بطيئة ودموع مسرعة لا تتوقف، وقف فوزي وخرج خلفها ونادى بصوت مرتفع وهو يستند على باب الغرفة، وكأنه يأمل للمرة الأخيرة أن تعود إليه:
-ليلى؟ ليلى؟
توقفت بضع لحظات ولم تنظر خلفها، رفعت وجهها بكل ثقة وتقدمت وتركت خلفها قلبها معلق في تلك الزاوية، ما اصعب تلك اللحظات لحظات الفراق.
عندما تفترق القلوب والابدان معا، ويبقى قلب كل منهم معلق في صدر الآخر، يظن الإنسان أن الزمن قد توقف وان الحياة لن تعود كما كانت من قبل، لكن ربما تكون النهاية هي نقطة بداية لحياة أخرى، لا نعلم ماذا تكتب لنا الحياة غدا ولا نعلم ماذا يخبئ لنا القدر، ما علينا سوى الايمان باقدارنا ومواجهة عواقب اختياراتنا والتصدي للنتائج مهما كانت صعوبتها، فنحن من اختار ولم نجبر.
ربت خالد على كتف فوزي يسانده ويواسيه وهو يبكي، غادرت ليلى إلى منزلها بقلب منفطر وروح حائرة، بالرغم من ذلك فهي تشعر ببعض الراحة تلتقط أنفاسها بهدوء وكأن جبلا قد سقط من على صدرها، عندما بكت بكل طاقتها أخرجت كل ما يكمن في خاطرها، فهذه هي الانثى عندما تنفجر تصبح كبركان غاضب قرر الإنفجار، لا يبالي بما أمامه ولايعنيه من يترك خلفه أو لا يترك، فقط يخرج كل ما به من فوهته حتى يفرغ حممه البركانية ويستريح نوعا ما إلى أن يعود للامتلاء مرة اخرى، وهكذا قلب الانثى.
اخبر فوزي خالد أن يذهب لتوصيل ليلى إلى المنزل قلقاً عليها:
-خالد روح وصلها علشان خاطري ماتسيبهاش تمشي لوحدها وهي في الحالة دى ممكن يجرالها حاجة في الطريق وفارس معاها، روح يا خالد الله يخليك روح.
-حاضر حاضر يا فوزي ماتقلقش.
نزع معطف العمل خاصته ورمى به داخل الغرفة وركض خلف ليلى إلى باب المشفى:
-مدام ليلى، استنى يا ليلى بعد اذنك خليني اوصلك.
-شكرا يا دكتور خالد انا هعرف اروح لوحدي.
-لو سمحتي علشان فارس من فضلك؟
اومأت برأسها الى اسفل وهي تمسح دموعها براحتها، جلب الدكتور خالد السيارة الخاصة به وصعدت ليلى ثم قال وهو في طريقه إلى منزلها بعد أن هدأت قليلاً:
-ليلى انتي اختي وفوزي اخويا انا مش عايزك تتسرعي في قرارك، انتو في بينكم ولد صغير، اللي بيحصل ده مش كويس علشانكم، لو سمحتي فكري بهدوء.
التقطت انفاسها ثم قالت:
-الموضوع منتهي يا خالد مبقاش ينفع خلاص، صدقني الفجوة اللي سابها فوزي جوايا مستحيل تتقفل أو يقدر الزمن يسدها، كده افضل لينا كلنا.
-يعني ده اخر كلام عندك يا ليلى، فكري؟
-اه اخر كلام يا دكتور، صحيح انا عايزة اطمن على تحاليل فارس.
-بكرة إن شاء الله النتيجة، هجبهالك لحد عندك ومنها كمان اطمن على فارس وعلى عمو فارس لو معندكيش مانع.
-لأ طبعا حضرتك تشرف في أي وقت، تمام هنا كويس شكرا يا دكتور خالد كتر خيرك.
-الشكر لله يا ستي تحت امرك انتي وأستاذ فارس.
حملت ليلى ابنها وساعدها خالد في تنزيل عربته، ودخلت المنزل وغادر بسيارته إلى المشفى مرة أخرى؛ ليطمئن على حالة فوزي وشقيقته.
~~~
دخلت ليلى المنزل وجدت والدها منتظراً يقرأ كتاب في يده، ترك الكتاب جانباً ووقف يسألها:
-ليلى حمد الله ع السلامة يا بنتي، ها عملتي ايه ايه اخبار التحاليل؟
-لسه يا بابا النتيجة بكرة إن شاء الله، بعد اذنك انا جاية تعبانه وعايزة أرتاح، تصبح على خير.
-ليلى؟ مالك في حاجة حصلت؟!
-لأ يا بابا اطمن انا بخير هحكيلك بكره إن شاء الله بس دلوقتي من فضلك محتاجة ارتاح شوية.
-ماشي يا حبيبتي تصبحي على خير.
-وحضرتك من أهله.
•تابع الفصل التالي "رواية زئير القلوب" اضغط على اسم الرواية