رواية أو أشد قسوة الفصل التاسع عشر 19 - بقلم سارة مجدي
بعد مرور ثلاثة أشهر … يجلس في مكتبة يباشر عملة بكل نشاط .. منذ عودته الي الوطن وهو يشعر بنفسة وكأنه شخص أخر .. تلك الحادث جعلت منه شخص جديد تمامًا .. ما كان يراه في احلامه في تلك النومة الاجبارية جعلته يحاسب نفسه حسابًا عسيرًا … وطوال الوقت يردد ما كان في حلمة الاول … “رضيت بالله ربًا وبالاسلام دينًا وبسيدي محمد صل الله علية وسلم نبيصا ورسولا” ثلاث مرات بعد صلاه الفجر ومثلهم بعد صلاه المغرب .. حتى أن احدى الممرضات كانت ترددها بلكنتها العربية المتكسرة .. وتسأله عن معناها
أبتسم وهو يتذكر ما حدث كله بعدما فتح عينيه في المستشفى التي تم نقله اليها .. يتطلع في وجوه الأطباء والممرضين الذين يحاوطنه بأهتمام خاص .. الكثير من التحاليل .. والاشاعات .. فحوص شاملة وكأنه فأر تجارب نجح في تجاوز كل الاختبارات وأصبح الحيوان المعجزة .. الذي نجا من وسط كل تلك التجارب الفاشلة السابقة .. كان يرى أنبهار الطبيب المرافق له ويشعر أنه سيتوقف قلبه أو ستخرج عينيه من محجرها من كثرة الانبهار .. حتى وصل أدهم اليه بعد ثلاثة أيام
عند وصولة شعر أن هذا هو الحساب الثاني .. خطوة أخرى عليه أن يخطوها فوق تلك القطع الزجاجية المهشمة بقدمه العارية .. سوف يتلقى اللوم والكلمات القاسية والتعنيف .. والعتاب قاسي يستحقة .. سيتحمل نظرات الازدراء .. او الكره .. سيتحمل كل شيء لكنه أيضًا سيسعى بكل طاقته لنيل غفرانة .. حتى لو ظل طوال حياته يتوسلة ويرجوه .. حتى ينال صفحه وغفرانه
لكنه صدم بشدة حين وصل أدهم ودخل الي الغرفة بعد حديث طويل مع الطبيب .. انه ظل واقف جوار الباب ينظر اليه بنظرات لم يفهمها في بداية الامر .. لكنه كان يشعر ان هناك من يعتصر قلبه بقوة .. خوف يحتل كل حنايا جسده دون رحمة .. دموع تتجمع في عينيه تجعل رؤيته مشوشة فلا يرى تلك الدموع التي تلمع داخل عيني أدهم .. الذي ركض اليه في لحظه ليضمه الي صدره بقوة .. غير مراعي لتلك الكسور والجروح المنتشرة في جسد عدنان الذي آن بخفوت وهو يقول بصوت متقطع:
-أدهم .. أد .. أد..هم .. أدهم
يردد أسمه وكأنه طوق النجاه .. كأنه الترياق الذي سيشفيه من كل السقم .. ظل أدهم يضمه بقوة لعده لحظات ثم همس بصوت متحشرج:
-حمدالله على السلامة يا عدنان .. حمدالله على السلامة يا أبن عمي وأخويا .. يا سندي وقوتي
ثم أبتعد قليلًا وهو ينظر الي وجهه بتأمل ملامحه المرهقة وهو يقول:
-خوفتني عليك .. خوف أول مرة أحس بيه .. رعب خلاني أحس إني همووت .. أنا مكنتش عارف أني بحبك أوي كدة وأني بخاف عليك أوي كدة
سالت دموع عدنان على وجنتيه وهو يمسك بيد أدهم يقبلها وهو يقول بأعتذار برجاء وتوسل ويعترف بكل أخطائه:
-أنا أسف يا أدهم .. سامحني يمكن ربنا يسامحني .. أنا عارف اني أرتكبت معاصي كتير أستحليت الحرام .. زنيت مراعتش حرمات الناس .. كنت بكلم دي ودي .. وأخرج مع دي ودي وأنا عارف أن ظلال بتحبني وعارفة بكل غرامياتي لكنها منتظراني مستنياني .. أستقويت وانا فاكر أني هلف الف وهرجعلها بنت عمي بقا اللي متربية على أيدي عارفها وضامنها .. كنت فاكر أن حساب ربنا بعيد اوي لكن القلم اللي أخدته ساعة ما عرفت بمرضي خلاني أفوق خلاني ابعد عن كل الحرام والله بعدت .. وخلاني كمان أبعد عن ظلال .. ظلال حب عمري وحياتي كل حاجة ليا في الدنيا .. وبقيت بدل ما اسعدها أعمل كلا حاجة علشان أخليها تكرهني وتبعد عني تشوف حد تاني غيري يصونها ويحبها ويحافظ على قلبها الطاهر ويسعدها
كانت الدموع تغرق وجهه وهو يتحدث بكل هذا الالم والانكسار .. شاركة أدهم الحزن والالم لكنه ظل صامت يستمع لحديث أخيه ونزيف روحه
-عارف انا كل يوم كنت بتوجع وانا شايف الحزن في عنيها … نظرتها ليا اللي كلها لوم وعتاب كان بيدبحني لكن كنت بفكر نفسي أني بقيت منفعهاش أنا موبوء .. مريض ورغم أن مرضي مجاش من النجاسة اللي عشت فيها عمري كله وجالي بسبب دم ملوث أتنقل ليا في عملية جراحيه لكن عقاب ربنا كان صعب .. أنك تحس أنك نجس مش نظيف وقذر .. وأي لمسه منك لأي شيء هيتلوث هيبقا هو كما نجس زي
أعمض أدهم عينيه بألم وهو يستمع لكلمات عدنان التي تشبه الخناجر تنغرس في القلب تقتل بلا رحمة .. لكن عدنان كان غارق في أعترافاته .. لم يلاحظ ذلك الالم .. وتلك الدموع .. والحزن والانكسار الذي كسى ملامح أدهم .. هو في الاساس داخل دوامات من الالم والحزن والحسره
-عارف كنت بخاف أوي لما أقعد اكل معاكم .. وأخاف من هدومي لو أتغسلت مع هدومكم .. كنت بسهر ليالي وليالي أفتكر يا ترى لمست حد منكم وأنا مجروح .. لدرجة اني كنت عايز أعملكم تحاليل .. كنت بفكر ألف مرة قبل ما ألمسك أو المس جدتي .. قبل ما اخرج من أوضتي أرش مليون مرة المطهر على أيدي وهدومي علشان محدش يتأذي منكم بسبي .. بقيت أطهر كل حاجة المسها بأيدي .. بقيت أحس أن لازم أبقا منبوذ أستحق أبقا منبوذ لأني قذر .. قذر يا أدهم
تلك الكلمات كانت خناجر وسهام قاتله .. أغمض عدنان عينيه لثوان وقال بصوت بلا روح:
-يوم ما عرفنا بمرضك .. كنت بصرخ من جوايا ” انا كمان مريض .. أنا كمان محتاج دعم .. أنا كمان محتاج أحس أنكم خايفين عليا .. محتاج أحس أني مش قذر مش نجس وكلب أجرب لازم أفضل بعيد عنكم ”
فتح عينيه ونظر الي أدهم ليهول الاخير ما يراه داخل عيني أبن عمه .. ضياع .. طفل صغير تائه من والديه يشعر بالخوف والضياع .. ذعر وأحتياج للأمان
ليضمه بقوة وكأنه يريد أن يذرعه داخل صدره ليكمل عدنان كلماته
-محتاج أحس بالطهر يا أدهم .. أنا خايف من مقابلة ربنا وانا بكل النجاسة دي .. عايز أتوب .. عايز أتوب وربنا يغفر ليا ذنوبي .. عايز أموت وأنا نظيف يا أدهم
أبتعد بقوة من أحضان أدهم يقول بهستيريا وهو يضرب على جسده وكأنه ينفض شيء ما عن ملابسه:
-أبعد عني .. أنا مش نظيف … هوسخك .. هنجسك .. أنا مش طاهر أنا قذر يا أدهم قذر .. قذر
ليعود أدهم يضمه الي صدره بقوه وهو يقول بصوت مختنق من البكاء وبنبرة صادقة لمست قلب عدنان
-أنت أطهر قلب .. وأطهر أنسان .. أنت نظيف يا عدنان نظيف .. نظيف يا أخويا نظيف
بكائه بصوت عالي كالاطفال يقطع نياط القلب .. وأدهم يشعر بالخرس لا يجد ما يقوله لأبن عمه لا يعي أي شيء سوا أن عدنان يحتاج الي عناقه بقوة .. أن يظل بين ذراعيه كطفل صغير يحتمي من العالم داخل أحضانه والدته
لذلك كان يتشبث بملابس أدهم بقوة حتى ان هناك جزء صغير قد تمزق من قميص أدهم .. لكن من منهم يبالي أو يهتم
عاد من أفكاره والدموع تلتمع في عينيه .. أن تلك اللحظات ستظل تؤثر به وبأدهم بشكل كبير .. لم يتوقف أدهم من وقتها عن ضمه الي صدره .. وكأنه يخبره بأصدق لغه أنه لا يخشى شيء وأنه ليس قذر وأنه لا يلوث من يقترب منهم .. صحيح هناك نظره في عيون أدهم لا يفهمها لكنه لا يهتم .. ف من يوم عودته والجميع يتعامل معه وكأنه طفل مدلل خاصة جدته التي ظلت لأسبوع كامل تنام معه بالغرفة وترفض أن تتركه .. ورغم انه تأكد بنفسه من حديث أدهم وأن لا أحد يعرف بخصوص مرضه .. الا أن ذلك الاحساس البغيض بالقذارة لم يفارقه
تنهد وهو ينظر الي تلك الصورة التي يضعها أمامه دائما من حفل خطبة ظلال ومراد تضمه هو وأدهم وشُكران تتوسطهم ظلال وخطيبها ويضعها هنا أمامه حتى تذكره دائمًا أن تلك الخسارة الكبيرة هو يستحقها .. أستغفر بصوت مسموع وهو يغادر مكتبه متوجهًا الي الحمام الملحق بمكتبه حتى يتوضئ .. فكلما شعر بالحزن .. أو بألم داخل قلبه يتوجه الي الله عز وجل خالقة يتوسل له أن يغفر له أخطائه ويلهمه الصبر على قضائه .. وتحمل قدره .. أنتهى من صلاته ودعائه لله .. واعتدل يرتدي حذائه وهو يفكر اليوم خطبه أدهم وسليمة أبتسم بتلقائية .. فتلك الفتاة بها شيء مميز يجعل أدهم جوارها مختلف حقًا .. أبتسم ببعض المرح اليوم مميز بالنسبه له أدهم ها هو وأخيرًا يأخذ خطوه مهمه في حياته وعليه أن يقف جواره .. لذلك وبأمر حازم أخبره أنه اليوم أجازة .. وهو سيهتم بكل شيء يخص العمل .. وسوف يزين السيارة أيضًا ويحضر الحلوى والهدايا المفترض أخذها معهم الي بيت العروس
توجه الي مكتبه وضغط ذر الاستدعاء ليدلف شاب في منتصف العشيرات يقول بأدب
-تحت أمرك يا أستاذ عدنان
ليبتسم عدنان له بحبور وقال بهدوء:
-أنا ماشي أجل باقي المواعيد لبكرة .. ومتعملش حساب أدهم أو أنسة سليمة في أي أجتماعات بكرة كمان
أومأ الشاب بنعم وغادر بهدوء .. أجمل ما يمز هذا الشاب أنه هادئ تمامًا لا يتحدث كثيرًا ينفذ الاوامر دون نقاش .. والأكثر روعه به انه شاب وليس فتاة .. يساعدة على ان يعف نفسة ولا يدع له مجال لمجرد التفكير .. بذلك الشارب واللحية الذان يزينان وجه بوضح
ضحك بصوت عالي وهو يقول بتفكه:
-بقيت مثير للشفقة يا عدنان .. بقيت مثير للشفقه حتى من نفسك
واخذ أغارضة من فوق المكتب غادر
……………………..
يجلس في المغطس داخل غرفة السباحة بصالة الالعاب الرياضية الموجودة داخل القصر .. يحاول الاسترخاء .. والهدوء .. أن اليوم هو اليوم الذي ينتظره منذ ثلاث شهور وأخره عنه الكثير مرض عدنان وتعافي ظلال من حبها لعدنان .. وخطبتها لمراد .. أراح رأسه للخلف يستمتع بتلك الدغدغة اللطيفة من مياة المغطس والتي تسبب لجسدة أسترخاء من نوع خاص .. لكن عقلة كان هناك بعد ذلك اليوم الذي وصل فيه للمستشفى عند عدنان وجلس معه في تلك الجلسة الطويلة المليئة بالمشاعر المتضاربه
بين حزن وغضب .. وقلق يصل حد الرعب وبعد الاطمئنان .. بين حزن وشفقة .. وفخر وسعادة .. ليصدم بعدها بما سمعه من الطبيب وهو يتحدث بلغته الام الذي يفهمها أدهم بوضوح ويستطيع التحدث بها بطلاقة:
-سيد أدهم لابد أن تعرف أن هذا المرض منتشر الان بشكل كبير .. بسبب التجارة غير المشروعة في الاعضاء والدم ايضًا .. وما حدث مع أبن عمك شيء يحدث كثيرًا الم تستمع الي نشرات الاخبار وهي تتحدث عن الكارثة التي حدثت في إحدى الدول المتقدمة .. هناك أكثر من ثلاثون ألف مريض تم نقل دماء ملوثة لهم وأصبحوا الان مصابون بمرض نقص المناعة .. هذا المرض أصبح يشبه كثيرًا مرض السرطان بالطبع مع اختلاف الاعراض .. والعلاج .. وأيضًا المحاذير
لم يشعر أدهم بالتحسن أبدًا بعد حديث الطبيب أن ما يتحدث عنه بكل تلك البساطة والبرود هو حياة بعض البشر .. وحياة من يتعامل معهم على جهل بمرضهم .. أنهم إناس على المحك بين الحياة والموت .. لكن الطبيب أكمل كلماته ببرود سقيعي:
-أبن عمك يستطيع التعامل بشكل طبيعي .. هذا المرض ينتقل فقط عن طريق الدم أو العلاقات الجنسية الكاملة .. حتى في هذا الامر هو يستطيع أن يمارس حياته بشكل طبيعي لكن ببعض الضوابط والمحاذير .. كأستخدامه للعازل … لكن بالطبع هو لا يستطيع الانجاب .. لأنه ببساطة سوف ينقل المرض لزوجته وهي سوف تنقله لأولادها
كانت عين أدهم تتسع بصدمه من حديث الطبيب الفج .. لكنه لم يعلق بشيء .. هذا ليس بالامر الهام الان لكن ما يهمه حقًا هو الاطمئنان على حالة عدنان .. والي أي مدى تطورت تلك الحالة .. ليكمل الطبيب كلماته بنفس البرود:
-السيد عدنان مريض من سنوات بهذا المرض .. وكما علمت هو يلتزم ببعض الادوية التي وصفها له الطبيب حين ذاك .. يستمر بعمل الرياضة والاكلات الصحية .. لكن هذه الادوية لابد أن يتم تبديلها .. فهناك الكثير من الادوية الحديثة التي ستفيد حالته
أومأ أدهم بنعم ببعض الراحة لكنها لم تستمر كثيرًا .. حين أكمل الطبيب كلماته قائلًا:
-عليك أن تتوقع تدهور حاله أبن عمك في أي وقت .. فنقص المناعة تعني أنه معرض للكثير من الامراض دون جهاز مناعي يدافع عن جسده .. فمن الممكن أن يصاب بالسل كمثال
حشرت الكلمات في حلق أدهم فلم يستطع أن ينطقها ولا أن يبتلعها مع تلك المرارة القوية … ما هذا الذي يهزي به ذلك الطبيب … كيف يخبره بكل هذا البرود ان خساره اخيه وشيكة وبشكل مؤلم .. ماذ عليه ان يفعل او يقول الان
-لله الأمر من قبل ومن بعد … إنا لله وإنا اليه راجعون
لم يفهم الطبيب ما قاله أدهم ليكمل كلماته بعد أن خلع نظارته الطبية:
-هذا وارد وبشكل كبير .. أو أمراض السرطان .. أو الكثير من الامراض الخطيرة .. عليه الحذر وعليكم مراعة أن يكون كل ما يحيط به صحي
فتح أدهم عينيه وتلك الدمعه الحبيسه تلتمع داخل عينيه لتلك الذكرى المؤلمة .. لكنهم أستطاعوا تخطي كل هذا حين ظهرت نتائج التحاليل والاشاعات وأثبتت أنه بحالة جيدة .. وأن ذلك المرض اللعين لم يسبب له المشاكل بعد
بعد .. كلمة ثقيلة تدل على أن هذه المتاعب قريبة جدًا .. كشخص يمتلك قدرة خارقة بأنه حين يبلغ سن محدد يستطيع أن يرى شبحه الخاص الذي سيقبض روحه .. وكلما كان بعيد عنه كان عمره طويل .. وكلما أقترب يعلم بأن ساعته تقترب .. لكن حين وصل للسن المناسب وبدأ في رؤية ذلك الشبح خاصته وجده يقف على بعد متر واحد فقط منه .. وفي اللحظة التي تليها سقط جثة هامدة
أخذ نفس عميق ثم اسقط نفسة داخل المغطس وظل هناك تحت المياة حتى شعر بحاجته للهواء لكنه لم يخرج .. ظل يحارب ويحارب ويحارب حتى شعر بالاختناق بالفعل ليخرج رأسة من المياة وهو يشهق بقوة .. لكنه وبأبتسامة صغيرة نظر الي ساعة يده وقال بدوء:
-فضلت دقيقة ونص .. فيه تقدم فعلا .. ثامر دة قوي ومثابروأنا مش أقل منه
حين أنهى حديثه مع نفسه ضحك بصت عالي ثم اكمل همسه قائلا:
-يقيت مجنون رسمي يا أدهم بتتكلم عن ثامر ده وكأنه شخص تاني خالص غريبة عنك .. وكأنه مش أنت بس بشكل أجرء .. وقدرات أنت كنت بتتمنى تبقى فيك
اعاد رأسه للخلف مرة أخرى بأسترخاء وهو يبتسم .. اليوم سوف تصبح خطيبته .. اليوم سوف يصرخ بحبها وعشقها الذي سكن قلبه وروحه دون مجهود يذكر منها .. يتذكر جيدًا ما قامت به طوال فترة الثلاث أشهر كيف كان يتصل بها من الخارج يشكوا لها ضعفة وخوفه وتستمع هي له بكل رحابة صدر .. وتتحدث معه بهدوء حتى تريح قلبه وتخرج كل قيح الاحداث المؤلمه التي يمر بها .. حتى بعد عودته كان متلهف لرؤيتها أكثر من أي شيء ومن المطار مباشرة توجه الي المؤسسة .. وهناك وجوار باباها ظل واقف يتابع حركات أصابعها فوق لوحة المفاتيح .. وهي تكتب بعض الاشياء بتركيز شديد .. يقاطعها أتصال فتحرك يدها اليسري تمسك بالهاتف تجيب ويدها اليمنى مستمرة في النقر على الحروف بأحتراف وثبات
تغلق الهاتف وتعود يدها جوار الاخرى من جديد تنقر على المفاتيح بحرفية متناهية الدقة .. لم يعد يحتمل يريد أن يرى عينيها .. ويرى أبتسامتها حين تراه يقف أمامها وهي تعتقد انه مازال هناك
خطى بهدوء لداخل المكتب وتلك السجادة الكبيرة التي أصرت هي في وضعها على الارضية المثقلة للمؤسسة وكأنها تظن نفسها في بيتها تمتص صوت خطواته فلا تصل لها .. حتى وقف امامها مباشرة لكنها كانت في أوج تركيزها .. لكن للحظة توقفت يدها في الهواء وسكنت حركات اصابعها الرشيقة فوق لوحة المفاتيح .. حين شعرت بذلك الظل الكبير الذي خيم عليها لترفع عيونها تنظر لمن يقف أمامها .. لتشهق بصدمه وهي تنطق بأسمة دون القاب ليبتسم بسعادة .. رؤيتها ترد له روحه وتعيد اليه نفسه التي تتوه منه في دروب القلق والخوف .. وصوتها كانغام الموسيقى يسعد روحه .. وقفت وهي تنظر اليه مباشرة بدون تصديق .. لكنه جعلها تصدق بالطريقة الأكثر تميزًا:
-وحشتيني أوي يا سليمة .. وحشتيني لدرجة أني مكنتش عارف نفسي وأنا بعيد عنك
لتشهق من جديد لكنها وضعت يدها على فمها تكتم تلك الشهقة وهي تقول بتأثر:
-أدهم
-قلبة وروحه .. شبيكِ لبيكِ انا بين أديكِ
أجاب ندائها بصوت جعل كل خلجاتها تشعر بالخجل .. ليرحم خجلها خاصة وهي قد اخفضت رأسها وأصبحت تخفي عنه عينيها التي تشع بأمان كبير قادر على طمئنه العالم أجمع .. ليقول ببعض المرح:
-أنا جيت من المطار على هنا .. الشغل وحشني أوي وكنت قلقان علية الصراحة .. لأنه كان تعبان أمبارح شوية
لترفع له عيونها الزاهلة وهي تردد خلفة بتعجب:
-الشغل كان تعبان أمبارح؟!
ليومأ لها ببرائة الاطفال وهو يكمل
-وكنت خايف علية أوي أوي .. وفضلت أدعي ربنا وانا بصلي الفجر أنه يحمية ويباركلي فيه
-الشغل؟!
سالته ونظرات عينيها تخبره بكم هي مشوشة حتى إنها لا تعي أنه يتحدث عنها ليكمل بنفس البرائة:
-أه حتى قالي أمبارح وهو بيكلمني .. هنام بقا علشان تعبانة أوي وعندي شغل كتير بكرة ومديري مش موجود وكل حاجة فوق راسي
لتتسع عيونها بصدمه للحظات ثم أغلقتها بخجل وبعض الإحراج .. ليقترب من وجهها وهمس جوار أذنها
-كان لازم أشوفك اول ما وصلت .. هسيبك تكملي شغلك .. وهروح انااااااااااااااااااااام واشوفك بكرة وهنتكلم كتير
كانت وجنتيها تتلون بألوان الخجل التي تنعش رجولته وتسعده بشده .. ليرفع أصبعية في تحية كتحيه الكشافة وغادر .. لتظل على وقفتها تنظر الي الباب بعدم تصديق وهمستها تصل له
-أدهم رجع
فتح عينيه على صوت هاتفه الذي اعادة الي الواقع من جديد ليمسك به ويرى أسم عدنان اجابة بأبتسامة واسعة:
-ها يا ابني خلصت اللي وراك وجبت الحاجات اللي قولتلك عليها ولا لسة؟
ليقول عدنان بتذمر طفولي:
-أوامرك كلها أتنفذت يا سيدي أي أوامر تانية قبل ما أوصل الفيلا .. ولا العبد الحبشي اللي اشتريته لسه وراه حاجة تانية
ليضحك أدهم بأنشداه وسعادة وهو يقول بصدق:
-يا ابني مش أنت اللي تتطوعت علشان أنا النهاردة عريس
ليصدر عدنان صوت يدل على ضيقه المصطنع .. ليكمل أدهم بنبرة حالمة:
-انا مش مصدق يا عدنان أني خلاص هخطبها .. نفسي أقدر أقنع والدها إننا نكتب الكتاب .. ادعيلي
ليقول عدنان بصوت عالي وكأنه يتمنى تحقيق تلك الامنية حتى يتخلص من أدهم وطلباته:
-يارب يوافق يارب علشان أنا اللي تعبت .. وعلشان نخلص بقا من الاوفر
ليضحك أدهم بسعادة على تذمر عدنان الطفولي والذي ينعش قلبه خاصة وهو يراه أستطاع التغير بالفعل .. تقرب الي الله .. التزامه بالقواعد الذي وضعها له الطبيب بل وأبتعاده نهائيًا وبشكل كامل عن ظلال وذلك كان من أهم الاسباب التي جعلتها تستطيع اخذ قرارها في أرتباطها من مراد أو لا
……………….
وبداخل تلك الغرفة الانثوية الرقيقة التي تسكنها ظلال .. كانت تجلس في منتصف سريرها تتحدث الي مراد بهدوء قدر أستطاعتها علها تستطيع أمتصاص غضبه غير المفهوم بالنسبة لها وأيضًا غير مبرر.. لكنها وللعجب هادئة رغم كل شيء
-أنا مش فاهمة دلوقتي انت متعصب ليه؟ ايه الجديد اللي حصل علشان الغيرة دي كلها .. عدنان من يوم ما اتولدنا وأحنا عايشين مع بعض في نفس البيت .. جدتي وأدهم موجودين كمان في البيت .. ده غير اني أنا قبلت أتخطب ليك وده معناه أني أخترتك أنت .. قدرت أتغلب على كل هواجس الماضي وأختارتك وده يطمنك ويخليك تنسى اي كلام أنا قولته قبل كده لأني لو كنت عايزة أنسى عدنان بيك كنت وافقت على كلمة بحبك اللي قولتهالي يوم الحادثة .. ولعبت الدور اللي انت عايز تعيشيني فيه دلوقتي يا مراد
صمت غير قادر على الرد أمام كلماتها المرتبة والعقلانية .. خاصة مع هدوئها الشديد وثقتها أيضًا .. هو يعلم جيدًا أنه يبالغ في غيرته لكن كل هذا بسبب حبه الكبير لها .. ذلك الحب الذي لم يجربه من قبل .. قلبه الذي أغلقة لسنوات وسنوات حتى وصل لسن الخامس والثلاثون .. دون ان يفكر في الحب او الارتباط … او الزواج
ظل الصمت سيد الموقف لعدده لحظات حتى تنهد هو وقال بأعتراف:
-أنا بحبك يا ظلال .. أنتِ أول حب في حياتي .. أنت دنيا مكنتش بفكر أدخلها أبدًا ولما لقيتك مقدرتش أقاومك ولا أقاوم الحياة الي بتترسم قدامي بكل جمال ورقة .. بريشة فنان متميز عارف هو بيعمل ايه بالظبط .. ظلال انا إنسان موسوس بالنظام والترتيب .. موسوس أن كل حاجة تكون في مكانها وفي وقتها .. جيتي أنتِ وكل حاجة بقت لا في مكانها ولا عارف ارجعها مكانها .. أنتِ أسمك ظلال لكن خليتي حياتي بسببك بقت كلها نور .. وخايف النور ده يكشف ظلامي ووساوسي ومخاوي وعيوبي وتكون النتيجة إنك تبعدي عني
لأول مرة منذ وافقت على الارتباط به .. يتحدث معها بتلك الطريقة .. يوم موافقتها على الارتباط به كان بعد رجوع عدنان من الخارج بشهر .. كانت في هذا الوقت تحاول تجنبه والتقرب لعدنان في محاوله بائسة منها ليراها كما تتمنى ويتحقق حلمها .. لكنه وقف أمامها وبهدوء شديد قال:
-ظلال انتِ بنت عمي وأختي الصغيرة .. أختي اللي ربتها على أيدي .. اختي اللي بخاف عليها من الهوا الطاير واللي هقف جمبها وجمب أدهم وهو بيسلمها لعريسها اللي يستاهلها
كانت الدموع تتجمع في عيونها لكن رغم كل شيء شامخة برأسها للأعلى .. تأبى أن تنهار أمامه او تتوسله الوصال
ليكمل صفعها حتى تبتعد عنه دون رجعه .. ورغم أنها تتألم لكن ألمه هو اكبر بكثير هو من يعشقها .. يقرر الابتعاد عنها بإرادته .. والاكثر يقوم بجرحها وطعن قلبها بخنجر بارد حتى تبتعد عنه تمامًا .. واضع مصلحتها نصب عينيه غير مبالي بألمه هو .. جرحه لن يندمل يومًا لكن جرحها هي مؤكد سوف يندمل .. ستجد من يحبها حقًا ..يدللها يعرف قيمتها ومعدنها ويبذل كل ما يستطيع حتى يسعدها
-ولازم يفهم إني هطلع عينه لو زعلك في يوم .. ويمكن نتجوز في نفس اليوم أدعيلي بس الاقي بنت الحلال اللي أمها غضبانه عليها
وربت على وجنتها وهو يرسم أبتسامة واسعه وغادر لتتحول ابتسامته لبؤس شديد .. وحزن عميق .. والم يرتسم على ملامحه ويحني ظهره .. وظلت هي واقفه في مكانها الدموع تغرق وجهها ونشيج منخفض يصدر عنها ليضمها أدهم بقوة وهو يقول:
-أنا معاكي يا حبيبتي .. عيطي من حقك .. لكن لازم تتخطي .. صحيح منقدرش نلوم عدنان ان قلبه محبكيش زي ما أنتِ حبتيه .. لكن أنتِ قادرة على إنك تنسي .. وتبقى تجربة مؤلمة تتعلمي منها
أومأت بنعم وهي تخبئ وجهها في صدره تبكي بصوت عالي .. ليشد من ضمها وهو يشكر عدنان بداخله .. ما قام به رغم صعوبته فهو عمل نبيل وكما يدعم ظلال في هذه الحالة .. فعليه أن يفعل المثل معه هو يستحق هذا بكل المعاني
في ذلك الوقت ظلت ظلال في غرفتها تبكي أحيانًا .. تهدء وتعود لتبحث عن تبريرات وأحتمالات تبحث عن شعاع نور أمل كاذب أن ما يقوم به له سبب أن هناك ما يمنعه من الاتباط بها .. لكنها وبعد مرور أسبوعين كان قرارها الاخير .. طوي صفحه عدنان فلا أمل بعد كل هذا بينهم .. عادت الي عملها و أول يوم لها كان مراد في أنتظارها في مرأب الاستديو .. ينظر لها بشوق ولهفه .. أقترب خطوة وذراعيه تريد أن تضمها بقوة .. لكنه أنزلها وهو يقول بصوت مرتعش ظهر فيه شوقه الكبير لها:
-حمدالله على السلامة المحطة والبرنامج كانوا وحشين أوي من غيرك
ظلت تنظر اليه بتمعن وبداخلها أخذت قرارها سوف تغلق عينيها التي لا ترى سوا عدنان .. وترى مراد بكل تفاصيله .. وتسعد قلبها بحبه الكبير الواضح إذا لم تستطع أن تحيا مع من تحب .. إذًا لتعيش مع من يحبها يسعدها ويسعد بها
ومنذ ذلك اليوم بدأت تتجنب عدنان كما يتجنبها .. تسعد بلحظاتها مع مراد حتى تلك الليلة يوم أحتفال القناة بذكرى أول حلقة من البرنامج والذي هو نفسه يوم ميلاد مراد وبعد الاحتفال في القناة مع كل العاملين ومدير المحطة .. خرجا سويًا للأحتفال وهناك وبعد الكثير من الكلام قالت له بخجل:
-كل سنه وانت طيب يا مراد .. عقبال سنين كتير جاية حلوة وانت ناجح ومكسر الدنيا
-وأنتِ معايا يا ظلال .. هي دي أمنيتي في عيد ميلادي السنه دي
قاطع كلماتها وهو يقول بكل حب وشوق .. لتبتسم بخجل ليكمل هو بتوسل يلامس قلبها ويربت على جرح قلبها بسبب رفض عدنان لها
-أنا بحبك يا ظلال بحبك جدا .. جدا .. جدا .. انتِ بقيتي كل حاجة في حياتي .. اللي أتحولت من حياة رتيبة ومملة لحياة كلها حياة وحب وسعادة بصوت ضحكتك ونظراتك اللي بتجنني
لترفع عيونها له وقالت بصوت ضعيف بصعوبة سمعه
-أنت عارف مكان أدهم ولو تقدر تقوله الكلام ده قول له وأنا لما يسألني هقوله موافقة
توقف الزمن .. أو الهواء .. توقفت الساعة .. أو انفاسه هو لا يعلم كل ما يعلمه أنه سمع منها الان ما رد له نبضات قلبه المسلوبه منذ أول مرة رأها .. لا يهم توقف الزمن .. لا يهم اي شيء ما يهمه الان أن ظلال تعطيه الضوء الاخضر حتى يقترب ويأخذ خطوه حتى تصبح له
أخذ نفس عميق وهو يقول برجاء
-ظلال أنتِ قولتي أيه؟ بالله قوليلي أني سمعت صح .. أنتِ وافقتي أني أخطبك من أدهم صح؟
أومأت بنعم بخجل وابتسامة خطفت قلبه المسلوب بالاساس ولا يفارقها .. كان يريد أن يغادر مقعده ويركع أمامها يقبل يديها ويوعدها بالحب الابدي . لكن الناس المحيطين بهم جعلوا ذلك العاشق المجنون الذي أكتشفه في نفسه مؤخرًا يظل جالسًا في مكانه
وبعدها كانت الخطوة التي أغلقت قلبها تمامًا من عدنان .. حين كان يجلس جوار أدهم يجادل مراد ويتوعده بأقصى عقاب إذا حزنت بسببه يومًا وبكل قوة وثبات يخبره أنه ك أدهم بالضبط وسوف يقف في وجهه دائما من أجلها
عادت من أفكارها على صوت مراد وهو يقول
-أنا كل اللي محتاجه يا ظلال ان قلبي يطمن مستاهلش أني أطمن
-تستاهل يا مراد .. ومفيش حد غيرك يستاهل .. ولازم تعرف أن لو لقدر الله أفترقنا عدنان مش هيكون السبب .. وياريت نقفل الموضوع ده نهائي عدنان أبن عمي وفي مقام أخويا وبس وياريت تتعامل معاه زيه زي أدهم بالظبط
جاوبته بثقة وقوة ألجمت لسانه لثوان .. لكنه في النهاية تنهد براحه وقال بهمس:
-بحبك
-وأنا كمان يا مراد بحبك
ليغلق الهاتف معها بعد أن ظل يتحدث معها لأكثر من ساعة .. عن التغيرات الذي يقوم بها في شقته من أجلها .. وأرسل لها بعض الصور لتختار ما تريده .. وأنه في انتظار قرارها الاخير عن موعد عرسهم
……………..
تجلس في غرفتها منذ الصباح تستعد كأي عروس بوضع المسكات على وجهها .. والاسترخاء حتى تبدوا امام العريس وأهله ببشرة نضره خاصة وهي لا تضع الكثير من مساحيق التجميل .. فقط كحل أسود يحدد عينيها .. وبعض الحمرة الخفيفة على الوجنتين وملمع خفيف لشفتيها .. أقرب للمرطب
لكن تلك الجلسة تحولت لحلقة من الذكريات خاصة بعد تلك الليلة التي اعترف لها فيها بحبه ورغبته في الارتباط بها .. واليوم الذي تلاها حيث وجدته نائم في مكتبه .. ثم ما حدث خلال فترة سفرة .. كان يتصل بها كل يوم صباحًا يطمئن عليها وعلى سير العمل وإذا كانت بحاجة لسؤاله عن شيء .. وفي المساء يتصل مرة أخرى حتى يقص عليها كل ما حدث معه ورغم انها كلها أمور مكررة لكنها كانت تستمع له في كل مرة بتركيز شديد وتجيبه بأهتمام أشد .. وذلك كان يجعله يشعر ببعض التحسن وبعض المؤازرة
لم يتجاوز معها في الحديث لكنه كان يخبرها في كل مرة كم يرتاح للحديث معها ويشعر بالامان والدعم حتى انه في إحدى تلك المرات قال لها بوضوح وصراحة:
-من اول مرة شوفتك فيها هيئتك، صوتك، أسلوبك في الكلام خلاني احس بحاجات أول مرة كنت احسها .. وقتها سيطر عليا أحساس أني عايز أشوفك كل يوم .. عايز أسمعك كل يوم .. ولما أكتشفت أنك عارفة بموضوع مرضي .. كنت خايف أشوف في عينك نظرة خوف او رفض .. لكن أتفاجئت بنظرة الدعم والتشجيع .. وقبول ودعم اللي خلاني لما عرفت مشكلة عدنان لقيت نفسي بجري عليكي أنتِ .. ودلوقتي ورغم كل المسافات وأنك في قارة وأنا في قارة لكن حاسس إنك واقفة جمبي وسنداني
شعرت حينها برغبة قوية في ضمه الي صدرها .. أن تخفية عن العالم أجمع .. أن تحمل بدلًا عنه كل تلك المشاكل والهموم
أبتسمت بخجل وهي تتذكر ذلك اليوم الذي تفاجئت به يقف امامها في مكتبها بالمؤسسة وكانت تظنه مازال بالخارج .. ليصدمها بأنه أتى ليراها مباشرة بعد وصوله حتى أنه لم يذهب الي بيته ولم ينم .. تتذكر جيدًا ان بعد رحيله ظلت أكثر من نصف الساعة سارحة وعلى وجهها أبتسامه بلهاء .. ولم يخرجها من تلك الحاله سوا أتصال هاتفي تنهدت ببعض الراحة وأبتسامة شقاوة ترتسم على محياها وهي تتذكر ذلك التحول الذي حدث له وظهور ثامر العابث وما حدث بعد ظهورة وكل الاحداث التي تلاها
كانت تجلس في مكتبها ترتب بعض الاوراق أستعدادًا لاجتماع هام وطارئ ليطلب منها الحضور لكن صوته كان غاضب بشده .. دلفت اليه بعد أن طرقت الباب عده مرات لكنه لم يسمح لها بالدخول لتفتح هي الباب ودخلت ليصدمها صوته وهو يقول:
-خبطي بعد كدة خبطة واحدة وأدخلي أنتِ مش داخله عليا أوضة نومي ف هتلاقيني قالع مثلًا
شهقت بصوت عالي من كلماته الوقحة ليرفع عينيه اليها لتفهم أن من يتحدث هو ثامر وليس أدهم .. كشرت حاجبيها وهي تنظر له ببعض الشر ليكمل هو وقاحته المحببه على قلبها للأسف :
-وبعدين أكيد أنا مش هفكر اغريكي .. أنتِ مش من نوعي المفضل
لتغمض عيونها بشر وقالت من بين أسنانها
-وأنت كمان مش من نوعي المفضل .. وانا هنا علشان الشغل مش علشان اعجب بيك ولا أوقعك في شباك حبي
لتظهر الصدمه على ملامحه وهو يقول بغضب مجروح:
-ليه بقا أن شاء الله مش قد المقام ولا مش وسيم ورجولة .. وطول بعرض وعيوني تجنن وكاريزما
لتبتسم ببعض الاستهزاء وقالت بعدم مبالاه:
-بالعكس خالص أنت مش من النوع اللي يعجبني ولا من النوع اللي يملى عيني اصلًا
كاد أن يجيب عليها لكن رنين هاتفه قاطعه لينظر الي الاسم وأبتسم بشر وهو يجيب مدللًا لمن تحدثه:
-حبيبتي وحشتيني يا بت .. فين الغيبة دي كلها .. هان عليكي ثمورتك .. وحشتني شقاوتك .. أخبار الوحمة ايه؟
رغمًا عنها ورغم انها تعلم جيدًا أن تلك الشخصية الاخرى وأن لها شطحات لكن نار حارقة أشتعلت داخل قلبها .. وقبضة من حديد أعتصرته حتى كاد نبضها يتوقف .. تجمعت الدموع في عينيها .. وهي تستمع له يتغزل في من تحدثه بكلتلك الفجاجة والوقاحة .. لكنه صمت تمامًا حين لاحظ حالتها .. هناك في عمق قلبه شيء ما كان يؤلمه .. دموعها او حزنها هو لا يعلم لكنه وجد نفسة يغلق الهاتف وظل ينظر اليها بصمت حزين .. لترفع عيونها لخاصته لعده لحظات ثم قالت بصوت مختنق:
-حضرتك عايز حاجة مني ولا ممكن ارجع مكتبي
أقترب عدة خطوات وكان يريد قول اي شيء لكن عقد لسانه وشعر أن لا يوجد ما يقال أو هو لا يعرف ماذا عليه أن يقول بالتحديد .. يعتذر .. لماذا؟ هي لا تخصه بأي شيء حتى يعتذر لها عن مغازلة غيرها .. لكن لماذا هي تتألم؟ .. وقلبه يتألم على ألمها
لكنه هز رأسه بلا .. لتعطية ظهرها وغادرت مهرولة .. ليجد قدمية تأخذه الي الباب يفتحه برفق .. ينظر اليها وهي تضع رأسها فوق ذراعيها المستريحان فوق المكتب تبكي بقهر .. لماذا؟ هو لا يفهم
ظلت طوال اليوم تتجنبه وكذلك هو وفي نهاية اليوم غادر دون أن يتحدث اليها بحرف .. وحين عادت الي بيتها أول ما فعلته حين دخلت الشقة ركضت الي غرفتها ومنها الي الشرفة تبحث عن اي أثر له .. سمعت صوت صادر من الشقة وبعدها بلحظات صوت تهشم شيء ما وصوته الغاضب وهو ينطق بعض الافاظ النابية .. ثم هدوء تام ..ظلت واقفة في مكانها لا تعرف كيف تفسر ما شعرت به من غيرة ونار حارقة تلتهمها من الداخل .. صوت تحريك الكراسي نبهها من أفكارها لتنظر عبر ثقوب الارابيسك لتجدة يجلس على إحد الكراسي ويمدد قدمه على الكرسي الاخر وبين يده كوب قهوتة صاحبة الرائحة المميزة لا يرتدي سوا بنطال بيتي فقط لتشهق بصدمه وخجل .. وركضت الي الداخل ليبتسم هو بشقاوة فقد لاحظ وقفتها وشرودها وحرك الكرسي بصوت عالي لتنتبه لحضوره .. وبعد أكثر من ساعة دخلت الي الشرفة من جديد لتجده مازال هناك على نفس الوضعية لتعود الي الداخل وظلت على هذا الحال حتى الليل تنظر اليه لتجده بنفس الوضع حتى أكتشفت أنه كان نائم .. لتبتسم رغم عنها .. فدخلت حتى تتناول الغداء مع والديها وكانت حينها شارده تمامًا وذلك زاد من قلق والديها لكنها في الحقيقة لم يكن لديها مبرر أو توضيح تقوله لهم ف انسحبت الي غرفتها متحججه برغبتها في النوم ولكنها كانت تريد أن تطمئن علية لتجده قد غادر وأبواب الشرفة مغلقة لتعرف أنه رحل شعرت بالاحباط وهي لا تعرف أين ذهب .. وسؤال حارق كاد يقتلها.. هل ذهب للقاء تلك الفتاة؟!
في صباح اليوم التالي ذهبت الي المؤسسة ويرتسم على وجهها الحزن والغضب في مزيج غريب .. وكل هذا يغلفه الصمت .. حتى لو أخبرها أنه سوف يخطبها لكنه لم يصبح خطيبها بعد كما انها غير قادرة على محاسبته على ما قامت به شخصيته الاخرى .. لكن ماذا تفعل في تلك الغيرة التي تنهش قلبها كذئب جائع؟ حين حضر كانت أبتسامته الودودة المريحه للقلب والنفس ترتسم على محياة لكنها قابلته بذلك الوجه الغير المفسر .. وزاد الامر أنها تتحدث معه برسمية شديدة .. في اي حديث هناك كلمة “حضرتك ويا بشمهندس .. وأحيانًا يا فندم” ولا تعطيه فرصة لسؤالها عن اي شيء لكن على نهاية اليوم لم يعد يتحمل ف كثرة العمل والمقابلات كانت تقف في صفها وتضع حائل غير مرئي بينهم .. لكن لن يدعها تذهب اليوم دون أن يفهم سبب ذلك الحزن المخلوط بغضب رفع الهاتف وبكل رسمية طلبها
-أنسة سليمة ممكن تجيلي لحظة لو سمحتي
-حاضر
أجابته بهدوء ظاهري يصل لحد البرود .. لحظات وسمع طرقاتها الرقيقة على الباب سمح لها بالدخول .. وقفت أمامه وبين يديها المفكرة الخاصة بها والقلم وقالت:
-تحت أمر حضرتك
لا هذا كثير جدًا هو لم يعد يتحمل غادر مكتبة ووقف أمامها وهو يقول ببعض العصبية:
-في أية يا سليمة مالك؟ أنا عملت حاجة تزعلك
لمعت شرارة غضب قوية في عينيها لكنها أسبلت جفنيها وقالت
-لا يا فندم
ليصرخ بصوت مكتوم
-بطلي بقا .. طول اليوم يا فندم وحضرتك وأوامرك .. يا سليمة لو عملت حاجة ضايقتك قوليلي .. أمبارح واقع مني ومش فاكر حصل فيه ايه وده معناة ان الشخصية التانية هي اللي كانت موجودة .. لما كنت ثامر تطاولت عليكي بالكلام أو بالفعل؟ أرجوكي قوليلي كل حاجة من فضلك
صمت ينتظر أن تجيب تسألاته أن تطمئن قلبة .. ليتحول الغضب الذي كان يملئ قلبها الي شفقة وحزن لتسبل أهدابها من جديد وقالت بحرج:
-قولتلي أني مش من النوع اللي انت بتحبه وأنك مش هتعاكسي ولا حتى هتحاول تتقرب مني .. وتغازلني
أتسعت عينيه بصدمه من وقاحة الاسلوب .. وما سبب لها من جرح لكنه لم يكن يتخيل أن القادم أصعب .. حين أكملت بصوت مختنق:
-وفيه واحدة أتصلت بيك وفضلت تتكلم معاها وتقولها .. تقولها .. تقولها
-أوقولها أية؟!
قال ببعض العصبية يحثها على إكمال كلماتها .. لتنحدر دمعه من عينيها وهي تقول بصوت ضعيف:
-كنت بتحب فيها وواضح أن فيه بينكم علاقة قوية .. كنت بتسألها عن .. عن
-عن؟!
سأللها بصوت مختنق .. لتغمض عينيها بقوة وهي تقول بصوت يكاد يسمع
-كنت بتسألها عن الوحمة
لو سأله أحد الان هل تتنفس فالاجابه لا .. وإذا سأله هل مازال هناك نبض بقلبك؟ فالاجابة أيضًا لا .. خيم الصمت عليهم لعده لحظات أو دقائق .. كل منهم يحارب الكثير من المشاعر والاحاسيس .. هي تحاول منع المزيد من الدموع من الانحدار من عينيها وهو كان يحاول أن يجد كلمات يواسيها بها وتكون مناسبة وكافية للأعتذارلكنه وجد نفسه يقول بحزن شديد وخجل:
-مفيش كلمات أو أعتذارات تكفي للي أنتِ سمعتيه يا سليمة .. ولا للجرح الواضح في عنيكِ اللي أفديه بحياتي وروحي .. كلمة أسف مش هتشفي الجرح لكن للأسف ده أنا شخص مريض عندي شخصيتين والشخصية التانية للأسف مليش عليها سيطرة ولا بقدر أتحكم فيها .. بس ده ميخليكش تستحملي أو تقبلي .. أنتِ مش مجبره أكيد .. دي مشكلتي أنا يا آنسة سليمة .. ومن كل قلبي أنا أسف .. أسف
وتركها تشعر بالصدمه من حديثه وغادر المكتب بل والمؤسسة ككل .. ماذا الان؟ .. هل تخلى عنها؟ .. هل هو الان يترك يدها التي كاد أن يمسكها؟ … والسؤال الاهم ماذا عليها أن تفعل الان؟
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية أو أشد قسوة) اسم الرواية