Ads by Google X

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني 2 الفصل الحادي عشر 11 - بقلم سماح نجيب

الصفحة الرئيسية

 رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني 2 الفصل الحادي عشر 11 - بقلم سماح نجيب 

ظل يلوم ذاته ويجلدها بسياط الشعور بالذنب على ما آلت إليه أمور حبيبته ياسمين ، فها هى مازالت على قيد الحياة ولكنها فقدت بصرها ، فقدت ذلك النور الذى كان يشع من كلتا عينيها ، اللتان كان يتمنى منهما نظرة واحدة أو أن تنظر له برضى ، إستند بمرفقيه على ركبـ ـتيه ووضع رأ سه بين يـ ـديه ، ولم يعد يرى أو يسمع شيئاً رغم ذلك التكدس الواضح بذلك الرواق الجالس هو أمام إحدى غرفه ، ولكن ربما سيظنه الجميع جالساً ينتظر أحد المرضى ، مثلما جلس العديد من الأشخاص بإنتظار خروج مرضاهم
ولكن بدا كأنه نسى أمر تلك الفتاة التى من المفترض أنه جاء لتلك المشفى من أجلها ، فما أن رآى ياسمين نسى كل شئ ولم يعد يتذكر أحدًا سواها ، منتظراً أن تخرج من غرفة ذلك الطبيب ، ليلج هو إليه ليعلم منه القصة كاملة بشأن إصابتها بالعمى ، وهل سيستمر وضعها هكذا ، أم أن هناك أمل بشفاءها وعودتها لما كانت عليه ؟ قبل ذلك الحادث اللعين ، الذى دبره عمه لها من أجل قتـ ـلها ، حتى لا يعود ويفكر بها ، ولكنه لا يعلم أن بفعلته تلك جعله يغلق قلبه ويعلق على بابه شارة ممنوع الدخول ، لأنه لم يرى أنثى غيرها تستحق أن تسكن قلبه ، بل أن يهبها حياته بأكملها
سمع صوت إدارة مقبض باب غرفة الطبيب ، فهب واقفاً ورآى ياسمين ووالدتها تخرجان من الغرفة وسمع صوت والدتها تقول بأمل :
– سمعتى يا ياسمين الدكتور بيقول أن الحمد لله فى تحسن فى حالتلك يا حبيبتى
تنهدت ياسمين بعمق وردت قائلة بصوت واهن :
– ماهو بيقول كده بقاله سنتين يا ماما إيه اللى أتغير يعنى ، من ساعة الحادثة وأنا بسمع الكلام ده ، وأنا قولتلك أنتى وبابا أنا خلاص الحمد لله راضية بقضاء ربنا وبلاش تتعبوا نفسكم بأنكم تصرفوا الفلوس دى كلها
آه لو تعلم كيف تمزق شغاف قلبه بعد سماع قولها ، ليته يهبها عينيه ويرى جمال الدنيا من خلال عينيها ، فكم سيكون سعيداً عندما تحمل عيناه بين جفنيها ، تفتحهما وتغلقهما وترعاهما بحرص ويكفيه أنها هى من ستأخذ حبيبتاه ، تبعهما حتى وصلتا لباب المشفى الخارجى ، وقفتا بالخارج وحاولت والدتها أن تشير لسيارة أجرة ، فأسرع ديفيد إليهما وهو يقول:
– أتفضلوا حضرتك أوصلكم أنا معايا عربية
عقدت والدة ياسمين جبينها وردت قائلة برفض :
– لاء شكراً إحنا هنوقف أى تاكسى
فكر ديفيد للحظة وما لبث أن قال بكذبة متقنة :
– أنا حضرتك شغال على العربية دى هى تبع أوبر فهوصلكم وأخد أجرة عادى متقلقيش
لم تقتنع ياسمين بحديثه ، فقالت بتوجس :
– بس اللى اعرفه أن عربيات أوبر بنطلبها من الأبلكيشن مش أنك أنت اللى تقولنا تعالوا أركبوا ، أنت عايز مننا إيه بالظبط
حك ديفيد مؤخـ ـرة عنقه لعله يبحث عن رد مقنع ، فإبتلع لعابه قائلاً بثبات مزيف :
– حضرتك صدقينى أنا أى نعم بشتغل على عربية أوبر بس أنا إبن ناس ومتعلم ومعايا شهادة جامعية ، ودى شغلانة مع الوظيفة وكنت هنا فى المستشفى بزور واحد صاحبى وخرجت لقيتكم بتشاورا لتاكسى ومفيش حد راضى يقف ، فقولت تبقوا أنتوا أول عملاء ليا النهاردة ، بس براحتكم مش عايزين تمام مفيش مشكلة
لم تعلم ياسمين ما الداعى له أن يذكر أنه شاب من عائلة محترمة أو أنه حاصل على شهادة جامعية ، فهل هو يعمل سائقاً للسيارة ، أم أنه سيتقدم لوظيفة لديهما ، زاد توجسها منه أكثر ، فقبضت على ذر اع والدتها بكلتا يـ ـديها وأحثتها على ضرورة إيجاد سيارة لتعودان للمنزل ، ولكن كأن الطريق أصبح خاوياً فجأة من سيارات الأجرة ، لذلك أذعنت والدتها لمطلب ديفيد بأن يصلهما ، فهى لا تريد أن تتأخران بالعودة إلى المنزل أكثر من ذلك
ملأت السعادة وجه ديفيد وهو يسمع والدة ياسمين تقول بحذر :
– إحنا هنركب معاك بس صدقنى لو طلعت مش كويس هوديك فى داهية أنت فاهم
حاولت والدة ياسمين أن ترهبه بحديثها ، حتى لا يفكر بأن يحاول إيذاءهما ، فهز ديفيد رأ سه قائلاً بإحترام غير معتاد :
– متقلقيش حضرتك والله أنا هوصلكم لحد البيت ، زى أى تاكسى كان هيوصلكم أتفضلوا
فتح ديفيد الباب الخلفى للسيارة ، فصعدت ياسمين للسيارة بمساعدة والدتها التى جاورتها بالمقعد الخلفى ، ولم يخفى عليه وهو ينظر بمرآة السيارة أن والدة ياسمين مازالت تشعر بالخوف بل تحرك شـ ـفتيها بكلمات غير مسموعة كأنها تتحصن بالذكر من أى شر يمكن أن يصيبهما
قاد السيارة بهدوء ولكى لا يكشف أمره أمامهما ، إلتفت برأ سه لهما وسأل والدة ياسمين عن عنوان المنزل ، فأخبرته بالعنوان وقاد السيارة دون الحاجة لسؤالهما عن الطريق مرة أخرى ، وما أن وصلوا لذلك الحى الواقع به منزلهما
ترجلت والدة ياسمين من السيارة وهى تزفر براحة ، فقالت وهى تخرج النقود من جزدانها الجلدى :
– متشكرين يا إبنى فلوسك أهى ، ثوانى بس أنزل بنتى
فتحت الباب المجاور لياسمين ، وأسرع ديفيد بالترجل من السيارة لعله يقدم لهما يـ ـد المساعدة ، ولكن رفعت والدة ياسمين يـ ـدها تشير له بإلتزام مكانه وعدم التقدم منهما ، لكونها لن تسمح بأن يضع يـ ـده على إبنتها حتى لو كان سيقدم لها المساعدة ، ولكن تعثر ياسمين بحجر صغير أثناء سيرها وهى متأبطة ذرا ع والدتها ، جعله يهرع إليها يسندها قبل أن تسقط على الرغم من أن والدتها كفيلة بأمر إسنادها وتجنبها السقوط ، ولكن رغبـ ـته فى أن يشعر بملمـ ـس يـ ـدها مرة واحدة ، جعلته يقترب منها ويمد لها ذرا عه ، فأنتفضت ياسمين من فعلته ما أن شعرت بملمس يـ ـده القابضة على يـ ـدها
سحبت يـ ـدها من كفه وهى تزجره بصوتها الغاضب :
– فى إيه يا أستاذ أنت ، أنت مش خلاص وصلتنا وخدت أجرتك أتفضل أمشى بقى
حتى لو قذفته بحمم بركانية ، لن يغادر من هنا ، قبل أن يراها تلج للمنزل ، ويكفى أنه شعر بها قريبة منه ولو لبرهة قصيرة ، ورغم ما رآه من تعجب على وجه والدة ياسمين إلا أنها لم تفه بكلمة سوى إنها أشارت له بعيـ ـنيها أن يغادر على الفور
عاد لسيارته بعد أختفاؤهما عن عيـ ـنيه ، قبض على مقود السيارة بأصابع متشنجة حتى أبيضت مفاصل يـ ـده ، فكيف يصلح هو ذلك الخطأ الفادح بحقها ؟
على الرغم من أن قلبه عاد ينبض بلهفة وإبتهجت نفسه بعلمه أنها مازالت على قيد الحياة ورغبـ ـته فى أن يظل بمكانه فى هذا الحى ، ولكن بتذكره أن هناك بالمشفى مازالت ترقد تلك الفتاة التى من المفترض أن يعود إليها ليصطحبها ، قاد السيارة بعدما ألقى نظرة على منزل حبيبته ، وكسا الحزن وجـ ـهه ، لعلمه بأنه لن يعود ويراها تقف بالشرفة تداعب عصافيرها ، فتلك الصورة الحية والتى تنضح بالحياة لن يعود ويراها بها ثانية إلا إذا عاد إليها بصرها
ولكن كيف يعيده إليها ، أو بالأصح كيف سيقدم مساعدته ومعاونته لكى تعود ياسمين تلك الفتاة التى سلبت وخلبت لب عقل و قلب ذلك الشاب الذى تتعارض أصوله وجذوره مع أصولها وجذورها ، ولكنه لا يرى ذلك حائلاً بينهما خاصة الآن ، فياسمين لن يعود بإمكانها أن تراه على تلك الصورة التى رآته بها بتلك المرة التى تقابلا بها ، وعلى أغلب الظن أنها لم تعد تتذكره ، أو تتذكر ذلك الإسم الذى أطلقه على نفسه ليتيح لنفسه الفرصة بأن يقترب منها ، وربما قد جاءته فرصة ذهبية بأن يعود إليها بصورة أخرى ، وستساعده كذبته التى أتقنها منذ قليل ، بأن يجد طريقة أو أخرى ليتقرب منها ، فمن من عائلتها بإمكانه أن يكتشف أنه ليس شاب يعمل سائق لسيارة أجرة
لم يخرج من دوامة تفكيره ، إلا بعدما إصطدمت نظراته بتلك اللافتة العريضة والتى تحمل إسم المشفى ، فعلم أنه وصل لوجهته ، التى لم يكن يعلم هل سيصل إليها ، أم سيظل عالقاً هناك بذلك الحى الذى تقطن به من أعادت القلب نابضاً ، بعدما كان ظن أنه لن يعود وينبض من جديد
ترجل من السيارة وولج للداخل حتى وصل لتلك الغرفة التى مازالت تقبع بها تلك الفتاة الحانقة ، والتى ما أن رآته حتى نهضت من فراش المشفى وهى تصيح :
– هل تذكرت أننى مازالت هنا ؟ أين ذهبت وتركتنى يا ديفيد ؟
بخطوتين كان قاطعاً المسافة التى تفصله عنها وقبض على ذراعها محذراً إياها من مغبة الإستمرار بصياحها :
– كُفِ عن صياحك وإلا قطعت لسانك وقدمته لكِ على العشاء ، أفهمتى
اغمضت عيـ ـنيها بإنتشاء من تهديده ، فهو مازال قادراً على إستمالتها بعنفه وتهديده ، وتجد متعة بإثارة أعصابه وغضبه ، حتى ينتهى اللقاء بينهما بوصال تجعله هو يخوضه منذ البداية للنهاية مكتفية بإستمتاعها بخضوها له
رفعت يـ ـدها السليمة وأحاطت وجنته وتنهدت بعمق مشوب برغبـ ـتها التى لم تستطع عينيها إخفاءها :
– كم تفتنى شراستك يا ديفيد ، فأنا ملك لكِ أفعل بى ما شئت
كره خضوعها وتفكيرها ولا يخفى عليه دعوتها الصريحة بأنها تريده أن يطلق العنان لغرائزه مثلما كانا معتادان على فعلك ذلك بتلك الأيام الخوالى ، وقبل أن تأتى تلك الزهرة النقية التى فتنته حتى جعلته يخشى التفكير بها فى أحلامه بطريقة تنافى تلك الحقيقة التى يراها بها
– هيا بنا لكى أعيدك للفندق وكونى حذره بالمرة المقبلة ، وإلا سأعيدك غداً إلى صقلية
قالها ديفيد بغيظ وأمسكها من ذرا عها وأخذ حقيبتها من على الكومود الموجود بجوار السرير ، ألقاها بوجهها ولكنها كانت متيقظة لفعلته، فإلتقطتها وهى تبتسم، وهذا ما زاد بغيظه لعلمه بأن وجودها سيزيد من تعقيد الأمور
أخذها وخرج من الغرفة وذهب لدفع مستحقات المشفى ، ثم عاد يجرها من مرفقها ، كأنه يريد إلقاءها بالبحر إن إستطاع فعل ذلك ، وصلا لسيارته وصعدا إليها ، فقادها ديفيد حتى وصلا لذلك الفندق الذى تقيم به
هتف بها دون أن يرمقها بنظرة واحدة :
– ها قد وصلنا للفندق ، إصعدى لغرفتك ولا تتركيها اليوم ، أحصلى على قسط من الراحة وبالغد سأراكِ
أدعت البلاهة كأنها لم تسمع ما تفوه به ، فنظرت إليه وهمست ببراءة وأنين مزيف :
– ولكنى أشعر بالألم يا ديفيد ، يـ ـدى ورأ سى يألمننى كثيراً ، وأخشى أن ينتابنى الدوار ، فهل ساعدتنى لكى أصل لغرفتى ومن ثم بإمكانك أن تغادر
ربما كان مازال تحت تأثير رؤية عاهة معشوقته ، لذلك ما أن ناشدته تلك الفتاة بصوتها أن يساعدها ، خرج من السيارة وقدم لها يـ ـد المساعدة على الفور ، إستندت على ذرا عه وهو يحيطها ولم تنسى أن تطلق آنات خافتة من وقت لأخر ، لتوهمه أن أنينها نابعاً من شعورها الساحق بالألم
أنطلت عليه حيلتها وخدعتها ، لكون عقله منشغلاً بما حدث له اليوم ، ولم يدرك مدى نجاحها بخطتها ، إلا عندما وصلا غرفتها وطوقت عنقه وراحت تعانقه بعاطفة مجنونة ، وكأنه بتلك اللحظة صاراً جمادًا غير قادراً على ردعها ، فتلك الحالة من البلادة والبلاهة التى تلبسته ، جعلته لايدرك ما يحدث منها ، إلا عندما طاف وجـ ـه ياسمين أمامه ، فدفعها عنه ولم يكتفى بذلك بل صفعها على وجـ ـهها ، لعلها تكف عن أفعالها
ولكن مازادتها صفعته لها سوى أن طلبت منه الوصال علانية ، فإن كان بوقت من الأوقات شعر بعاطفة نحوها ، إلا أنه العاطفة الوحيدة التى يكنها لها حالياً سواء هى أو غيرها هى المحال ، كأنه أصدر فرماناً بأن قلبه لن تسكنه سوى محبوبته ياسمين ، حتى وإن لم يجمعهما درب أو طريق ، ولكن كأنه يكفيه ذلك الشعور المتقد بقلبه ، والذى يعلم أنه سيأتى الوقت ويكون حارقاً ولن يخمد إلا بخوض حرب لا يعلم كيف ستكون نهايتها
نسى أنها لا تفهم العربية فراح يغرقها بسيل من الشتائم لعلها تحل عنه ، فقبض على ذراعيها وقال بحنق وهو يهزها بعـ ـنف حتى إصطكت أسنانها ببعضها :
– أنتى بتعملى إيه ، خلاص اللى بينا أنتهى من زمان ، أنا من بكرة هرجعك على إيطاليا أنا مش فاضيلك.
عقدت جبينها لعلها تفهم شيئاً مما يقوله ، إلا أنها لم تعى سوى معنى كلمة واحدة ” ايطاليا” فتكهنت أنه ربما بصدد أخذ قراره بأن يعيدها لموطنها
أخذت تتوسل اللين من عيـ ـنيه العاصفتين فقالت بطاعة مزيفة :
– أنا أسفة ديفيد ، ولكنك حقاً لا تعلم كم أشتقت إليك ، وإذا أردت إعادتى لإيطاليا ، فأقضى معى تلك الليلة فقط
حرك ديفيد رأسه سلباً وهو يقول برفض قاطع :
– لا لن أقضى معك الليلة أو أى ليلة أخرى ، ولا أريد لمسك سواء أنت أو أى إمرأة بالعالم سوى…..
بتر عبارته وإلتزم الصمت ، كأنه يحث قلبه وذاته على إدخار لمـ ـساته وعواطفه من أجل ياسمين فهو لا يملك الوقت الكافى لتلك الفتاة ، خاصة أنه الأن لديه ما يشغله ، كأن يعثر على السبيل الذى يجعل يتقرب من حبيبته ، والتى ما أن طاف وجـ ـهها بعقله ، إبتسم تلقائياً حتى ظنته تلك الفتاة أنه يبتسم لها ، وهذا ما أتاح لها فرصة تمرير يـ ـدها على وجنته ، كأنها نسيت أنهما بالفندق والباب مازال مفتوحاً على مصراعيه ، ولكنها لا تتقيد بتلك التقاليد ، فهى ما أن ترغب بفعل شئ تفعله دون إعتبار لأى أمر بإمكانه أن يعيق أو يحد من إستمتاعها الذى لا حد له
ولكن الوحيد الذى يجعلها تشعر أحياناً بأنها لابد أن تلتزم حدودها وألا تتخطاها هو ديفيد بعينه ، والذى أختبرت كيف يكون شاباً لا يضع لجمـ ـوحه معها حداً ، نظراً لكونها هى من تمنحه موافقتها الكاملة على ما يفعله ، وكيف يحكم سيطرته على جنونها وألا يجعلها تتمادى به إلا إذا صرح لها هو بذلك ، كأنها دمية بين يـ ـديه ،يعطيها حريتها عندما يريد ويسلبها إياها وقتما يشاء ، وهذا ما يجعلها مطيعة بين يـ ـديه كونها تتخلى عن كبرياءها كأنثى من أجل إستمتاعها بسيطرته عليها
❈-❈-❈
هبط عمرو الدرج بخطوات واسعة ، وهو بنيته الخروج من المنزل للذهاب لزيارة إمام المسجد ، وتقتصر زيارته له بالمسجد ، كونه أنه لم يريد أن يكون متطفلاً عليه بمنزله ، على الرغم من أن الإمام دعاه أكثر من مرة ليلتقى به فى بيته ، ولكن عمرو كان يرفض دعوته بتهذيب
ما أن وصل للصالة الفسيحة وجد والدته جالسة تتصفح إحدى المجلات ، أراد إستكمال سيره دون أن يوجه لها كلمة واحدة ، فالعلاقة بينهما لم تتحسن عن ذى قبل ، بل ظلت علاقة مشحونة بالنفور من جانبه ، لكونها لم تكن له يوماً تلك الوالدة التى تمناها وكان بإنتظارها أن تنقذه من بين براثن زو جها المريض بساديته ، تبادلا النظرات سوياً محمولة بالضعف من جانبها وبالبرود من جانبه ، لأنه لم يعد يملك أى عاطفة تجاهها بإمكانه أن يقدمها لها بحكم أنها والدته ومن أنجبته ، ورغم ذلك لم يسئ معاملتها يوماً بل جعلها تحيا بكنفه برغد من العيش وتنال كل ما ترغـ ـبه ، عدا أن تطمع فى أن يقدم لها أكثر من ذلك وأن يظهر لها حبه وعطفه كإبن لها
تركت والدته المجلة من يـ ـدها ونهضت عن مقعدها وأقتربت منه وسألته بإهتمام :
– أنت رايح فين يا عمرو
عقد عمرو ذراعيه أمام صـ ـدره ورد قائلاً بنبرة خالية من الود :
– خارج عندى مشوار مهم خير كنتى عايزة منى حاجة
دمعت عيـ ـناها من لهجته الجافة معها ، فإمتدت يـ ـدها له ولمـ ـست ذرا عه ، لعلها تستجلب تلك العاطفة التى من المفترض أن تكون بينهما بحكم أنها والدته ، إلا أنه نأى بجـ ـسده عنها ، وتقلصت شـ ـفتاه كأنه رافضاً لمـ ـساتها وإقترابها ، ولكن ذلك لم يمنعها من أن تعيد الكرة مرة أخرى وتقدمت هاتان الخطوتان اللتان إبتعدهما عن مرمى يـ ـدها
توسلت اللين من عيـ ـناه وهى تقول بندم متأخر :
– عمرو أنت ليه بتعاملنى كده ، دا أنا مامتك
أشاح بوجـ ـهه عنها ،ورد قائلاً بنفاذ صبر :
– ماما حضرتك عايزة إيه منى بالظبط ، لأن مش كل شوية هنتكلم فى الموضوع ده ، أنا مش عايز أجرحك زيادة وعلشان كده ياريت متتكلميش فى الموضوع ده تانى
لم تتأثر بوابل كلماته الجافة ، فقبضت على ذرا عه بشئ من الحدة ، وتبدلت نظراتها العطوفة بأخرى أكثر ضيقاً من رده الجاف على سؤالها ، فهتفت به بغضب :
– أنت لحد أمتى هتفضل بأسلوبك ده معايا ، لو كده أنا هسيبلك البيت وأشوف أى مكان تانى أعيش فيه يا عمرو وأشبع بالبيت وبفلوسك
أدنى عمرو برأ سه منها نظراً للفارق فى الطول بينهما ، وقال بنبرة تفيض بالألم والخزى والخذلان :
– وأنتى من أمتى مكنتيش سيبانى ، أنتى مفكرة أنك كنتى أم زى باقى الأمهات ، أنا لو كنت إبنك بجد كنتى هتبقى حمايتى ضد أى حد عايز يأذينى ، متقوليش كلمة أنا مامتك دى تانى لأنك لو كنتى تعرفى معناها جايز مكناش وصلنا للى إحنا فيه دلوقتى ، أنتى دلوقتى عايزة تلعبى دور الأم لأن ده اللى فاضلك ، لكن لو الكلب اللى كان جو زك لسه هنا مكنتيش أفتكرتينى ولا فكرتى فيا ، صدقينى دور الأم مش لايق عليكى
منذ الوهلة الأولى التى رآت بها دنو وجـ ـهه منها ، أسرعت بترك ذرا عه ، بل حثت قدميها على الإرتداد للخلف ، كلما سمعت كلمة من حديثه ، ولكنه لم يرأف بها ، إذ كان يتبع خطواتها ويقذفها بما فى قلبه من مشاعر وعواطف سامة ، لم يستطع التخلص منها مثلما تخلص من إدمانه ، أو محاولته لأن يعود للطريق المستقيم
وصولها لأحد الجدران ، كان إنذار لها بأنه لم يعد لديها متسع من الهرب من حديث إبنها ، الذى فاحت منه رائحة الكراهية كونها هى من أنجبته ، فألتزم عمرو بمكانه الذى إبتعد عنها بضع خطوات . رآى علامات الذعر على وجهها ، ويمكن هذا ما أنقذها منه ، كونه أنه حتى إذا كانت لم تكن له أم كما تمنى ، إلا أنه يعلم أنه لن يستطيع مـ ـسها بسوء أو مكروه
إبتسم عمرو قائلاً بتهكم :
– أنا خارج يا ماما عايزة أجبلك حاجة وأنا راجع
حركت رأ سها نفياً ، ولم تتمنى بذلك الوقت سوى أن يطلق سراحها ، حتى يعود بإمكانها أن تريح عظامها التى أصابتها رجفة لا إرادية بعدما رآت تلك النظرات التى حملت لها أمنية لن يستطيع هو البوح بها أو التفكير فيها ، وهو أن يحرقها حية ، وما أن رآته يخرج من المنزل ، أرتمت على الأريكة ووضعت يـ ـدها على صـ ـدرها ، لعلها تعيد تنظيم أنفاسها ودقات قلبها التى علت وتيرتها عن الحد اللازم ، نظراً لشعورها الساحق بالخوف من أن يتخلى عمرو عن رابط الدم بينهما ، وتجده يقدم على قتـ ـلها ، لظنه أنها هى الملامة بما وصل إليه
خرج عمرو من المنزل وإستقل سيارته وقادها حتى وصل أمام ذلك المسجد الكبير ، وقبل أن يترجل منها ، سمع صوت أذان العشاء ، فسريعاً ترك السيارة وولج للمرحاض الخاص بالمسجد وتوضأ وخرج ألقى التحية على إمام المسجد ، الذى إبتسم له وسعد برؤيته ، وبعد أن أنتهى المصلين من الصلاة وأنصرفوا من المسجد
أقترب عمرو من إمام المسجد قائلاً بإبتسامة بشوشة :
– حضرتك عامل إيه دلوقتى ، كان نفسى أقعد معاك شوية علشان كده جتلك
ربت إمام المسجد على سـ ـاق عمرو ورد باسماً:
– الحمد لله نحمد ربنا ، دا أنت تشرف وتنور يا إبنى قولى أنت عامل إيه فى جلسات العلاج بتاعتك وأخبارك إيه
ضم عمرو كفيه ونكس رأ سه قائلاً بصوت حاول إخفاء إرتجافه بصعوبة :
– الحمد لله ماشية تمام ، دا حتى أنا خلاص قربت أتجـ ـوز بعد خطيبتى ما تخلص إمتحانات الكلية
كف الإمام عن إدارة مسبحته بين أصابعه ورفع رأسه قليلاً ورمق عمرو بتمعن وهو يقول بهدوء:
– أنت متأكد يا إبنى من الخطوة اللى هتعملها دى ، وخصوصاً أنك بتقول أن أنت لسه بتتعالج نفسى ، أنت اتكلمت مع الدكتور فى موضوع جوا زك
هز عمرو رأسه ورد قائلاً بصوت خفيض :
– لسه هقوله الجلسة الجاية ، بس أنا بقيت كويس وأكيد هيبان ده كله لما أتجـ ـوز وأعيش حياتى طبيعى مع مراتى ، لأن طبعاً مش هعرف إذا كنت أتعالجت ولا لاء وخصوصاً أن طبعاً مش هقدر أعمل أى حاجة حرام تانى مع أى بنت ، لأن لازم تكون مراتى وبالحلال ولا إيه يا شيخنا
فكر الإمام فيما قاله عمرو ، فوجهة نظره تحمل طابع الجدية ، كون أنه لن يستطيع أن يخوض العلاقة الزو جية التى أحلها الله إلا إذا كانت الفتاة زو جته ، وإلا سيقع بشر أخر وهو إرتكاب الفواحش مع فتاة لا تحل له ، ليعلم إذا كان برآ من سلوكه الشـ ـاذ أم لا ، ولكن لا يريده أن يخوض بالأمر وهو ليس لديه الإستعداد الكافى له وإلا سيكون بذلك ظالماً لتلك الفتاة التى ستصبح زو جته
رد الإمام قائلاً بلين :
– بص يا عمرو لو أنت فعلاً شايف أنك دلوقتى تقدر تتجـ ـوز وتبدأ حياة جديدة مع البنت اللى أختارتها وأنت واثق أنك مش هتظلمها أو تخليها تندم على جوا زها منك يبقى على خيرة الله ، لكن لو أنت يا أبنى لسه شايف أنك محتاج وقت وأنك لسه مخلصتش علاجك النفسى ، يبقى أصبر ، علشان لا تظلمها ولا تظلم نفسك ، لأن الجو از مش لعبة ، ولا الجو از واحدة تعيش معاها علشان تعرف أنك طبيعى ولا لاء ، دا ميثاق غليظ ومودة ورحمة وإتنين يبقوا ستر لبعض ، أتمنى تكون فهمتنى يا إبنى
أنصت له عمرو بإهتمام ، ولم يفوته حرف أو كلمة من حديث الإمام معه ، فمعه لا يسمع فقط بأذنيه ، بل ينصت له بكل حواسه ليستشعر حكمته فى وزن القول والفعل ، وقيام الإمام بدور الأب والمرشد له جعله يشعر بأنه حقاً كأنه ولده وهو أباه الناصح له
لذلك إبتسم عمرو ورد قائلاً بإبتسامة خجولة :
– أنا مكدبش عليك يا شيخ أنا بدأت أحس بميل ناحية خطيبتى ، إحساس غريب محستوش قبل كده بس مرتاحله ، بالرغم من أنها مش عايزة تغير فكرتها عنى ، لسه حطانى فى الصورة القديمة اللى شافتنى وقابلتنى فيها ، فأعمل إيه علشان أغير فكرتها عنى ، دى تقريباً كل ما تشوفنى عايزة تولع فيا ، بس دلوقتى حاسس إن مش قادر أبعد عنها ، فقولى أعمل إيه معاها دا أحنا خلاص تقريباً فرحنا الشهر الجاى
لا ينكر الإمام شعوره بالسعادة لسماعه ما تفوه به عمرو ، فمعنى أنه بدأ بالتفكير فى خطيبته بأن تكون له حبيبة وزو جة ، أن مشاعره السلبية القديمة بدأت تحل محلها مشاعر الفطرة السليمة التى خلقها الله فى بنى الإنسان من أن يميل الرجل لنصفه الأخر من النساء ، وليست تلك المشاعر المدنسة التى تتحدى الفطرة الإنسانية ، متذرعين بأنها شكل أخر من أشكال الحرية والحب وماهى إلا أفكار هدامة تغرس فى النفوس البشرية الحيد عن شريعة ومنهج الله
إبتسم الإمام ورد قائلاً ببشاشة :
– هى لما تلاقى معاملتك الطيبة ليها وإن أنت هتحطها فى عينيك ، صدقنى هتغير فكرتها عنك ، وخلى بالك طويل عليها شوية ماشى يا عمرو
صمته كان خير دليل على إلتزامه بنصائحه ، فالإمام لا يبخل عليه بالنصيحة والحديث الذى يبث بقلبه الأمان ، لذلك أراد أن يكافئه على ما فعله معه منذ أن قابله
فأقترب بمجلسه منه قليلاً وشد على يـ ـد الإمام وهو يقول برجاء :
– يا شيخ أنا عايز أطلب منك طلب بس بالله عليك ما تكسفنى ، أنا عايز أرد أى حاجة من جمايلك عليا ، علشان كده أرجوك توافق أن أسفر بنتك تتعالج برا علشان ترجع تشوف تانى ، أنا مستعد أسافرها أى بلد فى العالم وأجبلها أحسن دكاترة علشان يعالجوا عينيها بس أنت وافق
بتذكر الإمام حال إبنته ياسمين ، تغشى الحزن عيناه ، وكسا الألم والوجع قسمات وجهه البشوشة ، والتى لا تنطق دائماً إلا بالرفق واللين ، ولكن رغم مصابه الأليم بما حدث لابنته وقرة عينه إلا أنه لم يفقد الأمل بداخله على أن تعود ياسمين كما كانت سابقاً وأن يشرق النور بعينيها بعد ذلك الظلام الدامس الذى أتخذ من عيناها مسكناً له
ربت على يـ ـد عمرو ورد قائلاً بإبتسامة هادئة:
– تسلم يا إبنى على شعورك الطيب ، بس صدقنى والله الحمد لله مستورة ولو بنتى محتاجة عملية أكيد طبعاً هخلى أحسن دكتور فى البلد يعملهالها ، بس الدكاترة قالوا أن العملية فى الوقت ده صعب ولازم تعالج التلف اللى حصل فى أعصاب العين الأول قبل ما تعمل عملية ، فالمسألة مسألة وقت مش حكاية فلوس
عاد عمرو وعرض عليه أن يأتى لها بطبيب أخر من إحدى الدول الأوروبية وأن يتولى مهمة معالجتها ، ولكن رفض الإمام عرضه ، فهو من البداية رفض أن يدفع له عمرو ثمن نصيحته له ، وكم من مرة حاول بها أن يبدى شكره وإمتنانه له بالهدايا والعطايا ، ولكن دائمًا ما كان يرفض هو تلك الهدايا التى جاءته من باب الإمتنان ، فكونه أن لديه ولدًا شاباً لم يكن يريد أن يراه يوماً يعانى من السوء أو الإنحراف ، كان إحدى دوافعه بأن يساعد عمرو على الخروج من تلك البؤرة الفاسدة التى كان غارقاً بها ، ودافعه الأول كان إبتغاء مرضاة الله
بعد فشل عمرو فى الحصول على موافقة الإمام ، ظل بضع دقائق معه بالمسجد ومن ثم خرج وأخذ سيارته وهو بنيته أن يعود للمنزل ، ولكن تذكر تلك المشادة الخفيفة التى حدثت بينه وبين والدته ، لذلك أرجئ أمر عودته للبيت ، وفكر فى الذهاب لإحدى المكاتب الهندسية لرغبته فى تغير ألوان تلك الغرفة التى يسكنها ، والتى ستصبح فيما بعد غرفة خاصة به وبزو جته ذات اللسان السليط ، التى ما أن تذكرها إبتسم بعفوية على أفعالها والتى ينال منها النصيب الأكبر ، كأنها تتدخر كل سخطها ونقمها وحديثها اللاذع من أجله ، وكلما يتخيل كيف حالها الآن بعدما إستطاع توريطها بالزوا ج ، يشعر بنشوة عارمة ، خاصة وأنها منذ ذلك اليوم تهاتفه أكثر من عشر مرات لتتحدث معه ، وعندما لا يجيب على إتصالاتها ، ترسل له عدة رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي لا تخلو من العبارات الساخطة والناقمة علاوة على تهديدها الصريح له بأنها ستجعل حياتهما سوياً جحيماّ بكل للكلمة من معنى إذا تزو.جها حقاً
❈-❈-❈
رآت ساندرا أنه من الأنسب لها الخروج للحديقة ، لعل يساهم الهواء الطلق بجعلها تشعر بالهدوء ، الذى إفتقدته منذ أن أخبرها راسل بشأن مجيئها معهم لمنزل عائلته ، فالجو داخل القصر مشحون بالتوتر والتساؤلات والنظرات المستاءة والحانقة ، رغم أنها لم تلقى مهانة من أحد حتى حياء ، فالأمر أقتصر بينهما على تجنب حياء لها وحرصها على ألا يجمعهما مكان واحد أو أن تتواجهان وجـ ـها لوجـ ـه ، ولكن شعور عارم بعدم الراحة راح ينهش قلبها ، خاصة أنها حتى الآن لم تقابل رياض ، رغم عودته للمنزل منذ بضعة أيام ، ولم يذكر راسل أنه يرغـ ـب فى أن تقابل والده ، بل أنه يتصرف على نحو غير مبالى بأى شئ يحدث حوله
وصلت للحديقة ولكنها كانت غير سعيدة الحظ بأن تعيد أدراجها بعد رؤيتها لرياض يجلس بالحديقة ويرافقه حياء وسوزانا وسجود ، إذ كانت تقف على مقربة من مجلسهما ، ولم تشأ أن تدعهم يظنوا أنها لا تريد الجلوس معهم أو أنها تفتقر إلى الذوق ولم تلقى التحية عليهما ، فأكملت سيرها حتى وصلت إليهم وألقت عليهم تحية الصباح ، فردوا التحية عدا حياء التى رمقتها بنظرة باردة وعادت تكمل لهوها مع سجود
بعد أن شعرت بالفتور على وجوههم بعد رؤيتها ، فضلت أن تعود للداخل إلا أنها سمعت صوت رياض قائلاً بما يشبه الأمر:
– تعالى يا ساندرا أقعدى علشان عايز أتكلم معاكى شوية ، غريبة بقالى كام يوم فى البيت ومفكرتيش تشوفينى ولا حتى شوفت ساجد أنتوا مخبينه عنى ليه ، هو أنا هاكله ، مش أنا أبقى جده برضه ، ولازم أشوف حفيدى
هذا ما كانت تخشاه أن تجد نفسها بالأخير فى حضرة رياض النعمانى والذى طالما سمعت عنه من راسل ووفاء ، وعلمت مدى حكمته وحنكته وذكاءه الحاد ، جلست على أحد المقاعد وضمت كفيها ، كتلميذة تجلس أمام معلمها
إرتكز رياض بكفيه على رأس عصاه وأنحنى قليلاً للأمام متسائلاً:
– قوليلى يا ساندرا إيه حكاية جوازك أنتى وراسل ؟ وإيه الموضوع بالظبط وهو فين ساجد
ضمت ساندرا شـ ـفتيها وضغطت عليهما بفكيها حتى كادت أن تدميهما ، ولكن ما أنقذها من ذلك المأزق هو مجئ راسل وهو يحمل الصغير ، فنظر للجالسين تباعاً ومن ثم نظر لساندرا قائلاً بهدوء:
– ساندرا ، ساجد شاكله محتاج يغير هدومه ، فقومى علشان تغيرليه وتأكليه
هبت ساندرا واقفة كأن جاءها الخلاص ، فردت قائلة بسرعة :
– حاضر راسل ، تعال ساجد لماما
أخذت الصغير منه ولكن قبل أن تلوذ بالفرار من مكانها ، سمعت صيحة رياض وهو يقول بإستنكار :
– هو مفيش أى حد من الشغالات هتعرف تغيرله وتأكله يا راسل ، كنت عايز أتكلم معاها شوية ، ومش تستنى أشوف إبنك يا دكتور ، اللى لحد دلوقتى مخبيه عنى زى ما تكون خايف
أشار راسل لساندرا بالمغادرة وإلتفت برأسه لوالده وهو يقول ببرود :
– عايز تتكلم معاها ولا تستجوبها زى ما تكون قابض عليها ، اللى عايزة تسألهولها ، إسألنى أنا وهجاوبك يا رياض باشا ، يلا يا ساندرا روحى أعملى اللى قولتلك عليه ، ولما تغيرلى لساجد هاتيه لجده علشان يشوفه
أنتفخت أوداج رياض من سلوك راسل المتسم بالبرود والجحود مثلما كان معه دائمًا ، وكأن تلك الأيام القليلة التى قضاها معه كأب وإبنه وكانت أمورهما أخذت بطور التحسن ، لم يعد لها وجود كأنه لم يعد يتذكرها وعاد لما كان عليه من جحوده بحقه ، فليلة الحب الأثمة والتى نتج عنها إنجابه لراسل ، يبدو أنه أعادها هو بشكل أو أخر ، حتى يترك زو جته التى عشقها وعشقته ويعود بطفل من إمرأة أخرى ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، فهما حقاً متشابهان ليس فقط بالملامح ولكن بنتائج أفعالهما من أنهما وقعا بذلك الفخ من النزوات ، والتى لم تنتهى بأن تكون ليلة حب آثمة وتذهب بطى النسيان ، ولكن ينتج عنها خطيئة أخرى لن يكون مصيرها أن تُنسى أو تهمل
دب رياض الأرض بعصاه وهو يقول بإنفعال :
– أنت خايف أقعد أتكلم معاها وأعرف أنت مخبى إيه عليا يا دكتور
إلتوى ثغر راسل ورد قائلاً بتهكم :
– هخبى إيه يعنى كل حاجة واضحة أهى قدام عين الكل ، وأنا مش هسمح لحد يزعل ساندرا أو يدسلها على طرف ، حتى لو كان إنت يا رياض باشا
بدفاعه المستميت على الحفاظ على شعور ساندرا جعل حياء تشعر بالسوء ، فهل أصبحت تلك الفتاة تشكل لديه فارقاً إلى هذا الحد ؟ وهى التى كانت زو جة له مستميتة بعشقه والحفاظ على سلامته لم يأبه بألامها ، فكم تغير معشوقها ، ولم يعد هو من كانت ترجو دقيقة واحدة تجمعهما عندما كان غائباً عنها
راحت تهمس بقرارة نفسها بتشجيع :
– إهدى يا حياء ومتخليش حد يشمت فيكى ، مش لازم تبقى ضعيفة خليكى قوية
أكملت لهوها مع سجود ، فى حين أنها ترهف سمعها لتستمع لما يجرى حولها ،ولكن لو كان بإمكانها لكانت فرت هاربة من ذلك المجلس ولتجد مكاناً لتبكى فيه على سجيتها ، ولتطلق سراح إسمه الحبيس بين شـ ـفتيها ، لعل ذلك يفلح بإنهاء ذلك الألم ، فكلما حاولت إقناع عقلها وذاتها بأن عواطفها ومشاعرها تجاهه أحترقت بالكامل ولم يتبقى سوى رمادها ، تعود وتشعر بالغيرة كلما رآتهما سوياً أو سمعته يتفوه بإسمها من بين شـ ـفتيه ، هاتان الشـ ـفتان اللتان أشبعتها بالماضى إطراءًا وغزلاً وعطفاً وعشقاً ، فتلك المرة التى تحدته بها وجعلته يشعر بأنها لم تعد تراه زو جًا ، مازالت متذكرة طعم العناق بها ، حتى وإن رفضت التصريح بذلك حتى لو بخلوتها مع ذاتها ، فعصفت رياح الغيرة بقلبها ، كلما تتخيل كيف يكون شعوره عندما يضم إليه أنثى غيرها ، وكيف يكون حال ساندرا عندما يتوددها مثلما كان يتودد إليها
خرجت حياء من دوامة أفكارها وشرودها بعد سماع صوت والد زو جها يصيح قائلاً بغضب :
– أنا نفسى أعرف وأفهم أنت جنسك إيه بالظبط ، وعايز توصل لإيه من اللى أنت بتعمله ده ، أنت رجعت علشان تنقذنى ولا علشان تخلص عليا بعمايلك وترتاح
جلس راسل بذلك المقعد الذى كانت تجلس عليه ساندرا ، ومن حظ حياء السئ أنه كان قريباً من مقعدها ، وضع مرفقيه على حافتى المقعد وقال ببرود :
– خلاص أنا مهمتى خلصت وأنت الحمد لله بقيت كويس وأنا مسافر الفجر وهريحك منى يا رياض باشا وهرجع كندا تانى
حدق به رياض مشدوهاً ، كونه لم يكلف نفسه عناء إخبارهم بأنه مسافراً بفجر الغد ، بل كان يبدو عليه أنه سيجعلها مفاجأة غير سارة كمرته الأولى ، فحقاً هو يحسده على ذلك البرود الذى يتحلى به والقادر على إصابته بالمرض مرة أخرى
رفع رياض عصاه وأشار له بها وهو يقول بإستنكار وإنفعال :
– يعنى كمان كنت هتسافر تانى وأنا معرفش يا غلطة عمرى
إبتسم راسل بتهكم ورد قائلاً بعدم إكتراث :
– أيوة أنا غلطة عمرك ، زى ما ساجد غلطتى أنا كمان وكل واحد فينا يتحمل غلطه ، ساندرا مش حابة تعيش هنا فى إسكندرية وأنا ميهمنيش إلا راحتها وراحة إبنى ، لأن مش هسيبهم علشان خاطر حد ، بس أوعدك أن مش هبقى زيك يا رياض باشا وأعايره بأمه وأنه جه على الدنيا غلطة
يبدو أنه لن ينسى ولن يعود بإمكانه أن يصلح مفاهيمه عنه حتى بعدما صار بهذا العمر ، فماذا يفعل معه ؟ أو إذا صح القول ماذا فعل بحياته حتى يكون راسل عقاب الله له على الأرض ؟
– بس ياريت قبل ما تسافر ، تبقى تفتكر تطلقنى يا دكتور
قالت حياء بسخرية وهى تحدق به بهدوء ، ولكن لم يستطع هو النظر إليها ولكن إكتفى بالنظر فى وجـ ـه إبنته الجالسة بجوارها ، فرد قائلاً وهو يترك مكانه :
– أول ما أوصل هناك هبعتلك ورقة طلاقك متقلقيش
عقدت حياء ذراعيها وقالت ببرود كأن الأمر لا يعنيها :
– وليه مطلقنيش دلوقتى ، عندك مانع يا دكتور
توقف عن السير وإلتفت برأسه إليها قائلاً بسخرية مؤلمة :
– مليش نفسك أطلقك دلوقتى يا حياء
صمت وعاد يكمل حديثه بقرارة نفسه الملتاعة :
– أنا مش عارف أعملها إزاى أصلاً يا حياء ، دا عذاب ما بعده عذاب ، إن أطلقك وأنتى واقفة قصاد عينى ، زى ما يكون بحكم على نفسى بالإعدام ، لكن لما أبقى بعيد جايز أقدر أعمل كده
لو قايضه أحد الآن على أن ينزع قلبه من جوفه مقابل أن يضـ ـمها إليه لأخر مرة قبل رحيله ، لقبل المقايضة على الفور ، يكفى أنها كانت زهرة في بستانه رواها بأشواقه وغرامه ، فهى أجمل زهرة رأتها عيـ ـناه، نسمة من عبير فواح إشتم عبق عطرها، و مازال متذكراً عندما رأي أول مرة عينيها المكتنفتان بسحر وبريق أذاب صقيعه، فكأن سهام الحب ضربت قلبه ، وصار مصاباً وعليلاً بعشقها، يهواها ويعشقها ولا يريد أن ينساها ، ولكن يريدها أن تنساه ولا تعد تفكر به ، أفكار متناقضة تهدر بداخله ، لا هو قادراً على أن يخطو للأمام أو للخلف فى تلك العلاقة التى حكم عليها بالفشل من تلك الظروف المحيطة
تركهم وعاد للداخل حتى وصل لغرفته ، وقرر قضاء تلك الساعات المتبقية له بالمنزل وهو جالساً بها ولن يبرحها إلا عندما تحين تلك اللحظة التى سيترك بها البيت ويسافر على متن تلك الطائرة التى ستعيده لكندا ، فأرتمى على الفراش وحاول أن يغفو قليلاً كونه أنه يريد أن يظل ليله مستيقظاً حتى يشبع عيـ ـناه من المنزل وساكنيه دون الحاجة أن يواجه أحدًا منهم
فبالمساء بعدما إستيقظ من نومه المتقطع، أصر على تناول العشاء بغرفته ، وصعدت الخادمة له بالطعام وأوصاها أن تعد له قدح من القهوة ، حتى لا يغلبه النعاس وأن يظل مستيقظاً لقبيل الفجر ، أخذ قهوته وولج للشرفة ، أمعن النظر بحديقة القصر المتلألئة بالأنوار ، ولكن لا أحد يجلس بها سوى الحراس
– إيه الصداع ده
قالها راسل وهو يضع يده على جبهته يدلكها بعد شعوره بآلام شديدة بها ، فعاد للغرفة ووضع قدح القهوة الفارغ ، جلس على حافة الفراش ووضع رأسه بين يـ ـديه وما هى إلا دقائق حتى غط بنوم عميق
بعد عدة ساعات
أقتربت سجود منه ووكزته بذراعه وهى تقول بإلحاح :
– بابى بابى إصحى يلا
فتح راسل عيناه بصعوبة ونظر لإبنته ولكن ما جعله ينتفض من نومه هو رؤيته لنور الصباح الساطع بالغرفة ، فأعتدل جالساً وهو يقول بدهشة :
– هو النهار طلع إمتى والساعة كام دلوقتى
نظر بشاشة هاتفه وجد الوقت قد شارف على الثامنة صباحاً ، فأنتفض من مكانه وترك الفراش وهو يبحث عن حقيبة ثيابه وجوازات السفر التى تركها على الكومود ولكنه لم يجد لها أثراً
خرج من الغرفة وهبط الدرج وشعره مشعث وهندامه مبعثر من أثر نومه وحافى القدمين ، وصل لغرفة المعيشة الكبيرة التى يجلس بها والده ، فصاح قائلاً بغضب :
– هو إيه اللى حصل وإزاى نمت وفين الباسبورات بتاعتنا وفين ماما وساندرا وساجد أنت عملت إيه بالظبط
أرتشف رياض مشروبه البارد ورد قائلاً بهدوء :
– وأنا إيش عرفنى هم راحوا فين ولا أنت جاى تتبلى عليا وتقل فى أدبك زى عوايدك يا دكتور ، يمكن تلاقيهم نايمين
علم أنها مبارزة خاسرة بينه وبين أباه ، فهو يعلم علم اليقين أن له يـ ـد بما حدث له ، وربما هو من أوصى الخادمة بوضع منوم له بقهوته حتى يستطيع أن يفوت عليه تلك الفرصة ، ولم ينسى أن يعرقله عن إعادة الكرة بأن يرحل من المنزل بأن أخذ جوازات السفر الخاصة بهم ، فماذا يفعل هو الآن مع والده ، الذى لديه إصرار كامل على أن يصبح ذلك القصر كالجحيم ؟ خاصة أنه حتى الآن يحاول أن يمارس ضبط النفس ، وإلا أنهار ثباته المزيف
ترك غرفة المعيشة وخرج وهو يتمتم بعبارات السخط والغيظ ، وأثناء صعوده الدرج لم ينتبه لحياء التى عقدت حاجبيها بدهشة من هيئته ، وهى التى كانت تظن أنها عندما تفيق من نومها ستجده قد رحل عن المنزل ، لذلك أعدت حقيبتها بالغرفة وكانت بنيتها هى الأخرى أن تترك البيت بعد أن تخبر رياض بقرارها ، وتعطيه تلك الأوراق التى تفيد بأن أملاك عائلة النعمانى عادت لمالكها الأصلى
تبادلا النظرات سوياً بصمت ، وأكمل طريقه حتى وصل لغرفته ، بينما هى هبطت الدرج ووصلت لمجلس رياض وناولته الأوراق ، ولكنه رفض رحيلها من المنزل ، واعدًا إياها بأنه يجب عليه رد حقها الأول من ولده وبعد ذلك هى حرة بقرارها ، ولكنه رفض التصريح بأسبابه الحقيقية التى جعلته يصر عليها أن تظل هنا بالمنزل ، والتى لن يصرح بها لأحد حتى يحين وقتها ويعلم ما يخفيه عنه راسل
❈-❈-❈
نظر أدم بشاشة هاتفه ، وعلم أنه لم يتبقى على إقامته بالإسكندرية سوى يومان وسيعود لفرنسا ، فألقى الهاتف من يـ ـده بشئ من الحدة ، كأنه لا يريد أن يتذكر أن وقت رحيله قد شارف على المجئ ، ترك مقعده وولج لشرفة غرفته التى مكنته من أن يرى البحر بوضوح ، فتلاطم أمواجه العاتية ، ذكرته بما كان عليه عندما عقد العزم على المجئ هنا ، تدفعه رغبـ ـته فى رؤية تلك المدينة التى طالما سمع عنها من والدته ، التى كانت عاشقة لها وكانت تزورها من وقت لأخر قبل مولده مثلما أخبرته ، ورغم سنوات عمره التى تخطت الخامسة والعشرون ببضعة أشهر ، إلا أنه لم يفكر بمرة أن يزورها ، ولكن بعد وفاة والدته ، أراد زيارتها ليعلم ما كانت تخفيه من ذكريات بين رمال شواطئ تلك المدينة الساحرة ، فهو لم يترك مكان بها لم يزوره ، وذهب لتلك الأماكن التى رآها بصور والدته
ولكن مكان واحد لم يستطيع أن يمتلك الشجاعة لزيارته ، على الرغم من أنه كان قاب قوسين أو أدنى منه ، ولكن كأنه يفتقر للشجاعة اللازمة لجعله يواجه ذلك الأمر الجديد ، الذى طرأ عليه ،وجعله يعيد ترتيب أفكاره وحساباته كاملة ، ولكنه لا ينكر أن زيارته للإسكندرية درت عليه فوائد عدة منها أنه أقيم حفلتان غنائيتان وربح من خلالهما مال وفير ، علاوة على أن حفله الأخير والذى سيقام غداً قبل سفره بليلة ، تم التعاقد عليه بمبلغ مالى مساوى لما ربحه من الحفلتين ، ولكن لم يكن يهمه كل ذلك ، قدر إهتمامه بأنه قابل حياء
سمع صوت إقتراب خطوات صديقه منه وهو يحمل له قدح من القهوة ، فإبتسم له وهو يأخذها منه ، فأرتشف منها وقال بدون مرح :
– فاضل يومين ونرجع فرنسا تانى
إبتسم صديقه على نحو مبهج ورد قائلاً بسرور :
– دى أحلى حاجة أن هنرجع فرنسا ، على الأقل هنرجع على رجلينا ، بدل ما نرجع فى توابيت يا مجنون
قهقه أدم على قول صديقه ، بعدما فهم تلميحه من حديثه ، جلس على ذلك المقعد بالشرفة ورد قائلاً برنة حزن :
– تصدق زعلان أنا علشان خلاص مسافر وممكن مش أعرف أشوفها تانى
جلس صديقه على المقعد المقابل له متسائلاً بجدية :
– قولى بجد يا أدم إيه سر إهتمامك بحياء دى بالذات مع أن أنا أعرفك كويس وأكتر من أى حد وعارف أنك من النوع اللى مبيستمرش فى علاقة كتير بتزهق بسرعة ، فغريبة إن ألاقيك مهتم بواحدة وكمان متجـ ـوزة وأنت عارف ومتأكد أن باللى عرفته عنها أنها مش هتسمحلك تقرب منها ولا هتبصلك أصلاً
إرتشف من قهوته ، لعله يمنح ذاته الوقت الكافى للبحث عن سبب مقنع يخبره لصديقه ، لأنه لن يستطيع التصريح بأسبابه الحقيقية ، فحتى وإن كان صديقه المقرب ومدير أعماله ، إلا أن ذلك الأمر الخاص به جعله حكراً على نفسه ولم يشأ أن يعلم أحدًا أخر به ، فعوضاً عن بحثه لسبب مقنع ، أكتفى بالصمت لعلمه أن صديقه ما أن يراه يرفض الإدلاء بأسبابه سيلتزم بالصمت أو ربما يكتفى بتأنيبه على حماقته فى التقرب منها
وضع أدم قدح القهوة الفارغ من يـ ـده وهب واقفاً وهو يقول بشعور خفى من الضيق :
– أنا هخرج أتمشى على الشاطئ وعايز أروح لوحدى خليك أنت هنا
ألح على صديقه بألا يرافقه أو يتبعه ، فأخذ هاتفه وخرج من غرفته ، بل من الفندق بأكمله ، فكر بأن يسير على الشاطئ ، لعل الحظ يحالفه ويراها صدفة مثلما رآها ذلك اليوم
وصل للشاطئ وتجولت عيناه هنا وهناك ، فعاد يأنب نفسه ويعنفها على تفكيره بأن يقحمها بذلك الأمر الذى عاد يشغله منذ أن علم لأى عائلة تنتمى بزوا جها من ذلك الطبيب الذائع الصيت ، ظل يسير وهو شارد الذهن ، حتى لم يعد يعلم أين هو إلا أن رؤيته لذلك المبنى الكبير ، جعلته يدرك أين هو ، فهل هو سار تلك المسافة بطول الشاطئ ، حتى وجد نفسه أمام إحدى شركات النعمانى ؟ فلم ينكر أنه منذ أن رآى حياء أول مرة وعلم من تكون ، أصر على أن يقيم بالفندق القريب من مبنى تلك الشركة بعد علمه بأنها هى من تديرها ، ولكنه لم يتجرأ بمرة أن يزورها بمقر عملها
قبل أن يعيد أدراجه ويعود للفندق ، لمحها وهى تخرج من الشركة ولكنها لم تستقل سيارتها بل عبرت الشارع ووصلت للشاطئ ، فوجدها فرصة سانحة أن يتبعها ليتحدث معها قليلاً ، وهذا ما كان فبعدة خطوات مهرولة ، كان يصل إليها
ناداها قائلاً بإبتسامة :
– حياء
لم تفزع من وجوده ، كأنها كانت تعلم بأمر مجيئه ، بل على النقيض ، إبتسمت وقالت بكياسة :
– أهلاً يا أدم أخبارك إيه
طار أدم فرحًا بسماع صوتها الهادئ وهى تحدثه ، فرد قائلاً ببشاشة :
– تمام ، تعرفى أن كان قلبى حاسس إن هشوفك النهاردة
ضحكت حياء لعلمها بأن عبارته من أقدم العبارات التى يرددها الشباب لإستمالة الفتيات ، فأخذت حديثه على محمل المزاح وردت قائلة وهى تنظر للبحر أمامها :
– أرجوك يا أدم بطل الإسطوانات بتاعتك دى ، دى طريقة قديمة أوى دى
شاركها أدم الضحك ، لظنها أنه عاد يتغزل بها مرة أخرى ، ولكن رآها تكف عن الضحك وتنظر له بإمعان قائلة بجدية ووضوح:
– قولى يا أدم ، ليه أنت مصر على عمايلك دى معايا مع أن لو واحد غيرك وعرف إن أنا متجـ ـوزة ومش حابة يكون فى تعارف بينا ومحاولاتك معايا كلها فشلت ، كان خلاص هيبعد عن طريقى من غير ما يفكر وخصوصاً أكيد أنت عرفت جـ ـوزى من عيلة مين وإيه اللى ممكن يحصلك ، فقولى عايز منى إيه بالظبط
تنفس أدم بعمق ووضع يـ ـديه بحيبى بنطاله وظل يحدق بأمواج البحر وتلك المياه التى كادت تلامس قدميه ، فزفر قائلاً بهدوء:
– جايز أنا مصر أقرب منك علشان أنا يعتبر مش غريب عنك ، لأنك تقريباً زى ما بيقولوا هنا إنك مرات عمى
فغرت حياء فاها بعد سماع الشق الأخير من حديثه ، فرمقته ببلادة وهى تقول بدهشة :
– أبقى مرات عمك إزاى يعنى مش فاهمة يا أدم ، أنت حصل لعقلك حاجة
حملق بها أدم بنظرات مبهمة ، كأنه يمنحها الوقت الكافى للتفكير فى حل ذلك اللغز الذي إكتنف حديثه ، ولكن لم يشأ أن يزيد من حيرتها أكثر ، فرد قائلاً بهدوء:
– أيوة أنتى تعتبرى مرات عمى ، لأن أنا أبقى أدم عاصم النعمانى

يتبع…

  •تابع الفصل التالي "رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني2" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent