رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني 2 الفصل الرابع 4 - بقلم سماح نجيب
ج٢–٤-" طيور تعود لأوكارها "
إبتسم زو ج والدته بمكر وهو يرى تلك الملامح المشدوهة التى أعترت وجـ ـهه بعد رؤيته لذلك الزائر ، فعمرو يجزم أنه هو من أرسل بطلبه ليأتى ، ليساهم بزيادة حنقه ، وأن لا يجعله يهنأ بحياته ، نهض ذلك الزائر ، والذى لم يكن سوى رجل يمتلك نادى ليلى ، كان عمرو دائم السهر به ، وكان يقرضه المال والمخدرات أوقات كثيرة ، على أن يعمل عمرو بتسديد المال فيما بعد ، ولكن لم يكن ذلك ما جعله يشعر بالخوف ، بل ما يعلمه هذا الرجل عنه ، و إمتلاكه ذلك الفيديو ، الذى يدينه بإرتكاب الفوا حش مع صديقه الحـ ـميم ، والذى إستطاع كشف أمرهما ، عندما باغتهما مرة بالمرحاض الخاص بالنادى الليلى ، بوضع يندى له الجبين من إرتكاب الفواحش والمحرمات
ولكن كأنه أتخذ معرفته لهذا الأمر حيلة ليجعله يخـ ـضع لأوامره وأن يدفع له المال من وقت لأخر على ألا يخبر والدته بالأمر لعلمه بأنه من عائلة عربية مسلمة ، ولا يصح له فعل مثل تلك الفوا حش ، فدائمًا ما كانت تلك النزعة الشرقية به ، تجعله يخشى إفتضاح أمره أمام أحد ، متناسيًا بأن هناك من يراقبه وكان أحق بأن يخشاه ويرهبه ألا وهو الله عز وجل
أقترب ذلك الرجل الأمريكى من عمرو ، ومد يـ ـده له ليصافحه ، فنظر ليـ ـده الممدودة بتردد ، وكأن ما أن تتلامس أيـ ـديهما ، سيصاب عمرو بصاعقة كهربائية ، فنظر من خلف ظـ ـهر ذلك الرجل وجد زو ج والدته ينظر إليه بتلك الإبتسامة القميئة ، وأخذ والدته وخرجا من الغرفة ، فرفع يـ ـده وصافح الرجل مصافحة عابرة وغير ودية
فتعجب الرجل من ترحيبه الفاتر به ، ونظر إليه متسائلاً:
– ما بكَ عمرو ، أهكذا ترحب بضيفك ، فأنا لم أراكَ منذ بضعة شهور ، هل نسيت أنك تدين لى بالمال ، وأنت أخبرتنى أنك ستأتى لهنا على أن تعود بالمال ، ولكنك تأخرت كثيراً فى العودة ، لذلك كان يجب علي المجئ لأخذ نقودى فأنت تدين لى بالكثير
أبتعد عمرو عن مرمى يـ ـده ، التى رفعها رغـ ـبة منه فى أن يربت بها على وجـ ـهه ، فوضع عمرو يـ ـديه بجيبى بنطاله قائلاً ببرود :
– إسمعنى جيداً ، أعلم إنى أدين لك بالمال ، وسأعطيه لك ، ولكن بالمقابل أريد ذلك الفيديو ، وأن لا أرى وجـ ـهك مرة أخرى ، وألا تعود لإزعاجى ، لذلك من الأفضل لك أن تعود لموطنك ، فأنت لا تعلم ما يمكن أن أفعله الآن
رد الرجل قائلاً بدهشة :
– ماذا ؟ أتهذى يا عمرو ، ماذا أصابك يا رجل ؟ هل تهددنى ، ألا تعلم بأنى أعلم عنك الكثير ، فكيف سيكون حالك إذا قمت بنشر الفيديو ويراه العالم أجمع ، خاصة وأنت هنا بمجتمعك الشرقى ، يبدو أنك أمتلكت مكانة رفيعة مؤخراً ، فكم كنت جامـ ـحاً يا رجل بذلك الفيديو
أصاب عمرو الغثيان مما يسمعه ، فكلما يتذكر ما كان يفعله من تلك الأمور ، يشعر بالإشمئزاز ، فرفع يـ ـده يشير له بأن يصمت وألا يسترسل بذلك الحديث المثير للغثيان
أغمض عمرو عيـ ـنيه قائلاً بإصرار :
– كفى ، لا تتفوه بكلمة أخرى ، فهنا لا يعلم أحد بشأن ذلك ، سأعطيك مالك على الفور ويجب أن تعود لبلدك فى الحال ، ومن الأفضل أن لا أرى وجـ ـهك ثانية
أخذه عمرو لغرفة مكتبه ، وأخرج النقود وألقاها أمامه قائلاً بتحذير وتهديد :
– تلك هى نقودك ، هيا أعطنى الفيديو وأرحل من هنا على الفور ، هيا أذهب من هنا والا سيحدث ما لا يحمد عقباه ، وإذا عدت لإزعاجى ، سأحرص على زجك بالسجن وسأتهمك بتشويه سمعتى وليس هذا وحسب بل سأجعل رجالى يقتصون منك وسيقـ ـطعون أطرافك أولاً قبل أن أعمل أنا على تقـ ـطيع جـ ـسدك لأشلاء ، وصدقنى أنا جاد بحديثى
صاح عمرو منادياً لرجاله ، فأندفعوا للغرفة يقفون صفاً واحداً وكل منهم يحمل سلاحاً نارياً ، فنظر إليهم الرجل بفزع ، فأخرج من جيبه الهاتف وناوله لعمرو ، ولملم النقود وغادر على الفور بعد حديث عمرو ، الذى حمل تهديداً له ، فتصاعدت زفراته الحانقة ، لعلمه أن ذلك الرجل لم يأتى لهنا إلا بتحريض من زو ج والدته
فتح الهاتف ونظر بهدوء إلى مقطع الفيديو ، وما لبث أن أزاله من ذاكرة الهاتف ولم يكتف بذلك ، بل حـ ـطم الهاتف شر تحـ ـطيم ، فهو ليس لديه ما يكفي من الضمانات بأن هذا الرجل لن يعود و يهدده بنسخة أخرى من ذلك الفيديو ، ولكنه مازال لا يملك الجرأة بقتل كل من يزعجه ، ولكن ربما ما جعله يهدأ قليلاً هو علمه بأن ذلك الرجل يفتقر للشجاعة ، ومن الممكن أن لا يعود لهنا ثانية
خرج من المكتب ووصل أمام تلك الغرفة التى تسكنها والدته وزو جها حتى سمع صوت زو ج والدته وهو يصيح بغضب من الداخل :
– شوفتى الخراب اللى إحنا بقينا فيه ، البنك صادر كل أملاكى فى أمريكا ، وكمان أتمنعنا نرجع هناك تانى ، إزاى ده حصل إزاى إزاااى
إبتسم عمرو بتشفى بعد سماع قول زو ج والدته ، فأول مخططاته أتت بثمارها ، وإستطاع تجريده من ماله ومن كل ما يملكه بالولايات المتحدة ، فحقًا المال والنفوذ قادران على فعل المستحيل ، والأن سيصبح زو ج والدته بقبضته ولن يعود لديه مهرب منه ، فإتباع سياسة الصبر بأخذ ثـ ـأره ستثلج صـ ـدره بالإنتـ ـقام من ذلك الرجل الذى جرده من طفولته ، بل وصارت مراهقته وشبابه مشوبين بالتنحى عن الفطرة السليمة التي خلقه الله عليها
فعوضًا عن إقتحام الغرفة ليتشاجر معه ، خرج من المنزل وهو يطلق صفيرًا بصوت عالى ،و أخذ سيارته ولكنه لم يكن يعلم أين ستكون وجهته ؟ لذلك قاد السيارة حتى وقف بها أمام الشاطئ ، فترجل منها ووقف على إحدى الصخور ، التى راحت الأمواج العاتية تضربها بقوة حتى شعر بتلامس الماء لقد ميه ، فعلى الرغم من برودة الطقس في هذا الوقت من العام ، إلا أنه يشعر بغليان دماء ،كالقدر الموضوع على موقد وتأكلته النيران ، فرغـ ـبة ملحة بالإقلاع عن تعاطى المخدرات ، راحت توخز عقله وقلبه بقوة ، ولكنه لا يعلم هل سيستطيع فعلها أم سيخفق كالعادة
زلت إحدى قد ميه من على الصخرة الملساء ، حتى كاد يسقط بالبحر ، لولا تلك اليـ ـد التى قبضت على ذر اعه ومنعت سقوطه ، فربما من حاول مساعدته ، كان يظن أنه بصدد الإنتحار ، ودل على ذلك نبرته المرتجفة وهو ينهره بخوف :
– إستغفر ربك يا أبنى ، أنت عايز تموت كافر
نظر عمرو لذلك الرجل ، الذى مازال قابضاً على ذر اعه ، ويرمقه بنظرة مأنبة ومعاتبة له على تفكيره ، فأثار إنتباهه بو جه البشوش ولحيته الكثيفة ، فرد قائلاً بهدوء :
– أنا مكنتش هنتحر ولا حاجة بس أنا اتزحلقت من على الصخرة
رآى عمرو شاب يقترب منهما ، يبدو أنه إبن ذلك الرجل ، يحمل سلة سمك صغيرة وصنارة ، فمن أين ظهرا له فجأة والمكان خاوياً ولا أحد يفكر بالإقتراب من الشاطئ بهذا الوقت
فأقترب بلال من أبيه قائلاً بإبتسامة :
– إيه يا بابا أنتى سيبتنى أصطاد لوحدى ورحت فين
رد والده قائلاً ببشاشة :
– معلش يا بلال ، أنا افتكرت الأستاذ ده هينتحر فجيت علشان أنقذه ، طلع كان هيزحلق بس الحمد لله جت سليمة
دقق بلال النظر لعمرو يحاول أن يتذكر أين رآه من قبل ، فأعتصر ذاكرته ، حتى وصل بالأخير لأن يصيح قائلاً ، كأنه تذكر أمراً كان مستعصياً عليه تذكره :
– أه أن عرفتك مش أنت عمرو فواز صاحب شركات فواز جروب
أماء عمرو برأسه إيماءة خفيفة ورد قائلاً بإبتسامة هادئة:
– أيوة أنا بس أنت عرفتنى إزاى
وضع بلال السلة والصنارة من يـ ـده وإستقام بوقفته وقال وهو يحدق به بهدوء :
– شوفتك مرة فى حفل لرجال الأعمال ، أنا بشتغل فى شركات النعمانى مع عاصم النعمانى وعلشان كده عرفتك ، فرصة سعيدة يا استاذ عمرو
مد بلال يـ ـده ليصافحه ، فصافحه عمرو مصافحة ودية وسرعان ما سحب يـ ـده وصافح والده ، وهو يقول بهدوء :
– فرصة سعيدة إن قابلتكم
ربت بلال على كتـ ـف أباه وهو يقول بإحترام :
– بابا يا حبيبى يلا بينا علشان نروح زمان ماما وياسمين قلقوا من تأخيرنا وكمان ياسمين مبطلتش رن على التليفون
هز والده رأسه وما لبث أن تأبط ذر اعه ، فبتلك اللحظة لا يعلم عمرو سر تلك الرجفة التى ضربت جـ ـسده فجأة ، يرى إبن مطيع لوالد محب ، فهو لم تزوره تلك المشاعر من قبل ، بل علاقته بأبيه الراحل أصابها التصدع والانهيار منذ أن وعى على أفعال زو ج والدته به ، فإحـ ـتراق جفنيه من تلك العبرات التى راحت توخز عيـ ـنيه كالأشواك لا يعلم كيف تجمعت بمقلتيه بتلك السرعة ، ولكن ما أن رآهما يهمان بالمغادرة ، أسرع بعرضه أن يقوم بتوصيلهما لمنزلهما ، فبعد إلحاحه وافق بلال ووالده
وصل عمرو بسيارته لذلك الحى الذى يقطنان به ، وما أن أوقف محرك السيارة هتف والد بلال بهما قائلاً:
– المغرب خلاص هيأذن ، يلا يا بلال ودى الحاجة دى على البيت وحصلنى على المسجد ، وأنت يا ابنى تعال علشان تصلى معانا
حملق به عمرو وهو فاغرًا فاه ، فهو لم يصلى بحياته من قبل ، حتى أنه لا يعلم كيف يتوضأ ، ولكن بإلحاح مناداة والد بلال له ، جعله يترجل من السيارة ، فدلف خلفه للمسجد الكبير ومنه للمرحاض الخاص بالمسجد من أجل الوضوء
وقف عمرو أمام الصنبور ينظر حوله لعله يرى أحد يتوضأ ليفعل مثله ، ولكن لا أحد هنا سوى والد بلال والذى أنتبه عليه ، وأقترب منه رابتاً على كتفه قائلاً بلين :
– أنت مش عارف تتوضا إزاى عمرك ما صليت قبل كده
حرك عمرو رأ سه بالإيجاب وهو مطرقاً بها أرضاً ، خشية أن يرفع عيـ ـناه به ويجده ينظر له بتأنيب أو مقت على تركه ركن هام من أركان الإسلام ، الذى من المفترض أنه يعتنقه ، فعاد الإمام يربت عليه ، وفتح صنبور الماء وهو يقول برفق :
– بص زى ما تشوفى بعمل أعمل زيى ماشى
رفع عمرو وجـ ـهه له ورد قائلاً بحذر :
– يعنى أنت مش هتزعقلى وتقولى أن كافر علشان عمرى ما صليت
إبتسم الإمام ورد قائلاً ببشاشة :
– طبعاً الصلاة من أهم أركان الإسلام الواجب عليك أنك تحافظ عليها وتؤديها فى وقتها ،وأنت أهو قدامك الفرصة إبدأ يلا ولو بعد الصلاة حابب تسأل على حاجة أنا موجود وهجاوبك على كل حاجة
إستكان عمرو للطف ورفق الإمام ، فتابع بعيـ ـناه ما يفعله من أمور الوضوء ، فتبعه حتى أنتهى من وضوءه ، وخرجا من المرحاض ، بدأ الإمام يؤذن عبر مكبرات الصوت ، وبدأ المصليين يتوافدون على المسجد ، وعاد بلال ووقف بجوار عمرو خلف أبيه عندما بدأ يأمهم بالصلاة
وكأن سيل جارف من المشاعر والأحاسيس ضربه فجأة ، وهو يقف بين صفوف المصليين ولا يعلم شئ عن دينه أو صلاته ، فحتى هو لا يحفظ من القرآن سوى سورة " الفاتحة '' ولا يحفظ أى سورة أخرى ، وقف وبدأ الشيطان يوسوس له بأن الله لن يقبله بين صفوف عباده المؤمنين ، فشرد بصلاته ولم يفعل سوى أن يتبع حركة المصلين ، ولكن ما أن خر ساجداً ولمـ ـست جبهته الأرض ، لا يعلم كيف خرج صوته النا ئح ، بل بات صوت بكاءه مسموع بوضوح لبلال ، وهو يردد كلمة واحدة " يارب "
ما أن أنتهى الإمام من الصلاة ، وأنصرف المصليين ، أشار لبلال بأن يتركه مع عمرو بمفردهما ، فخرج بلال من المسجد ، وظل عمرو مغلقاً عيـ ـنيه الباكيتين ، وشعر بيـ ـد الإمام تربت على سا قه بحنان
فتح عمرو عيـ ـناه قائلاً بدون أى مقدمات :
– أنا مذنب يا عم الشيخ ، ومش أى ذنب ، ده ذنب ميتغفرش
رد الإمام قائلاً وهو يدير مسبحته بين أنامله :
– ربنا قال فى كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
إستغفر يا ابنى وتوب وربنا هيقبل توبتك
وضع عمرو وجـ ـهه بين كفيه قائلاً بصوت نائح :
– هيغفرلى ذنبى ده إزاى وانا مدمن مخدرات ، وكمان شـ ـاذ يا عم الشيخ ، أرتكبت الحرام ومش حتى مع ست ولا بنت لاء مع شاب زيى ، بس والله أنا عارف أن ده حرام وحاولت أتوب بس مش عارف ، وأنا مش عارف أنا قولتلك ليه على حقيقتى
أصاب إمام المسجد دهشة عظيمة من سماعه لتصريحه بإرتكابه تلك الفاحـ ـشة ، التى خسف الله بها قوم لوط ، فأزدرد لعابه وشعر بالحرج حتى بات يتوهم أن حبات العرق تكونت على جبينه مما سمعه منه ، إلا أنه لم يحاول أن يفزعه أو أن يخرج صوته حاداً ومأنباً له على ما فعله
فنظر لحبات مسبحته ورد قائلاً بهدوء وروية :
– إسمعنى يا إبنى ، ربنا دايما باب توبته مفتوح قدام اللى عايز يتوب بجد ويخلص النية فى التوبة ، ولو أنت عايز ترجع لربك ودينك ، لازم يكون عندك العزيمة والإصرار ، ممكن يكون طريقك للتوبة صعب وهيجيلك لحظات ضعف ، بس حاول متيأسش ولو عايز تبدأ من دلوقتى أنا معاك وصدقنى سرك محفوظ ، وأنا مستعد ابدأ معاك من الأول ، أنا برضه عندى أولاد ، فأنا هساعدك إبتغاء مرضاة الله ، بس لازم يكون عندك النية بجد ، وأعتبرنى زى والدك
تلك هى المرة الأولى ، التى يرى بها العطف والحنان بعـ ـينى أحد يرغب بمساعدته فى الخروج من تلك البؤرة الأكثر فساداً ، فإبتسم رغماً عنه كأنه غريق ولا يجد سبيل للنجاة ، وإمتدت له يـ ـد حنون ستساعده للعودة للدرب الصحيح ، فهو لا ينكر شعور الغبطة لأبناء هذا الإمام كونهما يمتلكان أب مثله ، ولم يحظى هو سوى بحطام علاقات فاسدة ، فأسرع بوضع يـ ـده بيـ ـد الإمام يتلو أول عهد ونذر له بأن يقلع عن تعاطى المخدرات ، وأصر على الإمام وترجاه بألا يتركه يصارع شيطانه بمفرده ، بل يريده أن يكون الضوء الذى ينير دربه المحفوف بالمخاطر فالحلم واللين والصبر وما يتحلى بيه إمام المسجد من خصال الخير والطيبة ، جعلته طامعاً بأن يأخذ على عاتقه مهمة إعادته للطريق المستقيم ، وأن يكون معلمه ومرشده ، حتى أنه عرض عليه أن يأخذ أجرًا نظير ذلك ، بل هو على إستعداد أن يغدقه بعطاياه وأن يكون معه أكثر سخاءًا من حيث المال والعطايا ، ولكن نهره الإمام عن التفكير بأنه يعطيه أجرًا نظير مساعدته ، فهو لا يبتغى من ذلك سوى الأجر من الله ، عسى أن يجعل الله ذلك بميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون
❈-❈-❈
إن كانت برأت من شعورها بالمرض والوهن ، فهى لم تبرأ من شعورها بتلك الآلام بفؤادها التى تشتد ، كلما وقع بصرها على زو جها ، فهى وإن كانت إمتثلت لأمره بأن تعود من المشفى لمنزله ، فالأن ستعود لمنزل جدها ، ولم يعد هناك ضرورة لمكوثها بمنزل زو جها أكثر من ذلك ، لذلك أخذت حقيبتها الكبيرة ، ووضعتها على الفـ ـراش ، وبدأت بلم أغراضها وثيابها ، حريصة على أن تنتهى قبل مجئ عمران ، فهى تريد الذهاب قبل عودته ، حتى لا يزيد من تعقيد الأمور ، فبالأيام الماضية كان يعاملها بود وحنان ورعاية مفرطة ، كأنه بذلك يقدم لها إعتذارًا عما بدر منه بحقها ، ولكنها ستكون كاذبة إذا قالت بأنها تستطيع أن تستمر بالعيش معه ، وقلبها مازال يعانى تبعات ذلك الإعتداء الوحشى عليها حتى وإن كان الأمر أتاها من زو جها ، الذى يحل له خطب ودها كيفما يشاء ، دون أن يتسبب لها بضرر جـ ـسدى أو نفسى ، ولكن عمران نجح بترك أثار نفسية وجـ ـسدية بليغة ، لن تبرأ منها بسهولة
– دى الشنطة تقيلة أوى ومش هقدر أشيلها كده
هتفت ميس وهى تزفر بإرهاق ، فأغلقت سحاب حقيبتها ، وحاولت وضعها أرضاً ، ولكن عجزت عن حملها ، فتركتها لحين أن تنادى أحد العاملين بالمنزل ، ليأخذها ويضعها بسيارتها ، ولكن قبل أن تبلغ الباب وجدت عمران يفتحه ويلج منه باسماً وهو يحمل عدة حقائب ، ربما تبتهج أى زو جة برؤيتها
رآها عمران ترتدى ثيابها والتى تكونت من بنطال من الجينز وبلوزة أنيقة ، ولملمت شعرها بمشبك للشعر ، فنظر إليها متسائلاً بجدية :
– أنتى رايحة فين يا ميس
ضمت ميس ذرا عيها وردت قائلة بهدوء:
– رايحة بيت جدو
ظن أنها ذاهبة بزيارة ودية لمنزل جدها ، فإبتسم لها قائلاً بود :
– تمام لو كده يلا نروح سوا علشان كمان أشوف غزل
أشاحت بوجـ ـهها عنه ونظرت لتلك الحقيبة الموضوعة على الفـ ـراش ، فإنتبه عمران لفعلتها ، وسقطت الحقائب من بين يـ ـديه ، بعدما فطن لنوايها من ذهابها لمنزل عائلتها ، فبعد أن اكتفى من النظر للحقيبة ، عاد ينظر إليها متسائلاً:
– الشنطة دى بتعمل إيه هنا ، وأنتى ناوية على إيه يا ميس
حلت ميس ذرا عيها ووضعت يـ ـديها بجيبى بنطالها الملتصق بها وردت قائلة ببرود :
– همشى يا عمران ، أنا قولتلك أن خلاص هرجع بيت جدو وكل واحد يروح لحاله ، أنا بس سمعت كلامك وجيت من المستشفى على هنا ، علشان مكنتش حابة أنهم يشفونى بالحالة اللى كنت فيها ، وكان ممكن جدو يجراله حاجة ، بس دلوقتى أنا بقيت كويسة ، ومتخافش مش هقولهم على اللى أنت عملته ، أنا هقولهم أن إحنا خلاص مش مرتاحين مع بعض وقررنا ننفصل بهدوء ومن غير مشاكل
– ليه بس يا حبيبتى عايزة تعملى فينا كده
قالها عمران وهو يمد يـ ـده إليها ولكن قبل أن تصل لوجنتها ، كانت تنأى بوجـ ـهها عن مرمى كفه ، فهى لا تريده أن يمارس عليها إحدى نوبات حنانه المفاجئ
رفعت يـ ـدها وأزاحت يـ ـده ، قبل أن تخونها عبراتها ، وقالت دون محاولة منها أن تنظر بوجـ ـهه :
– أرجوك يا عمران سيبنى أمشى ، أنا لو قعدت هنا أكتر من كده هتخنق شايف دى...
ازاحت ياقة بلوزتها ، فبدت تلك الكدمات والخدوش على عنـ ـقها التى تسبب هو بها ظاهرة بوضوح أمام بصره ، فعادت مستأنفة حديثها بمرارة وغصة :
– كل ما أشوف الكدمات دى ، والوجع اللى فى قلبى على خسارة إبننا ولا بنتنا اللى ملحقناش نفرح بوجودهم بحس بخنقه وبكرهك يا عمران ، فسيبنى أمشى قبل ما أكرهك أكتر
بتلك اللحظة لم تطفو على وجهه سوى معالم الكبرياء وتلك الآفة المتملكة منه بأنه يرى أنها حصلت منه على اعتذار كافِ لفعلته الفادحة ، فأقترب من حقيبتها وسحبها بإحد يـ ـديه بينما يـ ـده الأخرى قبضت على كفها الرقيق وجرها خلفه بشئ من الحدة وهو يقول بإستسلام :
– تمام يا ميس عايزة تروحى بيت أهلك تعالى أنا هوصلك بنفسى
خرج من الغرفة فصاح منادياً أحد رجاله ليأتى ويحمل الحقيبة ويضعها بسيارته ، وأخذ زو جته وهبط الدرج ، فتعجبا معتصم وولاء من حالهما ، خاصة أن عمران يجر خلفه زو جته التى راحت دموعها تنسكب على وجـ ـهها من حدته معها
فأعترض معتصم طريقهما متسائلاً :
– عمران فى إيه وبتعمل ليه كده فى إيه يا ميس
تركت ولاء مكانها وأقتربت من ميس وقبضت على ذرا عها بلين وعطف وهى تقول بإهتمام :
– فى إيه يا ميس مالك أنتى تعبانة تانى ولا إيه ، إيه اللى حصل
أبتلعت ميس تلك الغصة العالقة بحلقها وردت قائلة بصوت خافت متحشرج :
– أنا مش تعبانة يا ولاء أنا هرجع بيت جدو أبقى تعالى علشان أشوفك وأطمن على البيبى ، تقومى بالسلامة إن شاء الله
أصبح الموقف لا يحتمل بعد علم معتصم وولاء بنية ميس بترك عمران نهائياً ، فحاول ردع أخيه عن الخروج بزو جته من المنزل ، ولكن عمران أخذها وخرج رغم إعتراض شقيقه وزو جته ، وصل لسيارته وأجلسها بالمقعد المجاور ، وجلس هو خلف المقود ، وقاد السيارة ولم يتفوه بكلمة طوال الطريق ، وما أن وصل لقصر النعمانى ، ترجل من السيارة ودار حولها وأخذ بيـ ـد ميس ودلفا للداخل ، فأثار إنتباه ميس ذلك الهدوء الذى عم المنزل ، خلافاً لذلك الصخب الذى كانت تفتعله سجود بصوتها وضحكاتها وركضها ، فوصلاً لغرفة المعيشة الكبيرة ووجدت جدها ووالدتها وخالها وزوجته
ألقى عمران عليهم التحية وسرعان ما قال بجمود :
– أنا جبت حفيدتك يا باشا علشان أعصابها تعبانة شوية ، فقولت أجبها علشان ترتاح هنا ، جايز أعصابها ترتاح وتعرف تفكر
ظل الجالسين ينظرون لبعضهم البعض ولا أحد منهم يفقه شيئاً مما قاله عمران ، ولكن أنتبهت سوزانا على هيئة إبنتها المزرية من أثر البكاء ، وشحوب وجهها كأنها كانت تعانى خطب ما وهى لا تعلم
فأسرعت بالإقتراب منها ورفعت وجهها تتفرس به قائلة بقلق :
– مالك يا ميس فى إيه ، وأنتى عاملة ليه كده قولى
نظرت ميس لوجه عمران ومن ثم نظرت لجدها وقالت بجمود وفتور :
– جدو أنا عايزة أطلق من عمران ، خلاص مبقتش عايزة أفضل على ذمته تانى
كأنها أطلقت رصاصة بالفضاء ودوى صوت صداها بأذان الحاضرين ، فحدق بها رياض مشدوهاً ، كأنه لا يعى دلالة مطلبها ، ألا يكفى تلك الكارثة التى حلت بالمنزل من هروب إبنه ، لتأتى حفيدته هى الأخرى وتريد الإنفصال عن زوجها ، فربما هو بتلك الأيام أفرط بالنوم وكل ما يحدث ما هو إلا أضغاث أحلام
رفع رياض حاجبيه الأشيبين متسائلاً بصدمة :
– أنتى بتقولى إيه يا ميس وايه اللى حصل بالظبط أنا مش فاهم منكم حاجة
أنتظرها عمران أن تقول شيئاً فظلت على صمتها ، فنظر لرياض قائلاً بصوت خالِ من أى شعور :
– الظاهر حفيدتك يا باشا محتاجة وقت علشان تريح أعصابها ، لأنها مش عارفة بتقول إيه ، فلما تهدى وتعقل ، هبقى أجى أخدها عن إذنكم
غادر عمران رغم نداء غزل له ورجاءها له بأن ينتظر ، فما أن وصل لسيارته ، حتى وجد غزل تقترب منه وتقبض على ذراعه وهى تقول بإلحاح :
– عمران فى إيه بالظبط وإيه اللى حصل بينك وبين مراتك قولى
أدنى عمران برأسه من كتـ ـفها فإحتـ ـضنها ورد قائلاً بصوت باكى :
– ميس ضاعت منى خلاص ، أنا هدمت كل حاجة بينا ، عمران خسرت ماسته يا غزل
هى لم ترى عمران يبكى منذ أن كان فتى يافعًا ، فكان دائماً بارعاً فى إخفاء دمعاته وحزنه ، ولكنها تراه الآن يبكى كالطفل الذى خسر أحب الأشخاص إليه ، رفعت ذراعيها وطوقته بهما وهى تحاول أن تجعله يهدأ ويخبرها بالقصة كاملة ، ولكن بدا عليه أنه سيفض ذلك المشهد الحزين ويذهب دون إخبارها أى شئ ، فأنسل من بين ذراعيها وهرول بخطواته حتى وصل لسيارته وقادها حتى خرج من منزل النعمانى وهو لا يلوى على شئ ، لم يفكر بالعودة لمنزله ، بل ذهب لأحد الفنادق المملوكة له ، وذهب إلى إحدى الغرف وأرتمى على الفراش وهو يفكر ، هل ستكون تلك نهاية قصة حبهما وأن ميس لن تعود إليه ثانية ؟ هل بإمكانها أن تكمل حياتها دون الحاجة لوجوده بجانبها ؟ فإن كانت هى بإستطاعتها فعل ذلك فهو لن يستطيع فعلها ، لذلك لن يمنحها الطلاق حتى لو كان أخر يوم بحياته ، بل سيتركها تأخذ وقتها لتبرأ من جراحها ومن ثم سيعدها إليه
بعد عشر دقائق تقريباً ، كانت ميس تهرول على الدرج المؤدى لغرفتها التى كانت تسكنها قبل زو اجها ، وصلت للغرفة وفتحت الباب ومن ثم أرتمت على فراشها ودفـ ـنت وجـ ـهها بالوسائد لتكتم صوت بكاءها وشهقاتها ، وكأن لم يكن يكفيها تركها لزو جها وعودتها لمنزل عائلتها ، لتكتشف إختفاء عمها راسل ، والذى كانت تأمل بأن يكون بجوارها بتلك المحنة التى عصفت بموسم حياتها ، فبحيلة يائسة منها أخذت هاتفها وأرسلت له رسائل نصية على كل مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة به ، لعل حيلتها تفلح وتسمع صوته ، ولكن لم تعثر على أى وسيلة متاحة للإتصال به كأنه حظر الإتصال بينه وبينهم ، فبعد يأسها من الحصول على رد منه ، نشرت منشوراً على مواقع التواصل الإجتماعي ، توصف مدى معاناتها بكلمات مبهمة ، لعله يفهم ما يحدث معها ، إذا قرأ كلماتها التى فاضت بمدى حزنها ويأسها
وكأن حيلتها أفلحت ، فها هو جالساً يعـ ـبث بهاتفه ، يراقب مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بزو جته وإبنة شقيقه وكل فرد من أفراد عائلته ، فقرأ ما قامت ميس بنشره على حسابها الشخصي
تنفس راسل بعمق قائلاً بيأس :
– يا ترى فى إيه يا ميس ؟
ألقى الهاتف من يده وحاول كبـ ـح جمـ ـاح نفسه فى أن يهاتفها ليعلم ما أصابها ، ولكن لو حدث ذلك سيكتشف والده مكان وجوده ، فهو لا ليس لديه الضمان الكافى بعدم إفشاء ميس لجدها بشأن إتصاله بها ، ولكنه نجح بالأخير فى أن يحد من فضوله ورغبته فى أن يتحدث معها
أخذ تلك الدراجة الهوائية ، الموضوعة بالحديقة ، وخرج يتنزه بها ، فهو لم يقود أى من تلك الدراجات منذ أن كان بعمر الخامسة عشر ، لذلك كان أول ما أبتاعه بعد مجيئه لهنا كان هرة سجود ودراجته الرياضية
– إنتبهى أيتها الفتاة
قالها راسل بصوت جهورى ، فهو كان على وشك الإصطدام بها وهى تسير بالطريق الخاطئ
إلا أن ساندرا ردت قائلة بإبتسامة :
– عليك أنت الإنتباه أولاً يا راسل
أتسعت طاقتى أنفه مغمغماً بهمس :
– هى ما صدقت حفظت إسمى ، هى بتطلعلى منين دى كمان
لا يعلم سر إبتسامتها البلهاء التى تبتسمها كلما رآته ، فهل ذلك عائد لطبيعتها كفتاة فرنسية تشبه زهرة كاميليا ، تتمايل ببطئ ودلال، ويغلب على طباعها الهدوء والإبتسامة المنمقة ، التى لا يعلم لما يشعر بالإنزعاج كلما رآها ، فطباعها الأوروبية الباردة ، ربما هى ما تجعلها تتصرف على هذا النحو ، من أن تقابل جفاءه الواضح للعيان بهدوء وصل حد البرود ، ولكنه لم يكن بحالة مزاجية تمكنه من تجاذب أطراف الحديث معها ، لذلك عاد يقود دراجته وهو يتمنى أن لا يقابلها ثانية ، ولكن كيف سيحدث ذلك وهو علم أنها إستأجرت بيت أخر لا يبعد كثيراً عن بيته
❈-❈-❈
الطرق المستمر على باب المنزل ، جعلها تفيق من تلك القيلولة ، التى أخذتها بعد خروج زو جها ، فتركت الفراش وبحثت عن رداءها المنزلى ، وجدته ملقى على المقعد بجوار الفراش ، إرتدته وشدت رباط خصرها ، وإبتسمت لظنها أن ربما الطارق ماهو إلا ذلك الطفل المدعو سويلم ، فهى منذ مجيئها لهنا برفقة زو جها ، وهو يفعل ذلك من حين لأخر من أجل مشاكستها أو الجلوس معها ، فهى أحبته وأحبت والدته تلك المرأة الحنون والجميلة ، والتى نشأت بينهما صداقة ودية ، فهى تشبهها فى بعض النواحى ، من حيث كونها من عائلة ثرية ولكن وقعت بغرام والد سويلم وتزو جته رغم إعتراض عائلتها بالبدء ، ولكن تحدت رغبة الجميع وتزو جا وأنجبت له ذلك الطفل الشقى ، فمن يرى معاملتها المتواضعة وتلك الشخصية القوية ، لا يصدق أنها نشأت بوسط مخملى كذلك الوسط الذى نشأت به هند ، لذلك تطورت صداقتهما سريعاً ، نظراً لأن كل منهما ضحت بالثراء من أجل الحب
فتحت هند الباب وهى تبتسم وتقول بوعيد مزيف:
– لو أنت اللى بتخبط على الباب جامد كده يا سويلم مش هديك شيكولاتة تانى
ولكن أشرق وجـ ـهها بعد رؤيتها لوالديها ، وهما يقفان على الباب ، فصاحت هند بسعادة :
– بابا ماما وحشتونى أوى ، إيه المفاجئة الجميلة دى
أحتضنت والديها تباعاً ودعتهما للدخول ، فأشار أبيها للسائق بأن يحمل تلك الهدايا التى جلبها من أجل إبنته ، وأن يضعها بالصالة ، وضع السائق ما بيـ ـده على تلك المائدة الصغيرة بالصالة وخرج بعدما أخذ نقوده نظير إيطالهما من المطار للمنزل
نظرت هند لحقائب الهدايا قائلة بعتاب رقيق :
– إيه الحاجات دى كلها يا بابا مكنش ليه لزوم تتعبوا نفسكوا وتجيبوا كل ده
أقترب منها أبيها وأخذ وجـ ـهها بين يـ ـديه قائلاً بحنان :
– لو مكنتش أجيب كل ده ليكى أنتى أجيب لمنين يا حبيبة قلبي ، أنا لو أطول أجبلك النجوم مش هتأخر يا حبيبة بابا
قبـ ـلت باطن يـ ـده قائلة بإمتنان وحب :
– تسلملى يا بابا ، أقعدوا هجبلكم حاجة تشربوها ، أنا عارفة تلاقيكم تعبتوا من الطريق
تركتهما هند وذهبت للمطبخ ، وأخرجت الأكواب ووضعت بها المشروبات ، وفكرت بإخراج بعض الأطعمة من المبرد ، لتجهيز المائدة ، إبتسمت على حالها ، فهى صارت سيدة منزل وزو جة ، تعد الطعام من أجل زو جها ومن أجل كل من يزورهما بالمنزل ، فوالدة سويلم ساعدتها بتعلم الطهى وكيفية العناية وتدبير شئون المنزل من شراء ما يلزمهما من الطعام والشراب وما إلى ذلك
أثناء وضعها للمشروب المرطب بالأكواب وجدت والدتها تقف خلفها تمسد على رأ سها وظـ ـهرها قائلة بحنان :
– عاملة إيه يا حبيبتى مع جوزك كويسين الحمد لله متعرفيش أنتى وحشانى قد إيه يا هند وكأنك سيبتى البيت من سنين مش من شهرين بس
وضعت هند الصينية من يـ ـدها وإلتفتت لوالدتها وإحتـ ـضنتها وهى تقول بصوت ناعم خجول :
– دول كانوا أجمل شهرين فى عمرى يا ماما ، متتصوريش أنا مبسوطة مع كرم إزاى وخصوصاً لما عرف كل حاجة ، أنا بحبه أوى أوى يا ماما
شدت والدتها من ذرا عيها حولها ، وزفرت براحة ، فتلك السعادة التى تراها بوضوح على وجه إبنتها وإستشعرتها بصوتها ، جعلتها مطمئنة هادئة البال ، على الرغم من شعورها بالحزن لفراقها وأنها تقيم مع زو جها بمحافظة أخرى
خرجت هند ووالدتها من المطبخ وجدت والدها جالساً على الأريكة بالصالة ويجلس بجواره الصغير ، فصاحت هند قائلة بإبتسامة :
– أنت جيت أمتى يا سويلم
رد الصغير وهو يرفع يـ ـديه يعد على أصابعه عدد الدقائق :
– جيت من دول يا طنط هند
وضعت هند الصينية وأخذت قطعة من الشيكولاتة لعلمها بحب الصغير لها ، فقبلته على وجنته وناولته الشيكولاتة وداعبت شعره وهى تقول بمشاكسة :
– حبيب طنط هند ، الشيكولاتة أهى بس أوعى مامتك تعرف أحسن هى مأكدة عليا أن مخليكش تأكل شيكولاتة كتير أسنانك هتسوس
أخذ الصغير حلواه وقفز فرحًا وسرعان ما خرج من المنزل بعد حصوله على مبتغاه من زيارته السريعة لها ، فأغلقت هند باب المنزل وعادت لوالديها ، ولكنها لاحظت أن أبيها ترك مكانه وتجول بالمنزل يتفقده
دلف لغرفة المعيشة ولحقت به هند ووالدتها ،فأقتربت من أبيها وتأبطت ذراعه وهى تقول بإبتسامة عفوية :
– شوفت يا بابا العش الهادى بتاعى أنا وكرم ، أحلى عش لأحلى عصافير الحب
وقف أبيها قبالتها ، فربت على وجـ ـهها ولم يستطع أن يجارى إبتسامتها ، فإن كان تركها من قبل تقيم مع كرم بشقته فى الإسكندرية ، فهو كان يعلم بأن زو اجهما لن يستمر وستعود لمنزله مرة أخرى ، ولكن تلك المرة هى صارت زو جة فعلية لكرم، لذلك يجب عليه أن يأمن لها مستواها المعيشى الرغيد ، الذى كانت تحيا به بكنفه
فداعب وجنتها قائلاً بلطافة :
– بس عصفورتى لازم تعيش فى العش اللى هى متعودة عليه يا حبيبتى ، حتى لو مش عايزين تعيشوا معانا فى البيت أنا اشتريلكم أى فيلا تعجبكم ، بس أكون مطمن عليكى
علمت مدلول حديثه ، فشدت على يـ ـده وردت قائلة برفق :
– بابا متقلقش عليا كرم بيعمل كل اللى يقدر عليه وصدقنى والله أنا راضية بكل حاجة هو بيعملها علشانى فعيزاك تطمن ثم هو أنا لو احتاجت حاجة أكيد هقولك ، أنا مش عيزاك تشغل بالك بيا
لم يستساغ محاولتها لتجعله يصرف تفكيره عن التخطيط لمستقبلها هى وزو جها ، فخرج صوته حاداً رغماً عنه:
– هند أنا مش عايز بس حلاوة أيام جوازك الأولى تنسيكى أنك بعد كده هتبقى أم وعندك أطفال وأكيد هتكونى حابة أنهم يعيشوا فى أحسن مستوى مش عايز العاطفة تغلبك وتنسيكى أنك هند الصاوى ، اللى اتولدت فى بوقها معلقة دهب ، ومتفتكريش أن أنا إنبسطت لما شوفت البيت اللى أنتى قاعدة فيه ده ولا المكان ، وإن كان على جوزك أنتى عارفة أن بحبه وبعزه زى إبنى ومستعد أسلمه مالى وأملاكى وكل حاجة ، ماهو مش معقول أامنه على بنتى اللى هى أغلى من أى حاجة فى الدنيا وهبخل عليه بمالى ، فبظروفه وحالته دى مش هيقدر يقدملك اللى أقدر اقدمهلكم أنا ، فلازم تكلميه وتقنعيه وترجعوا على إسكندرية ، إذا ما كانش أنتوا تتمتعوا بالخير ده كله مين يتمتع بيه
أدنت زوجته منه وشدت على ذراعه لعله يخفف من حدة حديثه ، فهى تعلم مدى إعتزاز إبن شقيقتها بكبرياءه ، وما أن رفعت عيـ ـنيها صوب باب غرفة المعيشة تحققت ظنونها ومخاوفها ، فكرم يقف قريباً من باب الغرفة و ربما إستمع لحديث زو جها ولا تعلم منذ متى وهو هنا ؟
إلا أنه دلف لغرفة المعيشة قائلاً بإبتسامة ودودة :
– حمد الله على السلامة يا عمى أنت وخالتو وأنا أقول الأقصر منورة ليه
تقدم من زو ج خالته وصافحه وأقترب من خالته وقبـ ـلها على وجنتيها ، فدعاهما للجلوس ومازال مبتسماً كأنه لم يسمع شئ من حديث والد زو جته ، بل قدم لهما واجب الضيافة وساعد هند بتحضير الطعام ومازالت تلك الإبتسامة على وجهه حتى ظنوا ثلاثتهم أنه لم يستمع لشئ من حديثهم
فما أن جن الليل عليهم ، وذهب والديها لتلك الغرفة التى سيقمان بها أثناء وجودهما بالمنزل ، دلفت هند لغرفة نومها وجدت زو جها مستلقياً على الفراش واضعاً ذراعه على وجـ ـهه يخفى عيـ ـنيه ، فأبدلت ثيابها وذهبت للفراش ، فما أن شعر بها قريبة منه ، أخفض ذر اعه عن وجـ ـهه وإستلقى على جانبه الأيمن وجذبها إليه ، وبدأ الوصال بينهما فاترًا من جانبه على غير العادة ، بل حمل طابع اليأس وفرض الهيمنة منه ، حتى جعلها تدفعه عنها بالأخير
فنظرت إليه وتساءلت بتعجب من تصرفه :
– فى إيه يا كرم مالك ؟
عاد كرم وإستلقى على ظـ ـهره قائلاً بفتور :
– مفيش يا هند ، مشغول شوية علشان بفكر أدور على وظيفة تانية جمب شغل المدرسة
رفعت هند جزعها العلوى على مرفقها الأيسر ونظرت إليه قائلة بإهتمام :
– وظيفة تانية ليه يا حبيبى وترهق نفسك أكتر ليه ، ما الحمد لله عايشين كويس
أزاح كرم الغطاء عنه وترك الفراش ، فوقف أمام النافذة الصغيرة ووضع يـ ـديه بجيبى سرواله البيتى ، ورد قائلاً دون أن يلتفت إليها :
– أنتى مش شايفة العيشة بقت غالية إزاى والأسعار ولعت زيادة وطبعاً لازم أبقى راجل وأعيش مراتى بنت الأكابر كويس
قال شق عبارته الأخير يحمل طابع التندر الساخر ، فأيقنت هند أن زو جها إستمع لحديث أبيها ، وربما شعر بأنه أصاب كبرياءه بمقتل ، لذلك تركت الفراش وأقتربت بخطواتها منه ، ورفعت ذراعيها لتطوقه بهما ووضعت رأ سها على ظـ ـهره ، بل راحت تمسد بكفها الرقيق على موضع قلبه
خرج صوتها ناعماً خافتاً مفعماً بالصدق والحب :
– حبيبى لو كنت سمعت كلام بابا وأضايقت فهو قال كده من باب حرصه وحبه ليا ، هو ميقصدش أى حاجة صدقنى هو بس عايزنى أعيش فى نفس المستوى اللى كنت عيشاه ، بس ده كله مبقاش يهمنى قد ما أن أفضل جمبك باقى عمرى كله ، وتخلينى أسعد وأغنى واحدة بحبك وحنيتك ، أنا بحبك يا كرم ومبقتش عاملة أى اعتبار لحاجة تانية غير أن أنت بقيت جوزى وحبيبى
سيكون كاذباً إن لم يقر بداخله أنها إستطاعت أن تصرف تفكيره عن أى شئ أخر سوى أن يضـ ـمها إليه وينهل من نهر عشقها ، ولكن بغياهب عقله مازالت تلك الوخزة الصغيرة تألمه ، يخشى إخفاقه بأن يكون ذلك الزو ج الذى يجعل الجميع يثنى على قرارها بالإرتباط به ، لذلك سيبذل أقصى ما بإمكانه ليجعلها مدللة حتى وإن لم تكن ستنعم إلا بالقليل مقارنة بما كانت تحصل عليه بكنف أبيها ، فأمر عثوره على وظيفة بجانب تدريسه بالمدرسة ، كان يراوده منذ أن أخذ قراره بإكمال حياتهما سوياً ، وزاد تفكيره بالأمر عندما تيقن من أن هند صارت له قلباً وقالباً وبات هو الحبيب الأول والأخير لها ، ولكن بالشهرين الماضيين ، ربما أنغمس بنهر الحب ، وصرف تفكيره عن الأمر ، ولكن بات التفكير به الآن جدياً خاصة بعد سماع حديث والد زو جته ، لذلك سيعمل من الغد على العثور على تلك المهنة أو الوظيفة التى ستمكنه من زيادة دخله ، ويستطيع أن يسد حاجات زو جته من المأكل والمشرب والحصول على ثياب جديدة مثلما هى معتادة
❈-❈-❈
بعد خروجها من المتجر الخاص بالثياب ، ووضعت تلك الثياب التى إبتاعتها بسيارتها ، رآت فتاة تخرج من متجر مجاور ، فتذكرتها على الفور ، وكيف لا تتذكرها وتلك هى من أصبحت زو جة لمعشوقها عبد الرحمن ، تأملتها بضع لحظات ، وأنزلقت بنظراتها من وجهها ، حتى إستقرت على بطنها المنتفخ بشكل ملحوظ ، فهى لم تنتبه لهذا الأمر يوم أن رآتهما سوياً ، ضمت بيرى أصابعها ، حتى أنغرزت أظافرها بباطن يدها ، مسببة لها شعور بالألم ، ولكن لم يكن قوياً كذلك الألم ، الذى أعتصر قلبها من رؤية فتاة أخرى تحمل طفلاً لذلك الرجل ، الذى لم تعشق أحد غيره ، ودون أن تعى على ما تفعل وجدت قدميها تسوقها إليها بعد أن وقفت أمام إحدى المتاجر ، فوقفت بجانبها بحجة أنها تشاهد تلك الثياب المعروضة بالواجهة الزجاجية لمتجر ثياب الأطفال
تتبع بعينيها حركة يديها وهى تمسد على بطنها المنتفخ بحنان ، فسألتها بيرى بفضول :
– هو أنتى حامل فى ولد ولا بنت
نظرت إليها المرأة الشابة وتعجبت من سؤالها فى البدء ، ولكن سرعان ما أجابتها وهى تبتسم :
– حامل فى ولد إن شاء الله وهسميه عبد الرحمن
تعجبت بيرى من أنها ستمنح طفلها إسماً كإسم أبيه ، ولكن قبل أن تعرب عن دهشتها وجدت رجل يقترب منهما وهو يصيح باسماً:
– إيه يا حبيبتى خلاص خلصتى ده كله بتجيبى هدوم للبيبى
نظرت بيرى إليه ملياً ، فمن يكون هذا الرجل ، ولما يخاطبها بتلك الحمـ ـيمية ، ولكن زادت دهشتها أكثر برؤية الفتاة تقترب منه ووضعت يـ ـديها بين كفيه وهى تقول بإبتسامة هادئة:
– خلاص يا حبيبى إشتريت كل اللى عيزاه ، ويلا بقى أعزمنى على الغدا علشان هموت من الجوع أنا وإبنك
صعقت بيرى مما سمعته منها ، فقبل أن تبتعد قبضت بيرى على ذراعها ومنعتها من السير ، تعجبت الفتاة من تصرفها ، ولكن قالت بيرى بعينان دامعتان :
– هو مش أنتى تبقى مرات عبد الرحمن السياف
ردت الفتاة قائلة بعدما قطبت حاجبيها بدهشة :
– عبد الرحمن السياف يبقى أخويا مش جـ ـوزى ، ده يبقى جـ ـوزى ، ثم أنتى تعرفى عبد الرحمن أخويا منين
وضعت بيرى يـ ـدها على فمها لتمنع صوت شهقاتها و بكاءها ، فإذن قد خدعها بإيهامها أنه متزو جاً ولديه زو جة ، حتى تقطع جسور الأمل بينهما ، فلم تنتظر دقيقة أخرى إذ أخذت تهرول بخطواتها حتى وصلت لسيارتها ، فقادتها وهى ما زالت تبكى ، فحتى بعد علمها بأن تلك الفتاة شقيقته وليست زو جته كما حاول إيهامها ، إلا أنها تعلم بأنه من المحال أن يجتمعا سوياً طالما هى إبنة ذلك الرجل ، الذى تسبب بإيذاءه ، فنقمت على أبيها وعلى قلبها وعلى حياتها بأكملها ، كونها ستظل عالقة بذلك الحب ، ولن تستطيع المضى به قدماً ، ولا أن تعود لما كانت عليه من إفتعال البرود وتحجر مشاعرها
بتوالى الأفكار على عقلها ، لم تدرك بأنها صارت بالمنزل إلا بعد رؤيتها للحارس يفتح البوابة الرئيسية ، ولجت بسيارتها حتى وصلت للمرآب وترجلت منها ، ولكن رآت أبيها متجهاً لذلك الجزء المهجور من ذلك القصر ، فتبعته لتعلم لم هو ذاهباً لهناك ، أو لم يصر دائماً بعدم إقتراب أحد من ذلك المبنى
حرصت على الاختباء وهى ترى أبيها يصرف ذلك الحارس الماثل أمام تلك الغرفة ، وما أن غادر الرجل وولج أبيها للداخل أقتربت من الباب ورآت أنه لم يكن موصد بالكامل ، فنظرت من شق الباب وجدت والدها جالساً على طرف فراش تستلقى عليه سيدة عجوز
فغمغمت بصوت خافت :
– مين دى ومعقولة فى حد ساكن معانا فى البيت وأنا معرفش
صمتت وعادت تنصت لحديث أبيها مع تلك العجوز ، فسمعته يصيح بها بتعنيف :
– مارجريت قوليلى إزاى ده حصل لديفيد ، وليه كلهم حبوا مسلمين ، لا من دينا ولا عقيدتنا
قهقهت مارجريت على رؤية ملامحه الحانقة ، فيبدو عليه أنه تيقن الآن من أن هلاكه قاب قوسين أو أدنى من إختطافه ، وربما هذا عقابه الملائم على جرائره
اعتدلت جالسة بالفراش وردت قائلة بشماتة :
– ده قدرهم ومتنساش أن أبوك ذات نفسه وقع فى عشق واحدة مسلمة بس مقدرش وقتها يعمل حاجة ، وفضل الحب فى قلبه ياكل فيه حتى بعد ما اتجوز أمك اللى هى أختى ، وهى زرعت فيك كره المسلمين لأنها فضلت عايشة مع أبوك مكوية بنار أنها عارفة أن جو زها قلبه بيحب واحدة تانية ، ومات وساب لعنة الحب ده لأحفاده ، وانكتب على نسله أنهم هم كمان يدوقوا الحب اللى مفروض ممنوع عليهم ، بس يا ترى الحكاية هتخلص على إيه ، علشان خلاص زهر الياسمين فاح عطره فى قلب ديفيد ، وأنت مش هتقدر تعمل حاجة ، لأن لو حاولت تأذيها الشبل اللى أنت ربيته هيبقى أسد وهتكون أنت أول فريسته
إبتسم أدريانو بسخرية ورد قائلاً بعدم إكتراث :
– خلاص زمانها دلوقتى هيجيلى خبرها لأن قولتلك مش هسبب اللعبة تخرج من إيدى ، وهم كام يوم وهيرجع ديفيد زى ما كان يا مارجريت
رفعت مارجريت يـ ـدها وهوت بها على سـ ـاق أدريانو بصفعة خفيفة كتأنيب على تفكيره الساذج وقالت برنة صوتها التى ترعبه أحياناً حتى لو حاول الإنكار :
– يا خسارة يا أدريانو يبقى إستنى وشوف اللى هيحصلك ودلوقتى سيبنى أنام
إستمعت بيرى لحديثهما ، ولم يكن لديها الوعى والإدراك الكافى لإستيعاب كل ما سمعته ، فهى تعلم بشأن أن خالة أبيها مارجريت توفت منذ وفاة عمها دانيال ، ولكن ها هى هنا على قيد الحياة ، بل حديثها مع والدها حمل طابع العالمة بكل الأمور الخاصة بحياة أبيها السابقة والحالية
– بابا خارج لازم ميشوفنيش
قالتها بيرى وهى تسرع بخطواتها حتى تركت ذلك المبنى وعادت للمنزل ودقائق ووجدت أبيها يلحق بها
ولكن قبل أن يفتح أحد منهما فـ ـمه ، سمعا صوت صيحة وصرخة ديفيد وهو يلج المنزل كالطوفان وهو ينادى:
– أدريانوووووووو
تلك هى المرة الأولى التى يتخلى فيها عن العادات المتبعة لديه بمناداة عمه بإحترام ، ولكن ما علمه للتو ، أطاح بكل ما لديه من عقل ومنطق وقدرة على التفكير السليم ، بل لم يكتفى بذلك بل أقترب من عمه قابضاً على تلابيب ثيابه وهو يهدر بوجـ ـهه بصوت عالى :
– ليه عملت فيها كده ذنبها إيه ، ليه خليت رجالتك يخبطوا ياسمين بالعربية ليييييييييه تعمل فيها كده ، عايز تخلص منها زى ما اتسببت فى موت بابا وماما واخواتى
– ديفيد إحترم نفسك وأنت بتكلمنى أنت ناسى إن أنا عمك ومين ياسمين دى كمان اللى جاى تتهمنى فيها ، واتسببت فى موت باباك ومامتك إزاى أنت مجنون
قال أدريانو بلامبالاة وأزاح يـ ـد ديفيد عنه ، فهو وضع مخططه بأنه يقوم أحد رجالة بدعس ياسمين بالسيارة أثناء خروجها من الكلية ، التى تعمل بها معيدة ، ويبدو أن الرجل نجح بمخططه
أخرج ديفيد سلاحه النارى من غمده ، ورفعه بو جه أدريانو قائلاً وعيـ ـناه دامعتان لعلمه بما لاقته معشوقته :
– أنا عرفت الحقيقية ومن لسانك أنت لما كنت فى أوضة بابا وبتتكلم مع الصورة وأعترفت بكل حاجة ، شكلك نسيت أن أوضتى جمب الأوضة اللى كنت فيها ، وأن فى باب بينهم ، ولما كنت عايز ادخل الأوضة اقعد فيها شوية ، شوفتك وانت واقف قدام صورة بابا وسمعت كل حاجة ، أنت مش بنى أدم أنت شيطان ولازم تموت ، أنت أذيتنا كلنا
تصنمت بيرى بوقفتها وهى ترى الموقف بينهما يصير أكثر تأزماً ، فأبيها لا يكتفى من إفتعال أمور الشر ، التى يعانون هم من تبعاتها وأثارها ، ولكن قبل أن ينجح ديفيد فى إطلاق النار ، أقتحم رجال الشرطة المنزل وصاح أحد الضباط قائلاً بأمر :
– كل واحد يثبت مكانه ، أدريانو أنت مطلوب القبض عليك ، خلاص أنت أنكشفت ، ومعانا كل التسجيلات اللى تدين أعمالك المشبوهة
لم يجد ديفيد حاجة لأن يطلق الرصاص عليه ، لعلمه بأن عمه سينال جزاءه من قبل القانون ، فهو ما أن علم بأنه هو المتسبب بموت والديه وأشقاءه مثلما سمعه يصرح هو بذلك وأنه ألقى اللوم على عاتق إناس أبرياء أصر على وضع نهاية أدريانو بيده وجاء أمر حادث ياسمين متمماً لإصراره ، فذهب للشرطة بكل الأدلة التى تجعل أدريانو يزج بالسجن ولا يخرج منه ثانية إلا على قبره
نظر ديفيد لعمه قائلاً بشماتة :
– خلاص اللعبة أنتهت يا عمى وعلى إيدى أنا مش إيد حد غريب
باقى الفصل الرابع
ولكن لم يكن أدريانو ليستسلم بتلك السهولة التى ظنها رجال الشرطة ، بل سلاحه النارى الذى اخرجه وراح يفرغ طلقاته بعشوائية ، نجح فى خلق جو متوتر وهرج ومرج بالمكان ، وإستطاع أن يلج لغرفة مكتبه ومنها إلى ذلك الممر السرى ، الذى يمكنه من الخروج من المنزل بأكمله ، فأقتحم رجال الشرطة غرفة المكتب ، وركض ديفيد للخارج ، لعلمه أن عمه يأمل بالهروب من قبضة رجال الشرطة ولكنه لن يدعه ينال تلك الفرصة
فكز على أسنانه قائلاً بوعيد:
– مش هخليك تهرب يا أدريانو
رآى سيارة أجزم ديفيد أن سائقها هو عمه ، فأخذ سيارته وتبعته سيارات أخرى خاصة برجال الشرطة ، وظلت المطاردة بينهم على أشدها ، حتى وصلاً لأحد الجسور المطلة على البحر ، ولم يعد لأدريانو منفذ للهرب ، فهو أصبح محاصراً من ديفيد ورجال الشرطة ، وبمحاولة أخيرة بائسة حاول الهرب ، بأن مد يـ ـده من نافذة السيارة وأطلق رصاصة إستقرت بذراع الضابط ، لعل ذلك يلهى رجال الشرطة عنه ، حتى يستطيع تنفيذ ذلك الحل الوحيد أمامه وهو أن يقفز بالسيارة فى البحر ، ولكن كأن الضابط علم بنواياه فأطلق رصاصة على خزان وقود السيارة ، وبلمح البصر أنفجرت السيارة ولم ينتهى الأمر لهذا الحد بل سقطت من على الجسر فى البحر وما هى إلا ثوانٍ معدودة حتى أنتهى الأمر ولم يعد للسيارة وجود
وقف ديفيد ينظر للمياه بجمود وبرود ، فربما تلك هى النهاية العادلة التى يستحقها عمه فغمغم بنبرة خالية من الشعور :
– أخدت جزاءك يا عمى وزى ما بابا وماما واخواتى ماتوا فى انفجار عربية أنت كمان موت نفس موتتهم
شهدت مراسم تشيع جثمان أدريانو طابع البرود وتحجر الحواس والمشاعر من حياء وديفيد ، اللذان وقفا أمام ذلك القبر بعد إنصراف ما كان موجود من المشيعيين ، فعلى الرغم من مشاعر الجحود التى كنتها حياء لعمها أدريانو ، إلا أنها أشفقت على بيرى وهى مازالت تبكى ، فأولاً وأخيراً هو أبيها ، ورابط الدم دائماً ما يكون له الأولوية بمثل ذلك المشهد المهيب من توديع أحدهم للدنيا الفانية ، ليخوض حياة البرزخ
أخرجت حياء يـ ـديها من جيبى معطفها وشدت بهما حول كتفى بيرى النحيلين ، فسرعان ما إستجابت لحنانها ووضعت رأسها على كتفها لتكمل وصلة بكاءها ، فهتفت بها حياء بصوت حانى :
– إهدى يا بيرى وبطلى عياط خلاص مش هيفيد بحاجة ، ربنا يسامحه
رمقت حياء شقيقها ديفيد بنظرة باردة ، لعلمها بأنه هو الآخر مذنب بتلك الحالة التى وصلت إليها من هجر زوجها لها ، لذلك أرادت الإنصراف ، وأكملت حديثها وهى تمسح وجه بيرى بيـ ـديها :
– يلا بينا نروح علشان ترتاحى
تأبطت ذراعها وسارتا حتى وصلتا للسيارة ، فقادتها حياء حتى وصلتا للمنزل يتبعهما ديفيد بسيارته ، أشارت لبيرى بنيل قسط من الراحة ، فإستجابت لإقتراحها وبعد ذهابها لغرفتها ، ظلت حياء وجـ ـهًا لو جه مع شقيقها ، الذى لا تعلم هل تلك الحالة المزرية التى أصابته من حزنه لموت عمه ، أم أن هناك سبباً أخر
عقدت حياء ذراعيها ونظرت إليه قائلة بسخرية فجة :
– باين عليك الحزن أوى يا ديفيد علشان موت عمك بس معرفش أنك بتحـ ـس وعندك قلب زى البنى الأدمين الطبيعيين ، ولا صحيح الشيطان اللى زيك لازم يزعل على أستاذه
رفع ديفيد رأ سه وحدق بها بعيـ ـنيه الغائرتين ، كأنه يحمل هم وألم العالم أجمع ، فرد قائلاً برنة صوته المتعبة والمتقطعة ، تزامناً مع إنسكاب عبراته بسخاء :
– ليكى حق تقولى كده يا حياء ، لأنك من ساعة ما قابلتينى وحياتك بقت خراب ، بس صدقينى أنا حاسس باللى أنتى حاسة بيه وعرفت يعنى إيه حرقة قلب على حد بنحبه ، وخصوصاً لما روحت المستشفى و عرفت أن حبيبتى ياسمين ماتت
❈-❈-❈
يتبع ...!!!!
أنار الله دروبكم وأسعد قلوبكم وفرج كروبكم ورزقكم سعادة الدارين ❤️❤️❤️
•تابع الفصل التالي "رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني2" اضغط على اسم الرواية