Ads by Google X

رواية من نبض الوجع عشت غرامي (ج2) الفصل الخامس 5 - بقلم فاطيما يوسف

الصفحة الرئيسية

 


 رواية من نبض الوجع عشت غرامي (ج2) الفصل الخامس 5 - بقلم فاطيما يوسف


الى هنا وانتفض عمران مرددا بذهول :
ـــ حامل في الشهر الرابع ومقالتش ! تعرض حياتها للخطر بالطريقة داي كيف ؟!
أما زينب هتفت باستنكار له :
ـــ يعني مرتك عنديها مشكلة وشكلها كبيرة كمان ومهتعرفونيش وسألتها وسألتك بدل المرة مليون مرة !
مسح عمران على شعره وهو ينفخ بضيق بالغ ثم ردد لوالدته :
ــ مش وقته الكلام دي عاد يا امي مرتي جوة في العمليات دلوك بين الحياة والموت وبدل ماقلبك يرجف علشانها هتقعدي تتحسري وقالوا وقلنا !
هز سلطان رأسه بموافقة وهو يربت على ظهر ابنه :
ــ عين العقل ياولدي امضي على الورقة الاول علشان مرتك ،
ثم نظر إلى زينب وعنفها على طريقتها:
ــ هو دي وقته ياولية انتِ اهدي اكده لما نطمن عليها وبعدين نفهم بهدوء في ايه.
صمتت زينب إجبارا ولكن داخلها يتآكل من تخبئة عمران عليها والقلق عليهم كان ينهش بها فهو ولدها الوحيد وقارب على الأربعين إلا بضع سنوات قليلة ،
مضى عمران على الإقرار بيداي ترجف خوفاً على سكونه ثم ناولها الورقة بعد أن انتهى وهو يسألها بلسان خائف على زوجته :
ــ هي العملية داي فيها خطر على سكون يادكتورة ؟
حركت رأسها برفض وحاولت طمئنته على عجالة :
ــ له متقلقش سكون هتطلع منيها بخير إن شاء الله بس دعواتكم عن اذنكم .
تركتهم ودلفت إلى الغرفة وبدأت بإجراءات تهيئتها لدخول العمليات أولا ،
والجميع في حالة تأهب شديد فسكون قبل أن تكون حالة في المشفى فهي زميلتهم ،
أما في الخارج كان عمران يجوب الطرقة ذهابا وإيابا وهو يحدث حاله بصمت والهلع على سكون ضـ.ـرب بأوردته مجرى الدـ.ـم في العروق :
ــ لما حبيبتي فعلتِ بحالك هكذا ؟
كيف لكِ أن تؤدي بشأنك إلى الجحيم وتجعلي القلق ينهش داخلي عليكِ سكون؟
لم أتذكر أنني جرحتُك يوماً بكلماتي كي تفعلي ذاك الجرم بنفسك وتجعليني الآن اتآكل عليكِ هلعاً وقلبي يشعر بالدمار !
لم أريد سواكِ في الكون كُلِّهِ ، فأنت لي أماًّ وأبا ، وزوجةً ، وأختاً ، وخليلة ، أنتِ كلي سكوني !
الجميع يقفون خائفون عليها فأتت رحمة إليهم بعد أن أنهت إجراءات الأوراق المطلوبة في المشفى ثم ربتت على ظهر أخيها بعدما علمت من والدها ماقالته فريدة :
ــ هتوبقى زينة ياعمران متقلقش ياخوي إن شاء الله مش عايزاك تاخد على اعصابك الموضوع وتهدي حالك علشان لما مرتك تخرج من العمليات مش عايزة هجوم ولا منك ولا من ماما ولا من اي حد فينا مش عايزاها تشوف غير الابتسامة على وشنا وبعد ما ربنا يشفيها خالص وتتعافي من اللي هي فيه تتعاتب انت وهي براحتكم .
غامت عيناه بالحزن على زوجته ثم سأل شقيقته بنبرة حزينة وداخله مرتعب :
ــ هي ممكن يحصل لها حاجه لا سمح الله ! اصلك ما شفتيش الداكتورة فريدة قالت ان هي كانت بتاخد ادويه تثبيت وعملت انعكاس معاها وكانت ممكن تفجر الرحم بتاعها وتقريبا حالتها صعبة اني بجد خايف عليها قوي خايف يجرى لها حاجة شينة ووقتها مهتحملش والله العظيم مهتحملش .
ابتسمت بوجهه كي تحاول بث الهدوء النفسي داخله ثم هتفت بكلماتها الودودة:
ــ له تفائل بالخير تجده ياخوي وربك بإذن الله هيشفيها وهيجبرها وهيفرح قلوبنا كلاتنا بعوضك ياحبييي بس انت ميوبقاش على لسانك دلوك يااااارب هو الوحيد اللي بيده فك الكرب .
أخذ نفساً عميقاً ثم نطقها من أعماق قلبه برجاء من رب السماء :
ـــ يااااارب ، يااااارب استودعتك إياها وانت خير مُودع .
مر ساعة كاملة وسكون داخل غرفة العمليات وقد نفذ الصبر من صبر عمران الذي يقف الآن أمام الغرفة وأخيراً خرجت سكون على ذاك التخت المتنقل وكأن عقرب الساعات توقف عند تلك الدقيقة ولم تندهشوا فذاك رجل عاشق لامرأة ولد قلبه الموجوع على يدها ،
فور أن رأته عينيها أمسك يدها واحتضنها بين كفاي يداه باحتواء وهو يتسابق بقدميه مع التخت المتحرك إلى أن أوصلها غرفة الإفاقة وما إن توقفوا بالتخت حتى رفع كف يدها ولثم باطن يديها بقبلة عميقة أدفئت يدها المثلجة من سخونة أنفاسه ،
بعد مرور دقيقتين بدأت تتوجع وتهذي من أثر البنج وهي تردد بألم وهي تشير أسفل بطنها وتتأنى بوجع :
ـــ آاااااااه ، أني فين ، حوصل ايه ؟
مسح عمران على شعرها مجيبا إياها بصوت متحشرج أثر حزنه على وجعها الذي يقـ.ـطع نياط قلبه :
ــ انتِ بخير ياحبيبي ، متقلقيش ، حمد لله على سلامتك يا سكون .
حركت رأسها بهوادة إلى مصدر الصوت وتمتمت وهي تنظر برؤية مشوشة إلى عمران وعقلها الي الآن لم يستوعب بعد مابها :
ـــ آاااه ، بطني بتوجعني قووووي حاسة بسكـ.ـاكين فيهم ،
وأكملت وهي تشير بأصبعها إلى أماكن متفرقة في بطنها :
ــ آاااه ، وجع هنا وهنا وهنا وهنا ، خليهم يدوني مسكن .
التمعت عينيه بغشاوة الدموع وهو يقف عاجز امام وجعها ولم يستطيع التخفيف عنها وهي تتأوه كثيراً وما إن وقع بصره على فريدة حتى هرول إليها آمرا إياها :
ــ تعالى بسرعة اديها مسكن علشان بتتألم قووي .
حركت فريدة رأسها برفض وفهمته :
ــ طبيعي الوجع اللي هي فيه ومينفعش مسكن دلوك خالص لازم تفوق الاول وأقومها تتمشي وبعدين هديها مسكن الصبر بس ياعمران ،
واسترسلت حديثها وهي تنظر إلى صديقتها ورفيقة العمر والأيام بحزن نمى عن دمعة سكنت وجنتيها :
ــ دي ياحبيبتي عملت في نفسها اكده وعرضت حياتها للخطر علشان تسعدك وعلشان تجيب لكم ولي العهد اللي يفرح قلوبكم وبالتحديد الحاجة زينب ، كانَت بتشوف اللهفة في عيونها وكلامها فمقدرتش تتحمل .
انصعقت ملامح عمران وتهجم وجهه ثم سألها :
ــ يعني انتِ كنتِ عارفة يافريدة اللي بتعمله في نفسها وممنعتيهاش أو مقلتليش ؟!
حركت رأسها برفض قاطع:
ــ له والله العظيم ما كنت أعرِف اني اتصدمت زييكم بالظبط .
سمع كلتاهما تأوه سكون فنظرا إليها بشفقة فتحدثت فريدة :
ــ روح اقف جمب مرتك وخلي بالك نفسيتها اليومين دول هتوبقى متدمرة جداً فمش ناقصة كلام ولا لوم من اي حد ، فممكن تعمل في نفسها أي حاجة داي أم فقدت جنينها بعد ما عرضت حياتها للخطر .
زفر أنفاسه بقوة وهو مازال مثبتا أنظاره عليها وهو يطمئنها :
ـــ متقلقيش يادكتورة مهفارقهاش لحظة واحدة .
خطت فريدة إليها ثم هبطت لمستوى وجهها وقبلتها من رأسها ثم مسحت على شعرها المغطى لتقول بحنو :
ــ حمد لله على سلامتك ياحبيبتي ربنا يرزقك الخير كله عاجله غير آجله ويتمم شفاكي يارب .
كانت سكون مازالت تتوجع بألم ولكنها انتبهت لكلام فريدة فنظرت إليها نظرة حزينة مطولة تحوي آلاماً وحرماناً ولكنها إرادة الله ففهمتها فريدة على الفور وما كان منها إلا أنها تبسمت بثقة من رب السماء وتفوهت بتأكيد :
ـــ متقلقيش ياحبيبتي اللي خلقنا عمره ماهينسانا بيبتلينا علشان يختبر قوة صبرنا ، بيختار من عباده أولى العزم علشان لما نصبر ونتحمل ونقول الحمد لله بيعطينا من عنده اللي من كتر عطيته وقتها مش هنصدق نفسنا ،
واسترسلت حديثها وهي تنظر إلى عمران الواقف بقلق ينهش معالمه عليها وهي تشير إليه بيدها :
ــ كفاية اني عنديكي زوج حنين هيحبك ياسكون وهيعشقك ويتمنى لك الرضا داي كلها ياحبيبتي بالدنيا واللي فيها .
وأخيراً وجهت سكون أنظارها إلى عمران وهي تشعر بالخزي مما فعلته بنفسها والى هنا تبدلت آهات الألم الي دموع صامتة وكبتت ألمها الجسدي الآن واستسلمت لألمها النفسي مما جعله شعر بها في نفس اللحظة ، ومن يشعر بعاشق متألم غير معشوقه ؟
من يتألم داخله ويتفهم دموع عاشق غير خليل روحه ؟
رأت فريدة اقترابه فتركتهم وابتعدت وبدأت في تجهيز المحلول لها كي تترك لهم مساحة لمواساة بعضهم البعض ، جذب الكرسي الموضوع بجانب التخت وأقربه منها ثم جلس عليه وأمسكها من يدها اليسرى واحتضنهم ،
شعرت بدفئ يده فتمسكت بكفيه بأصابع يديها المرتعشة فنطق هو أخيراً بدعابة كي يجعلها تبتسم :
ــ يعني ينفع اكده ياسكوني اللي عملتيه فينا ؟
كنت مجهز لك الليلة سهرة خاصة من بتوع عبد الباسط حمودة ضيعتيها على عمرانك .
ابتسمت له بوهن ثم تبدلت ابتسامتها إلى حزن عميق وهي تعتذر له :
ــ حقك عليا ياعمران ،كان نفسي أفرحك وأفرح ماما زينب وبابا ، كان نفسي أجيب لهم الحفيد اللي من صلبك واللي متشوقين لرؤيته ويحملوه بين يدهم .
يالله منكِ سكوني لاتتوجعي ، لا تبكي حبيبتي فدموعك الغالية تلك تحـ.ـطم داخلي ،
ثم مسح على رأسها بحنو ويده مازالت تحتوي يدها :
ــ انتِ عندي بالدنيا واللي فيها ياحبيبي ، كفاية علي اني اتصبح كل يوم على بسمتك وانام بالليل وانتي في حضني وأشكي لك همي ،
وأكمل بكلمات جعلتها أنبت حالها على ما فعلته في نفسها ظنا منها أنها من الممكن أن تخدمها الصدف ويعيش جنينها ولغت العقل والمنطق الذي وهبهم لنا الله بحكمته كي نزِن بهم الأمور :
ــ انتِ بصيتي لحاجة واحدة بس نقصاكي ونقصاني ونسيتي حاجات كَتيييرة قوووي من نعم ربنا اللي محاوطانا ، نسيتي نعمة السكن والمودة والرحمة اللي هنعيش بيهم بفضل ربنا ومش موجودين في أغلب البيوت ، نسيتي اني هحبك انتِ لشخصك انتِ مش علشان نجيب عيال تربطنا ببعض ، نسيتي اني مهتمناش في الدنيا غير بسمتك وسعادتك اللي إنتِ هتعيشيهم لي كل يوم بقلبك الابيض الكبير ،
واسترسل حديثه بنبرة مترجية وهو يتعمق بالنظر داخل عينيها :
ــ أرجوكي ياحبيبتي مش عايزك تتهورى تاني وتمشي رحلة علاجك بالراحة وللمرة المليون اني مش متعجل والراجل ممكن يخلف وهو عنده سبعين سنة مش ٣٦ ياسكون .
ظل يهون عليها رحلة آلامها وهي تستمع بأذناي عاتبة لها على ما فعلته بحالها ،
أما في الخارج فقد سألت زينب الطبيبة عن حالة سكون وعلمت منها حالتها بالتفصيل مما جعلها هلعت وهي تردد لسلطان :
ــ يعني ولدك ومرته توبقى عنديها دي كلاته وميعرفوناش ! كل يوم والتاني أسأله بقلب أم مفطور على ضناها ونفسها تتطمَن عليه وتشيل عوضه بين يدها ويقول لي داي مسألة وقت ياحاجة واني وهي زين مفيناش حاجة ويكدب علي ويقرطسني !
هنا تحدثت رحمة وهي تنهي والدتها عن الكلام بتلك الطريقة:
ــ عمران معملش حاجة غلط يا حاجة ، هو عيمل الصح مينفعش يخرج سر مرته لأي مخلوق ولا حتى لامها اللي خلفتها إلا إذا هي قالت لها لحالها ، اخوى راجل بيحافظ على هدوء بيته بالطريقة اللي هيشوفها صح ومش من حقنا ندخل خالص ،
وتابعت نهيها بنصح :
ــ له كمان والواجب علينا نقف جاره هو ومرته بالبسمة والكلام الزين علشان هي عرضت حياتها للخطر وكانت احتمال كبير تشيل الرحم علشان خاطر تسعد اخوي وتفرح قلوبكم.
ضـ.ـربت زينب كفا بكف وتكاد تجلب رحمة من رأسها على نهيها اللاذع لها من وجهة نظرها:
ــ اكتمي يابوز الاخص انتِ كل الكلام دي مايفرقش معاي كل اللي يفرق لي اشوف عوض ولدي على يدي ، دي ولدي الوحيد ياناس وداخل على الأربعين كمان ليه مش مقدرين نـ.ـار قلبي اللي قايدة جواي واني كل يوم بحلم اشيل ولده على يدي وأفرح بيه .
أجابها سلطان بتعقل :
ــ مالك يازينب مكبِرة الموضوع ليه مالدكتورة خبرتك إنها مسألة وقت وان حملها مش مستحيل ولا صعب بس محتاج صبر هبابة ، وبعدين أني ولدي راجل يخلَف لو عنديه تمانين مش أربعين ، لا دي وقته ولا دي مكانه خالص واكتمي يازينب وحذاري البونية المرمية جوة داي تحس بحاجة الله الوكيل أقـ.ـطع خبرك النهاردة ولا هي ولا ولدي ناقصين كفاية اللي فيهم .
ثارت زينب من تحذيرات سلطان لها ثم على صوتها وهي تعترض على كلامه :
ــ وه كيف اعملها ازاي دي ياسلطان ، اعرف ان ولدي مهيخلفش وان مرته يا عالم ربنا يكرمها ولا له واتحمل واسكت ؟!
حاولت رحمة تهدئتها ناهية إياها:
ــ يا امي وطي صوتك إحنا اهنه في المستشفى وسط زمايلها اهدي بقي الله يرضى عنيكي ، وبعدين حطيني مكان سكون لو اني اللي حالتي زيها بردو هيوبقي دي رد فعلك ،
حطيني مكانها يا حاجة وادخلي دلوك بنفس راضية بقضاء الله وخديها في حضنك وواسيها وحسسيها إن سلامتها بالدنيا واللي فيها واعرفي يا امي إن كل تأخيرة وفيها خيرة من عند الله .
نفخت زينب بضيق وهي تحاول أن تهدئ من نوبة الخوف التي انتابتها جراء ما حدث ،
هي مقتنعة تمام الاقتناع بكلامهم ولكن مايحزنها انها سألتهم كثيرا وكثيراً وكانوا لايشفون صدرها بالإجابة وفوجئت بما حدث ، لما لايراعون نوبة خوفها على ولدها الوحيد ؟
لما لايتركوها تنفث عما في صدرها الآن من ألم أم ينكوى على حرمان ابنها من نعمة الأبوة ؟
لما يتحدثون معها بتلك الطريقة وكأنها ليس لها الحق في الحزن على ماجرى الآن ؟
تلك الكلمات التى ظل داخلها يرددها وتنـ.ـهش بها ثم حاولت أن تنظم أنفاسها الثائـ.ـرة بسبب نوبة عصبيتها وبعد قليل هدأت ثم دلفوا جميعاً بعد أن علموا بإفاقتها تماماً فقد مر ساعة كاملة على خروجها من العمليات ،
انطلقت رحمة مسرعة بأقدامها إليها كي تطمئن عليها وهي تردد بدعابة كي تدخل السرور على قلبها :
ــ اها شكل القمررر أهي ووشها زاده النور مرت أخوي على البنج والمستشفى ،
ثم هبطت لمستواها وهي تتحسس رأسها بحنو :
ــ إلا قولي لي يامرت أخوي هو المستشفي عنديكم البنج اللي فيها دي بيوبقي في علاج تنظيف بشرة أصلك اللهم صل على النبي في عيني وشك أبيض ومنور وكأنك خارجة من الكوافير دلوك .
ابتسمت سكون وكادت أن تضحك ولكن منعها جرحها الذي أوجعها من حركتها الغير محسوبة نظرا لتفاعل جسدها مع دعابة رحمة ثم كبر عمران في وجهها :
ــ الله أكبر في عنيكي يابت إنتِ هتحسدي مرتي قدامي وقدامها اكده عاد ومهتختشيش ،
ثم نظر إلى سكون وهو يسمي في وجهها بدعابة مماثلة لرحمة :
ــ اسم الله عليكِ ياغالية من عين رحمة وكمان من عين رحمة .
ضحكوا جميعا وأولهم زينب التي تقدمت عليها واحتضنتها وهي نائمة :
ــ الف سلامة عليكِ يابتي ربنا يقومك بعافية وترجعي بيتك ومُطرحك بالسلامة .
كانت سكون خائفة من رد فعل زينب بالتحديد والآن شعرت بأن خوفها في محله من سلامها الممتلئ ببعض البرود ولكن ليس لها ذنب فكل ما بها ما هي إلا إرادة الله ثم نطقت بخفوت :
ــ الله يسلمك يا ماما ، وتسلمي من كل شر .
أما سلطان تقدم بخطواته وبوجه بشوش أردف:
ــ حمد لله على سلامتك يابتي ، وعكة وتزول وربنا يديكي الخير من عنديه .
علمت سكون الآن أن حـ.ـربها الآن ليست مع أيا منهم غير زينب وأنها الآن سوف تعاني من ملامها هي وحدها وعرفت ذلك من سلامها البارد غير سلام سلطان ورحمة الممتلئين بحرارة الاطمئنان عليها ،
مر الوقت وأتت مها أختها وماجدة والدتها فقد أبلغتهم رحمة وما إن وصلوا حتى هرولت إليها ماجدة وقد أدمعت عينيها من منظر ابنتها:
ــ الف سلامة عليكي ياحبيبتي ، ايه اللي جرى لك ياغالية ؟
ابتسمت لها سكون وطمئنتها :
ــ متقلقيش ياماما اني زينة قدامك أهو ، الحمدلله عدت على خير .
أما مها وقفت جانبها وقد أفسح لها عمران المجال وقد شعرت بالشفقة على حالتها:
ــ معلَش ياحبيبتي ربنا يعطيكي من عنده الخير كلاته ، متزعليش ياسكون ربنا مبيعملش حاجة وحشة ابدا .
وظلوا بجانبها يواسوها ويدخلوا الطمئنينة على قلبها إلى أن مر نصف اليوم وجاء موعد خروجها فاستئذنت ماجدة من عمران :
ــ معلش ياعمران بتي هاخدها على عندي علشان اعرف اراعيها و آخد بالي منيها .
وتابعت استئذانها وهي توجه باقي كلماتها الي سلطان وزينب :
ــ بعد اذنكم طبعاً ياحاج سلطان انت والحاجة زينب .
رأت رحمة وجوم عمران فاستغلت انشغال ماجدة مع والديها ونصحت عمران :
ــ سيبها ياخوي تروح مع امها هتوبقى هناك وسط أمها وأخواتها مرتاحة أكتر وكمان علشان رد فعل أمك ليك لما نعاود بيتنا مش مطمني بعدها الأسبوع دي خالص.
شعر عمران بالاحتـ.ـراق داخله أليس من حقه الخصوصية هو وزوجته ؟
أليس من حقه أن يحتضن زوجته ويخفف عنها في شقتهم الخاصة !
ثم فكر سريعاً في نصح رحمة ووجد انه الأفضل لها ولكن أجاب ماجدة :
ــ مطرح ما سكون ترتاح تختار مهغصبهاش على حاجة واصل .
هنا شعرت سكون بمدى حزنه من طلب والدتها ولكنها خافت أن تسمع من زينب كلمات توجعها فتؤثر عليها هي وعمران فابتلعت ريقها وهي تستأذن بخجل من عمران :
ــ معلش ياعمران وديني عند ماما اسبوع بس .
ابتسم عمران لها وداخله حزين ولكنه راعى خوفها ثم ردد بموافقة:
ــ روحي ياحبيبي مكان ما ترتاحي وأني مش هسيبك وهكون وياكي .
ووافق أيضاً سلطان بدون أدنى اعتراض وبدأوا في تجهيزها لمغادرة المشفى فقد دخلتها متألمة وخرجت منها مكـ.ـسورة الخاطر وما تشعر به الآن لن يشعر به أحد سوي من ذاق مرارة الفقدان من الأمومة .
*******************
في نفس المشفى كان ذاك الفارس يبحث بعينيه عن الدكتورة فريدة فهو قد أحس بالحنين إليها فمنذ الموقف الذي حدث بينهم لمس فيها الاختلاف عن أيا منهن وبالتحديد أنها لن تتمسح به كباقي الفتايات ، ظل يبحث عنها أكثر من نصف ساعة فهو يشعر وبشدة انه يريد التحدث معها وبالصدفة علم ماحدث لصديقتها سكون فهو قد سأل عنها كثيرا وعرف ان سكون صديقتها المقربة فبالتالي بدأ بفحص حالة سكون واستكشف ما حدث لها ووجد حجة كي يتحدث مع فريدة ولكنه لم يجدها ، إلي أن وقعت عيناه أخيراً عليها فقد صال وجال في المشفى بأكملها كي يراها إلى ان وجدها تجلس في استرخاء تام في حديقة جانبية للمشفى ويبدوا على ملامحها التعب الشديد والإرهاق ، ساقته قدماه إليها بقلب يخفق تطلعا للحديث مع تلك الفريدة ثم وقف أمامها واستند على جذع الشجرة ثم ربع ساعديه أمام صدره وغروب الشمس آنذاك انعكس على ملامحه الشقراء، وجدها تغمض عينيها وهي تستند على ذاك الكرسي برأسها للخلف وقدميها مرفوعتين قليلاً على ذاك السور الأرضي ثم تحدث بصوت رجولي هادئ :
ــ دورت عليكِ كتير يا دكتورة لحد ما لقيتك ؟
أصابتها رعشة خفيفة اجتازت جسدها فور ان
ترجم عقلها لمن يكون هذا الصوت فشعرت بالغثيان وأن معدتها تكاد تنقلب الآن فقد أصبح صوته أبغض صوت تسمعه ثم فتحت عينيها رويداً رويداً وجدته يقف أمامها فعبئت صدرها بزفير وفير كي تستعد لمجابهة ذاك المصابي ثم سألته بنفس نبرته الهادئة وحتماً ووجب عليها أن تتعامل بكل هدوء مع ذاك الفارس حتى لا تفقد طاقتها معه من اول وهلة فهو يحتاج الكثير من الطاقة والكثير من فراغ الذهن :
ــ ليه يا دكتور أني خلصت الشفت بتاعي بس بستريح شوية قبل ما أمشي ؟
ابتسم ابتسامته العذبة وبوجه بشوش أردف:
ــ مش علشان شغل خالص يادكتورة ، وبعدين انا هنا زي زيك بالظبط ما ليش اوامر عليكِ علشان اكلفك بشغل .
ــ امال في ايه جابك لحد عندي وخلاك تدوِر عليا ؟ جملة استفهامية نطقتها فريدة بنفس هدوئها فأجابها وهو يجذب الكرسي الموضوع جانبها وجلس مقابلها :
ـــ عرفت بحالة الدكتورة سكون وبجد انا زعلان عليها قووي فجيت أتكلم معاكي واقول لك اني عندي حل ليها ولحالتها وكمان في اسرع وقت باذن الله .
استطاع جذب انتباهها حينما رأى اللهفة في عينيها بعد أن عرض عليها حلا لمشكلة صديقتها مما شرح صدره كثيرا ، أما هي سألته بلهفة:
ــ بجد ! طب ازاي يا فارس ؟
دق قلبه بوتيرة سريعة عقب استماعه لاسمه يخرج من بين شفاها كترنيمة ساحرة بدون لقب دكتور فتلقائيا تحدث قائلاً بنبرة صوت متحشرجة أثر تعلقه بنطقها له :
ــ اسم فارس طالع منك جميل قووي من غير دكتور ،
ثم سألها بلهفة :
ــ هو احنا ممكن نبقي أصحاب يادكتورة ؟
هنا استشفت انه يتعامل معها كزميل راقي ، طريقته المتأدبة في الأخذ والرد ، نظرة عينيه ، رقيه في التعامل معها الآن ، فعلمت أنه لم يدخل قوقعة الانفصام في ذاك الوقت فحثها عقلها أن توافق على صداقته وأن تستغل وقت هدوئه النفسي ووقت تعامله كما الإنسان المنظبط فقررت أن تتحدث معه كثيراً وتسأله عن حياته لكن بطريقة ذكية لايستطيع كشفها فمريض الانفصام أذكي مما يكون فلابد أن تأخذ الحيطة والحذر منه ، ثم سألته عن سكون أولاً:
ــ طب ممكن تفهَمني انت تعرِف تساعد سكون كيف الاول وبعدين نشوف موضوع الصداقة دي ؟
ابتسم سنٌّه مما أظهر أسنانه البيضاء اللامعة ببريق بدى لها اهتمامه بحاله لأبعد الحدود ثم طمئنها :
ــ حالة الدكتورة سكون سهلة جدا زميل بابا الدكتور سلامة المحمدي شاطر جداً في جراحة المناظير والحقن المجهري وعنده مركز كبير قووي في مصر ،
دكتورة سكون تروح له وهو مفيش حالة بتاخد في ايده اكتر من تلت شهور بإذن الله لأنه كل أجهزته حديثة من برة وأكيد هي عندها حاجة هي اللي بتسبب لها موت الجنين وإنها تسقط بعد الشهر الأول من الحمل فيه ممكن يكون ميكروب او عندها بطانة رحم مهاجرة أو عندها تليف ،
وهو الأجهزة اللي عنده حديثة جدا وكل اسبوعين تقريبا بيسافر برة يجيب أجهزة جديدة، فتروح له هي وجوزها وانا هوصي عليها توصية جامدة انه ياخد باله منها وكمان هحجز لها الكشف بنفسي لأن الحالات اللي بتروح له بتاخد حجز من قبلها بأسبوعين لأن المركز عنده مزدحم جدا بسبب قبول الناس عليه من جميع أنحاء العالم وكمان العلاج اللي بيكتبوا للمرضى بيتاخد من الصيدلية بتاعته لأنه مش موجود في أي مكان بيجي من برة برده ، اي نعم طريقة العلاج غالية والدوا ذات نفسه غالي بس بيعمل مفعول ،
وحالات كتير جدا عنده خرجت وهي حامل ممكن كمان تبحثي عنه على جوجل وانت هتتأكدي من كلامي لأنه مشهور جدا .
شعرت بالأمل غزى صدرها فشكرته بامتنان:
ــ بجد بشكرك قوووي على انك حابب تساعدنا هكلمها في الموضوع دي كمان يومين اكده تكون نفسيتها هديت شوية من اللي حصل لها وكمان جسمها يكون خف من التعب شوية.
حرك رأسه للأمام بموافقة ثم طلب منها :
ــ طب ممكن نتبادل ارقام بعض علشان لما ما تلاقينيش هنا في المستشفى تكلميني و أنسق مع الدكتور ومعاكم ؟
فتحت فاهها على وسعه باندهاش من طلبه الغريب فهو معه رقم هاتفها ، أيعقل ان يكون متناسيا أنه حدثها في الهاتف اكثر من نصف ساعه والآن يطلب رقمها !
اما هو لاحظه اندهاشها الشديد من طلبه فسألها بغرابة :
ــ هو انا ممكن افهم ايه سبب الاندهاش الشديد ده لما طلبت الرقم ؟
معقولة انتم كصعايدة لسه عندكم مبدأ مفيش بنت تدي رقمها لحد غريب بس احنا يعتبر زمايل هنا في المستشفى فعادي يعني اصدقاء العمل يتبادلوا الأرقام للضرورة وأظن مفيش ضرورة اكتر من موضوع صاحبتك .
حركت راسها بتيهة موافقة على كلامه ثم نطق لسانها الرقم وهي تشعر بالتوتر الشديد والخوف ضـ.ـرب بجـ.ـسدها من حالته والتي أوقعها الله هي بالتحديد بين يدي ذاك الفارس فحاولت تهدئة حالها اما هو دون الرقم على هاتفه ثم ضغط زر الاتصال كي يظهر رقمه عندها وللعجب انه رأى رقمه على شاشة هاتفها مدونة اياه بإسم “المجنون” مما اثار حفيظته وسألها وقد بدى الحزن في نبرته :
ــ ممكن اعرف ليه مسجله اسمي بالطريقه دي ؟ وأصلا جبتي رقمي منين ؟
ارتبكت بشدة فهي لم تكن تتوقع انه سيهاتفها فهي كانت ممسكة بالهاتف بيدها وشاشته واضحة امامه ثم ابتلعت انفاسها بصعوبة قبل ان تجيبه ففكرت سريعا لتقول بتعليل :
ــ له اصل اني بالصدفة عرفت ان رقمك مع الدكتور هاني فطلبته منيه علشان خاطر اكلمك واسالك ليه اتعاملت معاي بالطريقة المهينة دي اول ما شفتني لكن حصل اللي حصل وتقابلنا في نفس اليوم لما اعتذرت لي انا والدكتور هاني فنسيت اني مسجلة الرقم اصلا بالاسم دي ، متأسفة جدا هغيره حالا .
ثم امسكت هاتفها بيداي ترتعش واتت برقمه وعدلت الاسم الى ” الدكتور فارس” امام عيناه فقبل اعتذارها ببسمة بشوش :
ــ خلاص يا ستي مش هنعملها موال انا قبلت اعتذارك بسرعة اهو عشان قلبي طيب بس عشان تعرفي الفرق بيننا ،
المهم هروح اجيب قهوة اشربها اجيب لك حاجة معايا ومتقوليش انا همشي علشان انا حابب اتكلم معاكي احنا اتفقنا ان احنا هنبقى اصحاب أرجوكي ما تمشيش بس قولي لي الأول حابة تشربي ايه ؟
فكرت سريعا ان تمشي كي تبتعد عنه فهي تشعر بحـ.ـبس الانفاس في الاقتراب منه والجلوس معه ولكن لابد ان تعرف عنه كل شيء كي تستطيع التعامل معه في حاله دخوله عالمه الموازي والذي أقحمها على الدخول معه رغما عنها فطلبت منه :
ــ له عادي ، ممكن قهوة زيك بالظبط يا دكتور ؟
ــ من عيوني ياأجمل بنوتة … تلك الكلمات التي نطقها ذاك الفارس بعفوية جعلت القابع بين أضلعها دق من تغيره السريع مما نمى عن شعور بالشفقة تجاهها فبالتأكيد انه يعاني من عقدة مريرة جعلته يتحول الى شخصيتين مختلفتين تماما احداهما راقية جادة تساعد الغير بكل ما فيها من قوة والأخرى عكسها تماما تشعر انه لا ينتمي للرجولة بصلة ظلت الأفكار تدور في خلدها كثيرا ثم فتحت تطبيق جوجل وبدأت بالقراءة عن الانفصام فهي قد بدأت بالبحث عنه منذ ان استشفت ما به وساعدها على ذلك انها طبيبة ففهمت اكثر من مقال قرأته عن حالته الى ان لمحته قادما من بعيد بكوبين من القهوة فأغلقت التطبيق وأغلقت هاتفها ووضعته في حقيبتها ،
وصل اليها ذاك الفارس وناولها الكوب الخاص بها ومعه قطعة من الشوكولا الفاخرة وقدمها لها بذوق رفيع راق لها معاملته تلك :
ــ طبعا عارف تعلق البنات الشديد بالشوكولاتة مع القهوة فحبيت اعمل هدنة معاكي وجبت لك الشيكولاته دي يارب يعجبك النوع اللي انا اخترته .
مدت يدها وتناولت منه الكوب وهي تشعر بالخجل فهي الآن أمام رجل يتعامل معها بأنها انثى فريدة بالفعل وبأنه يريد التحدث معها كثيرا هي لا غيرها ، تلك العلاقة الهادئة البريئة التي تكون بين أي رجل وامراة في بدايتها ولكن لما تلوثها بيدك ياذاك الفارس ؟
ثم بدآ الآن الحديث بينهم هي تسأله عن حياته الشخصية وهو يتجاوب معها بكل أريحية وهو الآخر يسأل عن حياتها وهي تجيبه باختصار شديد مما احزن داخله فسألها :
ــ انا ليه حاسس بتحفظ في اجاباتك معايا هو انا ضايقتك في حاجة ! او انتِ حاسة ان انا اتدخلت في حياتك زيادة عن اللزوم ؟
استشفت حزنه الشديد من استفساره وعلامات وجهه التي يبدو عليها الوجوم ثم أجابته وهي تحرك رأسها برفض :
ــ له خالص بس انت عارف طبيعة المجتمع اللي احنا عايشين فيه بتحتم علينا كبنات اننا نتعامل بحدود مع أي شخص لسه متعرفين عليه سواء ست او راجل مش اللي فهمته خالص والله .
تفهم ما قالت بكل قلب كبير وعقل ناضج ثم عاد يتناول اطراف الحديث من جديد الى ان انتهت قهوتهم فاستئذنت منه برتابة كي لا تشعره بشيء :
ــ اني مضطرة اقوم امشي دلوك يا دكتور بعد اذنك طبعا انا من الصبح هنا مع سكون وحاسة بالارهاق الشديد وكمان جاية هنا المستشفى من بدري فمعلش هضطر امشي .
تعمق بالنظر في مقلتيها كثيرا مما جعلها هي الأخرى تنظر داخل عينيه وكأن عيناه بهما سحراً يجذبها الى النظر اليهما والتطلع بهما كثيرا وهي تقف كالمسحورة امامه وبيدها حقيبتها في لحظات من الصمت وكانه القى بتعويذه النظر اليه في وجهها مما جعل قدميها لم تقوى على الحراك امامه وداخلها يتخبط كثيرا اما هو لم تكن حالته باهون من حالتها فقد كان يشعر بان أنفاسه ستبدا تنسحب من ضلوعه مجرد ابتعادها عنه ماذا بهما هما الاثنان ؟ فهل للعيون متاهة تدخل مبتدئين العشق داخل عالمهما ،
فتحدثت عيناهم بوله في لحظة لم تكن بالحسبان لكليهما :
لها هالةٌ منَ النُّورِ والبهاءِ الذِي أضاءَ قلبِي المعتمُ ،
هي شمعةٌ مضيئةٌ في ليلٍ كاحلٍ لاأرى فيه سوى عيناها السوداءِ في حلمِي المظلمُ ،
حينما وقعتْ عيناي داخل عينيها ذابَ الجليدُ وانصهرْ واشتقْتُ للخوضِ في بحرِ عشقِها كي أتنعمُ
فقد ‏لخصتُ لحظاتِ غرامها في رواية كانت فيها بطلي الأول والأخير كانت هي شخصيتي المفضلة وبغرامها أصبحتُ متيمُ .
تلك الكلمات التى أهداها لها ذلك الفارس بعد أن تقدمت خطوة وفاقت من تيهتها وهي تردد باستئذان :
ـــ عن اذنك ، مضطرة أمشي .
تنفس بعمق وهتف لها بنبرة متيمة :
ـ في رعاية الله يادكتورة ، والمرة الجاية قعدتنا تبقى أطول من كدة .
***********************
مر أسبوعاً كاملاً على تلك الأحداث وعمران لم يتخلى عن سكونه ويرعاها بمشاعر زوج عاشق لزوجته المحببة إلى قلبه مما جعل نفسيتها قد تحسنت وبالتحديد في ظل تواجد أختيها معها فقد أتت مكة من سفرها هي الأخرى وتنعم الفتيات الثلاثة بوجودهم في أحضان والداتهم وحتى لو أنهن كلهن مصابات بالوجع الخاص بها إلا أنهن يشعرن براحة نفسية اجتاحت أوصالهن بسبب تواجدهن في منزل أبيهم ،
ومها هي الأخرى أحبت العمل كثيراً ووجدت فيه ملاذاً خاصا ينسيها آلامها المريرة وكما أن صحبة “منة الله” ومعاملة جاسر الحنونة معها جعلت قدمها تتسابق كل صباح الى العمل ،
اما اليوم فهو يوم الجمعة وقد قامت منة الله بعزيمتهم في مقهى الأدباء كي تشعر مها بمدى جمال الجلوس فيها والراحة النفسية التى ستجتاحها في الوجود هناك فهي قد حكت لها كثيراً عنها ، فاستئذنت من والدتها لمقابلة منة ولم تقل لها أن جاسر سوف يكون معهم فقد شعرت بالخجل من أن تعلمها تلك النقطة ،
ودعت أختيها ببسمتها وحملت مفاتيح سيارتها وغادرت المنزل بطلتها المحتشمة الراقية اللائقة بها فقد كانت ترتدي فستانا باللون الأبيض الممتلئ بخطوط الطول من اللون الأزرق دون أن يتوسطه حزام فقد اختارته كي تظهر بمظهر كلاسيكي يليق بالقهوة ويعتلى رأسها حجابا باللون الأزرق بنفس لون خطوط الطول التى تملأ الفستان وعينيها يزينها الكحل الأسود وباقي وجهها لم تزينه بشئ قط فهي تحبذ المحافظة على بشرتها من مستحضرات التجميل ، ثم استقلت سيارتها وذهبت إلى المقهى فهي قد أخذت عنوانها من منة ،
وعلى الصعيد الآخر كان جاسر مرتديا تيشيرت باللون الأبيض المحبب إلى قلبه وبنطالا باللون الكحلي ناثرا عطره بسخاء وذهب هو الآخر إلى تلك الجلسة المحببة إلى قلبه ،
وصلا كلتاهما في نفس الوقت أمام المقهى مما جعله ابتسم تلقائياً فور رؤيتها فخطى إليها مرددا بصوت مرحبا بها :
ــ ياهلا بالزين.
راق لها تحيته وذوقه في التعامل معها ثم أجابته ببسمة جعلته ذاب تأثراً بها :
ــ ياهلا والله ، متشكرة جدا لذوقك يامتر.
اشار اليها ان تدلف الى المقهى قائلاً بترحيب مرة أخرى بنبرة تصاحبها الدعابة :
ــ ده العادي بتاعي يا بنتي بحب اعمل للناس الشيك البرستيج بتاعها اللي يليق بيها وانتِ طبعا برستيجك عالي قوي علشان اكده لازم يتقدر وبالقوي كمان .
ضحكت بصوت خافت على طريقته ثم هتفت بنبرة معترضة قليلاً ويصحبها الدعابة المماثلة :
ــ مش للدرجة دي يا متر احنا غلابة والله مش زي ما انت فاكر .
حرك راسه للأمام متحدثا باستنكار:
ــ انتِ بتخزي العين عنك بقى ، ما تخافيش يا ام الزين ما هحسدتكيش واصل ، اني عيني لازم تشوفي الحلوين حلوين ولازم تقول للحلو في وشه يا حلو .
شعرت بالخجل من طريقته المخبأة بإعجابه لها فهي ليست امرأة صغيرة مراهقة وتفهم نظرات الرجال وكلامهم لها ببساطة ثم عقبت على كلامه :
ــ متهيأ لك في حلوين كتير في الدنيا وحواليك ، ما تخليش نظرتك ضيقة ودور واتعب علشان تلاقي اللي يستحق نظرتك .
أشار إليها ناحية المكان الذي سيجلسون فيه ثم سحب الكرسي لها بذوق عالٍ راق لها فهي تشعر أنه يتعامل معها كأنها كقطعة البسكويت الرقيق وتشعر انه يراها أيضاً رقيقة هشة ولم يعرف ما ذا فعلت بحياتها جعلها تتهرب من ماضيها بخوف ولم تريد تذكره ثم رد على كلامها بنبرة تأثرت بالحزن وكانت منة الله لم تأتي بعد فهو حبذ تأخيرها كثيرا كي يجد مساحة من الوقت بعيدا عن العمل كي يتحدث معها :
ــ مانا تعبت قبل اكده فقررت اسيب نفسي لربي يسيرني بمشيئته كيف ما يريد ،
ثم أبدل نبرته الحزينة حينما تذكر ما مضى إلى أخرى مرحة فهو لايريد أن يجعل وقتهم هنا يسحبه الحزن :
ــ بس مقلتليش ايه رأيك في المكان اهنه محستيش بالراحة النفسية أول مادخلتي ؟
نظرت إلى المكان بعيناي منبهرة فقد أشغلها معه بحديثه وخطـ.ـفها للانجذاب معه ولم تعبر عن مدى جمال ذاك المكان وهدوئه ورقيه :
ــ له بجد جميييل قوووي ، حاسة فيه براحة وروح حلوة ، حاجة مختلفة مشفتهاش قبل اكده ،
ثم تبدلت نبرتها المنبهرة إلى أخرى شاردة فيما مضى :
ــ أو كنت هشوفها إزاي ومع مين ؟
وجد حاله يسألها وهو يريد الخوض في عالمها أكثر :
ــ حاسس انك فيكِ حزن كبير طافي ملامحك ومخليكي شايفة الدنيا ضيقة ومقفلاها على روحك قووي .
تنهدت بأنفاس متسارعة إثر كلماته فما حدث لها ليس بالهين وما عاشته دمر حياتها الماضية وعواقبه ستؤثر على حياتها القادمة ولن يُشفى قلبها بعد ثم نطقت بشرود :
ــ الناس بيحكموا على بعضهم بالمظاهر يعني يشوفوني مثلاً بلبس وبهتم بنفسي وعندي عربية وبخرج كل يوم بطقم شكل ويفكروا اني نسيت اللي راحوا طالما بخرج وبلبس ميعرفوش إن الدموع ساكنة العيون مهتمشيش ولا هتفارق ،
ميعرفوش إن ورا اللبس فيه قلب عمره ماهيخف ولا هيشفى من ندوب علمت فيه وخليته مقفول من التعامل مع أي حد ،
المظاهر خداعة قووي يامتر عاملة زي ترعة مغميها الريم من كل مكان واللي يشوفه يفتكره ارض خضرا ومنظرها جميل وممكن رجله تسوقوا يروح يقعد فيها علشان يتنعم بجمال خضارها وهوب يلاقي نفسه وقع وغرق .
كان متمعنا في كلامها بشدة وشعر بمدى حزنها الشديد وأنها تحمل هموم الجبال فوق رأسها يكاد يخسف بها ثم هدأها بكلامه الذي أحبته :
ــ متحمليش هم بعد الصبر جبر وكلنا وقت أزماتنا بنشوف اننا موجوعين وإن الوجع ملهوش مثيل ومهيخفش لكن ربنا رزقنا نعمة النسيان ، نعمة الأهل ، نعمة الصحاب ، نعمة حب جديد يروح عن قلوبنا ووقتها بيوبقى دي العوض من عند ربنا ومش بس عوض له دي الحياة الحقيقية بعد الوجع الكبير .
نظرت له بابتسامة وقد استطاع تبدل حزنها ثم وصلتها رسالة من منة الله انها لم تستطيع المجيئ نظرا لمرض والدتها المفاجئ مما جعل ذاك الجاسر فرحا لعدم مجيئها وظل يتحدثون وقد استطاع جذبها إليه دون مط أو حشو فارغ وحقا تلك الجلسة بدلت من حزنها كثيرا وأحست بأنها امرأة مرغوبة ، أحست بوجودها ، أحست بأنوثتها التي أضمرت أعواماً وأعواما ،
إلى أن استمع كلتاهما إلى الأغنية التي استغلت في المقهى تليق بحالتهم وكأن صاحب المقهى ساحراً ليس إلا مما جعلهم يستمعون إليها بإنصات محبب إلى قلبهم والبسمة مرتسمة على وجههم فحقا من يراهم يظن انهم عاشقان فكانت تلك الغنوة
عم الطبيب، جنبي الشمال ده بتجي له شكة
من حالي طول الليل بتشكى
عرى وكشف شاف الهموم
بص بأسف وقال لي قوم
ما تروحش يا ابني لطبيب يطبك
إنت علاجك حبيب يحبك
ما تروحش يا ابني لطبيب يطبك
إنت علاجك حبيب يحبك
عم الطبيب، جنبي الشمال ده بتجي له شكة
من حالي طول الليل بتشكى
عرى وكشف شاف الهموم
بص بأسف وقال لي قوم
ما تروحش يا ابني لطبيب يطبك
إنت علاجك حبيب يحبك
ما تروحش يا ابني لطبيب يطبك
إنت علاجك حبيب يحبك
عم العطار، إعملي من عندك تحبيشة
أحلي بيها مرار العيشة
بصّ وسأل فين يوجعك
فرح وزعل مين يسمعك
أنا قلت بلوتي في الكتمان
قال لي دواها أصحاب جدعان
أنا قلت بلوتي في الكتمان
قال لي دواها أصحاب جدعان
يا لالالي يا لالي يا ليل
آه يا لالالالي يا لالي يا ليل
شيخ العرب، أديني مدة دايخ مدوّخ
هات الخلاصة أنا وضعي بوّخ
قال لي دواك وبلاش تقاطع
عند العجيب أبو سر باتع
قال لي دواك وبلاش تقاطع
عند العجيب أبو سر باتع
أنا قلت إيه قال لي يا متعوس
كل العلل دواها الفلوس
أنا قلت إيه قال لي يا متعوس
كل العلل دواها الفلوس
يا طول غلبي يا طول توهتي
يا آهة جديدة على آهتي
دواك لاذذ ونفسي أذوق
لكن عازز ومش في السوق

 
google-playkhamsatmostaqltradent