رواية أو أشد قسوة الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم سارة مجدي
بعد مرور شهر
كانت تقف بسيارتها على أحد الطرق الخاليه من الماره في هذا الوقت من الصباح تشعر أنها ستنفجر من كثره الغيظ والضيق … هل هذا وقت نفاذ الوقود من السيارة؟ وفي هذا المكان الخالي من البشر .. أنه اليوم الاول لها لعودة البرنامج من اجازته وعدم وجود مراد يزيد من توترها وقلقها .. أستندت على السيارة وهي تتذكر ما حدث منذ أسبوع
أنها ظلت حبيسه غرفتها لمده أسبوعين ترفض لقاء أي أحد ولولا أن أدهم كان ورغمًا عنها يخترق خصوصيتها ولا يقبل أن تعتزله هو الاخر ويكسر ذلك كل يوم ..بناء على نصيحه سليمة له بالا يتركها لهواجسها .. وان الفتايات حين يقلن لا نريد أحد فهم يريدون كل من يحبونهم حولهم يشعروهم بحبهم وتمسكهم بها
وحين قررت الخروج من غرفتها وصلها اتصال من مدير المحطة يسألها عن مراد .. وأن موعد عوده البرنامج لم يتبقى له الا اسبوعان وعليهم التحضير لموسم جديد ويكون مميز لتغلق معه الهاتف وركضت الي غرفتها من جديد تبكي .. بخوف .. هي لا تعرف شيء عن مراد منذ ما حدث .. هي لم تسأل وأدهم لم يقل شيء .. حتى أنها كانت تتجنب جدتها لكي لا تعلم شيء عن عدنان وخطبته المزعومة من تلك الفتاة التي لا تذكر أسمها
أتصلت بأدهم وهي تبكي وتشعر بالانهيار ليركض اليها سريعا .. وخلال جلستهم أتصل بأكرم الذي أخبره كل شيء يخص حاله مراد بالتفصيل
-مراد مريض اضطراب الشخصية النرجسية والمرض ده عبارة عن حالة مرَضية تؤثر على الصحة العقلية للمريض اللي ينتابه وقتها شعور مبالغ فيه بأهميته. ويحتاج إلى الاهتمام والإطراء من الآخرين بشكل زائد ويسعى إلى ده بكل طاقته . ممكن يفتقر لقدره فهم مشاعر الآخرين أو الاهتمام بيها. لكن ورا قناع الثقة المفرطة ده فهو مش متأكد من تقديره لذاته ويمكن أن ينزعج بسهولة من أقل انتقاد
صمت لثوان ثم أكمل بشيء من التوضيح والشرح
-بيأثر اضطراب الشخصية النرجسية على الذكور أكثر من الإناث، وغالبًا بيظهر في سن المراهقة أو في بداية البلوغ. وممكن تظهر سمات النرجسية على بعض الأطفال، ولكن ده بيكون غالبًا عاديً بالنسبة لأعمارهم ومش شرط يعني أنهم يكونوا مصابين باضطراب الشخصية النرجسية لما يكبروا .. لكن للأسف مراد المرض العضوي مع مرضه النفسي خلاه سجين الوحده والخوف من انه يتعالج وقرر يعمل ستاره حلوه وجذابه تجذب الانظار ليه وفي نفس الوقت تبعد الانظار برده عن مشكلته الكبيرة
كانت ظلال تستمع لكلمات الطبيب وهي تبكي بصمت .. وأدهم يمسك بيده يضمها بين يده بقوة يدعمها .. ليكمل أكرم كلماته
-مراد تقريبًا عنده كل الاعراض يعني مثلا “هو عنده إحساس عالٍ بشكل غير معقول بأهمية الذات والحاجة إلى سماع عبارات الإطراء والإعجاب باستمرار وبشكل مفرط. والشعور بأنه يستحق امتيازات ومعاملة خاصة.متوقُّع ديمًا الحصول على التقدير والتكريم حتى بدون إنجازات.ديما تلاقيه بيضخم إنجازاته ومواهبه بشكل أكبر مما هي عليه. و الانشغال بقى بتخيلات عن النجاح أو القوة أو التألق أو الجمال أو الرفيق المثالي.عنده ايمان ويقين بأنه متفوق على الآخرين وأنه لا يمكن قضاء أوقاته إلا مع أشخاص مميزين زيه وميقدرش يفهمه الا المميزين من أمثاله.كمان عنده طبع الانتقاد والتعامل بتعالٍ مع الأشخاص اللي ميشكلوش أهمية خاصة من وجهة نظره. متوقُّع ديما الحصول على خدمات خاصة ومتوقُّع أن كل الناس هتعمله اللي هو عايزه ومن غير ما يطلب ده غير كمان استغلال الآخرين للحصول على مراده.كمان عدم القدرة أو عدم الرغبة في تمييز احتياجات الآخرين ومشاعرهم.يعني مش بيفرق معاه الطرف الاخر هيحس بأيه وكما حسد الآخرين واعتقاد راسخ أن الآخرين بيحسدوه.هتلاقوه ديما بيتصرف بطريقة متعجرفة وبيتباها ديما وواثق من نفسه حد الغرور.كمان عنده إصرار على الحصول على الأفضل في كل شيء، كأفضل سيارة أو أفضل مكتب أفضل زوجه على سبيل المثال.
خيم الصمت لعده لحظات عليهم .. عيون ادهم ثابته على عيني أخته يدعمها بنظراته كما يدعمها بيده وقلبه .. ليكمل أكرم كلماته
-طبعًا الاعراض دي ممكن تكون ظهرت ليكم لكن مكنتوش تتخيلوا أنها مرض .. لكن الحقيقة أن مراد واصل لمرحله انه ممكن يأذي اي شخص يقف في طريق تحقيق هدفه .. وهنا بقا الخطوره .. علشان كده مراد لازم يخضع للعلاج النفسي .. وكمان علاج عضوي .. علشان يوم ما نوصل لنوع ما من الشخصية السوية يقدر يعيش حياته بشكل طبيعي
قطع أدهم أسترسال أكرم وقال بأستفهام
-حالته ايه دلوقتي وتقبل فكره وجوده في المستشفى؟!
-للأسف لا .. ومن يوم الحادثه وأحنا بنحاول بس نخليه يتقبل الفكره والمستشفى ساكته علشان الموضوع على مسؤليتي لكن للأسف لو فضل على رفضه ده هيخرج من المستشفى … لحد ما حصلت المعجزة وبدأنا فعلًا في العلاج
اغلقوا الهاتف والقلق يسكن العيون ولا يحتاج للأفصاح عنه .. لكن أدهم قال بصدق
-أنا مش عايزك تخافي .. أنا في ظهرك ومش هقبل أن اي حد يأذيكي .. ومراد لو قرب من خيالك هيكون أخر يوم في عمره
لتلقي بنفسها بين ذراعيه وهي تبكي بخوف .. تتشبث به ولا تعرف ماذا عليها أن تفعل حتى ينتهي ذلك الامر
وكان أدهم يتذكر حين اتصل به أكرم يطلب حضوره سريعًا الي المستشفى
وحين وصل كان مراد في حاله هياج ولا أحد يستطيع السيطرة عليه وكل ما يريده هو ان يرى ظلال
حينها لم يكن امام أكرم الا الإتصال بأدهم
اخبره أكرم بكل شيء ثم أوضح قائلًا
-أنت هتدخل له وتتكلم معاه بشكل جاد جدًا … وتوضح له قد ايه هو غلط في حق ظلال وإنها سافرت لأي حد من قرايبكم بره مصر علشان تنساه وتتخطى القصة
أومأ أدهم بنعم وفجأة ارتسمت على ملامحه تلك الملامح التي رآها أكرم على ملامح أدهم يوم اختطاف ظلال … وسؤال ملح طرق باب عقل أكرم ك طبيب
هل الشخصية الثانية لأدهم تحاول السيطرة على حياة أدهم بشكل كامل؟!
دلف أدهم الي الغرفة حين كان مراد يجلس أرضًا يستند بظهره على الحائط … وعلى وجهه غضب كبير وصدره يرتفع ويعلوا بسبب سرعه تنفسه … حين شعر بدخول أحد الي الغرفة رفع عينيه وكاد يصرخ به أن يخرج ويحضر ظلال لكنه ابتلع كلماته وصراخه حين تلاقت عينه بعين أدهم
أقترب أدهم … خطوة ثم خطوة ثم خطوه أخرى ووقف ينظر الي مراد من علو … ليقف مراد امامه وقال من بين أسنانه
-المرة اللي فاتت اخذتني على خوانه وضربتني .. لكن المرة دي بقا مش هسمحلك تمد ايدك عليا تاني
ثم تحرك مبتعد عنه وهو يصرخ بصوت عالي
-عايز اشوف ظلال … عايز اتكلم معاها
-ظلال مش طايقه تبص في وشك
قالها أدهم بهدوء يصل حد البرود … رغم انه من داخله يشعر بشفقة كبيرة على ذلك الشاب الذي لا حول له ولا قوة … مرضه قد استولى على كيانه وبدء في تدميره
بهتت ملامح مراد حين أكمل أدهم ببرود سقيعي
-وانا جاي أقولك كلمتين … يتبقى عاقل وتفهمهم وتنفذهم … يترسم دور الجنون كويس علشان لما الصحافة والاعلام توصلهم أخبارك يبقى شكلك حلو في التقارير بتاعتهم
تراجع مراد للخلف خطوتان وهو يهز رأسه يمينًا ويسارًا برفض وخوف يصل حد الرعب
لكن أدهم أكمل حديثه متقمص لشخصية ثامر الوقحه
-اللي زيك المفروض يستخبى … لحد ما يتعالج وبعدين يرتبط ببنات الناس … مش يفكر التفكير الإجرامي بتاعك ده .. إنك تتجوز بنت من عيلة كبيرة تستخبى وراها وتداري فيها عجزك
شهق مراد بصدمه … وشعر أدهم بالغضب من نفسه … هو لم يكن يومًا هكذا … كيف يعاير رجلًا بمرضه الذي ليس له دخل به … لكن لا تراجع الان ف أكمل بهدوء
-انسى ظلال يا مراد … وخلي كل تركيزك إنك تتعالج وتبقى قادر بجد على مسؤليه جواز و زوجه … اتعالج من خوفك ونرجسيتك … أتعالج علشان ترجع مراد منير اللي الكل بيتمنى يبقى زيه
انحدرت دموع مراد … وعاد ليجلس على الارض وهو يقول كطفل يعترف لأمه بأخطائه
-عارف اني غلطت في حق ظلال بس .. بس انا بحبها
-الحب تضحية
قالها أدهم قاطعة وحاسمة ليكمل مراد
-مش هقدر اشوفها مع غيري
-يبقى مش بتحبها أنت عايز تملكها … ظلال بخفه دمها وشخصيتها القوية والهالة المميزة اللي حواليها … أنت عايز تمتلك كل دول … عايز تزيد هاله الضوء اللي حواليك علشان تخفي وراها عيوبك
ليبكي مراد كالاطفال وهو يقول
-انا بحبها … بحبها
اشفق أدهم على حاله لكن ليس بيده شيء يقدمه له … ف مصير اخته ومستقبلها على المحك ولن يجعل شفقته على مراد تكون سبب لجرح جديد في قلب ظلال
… ابتعد خطوة في إتجاه الباب ثم قال بإقرار
-أخدت قرار إنك تتعالج او لا … فكرت صح او لا … ظلال ملهاش مكان في حياتك يا مراد ولو فكرت تقرب منها باي شكل من الاشكال مش هيبقى ضرب بس انا علشان خاطر احمي اختي مستعد اقتل
صمت لثوان ثم اكمل ناصحًا
-ونصيحتي ليك فكر في مراد بس .. اتعالج من كل الحاجات إللي أنت خايف منها .. وأرجع أقوى وأحسن ووقتها هتلاقي الانسانة اللي تزيد نور حياتك وتسعدك … واللي هي أكيد مش ظلال
غادر الغرفة ليجد أكرم يقف امامه يبتسم ابتسامه صغيرة لكن لها معنى لم يدركه فقال باستفهام
-ممكن افهم سبب الابتسامه دي ايه؟!
-أنت قولتله الكلام اللي فعلًا محتاج يسمعه … صفعته علشان يفوق ويرجع لوعيه .. والباقي عليا انا ان شاء الله
أومأ أدهم بنعم وتحرك ليغادر بعد أن قال
-مش عايز حد يعرف بزيارتي ليه ولو أحتاج اي حاجة أتصل بيا فورًا
أومأ أكرم بنعم ليغادر أدهم المستشفى ودخل أكرم الي مراد حتى يبدء معه أولى جلسات علاجه النفسي
عاد أدهم من أفكاره أخذ نفس عميق ثم قال
-ايه رأيك إنك أنتِ اللي ترجعي وتقدمي البرنامج وتقدمي حجة مناسبه لغياب مراد … يعني تحفظي مكانه لحد ما يرجع ولو مرجعش يبقى أنتِ مخسرتيش مجهودك وتعبك .. وفي نفس الوقت حافظتي على تعب مراد طول السنين اللي فاتت وكل حلقة لازم تذكري اسمه بشكل مختلف … زي مثلا اشتقنا لوجودك مراد … متنظرين رجوعك …. او لو مراد كان موجود احتمال رأيه يكون كذا
كانت تستمع اليه بتركيز شديد … ونار خوفها هدأت قليلًا … واستعادت بعض من سابق عهدها بالهدوء والتفكير العقلي
وها هي اول يوم عمل لها وتعطلت السيارة … والسائق قرر في اصرار غريب ان يذهب ليحضر الوقود توقفت سيارة سوداء عالية أمامها وانخفض الزجاج الذي بجهتها وسمعت السائق يقول باندهاش
-آنسه ظلال؟! بتعملي ايه هنا في الوقت ده؟!
لتنظر له باندهاش هي الاخرى … شاب اسمر عريض المنكبين بملامح خشنه وشارب كبير يزيد من هيئته الرجوليه … ارتعد جسدها خوفًا فذكرى ما حدث من مراد مازالت حية بداخلها
ترجل من السيارة لترى بذلته الرسمية فشعرت ببعض الراحة لكن من اين يعرفها؟ أقترب منها وهو يقول ببعض القلق
-حضرتك واقفه كده ليه؟!
ظلت صامته تنظر اليه ببعض الخوف … ليبتسم ابتسامه خشنه صغيرة وقال وهو يضع يده على صدره
-انا أوس صديق أدهم اخوكي
لم تصدقه … او من باب الحذر ابتعدت خطوة للخلف ليخرج هاتفه واتصل بأدهم
بعد لحظات أجابه أدهم بصوت ناعس ليقول أوس بصوت قوي وواضح
-صباح الخير يا هندسه … انا لقيت آنسه ظلال واقفه على الطريق العام وتقريبًا العربية فيها مشكلة .. وعايز اعرض عليها خدماتي بس هي خايفة مني
صمت للحظة ثم قال
-تمام هديها التليفون
وابعد الهاتف عن اذنه ومد يده به في اتجاهها ترددت للحظات لكنها أخذته في الاخير .. نظرت الي الاسم لتجده أدهم الخشاب .. ورقم أدهم يظهر اسفل الاسم وضعت الهاتف على اذنها ليأتيها صوت اخيها قلقًا
-فيه ايه يا ظلال مالها العربية وفين السراق ومتصلتيش بيا ليه؟!
تنهدت براحه وهي تجيب كل تسألته … ليقول لها بأمر
-خلي أوس يوصلك علشان متتأخريش على شغلك وكمان مينفعش تفضلي واقفه في الطريق كده لوحدك وحساب السواق معايا
أومأت بنعو وكأنه يراها … ثم مدت يدها بالهاتف في اتجاه أوس وقالت
-آبيه أدهم عايزك
استمع لكلمات صديقه وهو يومأ بنعم … ثم قال منهيًا الحديث
-متقلقش عليها أنا هوصلها وهطمنك
اغلق الهاتف وفي نفس اللحظة فتح لها باب السيارة لتتأكد هي من اغلاق سيارتها بالمفتاح البديل وصعدت الي سيارة أوس
اغلق الباب ودار حول السيارة وهو يقول لنفسه بسعادة
-يا أفكارك يا أدهم
~~~~~~~
تجلس في مكتبها الجديد داخل مؤسسه الخشاب ك سكرتيرة خاصة لعدنان بيه الخشاب حتى الان لم يعلن عدنان خطبته لها … لأسباب هو فقط الذي يعرفها … وهي لم تفكر للحظة ان تسأله عن سبب تأخير الاعلان
أنتهت الاوراق التي كانت تعمل عليها وحملتها وتوجهت الي مكتبه … طرقت على الباب طرقه صغيرة ثم فتحت الباب ودخلت لكنها لم تغلقه خلفه … لاحظ هو هذه الحركة منذ اليوم الاول لعملها هنا وقبل ان يعقب … عقب أدهم الذي كان يجلس معه في مكتبه لمناقشة امر ما
-سليمة كمان مكنتش بتقفل الباب لما تدخل ليا المكتب
إحساسه انها كسليمة في بعض التصرفات يجعله يقتل وسواس خفي يأرقه من وقت الي أخر … ف بعد موافقتها الذي كان يتوقعها من أجل ماله ومركزه … وحطمت هي كل هذه الأفكار حين رفضت المكوس في الفندق واختارت ان تأجر شقه صغيره في إحدى البنايات القديمة في حي شعبي بسيط
وحين دفع لها الإيجار اخبرته انها سترده له حين تجد وظيفة
ليقترح عليها ان تعمل معه في مؤسسة الخشاب ولكونها ستكون قريبًا جدًا زوجته فلا ضرر في ذلك وانه لن يقبل ان تعمل في اي مكان اخر وتتعرض لما كانت تتعرض له سابقًا
وافقت … ولكنها وضعت شروطها ان تكون وظيفة حقيقة ليست مجرد وظيفة شكلية لكونها خطيبته
حتى يكون رزقها من تلك الوظيفة حلال … وبالفعل منذ عملت معه وهي متفانية … تعمل بكل طاقتها حتى انها تضع حدود في التعامل والحديث خلال ساعات العمل
لكن الشيطان رفض ان يتركه يرتاح … ف بدء يلعب بعقله ويصور له انها وافقت على الزواج منه … حتى تفعل ما يحلو لها تحت مسمى هذا الزواج … وبدء يحيك له بوضوح خطتها الوهمية
ان تتزوجه وهي تعلم جيدًا انه لن يكون زواج حقيقي … وليس فيه حقوق زوجيه او معاشرة وانجاب اطفال … وتستغل هي هذا وتتعرف على رجال اخرى … تفعل معهم ما كان يجب ان يحدث بينهم … لذلك في بعض الأحيان يغضب عليها بشده حين يلمحها تقف مع أحد الموظفين … او حين يراها تتحدث في الهاتف ويشعر انها تتحدث بالالغاز يحاول قتل هذا الوسواس لكن لا يعرف كيف؟!
كان شارد في كل هذا حين كانت هي تقف امامه تبلغه ببعض الاشياء لكنه لم يستمع لما قالت
وضعت الملف التي تحمله امامه على المكتب وقالت بهدوء
-اوراق المشروع كده كاملة … والتصاميم باشمهندس رامي هيخلصها ويسلمها النهاردة … تحب حضرتك أحدد يكرة موعد مع شركة(…)
أومأ بنعم وهو يقول
-بس خليه بعد الساعة ١٢ علشان اتناقش مع رامي في التصاميم
كتبت في مفكرتها ما قاله .. ثم نظرت اليه وقالت
-اي اوامر تانية يا فندم
هز رأسه بلا لتغادر بهدوء
لكن الافكار عادت الي رأسها من جديد … وهي تتذكر ذلك اليوم الذي حضر اليها في الفندق حتى يعرف قرارها الذي كان متأكدًا منه
لكنها حين ابلغته بشروطها تلك النظرة التي كانت تذبحها أختفت واصبح مكانها نظرات عدم فهم واستيعاب
لكنها حقًا تشعر بالامتنان له على كل ما فعله من أجلها وما يفعله … رغم تصرفاته الغريبه في الاونه الأخيرة لكنها ستتحمل … فما يقوم به لا شيء مقابل ما كانت تتعرض له سابقًا … ثم انها تعذره … وتشعر بالشفقة عليه
جلست خلف مكتبها و بدأت في اعمل اتصالاتها لتحديد الموعد وحين أنتهت ارتفع رنين هاتفها لتنظر الي الاسم ببعض القلق … شُكران تلك الجدة الحنون التي حضرت بعد اسبوع من انتقالها لشقتها في البنايه القديمة حتى تخطبها … حين رأتها شعرت برهبه وبعض الخوف … اقترب حتى تحيها ومدت يدها لها لترفع شُكران يدها التي تجعد جلدها بسبب السنين وظهرت فيها العروق بشكل واضح ل تنحني هوا تقبل تلك اليد بإحترام … لتربت شُكران على راس هوا بحنان فقد خطفت قلبها بتلك الحركة وقالت بحنان
-عرفت تختار يا عدنان جمال هادي .. وأدب
الجلسة كانت حميمية ناعمة .. اخبرتها شُكران برغبه عدنان في الزواج منها … وبكونها الكنة الثانيه لبيت الخشاب … وان لها جناح كبير في القصر خاص بها … وإنها من اليوم مسؤله من عدنان وعلى اسمه وعليها إدراك معنى هذا والحفاظ عليه
منذ ذلك اليوم هناك إتصالات متبادله بينهم انتبهت من أفكارها التي لا تتوقف ابدا واجابت الإتصال ليصلها صوت شُكران غاضبًا بعض الشيء
-هو مش انا طلبت منك تجيلي علشان نشوف الحاجات إللي أنتِ عايزاها علشان نشتريها لك
ابتسمت هوا وهي تقول ببعض الخجل
-ازيك الاول يا شُكران هانم
لتزمجر شُكران بغضب وهي تقول
-هانم ايه؟! قوليلي يا جدتي زي ما سليمة بتقول لي او قوليلي يا نانا زي ظلال … أنتِ خلاص بقيتي واحدة من عيلة الخشاب
تجمعت الدموع في عيني هوا تأثرًا بحديث شُكران لكنها لم تستطع التعبير عن ما تشعر به بالكلمات
لتكمل شُكران أوامرها
-هستناكي النهاردة
-بس انا مش عايزة اتعبك معايا … انا هشتري كل حاجة وان شاء الله يعجبوكي
قالت هوا سريعًا في محاولة لرفع الحرج عن نفسها فيما تريده شُكران … فهي مؤكد لن تقبل ان تشتري لها شُكران اغراضها الخاصه عليها ان تشتريها هي بمالها … حتى لا يزيد احساس عدنان انها قبلت به من اجل ماله
وكأن شُكران سمعت ما يدور في عقلها فقالت ببعض اللوم
-أنتِ بنتي من اول لحظة شوفتك فيها قولت اني كسبت بنت جديدة زي ما كسبت قبل منك سليمة … ازاي عايزة تمنعي ام من انها تفرح ببنتها
-يعني حضرتك اشتريتي الحاجات دي ل سليمة؟!
سألتها هوا وهي تعلم الاجابه … وسألت هذا السؤال حتى تستطيع إقناع شُكران بعدم ضروره ما تريد فعله … لكن شُكران اجابتها بما جعل الدموع تسيل فوق وجنتيها
-سليمة مامتها موجوده وهتعمل لها كل اللي هي عايزاه … لكن أنتِ لوحدك يا بنتي .. بلاش تقسي على نفسك اوي كده … اعتربيني امك وبلاش تزعليني وتوجعي قلبك وقلبي
بشق الانفس منعت هوا خروج شهقات بكائها من فمها حتى لا تصل الي شُكران … لكنها وصلت لذلك الذي واقف عند الباب يستمع لحديثها مع جدته منذ البدايه … انها لمست قلبه حين رآها اول مره وحركت به نخوته وحميته … وفي المرة الثانيه حركت به شهامته واوقدت نار رجولته … واليوم اطفئت نيران الشك والحيرة واشعلت نيران المسؤلية
اغلقت الهاتف بعد ان اخبرت شُكران انها ستمر عليها بعد انتهاء العمل … لكن كان له هو رأي اخر
~~~~~~~~~~
كان يغلق زرار قميصة وهو يجيب على تسألات أدهم عبر الهاتف الذي وضعه فوق طاولة الزينه … كانت تتابع ما يحدث من بعيد بابتسامة ناعمة رقيقة
استقرت حياتها أخيرًا… واستطاع عبدالله ان يصل الي مرحله التوازن في حياتهم
اولادها اصبح لهم وقت خاص مع والدهم … وهي اصبح لها وقت خاص معه .. ووقت خاص لنفسها … هو من قرر ذلك حتى تستطيع ان تفرغ كل شحنات الضغط النفسي وبكل سعادة تستطيع إكمال مهامها … لذلك كل يوم ساعة كاملة لها بمفردها … تقوم بما تريد .. تدلل نفسها … حتى هو أصبح يجد وقت لنفسه يخرج فيه طاقته السلبية وكل تلك الاشياء التي يستمع لها من مرضاه وتأثر على افكاره وروحه … ويعود كمان كان بكل نشاط وحيويه
الشيء الوحيد التي لم تستطع وضع وقت معين له هي إتصالات أدهم .. وبعض حالات الزعر التي تحدث معه ف توتر عبدالله لبعض الوقت
لكنها لن تيأس ابدا
انتبهت من أفكارها على صوته وهو يقول
-صعبان عليا جدا … الدنيا كلها فوق كتافه … ده غير انه ب يتخبط بين شخصيته وشخصيه ثامر … تصدقي انه بيغير على سليمة من ثامر
لتضحك بصوت عالي وهي تقول
-الله يكون في عون سليمة الحقيقة .. مش عارفه هتلاقيها منين ولا منين
ابتسم هو الاخر وقال ببعض الاندهاش
-الحقيقة هي كل مرة بتفاجئني برد فعلها … وتقبلها الغير مشروط لأدهم ومرضه وشخصيته التانية … وازاي قدرت في وقت قصير تبقى ملجأ أدهم الامن ورمانه ميزان حياته
اقتربت منه وهي تقول بصدق
-الست موجودة في حياة الراجل علشان تبقى رومانه الميزان … ربنا لما خلق ستنا حوا خلقها علشان سيدنا أدم ميبقاش وحيد … علشان تعمل توازن عاطفي ونفسي في حياته
واقتربت اكثر وهي تكمل بكل صدق
-الست لما بتحب يا عبدالله مفيش حاجة في الدنيا تقدر تقف قصادها .. حتى الشخص اللي بتحبه نفسه … هتكسر كل الحواجز … وتهد كل الاسوار … هي اللي باديها تخلق جنه حياتهم .. او تشعل نار جحيمهم
حاوط خصرها برقه … وهمس بحب
-وأنتِ رمانة ميزاني يا لبنى … ومن غيرك أضيع
امسك يدها يقبلها بحب واحترام وتقدير واكمل بكل حب
-ربنا أكيد راضي عني علشان أنتِ في حياتي
لتضمه بقوة وهي تقبل جانب عنقه بشوق ولهفه … ليهمس بصوت متأثرًا بلمساتها الحانية
-شكلي كده مش هروح العيادة النهاردة
لتومىء بنعم وهي مازالت تخبىء راسها في تجويف عنقه … لتلهب انفاسها نيران رجولته فعاد يفك ازار قميصه من جديد
~~~~~~~~~
تحمل الكثير من الحقائب وسير متهدله الاكتاف خلف والدتها التي كلما رأت شيء اثار اعجابها على واجه إحدى المحلات تدخل ذلك المحل ولا تخرج منه الا ومعها على الاقل خمس حقائب وكلما اعترضت هي وبختها أمها وقالت بتابهي وسعادة
-أنتِ عروسة ولازم تدخلي مش ناقصك حاجة … وعندك بدل الحاجة عشرة
يئست تمامًا من ان تغير رأي والدتها في ان ما تقوم به مبالغ به وغير صحيح .. لذلك آثرت الصمت وسارت خلف والدتها ككلب مخلص لسيده تحمل الحقائب وتهز راسها بنعم كلما سألتها والدتها رأيها في شيء ما
وفجأة تحول كل شيء حولها … أشتعلت النيران داخل عيونها … ونار اخرى تلتهم قلبها وروحها … وعيونها ثابتة على نقطة ما غير واعيه لكلمات والدتها التي كانت تنهرها لوقوفها في منتصف الطريق بهذا الشكل … لكنها ظلت مكانها تنظر لما يحدث أمامها بعيون باكية
ف امام إحدى البنايات القديمة الشاهقة … يقف هو بشكلة العابث دائمًا يضع يديه الاثنان داخل جيوب بنطاله ينظر الي تلك الفتاة التي تقف امامه وتنظر له بتوسل ببرود شديد
توقف الزمن … توقف الهواء هي لا تعرف لكنها تشعر بنفسها داخل دوامه كبيرة تسحبها الي اعماقها دون رحمة … وكأن قدميها ليسوا لها تحركت بخطوات بطيئة في اتجاهه حتى أصبحت تجاورهم ويصلها صوت تلك الفتاة بوضوح
-ليه يا ثامر هو انا قصرت معاك في حاجة … أنت عارف اني بحبك ورضيت منك بالوقت الصغير اللي كنت بتحدده ليا كل فين وفين … راضية بلحظات بين دراعتك بحس فيهم اني ست بجد ليه عايز تبعد عني … طيب اعيش خدامة ليك طول عمري زي الجواري بتوع زمان لا هقولك اتجوزني ولا هيكون ليا طلبات … بس خليني معاك يا ثامر
شعر بالضجر من كلماتها المكررة وكاد ان يتحرك مغادرًا لكن عينيه اصطدمت بعينيها الباكية وهمسها بأسمه … ليجد نفسه يهمس بأسمها بصوت مختنق وفجأة صرخ بصوت عالي وهو يمسك برأسه وسقط أرضًا مغشي عليه
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية أو أشد قسوة) اسم الرواية