رواية أو أشد قسوة الفصل الثاني 2 - بقلم سارة مجدي
ظل على جلسته يفكر ماذا سيفعل الأن لكن لم يكن هناك الكثير من الأختيارات فعاد ليغادر بوابة بيته من جديد وبعينه كان يبحث عما يريد حتى وجده
أقترب بهدوء من تلك الطفلة الصغيرة التي تلعب أمام بيتها وقال بصوته الخشن
-تعالي يا شاطرة
نظرت له الصغيرة بخوف ليشير لها بيده أن تقترب لكنها ظلت واقفه في مكانها
ليقترب منها هو
-متخافيش تعالي عايز اديكي حاجه
أقتربت الصغيرة على أستحياء رأسها منخفضه لكن عيونها تنظر إليه ليخرج من جيب بنطاله ورقه مالية صغيرة
ومد يده بها أمامها وهو يقول من جديد
-أشتري حاجة حلوه
مدت يدها لتأخذ المال ببعض التردد لكنه ظل ممسك بالمال وهو يقول
-لكن الأول أطلعي للست زيزي قوليلها عمو بيبرس عايزك ضروري
أومأت الصغيرة بنعم ليترك لها المال لتركض سريعًا مبتعدة عنه ومتوجه إلى بيت زيزي ليرفع عينيه يبحث حوله عن متلصص لكنه لم يجد .. وتلك ميزة حيهم الكل يدلف إلى بيته بعد أذان العشاء والصلاة ولا يخرج منه إلا للضروره القصوى
أقترب من بوابة بيت زيزي وأستند عليها رافع قدمة على البوابة الحديد تدعم وقته وثواني وغادرت الصغيرة البوابه دون أن تنتبه إليه وبعدها بثواني سمع حفيفي ثوب زيزي وصوت خفها الخفيف وهي تقترب منه وكما كانت تقف صباحًا وقفت خلف البوابه لا يظهر منها سوا نصف وجهها والذي يغطيه وشاحها الخفيف
-خير يا سي بيبرس!
قالتها بقلق لم يتحرك من مكانه ولكنه قال بصوت منخفض
-خير يا ست زيزي … بس مدير الكبارية أتصل .. وبصراحه كده
صمت وكأنه لا يجد كلمات يقولها أو قلبه لا يطاوعه في أن يقول لها أن تستعد حتى تذهب معه اليوم وتبدء عملها كراقصه في إحدى الملاهي الليليه لكنها عادت تسأل من جديد بلهفه يشوبها حزن
-هو رفض أني أشتغل؟!
ألتفت إليها وظل يتأمل الجزء الصغير الواضح من ملامحها على ضوء مصباح عتيق علق على باب البيت لعدة ثواني ثم قال وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا
-بالعكس ده عايزك تنزلي شغل من النهاردة
ظلت صامته لا تعرف هل تشعر بالسعادة لموافقة صاحب الملهى أم تشعر بالخوف لما هي مقدمه عليه من فعل تعرف جيدًا أن والدها لو كان بصحته لقتلها قبل أن تخطوا خطوه واحدة خارج البيت لتنفذ ما تريد
ودون شعور منها رددت خلفه
-النهاردة
أومأ بنعم لتقول من جديد بقلق
-الساعه كام يعني
نظر إلى ساعته وقال بهدوء
-خلال ساعتين تكوني جاهزة ومستنياني على أول الشارع
أومأت بنعم وعيونها بين خوف وتردد وبعض الحماس ليغادر من أمامها وبداخله كل المشاعر المتضاربة رفض وموافقه … خوف وحماس .. أقتراب وأبتعاد … لكن أكثر ما يشعر به الأن هو أن ما سيحدث الأن هو أكبر أخطائه ومؤكد سيكون الثمن غالي
~~~~~~~~~~~
صعدت إلى شقتها بعد رحيل بيبرس لكنها كانت شاردة خوف قوي سكن قلبها خاصة حين وقفت أمام غرفة والدها النائم بلا حول ولا قوة
تجمعت الدموع في عيونها وهي تلوم نفسها على فكرتها المجنونه التي أوصلتها لهذا الحال لكن شيطانها لم يكن غائب عنها ليعود وهمس لها أنها لن تفعل شيء خاطىء ما المشكلة من بضع ساعات تتمايل فيها على نغمات الموسيقى وتحصل في المقابل على الكثير من المال
وأين هي المعضلة في المكان فكل أماكن العمل بها مخاطر فأين المشكلة الأن على الأقل عملها في ذلك الملهى لن يكون به مخاطر جسيمة خاصة في وجود بيبرس
بيبرس التي لا تعلم كيف تشعر تجاهه الأن .. هل تشكره؟ أم تلومه لأنه وافق على عملها؟
أخذت نفس عميق وهي تسير بخطوات ثقيلة إلى غرفتها حتى تستعد .. هي لا تعلم ماذا عليها أن تفعل بالتحديد لكن لابد أن تقوم ببعض التجهيزات
~~~~~~~~~~~~~
مرت ساعتان وها هي تسير في ذلك الطريق الطويل الذي سيصل بها إلى المكان الذي ينتظرها به بيبرس
لكنها كانت تتلفت حولها كل دقيقة وأخرى خوفًا من أن يراها أهل حيها … لكن الأمور مرت على خير وها هي تجلس بجانبه في السيارة
الصمت ثالثهما لكن الأفكار تعصف بكليهما وكل منهم لديه ما يقوله ويؤلم قلبه لكن لا يجد الكلمات التي تعبر بدقه فيفضلون الصمت
أوقف السيارة في مكانها المخصص بجراج الملهى وقبل أن يترجل منها نظر إلى زيزي وقال بأمر
-ملكيش دعوه بحد جوا .. تخلصي فقرتك وتدخلي أوضتك ومتخرجيش منها لحد ما أرجعك البيت وأي حاجة أنا إللي هتصرف فيها … كلامي مفهوم
أومأت بنعم وهي تنظر إليه بخوف
إن قلبها يشبه طبول الحرب تقرع بقوة وينبىء عن خوف شديد
لكن نظرة عين بيبرس ووجوده بصفه عامة جعل شيء من الأمان يتسلل إليها
ترجلت من السيارة ومن باب خلفي دلفت خلفه ومباشرة إلى غرفة مدير الملهى
~~~~~~~~~~
وقفت في الخارج تنتظر بيبرس الذي دلف إلى المدير وأغلق الباب خلفه عيونها تتأمل الرواق الطويل المليىء بالغرف وكل غرفة بجوار الباب لافته نحاسية أستطاعت من مكانها أن تقرأ الكلمات التي نقشت على بعض منها حتى وقعت عيونها على إحداهم والتي كتب عليها “غرفة الراقصة”
إنتفض جسدها وهي تربط تلك الكلمة بنفسها .. إن تلك الكلمة بعد قليل ستصبح وصفها ووظيفتها .. رعشه أخرى سارت في عمودها الفقري وغصه مؤلمة في حلقها جعلتها تتحرك لتغادر ذلك المكان .. لكن باب غرفة المدير الذي فُتح وصوت بيبرس يدعوها للدخول جعلها تقف مكانها و ك المغيبه تعود أدراجها وتدلف إلى الغرفة لتقابلها نظرات ذلك المدير بنظراته المتفحصه لكل أنش في جسدها
نظرت إلى بيبرس التي أحمرت أذناه وأنتفخت أوداجه وهو يقول
-نالت الرضا يا جوكر
لينظر إليه ذلك الرجل وهو يجيبه وقد سال لعابه
-إكسترا يا بيبرس .. إكسترا
ودار حول مكتبه وهو يقول
-سلمها لترتر بقى وتعلالي
حينها كان يقف أمام زيزي ولا يفصل بينهم سوى خطوة واحدة … وأكمل وهو يرفع يديه يحاوطانها دون أن يلمسها وقال وهو يرسم قدها في الهواء
-قوله الجوكر عايز كتلة الأنوثة دي تبقى زي حبة الكراميل شهية وجذابه من برة ومثيره من جوه
كلمات تذبح رجولته لكنه لا يستطيع الإعتراض .. فالحديث يبدوا في صميم العمل لكن باطنه يسىء لرجولته ويشعره بألم في رأسه يشبه ذلك الألم في أفلام الكرتون حين يتم ضرب الشخصيه بشيء قوي على رأسه ويخرج ذلك البروز
ليجد نفسه يفتح الباب وهو يقول ببعض الغضب
-أتفضلي يا ست زيزي
لتتحرك بسرعة وخوف من أمام ذلك الجوكر لكن أين المفر
من خوف إلى خوف .. والبقية تأتي
~~~~~~~~~~~~~
بعد العشاء توجه عدنان إلى الحديقة … يريد أن يجلس في خلوته يفكر في حال جدته وأدهم
أدهم الذي يشعر أن به شيء غريب أحيانًا يرى عيونه زائغه، تائه وكأنه لا يعرف أين هو … وأحيانًا يراها قاسية غير عيون أدهم الحانيه بطبعها رغم قوة شخصيته
لكن حقًا هناك شيء خاطىء وعليه أن يفهمه
أراح رأسه على الحائط خلفه وأغمض عينيه يشعر بها تقف هناك في إحدى الزوايا تتابعه بصمت كما إعتادت
يشفق عليها حقًا يعلم بحبها له لكن هي بالنسبه له إبنة عمه فقط يتمنى أن تتوقف عن ملاحقته أن تعبر ذلك الطريق المظلم بحبه إلى نور شمس جديدة تشرق بحب جديد يستحقها وتستحقه
لذلك ورغم ضيقه من هذا … ودون أن يفتح عينيه أمسك هاتفه وطلب رقم موجود بالأساس على قائمة إتصالات الطواريء ووضعه على أذنه وقال حين وصله ذلك الصوت الناعم
-عدنان باشا بنفسه
-قلب عدنان … جهزي القعده أنا جاي وعايز أدلع
قالها وهو على نفس الوضع ليصله شهقتها التي كتمتها سريعًا ليبتلع تلك الغصه المؤلمة في حلقه وهو يقف ليغادر خلوته وهو يقول
-حان وقت المرح
لتنحدر دموعها وهي تراه في طريقه إلى إحدى فتياته وما أكثرهم.
وضعت يدها فوق خافقها وهي تقول بألم
-رغم كل الوجع ده لكن أنا متأكدة انك بتحبني حتى لو أنت نفسك متعرفش يا عدنان
~~~~~~~~~~~~
تنظر إلى أنعكاس صورتها في المرآة وهي تسأل نفسها من تلك التي تطالعها الأن بتلك الزينة القوية وتصفيفة الشعر التي لم تجرب مثلها من قبل ذلك الفستان الذهبي الذي يكشف عن ذراعيها وبه فتحه طوليه تظهر ساقها بسخاء ؟
هل هي تلك الفتاة البريئة أبنة الأستاذ حليم؟ أم هي فتاة غيرها تلونت كحرباء تجيد التخفي بألوانها وسط الأشياء؟ ليس لديها إجابة .. وتعتقد أنها لن تجد يومًا… طرقات على باب غرفتها ثم دخول ذلك الرجل المدعوا ترتر وهو يقول بصوته المائع
-جهزتي يا ست الكل؟ الناس في الصالة برة زهقوا من كتر الغنا وجالهم صداع
ألتفتت إليه وملامحها شاحبه بخوف قرأه ذلك الرجل بوضوح فقد عمل مع الكثير من الراقصات ويعلم جيدًا معدن كل منهن
أقترب منها وقال بصوته المائع
-واضح أن دي أول مره ليكي .. لكن متقلقيش الناس إللى قاعدة بره دي من نظره عقلهم بيطير .. ومع أول هزة من وسطك هتلاقيهم كلهم تحت رجليكي .. ومن بعد أول خمس دقايق رجلك هتهز الأرض بثقة
أقترب خطوه أخرى ووضع يده على خصرها وقال بأيحاء
-المهم الدلال .. وتظهري أنوثتك المتفجره دي صح
أنهى حديثه بغمزه لترتجف أكثر وهي تقرأ معاني كلماته .. لتقول بصوت مرتعش
-هو سي بيبرس فين؟
-في الصاله يا ست الكل .. ده مكانه وإنتِ مكانك دلوقتي على المسرح
قالها وهو يمسك يدها ويغادرا الغرفة
كانت تشعر أنها تساق إلى حدفها وقفت خلف الستار تستمع لصوت المقدم وهو يقول
-مع النجمه المتألقه .. الست إللي هزت وسطها بقوة سبعة رختر .. الزلزال إللي بيتحرك على رجلين … زيزي
وعلت الموسيقى مع دفع ترتر لها لتجد نفسها على وسط المسرح وكل الناس بالصاله يصفقون لها لكن عيونها كانت تبحث عنه هو
كأنها تريد أن ترى في عينيه نظره تشعرها بالأمان أو أن تجد بها نظره رادعه تجعلها تركض إلى الداخل هربًا لكن وجهه الخالي من التعابير وصوت الناس من حولها جعلها تبدء بالتمايل لتعلوا الصيحات لتزداد حركتها خاصة حين أقترب شخص ما وبدء نثر بعض الأوراق الماليه أسفل قدميها
ليلحقه شخص آخر وآخر لتلمع عيونها بأنبهار وبدأت في التمايل بسعادة متناسيه كل خوفها … وأفكاره … وخلعت عنها ثوب الإحتشام والفضيلة وتعاليم أستاذ حليم وأرشاداته
ومن مكانه كان يتابعها يشعر بثورة غضب قادرة على تحطيم كل شيء لكنه الأن أصبح مقيد ولا يستطيع الإعتراض أو الرفض
حتى أنه لا يستطيع أن يبتعد عن هنا .. إن يغمض عينيه عن جمالها الذي ينظر إليه الجميع الأن … لماذا يرى جمالها يتضائل ؟ والغريب أنه يشعر أن رجولته أيضًا تتضائل
~~~~~~~~~~~
في صباح اليوم التالي .. أستيقظت سليمة بنشاط وسعادة ما أجمل ذلك الشعور وهي تسير في طريق أحلامها بوظيفة تستحق العناء وراتب سيغير مسار حياتها ويساعدها في تحقيق كل ما تريد
تناولت وجبة الإفطار مع والديها بمرح وسعادة وغادرت باكرًا حتى لا تتأخر على عملها .. تريد أن تكون ملتزمة من اللحظة الأولى
كانت تنظر لوجه البشر من حولها وهي تسير في الشارع تود لو تصرخ بصوت عالي حتى تخبر الجميع أنها تعمل بمؤسسة الخشاب
أهتمت بملابسها وهيئتها اليوم أنه يعتبر أول يوم عمل … إلا أن سعادتها كانت تصل إلى عنان السماء بسبب سعادة والدتها حين أخبرتها بما حدث بالأمس وقفت عند النافذة تزغرد بسعادة حتى أن جميع من بالحي كان يظن بأنها قد خُطبت
وصلت الشركة وبخطوات ثابتة توجهت إلى مكتبها لكن عيونها كانت تنظر لكل شيء حولها .. إن الموظفين يعملون كخلية النحل كل يقوم بعمله في صمت وبإتقان
وصلت إلى مكتبها لتجد رجاء تجلس خلف مكتبها تجمع أغراضها .. لتلقي عليها التحية بابتسامتها الطيبة
-صباح الخير يا رجاء
رفعت رجاء عيونها إليها وقالت بابتسامة مشابهة لخاصتها وهي تجيبها
-صباح الفل .. جايه في ميعادك أيوة كدة
-أنا في الإنضباط معنديش يا أما أرحميني
ليضحكا ببعض المرح وبدأت سليمة في العمل تحت إرشادات رجاء لكن ما كان يثير دهشتهم هو عدم وصول مديرهم حتى الأن
والذي علقت عليه رجاء بصدمة
-أول مرة يتأخر كده … ربنا يستر
لتشعر سليمة بالإندهاش لكنها لم تعلق و بدأت في ترتيب المكتب حولها بطريقتها الخاصة والتي تسهل عليها العمل
~~~~~~~~~~~~
فتح عينيه يشعر بألم حاد في رأسه .. جسده يؤلمه وكأنه كان يخوض نزال ملاكمة
أعتدل جالسًا وهو يأن بألم لكنه تأخر كثيرًا وهو لم يعتاد على التأخر
توجه إلى الحمام أخذ حمام دافىء حتى يعيد إليه بعض نشاطه وسريعًا أرتدى ملابسه .. لكن حين وقف أمام المرآه جحظت عينيه بصدمه
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية أو أشد قسوة) اسم الرواية