رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل الثالث و الثلاثون 33 - بقلم سماح نجيب
رم٣٣– ” إثنان لا يجتمعان ”
إبتسم راسل بذهول ، ظناً منه أن الضابط يمازحه ، فهؤلاء الرجال لم يأتون إلا من أجل إلقاء القبض عليه ، بتلك التهمة المنسوبة إليه من أنه عمل على قتل سعيد ، ولكنه هو وأسرته ، لم يكن لديهم الإدراك الكافى لإستيعاب ما سمعوه ، فصوت يد وفاء التى دبت بها على صدرها من فزعها مما سمعته ، هو من جعل راسل يعى على حقيقة وضعه الآن
ولم تكن وفاء وحدها من ساهمت بإعاد تركيزه المسلوب بتلك اللحظة ، بل زوجته أيضاً ، التى أقتربت قابضة على ذراعه بخوف ، فعيناها متسعتان وفمها مفتوح بدهشةٍ
إلا أنها إستطاعت القول بصوت خافت ، ترتعش حروفها من الخوف :
– رراسل هو بيقول إيه ، مين سعيد ده كمان وقتل إيه
عندما هم راسل بفتح فمه ليجيبها ، أسرع الضابط بهز ذراعه وهو يقول بخشونة :
– إحنا مش هنفضل واقفين مستنين سيادتك علشان تيجى معانا هتغير هدومك ولا تحب ناخدك كده بالهدوم اللى عليك
زادت حرارة إنفعال راسل ، فكأن ما حدث له منذ سنوات ، تعاد تفاصيله مرة أخرى ، فها هو للمرة الثانية ، يتم إلقاء القبض عليه بتهمة القتل وهو لم يفعل شيئاً ، تلك المعاملة الجافة والصلدة من رجال الشرطة ، ذكرته بما لقاه بإيطاليا من إهانة وتعذيب
فأتسعت طاقتى أنفه صارخاً بوجه الضابط ، غير أبه بما سيحدث له لاحقاً:
– نزل إيدك واحترم نفسك وأنت بتتكلم معايا مفهوم
كمن تحفز جسده على القتال ، فربما سيثير شجار مع رجال الشرطة ، فأمر الضابط جنوده بالإقتراب سريعاً ووضع الأصفاد بمعصميه ، فهو لن ينتظر سماع كلمة أخرى منه
فبعد إطمئنان الضابط لإحكام السيطرة عليه ، وأنه أصبح مكبلاً بالأغلال ، يحاوطه الجنود دفعه أمامه وهو يقول بغلظة :
– طب لا أنت مغير هدومك ولا هسمع منك كلمة تانية يلا قدامى وتبقى المدام بتاعتك تجبلك هدوم فى التخشيبة
أعترضت وفاء طريقهم وهى تصيح وعيناها باكيتان :
– أنتوا واخدين إبنى ورايحين على فين إبنى ميعملش كده أنتوا أكيد غلطانين سبوه سبوه
بما يشبه الجنون ، حاولت وفاء سحب الأصفاد من يد راسل ، فهى لا تريد أن تراه بذاك الموقف ثانية ، فيكفى ما لقاه بالمرة الأولى
رآى راسل أحد الجنود يهم بإزاحتها عن طريقهم ، فصاح بوجهه :
– أبعد عنها ومتلمسهاش أنت فاهم
فعاد ونظر لوفاء قائلاً بحنان :
– إهدى يا ماما أكيد فى حاجة غلط فى الموضوع ، كلمى بس المحامى يحصلنى على هناك
بعد أن قال ما لديه ، إستدار برأسه للخلف ليراها قبل ذهابه ، فهى تقف كتمثال من الرخام ، أتخذ وضع الذهول ، ولكن ما أن ألتقت أعينهما سوياً ، حتى هرولت بخطواتها إليه
فقالت بصوت نائح :
– راسل هم واخدينك على فين ، هو إيه اللى بيحصل ده بالظبط
رفع كفيه سوياً ، نظراً لأنهما مقيدان بالأصفاد ، فعمل إبهامه على مسح تلك العبرات التى تساقطت على وجنتيها بغزارة وهو يقول بصوت حانى :
– بس يا حياء متعيطيش وخلى بالك من سجود
فهو يحمد الله أن صغيرته مازالت نائمة ، ولم ترى الضابط يعمل على جره هكذا ، فربما كانت ستصاب بالذعر والهلع ، علاوة على أنه لا يريدها أن ترى أبيها يتلقى تلك المعاملة من أحد ، وهى من إعتادت على رؤيته بمظهر القوة والبأس
أراد الضابط فض ذلك الحوار الدرامى ، الذى آثار بنفسه الإستياء ، ولم يكن هذا فقط من أجج نيران الغيظ بداخله ، بل أن راسل لا يظهر خوفاً أو خضوعاً لهم ، بل يتصرف على النحو الذى يظهره بأنه هو سيد الموقف ، فهو توقع أن يظهر خوفه مما سمعه ، إلا أن لم يصدر منه فعل سوى أنه لايريد أن يلمسه أحد
بمجرد خروجه برفقة الضابط ورجاله ، تبعته حياء ووفاء ، حتى وصلوا لتلك السيارة ، التى ستنقله لقسم الشرطة ، فبعد أن أخذ مكانه وجلس شرطيان بجانبه ، أنطلقت السيارة يرافقها دوى صوتها المزعج ، فأحتضنت وفاء جسد حياء المرتجف والمتشنج ، فهى لم تكف عن البكاء والمناداة بإسم زوجها ، تنوح بصوتها وتشاركها وفاء النحيب ، ولكن تذكرت حياء والد زوجها ، فهو القادر على مساعدته الآن
______________
بالبداية أصدر الكمان ألحاناً هادئة ولكنها كئيبة أيضاً ، كأنها إنذار بأحد الطقوس الجنائزية ، فبيرى دائماً ما تهوى عزف الألحان التى تثير الشجن والحزن ، ولكن زاد الحماس وصارت الألحان الهادئة تعلو رويداً رويداً ، حتى صارت صاخبة ، فأغمضت عينيها وهى تميل برأسها على الكمان الموضوع طرفه على كتفها الأيسر ، زاد حماسها أكثر فأكثر حتى أنتهت من عزف تلك المقطوعة الموسيقية المسماة ” قداس الموت ”
فرنت أصوات التصفيق الحاد من أبيها وهو يلج الغرفة قائلاً بإعجاب :
– برافوووو يا بيرى عزفك جنان
تبسمت بيرى وسحبت الكمان من على كتفها ، ووضعته بمكان آمن وقالت وهى تقترب من أبيها :
– ميرسى يا بابى أنا لقيت نفسى مش جايلى نوم جيت هنا غرفة الموسيقى وقلت أعزف على الكمان ، بس سورى لو كنت صحيتك من النوم
وضع شعرها خلف أذنيها ومال على وجنتها يقبلها قائلاً بحب :
– لاء يا حبيبتى مكنتش لسه نمت كنت مستنى تليفون مهم وخلاص جه ، بس لما سمعت صوت الموسيقى قولت أجى أقعد معاكى شوية علشان فى موضوع عايز أكلمك فيه
نظرت إليه بيرى قائلة باهتمام:
– خير يا بابى موضوع إيه ده
أخذها من يدها وجلس على المقعد العريض أمام البيانو ، فتبسم بوجهها قائلاً بهدوء :
– فى عريس طلب إيدك للجواز هو عايش فى صقلية حالياً بس هو من أصل مصرى إسمه ألبرتو
أنتفضت بيرى من مكانها وهى تقول بإعتراض :
– بابى أنا قولتلك قبل كده مش هتجوز
أنفعل أدريانو من رفض إبنته المتكرر للزواج ، فعلا صوته قليلاً بغضب :
– هو أنتى لسه منستيش الواد اللى كنتى بتحبيه يا بيرى ، أنا قولت خلاص بعد السنين دى كلها نستيه ، ومستنيكى تلاقى شاب تانى كويس علشان تتجوزيه
أطرقت بيرى برأسها أرضاً وهى تقول بحزن :
– واللى أنا أخترته كان عيبه إيه يا بابى
إستشاط أدريانو غضباً ورد قائلاً بصياح :
– أنتى عارفة كان عيبه إيه كان مسلم وأنتى يهودية لا معتقداته زى معتقداتنا ولا كان ينفع تتجوزيه ، وأتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده كتير مش معنى إن إحنا عايشين في إسكندرية وجدك كان يهودى مصرى وأنا أتولدت وأتربيت هنا وبنتعامل مع اللى حوالينا عادى معنى كده أنك تتجوزى واحد مسلم
ردت بيرى بإقتضاب وتبرم :
– أنا شيفاك متعصب أوى يا بابى للموضوع ده
أمسكها أبيها من ذراعيها وهزها بجفاء وهو يقول بإصرار :
– لأن إحنا وهم عمرنا ما ينفع نجتمع فى مكان واحد ، إن كان بيشتغل معايا ناس منهم فده مش معناه أن حابب قربهم أصلاً ، بالعكس أنا مبكرهش حد أكتر منهم
طفت طباع أبيها كاملة على صفحة وجهه ، من تعصبه لديانته التى يراها بمنظور أنها لا يمكن أن تتوافق مع ديانة أخرى ، أو أن تختلط دماءهم مع دماء إناس أخرين ، أو أن تصبح إبنته زوجة لشاب مسلم ، يرى أنه سيكون هو المتسبب بتركها ديانتها وتتبع ديانته
أبتعدت عنه قدر إمكانها وأولته ظهرها قائلة بإصرار وعناد :
– يبقى خلاص متكلمنيش فى موضوع الجواز تانى وأنساه خالص لأن قلبى أخده واحد قبل كده ومعنديش إستعداد أحب حد تانى
قبض على مرفقها بقسوة وجعلها تستدير إليه قائلاً بعناد يفوق عنادها :
– مش معنى أن بحبك ومش برفض ليكى طلب وبخاف عليكى يبقى خلاص هوافقك على كل اللى تقوليه أنا بس مش عايز أوريكى وشى التانى يا بيرى
زفرت بيرى أنفاسها بخفوت لتقاوم فرار دموعها من بين جفنيها فردت قائلة بصوت متحشرج :
– بابى شكلك أعصابك تعبانة أرجع أوضتك علشان تنام علشان أنا كمان عايزة أنام تصبح على خير
سحبت مرفقها من بين أصابعه القابضة عليه بقسوة ، جعلته يترك آثار إحمرار خفيف على بشرتها البضة ، فتركت غرفة الآلات الموسيقية ، تنتوى الذهاب إلى غرفتها ، ولكنها عدلت عن ذلك وخرجت لحديقة المنزل ، جلست أسفل أحد الأشجار ووضعت وجهها بين يديها وبكت بقوة وبقهر وحسرة على ضياع حبها الوحيد ، الذى ما أن خفق قلبها له ، رفض أن يخفق لأحد غيره حتى وقتها الحالى
فأين هو الآن ؟
فهى لم تعثر له على آثر بعد رفض أبيها له ، فهى تخشى أن يكون أقدم والدها على التخلص منه بالطريقة الوحيدة التى يجيدها وهى القتل ، ولكنه أقسم لها بأنه لم يمسه بسوء ، بل أعلن رفضه له فقط ، ومنذ ذلك اليوم وهى لم ترى له وجه ، ولا تعلم أين ذهب بعد تركه الإسكندرية ؟
بعد إكتفاءها من جلستها الباكية ، نهضت من مكانها وعادت لغرفتها ، فبعد أن أرتمت على الفراش ، سمعت صوت هاتفها يعلن عن ورودها إتصال من رقم مجهول
أخذت الهاتف ووضعته على أذنها قائلة بتساؤل :
– ألو أيوة مين
جاءها الرد على الطرف الآخر بصوت متهدج :
– أنا نادر يا أنسة بيرى فكرانى
نفخت بيرى بضيق وقالت بتأفف :
– نعم يا دكتور نادر وأنت جبت نمرتى منين وعايز إيه منى فى وقت زى ده
– مش ده المهم ، المهم أن كان نفسى أسمع صوتك الناعم ده قبل ما أنام لأن من ساعة ما شوفتك والنوم طار من عينى
قال نادر بصوت بدا لها أن من يتحدث عاشق مدله بغرامها
فتبسمت بسخرية وردت قائلة بنفاذ صبر:
– بقولك إيه يا نادر خد حبيتين منوم هتنام على طول بدل ما تفضل صاحى وتغنى عليا تمام دا أنا بنت أدريانو وسمعت أسطوانات غرامية من دى كتير فأحسن ليك بلاش أنا لو لسه باقى على اللى فاضل من عمرك
قالت بيرى ما لديها وأغلقت الهاتف نهائياً ، وألقته من يدها على الكومود المجاور لفراشها الوثير ، فبمجرد أن وضعت رأسها على وسادتها ، مدت يدها أسفلها وأخرجت تلك الصورة لحبيبها الغائب
فقبلت الصورة وهى تتنهد شوقاً :
– يا ترى أنت فين دلوقتى يا حبيبى ، روحت فين يا عبد الرحمن وسبتنى
تساقطت عبراتها على الصورة ، فبدت كأن عينيه هى التى تبكى ، ففراق دام سنوات ، لم يحد من تلك العاطفة التى شعرت بها نحوه ، منذ أن رآته أول مرة بالجامعة ، فهو كان معيدها بالكلية ، وقع هو بغرامها منذ الوهلة الأولى ، واستطاع أن يجعلها تغرم به هى الأخرى ، على الرغم من تحفظها بالتعامل مع الآخرين
ولكنه هو لم يكن مثل أى أحد ، كان شاباً خلوقاً ، يعلم الجميع بحسن خلقه وسيرته الطيبة العطرة ، فعلى الرغم من إختلاف معتقدهما وديانتهما ، إلا أن ذلك لم يكن عائق أمام قلبيهما ، ولكن العائق الوحيد كان رفض أبيها له ، وكونه أراد لها أن تتزوج شاب من بنى جلدته
فبعد إسترسالها بذكرياتها وبكاءها ، أدركها النعاس ومازالت تحتضن الصورة بيدها واضعة إياها على صدرها قريباً من قلبها ، كمن تنتظر أن يأتيها بأحلامها ، وتخبره بعتابها له على أنه تركها وذهب دون أن يخبرها
ولج أدريانو الغرفة ليتأكد من خلودها للنوم ، فوجدها غارقة بسبات عميق ، وتلك الصورة ساقطة بجانبها ، فأخذها ونظر لصاحب الصورة ، فنفرت دماءه بداخل أوردته ، وقبض على الصورة وأعتصرها بين أصابعه ، فهل هى مازالت تفكر به ؟ فماذا يفعل حتى يجعلها تقلع عن هذا الحب ؟ الذى رآه كلعنة أستوطنت بداخل قلبها وعقلها ولن تتركها طوال حياتها ، ولكن لا فهو لن يسمح لها بالإستمرار فى التفكير بهذا الحب المستحيل
_______________
أراد الإحتفال بإلقاء القبض على راسل بطريقته الخاصة ،فعلى الرغم من الجفاء الذى لقاه من بيرى ، أثناء محادثته لها عبر الهاتف ، إلا أن ذلك لم يمنعه من أخذ تلك الفتاة المدعوة ليالى إلى الشقة التى كان مستأجراً إياها منذ عودته للإسكندرية ، وقبل ذهابه للإقامة عند شقيقه نصر
تطلعت ليالى حولها وهى تزم شفتيها قليلاً ، فالشقة لم تكن فارهة كمنزل نصر ، على الرغم من أنها تقع بأحد الأحياء السكنية الراقية ، تجولت بالشقة وهى واضعة يديها بخصرها ، تنظر لكل غرفة بتقييم
فبعد خروجها من غرفة النوم ، نظرت إليه قائلة وهى تتشدق بعلكتها كالعادة :
– مش كنا فضلنا فى البيت عند نصر بيه أحسن ، على الأقل البيت هناك واسع كده وحلو ويرد الروح
قال نادر بسخرية وهو رافعاً حاجبه الأيسر :
– دا على أساس أنك تربية قصور يعنى يا ليالى مش جاية من الملجأ يعنى
رفعت ليالى شفتها العليا وهى تقول بتبرم :
– يعنى هو كل شوية تفكرنى أن أنا جاية من الملجأ ما خلاص مش سيرة وقصة هى يعنى يا نادر
رآى أنها تجاوزت حدودها المسموح لها بها فى التعامل معه ، فأقترب منها قابضاً على مؤخرة عنقها ، فهز رأسها بقوة وهو يقول بتحذير :
– أحترمى نفسك يا ليالى أحسن مش هيحصلك طيب وإيه نادر دى إسمى نادر بيه أو دكتور نادر فاهمة
قسوة أصابعه على عنقها ، جعلتها تبادر بإظهار طاعتها وولاءها له ، فردت قائلة بطاعة :
– حاضر حاضر يا نادر بيه فاهمة
تركها بعد أن ضرب رأسها بخفة ، فأمتعضت من فعلته ، إلا أنها لم تفه بكلمة ، بل تبسمت له بسماجة ، وهى تود لو تقبض على عنقه ، رآته يذهب للمطبخ وسرعان ماعاد حاملاً معه كأسين من المشروب الذهبى ” الشامبانيا ”
فناولها كأساً وهو يقول بآمر :
– خدى إشربى ده أكيد عمرك ما شربتى الشامبانيا
أخدت منه الكأس وتجرعته دفعة واحدة وهى تضحك بميوعة :
– أنا وحياتك شربت كل اللى يخطر على بالك سواء رخيص ولا غالى يلا ما علينا هنخلص فى ليلتنا دى ولا هنقضيها شامبانيا وكده
قالت عبارتها وهى تحرك شفتيها يميناً ويساراً بإستهزاء ، فجن جنونه لقولها ولفعلتها ، فجرها معه إلى إحدى الغرف ، فنسى من تكون هى ، ولم يرى سوى وجه حياء ، فتبسم بإنتشاء مغمغماً :
– حياء
زوت ليالى ما بين حاجبيها بعد سماعه يتفوه بذلك الإسم ، فدفعته عنها وهى تقول بتساؤل :
– من حياء دى كمان اللى أنت بتفكر فيها
زفر من فمه بسخط على ما قاله ، فلما مازال يفكر بها ؟ فرد قائلاً بضيق :
– دى كانت خطيبتى واللى بقت مرات الدكتور اللى رميتى بلاكى عليه
أعتدلت ليالى وأستندت على الوسائد وهى تقول بدهشة :
– مرات دكتور راسل
صمتت لبرهة فما لبثت أن عادت مكملة لحديثها بهمس ظناً منها أنه لن يسمعها :
– يا بختها دى متجوزة راجل ولا كل الرجالة ، دا أنا لم روحت أرمى بلايا عليه كنت قربت أحبه ، بس إيده طرشة كان هيموتنى فيها
تحسست وجهها بيديها وهى تبتسم ، فأنتفضت آثر تلك الصفعة التى جاءتها على حين غفلة منها ، فهدر بها نادر بصوت عالى :
– كان عاجبك أوى يا ليالى أهو خلاص راح فى شربة ماية ومستقبله وحياته هيدمروا ، هو فى إيه زيادة يخليكم تقولوا عليه كده ها فيه إاااايه
غاصت ليالى برأسها فى الوسائد خلفها ، لتتجنب صوت صراخه بوجهها ، فهو منحنياً إليها ، كأنه على وشك خنقها أو قتلها على ما تفوهت به
فحاولت أن تنجو بنفسها من جنونه الطارئ :
– إهدا يا نادر بيه أنا مش قصدى حاجة ، دا أنت حتى راجل وسيد الرجالة ، دى خطيبتك دى هى الخسرانة أنها سابتك ، إزاى تسيب واحد قمر زيك كده
ر
فعت يديها وأحاطت وجه بينهما ، تحاول إصلاح خطأها بالتفوه بتلك الكلمات ، التى طار صوابه على إثرها ، ظنت أن العناق كافياً لصرف غضبه ، إلا أنه دفعها عنه بجفاء وشئ من القسوة
فترك الفراش قائلاً بأمر :
– يلا قومى غورى من هنا ومش عايز أشوف وشك لا هنا ولا فى بيت نصر
أقترب من خزانة خشبية وفتح أحد أدراجها ، وأخذ حفنات من النقود ، وألقاها إليها مستطرداً:
– دول باقى حسابك على اللى عملتيه وعايزك لو طلبوكى فى النيابة علشان موضوع الفيديو ، تبقى تروحى وتقولى على اللى عمله دكتور راسل فيكى وتحاولى تورطيه أكتر ، ولو عرفت أنك لعبتى بديلك كده ولا كده أنتى عارفة نصر يعرف يجيبك إزاى ماشى يا حلوة
لملمت ليالى النقود ، وبعد أن أنتهت من إرتداء ثيابها ، خرجت من الشقة وهى تسبه وتلعنه بصوت خافت ، حريصة على ألا تصل شتائمها لأذنيه
فبعد رحيلها ، خرج نادر لشرفة الغرفة وأنحنى يستند بمرفقيه على السور العريض ، غرز أصابعه بين طيات شعره ، وأغمض عينيه مستمتعاً بهدوء الليل وبنسمات الهواء الرقيقة ، فلا ينقصه شئ الآن سوى وجودها معه وبين ذراعيه ، فكم أشتاق لإحمرار وجنتيها ، ولمعة عينيها البندقيتين ، وخفوت صوتها أثناء حديثها ، فهو مازال متذكراً كيف كانت تنادى بإسمه ، وتنظر إليه كأنه فارس أحلامها
ولكن بتذكره أنها أصبحت زوجة راسل ، أغتمت ملامحه ، وأنقبضت أساريره ، فيده التى كانت تمسد برفق على رأسه ، راح يشد بها على خصيلاته بضيق ، فراسل أقتنصها منه ، وجعلها ملكه هو ، آسرها وجعلها مفتونة به ، ولكنه تبسم بتشفى فراسل سيتم إيداعه بالسجن ، مثلما دبر هو وخطط لذلك ، فيكفى فقط تلك الفضيحة ، التى ستضج بها الصحف ووسائل الإعلام المختلفة من إلقاء القبض على طبيب إشتهر بالبدء بأنه أعتدى بالضرب على فتاة ، وتهديده الصريح بالقتل لسعيد ، فهو نصب له الفخ بعناية ، وسيعمل على أن يجرده من كل ما يملكه
______________
صباحاً بقسم الشرطة ، كان جميعهم واقفون أمام غرفة الضابط ، فرياض بعد أن تلقى تلك المكالمة الهاتفية من حياء ، وأخبرته بشأن إلقاء القبض على راسل بتهمة القتل ، أخبر عاصم بضرورة حضور محاميه الخاص ، ولم يكتفى بذلك بل جاء معه فريق من المحامين العاملين تحت توجيهه وإشرافه ، فزرع الممر ذهاباً وإياباً حتى يعلن العسكرى عن سماح الضابط لهم بالدخول
نظر لزوجة ولده المنكمشة بأحضان وفاء وهى تبكى وتنوح بصوت منخفض ، فهو لم يكن مخطئ بشأن تفكيره ، بأن بعد إتحاد العائلتان ، ستتوالى المفاجأت التى تنذر بكشف ذلك العدو المجهول ، ولكن لم يضع بباله أن يكون نجله هو أول من سيعانى من تلك الأحداث الغير سارة على الإطلاق
فخرج العسكرى وهو يصيح برسمية :
– حضرة الضابط عايز إتنين بس اللى يدخلوا المحامى وواحد معاه
تقدم رياض وهو يشير لمحاميه :
– تعال إحنا اللى هندخل الأول
لم يشأ أحد الإعتراض على قول رياض ، فربما هذا الحل الصائب ، فبإمكان وجوده أن يعزز من موقف راسل كونه والده ، والجميع يعلم من يكون هو رياض النعمانى
فولج رياض يتبعه المحامى ، وجد راسل يقف بالقرب من المكتب الخشبى ، فتجاهل وجود الضابط وأقترب منه قائلاً بلهفة :
– راسل أنت كويس فى حد عملك حاجة
حرك راسل رأسه نافياً ، فأكتفى بذلك دون أن يفه بكلمة ، فنظر رياض للضابط ، وأقترب منه مصافحاً وهو يقول بهدوء:
– أنا رياض النعمانى أبو الدكتور راسل النعمانى
صافحه الضابط قائلاً بمودة :
– أشهر من النار على العلم يا باشا أتفضل أرتاح
جلس رياض على المقعد أمام المكتب ، فقدميه لن تسعفه بالوقوف أكثر من هذا ، فمنذ سماعه بما حدث لولده ، شعر بإرتخاء ساقيه من خوفه أن يخسر ولده الثانى ، خاصة بعد أن أنقذه بمعجزة وأعاده للإسكندرية ، بعد أن كان محتجزاً بأحد السجون بإيطاليا
نظر رياض للضابط متسائلاً:
– أنا والمحامى عايزين نعرف إيه اللى حصل بالظبط وليه قابضين على إبنى ومتهمينه بتهمة زى دى
رد الضابط قائلاً بهدوء :
– إحنا جالنا إتصال بأنهم لقوا جثة الممرض اللى إسمه سعيد فى مخزن الأدوية بمستشفى الرحمة ، فلما روحنا وعملنا معينة للمكان لقينا سعيد مقتول أو بمعنى أصح مدبوح بمشرط طبى عليه بصمات دكتور راسل ، وفى عاملين فى المستشفى قالوا أن حصل خناقة بين سعيد ودكتور راسل وهدده فيها بالقتل
تقدم المحامى من مكتب الضابط قائلاً بمهنية:
– بس تهديد القتل مش دليل كافى على أن دكتور راسل هو اللى قتله وبالنسبة للمشرط فهو جراح فطبيعى ممكن تكون بصماته موجودة على أدواته الطبية ، وأن الفاعل الحقيقى إستخدم المشرط فى قتل سعيد علشان يورطه هو فى الجريمة ، وأكيد يعنى فى كاميرات مراقبة فى المستشفى ممكن نتأكد من التسجيلات
قال الضابط بعد أن زفر أنفاسه بخفوت :
–راجعنا كل التسجيلات ملقيناش حاجة وكمان الكاميرات كلها أتفصلت وقت وقوع الجريمة دا غير أن لقينا كمان الصورة دى جمب الجثة
رفع الضابط تلك الصورة الصغيرة ، التى تضم راسل وحياء وسجود ، فتلك الصورة كان محتفظاً بها داخل جزدانه ، فكيف وصلت لمكان وقوع الجريمة ؟
أخذ راسل الصورة من يد الضابط قائلاً بدهشةٍ :
– الصورة دى إزاى وصلت لمخزن الأدوية ، دى موجودة على طول فى محفظتى
– ممكن تكون محفظتك وقعتك أثناء مقاومة سعيد ليك وبعد ما قتلته وأخدت المحفظة مشوفتش الصورة
قال الضابط بإتهام صريح ، فرفع راسل بصره عن الصورة ، وحملق به بذهول ، فهو رسم له السيناريو الذي وضعه كتصور لجريمة القتل ، ولكن هو لم يكن أحد ممثلى هذا المشهد الدموى
فرد قائلاً بإستنكار :
– مقاومة إيه ومحفظة إيه اللى وقعت منى قولتلك أنا لا قتلته ولا حتى شوفته من بعد ما طردته من المستشفى ، إنت ليه مصر على أن أنا القاتل
رفع الضابط سبابته يشير له بإنفعال قوى:
– لأن كل الأدلة ضدك وبتأكد أنك أنت اللى عملت فيه كده ومش علشان أنت دكتور مشهور ووالدك راجل معروف فى البلد يبقى تفتكر أن القانون مش هياخد مجراه وتتعاقب على اللى عملته
أراد المحامى تهدئة الأوضاع ، فأقترب من راسل ، وسحب ذراعه ليجعله ينتبه لما يقوله :
– أنا عايزك تحكيلى بالظبط على اللى حصل فى اليوم ده قبل ما يتم عرضك على النيابة والموضوع يتعقد أكتر
أغلق راسل عينيه مغمغماً بإرهاق :
– عايزنى أبدأ من فين أنا تقريباً مبقتش شايف قدامى من الصداع
قال المحامى باهتمام بالغ:
– عايزك تحكيلى من ساعة ما وصلت المستشفى وعلى اللى حصل لحد ما رجعت بيتك تانى وأتقبض عليك
جلس راسل بجوار المحامى على أريكة جلدية موضوعة بأحد أركان الغرفة ، فقص عليه كل ما حدث بيومه ، من وصوله للمشفى ، لرؤيته لمقطع الفيديو ، لسماعه بهمس سعيد الساخر الذى نال منه ، وتلك المشاجرة بينهما ، وقيامه بفصله من العمل بالمشفى وتهديده له بالقتل نتيجة إهتياجه من عدم تهذيب سعيد فى حديثه معه ، ومجئ وفد وزارة الصحة ، وإنهاءه لعمله وعودته لمنزله وهو يشعر بالضيق والسخط على تلك الأحداث المؤسفة ، حتى ختم حديثه بمجئ الضابط وأخباره بشأن تلك الجريمة ، التى يظن أنه هو مرتكبها
ترك المحامى مكانه وأقترب من رياض هامساً بأذنه ، فنهض رياض من مكانه ونظر لراسل بحنان ومد يده يشد على كتفه ليطمئنه :
– عايزك تطمن إن شاء الله هتخرج من هنا مش هسيبك يا راسل
– أنا عايز أشوف حياء
قال راسل فجأة ، فأماء رياض برأسه موافقاً على مطلبه
فقال محدثاً الضابط ، للسماح بدخول زوجة ولده :
– ممكن يا حضرة الظابط يشوف مراته ، هى موجودة برا
أماء الضابط برأسه قائلاً بتفهم :
– تمام يا رياض باشا مفيش مشكلة بس ياريت بسرعة علشان المفروض أنه يتعرض على وكيل النيابة علشان التحقيق
خرج رياض والمحامى من غرفة الضابط ، فنادى حياء ، التى ما أن سمعته يناديها ، حتى هبت واقفة تقترب منه بلهفة لمعرفة ما آلت إليه أمور زوجها
فربت رياض على كتفها مواسياً :
– هو عايز يشوفك يا حياء أدخلى شوفيه
ما كادت تبتعد حياء عنه ، حتى لمح عاصم إرتجاف جسد عمه فأسرع بإسناده حتى لا يراه يسقط أرضاً ، فأخذه من ذراعه ، فساعده المحامى بجلب مقعد خشبى ليجلس عليه
فأنحنى إليه عاصم قائلاً باهتمام:
– عمى مينفعش كده أنت لازم تروح البيت وأنا هتابع الموضوع مع المحامى وهبلغك أول بأول بس روح أرتاح
أستند رياض بكلتا يديه على رأس عصاه ، وحرك رأسه قائلاً برفض :
– لاء يا عاصم مش هروح وأسيب إبنى ومتقلقش أنا كويس
حاول عاصم مراراً أن يثنيه عن قراره بالبقاء ، إلا أن رياض ظل على تصميمه الكامل بأنه لن يبرح قسم الشرطة ، قبل أن يعلم إلى أى حال سيؤول أمر راسل
ولجت حياء غرفة الضابط ، وهى تعمل على تجفيف وجهها بالمحرمة الورقية ، تبحث بعيناها عنه ، حتى رأته جالساً واضعاً رأسه بين يديه ويحنى أكتافه العريضة للأمام
ولكنه أعتدل فى جلسته بعد سماع صوت إقتراب خطواتها ، فرفع رأسه ونظر لها ملياً ، فخرج الضابط من الغرفة ، ليتيح له المجال بالتحدث مع زوجته بحرية ، فبسماعهما صوت إغلاق الباب ، كانت حياء بين ذراعيه تبكى بصوت مسموع ، يحاول هو جعلها أن تكف عن البكاء ، فربما إستمع إليها كل من كان خارج الغرفة
فأبعدها قليلاً عنه ، وأحتضن وجهها بين كفيه قائلاً بحنان :
– بس يا حبيبتى بطلى عياط يا حياء وإهدى
حركت حياء رأسها يميناً ويساراً ، وهى لا تصدق ما حدث ، فهى لم تغفو منذ البارحة ، فكيف يواتيها النوم وهو لم يكن بجانبها ، بل الأدهى والأمر ، أنه هنا بين جدران قسم الشرطة
خرج صوتها متحشرجاً من تدفق عبراتها وتلك الغصة التى علقت بحلقها وهى تقول :
– عايزنى أهدى إزاى وأنت متوجهلك تهمة زى دى يا حبيبى قولهم يا راسل أنك مش انت اللى أرتكبت جريمة القتل دى مستحيل أنت تعمل حاجة زى كده مستحيل
عادت تبكى على صدره ثانية ، وكلما تتذكر أن بين فينة وأخرى سيعود الضابط وتحرم من وجودها بقربه ، تحيطه بذراعيها أكثر ، فأستند بذقنه على رأسها وذراعاه حولها ، لعلها تهدأ ، فهى لا تعلم ما يشعر به الآن ، ليس حزناً على ما أصابه ولكن لبكاءها هى بالأخص
فغمغم وهو يقبل رأسها :
– عايزك تاخدى بالك من نفسك ومن ماما وسجود يا حياء ويلا علشان تروحى البيت
بسماع قوله وكأنه يوصيها بأحباءه ، أبتعدت عن صدره ووضعت يديها حول وجهه وهى تقول بإصرار :
– أنا مش همشى من هنا إلا وأنت معايا حتى لو قعدت عمرى كله هنا يا راسل
تبسم بقلة حيلة ، فأطلق نهدة عميقة مغمغماً :
– هتعملى إيه بس يا حبيبتى ، المحامى موجود وأنتى هتتعبى من القاعدة هنا وأنا مش عارف إيه اللى ممكن يحصل فعايزك تروحى علشان سجود يا حياء
همت بفتح فمها لتبدى إعتراضها ، فأنفتح الباب وولج الضابط معلناً إنتهاء الوقت المسموح لها به لرؤيته ، فصدح صوته بحزم :
– خلاص كده ويلا علشان العرض على النيابة
ولج العسكرى ووضع الأصفاد بيد راسل ثانية ، فقبض على مرفقه وأخذه معه وخرج من الغرفة ، فبعد أن وقع بصر وفاء عليه ، أقتربت منه تحتضنه باكية ، فأحنى رأسه على كتفها وأخفى وجهه عن رؤية المحيطين به
فربتت على ظهره عدة مرات :
– إن شاء الله يا حبيبى هترجعلنا بالسلامة
رد راسل بخفوت :
– إن شاء الله يا ماما أدعيلى
أراد العسكرى إتمام تلك المهمة المكلف بها ، والتى ستساهم تلك العواطف بتأخيره عن تأديتها ، فجذب راسل بشئ من الحزم والجفاء ، وأخذه مبتعداً
رفعت حياء يديها ووضعتهما على صدرها ، تتحسس أنامل يدها اليمنى ، ذاك الخاتم الماسى الموضوع ببنصر يدها اليسرى ، تتأمل ذهاب راسل من أمامهم ، ودموعها تنسكب على وجنتيها كمجرى نهرين فاضت ماءهما ، فظلت تحرك الخاتم بإصبعها ، ولم تنتبه لما تفعل ، حتى رن صوت إصطدامه بالأرضية الرخامية ، بعد أن سقط من إصبعها ، فأحنت رأسها بفزع ، بعد إدراكها لما فعلت ، فأنحنت وأخذته بين سبابتها وإبهامها ، وهى تمعن النظر بتجويفه ، الذى رأت به زوجها قبل إختفاءه من ذلك الرواق الطويل ، الواقفة هى بآخره
_______________
صارت أكثر هدوءاً وتقبلاً لوضعها الحالى ، فتلك الراحة النفسية ، التى زارتها بعد تخبطها بحياتها وأفكارها ، كان لها أثرها الواضح على أفعالها وأقوالها ، فها هى تجلس الآن بغرفتها وتضع شقيقها الصغير على ساقيها ، تهدهده وهى ممسكة بيديه الصغيرتين ، لتجعله يصفق معها على نغمات موسيقى الأطفال ، التى يستمعان إليها ، حتى يحين موعد عودة زوجة أبيها بعد إنتهاء الفحص الطبي لشقيقها الأخر ، الذى أصيب بوعكة صحية بالأمس
سمعت رنين جرس الباب ، فوضعت شقيقها على الفراش وخرجت لترى من القادم ، ففتحت الباب بعد علمها بأن من تطرق الباب صديقتها المقربة
فتحت سهى الباب وتبسمت لها :
– أهلا يا أختى بقالى نص ساعة مكلماكى علشان تيجى تقعدى معايا ، أتأخرتى ليه كده
قالت صديقتها متفكهة :
– المواصلات أخرتنى كانت زحمة أوى يا سهى
جذبتها سهى من حجابها بغيظ :
– مش وقت إستظرافك أدخلى علشان تلعبى مع أخويا على ما أحضر الأكل ، عايز حد يلعب معاه يا إما يعيط
وضعت صديقتها يديها بخصرها وهى تقول بصياح :
– يا حلاوتك جيبانى أقعد بأخوكى وأنا اللى قولت أنك عزمانى على الغداء لاء مش لاعبة أنا هروح
قبل أن تصل للباب ، جذبتها سهى من تلابيب ثيابها وهى تقول مزمجرة :
– تعالى هنا راحة فين يلا خشى على أوضتى شيلى أخويا وألعبى معاه قولتلك فاهمة
– أوامرك يا معلم
قالتها صديقتها بطاعة وإستكانة ، فسرعان ما ضحكت بصوت عالى ، تشاركها سهى الضحك
فذهبت سهى للمطبخ وبدأت بطهو طعام الغداء ، فى حين أن صديقتها تحمل شقيقها وتقف خلفها تتحدثان سوياً
فقالت صديقتها بعفوية :
– سهى مش عرفت أن مستر كرم أتنقل من المدرسة وهيسافر الصعيد هيشتغل هناك
سقطت الملعقة من يد سهى بعد سماعها ما تفوهت به صديقتها ، فأستدارت إليها متسائلة :
– وأنتى عرفتى منين الكلام ده وإشمعنا يعنى الصعيد اللى هيروح يشتغل فيه
كأنها أدركت خطأها بوقت متأخر ، فردت قائلة بغمغمة :
– أنتى ناسية أن عمتو شغالة فى المدرسة وهى اللى قالتلى لما كنت عندها وبتكلم عادى عن المدرسين فقالتلى أنه عمل طلب نقل من المدرسة لمدرسة فى الصعيد ، وهيبدأ يدرس هناك من بداية السنة الدراسية الجديدة
أصيبت بدوار فجأة ، فأغلقت الموقد وخرجت للصالة ، فجلست على مقعد واضعة رأسها بين يديها ، فبتلك الآونة كان الصغير قد غفى بين ذراعى صديقتها ، فوضعته بفراش سهى ، وعادت تجلس بجانبها فضمتها إليها مربتة عليها بحنان
– لازم تنسيه بقى يا سهى وركزى فى دراستك أحسن
قالت صديقتها برجاء ، لعلها تستمع إليها وتترك تلك الأوهام جانباً
فرفعت سهى رأسها ونظرت إليها بتمعن ، كأنها لا تجد ما تقوله ، فهى باتت تعلم أن من المحال أن تلتقى طرقهما سوياً
أجابتها سهى وهى تزفر بتيه :
– مش عارفة أعمل إيه كل ما أقول ما أفكرش فيه ألاقينى بفكر فيه
تبسمت لها صديقتها بتشجيع :
– صدقينى هييجى الوقت وهتنسيه يا سهى وأنا قولتلك ده حب مراهقة ، بياخد وقته وبينتهى ، وهتلاقى الشاب اللى يناسبك وساعتها هتعرفى أن كل اللى بتفكرى فيه ده هبل وقومى بقى خلصيلنا الأكل هموت من الجوع
إبتسمت سهى رغماً عنها على قول صديقتها ، فربما هى محقة بكل كلمة تفوهت بها ، فهى بتلك المرحلة العمرية ، يجب عليها أن تضع تركيزها وإهتمامها بأمور أكثر جدية وفائدة كإتمام دراستها الثانوية والحصول على الدرجات التى ستمكنها من الدراسة بتلك الكلية ، التى تتمنى أن تنهى دراستها الجامعية بها
فعادت للمطبخ ثانية لإستكمال طهو الطعام ، وهى تحاول ترك تفكيرها بكرم جانباً ، فظلت تثرثر بمرح مع صديقتها ، حتى عادت زوجة أبيها وشقيقها ، وبعد تناولهم الطعام ، ولجت سهى غرفتها هى وصديقتها لتتحدثان بحرية
فضمت سهى ساقيها بذراعيها ، وأستندت بفكها عليهما وهى تنظر لصديقتها متسائلة :
– بس تفتكرى إيه السبب اللى يخلى مستر كرم يعمل كده وهو لسه متجوز قريب وتفتكرى مراته دى هتروح تعيش معاه فى الصعيد
حركت صديقتها كتفيها قائلة بجهل :
– وأنا إيش عرفنى ، ثم مش أنتى ناوية تشيلى الموضوع من دماغك ليه بتفكرى تانى فيه
أجابتها سهى بوجوم :
– يعنى هو انا خلاص قولت مش هفكر فيه يبقى هدوس على زرار هيمسحه من دماغى خالص ، مش أنتى اللى بتقولى كل حاجة بتاخد وقتها ، فأكيد محتاجة وقت علشان أقدر أنسى ، وطالما هو خلاص هيبعد ، يبقى أكيد هييجى الوقت اللى أنساه فيه
فالوقت كفيل بأن يجعلها تنسى أمر كرم ، ولكن لكل شئ وقته ، فهى ليست بحاجة إلا لوقت كاف حتى تبرأ من هذا الهاجس ، وربما سيساعدها بذلك قلة خبرتها بالأمور العاطفية ، فبالأخير هى مازالت بطور النضوج الجسدى والعاطفى ، فالتقلبات المزاجية والنفسية ، ماهى إلا شئ طبيعى بتلك المرحلة التى تمر بها ، من تخطيها مرحلة الطفولة ، وبدأها بمرحلة أكثر نضوجاً وهى مرحلة الشباب
فأرادت إغلاق باب الحديث بهذا الأمر ، بأن أقترحت على صديقتها الخروج للتنزه قليلاً على شاطئ البحر ، فبعد أن تأهبت للخروج برفقة صديقتها ، لم تنسى الإقتراب من زوجة أبيها تقبلها على وجنتها ، لتمنحها الإذن بالخروج ، فتبسمت لها وأماءت برأسها دليلاً على موافقتها التامة لمطلبها
ولكن لكى تصلان للشاطئ ، كان لابد لهما عبور الطريق الفاصل بين البنايات السكنية وبين شاطئ البحر
فقبضت سهى على يد رفيقتها بما يشبه الخوف :
– إستنى نعدى براحة أصل أنا أساساً بخاف من العربيات وهى ماشية بسرعة كده بحس أنها هتخبطنى
شدت صديقتها على يدها بتشجيع :
– إهدى بس يا سهى ويلا بينا
إجتازتا عبور نصف الطريق بنجاح ، ولكن ما كادت أن تضع سهى قدميها أرضاً بعد تركها الرصيف ، حتى صرخت برعب وتلك السيارة تأتى مسرعة صوبها
أغمضت عينيها لكى لا ترى ما سيحدث لها ، ولكن فتحت عيناها ببطئ ، ووجدت كل شئ على حاله ، فتحسست وجهها وجسدها بإبتسامة متمتمة :
– الحمد لله أنا سليمة محصلش حاجة
ولكن قبل أن تكتمل سعادتها بنجاتها ، حتى وجدت سائق تلك السيارة يترجل منها صارخاً بها :
– أنتى عمية إزاى تعدى طريق سريع كده
أرادت صديقتها سحب مرفقها لكى تغادران قبل أن تتشاجر سهى مع ذاك الشاب ، ولكنها أبت أن تتحرك من مكانها ، خاصة بعد أن زادت وقاحته حد شتمها وهو يقول ببرود:
– واحدة متخلفة بجد مش عارف إيه الأشكال دى
– هى مين اللى متخلفة يا متخلف يا قليل الأدب يالى أهلك معرفوش يربوك يا زبالة يا حثالة
نطقت سهى بكل ما لديها من شتائم دفعة واحدة ، فهى لم تكن لتصمت على إهانته لها ، بدون أن تحاول النيل منه هى أيضاً
أكفهر وجه عمرو من حديثها ، فهو ليس بمزاج يمكنه من الإستماع لما تقوله ، فهو يريد الذهاب للمشفى لرؤية والده ، وليس أن يقف هنا يستمع لشتائم تلك الفتاة ، فرفع شفته العليا قائلاً بإشمئزاز :
– أنتى طلعتى بيئة بجد إيه القرف ده
ربما اليوم هو يوم حظه السيئ ، فهى لم تكتفى بقولها ، بل أنحنت وألتقطت حجراً وجدته قريباً منها ، فألقته على زجاج السيارة فتهشم ، وأخذت يد صديقتها وولت هاربة من المكان
نظر عمرو لزجاج السيارة وهو فاغر فاه ، فبعد أن حول بصره عن سيارته ، نظر حوله لم يجد لها آثراً ، كمن أنشقت الأرض وأبتلعتها بجوفها ، فهى أصابت الجزء الأهم من الزجاج ، الذى يمكنه من رؤية الطريق أمامه أثناء قيادته للسيارة ، فكيف سيقودها هو الآن ؟ فعاد وأستقل السيارة ثانية وهو يسبها ويلعنها على ما فعلت ، فلو أتيحت له الفرصة لرؤيتها ثانية ، سيحرص على أن يكسر عنقها لما فعلته
_______________
رآى رياض أنه من الأفضل بهذا الوقت ، أن تأتى حياء ووفاء وسجود للإقامة بقصر النعمانى ، ريثما يعود راسل للمنزل ، فبعدما وضع الجميع آمالهم على أنهم لن يخرجوا من قسم الشرطة إلا برفقته ، جاء قرار وكيل النيابة محطماً لأمانيهم ، إذا أمر بحبس راسل أربعة ايام على ذمة التحقيق ، بعد قضاءه ما يقرب من الساعتين يعمل على إستجوابه والتحقيق معه بتلك الجريمة
فبعد علمها بما سيحدث لزوجها ، كأنها صارت بكماء فجأة ، لا تفه بكلمة ولا يصدر منها رد فعل على أى شئ يقال ، بل وفاء هى من تعمل على تحريكها وهى أخذة بيدها بين كفها ، وبيدها الأخرى تقبض على كف الصغيرة
فرفعت سجود رأسها لوفاء وهى تقول بتساؤل:
– آنا وفاء هو فين بابى مشفتوش ، عايزة بابى
بسماع حياء قول الصغيرة ، أنفجرت باكية ووضعت وجهها بين يديها ، فسمع صوت بكاءها كل من كان جالساً ، فالكل مجتمع الآن ، لمعرفة السبيل الأمثل لحل تلك المشكلة الواقع بها راسل
فربتت وفاء على ظهرها وهى تقول بحنان :
– إهدى يا حياء إن شاء الله خير وراسل هيخرج بالسلامة
– أه يا حياء راسل هيخرج ويرجعلنا بالسلامة مش كده يا جدو
قالت ميس عبارتها وهى تبكى أيضاً ، فساهمت تلك الظروف التى تمر بها من حزنها وبكاءها بعد علمها بما حدث لراسل ، أن تكون أكثر ليونة بالتعامل مع إحتواء زوجها لها بأوقات ضعفها ، كتلك اللحظة التى يجلس فيها بجانبها مربتاً عليها بحنان
زفر رياض بخفوت وإرهاق :
– كل واحد يروح على أوضته يرتاح شوية ، اليوم كله كان شد أعصاب ومحدش أرتاح
نادى رياض على الخادمة ، لتصطحب حياء ووفاء لغرفهما ، ففى البداية أبت حياء أن تصعد للغرفة ،ولكن أمام إلحاحهم ، حملت الصغيرة وصعدت بها للأعلى
فقبل أن يذهب عمران وميس لمنزلهما ، نظر لرياض مقترحاً:
– أنتوا متعرفوش حاجة عن البنت اللى كانت مع راسل فى الفيديو ، على ما أظن أن ممكن يكون حل اللغز ده بدايته من عند البنت اللى رمت بلاها عليه ، يعنى لو عرفنا نوصلها ممكن نعرف نحل موضوع قضية القتل
نظر له رياض وعاصم باهتمام ، فعاد عمران مكملاً لحديثه :
– أنا ممكن أعرف أخلى رجالتى يجيبوها من تحت الأرض ، بس دى مش عايزة تصرف بهمجية معاها لازم معاها سكة تانية وإلا ممكن تلبسنا مصيبة إن إحنا عملنا فيها حاجة علشان نخلى راسل يطلع من القضية ومن موضوع إعتداءه بالضرب عليها ، يعنى دى عايزة الواحد يجرجرها فى الكلام وتقر هى بنفسها بكل حاجة
حرك رياض رأسه بتفكير ، فما لبث أن قال بتساؤل :
– هتعمل معاها إيه يعنى يا عمران
– هصاحبها لحد ما تقع لوحدها
قال عمران بهدوء وبرود ، كأنه نسى فجأة أن زوجته جالسة بالمقعد المجاور ، فحملقت به بفم مفتوح ، وحدقتان متسعتان من عدم شعوره بالخجل وهو يخبرهم بما ينتوى فعله
فنظر عاصم لرياض ، كأنه بإنتظار أن يقول شيئاً ، ولكن صمته قد طال ، فشخص ببصره لعمران ، وأشار برأسه لميس مردفاً :
– أنت بتقول إيه دى مراتك قاعدة جمبك
نظر عمران لميس متبسماً بسخافة ، فربما حان الوقت ليذيقها قليلاً مما تفعله به :
– مراتى متفهمة الوضع وأكيد عايزة عمها يخرج من المصيبة دى أدونى بس يومين وأنا إن شاء الله أكون حليت الموضوع ودلوقتى تصبحوا على خير يلا يا ميس
أخذ عمران زوجته ، التى أجادت صنع عدم الإكتراث بما قاله أو ما ينوى فعله ، ولكن من داخلها شعرت بالسخط على تلك الثقة التى يتحدث بها من أنه قادراً على إغواء تلك الفتاة حسبما خطط للأمر
فحقاً لم يكد يمر يومان ، حتى إستطاع عمران الوصول لليالى ، التى أبتهجت بأنها صارت مرغوبة من شاب وسيم وثرى مثلما تم التعارف بينهما بأحد المقاهى ،التى ترتادها هى بالعادة ، فيكفى فقط رؤيتها لتلك السيارة الفارهة التى يقودها
فمدت يدها ومررتها على ذراعه وهو يقود السيارة قائلة بغنج :
– أنت العربية بتاعتك حلوة أوى وأنت أحلى ، معقولة كده أتعرفنا من يومين بس وقدرت تخلينى أحبك بالشكل ده
تبسم عمران قائلاً بدهاء :
– لاء ولسه هتشوفى الأحلى يا ليالى ، هتشوفى ليالى عمرك ما شوفتيها دا أنا ما صدقت لقيتك يا روحى
مالت برأسها على ذراعه ، تتابع الطريق وهى تسبح بمخيلتها بذلك الوقت الحالم الذى ستقضيه برفقته ، فهى لم تبدى إعتراضاً عندما أقترح عليها أن يصطحبها بجولة لرؤية الفنادق التى يمتلكها
فأمام أكثر تلك الفنادق رفاهية وترفاً ، كان عمران يصف سيارته ويحثها على الخروج وهو يقول باسماً:
– تعالى شوفى الفندق ده وقوليلى رأيك
ترجلت ليالى من السيارة وهى فاغرة فاها وصاحت بإعجاب :
– يا نهاااار إيه الفندق الحلو ده دا زى اللى بنشوفهم فى التليفزيون
مد عمران يده لها وغمز بإحدى عينيه:
– لاء ولسه من جوا هيعجبك أوى يا ليالى
وضعت يدها بيده وهى تشعر بحماس ليس له مثيل ، فتجولت بالفندق ، حتى وصلاً لتلك الغرفة الفارهة ، فولجت ليالى تنظر حولها بإنبهار ، فبعد أن شاهدت محتوى الغرفة ، ركضت إليه وتعلقت بعنقه
– الفندق يخبل ويجنن وخصوصاً الأوضة دى يا حبيبى
قالت ليالى وأبتعدت عنه قليلاً ، تنظر بعينيه تنتظر منه أن يبدأ الوصال بينهما ، فرفع يده وحاول لمس وجهها ، ولكنه عجز عن فعل ذلك ، كأن يديه رافضة لمس أنثى أخرى غير ماسته العنيدة ، ولكن قبل أن يساورها الشك حيال صمته وتصنمه المفاجئ ، أبتعد عنها ليجلب لها كوب من المشروبات المرطبة
فباغتته بفعلتها وطوقت خصره من الخلف ، واضعة رأسها على ظهره العريض
وكل هذا يتم على مسمع ومرآى من عاصم وغزل وميس الجالسين بغرفة فى حديقة الفندق يراقبون ما يحدث عبر شاشة كبيرة ، تم توصيلها بكاميرات ومسجلات صوتية تم وضعها بالغرفة المتواجد بها عمران وليالى
– أه يا قليل الأدب يا متوحش
غمغمت ميس بعبارتها بصوت هامس ، وعملت على إخفاء أناملها التى راحت تجذب طرف ثوبها بغيظ وقهر ، فأن ترى زوجها أمامها على تلك الشاشة وبرفقة فتاة أخرى ، لم يكن بالشئ الهين لها خاصة وهى تعلم مدى تمرسه بالغزل والوقاحة ، فهى لم تكن تعلم أن شعور الغيرة قاسٍ هكذا ، على الرغم من تصريحها الدائم له بأنها لا تبالى به وبما يفعل
– إيه قلة الأدب دى
صاحت بها ميس عندما رأت تلك الفتاة تهم بعناق زوجها بتبجح
فنظر لها الجالسين بصمت ، إلا أن عاصم لم يستطع كتم ضحكته الخافتة ، على إنفعال إبنة شقيقته
فحمحم قائلاً بهدوء خلاف تلك الضحكات التى يحاول السيطرة عليها ، كى لا تفلت من بين شفتيه:
– فى إيه يا ميس ما أنتى عارفة أن دى تمثلية ومحدش كان ينفع للمهمة دى غير عمران
علا صوتها بغيظ :
– أه ما هو علشان قليل الأدب خلتوه يقوم بالمهمة دى ناقص يرجعلى بيها وهم شايلين عيل ، نهاره أسووح لما يرجع
لم تنتظر رؤية شئ أخر ، فهمت بترك الغرفة ، وهى تتوعد له أشد الوعيد ، ولكن ما كادت تطأ الأرض بالخارج ، حتى سمعت صوت غزل تهمهم :
– عاصم إيه ده
عدلت عن رأيها بالخروج ، فعادت تقف بجانب خالها وأنحنت لترى ماذا يحدث ، فوضعت يدها على شفتيها وحملقت فى الشاشة بصدمة ، فخرج صوتها مكتوماً وهى تقول بتلعثم :
– إ ايه اللى بيحصل ده ، ععمران
______________
•تابع الفصل التالي "رواية لا يليق بك إلا العشق" اضغط على اسم الرواية