رواية لا يليق بك إلا العشق الفصل السادس و الثلاثون 36 - بقلم سماح نجيب
٣٦– "وشم الأفعى والعقرب "
كادت أحباله الصوتية تنقطع وهو يصرخ بها ، فأى قوة واتته الآن جعلته يريد تحطيم كل ما يحيط به ، فماذا سينتظر منها بعد أن اعلنتها صريحة بأنها لم تعد تريده ؟ فالدموع ألهبت جفونه تريد الفرار من سجنها ، تزامناً مع رعشة يديه القابضة على الجانب الخشبى للدرج ، طحن فكيه ببعضهما البعض كوسيلة للحفاظ على ما تبقى من كبرياءه كرجل ، يرى زوجته تريد أن يحل ذلك الميثاق الغليظ بينهما ألا وهو ميثاق الزواج
– خلاص خلصت كلامك وتهديدك يا راسل علشان أنا كده أتأخرت وعايزة أمشى مش فاضية
نطقت كلماتها ببرود ، فبعد أن رأته أنتهى من حديثه ، أولته ظهرها وهمت بالخروج ، لا يفصلهما سوى الدرج ، الذى فضل أن يكون هو بأعلاه حتى يعطيها الفرصة للهروب من بطشه بتلك اللحظة ، فهى نكأت جراحه كافة ولم تكتفى بذلك بل إستدعت معها كبرياءه الجريح ، الذى ظن أنه برأ من جراحه منذ زواجه بها
– طلعتى زيها يا حياء ، كلكم صنف واحد ، أنا اللى غبى علشان أفتكرتك غيرها وحبيتك
أصاب صوته الخفوت من تلك الغصة التى علقت بحلقه وهو يتحدث ، وما كان ذلك إلا دلالة على أن دموعه تلح عليه بإصرار ، فسوداوتيه غشيتها الدموع ، حتى صار لم يعد يراها بوضوح
فبدون أن تلتفت إليه ، ردت قائلة بتهكم :
– دى مشكلتك مش مشكلتى إنت اللى دايما تختار غلط وده عيبك وأظن كفاية لحد كده علشان منجرحش بعض أكتر من كده
بخروجها من باب المنزل ، هرول بخطواته على الدرج ، يريد اللحاق بها ، فمن المحال أن تكون تلك هى نهاية عشقهما ، أم هو من ظن أن العشق بينهما متبادلاً ؟
– حيااااااء لاااااااء متمشيش خليكى معايا
صرخ بإسمها منادياً، فمازال جزء من عقله رافضاً ما يحدث ، ولكن كأنها كانت على إستعداد تام لمغادرتها ، فتلك السيارة التى كانت تنظرها أمام الباب الخارجى من المنزل ، إستقلتها بعد أن أسرع سائقها بأخذ الحقيبة منها ، فوضعت نظارتها السوداء على عينيها وهى تقول بما يشبه الأمر:
– أطلع بسرعة
وقف بمنتصف الشارع وهو يلهث وصدره يعلو ويهبط بعد ركضه للحاق بالسيارة ، ولكن كل شئ أنتهى بلمح البصر ، فالسيارة لم يعد يراها ، ولكن سيارة أخرى وقفت قريباً منه وترجلت منها وفاء وسجود بعد أن جلبتها من روضتها
بخوف أقتربت وفاء منه وهى تراه بتلك الحالة ، فقبضت على ذراعه لينتبه عليها وهو تقول بتساؤل :
– راسل مالك واقف ليه كده زى ما تكون كنت بتجرى حصل إيه النهاردة وعملت إيه فى النقابة
رد راسل بصوت خالى من الحياة وعيناه عالقة بأخر مدى يمكن أن يصل إليه بصره :
– وقفونى عن مزاولة مهنتى واخدوا المستشفى وكمان البيت هيتباع بكرة وتقريباً مبقاش حيلتى حاجة
صمت لبرهة فعاد مستطرداً:
– وحياء سابتنى وطلبت منى الطلاق وقالتلى أنها مش عايزة تعيش معايا فى فقر وأنها مبتحبنيش
كممت وفاء فمها بيدها وهى لا تعى كم تلك الصدمات والأحداث التى يقصها عليها راسل ، فهى لم تكن على علم بكل هذا ، سوى أنه ذاهباً لنقابة الأطباء
فأبتلعت ما أمكنها من لعابها لترطب جوفها ، فما لبثت أن قالت بدهشةٍ:
– هو كل ده حصل وأنا معرفش حاجة وحياء كمان مشيت
شدت سجود طرف قميص أبيها بعد سماع إسم حياء ، فرفعت رأسها تنظر إليه ببراءة ووداعة :
– هى مامى مشيت فين يا بابى ، ليه مأخدتنيش معاها يا بابى
بدون كلمة كان حاملاً صغيرته وولج للمنزل مرة أخرى ، فأمر الخادمة التى مازالت تعمل بخدمتهم أن تقوم بلم أغراضهم بالحقائب ، فتلك الحالة من الصمت التى أصابته ، جعلت وفاء تصمت هى الاخرى لتعلم ماذا سيفعل بتلك الكارثة التي حلت عليهم ؟
– يلا بينا يا ماما نمشى
هتف بها راسل وهو يمد يده ويسحب وفاء من يدها ، فهى لم تكف عن البكاء واستطلاع كل ركن بالمنزل، بعد أن أخبرها بضرورة الرحيل، فلم يعد بإمكانهم المكوث هنا أكثر من ذلك ، فكيف تترك هى منزل زوجها الراحل ، الذى كان شاهداً على أيام لها معه ولن تعود ثانية
فكان خروجها من المنزل أشبه بمهمة مستحيلة ، ولكن إستطاع تنفيذها بالأخير ، فأخذ راسل وفاء والصغيرة بسيارته وانطلق بها إلى وجهة واحدة لا يعلم غيرها الآن ، فمن المؤكد أن من يسير ويفعل كل هذا لم يكن راسل بل شبح تجسد بصورته وهيئته ، أو إنسان آلى تم تصنيعه ليحمل ملامح وجهه وجسده ، ويتصرف بناءاً على أوامر يصدرها له العقل
فأمام ذلك القصر المنيف ، كان يعمل على إطلاق زمور السيارة ، الذى ساهم بإفزاع صغيرته التى كانت غافية بين ذراعى وفاء وهى تضعها على ساقيها
بخطوات سريعة كان حارس البوابة يقترب من السيارة ؛ ليستطلع من هو مالكها ، فبمجرد معرفته لهويته ، أسرع بفتح البوابة الكبيرة ، فأنطلق راسل بالسيارة حتى صار أمام الباب الداخلى للقصر
ترجل من السيارة وحث وفاء على الخروج منها ، ظن أنها ستتفاجئ بالمجئ لهنا ، ولكنه وجدها هادئة ولا تفه بكلمة ، فهى الأخرى لم تخبره بشأن إقامتهن القصيرة بالقصر
ولكن الصغيرة هى من أفتضحت الأمر عندما تركتهما وركضت تجاه حظيرة الخيول وهى تصيح :
– بابى تعال نركب الحصان وأوريك الحصان اللى ركبته المرة اللى فاتت
نظر راسل لوفاء وهو عاقداً حاجبيه ولكن بعينيه ألف سؤال ، وكيف أن سجود تعلم بوجود حظيرة للخيول وهى لم تطأ المكان بقدميها من قبل
فأشاحت وفاء بوجهها هرباً من عينيه ، فقبل أن تنطلق الكلمات من فمه ، كان أحد الحراس عائداً إليهما وهو يحمل سجود ، التى يبدو عليها أنها على معرفة تامة به
إبتسم الحارس لهما قائلاً بإحترام :
– أهلاً وسهلاً بيكم أتفضلوا الباشا الكبير جوا دا هيفرح بأن الأمورة الصغيرة رجعت القصر تانى
تكاثرت الظنون والأفكار برأسه ، ولكنه أرجئ كل هذا حتى يلج للداخل ويرى أبيه ، فأخذ صغيرته من الحارس قائلاً بهدوء :
– فى شنط فى العربية نزلوها ودخلوها جوا
أماء الحارس برأسه طواعية لأمر إبن سيده ، فأسرع بتنفيذ ما طلبه منه ، بينما دلف ثلاثتهم للداخل
فبالغرفة التى يتخذها رياض مجلساً له ويستطلع بها أعماله وخط سير العمل بالشركات الخاصة به ، كان يجلس برفقة أحد رجاله المقربين ، الذى يقوم بمهام عاصم ،لحين عودته من الخارج ، بعد سفره هو وغزل لقضاء عطلة بأحد الدول الأوروبية
وضع قدح القهوة من يده وهو يرى ولده يلج الغرفة يحمل إبنته وتتبعه وفاء ، لم يكن إندهاشه بمجيئه بهذا الوقت يفوق سعادته برؤية حفيدته وليس هذا وحسب بل هى وولده ، الذى لم يراه منذ ذلك اليوم ، الذى أقيم به الحفل الخاص بعاصم وغزل
– راسل
هتف رياض بإسم ولده وهو يهم بترك مقعده ، فبعد أن أخذ عصاه وأمر الرجل بالرحيل دون الإلتفات إليه ، أقترب من راسل بخطوات بطيئة قدر ما سمحت له عظامه الهرمة
وضع راسل سجود أرضاً وهو يقول بجمود :
– أنا هسيبلك بنتى وماما أمانة لحد ما أرجع
تشابك حاجبى رياض الأشيبين متسائلاً:
– ترجع منين ورايح فين وهو إيه اللى حصل بالظبط عايز أفهم
– هتفهم كل حاجة بعدين ، وزى ما قولتلك بنتى وماما أمانة عارف أنك هتحافظ عليها
أنتهى راسل من مطلبه وهو يدور على عقبيه إستعداداً للمغادرة
فهتف به رياض بصوت عالى نسبياً:
– أستنى فهمنى أنت رايح فين
توقف راسل عن الحركة فقال دون أن يلتفت لأبيه :
– قولتلك راجع تانى خلاص مبقاش ليا مكان تانى غير قصر النعمانى وكمان مش عايزك تبعت حد من رجالتك ورايا أنا مش صغير وهعرف أرجع لوحدى زى ما مشيت من هنا لوحدى
لم يزد حرف أخر ، إذا أسرع بالخروج من القصر ، فبكت وفاء بصوت مسموع ، فطلب منها رياض الجلوس ، ريثما تهدأ وتخبره بما حدث ، فأمر إحدى الخادمات بجلب كوب من الماء لها ، فهو يتحرق لمعرفة ما أصاب ولده فجأة ، جعله يعود لهنا وليس هذا فقط بل ترك صغيرته بعهدته وهو من كان يحرم عليه الإقتراب منها أو رؤيتها
أنهت وفاء كوب الماء كاملاً ونظرت للخادمة بإمتنان ، فبعد أن وجدت أنها بحالة جيدة نسبياً ، بدأت تقص عليه كل ماحدث بالأيام الماضية ، ولكن لم يكن يعنيه هو كل هذا ، سوى ذلك الجزء المتعلق بترك حياء لراسل ، فهو يعلم مدى عشق إبنه لها ، وهى الأخرى لم تكن بأقل منه شعوراً بتلك العاطفة بينهما ، فلما فعلت ذلك وخاصة الآن ؟ فهو يريد رؤيتها على وجه السرعة
أرسل بطلب أحد رجاله ، الذى هرول إليه ، منحنياً بطاعة ليستطيع رياض إخباره بما يريده منه ، فهمس بأذنه بأمر :
– شوفلى مدام حياء مرات إبنى فين وتجبهالى بسرعة وبأى طريقة مفهوم
فبعد أن أخبره بضرورة جلب زوجة ولده من أى مكان متواجدة به حالياً ، أنصرف الحارس بعد أن ترك وعده بإيجادها ، ففكر رياض أن ربما راسل ذاهباً إليها الآن ؟ ولكنه يعلم أيضاً مدى عصبية ولده ، ويخاف أن يحدث ما يخشاه من خروج راسل عن طوره ويتسبب بإيذاءها ، فإن كان يعشقها سيصبح مؤذياً لها بقدر عشقه لها ، خاصة بعدما أخبرته وفاء بأنها طلبت منه الطلاق ولم ينتهى الأمر إلى هذا الحد ، بل أنها أدت دور الزوجة المخادعة ، التى كانت تحيا معه من أجل ماله
– أتفضلى أنتى يا ست وفاء علشان ترتاحى
أشار بيده لإحدى الخادمات بأن تصطحبها لتلك الغرفة التى سكنتها من قبل ، أثناء إقامتها هنا
فعندما حاولت أخذ الصغيرة ، التى كانت راكعة على ركبتيها بجوار المنضدة وتعبث بيديها الصغيرتين بتمثال من الكريستال ، طلب منها رياض أن تتركها برفقته ، فبعد ذهاب وفاء أشار رياض لسجود بأن تقترب منه ، فوضعها على ساقيه وطوقها بذراعيه كأنها كنز ثمين تركه ولده قبل رحيله لتلك الوجهة التى لم يحددها له
_______________
قطفت هند إحدى الورود من الحديقة ، فأنغرست شوكة بإصبعها ، فنزف منه الدم على الفور ، ولكنها ظلت تنظر للدماء المنبثقة من باطن إصبعها بشعور خالى من الألم ، كأنها مراكز الاحساس لديها أصابها شعور بالبلادة ، كأن برحيله عنها صارت جسد لا حياة به ، سوى قلب ينبض وعينان لا تكف عن البكاء
لمحت قدوم والدتها إليها ، فعملت على مسح عينيها ، حتى لا ترى دموعها ، التى صارت تذرفها خلسة بدون أن يعلم والديها ، فهما لم يتحدثان معها بشأن عودتها للمنزل ثانية ، كأنهما كان على علم ودراية بالأمر قبل أن تعلم هى به
– بتعملى إيه يا هند كنت بدور عليكى علشان تاكلى
صدحت تلك العبارة من فم والدتها وهى تضع يدها على كتفها لتجعلها تلتفت إليها
فردت هند وهى مازالت مكانها دون محاولة منها بأن تواجه والدتها وجهها لوجه :
– مليش نفس يا ماما كلوا أنتوا بالهنا والشفا
ظنت أن والدتها ستنصرف بعد إعلانها لرفض تناول الطعام ، ولكن تلك اليد التى قبضت على مرفقها ، كانت حازمة وآمرة بالوقت نفسه بأن تستدير إليها
– قوليلى بقى مالك فى إيه ؟ إنتى زعلانة أن كرم سابك وسافر
قالت والدتها بتساؤل ،فنكست رأسها كراية كانت ترفرف وقتاً طويلاً بشموخ وكبرياء، حتى أصابتها الخيبة ، فلم يعد لها حل سوى أن تنكسها أرضاً دليلاً على هزيمتها
فتعالت شهقاتها وغص حلقها وهى تقول بصوت متحشرج :
– مكنتش أعرف أن أنا هحبه أوى كده يا ماما وأن قلبى هيتعذب ببعده عنى
فتحت لها والدتها ذراعيها تستقبل أنهيارها بينهما ، فعادت هند تكمل حديثها بلوعة :
– أنا بحبه يا ماما بحبه
ربتت والدتها على ظهرها مراراً و تكراراً ، لتجعلها تكف عن ذلك الإرتجاف الذى نتج عن إنخراطها المرير بالبكاء ، فحاولت مواساتها وهى تقول بحزن أيضاً لفراق إبن شقيقتها :
– معلش يا هند مش عارفة أقولك إيه بس كرم كان متفق على كده من الأول أن أنتوا هتتجوزوا مدة قصيرة وبعدين تنفصلوا متصورتش أنك ممكن تكونى حبتيه ، لو كنت أعرف كنت كلمته ومخلتهوش يسافر
أبتعدت هند عن والدتها ، فمسحت عينيها وهى تقول بإصرار مشوب بالتيه :
– لاء يا ماما حتى لو كنت بحبه أنا ميرضنيش أنه يفضل معايا مجبور وخصوصاً هو أتجرح منى كتير وياما قللت من قيمته وجرحت كرامته وكبرياءه كراجل ، واحد زيه ميستاهلش أنه يفضل عايش متحمل نتيجة غلط غيره ، أنا اللى غلطت ولازم أدفع تمن غلطتى غالى ، هو يستحق واحدة نضيفة متكونش أتلوثت ، أنا مستحقوش يا ماما مستحقوش
أرتعشت أطرافها وهى تصر على قولها بأنها لا تستحق أن تكون زوجة كرم ، فأخذتها والدتها من يدها وولجت للداخل ، حثتها على ضرورة الذهاب للمرحاض لتغسل وجهها من أثر الدموع التى مازالت آثارها واضحة على وجنتيها
جلست على مقعد من أحد مقاعد مائدة الطعام ، فحدقت بزوجها الذى تعجب من صمتها وتحديقها المستمر به ، فوضع الملعقة من يدها وسألها :
– مالك فى إيه بتبوصيلى ليه كده وفين هند
مسحت وجهها بكفيها وهى تغمغم بصوت منخفض :
– هند بتغسل وشها وجاية ، بنتك شكلها تعبانة أوى بسبب أن كرم سابها شكلها حبته بجد
أسند مرفقيه على طرف المائدة ، فضم كفيه وأستند بذقنه عليهما فرد قائلاً بتفكير :
– طب وهنعمل إيه فى الموضوع ده هو كتر خيره طلع راجل وقد كلمته ووفى بوعده ، تفتكرى أسافرله وأقنعه يرجع معايا
– لا يابابا اوعى تعمل كده
صاحت بها هند بعدما وصل لمسامعها قول أبيها ، فهى لا تريد عودة كرم إليها بغير إرادته
سحبت مقعد وجلست عليه فنظرت لوالدها تناشده برجاء :
– أرجوك يا بابا سيبه براحته مش عايزة حد منكم يضغط عليه بالكلام لو لسه ليا غلاوة عندكم نفذولى طلبى ده
وضع أبيها كف يده العريض فوق كفها الرقيق ، فشد عليه وهو يقول بهدوء :
– خلاص يا هند هنسيبه براحته بس أنتى كمان لازم تشوفى حالك وحاولى تغيرى حياتك اللى كانت السبب فى كل اللى أنتى فيه ده
فهى لم تكن ممتنة لشئ من قبل ، سوى تلك المحنة التى وضعت بها ، وجعلتها تعلم من هو حبها الحقيقى ، ولكن والدها محق بقوله من أنها لابد لها من تغيير نمط حياتها المترف والمخملى
قالت وهى تحاول أن تبتسم ،فلم تفلح سوى بإقتناص بسمة صغيرة رسمتها على شفتيها :
– فى دى عندك حق يا بابا لازم أغير حياتى وأحاول أبدأ من جديد أنا فكرت أشغل وقتى وأشتغل وأعمل حاجة مفيدة فى حياتى غير أن بس أقضى وقتى فى النوادى وأصرف فلوس على الشوبينج لازم أكون هند تانية غير اللى تعرفوها وغير اللى....
لم تكمل حديثها ، فهى كانت تريد القول بأنها لا تريد أن تكون هى بذاتها تلك الفتاة التى حصدت كراهية كرم لها ، ولم يحدث ذلك إلا بعد أن غرست هى بذورها بالبداية ، بإنسياقها خلف المظاهر الزائفة والكاذبة ، فكم تود هى لو يعود الزمن لوقت سابق ، لتصلح ما أخطأت به ، ولكن الوقت الذى يمر لا يعود ، فالفرصة السانحة لها الآن ، أن تكون أكثر وعياً وإدراكاً ، وأن تتفادى أخطاء الماضى ، فلتفعل شئ حسن بحياتها التى كانت حافلة بكل أمور التفاهة والرعونة والغرور
________________
الطرق المستمر على باب شقتها ، جعلها تجفل وهى تسرع بإرتداء حجابها ، لتفتح الباب وترى من يكون ذلك الطارق ، الذى كان على وشك كسر الباب الشبه متهالك ، فبعد تأكدها من وضع حجابها على رأسها ، أدارت المقبض وفتحت الباب ، فقبل أن يخرج صوتها دليلاً على إعتراضها لما يفعله الطارق ، كانت أغلقت فمها بعدما رأت راسل يقف على عتبة الباب ولكن هيئته لم تكن مطمئنة على الإطلاق
إلا أن ذلك لم يمنعها من القول وهى تشير بيدها للداخل وعيناها تنظر خلفه :
– أهلا وسهلا يا أبنى أتفضل
ولج راسل وعيناه تبحث عنها ، فبعد أن وقف بمنتصف الصالة الصغيرة ، إلتفت لصالحة متسائلاً بإصرار :
– هى فين حياء
تعجبت صالحة من سؤاله عن حياء ، فهى لم تعود من الأراضي المقدسة إلا البارحة ، وكانت تظن أنه جاء مصطحباً حياء لتراها ، فردت قائلة بغرابة :
– حياء ! هى مش فى بيتك يا ابنى دا أنا أفتكرت أنها جت معاك علشان تشوفنى
توجست صالحة خيفة من أن يكون حدث لها مكروه ، فأقتربت من راسل وشدت على ذراعه قائلة بقلق وتوتر :
– قولى يا ابنى فى إيه ؟وحياء راحت فين؟ وجاى تسأل عليها هنا ليه ؟ رد عليا
أجابها راسل وهو يلقى بجسده على أقرب مقعد إستطاع الوصول إليه :
– مش عارف هى راحت فين سبتنى ومشيت وطلبت منى الطلاق روحت لها دار الرعاية و الشقة ملقتهاش وروحت بيت عرفان الطيب وبرضه ملقتهاش قولت جايز تكون عندك ، أنا نفسى أعرف هى راحت فين و عملت ليه كده ليه ليييييييه
صراخه جعل صالحة ترتعد بخفة ، إذ كانت تمعن التفكير بقوله ، فلماذا ومتى وكيف حدث كل هذا ؟
فأرتعشت حروفها على شفتيها وهى تقول بخوف :
– هتكون راحت فين يعنى وطلبت منك الطلاق ليه أنا اللى أعرفه أنها بتحبك ومستحيل تعمل كده
إسند جبهته بكف يده ، فغمغم وهو ممزق الفؤاد :
– ولما هى بتحبنى عملت ليه كده وخصوصاً في الوقت ده أكتر وقت كنت محتاجلها فيه وبالرغم من كلامها اللى جرحنى جيت أدور عليها علشان أفهم منها ايه اللى خلاها تعمل كده وتوجع قلبى بالشكل ده
أخذتها الشفقة عليه وعلى ذلك الحزن ، الذى سكن حديثه وهو يذكر حياء ، فأقتربت منه مربتة على كتفه ، رفع هو وجهه لها يقول بما يشبه التوسل :
– أرجوكى لو تعرفى هى فين قوليلى وريحينى ، أنتى أكيد عارفة أنا بحبها قد إيه ومقدرش أعيش من غيرها
أنهمرت دموعها فردت قائلة بصدق :
– والله العظيم يا إبنى ما أعرف هى فين ولا شوفتها من أخر مرة جت سلمت عليا قبل ما أسافر أعمل عمرة ، وأكيد لو كنت أعرف هى فين كنت هقولك على طول من غير ما تترجانى ، أنا بس عايزة أعرف ايه اللى حصلكم بعد ما سافرت أنا كنت سيباكم زى السمنة على العسل ، أرجع ألاقى كل ده حصل
شهق و زفر راسل من أنفه على عدة مرات ، فربما بالدقيقة التالية ستعلق أنفاسه برئتيه ، ولن يعود يإمكانه أن يلتقطها بصورة منتظمة ، فدقات قلبه أخذت تخفق بقوة ، حتى شعر بوخز طفيف بصدره
ترك مقعده فكان بنيته الذهاب ، ولكن قبل خروجه طلب منها أن تأتيه بكوب من الماء :
– ممكن بس شوية ماية
أخذت صالحة زجاجة مياة موضوعة على المنضدة الصغيرة ، فأرادت أن تسكب منها بكوب زجاجى ، ولكن أخذ راسل منها الزجاجة يحتسى منها الماء مباشرة ، ولم يكتفى بذلك ، بل سكب ما تبقى منها على رأسه ، كأن جسده أصبح جمرة من اللهيب ، ويريد شئ يخفف من تلك الحرارة التى يشعر بها
– أنت كويس يا بنى
قالت صالحة بقلق ، فنظر لها راسل والماء يقطر من رأسه ووجهه
إيماءة خفيفة كانت هى الرد على سؤالها ، همت بفتح فمها ثانية ، فوجدته يخرج من باب الشقة مسرعاً ، أرادت اللحاق به ، فهى طار صوابها بعد علمها بما حدث ، فتأثير تلك الأخبار السيئة التى سمعتها منه ، بدأ يظهر بوضوح على وجهها وأطرافها كافة ، التى راحت ترتجف كورقة أوشكت على السقوط بفصل الخريف
أقتربت من النافذة وفتحتها على مصراعيها ، فرأت راسل ينطلق بسيارته بعدما نظر إليها نظرة عابرة ، أبتعدت عن النافذة وأخذت هاتفها ، فهى ظنت أن ربما حياء تجيب على الهاتف إذا علمت أنها هى مربيتها الحنون ، فهى تعلم مدى حب حياء لها ، ولكن جاءت النتيجة مخيبة لتفكيرها وظنها ، فهاتف حياء مغلق ، ولا تستطيع الوصول إليها ، فبعدما ألقت الهاتف من يدها ، ظلت تبتهل وتتضرع لله بالدعاء أن يرد إليها حياء بوقت قريب
______________
أصبحت جولته بالمعابد الفرعونية أكثر بهجة وسعادة ، خاصة وهو يصطحب ذلك الصغير المدعو " سويلم " فعلى الرغم من قضاءه أيام قليلة بالبلدة ، إلا أنه نشأت بينهما صداقة من نوع خاص وفريد ، وربما كان دافع كرم هو أن يشعر كيف تكون صحبة الصغار ، فكم تمنى لو كان لديه إبن أو إبنة من تلك الفتاة الوحيدة ، التى لم يعشق سواها ، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، فأحياناً تكون الأحلام مستحيلة كقطف النجوم
شد الصغير على يد كرم وهو يقول ببراءة :
– عمو كرم عايز أتصور جمب التمثال ده
أشار إلى تمثال حجرى يبتعد قليلاً عنهما ، فتبسم له كرم قائلاً بطاعة :
– بس كده من عينيا الاتنين يا سويلم تعالى هصورك جمبه
أخذ الصغير حتى وصل للتمثال ، فهم بحمله ليضعه بجانب التمثال ، فسمع صوت صيحة عالية :
– يا كابتن ثوانى بس لسه مخلصتش تصوير
دار كرم على عقبيه ليرى من تتحدث ، فوجد تلك الفتاة التى رآها بالقطار ، تقف خلف كاميرا مخصصة للتصوير ، فبعد أن رآته الفتاة هى الأخرى ، تركت الكاميرا و خطت بخطواتها إليه
فوجدها تلوح بيدها مرحبة وهى تقول بإبتسامة :
– هاى مش أنت الاستاذ اللى كنت فى القطر وكمان سيبتلى التاكسى
نظر كرم إليها وهو يجيبها بهدوء :
– أيوة أنا يا أنسة ...
– نورهان إسمى نورهان
قالت وهى تحاول صرف بصرها عنه ، فلا تعلم أى قوة سحرية ساكنة بعينيه ، تجعلها تحدق بهما وبالمزيج العجيب الذى جمعه بقسمات وجهه المليحة
– تشرفنا يا أنسة نورهان وأسف لو كنت عطلتلك التصوير
حمل كرم الصغير وهم بالمغادرة ، إلا أنها أستوقفته بصوتها القائل بنعومة لم تعتاد على إظهارها :
– لا أبدا لا عطلة ولا حاجة أنا اللى أسفة أن كل مرة نتقابل فيها تقريباً ببقى قليلة الذوق معاك ، هو ده إبنك
هتفت بسؤالها وهى تداعب وجنة الصغير ، وربما لتخفى طيف الإحباط الذى سيزورها ، إذا صح ظنها وكان متزوجاً وهذا ولده ، فهى لم ترى بيديه خاتماً للزواج
فأجابها كرم وهو يقبل الصغير :
– لاء مش إبنى أنا معنديش أولاد
إبتسم لها الصغير وهو يسحب تلك الكاميرا الصغيرة الموضوعة حول عنقها ، فبادلته الابتسامة وهى تقول بمشاكسة :
– عجباك الكاميرا تحب تتصور بيها
أنطلقت كلمة الموافقة من فم الصغير بحماس :
– اه عايز أتصور
حملت نورهان الصغير ، وبدأت تضبط له العديد من وضعيات التصوير المختلفة ، فهى يبدو عليها الإحتراف بالتصوير الفوتوغرافي، وليس هذا وحسب ، بل تلك الكاميرا المثبتة على حامل معدنى ، ويبدو أنها تعمل على تسجيل مشاهد كمقاطع الفيديو ، جعلته يفكر ماهى مهنة تلك الفتاة ، التى يبدو عليها أنها مغرمة بالتصوير
فأعرب عن فضوله بسؤاله العفوى :
– هو أنتى بتشتغلى مصورة فوتوغرافية ولا أفلام ولا إيه بالظبط
خفضت نورهان الكاميرا الصغيرة من أمام عينيها فردت باسمة :
– تقدر تقول كل ده أنا شغالة يوتيوبر عندى قناة على يوتيوب مختصة بالمعلومات التاريخية ، بعمل أفلام وثائقية عن مختلف الحضارات اللى مرت بيها مصر وكان موضوع الحلقة المرة دى عن المعابد اللى هنا فى الأقصر دا غير إن كمان بشتغل فى جرنال وعندى كمان إستديو تصوير صغير كده على قدى
ضحكت بعدما أنتهت من حديثها ، خاصة وهى تراه فاغر فاه مما تقوله ، فرفعت يدها وفرقعت إصبعها أمام وجهه لتجذب إنتباهه إليها
فإبتسم كرم قائلاً بحرج :
– أسف بس الصراحة متخيلتش أن فى واحدة تكون بتعمل كل الحاجات دى فى وقت واحد
حركت رأسها دلالة على أنها فهمت مقصده ، فردت قائلة بهدوء :
– أصل أنا من النوع اللى بيحب شغله أوى وخصوصاً لو حاجة بحبها أنا والدى كان مدرس تاريخ و بيعشق حاجة إسمها تاريخ وخلانى حبيته أنا كمان علشان كده عملت قناة اليوتيوب علشان أعمل فيها محتوى تاريخى ممكن حد يستفاد منه وبالنسبة لشغلى فى الجرنال فأنا خريجة إعلام وبالنسبة للتصوير بقى فده هواية وإحترفته حالياً
سيكون كاذباً إذا أخفى إعجابه بأنها حقاً فتاة تستحق الثناء على سعيها لتحقيق مستقبل أفضل لها ، عوضاً عن قضاءها لأوقاتها بشئ لا يفيد
فوجدها تعود مكملة لحديثها بتساؤل:
– أنا رغيت كتير بس معرفتش إسم حضرتك إيه ؟
أجابها كرم وهو يداعب رأس الصغير :
– إسمى كرم
إشتدت حرارة الجو ، فرآى كرم أن يعود بالصغير للمنزل ، فعندما حاول الاعتذار منها ليغادر ، وجدها تسبقه بقولها :
– ممكن أعزمكم على حاجة تشربوها وأعتبرها إعتذار عن قلة ذوقى فى المرتين اللى قابلتك فيهم يا استاذ كرم
وقع كرم بحيرة من أمره ، أيقبل ما عرضته عليه أم يرفض ، ولكنه وجد الصغير يبدى إستعداده لمرافقتها بعدما أخذت يده بين كفها
فحرك رأسه بالإيجاب قائلاً بإصرار :
– بس أنا اللى هعزمكم مش أنتى تمام
تبسم ثغرها بإبتسامة ناعمة و تجيبه :
– تمام مفيش مشكلة بس ثوانى أجيب حاجتى
أسرعت بخلع كاميرا التصوير من على الحامل المعدنى ، وأعادت كل شئ بالحقيبة المخصصة له ، فبعدما أنتهت وأرادت حمل الحقيبة على ظهرها ، أقترب منها كرم وأصر هو على حمل أغراضها ، فبعد رفضها المتكرر بحجة أنها لا تريد أن تتسبب بإرهاقه معها ، وافقت بالأخير ، فحمل كرم الحقيبة وسارت بجواره قابضة على كف الصغير ، الذى راح ينظر لها من وقت لأخر بإبتسامة ، فعندما تكتشف أمره يعود ويطرق برأسه أرضاً
وصلوا لمقهى أكتظ بوجود الأجانب من مختلف الجنسيات ، وجد كرم طاولة شاغرة ، فدعاها للجلوس هى والصغير ، وذهب هو للتوصية بالمشروبات التى يريدونها ، فلم تحيد هى بعينيها عنه ، تراقب كل فعل منه ، ولا تعلم سر الإنجذاب السريع الذى يحمله إليها بكل حركة صغيرة وكبيرة يفعلها ، على الرغم من أنها ليست المرة الأولى ، التى ترى بها رجل وسيم ، فهى ليست تلك الفتاة التى يمكن أن تقع بحبائل الرجل بناء على ما يحمله من وسامة ، ولكن كرم به شئ مبهم يجذبها إليه ولا تستطيع معرفته أو تفسيره
_______________
نفذ صبرهما سريعاً من إقامتهما بهذا القبو القذر ، لا يرون شيئاً سوى آلات موسيقية قديمة ، وزجاجات خمر فارغة ، وبعض الأثاث المتهالك ، فالإضاءة بالقبو كادت تصيبهما بالعمى بلونها الأصفر الشحيح ، فلا شئ بذلك القبو يبدو حديثاً سوى ذلك الطعام ، الذى جلبه لهما أحد رجال أدريانو ، فعلى الرغم من شعورهما القارص بالجوع ، إلا أنهما لم يقربا الطعام كأنهم على إتفاق سوياً بأن يزهدا به ولا يقرب فمهما
صاح نادر بغلظة :
– وبعدين إحنا هنفضل قاعدين فى المكان المعفن ده كتير يا نصر
دلك نصر مؤخرة عنقه وهو يقول بألم :
– بقولك إيه يا نادر مش ناقص وجع دماغ وحياة أبوك كفاية جسمى اللى أتكسر من النومة الزفت دى وعلى السرير ده اللى تحس أنك نايم على شوك
أنحنى نادر وألتقط زجاجة خمر فارغة ، فقذفها بالحائط وتحطمت شر تحطيم ، فعاد وألتقط الثانية والثالثة ، يريد أى شئ يفرغ به غضبه ، ولكن عندما حان إلتقاط الزجاجة الخامسة ، كانت يد نصر أسرع منه بالقبض على رسغه
فصرخ بوجهه قائلاً بحدة :
– أخرس بقى وبطل اللى بتعمله ده دماغى مش ناقصة صداع ، أنت هتفضل تعمل عمايلك دى زى العيال الصغيرة
أرخى نادر يده عن الزجاجة ، فسقطت من يده بجوار قدمه ، فبتلك اللحظة لا يعلم سر رغبته فى إحتضان شقيقه ، وأن يبكى مثلما كان يفعل وهو صغير ، فعلى الرغم من أفعال نصر المشينة ، إلا أن علاقة الأخوة بينهما ، كانت على مايرام حتى بأحلك الظروف ، فنادر كان متيقناً دائماً من أنه سيجد السلوى والمواساة لدى شقيقه ، إذا أصابه هم أو ضيق
فطالت النظرات الصامتة بينهما ، ولكن كأن نصر علم بحاجته إليه ، فلم يتردد ثانية واحدة بأن يأخذه بين ذراعيه وهو يربت عليه بهدوء
– أنا عايز أمشى من هنا يا نصر خرجنى من هنا
قال نادر بتوسل أختلج بصوته ، إلا أنه لم يأتيه رداً من شقيقه سوى إستمراره بالربت على ظهره
فأنسل نادر من بين ذراعى شقيقه قائلاً وهو مقطب الحاجبين:
– أنت مبتردش عليا ليه يا نصر بقولك عايز أخرج من هنا
ضغط نصر على عينيه من فرط شعوره باليأس والإرهاق ، فدمدم بصوت خافت :
– أرد أقول إيه يا نادر ، وعايزنى أخرجك إزاى وأنا اصلاً مش عارف أتصرف ولا فى إيدى حاجة أعملها غير أن أستنى أشوف أدريانو هيعمل إيه هو خلاص قال يومين وهيسفرنا برا وهترتاح من ده كله
أنزوى نادر بأحد أركان القبو عاقداً ذراعيه بغيظ ، فهو سأم من سماع هذا الحديث ، فتناهى إلى مسامعه صوت موسيقى قادم من مكان قريب ، فألتفت حوله ليعلم من أين يأتى هذا الصوت ؟
– هو صوت الموسيقى ده جاى منين ؟
تسأل نادر بفضول ، فراح يفتش بكل مكان ، حتى وجد ثقب صغير بأحد الجدران ، فأنحنى ونظر عبر الثقب ، فرآى بيرى جالسة بغرفة الموسيقى خاصتها وهى تعزف ألحاناً شجية وحزينة
أطال النظر عبر الثقب ، حتى أثار تعجب شقيقه ، فدنا منه نصر متسائلاً:
– أنت بتبص على إيه عندك كده
إلتفت له نادر وهو يقول بمكر :
– بتفرج على بنت أدريانو وهى بتعزف موسيقى حتى عزفها كئيب زيها
سحبه نصر محذراً إياه بحزم :
– أنا مش قولتلك ملكش دعوة بيها يا نادر
تمطى نادر بجسده وهو يقول بتهكم :
– يعنى أنت شوفتنى عملتلها إيه أهو بتفرج على حاجة عدلة فى الخرابة اللى إحنا قاعدين فيها دى ، يعنى أدريانو مكنش عارف يخلينا نقعد فى أوضة كويسة فى القصر ده ورمانا هنا
تمدد نصر على الفراش وهو يحاول غلق عينيه :
– أحمد ربنا أنه مخلصش علينا دا مجنون وأنا عارفة تعال نام وأسكت
أولاه نصر ظهره ، وسرعان ما غط بنوم عميق ، بينما هو عاد لمراقبة بيرى ، ولكنه لم يجد أحد بالغرفة ، فتملك منه الإحباط وجلس على مقعد شبه متهالك ، ظل يجيل ببصره بالمكان للعثور على أى منفذ للهرب ، فوجد باب القبو يفتح ويلج منه الحارس المختص بحراستهما ، فعمل على الأختباء سريعاً حتى لا يراه ، فبعد أن ولج الحارس للداخل ، سار نادر على أطراف أصابعه حتى وصل للباب وخرج منه بدون أن يراه
وجد نفسه بالباحة الخلفية لقصر أدريانو ، ففتح أقرب باب وجده بطريقه ، ولكن تلك الغرفة التى دلف إليها لم تكن سوى مسبح خاص ببيرى ، جعله والدها خاصاً بها حتى لا يراها أحد وهى تسبح بثوب سباحتها الفاتن ، الذى لا يكاد يستر شيئاً من مفاتنها
وقف نادر مشدوهاً وهو يراها جالسة على حافة المسبح ، ولم تنتبه لدخوله
تركت بيرى مكانها ، فأثناء إستدارتها للخلف رآته يقف بالقرب من الباب ، فصرخت برعب لرؤيته :
– أنت بتعمل إيه هنا أنت دخلت هنا إزاى أنت مجنون
– أنتى حلوة أوى يا بيرى ، متخافيش منى
تملك منه الجنون حقاً ، عندما أقترب منها فجأة يعانقها بشراهة ، فظن أنها لن تكون كغيرها من الفتيات ، اللواتى إستطاع إغوائهن بوسامته ، وبمهارته فى سلب دفاعتهن لمقاومته
ولكن هى لم تكن كالأخريات ، إذا حاولت دفعه عنها بكل طاقتها ، فظلت تصرخ تنادى أبيها ، وعملت على إبعاد وجهه عنها ، فصرخت به :
– أنت مجنون أبعد عنى بقولك أبعد عنى
ولكن أنتهى الأمر بلحظة واحدة ، إذ إنطلقت رصاصتين من سلاح نارى إستقرت إحداهما بمنتصف ظهر نادر والأخرى برأسه ، فسقط جسد نادر مدرجاً بدماءه بعدما لفظ أنفاسه الأخيرة
ركضت بيرى لأبيها تحتمى به وهى تبكى ، فنظر أدريانو لها متسائلاً بلهفة :
– عمل فيكى حاجة الحيوان ده يا حبيبتى
حركت رأسها سلباً ، فدفنت وجهها بصدره وعادت لبكاءها ثانية ، فسب أدريانو نادر بصوت منخفض ، فإبنته ستظل تعانى من تبعات هذا الأمر وقت طويل ، فهو يرى الآن أن قتله لم يكن كافياً ، فلو كان بوقت غير هذا ، ربما كان جعله يذق ويلات غضبه لتفكيره فقط بالإقتراب من إبنته الغالية
– تعالى معايا يلا علشان تروحى أوضتك وإهدى يا حبيبتى
أخذها وخرج بعدما سحب رداءها ووضعه عليها ، فأمر رجاله بالدخول لأخذ جثة نادر والتخلص منها ، ومحو آثار الدماء التى ملأت الأرض بجوار المسبح ، فهو يعلم أن إبنته لن تطأ ذلك المكان بقدميها ثانية
فبعدما وصل بها لغرفتها ، أمر الخادمة بأن تساعدها بتبديل ثيابها ، ريثما يأتى هو بتلك الأقراص ، التى تساعدها على النوم براحة دون إزعاج ، فعند عودته وجدها جالسة بمنتصف الفراش تضم ركبتيها بذراعيها ومازالت تبكى ، فألح عليها بتناول دواءها وأن تخلد للنوم ، فبعد تأكده من أنها غفت أخيراً ، خرج من غرفتها ، وهو يفكر جدياً بأن يجعلها تسافر بعطلة بعيداً عن هنا
______________
لم تكن المظلة الكبيرة على الشاطئ ، كافية لتمنع عنها ضوء تلك الشمس الساطعة ، فقدميها ممددتان على مقعد خشبى طويل يستخدم للشواطئ ، بينما تستند بجزعها العلوى لظهر المقعد ، فعلى الرغم من شعورها الطفيف بحرارة الجو ، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تظل جالسة بهدوء وتكمل مطالعة ذلك الكتاب الذى حملته معها
بدون أن تنظر للبحر الواسع ، علمت بأنه يقترب من الشاطئ ، بعدما أنهى جولة من السباحة ، فكأنه ظهر من العدم فجأة ، وخرج من البحر والماء يقطر من كل جسده ، فألتمع ذلك الوشم على ذراعه الأيسر ، وشماً مخيفاً لأفعى مكشرة عن أنيابها الحادة والقاسية
– مش ناوية تنزلى البحر دا الماية حلوة أوى ولذيذة فى الحر ده
قالها بشعور من الانتعاش ، فأخذ منشفة وبدأ يجفف بها وجهه ورأسه
رفعت حياء عيناها عن الكتاب ، ونظرت إليه قائلة بفتور :
– مليش نفس أنزل الماية دلوقتى
مط شفتيه فما لبث أن قال مغمغماً:
– أمم يا خسارة
أنحنى ليلقى المنشفة على مقعد مجاور لها ، فسقط الضوء على ذلك الوشم الآخر لعقرب يتوسط ظهره ، كأنه حارس له
أغلقت حياء الكتاب وأعتدلت بجلستها ، فوضعت الكتاب على المنضدة الصغيرة وتناولت مشروبها ترتشف منه ببطئ ، فجلس على المقعد المجاور وتمدد بجسده المفتول العضلات ، فأغلق عينيه الفيروزتين المحاطة بأهداب سوداء كثيفة ، ومرر يده بين شعره الأشقر ، ولكن سرعان ما عاد وفتح عينيه
فحدق بها وهو يقول بهدوء:
– حياء أنتى مبسوطة هنا ولا تحبى نروح أى مكان تانى
أثارت تلك الجملة ذكريات جاشت بصدرها ، حتى كادت تشعر بتمزق خفقات قلبها ، عندما تذكرت أن تلك العبارة سبق وتفوه بها راسل أثناء إقامتهما بالفندق ، بإحدى ليالى العشق الأولى خاصتهما بشهر العسل ، الذى لم يكتب له أن يكتمل للنهاية
فضمت أصابع كفها الأيسر ، كأنها تحمى خاتم زواجها وهى تقول بغصة :
– لاء المكان هنا كويس وأنا الصراحة أول مرة أزور تايلاند فالبلد هنا حلوة أوى
– أشتقتى ليه يا حياء
قال فجأة ، فأنتفضت هى من مجلسها صارخة به :
– أنا مش عايزة كلام فى الموضوع ده تانى ماشى
أعتدل بجلسته وهو يبتسم ببطئ :
– طالما أنفعلتى كده يبقى فعلاً أشتقتى ليه مع أنك مش سيباه من وقت طويل دا هم كام يوم بس
نفخت بضيق ، لتمنع فرار دموعها ، فانحنت لتأخذ هاتفها وكتابها وقالت بتبرم :
– أنا هرجع البيت علشان شكلك مبسوط كل شوية بحرق دمى بكلامك ، ولو مسكتش أنا هرجع إسكندرية تانى واللى يحصل يحصل
ترك مكانه ، فأخذ يديها بين كفيه ، فقال بصوت هادئ :
– طب إهدى يا حياء دا أنا النهاردة بفكر نخرج نتعشى برا يمكن مزاجك الكئيب ده يتغير شوية
سحبت حياء يديها ، ووضعت نظارتها السوداء على عينيها وهى تجيبه :
– إن شاء الله أنا دلوقتى عايزة أرتاح شوية
تركته وعادت لذلك المنزل القريب ، الذى تقطنه حالياً برفقته ، فبعد أن ولجت لغرفتها ، وأوصدت الباب خلفها بإحكام ، سحبت هاتفها من جيبها ، وجلست على طرف الفراش ، فتحت الهاتف وطالعت صور من أشتاقت لقربه ورؤياه
فشاهدت الصورة تلو الأخرى وهى تتلمس شاشة الهاتف بحب ، فتذكرت كيف كان ملمس جلده تحت يديها ، الباعث على القشعريرة التى كانت تسرى بعروقها حاملة معها نشوة الشوق إليه ، عندما كانت تتلمس وجنته أو لحيته ، فهى لا تكف عن التفكير بأوضاعه الحالية ، وكيف صارت أحواله بعد فراقهما ؟
نظرت لخزانة الثياب ، وأقترب منها وفتحتها وسحبت ذلك القميص الخاص به ، الذى جلبته معها ذكرى تحمل رائحته ، فضمته إليها وهى تستنشق عبق عطره العالق به ، وأخذت تقبله بنهم ودموعها تنهمر من عينيها ، فتأوهت ألماً وحزناً ، ولكن بسماعها صوت خطوات قادمة ، أعادت القميص لمكانه بحرص ، وجففت عينيها بسرعة ، فهى لا تريد أن يراها أحد وهى باكية
– حياء أفتحى الباب
جاءها هذا الأمر منه ، فأسرعت بفتح الباب ، بعد محوها لتلك العبرات التى سقطت من عينيها شوقاً لحبيبها
فزوت حاجبيها قائلة بتساؤل:
– أيوة فى إيه يا ديفيد
ناولها ديفيد حقيبة تحوى ثوباً جديداً ، فتبسم لها قائلاً :
– الفستان ده علشان تلبسيه النهاردة فى العشا علشان هقابل ناس أصحابى وعايزين يتعرفوا عليكى
أخذت منه الثوب ، فقبل أن ينصرف ناشدته قائلة بصوت رصين :
– ديفيد يا ريت تلبس قميص تخبى بيه الوشم اللى على ضهرك ودراعك أصلهم الصراحة مرعبين أوى ، وخصوصاً وشم الأفعى
قهقه ديفيد من قولها ، فهو لا يحب التقيد بالثياب خاصة وهو جالساً بالمنزل أو الشاطئ ، ولكنه أعطاها وعده بأن يستمع إليها
فرفع يده وتحسس وشم الأفعى على ذراعه قائلاً بشعور مبهم :
– وشم الأفعى والعقرب دول تقدرى تعتبريهم تمائم حظى يا حياء
زفرت حياء بخفوت فقالت وهى توشك على غلق باب حجرتها :
– تمائم حظك أو لاء المهم مش عايزة أشوفهم
أغلقت الباب ، فأنتظر لبرهة ثم غادر ، فبعد تأكدها من رحيله ، ألقت الحقيبة على الفراش وأخرجت محتواها ، وجدت ثوباً يشبه لون قرص الشمس عندما تهم بالمغيب ، ووجدت حجاب ملائم له وحذاء ، فلم ينسى أيضاً شراء خاتم أرسله مع الثوب
ولكن هى قررت ألا ترتدى خاتماً بيدها ، غير ذلك الخاتم الماسى الذى أهداه لها راسل ليلة زواجهما ، فلا رجل ولا خاتم ولا ثوب ولا أى شىء يستطيع التأثير بها أو إغواءها ، سوى زوجها وهداياه وعطاياه ، الذى ما أن تأتى على ذكر إسمه ، ترتجف شفتيها ، كمن مازالت تشعر بطعم عناقه وترغب بالمزيد
_________________
يدب الأرض بعصاه والقلق ينهش قلبه ، فولده خرج من القصر منذ ثلاتة أيام ، ولم يعود حتى الآن ، فلولا ذلك الوعد الذى أخده عليه من أن لا يرسل رجاله خلفه ، لكان أرسل جيشاً من الرجال للبحث عنه منذ غيابه باليوم الأول ، ولكن عندما إستبد القلق به من مرور اليوم الثالث ولم يعد ، أمر كافة رجاله بأن يبحثوا عنه وليأتوا به ، فهم خرجوا منذ الصباح ولم يعودوا حتى الآن ، وهاتفهم كثيراً ولكن يأتيه الرد بأنهم لم يعثروا عليه بعد
ترك مكانه عندما رأى أحد رجاله يهرول إليه ، فأقترب منه قائلاً بلهفة :
– لقيتوه ؟ لقيتوا راسل
أماء الحارس برأسه قائلاً بإحترام :
– أيوة يا باشا لقيناه فى المقابر
بسماع رياض تلك الكلمة ، سقطت عصاه من يده ، فأرتجف بدنه وهو يقول بتلعثم ظاهر :
– ا ابنى ججراله حاجة
أسرع الحارس بإسناد سيده ، قبل أن يسقط أرضاً ، فرد قائلاً بسرعة :
– لاء يا باشا الدكتور راسل زى الفل هو بس قاعد عند قبر الهانم أمه ورفض يرجع معانا وجيت أبلغك
أغمض رياض عينيه ، ريثما يلتقط أنفاسه التى تناقصت من شدة خوفه ، فبعد أن إستعاد توازنه ، خرج من القصر آمراً إياهم بأن يتبعوه
لم تستغرق السيارة وقتاً طويلاً للوصول للمقابر ، فترجل رياض منها ، يسرع الخطى فى الدخول لذلك الفناء الواسع ، الذى يضم عدة مقابر خاصة بالعائلة
وجد راسل جالساً أمام قبر والدته الراحلة ، يستند بظهره على الشاهد الرخامى الذى يحمل إسمها مغلقاً عيناه كأنه نائماً ، تأمله ملياً بتلك الحالة المزرية التى أصبح عليها كأنه مشرد يكسو الغبار ثيابه ، وشعره مشعث ، وهندامه مبعثر
أنحنى إليه وربت على وجهه قائلاً بعطف :
– أنت إيه اللى مقعدك هنا يا راسل ومرجعتش البيت ليه
فتح راسل عيناه بجهد ، فبياض عيناه كساه لون أحمر طفيف ، كأنه مارد خرج لتوه من الجحيم ، فخرج صوته غليظاً :
– أنت جيت ليه مش قولتلك هرجع لوحدى
حاول رياض جذبه من ذراعه ليجعله يترك مكانه وهو يقول بهدوء :
– طب قوم يلا نروح البيت قعدتك هنا مش هتفيد بحاجة أنا حاولت أدور على مراتك حياء بس ملقتهاش
بسماعه إسمها جذب ذراعه من يد أبيه بعنف فصاح قائلاً وعروق نحره بارزة :
– ومش هتلاقيها مش هتلاقيها هى خلاص مبقتش عيزانى سبتنى بوجعى ومشيت ومضيعتش وقتها وعايشة حياتها
أخذ هاتفه الملقى بجانبه ، ففتحه على عدة صور وصلت إليه حديثاً لحياء تتسكع على أحد الشواطئ وتتنزه بعدة أماكن ويبدو عليها أنها سعيدة برحيلها عنه
جحظت عينى رياض وهو يحدق بصور زوجة ولده ، فرجاله يأسوا من إيجادها بالإسكندرية ، ولم يجد لها أثراً ، ليرى الآن أنها ربما غادرت البلاد
إبتسم راسل بألم وهو يمسح وجهه ، فسرعان ما أخذ يضحك بصوت عالى أثار تعجب والده ، ولكن لم تدم موجة الضحك كثيراً ، إذ أنتفض من مكانه صارخاً تكاد أحباله الصوتية تنقطع :
– خلااااااااص أنا مبقتش قاااادر أستحمل أكتر من كده مش قاااااادر ااااااااااه
خر راكعاً على ركبتيه ، فداهمه دوار قوى ، سقط على إثره مغشياً عليه ، فاقداً للوعى ، فجلس رياض بجانبه يحاول إفاقته بغير فائدة ، فنادى رجاله يصيح بهم :
– شيلوه بسرعة على العربية بسرررعة
أسرع الرجال بتنفيذ أوامر سيدهم ، فحملوا جسد راسل المتراخى ، كأنه فقد الحياة ، وأدخلوه لسيارة أبيه ، فجلس رياض بالسيارة ووضع رأس راسل على ساقه ، يمسد على رأسه ، ودموعه تلح عليه بالسقوط
فمرت ليلتان ومازال غائباً عن الوعى ، كأنه يرفض العودة لواقعه ، فالحمى ألهبت جسده وشفتيه ، التى لا تنفك تناديها بهمس محموم ، لم يتركه والده لحظة واحدة ، حتى فتح عيناه أخيراً وعيناه تدور بالغرفة ، حتى وقع بصره على المحلول المغذى المتصل بيده ، ووفاء الجالسة على طرف الفراش ، ووالده جالساً على مقعد قريب
فقال بصوت هامس :
– هو أنا فين ؟ وإيه اللى حصل يا ماما
تبسمت وفاء من بين دموعها وقالت وهى تقبل ظاهر يده بحنان :
– حمد الله على السلامة يا حبيبى ، حمد الله على السلامة يا قلب ماما أنت هنا فى بيت النعمانى
بحثت عيناه عن صغيرته ، فسألها بصوت واهن :
– بنتى فين ؟ فين سجود
رد والده تلك المرة وهو يقول برصانة :
– سجود بخير هى تحت مع الدادة محبتش أنها تشوفك وأنت كده
هبت وفاء من مكانها وهى تقول بصوت مختلج بالسعادة :
– أنا هروح أجبهالك يا حبيبى
خرجت وفاء من الغرفة ، بينما دلفت فتاة تحمل صينية بها طبق حساء دافئ ، فوضعت الصينية على الكومود بجوار الفراش ، فنظر لها رياض بضع لحظات قبل خروجه هو الآخر
– يلا قوم علشان تشرب الشوربة دى كلها
قالت وهى تسحب غطاء الفراش عنه قليلاً ، فأستاء راسل من فعلتها فرد قائلاً بنزق :
– مش عايز حاجة ويلا اخرجى وأقفلى الباب وراكى مش عايز ممرضات
لم تستمع لما قاله ، بل عملت على وضع وسادة خلفه ليستند عليها وهى تحثه على النهوض :
– بلاش عند وإسمع كلام
صاح راسل بها قدر إمكانه :
– أنتى مبتفهميش قولتلك مش عايز أخرجى برا يلا برااا
جلست على طرف الفراش ووضعت ساق على الأخرى ، كأنها تعلن رفضها لصرفه لها ، حاول الإعتدال بجلسته ، وتفرس بملامحها بداية من شعرها المائل للون البنى وعيناها الرماديتان ، ووجهها المستدير وبشرتها البيضاء ، وثيابها الأنيقة على الرغم من بساطتها ، إلا أنها أكسبت قوامها الرشيق جمالاً لا يستهان به
وضعت يدها أسفل ذقنها وإستندت بمرفقها على ساقها وظلت تبتسم له حتى أثارت غرابته لأفعالها ، فزوى حاجبيه قائلاً بتساؤل :
– أنتى مين بالظبط
حررت يدها وأخذت يده اليمنى وبسطت كفه ووضعت به قلادة صغيرة معلق بها قلب يتوسطه حرف الراء باللغة الإنجليزية
رفع كف يده ليرى ماذا وضعت به ، فصعق من رؤية القلادة فتمتم مذهولاً :
– معقولة أنتى ....
ردت هى بإبتسامة تملأ وجهها وصوت ملأه الحنين :
– أنا إيلين يا راسل ، إيلين النعمانى
_______________
•تابع الفصل التالي "رواية لا يليق بك إلا العشق" اضغط على اسم الرواية