Ads by Google X

رواية زئير القلوب الفصل الثالث 3 - بقلم سهام احمد

الصفحة الرئيسية

 

رواية زئير القلوب الفصل الثالث 3 - بقلم سهام احمد 

زئير القلوب  
الفصل الثالث 

انفطر قلب ليلى حزناً على ما صار بينهما، شعرت أن خروج ابنها لن يعيده إليها مرة أخرى، بالرغم من أن هذا الأمر لم يكن في خاطر فوزي إلا أنه أصبح يجول في خاطره الآن، خرج والدها ليتحدث معه بينما والدتها قامت بتهدئتها حتى خلدت للنوم وهي تحتضن فارس الصغير:

-فوزي ابني؟
-عمو فارس أنا هنا.
-ابني انا هتكلم معاك كلمتين، والقرار ليكم انتو الاتنين ف الاول وف الآخر، ليلى تعبت كتير معاك وانت تعبت اكتر عشانها، انتو الاتنين اخترتوا حياتكم سوا ماحدش اجبركم عليها، بلاش الحاجة الحلوة اللي بينكم هي اللي تكون سبب زعلكم من بعض.

-عمي حضرتك مش شايف ازاي كانت ازاي ليلى كانت بتتكلم معايا، هو انا مش من حقي اخد ابني لبابا علشان يشوفه؟ 

-طبعا حقك يابني بس بالهداوة كل حاجة تمشي بالراحة، انت عارف ليلى روحها فيك وفي فارس، وعارف انها زعلت واتفاجأت أن ابوك مش عايزها تكون معاكم.

-عمي أناااا.

-عارف يابني من غير ماتقول وحاسس بيك، من ناحية ابوك ومن ناحية مراتك وابنك، وده برضوا مهما حصل والدك، بس عشان خاطر عمك فارس اتكلم مع ليلى واتفاهموا بالراحة.

-حاضر يا عمي اللي حضرتك تشوفه واللي حضرتك تقول عليه انا هعمله.

-متشكر يابني ربنا يهديكم لبعض، تصبح على خير.
-وانت بخير عمي.

جلس فوزي طوال الليل في ترأس المنزل يفكر ماذا سيفعل إلى أن أخذ قراره، ثم دخل إلى غرفته وجد ليلى وفارس نائمين، قبل كل منهما من جبينه وهو يمسك بيده رسالة، نظر إلى تلك الرسالة ثم عاد النظر إلى ليلى وغادر الغرفة، في تلك الأثناء أفرجت ليلى عن أهدابها ببطء شديد فرأت ظهره وهو يخرج من الغرفة، لم تكن في كامل وعيها ثم عادت للنوم مرة أخرى وكان جوارها تلك الرسالة بدلا من فارس الصغير!

في اليوم التالي رن جرس المنبه، أفرجت تلك الجميلة النائمة عن اهدابها ببطء واطمئنان، اردفت تنظر جوارها بنية ضم صغيرها وتقبيله فانتفضت خوفا وفزعا عندما رأت تلك الورقة التي أخذت مكانه، بالرغم من صغر حجمها إلا أنها تحمل كلمات كالسهام الحادة التي اخترقت قلبها ومزقته إلى أشلاء صغيرة يصعب تجميعها، تلك الكلمات هي:

(آسف ليلى انا اخدت فارس معايا، مش هقدر اسيب ابني هنا يتعذب في الحياة دي ، بامكانك تشوفيه وقت ماتحبي، بعتذر منك مكنتش عايز الوضع بينا يوصل لكده، لكن ماسبتليش خيار تاني، خلي بالك من نفسك)

-لأ لأ لأ لأ لأ لأ لأ لأ لأ لأ.

كانت تلك هي الكلمة الوحيدة التي ظلت ترددها ليلى لبضع دقائق متتالية؛ جراء صدمتها التي لا توصف، إلا أن ادركت رحيل ابنها وحب حياتها معا، زأر قلبها ولسانها بصوت تهتز له الجدران حتى أن قلب فوزي اهتز له بالرغم من انه لم يسمعه.

تعالت صرخات ليلى وهي تنادي:
-فاااااارس فااااااارس ابنييي.

حتى انهارت من البكاء وفقدت وعيها، خرج والدها ووالدتها ركضا على صوت صرخاتها إلى الشارع، إذا بها ملقاة على الارض لا حول لها ولاقوة، قام والدها بحملها بمساعدة من الجيران واخذها إلى المشفى، بعد أن قام الطبيب بفحصها اخبرهم انها تعاني من حالة انهيار عصبي حاد مما ادي إلى فقدانها الوعي ودخولها في غيبوبة.

بينما كانت الفرحة تعم القصر الكبير بقدوم فارس الصغير وفوزي، احتفالات بالطبول والمزامير، الرقص والذبائح، لكن فارس الصغير لم يتوقف عن البكاء فهو طفل رضيع بعمر التسعة أشهر يحتاج إلى والدته، لم يهدأ حتى حملته روبا بين يديها وشعر بالدفء حتى خلد إلى النوم.

دخل فوزي إلى غرفته يتفقده، إذا به نائم في سريره كالملائكة، أقبل عليه وقبل يده الصغيرة ثم قال لروبا:
-روبا دلوقتي ابني  بقا مسؤوليتك وبامانتك، هو ماحسش بالأمان غير بحضنك، ارجوكي خلي بالك منه.

-فوزي بيه ماتآخذنيش بس الولز عمره مابيحس بالأمان وهو بعيد عن حضن أمه، ليه عملت كده يا فوزي بيه؟ بعتذر منك بس لو لا سمح الله اتأثر الولد بغياب أمه؟ الموضوع ده صعب عليه جدا في السن ده.

-تعرفي يا روبا انا مش خايف على فارس إنه يتأثر ببعده عن امه اد مانا خايف على ليلى من الموضوع ده، ليلى ماتقدرش تعيش ثانية واحدة من غير فارس، فارس بالنسبالها روحها بتموت فيه، انا خايف عليها اوي بس هي  مادتنيش خيار تاني، انا عايز ابني يتربى كويس ومايتعذبش زي ابوه.

-ان شاءالله يا بيه هيكون كل شيء كويس،  ماتشغلش بالك بالولد انا هشيله جوا عنيا الاتنين.

-شكرا ليكي يا روبا  انا متأكد من كده بامكانك تخرجي.
-تصبح على خير يا بيه.
-وانتي بخير.
~~~

تلك هي الحياة بين الحزن والفرح، بين الموت والحياة، بين الحب والكره، بين القرب والفراق خيط رفيع يفصل بين الشيء ونقيضه، فمن كان يعلم أن فرحة ضاهر بيك ستبني على حزن ليلى، وإعطائه الحياة برؤية حفيده لبعض الوقت تجعل ليلى تصارع الموت في كل لحظة فراق بينها وبين رضيعها.

هناك ضحكات وطبول ومزامير وهنا دموع وسكون وحزن، حالة صمت تعم تلك الغرفة التي ترقد بها ليلى، لن نقول فراش الموت فمازال الوقت باكراً ولكن بالفعل كأنه فراش الموت في بعد عاشق ومعشوق، فراق قطعة من قلبها وجسدها وهو ابنها، ظلت ليلى في تلك الغيبوبة حوالي الثلاثة أشهر، في كل ليلة تمر وهي بعيدة عن منزلها ينفطر قلب امها واباها حزنا على ابنتهم، هل ستعود إليهم مرة أخرى ام أن تلك هي النهاية؟

حاول السيد فارس والد ليلى التواصل مع فوزي عدة مرات لكنه لم يجبه، ولم يحاول حتى التواصل معهم كل هذه الفترة؛ خوفاً من أن يضعف أمام ليلى، لم يكن يعلم فوزي بحالة ليلى إلا أن قرأ بالصدفة خبر وفاة والدتها على صفحة الفيس بوك الخاصة بالسيد فارس والدها. 

حزن فوزي حزناً شديداً، تملكه الغضب من نفسه بعدما قرأ دعاء والدها بتمنيه شفاء ابنته ليلى، ظل يلوم نفسه مرارا وتكرارا ولكن لن يجدي الندم الآن ولا اللوم ظل يكرر ويقول:

-الله يلعنك يا فوزي على عملتك دي الله يلعنك، كنت مفكر انها ممكن تتخطى الموضوع عادي كده ازاي! طلعت اغبى واحد في الدنيا لك، روبا؟ يا روبا؟

دخلت روبا إليه مسرعة:
-بامرك فوزي بيه.
-حضري شنطة سفر لفارس وكل شيء بيلزمه وما تقوليش لبابا شيء.
-خير إن شاء الله يا بيه في شيء؟

-اه هنروح نزور أم فارس، ليلى تعبانه اوي، مقدرش اعيش بالذنب ده طول عمري يا روبا لو لقدر الله جوالها حاجه بسببي، انا مش هسامح نفسي ابدا. 

-حاضر يا بيه هروح احضر كل شيء فوراً، إن شاء الله بتكون بخير وبتطمن عليها.
-بسرعة روبا بسرعة بترجاكي.
-بامرك.

اخذ فوزي فارس الصغير وغادر دون علم والده إلى مصر؛ ليعيد فارس إلى أمه، لعله يكفر عن جزء بسيط من ذنبه.

 توفيت والدة ليلى حزنا وقهرا على حالة ابنتها، حيث ازداد عليها المرض حتى تمكن منها كلياً، كانت ترقد ليلى في غرفة والغرفة المجاورة ترقد والدتها على فراش الموت، وبين الغرفتين يقف السيد فارس على بحر من الدموع لا نهاية له، فعلى يمينه قطعة من روحة وعلى يساره عشقه الاول والاخير وقلبه الذي ينبض بين ضلوعه.

حالة زوج وأب لا يحسد عليها ولا يتمناها أحد، قبل وفاة والدتها دخل السيد فارس الغرفة واقترب من زوجته، لكنه رآها وكأنه يراها للمرة الأولى في حياته، نفس الملامح التى رآها اول مرة عندما كان عمرها في الثانية والعشرون، وجهها يشع ضوءا، خصلات شعرها المسدول شديد السواد لم يتخلله خصلة بيضاء على عكس ما كان عليه، تعجب قائلاً:
-سبحان الله.

أبتسم وعيناه تدمع قائلاً:
-عارفة يا سلوى انا حاسس اني اول مرة اشوفك وكأني شايفك من تلاتين سنة فاتوا، عارفة وقتها ايه اكتر حاجة شدتني ليكي ضحكتك.

ابتسمت سلوى وهي على فراشها، ثم قال:
-ايواا هي الضحكة دي حسيت انها خطفت قلبي، ومن وقتها قلت أنا لازم اتجوز البنت دي.

امسك بيدها يقبلها وهو يشتم رائحتها ويعلم انها المرة الأخيرة التي تعلق تلك الرائحة فيها بأنفه كما اعتاد أن يفعل كل صباح، أزالت عنها قناع التفس وقالت:

-طول عمرك بكاش يا فارس بس تعرف دي اكتر حاجة حبيتها فيك لسانك الحلو وكلامك اللى دايما رافع معنوياتي بيه.

ابتسمت قائلة وهي تتوالى دموعها واحدة تلو الأخرى ترقد على جانبي خديها:
-خلي بالك من ليلى يا فارس، امانتي ليك ليلى خلي بالك منها.

بتر كلماتها قائلاً:
-ليه إن شاء الله وانتي رايحة فين علشان انا اخد بالي منها، انتي هاتبقي زي الفل وهاتقومي وليلى كمان هاتقوم وتاخدي بالك منها بنفسك، وتريحوني انا بقا شوية علشان انا راجل عجزت خلاص.

ابتسمت تلك الابتسامة المشرقة بالرغم من دبلان ملامحها:
-ودي الحاجة التانية اللي حبيتها فيك انك مابتعرفش تكدب يا فارس، عنيك دايما فضحاك، سامحني يا فارس سامحني.

وضع راحتها على جبينه يخبئ عيناه أسفلها لا يستطيع التوقف، يريد الصراخ ولكنه يلتزم الصمت، لا يريد رؤيتها وهي تفارق الحياة ولا يريد تركها لحظة دون أن يكون بقربها، ها هو زئير القلوب، قلوب تزأر ألماً من لوعة الفراق، وجع لا يوصف ولا يحتمل ولا يمكن السيطرة عليه، عاد النظر إليها وقال:
-مسامحك يا سلوى والله مسامحك.
-راضي عني يا فارس؟

شهق وجعا وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة من شدة الالم والبكاء ثم قال بهدوء:
-راضي عنك يا سلوى طول عمري قلبي راضي عنك لحد ماموت، والله راضي عنك يا سلوى راضي عنك.

ابتسمت له وكانت تلك هى الابتسامة الأخيرة، وضع يدها على عينيه وهو يكرر تلك الكلمة:
-راضي عنك والله يا حبيبتي راضي عنك بس خليكي معايا ماتسيبينيش يا سلوى، خليكي معايا.

شعر بثقل يدها فرفع رأسه مسرعاً ينظر إليها، وجدها تنظر إلى السقف بأعين ثابته، امسك بكتفها يهزه برفق وهو ينادي:
-سلوى؟ سلوى؟ لا يا سلوى لا.

انهار من البكاء وعلت صرخته وهو ينادي باسمها، حاول أن يتملك أعصابه حتى يتم مهمته الأخيرة في حياتهما معا وهي أن يودعها ويحسن إليها في فراقها إلى آخر لحظة لها بجواره، قام بتسبيل عينيها ورفع الغطاء على وجهها، ثم دخلت الممرضة تركض إليه تسانده، وضربت جرس الانذار لاستدعاء الطبيب، وأخذوا السيد فارس خارجاً وهو بين الوعي واللاوعي، حتى فقد وعيه جراء انخفاض في ضغط الدم.

عاد فوزي إلى المنزل ومعه فارس الصغير فلم يجد أحدا، أخبرته جارتهم أنهم ذهبوا لدفن السيدة سلوى، طلب منها فوزي أن تعتني بفارس الصغير حتى يعود، أخذته منه وغادر إلى المقابر ليقف جانب السيد فارس، بعدما ذهب الجميع من على قبر سلوى، استعد السيد فارس للذهاب فتعسرت قدمه وكاد أن يسقط، فوضع يده فوزي تحت يده يسانده ويمسك بها من خلفه، نظر السيد فارس ظن أن أحدا لا يعرفه يستعد لشكره:
-شكرا يبني كتر خيرك.

فوجد فوزي جواره فقال وهو بيكي بقهر:
-شكراً يبني شكراً يبني.

ضمه إليه فوزي بشدة وهو يبكي بين أحضانه ويقول:
-بترجاك سامحني عمو فارس بترجاك سامحني، والله ما كان قصدي يحصل كده، ماكنتش أعرف ان الموضوع هايوصل لكده، والله العظيم ماكنت اعرف ان ده هيحصل، سامحني بترجاك عمو فارس.

-دفعه السيد فارس بعيداً عنه بشدة حتى كاد أن يسقط ثم أقبل عليه يمسك به من ياقته:
-فين فارس يا جبان فين فارس؟ انت لو مش جبان مكنتش عملت كده ف بنتي بعد ماعتبرتك ابني يا حقير، فين فارس انطق؟

-بترجاك اهدي شوية فارس هنا في البيت.

ترك عنقه وملأ الفرح الحزين ملامحه، دفعه بعيدا وذهب:
-فارس هنا يا سلوى فارس رجع، انا جاي يا حبيبي انا جاي يا ليلى فارس رجع.

ترك المقابر وذهب إلى المنزل وتبعه فوزي إلى هناك، عندما ترجل من سيارته وجد طفل صغير بعمر العام يمشي بخطوات متعسرة أمام المنزل وهو يقول:
-ماما، ماما.

ركض إليه يحمله وهو يبكي ويحتضنه بشدة حتى بكى فارس الصغير، فقال له:
-لأ يا جدوا لا ماتزعلش يا حبيبي انا هنا معاك اهو، انا هنا اهو، تروح لماما؟ ماما يا فارس؟

-ماما.
-اه يا حبيبي ماما ماما اللي بتموت من يوم ما مشيت يا عمري، يلا تعالى نروح لماما تعالي يا قلبي.

دخل السيد فارس المشفى وهو يحمل فارس الصغير مستعدا للذهاب إلى ابنته وهو على يقين أنه سيعيدها إليه مرة اخرى، فوجد الممرضات والأطباء يركضن إلى غرفة ابنته، تعجب وبدأ يتساءل ما الأمر؟ فأخبروه أن حالة المريضة حرجة ويحاولون السيطرة عليها لكن..

  •تابع الفصل التالي "رواية زئير القلوب" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent