رواية كواسر أخضعها العشق الفصل الثالث 3 - بقلم نورهان آل عشري
الفصل الثالث
تحيا القلوب وتهلك بيد ساكنيها، ذلك الشخص الذي تضعه في المنتصف بينك وبين روحك هو وحده القادر على ترميم تصدعات وشروخ عمرًا مضى وإعادة بناء عمرًا جديدًا تغلفه السعادة التي ظننتها يومًا مستحيلة، ولكن ماذا لو أصبح هذا الشخص هو قاتلك؟! فعلى قدر قربه جاءت طعنته إلى قلبك نافذه فصرت كروح مذبوحة ترفرف بين كفي قاتلها تستجدي إنقاذًا لدماء بريئة أزهقت على يد حارسها!! حينها يتخطى الألم حدود العقل ويصبح الغفران دربًا من دروب المستحيل.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_آه يا سيدة زينات لا تصدقين حديثي وتدعيه بالحماقات وتخشين أن تصدقه زوجتي النسخة الأسوأ منكِ.. إذن سأثبت لكِ.
أنهى جملته وسط نظرات متبادلة بين كلًا من زينات التي تتمنى لو أنه يهذي وبين هدى التي كانت كالشاة المذبوحة غدرًا.
_هيا انظرا.
هكذا قالها شاهين وهو يضع الهاتف الخاص به أمامهما لتظهر صورته بجانب حسناء ترتدي ثوبًا أبيضَ خلاب وهو بجانبها يحيط بخصرها فشعرت بقلبها ينشق إلى نصفين كلاهما يتمنى الموت عله يرحمها من وطأة ذلك الألم الهائل الذي يعصف بسائر جسدها.
فجأة برقت عيناها حين شاهدت يد زينات التي ارتفعت تنوي أن تصطدم بخد شاهين، الذي أمسك بكف والدته قبل أن يطال وجنته، وقد اسودت معالمه وبرقت عيناه وخرجت لهجته قاسية حين قال:
_لا يا أمي، لن أسمح لك بفعلها، فلم أعد ذلك الطفل الصغير الذي كان يرتجف رعبًا منكِ.
تراجعت زينات للخلف بذهول من حديث ولدها الذي كانت تظن بأنها تحكم سيطرتها حوله.
_هل جننت يا شاهين؟!
هكذا قالت بذهول فأجابها بصوت جهوري غاضب:
_بل كبرت وصارت حياتي ملكي أتصرف بها كيفما أشاء.
جاءهم صوت غاضب من الخلف كان لزين الذي قال بتقريع:
_نعم كبرت ولكنك لا تتصرف كالبالغين، بل كطفل أفسده الدلال.
التفت الجميع على صوت زين الغاضب، والذي لم يعِره شاهين أي اهتمام بل كانت عينيه منصبة على تلك التي تقف بجمود كتمثال نُقِش على ملامحه الوجع، الذي كان يُطِل من عينيها التي كانت تعاتبه بقسوة على جريمته النكراء في حقها الذي لن تسامح فيه أبدًا، فتبدلت نظراتها إلى أخرى كارهة، قبل أن تلتفت لتغادر من أمامهم تريد أن تنفرد بنفسها لتلعق كبريائها الجريح وكرامتها المهدورة.
_أخبرني منذ متى أصبحت بهذا السوء؟!
هكذا تحدث زين بغضب بعد أن شاهدها تغادر، فأجابه شاهين بملل:
_ لا طاقة لي للحديث الآن فأنا متعب وأريد النوم.
اكفهرت ملامح زين، فتدخلت زينات في محاولة لتهدئة الأمور، حيث قالت بلهجة جافة:
_ اتركه الآن يا زين فهو ليس في وعيه، في الصباح سنكمل من حيث توقفنا.
أوشك على المعارضة، ولكنه أدرك أنها للأسف محقة، فشيعه بنظرات الاحتقار قبل أن يلتفت إلى غرفته صافقًا الباب خلفه.
****
" لمَ لم تأتي لنتحدث؟!
هكذا تحدثت فريال إلى فراس، الذي كان يتوسط مقعده خلف الطاولة الخشبية في غرفة المكتب الخاصة به في السابق، فقد أمضى الليل بأكمله بها، بعد أن اختار البقاء وحيدًا ليعيد ترتيب أفكاره ودراسة خطواته القادمة.
_هل يوجد بيننا حديث وأنا لا أعلم؟!
هكذا تحدث بفظاظة أغاظتها، ولكنها تجاهلتها وقالت بجفاء:
_لا تتظاهر بالغباء فهذا لا يليق بك، أخبرني ما الذي تنوي فعله بابنتي؟!
طافت أنظاره المتمهلة عليها بطريقة مستفزة، كان يتقصدها قبل أن يقول بلهجته الخشنة:
_ما رأيك أنتِ؟ هل اعاقبها مثلما سأفعل معكم أم أعفو عنها؟
هدرت بغضب:
_لا تلعب معي، تعلم أن نور لا تملك من أمرها شيئًا وأنا من ضغط عليها لتوافق على هذا الزواج.
فراس بلهجه حادة كنصل السكين:
_ أتملكين الجرأة لإخباري بذلك؟ والله لقد أدهشتني بسالتك.
تسلل الخوف إلى قلبها، ولكنها تجاهلته واتبعت حكمة خير وسيلة للدفاع الهجوم فقالت بتقريع:
_كما أدهشتني وقاحتك حين علمت بأنك كنت مسافر مع عشيقتك.
انكمشت ملامحه بغضب وزوى ما بين حاجبيه في استفهام حاد فصاحت تجيبه:
_نعم، لورا عشيقتك التي كنت مسافرًا معها، هل تنكر ذلك؟!
فاجأها حين قال بسلاسة:
_لا لا أنكر.
كانت وقاحته أكبر من قدرتها على الاستيعاب فهبت غاضبة:
_أنت أوقح مما تخيلت، ولا تستحق امرأة كنور أبدًا، وأنا لست نادمة على ما فعلت.
قست ملامحه وشابهتها لهجته حين قال:
_سأجعلك تفعلين.
تجاهلت خوفها منه وقالت بقوة:
_ لا تقدر، فأنتَ من يجب عليه أن يندم لا أنا.
نصب عوده الفارع ودس يديه بجيوب بنطاله وهو يتوجه إلى الناحية الأخرى من المكتب قائلًا بخشونة:
_ولمَ الندم برأيك؟
فريال بحنق:
_ على خيانتك لابنتي أتظن أنني لن أخبرها عن الأمر؟ لقد خبأت الأمر عنها حتى لا أفسد صورتك بعينها، ولكن الآن يجب أن تعلم بأمر خيانتك لها مع تلك الساقطة.
لم يتأثر بتهديدها وظلت ملامحه على حالها حين أجابها بجفاء:
_تلك الساقطة كانت شريكتي ليس أكثر من ذلك.
صاحت بانفعال:
_بل عشيقتك.
أجابها بلا مبالاة:
_لا يهمني رأيك كثيرًا.
_ماذا يحدث هنا؟!
صدح صوتها المرتجف من خلفهما، فالتفتت يناظرها وهي تتقدم بخطٍ غير ثابتة وملامح مشدوهة بما سمعته منذ ثوان.
_نور، منذ متى وأنتِ هنا؟!
هكذا تحدثت فريال التي امتقع وجهها حين رأت نور تقف خلفهما:
_منذ أن كنتِ تقولين عشيقته، هل لي أن أعلم ماذا تقصدين؟!
كانت نبرتها مهتزة، وكذلك حدقتاها فقد تشكلت بهم طبقة كريستالية من الدموع التي تهدد بالهطول في أي وقت.
التفتت فريال تناظره، وقد هالتها تعابيره المكفهرة وعينيه التي تحمل وعيدًا لم تخطئ في فهمه، فحاولت أن تبدو لهجتها ثابته حين قالت:
_لا، من المؤكد أنك أخطأتِ السمع، فأنا لم أقل.
_بل قلتي وأنا متأكدة أنني سمعت بطريقة صحيحة.
هكذا قاطعتها بلهجة غاضبة توازي ألم عميق يتشعب بصدرها منذ أن سمعت حديثها معه وذكرها لأمر تلك العشيقة، دام صمت مطبق، ولأول مرة ترى والدتها بهذا الضياع وتلك الحيرة التي تلون ملامحها فتضاعف الألم والغضب بداخلها، وقبل أن تعيد سؤالها سمعت صوته القاطع وهو يقول:
_اخرجي.
التفتت تناظره بصدمة، فوجدت عينيه مسلطة على والدتها التي كانت تتآكل من فرط الغضب، ولكنها لم تتفوه بحرف، بل التفتت تغادر الغرفة صافعه الباب خلفها بطريقة جعلت جسدها يهتز من فرط الخوف، الذي كان يلون ملامحها مما جعل الغضب يتعاظم بداخله، ولكنه تجاهله قائلًا بخشونة:
_ كيف حالك الآن؟
كانت أنفاسها مسموعة في الغرفة من فرط ما تشعر به، مما جعلها تتجاهل سؤاله وتقول بنبرة مهتزة:
_أريد أن أعلم ماذا قصدت والدتي بأمر تلك العشيقة.
زوى ما بين حاجبيه وقست نظراته وشابهتها نبرته حين قال:
_لا تبالي كثيرًا لحديث والدتك، فمن الواضح أن عقلها لم يعد يعمل بشكل صحيح.
كلماته أيقظت شرارة الغضب بداخلها، فجاءت نبرتها حادة على الرغم من أن صوتها لم يرتفع:
_هل تتهم أمي الآن بالجنون؟
فراس بفظاظة:
_لا أتهمها، بل أصف حالتها، ولننهي هذا النقاش اللعين فلست في مزاج جيد الآن.
قال جملته الأخيرة بغضب أفزعها، لذا تراجعت خطوة للخلف وهي تقول بنبرة شبه باكية:
_حسنًا، اعتذر عن إزعاجك.
التفتت تنوي المغادرة والهروب من بين براثن غضبه، ولكن تجمدت خطواتها أمام باب الغرفة حين قال بصرامة:
_ توقفي.
احتبست الأنفاس بصدرها وشعرت بجميع خلاياها تتحفز حين شعرت به خلفها، فأجبرت نفسها على الالتفات لتصطدم بوهج عينيه الذي أشعل شيء ما بجوفها، وخاصةً حين قال بهسيس خشن:
_للآن لم ترحبي بي بشكل صحيح.
لم تفهم ما ترمي إليه كلماته، فانكمشت ملامحها بحيرة سرعان ما تبددت وتحولت لصدمة حين وجدت نفسها تلتصق بسياج صدره ويديه تعتقل خصرها بقوة توازي قوة دقاتها حين وجدت نفسها قريبة منه لدرجة امتزاج أنفاسهما حد الاحتراق النابع من عينيه ولهجته، حين قال هامسًا بخشونة:
_هكذا يجب أن ترحبي بي يا زوجتي الصغيرة.
ما أن أنهى جملته حتى وجدت شفاهه تسطو بقوة على خاصتها في قبلة كانت مُدمرة شغوفة ومتطلبة، فقد كان يمتص أنفاسها بنهم ويرتشف ريقها بتلذذ، بينما يديه كانت تمارس فنون العبث بقسوة تليق به وتتنافى مع رقتها وطراوة جسدها الذي احتمى به وألقى بثقله على كاهله، فكان أكثر من مرحب بذلك وأخذ يعمق اقترابه منها أكثر، حتى أوشك على إزهاق روحها فتركها على مضض، وأخذ صدره يعلو ويهبط ويديه ما زالت تحتضنها بقوة، بينما هي كانت تحاول تنظيم أنفاسها الهاربة ودقاتها الجنونية إثر هجومه الضاري الذي لم تكن تتوقعه، كما لم تكن تتوقع كلماته الفظه حين قال:
_ينقصك الكثير لتتعلميه.
رفعت رأسها تطالعه بذهول، فاصطدمت بجمرتيه المشتعلتين بنيران لا تعرف سببها، وعلى الرغم من خوفها إلا أنها لم تستطع سوى أن تقول بغضب وهي تنتزع نفسها من بين يديه:
_أنت أيضًا ينقصك أن تتعلم كيف تتعامل مع البشر.
لا تعلم كيف واتتها الجرأة لتقول هذا، فقد صُدِم من حديثها وقد استغلت صدمته في أن تهرول من أمامه قاصدة غرفتها، فهي لا تأمن لغضبه، وقد كانت حالتها لا تسمح لها بأي هجوم آخر من جانبه لذا ما أن وصلت إلى غرفتها حتى دلفت إلى الداخل وأوصدت الباب خلفها، لتقف تستند عليه وصدرها يعلو ويهبط من فرط الانفعال فما حدث في الساعات الماضية تجاوز حدود المعقول، لقد عاد فراس من الموت.. عاد زوجها بعد سنة ونصف من اعتقادهم بأنه مات، وقد اختار أسوأ توقيت للعودة أو ربما كان أصح توقيت، هكذا أخبرها عقلها فلو تأخر لثانية أخرى لكان وجدها زوجة لرجل آخر وهذه هي الطامة الكبرى، رجفة قوية ضربت سائر جسدها وهي تتخيل ما كان سيفعله بالجميع وعلى رأسهم هي.
شهقة قوية خرجت من جوفها حين سمعت الطرق على باب الغرفة، فوضعت يدها فوق قلبها الثائرة نبضاته رعبًا من هوية الطارق، ولكنها هدأت قليلًا حين سمعت صوت والدتها يناديها:
_ نور، هل أنتِ بخير؟!
تنفست الصعداء ومدت يدها تدير قفل الباب، الذي انفتح لتجد والدتها تناظرها باهتمام قبل أن تتوجه إلى الداخل وتغلق الباب خلفها فالتفتت نور لتجلس على الأريكة وتستند برأسها للخلف في محاولة للاسترخاء الذي تعلم استحالة حدوثه وسط كل ما يحدث معها.
_ماذا حدث بينكما في الأسفل؟!
لم تفتح عينيها إنما أطلقت زفير قوي، قبل أن تقول بخفوت:
_لم يحدث شيء.
اقتربت فريال من ابنتها وهي تقول بجمود:
_ إذن لمَ حالتك هكذا؟!
فتحت عينيها تناظرها بتهكم مرير كان يقطر من بين حروفها حين قالت:
_وكيف ستكون حالتي وقد عاد زوجي من الموت لتوه ليجدني على وشك الزواج من رجل آخر؟ أخبريني أنتِ يا أمي لو كنتِ مكاني كيف ستكون حالتك؟
لأول مرة ترى بوادر حنان انبعث من عيني والدتها التي رقت نبرتها وهي تقول:
_ أعلم جيدًا ما تشعرين به، ولكنك لم تخطئي وقد أخبرته بذلك.
نور باستفهام:
_ما الذي أخبرته به؟!
_أخبرته بأنني من ضغطت عليكِ للقبول بهذا الزواج.
انكمشت ملامحها بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت:
_هل قلتِ ذلك فعلًا؟!
فريال بتأكيد:
_نعم.
نور بتهكم:
_غريب! ألم تخافي من ردة فعله؟
فريال باستفهام:
_ولمَ أخاف؟ لم أفعل شيئًا خاطئًا وإن عاد بي الزمن سأعيد ما فعلته وهو لا يملك الحق في لومي.
انكمشت ملامحها بحيرة من حديث والدتها، فهدأت نبرة فريال قليلًا حين قالت:
_نور، أعلم أن ما سأرويه لكِ سيؤلمك، ولكنِ أريدك أن تكوني قوية ولتخلعي عنكِ ثوب الضعف هذا.. فإن أردتِ أن تحيي بسلام في هذا العالم عليكِ أن تكوني امرأة قوية لا تهابين شيئًا.
كلمات والدتها كان غريبة على مسامعها للحد الذي جعلها تقول باستنكار:
_أنتِ من تقولين هذا الكلام يا أمي؟!
_نعم أنا، أعلم بأنني كثيرًا ما أجبرتك على فعل أشياء رغمًا عن إرادتك، ولكن الزمان يتبدل وكل شيء تغير.
لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيها، ففطنت فريال لما تفكر به فأردفت بجفاء:
_ لا تسخري من حديثي فأنا كل ما يهمني في هذه الحياة هو سعادتك أنتِ وشقيقك، ولهذا أجبرتك على الزواج من أشرف، لم أريدك أن تفني عمرك وحيدة بين جدران هذا القصر، أعلم ماذا تعني الوحدة وماذا يعني أن يضيق بكِ كل شيء ولا تجدي أحدًا تبكين على كتفه.
صمتت لثوانٍ تحاول نفض ما يعتريها من ألم، قبل أن تتابع بلهجة مشجبه:
_أردت رؤيتك سعيدة، أن تحيي ما حُرِمت منه أنا.
شعرت بأن والدتها تحمل الكثير في قلبها الذي فاض به الوجع، حتى بات يقطر من عينيها التي لأول مرة ترى بهما هذا الضعف، وما أن همت بالحديث، حتى فاجأتها فريال التي قالت بجفاء:
_فراس كان برفقة امرأة حين سقطت به الطائرة في تلك الرحلة.
تيبست لثوان بمكانها تطالع والدتها، التي كانت جامدة، ليس وكأنها للتو أشعلت بصدرها سهام مشتعلة تكوي بغير رحمة.
_ماذا تقولين؟!
هكذا تحدثت بنبرة مبحوحة، فأجابتها فريال بجفاء:
_ما سمعته، تلك المرأة هي إحدى شركائه، حين سقطت الطائرة وأعلنوا عن هوية من كانوا برفقة فراس تفاجئنا أنها كانت معه، وحين كنتِ بالمستشفى جاء زوجها مصدومًا، فقد أخبرته أنها ستسافر لرؤيه عائلتها وقد كذبت عليه وأخبرنا أنه كان يشك بأنها تخونه مع أحدهم والذي اتضح أنه فراس ولكنني في ذلك الوقت أشفقت عليكِ ولم أخبرك بالحقيقة.
راقبت فريال وقع كلماتها على مسامع نور، التي امتقع وجها وبهت لونه كما تزاحمت الأنفاس بصدرها، وهمست بنبرة فاقدة لكل معاني الحياة:
_إذن ما سمعته في الأسفل كان صحيحًا؟
فريال بتأكيد:
_ نعم كان صحيحًا، ولكنِ لم أخبرك ذلك لكي تنهاري أو تحزني.
كانت عينيها تغلي من فرط ما تشعر به من عذاب ولوعة، فأي ألم أشد على الأنثى من ألم الخيانة؟
_لماذا أخبرتني إذن؟!
اقتربت فريال منها قائلة بنبرة قوية مشددة على كل حرف تتفوه به:
_أخبرتك لتعلمي على أي أرض تقفين، ولتعلمي كيف تتعاملي معه وألا تجعلي ذلك الرجل يخيفك، أنتِ لم ترتكبِ أي شيء خاطئ.
فوجئت من حديث والدتها الذي كان ستارًا يخفي جراحًا عظيمة لا تعلم عنها شيئًا، وقد كانت جراحها تكفيها لذا صرخت بقهر:
_أمي هل تسمعي ما تقولين؟! إنك تتحدثين عن خيانة، لقد خانني، وأنا لم أعد أريد وجوده بحياتي بعد الآن، سأنفصل عنه.
صاحت بها فريال بغضب:
_مخطئة إن ظننتِ أن هذا الأمر محتمل حدوثه.
_ ماذا تقصدين؟!
هكذا استفهمت بقلة حيلة، فأجابتها فريال بقهر:
_الطلاق كلمة ليس لها وجود بقاموس العائلة، وما أن تتفوهي بها ستجدين ألف يد تصفعك حتى لا تعيديها مرة أخرى.
كانت كلماتها تقطر مرارة شعرت بها نور، التي قالت بألم:
_ ما بكِ يا أمي؟ أشعر بأن كلماتك تلك تخفي الكثير خلفها، ماذا يحدث؟
كان استفهامها إذنًا لفيضان كاسح من العبرات التي حبستها لسنوات، والآن لم يعد هناك شيئًا يفلح في قمعها:
_لا أريدك أن تصبحي مثلي، ولن أحتمل أن رؤيتك وأنتِ تعانين، لا أريد الخوض في تفاصيل ستؤلم كلانا، ولكنِ اسمعي أريدك أن تنجحي بحياتك وأن تصبحي امرأة قوية لا تهاب أحد.
نور باستفهام:
_تقصدين فراس؟
فريال بتأكيد:
_نعم، أعلم كم هو رجل قاسي وصعب المعشر، ولكنه أبدًا لن يؤذيكِ.. كما أعلم أن هناك شيئًا خاصًا لكِ بداخله، حتى ولو لم يفصح عنه، وهذه هي مهمتك.
نور بعدم فهم:
_ماذا تقصدين بمهمتي؟
فريال وهي تشدد على كل حرف تتفوه به:
_اخضعي ذلك الوحش واجعليه يصبح أسيرًا لكِ.
رددت ببلاهة:
_أسيرًا لي! وفراس؟ أمي هل عقلك ما زال في مكانه الصحيح؟
نهرتها فريال بحزم:
_تأدبي يا نور.. أعلم جيدًا ما أقوله، هو رجل وأنتِ امرأة، وبكِ كل ما يحتاجه أي رجل؛ جمال، وأنوثة، ورقي، بالإضافة إلى كونك زوجته، وهذا يجعل كل شيء أسهل.
لونت السخرية معالمها، حتى انطبعت على شفتيها في بسمة لم تصل إلى عينيها، وخرجت الكلمات مستنكرة من فمها، حين قالت:
_لا أصدق.. هل تطلبين مني إغوائه؟
فريال بسلاسة:
_وماذا في ذلك؟ هل عليّ أن أذكرك كل دقيقة أنه زوجك؟
ضاقت ذرعًا بما يحدث فهبت معاندة:
_أمي ما تقولينه دربًا من الجنون، فبعد أن علمت بخيانته لي لا أريد حتى رؤية وجهه وأتمنى أن يذهب إلى الجحيم الذي أتى منه، ولكن أتعلمين شيئًا؟ أنا أشعر بأن هناك سببًا آخر خلف حديثك هذا لذا رجاءً أخبريني به.
نظفت حلقها والتفتت إلى الجهة الأخرى، قائلة بمراوغة:
_أنتِ ما زلتِ تحت تأثير الغضب، ولهذا سأتركك لتهدئي قليلًا وبعدها نتحدث.
تعاظم الغضب بداخلها، ولكن نفذت طاقتها في الجدال فتجاهلت منحنى الرد وأخذت تتابع والدتها، التي توقفت أمام باب الغرفة ثم التفتت لتقول بجفاء:
_فكري بحديثي جيدًا وستجدين أنه الحل الصائب، ولتزيلي من عقلك فكرة انفصالك عن فراس؛ لأنها دربًا من دروب المستحيل.
لم تستطع تمالك نفسها وهي تصيح:
_أتعلمين شيئًا؟ بيوم من الأيام سأغادر هذا البيت ولن أعود أبدًا.
لأول مرة تراها بهذا الشكل وهذا التصميم الذي يتبلور بعينيها ولهجتها؛ لذا عادت أدراجها بخطوات وئيدة ونظرات غامضة لم تفهمها نور ولكنها فوجئت بها تقول:
_ للأسف لن تستطيعي فعل هذا أبدًا.
نور بحنق:
_استمري بهذا الحديث إلى أن يأتي ذلك الوقت وحينها سنرى.
استمهلت نفسها قبل أن تتحدث قائلة:
_أنا لن أمنعك ولكن إن كنتي تكنين بعض الولاء لذكرى والدك لن تفعلي.
نور بسخرية:
_حقًا وما دخل والدي بالأمر؟!
قابلت استفهامها بآخر:
أخبريني يا نور في الماضي كيف كانت علاقتك بفراس؟!
هكذا تحدثت فريال بترقب فشعرت نور بالتوتر الذي تجلي في نبرتها حين قالت:
_طبيعية، لمَ تسألين؟!
لم تكن جيدة في الكذب لهذا شملتها نظرات فريال التي قالت بجفاء:
_ لم تكن يومًا علاقتكما طبيعية يا نور وأنا أعلم ومهما حاولتِ أن تجعليها تأخذ هذا المسار لن تفلحي.
انكمشت ملامحها بحيرة من حديث والدتها وتجلى ذلك في نبرتها حين قالت:
_ماذا تقصدين؟!
أخذت نفسًا طويلًا كمن يعد نفسه لإشعال فتيل قنبلة يعلم ما ستحدثه من خراب ودمار وقالت بلهجة جافة:
_لقد كان فراس السبب في موت والدك.
بهتت ملامحها وانحبست الأنفاس بصدرها لثوانٍ بينما تدلى فكها للأسفل من فرط الصدمة فيما قامت فريال بمد يديها تحتوي كفوفها بحنان زائف تجلى في نبرتها حين قالت:
_أعلم وقع الصدمة عليكِ حبيبتي ولكن أرجو منكِ أن تتمالكي نفسك بسرعة؛ حتى لا نلاقي جميعنا نفس مصير أباكِ.
تقاذفت دقاتها بعنف آلم صدرها بينما جاهدت على إخراج الكلمات من شفتيها بصعوبة حين قالت:
_ ما الذي تقولينه يا أمي.
أطلقت تنهيدة قوية وتبدلت نظراتها إلى شجن تجلى في نبرتها حين قالت:
_لقد كان والدك رجل صالح وحنون ولكن لسوء حظه كان الابن الثاني للعائلة بعد رفيق والد فراس والذي كان بدوره يدير الشركات وجميع الأعمال وقد كان ماهرًا في ذلك أو هكذا ظننا.
صمتت لثوانٍ فأخذت نظرات نور المتوسلة تحثها على الحديث فتابعت:
_منذ أن تولى إدارة المجموعة حتى ازدهرت الأعمال وتزايدت الأرباح بشكل ملحوظ وقد جعل هذا والدك يشك وحاول أن يقطع شكه باليقين ليُصدم بأن أخاه يقوم بأعمال مشبوهة.
استطاعت بصعوبة إخراج صوتها حين قالت باستفهام:
_أي نوع من الأعمال المشبوهة؟!
_ السلاح والألماس وحتى المخدرات هذا ما توصل إليه والدك ذلك الحين وللأسف لم يتِح له الفرصة لمراجعة أخاه فقد توفي أو بالأحرى قُتِل.
وثبت شهقة قوية من جوفها تأثرًا بحديث والدتها التي تابعت تؤكد على حديثها:
_نعم هذا ما حدث والأدهى من ذلك أننا عرفنا بعد ذلك أنه كان متورطًا مع المافيا وهم من قتلوه.
همست بصوت خافت من فرط الصدمة:
_وما علاقة فراس بذلك؟!
فريال بقسوة:
_لقد حذا حذو أبيه وعمل معهم وحين حاول والدك ثنيه عن ذلك نهره وبشدة حتى أنه هدده بالقتل ولأن والدك كان رجلًا شريفًا لم ينصاع إليه وأخبره بأنه سيسلمه بيده للشرطة وهكذا وشي به فراس فقتلوه.
جرت عيناها على ملامح نور المصدومة وعيناها اللتان استنكرتا ما تسمعناه أذناها وأعلنت غضبها وهي تذرف دموع الألم فأتقنت فريال استغلال الفرص حين صبت النيران على بنزين غضبها وقالت وهي تشدد على كل حرف تتفوه به:
_ لقد قتل فراس والدك.
تخبطت سحبها فأمطرت ألمًا كانت تئن به كل خلية بها فقد كانت زوجة لقاتل أبيها لمدة أربع سنوات، اختلط الغضب بالحزن وصاحت بمرارة وكأن صبارًا نبت في جوفها:
_ولمَ وافقتِ إذن على زواجي منه؟! لمَ لم تقولي لا وتسانديني حين أردت رفض تلك الزيجة؟!
سؤال متوقع كانت تعِد إجابته قبل أن تطرح هذا الأمر الشائك فأتقنت ذرف عبرات مزيفة وهي تقول بحزن مفتعل:
_كنت أخشى عليك أنتِ وأخاك أن ينالك ما نال أباكم، كنت أخشي أن أفقد أي منكما.
سطا الاستنكار على ملامحها ونبرتها حين قالت:
_تخشي أن تفقدي أيًا منا! ولهذا أرسلتني إلى عرين الوحش بيديك! زوجتيني من هاديس أمير الظلمات ليسحبني إلى عالمه المظلم إلى الأبد.
توقعت ثورتها لهذا اقتربت تعانق كتفيها وهي تتقن ارتداء ثوب الوهن قائلة:
_لأني أعلم أنكِ الوحيدة القادرة على ردعه والنيل منه.
نور بذهول:
_ماذا؟!
أكدت فريال على كلماتها قائلة:
_ نعم، فراس يعشقك يا نور، أنتِ نقطة ضعفه الوحيدة.
تجاهلت تلك الضجة التي انتابت قلبها حين سمعت كلمات فريال وتحول ذهولها إلى رفض قاطع حين قالت:
_بالله عليكِ هل تستمعي لما تتفوهين به؟! منذ دقائق أخبرتني بأنه يملك مشاعر نحوي والآن تؤكدين أنه يعشقني أي عشق هذا الذي تتحدثين عنه؟!
قاطعتها فريال بانفعال:
_أعلم أنكِ تستنكرين حديثي ولكنها الحقيقة هو الآخر لا يدرك مشاعره نحوك لأنه فردًا من رجال تلك العائلة اللعينة الذين يعتبرون أن الحب ضعف.
صاحت نور بذهول:
_أمي هذه أول مرة أسمعك تسبين العائلة أو حتى تتحدثين بتلك اللهجة.
قاطعتها للمرة الثانية وهي تقول بلهجة أقل انفعالًا:
_اسمعيني جيدًا نور، هناك الكثير من الأشياء التي ينبغي عليكِ معرفتها وأولها أنني أكثر من عانى بسبب تلك العائلة ولكني لا أهتم، جل ما أريده هو الاطمئنان عليكِ وشقيقك والأخذ بثأر والدك.
نور بسخرية مريرة:
_حقًا، وكيف تعتزمين القيام بذلك؟
فريال مصححة:
_أنتِ من ستقومين بذلك وليس أنا.
*****
_ لا أصدق عيني... كيف تنام بتلك السهولة بعد أن أشعلت الحرائق بكل مكان؟!
هكذا تحدث زين، وهو يسكب قنينة المياه فوق رأس شاهين النائم بعمق على الفراش؛ ليهب من مكانه مفزوعًا حين لامس الماء المثلج جسده.
_ما الذي يحدث؟!
هكذا صرخ شاهين، وهو يناظر والده الذي كان الغضب يقطر من بين نظراته ويجتاح نبرته حين صاح به:
_وبكل وقاحة تسأل ماذا حدث؟ لقد تركت زوجتك وأطفالك المنزل وأنت نائم كالخنزير.
زفر شاهين بحنق وحاول أن يكظم غيظه الذي كان يأكل داخله، وتجاهل وقع ما حدث على قلبه، فأطلق زفيرًا حادًا قبل أن يقول من بين أسنانه:
_وما شأني إن تركت المنزل أم لا؟
جن جنون زين من حديثه وهدر بعنف:
_ما هذا الذي تقوله؟ أقول لك زوجتك تركت المنزل هي وأطفالك وذهبت إلى بيت والدها هل أنت معتوه أم ماذا؟
شاهين بقسوة:
_لست معتوهًا ولم أرتكب أي جريمة لأعاقب عليها.
زين بصياح:
_هدمت بيتك، هل هذه ليست جريمة في نظرك؟!
شاهين بسخرية مريرة:
_أي بيت هذا الذي تتحدث عنه؟ لم أكن اشعر بأنني متزوج من الأساس.
زين بسخرية:
_هل هذه مزحة؟ اسمعني إياك أن تتحدث بالسوء عن هدى وإلا...
قاطعه شاهين بجفاء:
_لن أفعل؛ ولذلك لا تضطرني للخوض في أسباب زواجي وتجاوز عن الأمر فما حدث حدث وانتهى.
احتقن وجه زين بالغضب الذي تجلى في نبرته حين قال:
_ لم ينتهِ، ولن نترك الأمر هكذا، فهدى لن تقبل به.
تجاهل طنين الألم بقلبه وقال بجفاء:
_لا أنتظر قبولها.
_ماذا لو طلبت الطلاق؟!
كان استفهامًا يراوغه منذ أن وطأت أقدامه أعتاب علاقته مع هناء، ولكنه لم يكن يملك الجرأة للمواجهة التي لم يجد بد منها الآن لذا أطلق زفيرًا قويًا من جوفه قبل أن يقول بفظاظة:
_سأنفذ ما تريده
.
تصدعت ملامح زين من فرط الصدمة التي تجلت في نبرته حين قال:
_بهذه السهولة تستطيع أن تضحي بها؟ إنها هدى! تلك الفتاة التي سلبت عقلك في الماضي وكنت تود اختطافها حين أخبرك والدها أنها ما زالت صغيرة على الزواج.
صرخ بقهر يسكن أعماق قلبه:
_لم تعد هي! لم تعد تلك الفتاة التي وقعت بعشقها سابقًا تحولت لامرأة أخرى أكره تفاصيلها.
كلماته حوت معاني مستترة فطن إليها زين الذي شعر بالشفقة على تلك الفتاة التي كانت ضحية لتسلط زوجته فقال بنبرة معاتبة:
_كان عليك أن تتحدث معها وتخبرها بأنك غير راضي على علاقتكما وعن تحولها بهذا الشكل.
لونت السخرية معالمه وانبثقت من بين حروفه حين قال:
_اللعنة على الحديث، لقد مللت منه، لقد تحدثت حتى ملت هي الأخرى وباتت تتجنبني مؤخرًا.
زين باستنكار:
_منذ متى ساءت علاقتكم بهذا الشكل؟!
تجاهل ذلك الجرح النازف بصدره وقال ساخرًا:
_منذ مدة أبعد من أن أتذكرها.
فرك عينيه بكلتا يديه وهو يتربع على المقعد خلفه، ثم أردف بجمود:
_اتركها عند والدها حتى تستطيع التفكير بروية، وأنا على ثقة أن حزنها لن يدوم طويلًا، فزوجتي أخرجتني من حياتها منذ زمن.
المرارة التي تقطر من بين كلماته توحي بعمق ما يشعر به وما يحدث داخله، لذا قال محاولًا التخفيف من وطأة الأمر:
_لا تقل هذا الكلام فهدى تحبك كثيرًا، وأنا أكثر من يعلم.
غصة صدئة تشكلت في حلقة تجاهلها بصعوبة قبل أن يقول بجفاء:
_لم يعد الأمر مهمًا... سأذهب للاستحمام قبل الذهاب إلى المكتب.
فجأة تذكر زين ما حدث البارحة فصاح بخشونة:
_أما زلت لا تعلم بعد.
قطب جبينه قبل أن يقول باستفهام:
_ما الذي لا أعلمه؟!
ألقى زين قنبلته بروية:
_ لقد عاد فراس أمس.
******
_فراس، هل أنت هنا حقًا، لا أصدق عيني.
هكذا قال شاهين، الذي ما أن سمع من والده بعودة فراس صديق عمره وابن عمه حتى هرول قاطعًا المسافة البسيطة التي تفصل القصرين في لمح البصر؛ ليتوجه رأسًا إلى غرفة المكتب الذي فتحه دون أن يطرق على الباب؛ ليفاجئ بفراس الذي يجلس على مكتبه يمسك بالهاتف، الذي وضعه ما أن رأى شاهين يقف أمامه بأعين جاحظة غير مصدق.
_يا إلهي إنها معجزة.
فراس بسخرية:
_ إنها حقًا معجزة.
هتف بطريقة مضحكة:
_اللعنة، إنه صوته فعلًا، أنا لا أحلم.
لاح شبح ابتسامة على فم فراس حين قال بتخابث:
_اقترب أكثر لترى إن كان حلمًا أو حقيقة.
ابتلعت الفريسة الطعم واقترب شاهين قائلًا بشوق:
_لا أصدق أنك هنا يا صديقي، لقد اشتقت إليك كثيرًا.
ما أن أوشك على معانقته حتى تفاجئ بلكمة قوية أطاحت بفكه وجعلته يتراجع عدة خطوات للخلف، فصرخ بصدمة ممزوجة بألم:
_آه ما هذا يا رجل؟ هل هكذا ترحب بي بعد طول غيبتك؟
اكفهرت ملامحه واسودت عينيه، حين زأر بغضب:
_ أي الأصدقاء أنت أيها الوغد؟ أعود بعد كل تلك الغيبة لأجد زوجتي تزف لآخر؟ أين أنت مما يحدث؟
شاهين باندفاع:
_كنت أتزوج أنا الآخر.
انكمشت ملامحه بامتعاض وصاح مستنكرًا:
_ماذا؟!
أخذ يفرك مكان اللكمة، وهو يقول بحنق:
_مثلما سمعت، تزوجت على هدى.
تجاهل ضجيج قنبلته، وصاح بجفاء:
_هل أقتلك الآن أم ماذا؟
لون الملل ملامحه حين قال بامتعاض:
_ ولمَ تقتلني؟ هل أنا من أسقطت طائرتك وزوجت زوجتك، إنها زوجة عمك.. تلك الطاغية التي لا يقدر عليها سوى الله.
احتدت ملامحه الخشنة حين أتى شاهين على ذكرها وقست نظراته، فأردف شاهين باستفهام:
_هيا الآن أخبرني أين كنت كل تلك المدة؟ وكيف نجوت من ذلك الحادث البشع؟ لقد شاهدت بعيني الجثث المحترقة.
اكتظت عينيه بالخيبة التي تتنافى مع خشونة لهجته حين قال:
_قابلت أكثر من نصف العائلة منذ أن عدت، ولم يتذكر أحدهم بأن يسأل ماذا حدث لي طوال تلك المدة؟
تشدق ساخرًا:
_هذا يعني أنني صديق جيد أو لنقل صديقك الوحيد.
شيعه بنظرات محتقنه قبل أن يتمتم بخشونة:
_بل أسوأ الأصدقاء على الإطلاق.
شاهين بملل:
_لا تطل الأمر، فلم أكن موافقًا ولم أحضر تلك المهزلة وهذا كل ما استطعت فعله.
دار حول مكتبه ليجلس على المقعد خلفه وهو يقول بوعيد:
_ لا تثرثر كالفتيات بالنسبة إليّ أنت معاقب مثلهم.
صاح بحنق:
_اللعنة على همجيتك، وكيف تنوي عقابنا يا تُرى؟!
قست عيناه وأطلق سهام غضبه الحارقة:
_لن أكتفي بإحراقكم أحياء.
تقدم شاهين يجلس على المقعد أمام المكتب، وهو يقول ساخرًا:
_أمهلني بعض الوقت كوني لم أشارك مباشرة في هذه الجريمة ودعني أتمم زواجي أولًا؛ إكرامًا لصداقتنا.
زفر بملل وهو يتمتم:
_أسوأ ما في الأمر هو أنني سأضطر إلى تحمل سماجتك مرة أخرى.
تجاهل حديثه وقال بهدوء:
_هيا أخبرني ماذا حدث معك؟
ترك ما بيده وتشابهت عينيه مع لهجته حين قال بجمود:
_تلك السفرة كانت محاولة لقتلي.
_ماذا تقول؟!
أراح جسده للخلف وهو يجيبه بجفاء:
_أتذكر حين أخبرتك قبل السفر بثلاثة أيام أنني سأقابل الروس لإتمام صفقة الأسلحة؟!
_أجل، أذكر.
استطرد فراس بجمود:
_لقد كنت أعلم أنها تراقبنا وتستمع إلى محادثتنا، لهذا أردت تضليلها، من البداية أعلم أنها خائنة، ولكن تركتها لأعرف لحساب من تعمل.
شاهين يترقب:
_وهل علمت؟!
_ نعم.
شاهين بحماس:
_لحساب من تعمل؟ هيا أخبرني يا رجل يكاد الفضول يأكلني.
اختصر غضبه ووحشية ما يشعر به في كلمة واحدة:
_فريال.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية كواسر أخضعها العشق) اسم الرواية