Ads by Google X

رواية مملكة سفيد الفصل الاربعون 40 - بقلم رحمة نبيل

الصفحة الرئيسية

        

 رواية مملكة سفيد الفصل الاربعون 40 -   بقلم رحمة نبيل

#يريد_اختطافي
مساء الخير .
الحق واضح وضوح الشمس في كبد السماء؛ لذا لا تتعب نفسك في وصف تلك الشمس لصاحب النظارة القاتمة، فلا هو سيخلع نظارته ليبصر تلك الشمس ولا أنت ستمتلك وقتك لتنتبه لتلك الشمس.
الظلم بيّن، والجميع يبصر، هم لا يحتاجون منك صرخات ولوم وعتاب، فكافكم تضييعًا لوقتكم في خطابات وجمل حماسية لا فائدة ترجى منها، وادعوا لهم ما استطعتم .
والأهم لا تغلقوا القلوب، ولا تتوقفوا عن الدعاء .
ولا تملوا الحديث عنهم والتذكير بمصابهم، فهذا الشيء الوحيد الذي نمتلكه الآن.
ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا .
فقدم لهم ما استطعت ولو كانت بكلمة واحدة، أو بدعوة بينك وبين نفسك
صلوا على نبي الرحمة .
____________________
تحرك الجميع في ظلام الليل وقد غابت ملامحهم بين سواد الليل، وكأن سواد القلوب انعكس عليهم ليخفي كامل ملامحهم فأحسنوا الاختلاط بالليل .
أشار شخص يتقدم هذا الجمع لهم بالتحرك، وقد زادت هرولة الاقدام صوب نقطة محددة، والأيدي ترتعش والقلب يرجف، فهم في هذه اللحظة ليسوا أصحاب الحق كما اعتادوا قديمًا .
فالحق قوة، والباطل خزي .
توقف الجمع على بُعد صغير من الحدود الفاصلة بين سفيد وصحراء مشكى، توقفوا يراقبون الجنود يتحركون يمينًا ويسارًا بتيقظ لأي حركة قد تأتيهم غدرًا من خارج البلاد..
ونسوا أن الغدر لا وطن له، وأنه يتسرب من جميع الاتجاهات، حتى وإن كان من داخل أرضهم نفسها، فما هي إلا ثواني وارتفعت الصرخات وأصوات التكبير وعلى الاستنفار أجساد الرجال على الحدود وقد رفعوا أسلحتهم يتلفتون حول أنفسهم يبحثون عن مصدر السهام التي تساقطت عليهم كالمطر ..
لكن كان الأوان قد فات وتساقط نصفهم بالفعل وقد أُخذوا غدرًا .
ثواني وسيطر رجال الجمع على رجال الحدود وقيدوهم ارضًا .
تحرك أحد رجال الجمع صوب الحدود يرفع سيفه مبتسمًا حتى توقف أمام من تبقى حيًا من الرجال ينظر له من أعلى لاسفل هامسًا :
” انتهى دوركم يا رجال، واحسنتم الحراسة، نحن من سيتسلم الحدود الآن”
رفع أحد جنود سالار رأسه للمتحدث يبتسم له بسمة مستفزة وقد أدرك أنه هالك لا محالة، إذن ليمت بشرف ورأس مرفوعة :
” لا بأس ستتسلمها منا ويأتي غدًا من يتسلمها منك، هي الحياة، لا تدوم لأحدهم، اليوم أنا هنا وغدًا أرحل وتأتي أنت، لكن أنت وحينما ترحل يا مسكين، إلى أين مستقرك يا ترى ؟؟”
اشتعلت أعين الرجل والتي كان يخفيها خلف غطاء اسود كي يخفي ملامحه، بينما الآخر لم يتوقف عن الحديث يهمس بفحيح :
” جهنم وبأس المصير ..”
وبعد هذه الكلمات تناثرت دماء الرجل الطاهرة على الأجساد النجسة حوله، تناثرت وقد جُزت عنقه وتدحرجت رأسه ارضًا حتى استقرت أسفل أقدامهم، ليبتسم قائد الجمع وهو ينحني يحدق بأعين حارس الحدود يدقق النظر بها :
” انظر أين أنا الآن وأين أنت ؟؟”
رفع عيونه صوب من تبقى من رجال الحدود وقد أعطاهم درسًا منذ ثواني عن مصير من يعارضه :
” إذن تخضعون لي أم تلحقون بصديقكم ؟!”
وكان من تبقى منهم فقط خمسة رجال، نظروا لبعضهم البعض بنظرات سريعة قبل أن يبتلع أحدهم ريقه هامسًا :
” نحن …نحن طوع أوامرك سيدي …”
ابتسم الرجل بسمة واسعة لم تظهر من أسفل لثامه والتمعت عيونه في الظلام يهمس :
” هذا ما كنت أتوقعه منكم، الآن ستسمعون ما اقول وتنفذونه …”
___________________
الصدمة كانت هي الكلمة المشتركة والتي تصف ملامح جميع من يقف في الغرفة، مظهر زمرد التي كانت تحدق ارضًا بجسد شهرزاد الغارقة في دمائها جعلت الجميع يتصنم دون القدرة على التحرك .
ابتلع إيفان ريقه وهو يحرك رأسه في المكان قبل أن يقول بصوت ما يزال يحمل صدمة كبيرة :
” أغلقوا …أغلقوا ابواب الغرفة سريعًا..”
نظر الجميع له بتعجب، ليصدح صوته مرتفعًا صارخًا:
” سالار اغلق باب الغرفة بسرعة ..”
تحرك سالار بسرعة صوب الباب يغلقه بقوة وصوته رن صداه في المكان بأكمله، يغلقه في وجه كل من اقترب لرؤية ما يحدث، ورغم تعجبه عدم وجود حراسه في هذا الوقت أمام غرفة زمرد إلا أنه شكر ربه لعدم وجودهم .
تحرك بعيدًا عن الباب وبخطوات سريعة شبه مهرولة، صوب جسد تبارك التي كانت تحدق فيما حدث دون ردة فعل، يجذب جسدها بسرعة مغلقًا عيونها يخفي رأسها فيه وهو يربت عليها دون شعور وعيونه تحدق فيما يحدث أمامه إذ جُنّ جنون إيفان وهو يهتف بصوت مصدوم مشيرًا لجسد شهرزاد :
” ما الذي فعلتيه ؟؟ ما الذي فعلتيه ؟!”
كان يهزي بسؤاله وهو يشعر بنفسه على وشك الجنون، وسالار الذي يعلم إيفان أكثر من أي شخص في هذا المكان، رأى نفس النظرة التي تعلو وجه إيفان عادة حينما يخطأ هو ويصرخ به، تلك النظرة التي تكون خوفًا عليه مما سيحدث له بسبب خطأه، وليس خوفًا من الخطأ.
وإيفان في هذه اللحظة صرخ بصوت مرتفع يطيح ما أمامه:
” ما الذي فعلتيه بالله عليكِ؟؟ هل جننتي ؟؟”
تحرك دانيار بسرعة يقف بين إيفان وبين زمرد التي كانت تنظر للجميع حولها بصمت ولا تهتم لكل هذا الصراخ .
رفع إيفان عيونه له يصيح بجنون :
” ابتعد عن وجهي دانيار ولا تدعني اصب جام غضبي في وجهك ”
” بل افعل، يمكنك صب كل غضبك في وجهي مولاي، عاقبني بما يناسبك، لكنني أبدًا لن ادعك تواجهها بهذا الغضب الذي يعلو وجهك ”
اتسعت أعين إيفان بصدمة لحظية قبل أن يبتسم بسمة مخيفة، ومن ثم اندفع فجأة صوب دانيار يجذبه من ثيابه متحدثًا بغضب جحيمي :
” أيها الحقير القذر هل تحاول أن تفرض أوامرك عليّ، تظن أنك ستستطيع إبعادها عني إن أردت بها سوءًا ؟؟”
اتسعت عين دانيار بشدة مما يسمع وإيفان في هذه اللحظة كان قاب قوسين من الجنون وهو يصرخ في المكان بأكمله يحرك جسد دانيار بقوة :
” تبًا لكم اجمعين، لا أحد يستطيع منعي عما أريد، ابتعد عن عيوني قبل أن أحرق القصر على رؤوس من به ”
صمت يتنفس قبل أن يكمل صراخه :
” لماذا ؟؟ الجميع يجبرني على الوقوف أمامه بشكل لا احبذه ”
وقبل أن يكمل كلمته تحرك سالار بسرعة صوب إيفان يجذبه بعيدًا وقد كان مصدومًا من حالته غير المتزنة، يجذبه وهو يهمس له بعدم تصديق :
” إيفان ما بك ؟؟ تعقل، هل جننت لتتحدث بهذا الشكل ؟!”
نظر له إيفان نظرة جعلت قلب سالار يهتز يهمس بصوت منخفض :
” ستكون بخير، لن…لن يحدث لأختك شيئًا فقط اهدأ، ستكون بخير، لن نسمح بحدوث شيئًا لها، حسنًا ؟!”
وكأن هذه الكلمات التي كان يحتاج إيفان لسماعها، لقد تخطى قوانينه مرة وهو يسمح لزمرد بأخذ موري من المحاكمة أمام الجميع وهو الذي لم يسمح بذلك طوال سنوات عمره بالكامل، وما كان ليفعل لولا رؤيته نظرات زمرد حينها، فتخلى للمرة الأولى عن قيمه وجعلها تفعل ما تريد .
والآن قتلها لـ … للمرأة التي من المفترض أنها كانت والدته وربته يومًا، امرأة مسلمة ليست من الأعداء ليتهاون في الأمر، على الأقل أمام الجميع، هي وضعته في مأزق بين واجبه كملك لا يستطيع ترك أحدهم يأخذ ثأره بيده كي لا تعم الفوضى، وبين رجل كان يتمنى أن يقتلها هو بيده اليوم قبل الغد .
تنفس بصوت مرتفع يشعر بقبضة سالار تتركه يتحرر شيئًا فشيء، وقد علم سالار في هذه اللحظة أن عقل إيفان بدأ يبتعد عن دوره كحامي لجميع من يعنيه الأمر، ذلك الدور الذي قد يوقف عقله لثواني قبل أن يعود للعمل .
ابتلع إيفان ريقه يحرك عيونه صوب زمرد والتي كانت ترتعش خلف دانيار بأعين دامعة رافضة أن تدع لدموعها حرية السقوط، تحدق ارضًا دون أن تحيد بنظراتها عن شهرزاد وكأنها تتوعدها بأنها لم تنتهي بعد، وأن موتها لم يكفها .
تنفس إيفان يبتعد عن سالار متحركًا صوبها، لكن دانيار تحرك بسرعة يمد يده لمنعه وقد علت نظرات إصرار مرعبة عيونه، وقد أدرك إيفان أن دانيار في هذه اللحظة يستطيع قتاله وقتال جميع من بالغرفة دون أن يهتز له جفن .
ابتسم له يبعد يده :
” هذه أختي دانيار، لن تحمها مني ”
ختم حديثه ولم يكد يتحرك حتى امسك دانيار مرفقه ينظر في عيونه :
” أنت لن تتحدث معها الآن، هي لا …”
جذب إيفان مرفقه بغضب من بين أنامل دانيار :
” التزم حدودك دانيار أنا ملكك هنا ويمكنني أن انزع منك مكانتك ولقبك وازج بك في السجون ”
نظر له دانيار بتحدي رغم نظراته التي اهتزت لثواني :
” أفعل ما شئت، لكنني لن ادعك تزيدها عليها، بالله عليك انظر إليها، أنها ترتجف ”
تحركت أعين إيفان صوب جسد زمرد التي كادت تسقط أرضًا بانهيار، ومن ثم عاد صوب دانيار يقول ببرود دون أن ينزع عيونه عنه :
” سالار… ألقي بدانيار في السجن ”
نظر لهم سالار وقد شعر أن الأمور حوله تزداد سوءًا، بينما دانيار لم يفعل سوى أن ابتسم :
” بكل سرور، لكنني لن أذهب إلا بعدما اطمئن أنك لن تتعرض لها بكلمة واحدة ”
ابتسم له إيفان يتجاهله متحركًا صوب زمرد التي كانت تضم السكين بين قبضتها بقوة حتى كادت تجرح يدها، تشرد أمامها في الجسد الغارق في الدماء، وجسدها بأكمله يرتجف، يظنه البعض خوفًا، لكنه كان غضبًا .
كانت تشعر أنها لم تكتفي منها بعد، ولو كان بيدها أن تجبرها على الاستيقاظ لتقتلها مجددًا، لفعلتها .
فجأة انتفض جسدها بمفاجأة وهي تشعر بالسكين يُسحب بحرص من بين قبضتيها، رفعت عيونها المفزوعة لتبصر وجه إيفان الذي ألقى بالسكين أرضًا، ثم نظر باهتمام لكفها يرى إن أُصيبت بجرحٍ أو لا .
بينما زمرد فقط كانت متعجبة من وجوده، متى جاء وكيف، وكل هؤلاء الأشخاص في غرفتها، ما الذي حدث؟ آخر ما تتذكره هو الغضب الذي تحكم بها لتسحب سكينها الذي تحتفظ به في غرفتها طوال الوقت تطعن به شهرزاد دون مقدمات .
شعرت بأن رأسها تؤلمها لتهمس بصوت منخفض :
” ما …ما الذي حدث ؟؟”
نظر الجميع لبعضهم البعض بتعجب من كلماتها تلك ليقول إيفان بجدية :
” هذا ما اريد أنا سؤالك إياه زمرد، ما الذي حدث هنا ؟؟؟”
______________________
زفر بصوت مرتفع وهو ما يزال يقف أمام الغرفة لا تستطيع التقدم خطوة أو التراجع، ليس وهناك حديث عالق بينهما، تنهد بصوت مرتفع قبل أن يرفع كفه طارقًا لباب الغرفة متحدثًا بصوت شبه خافت :
” برلنت الهروب من الحديث معي ليس سبيلًا لحل تلك المشاكل العالقة، افتحي الباب ”
ولا رد من الداخل رغم معرفته أنها لم تنم بعد، يدرك ذلك فهو يعلمها ويعلم عاداتها جيدًا :
” برلنت حبيبتي توقفي عن هذه الأفعال ودعينا نتحدث بهدوء كأي شخصين ناضجين ”
ولم يصل له رد اخر فاستند بجبهته على الباب يتحدث بتعب :
” برلنت افتحي هذا الباب، ودعينا نتحدث، أنا لا أستطيع النوم وأنا أعلم أنكِ غاضبة مني، وأدرك أنكِ كذلك ”
سمع صوت خطوات داخل الغرفة ليبتسم :
” حسنًا أنا آسف إن كان هذا يرضيكِ فقط افتحي الباب رجاءً ”
وصوت الخطوات التي كانت تقترب من الباب توقفت لثواني وكأنها ترددت في فتح الباب وإفساد غضبها منه، لذا عادت أدراجها مجددًا لينفخ تميم بغضب شديد متحدثًا بحنق :
” يا ويلي برلنت توقفي عن هذه التصرفات الصبيانية وافتحي هذا الباب، يا امرأة ما بالك تعاندين في أمرٍ كلانا يدرك أنكِ مخطئة به ؟!”
فجأة فُتح الباب ليتنفس الصعداء وهو يدفعه بسرعة دافعًا إياها للداخل دون كلمة، ثم اغلق الباب يقول بجدية :
” كنت أعلم أنكِ لن تستطيعي النو…..”
وتوقفت باقي الكلمة على حدود فمه وهو يبصر أمامه فراش برلنت تعلوه براحة وتنام بعشوائية كما اعتادت طوال الوقت، رمش تميم يحاول فهم ما يحدث أمامه، وكيف تنام هكذا بكل راحة بال وهدوء، بل كيف فتحت له الباب وتحركت بهذه السرعة لتتوسط الفراش ؟!
وفي غمرة تفكيره سمع صوتًا جواره يهمس :
” لقد نامت منذ فترة قصيرة بعد ساعات قضتها بالبكاء ”
انتفض جسد تميم بشكل تلقائي ودون إرادة منه بسبب الصوت جواره، استدار نصف استدارة صوب صاحب الصوت وقد شحب وجهه بخوف قبل أن يدرك أنها والدة برلنت .
” اوه…مـ ..مرحبًا يا خالة كيف حالك اليوم ؟؟”
ابتسمت والدة برلنت تكتم ضحكتها على ملامحه وعلى ردة فعله :
” أنا بخير يا بني، كيف حالك أنت ؟!”
” الحمدلله بخير، لكن ابنتك تقسو عليّ يا خالة، اوصيها بي خيرًا”
ابتسمت والدة برلنت وهي تتحرك صوب الباب :
” من يوصي بمن تميم، الفتاة متعلقة بك أكثر مني ووالدها، اوصيها أنت بنا خيرًا، واستوصى بها كذلك خيرًا، فالفتاة لا تمتلك سواك في هذه الحياة الآن ”
تحرك تميم يقول بلهفة :
” ما الذي تتحدثين به يا خالة، اطال الله بعمرك ”
” هذه الحقيقة يا بني، يومًا ما سأرحل وتبقى صغيرتي وحيد، فارحم وحدتها وضعفها تميم ولا تقسو عليها، يكفيها ما نالت بهذه الحياة، أما آن أن تبتسم لها الدنيا ؟!”
نظر تميم صوب فراش برلنت ليسمع صوت والدتها يهمس بجدية :
” أنا سأرحل بعض ايام لاستقر في منزلي، فقد اشتقت لجدرانه وأتمنى أن اقضي ايامي الأخيرة بينها، فاعتني بصغيرتي كما اعتدت تميم ”
امسك تميم يدها وقبلها بهدوء :
” في قلبي وعيني يا خالة، سوف نأتي لزيارتك كل اسبوع و…”
توقف ثم أكمل بهدوء :
” ما رأيك أن تعودي للعيش في حينا القديم فوالدي هناك ويمكنكم الاستئناس ببعضكم البعض ؟؟”
ضحكت بخفة وهي تربت على يده :
” يعلم الله أن والديك أقرب لي من إخوتي رحمة الله عليهم، لكنها الحياة يا ولدي، وذلك الشرخ الذي أصاب علاقتنا سابقًا لن يبرأ بهذه السهولة، سامح الله عبدالله جعلني أخجل من رفع عيوني في وجوههم ..”
فتح تميم فمه ليرفض كل تلك الكلمات لكنها أوقفته :
” اعلم أن والديك من الكرم والنبل الذي يجعلهما يتناسيان كل ما حدث، وربما هذا أكثر ما يوجعني، أنهما كانا افضل منا، ادامهما الله لك يا بني، اوصل سلامي لهما، لعل الله يكتب لنا لقاء قريب .”
ختمت حديثها تتحرك للخارج بجسد مرهق متعب وقد اضنتها الحياة واشبعتها لطمًا، حتى انحنى ظهرها وتحطمت هامتها، راقبها تميم ترحل وتغلق الباب خلفها ليشعر بالشفقة عليها، يرغب في رفض ذهابها لأجلها واجل برلنت، لكنه لا يريد أيضًا أن يجبرها على البقاء في مكان لا تفضله .
وعلى ذكر برلنت تحركت عيونه صوب تلك المستكينة التي كان يراهن على لوعتها، ويكاد يقسم على أن النوم خاصمها مثله .
” يا ويلي وأنا من جئت كي أخبرك أنني اسامحك فقط لتنامي قريرة الأعين ؟! أيتها الـ ”
صمت يتحرك صوبها يجلس القرفصاء جوار فراشها ارضًا بالقرب من رأسها، يطيل التحديق بها، يقترب منها شيئًا فشيء، ثم همس بصوت منخفض :
” أنتِ غبية بيرلي الصغيرة، تنامين قريرة العين وأنا قد جافني النوم لعيونك ؟!”
همهمت برلنت في نومها بانزعاج وكأن كلماته قد وصلت لها بين أحلامها، ليبتسم هو بسخرية لاذعة :
” وتنزعجين أيضًا من كلماتي ؟؟ اعتذر لسموك برلنت أن ازعجت كلماتي الحقيرة نومك الهانئ جلالتك، يا لي من حقير حقًا ”
زفرت برلنت وهي تتقلب في نومتها ليكمل تميم حديثه بغيظ :
” نعم ازفري ازفري، لا ينقصني سوى أن تنهضي وتجذبين اذني ملقية بي للخارج بعدما أفسدت نومتك وأنتِ من افسدتي حياتي يا امرأة ”
زفر بضيق ينزع حذاءه ثم تحرك صوب الفراش يجذب الغطاء بعيدًا وبعدها استقر على الفراش جوارها يجذب رأسها لصدره يضمها له بحنان مربتًا عليها :
” لكن أوتعلمين شيئًا، أنا اسامحك، فقط لأنك بيرلي”
ابتسمت برلنت بسمة واسعة وهي تشعر بالدفء قد أحاط بها، وتميم نظر لها ببسمة، ثم عاد بنظراته للشقق فوقه يشرد فيه ثواني يفكر في القادم وهو يدرك أن والد برلنت لن يصمت فهو يحاول الزحف لحياتها مجددّا مستغلًا سذاجتها واحساسها بالذنب لأجله وهو من أخطأ بها .
ومن بين افكار تسللت قبلة صغيرة خبيثة صوب صدره جعلت عيونه تتسع وهو يحركها صوب برلنت ينظر لها بترقب، وهي فقط ومن بين أحلامها كانت تهمس باسمه وتشدد من صمته وتقبل صدره .
ابتسم بسمة صغيرة وهو يضمها له :
” يسعدني أن ارافقك في احلامك صغيرتي، هذا يجعل بعض الامل يملئ صدري، أنه حتى وإن تجافينا في الواقع، فهناك في مكانٍ ما عالم سيجمعنا سويًا رغم كل ما يعيق ذلك ”
نظر لها بحب يبعد خصلاتها عن عيونها مرددًا :
” وأنا سأعمل فقط خلال المتبقي من حياتي على جذب هذا العالم لواقعنا ولو كان رغم انف الجميع واولهم والدك بيرلي….”
________________________
يتحرك على خيله بسرعة كبيرة وقد اختلط سواد ثوبه بسواد الليل حوله ولم يظهر له ملامح سوى عيونه التي تشتعل بنظرات مريبة، وذلك الشعار الذي يحتفظ به منذ طفولته على جميع ثيابه، شعار ذهبي صغير يحتل ياقة ثوبه متمثلًا في هيئة اسد .
كان يجلس في القاعة يتناقش في بعض الأمور المتعلقة بجيشه قبل أن يأتيه أحد رجال البلاد يطالب برؤيته على وجه السرعة، انتفض جسد أرسلان يستمع لكلام الرجل الذي كان يتنفس بصوت مرتفع يردد بكلمات جادة..
” مولاي، مولاي لقد …لقد رأيتهم، اقسم أنني رأيتهم جميعًا ”
نظر له أرسلان بترقب ينتظر أن يكمل الرجل حديثه بعدما يأخذ أنفاسه، وقد كان، فقد تحدث الرجل بسرعة :
” بعدما أغلقت المحل الخاص بي وأثناء عودتي للمنزل أبصرت عدد من الرجال يتحركون بشكل غريب يتلفتون حولهم كل ثانية فشعرت بالشك صوبهم ولحقت بهم، وحين ابتعدوا عن الشوارع المركزية للبلاد أدركت يا مولاي …لقد كانوا من المنبوذين، اقسم أنني رأيت السواد يعلو ملامحهم، لقد كانوا يحيون بيننا، سمعت أحدهم يخبرهم أن يتوجهوا صوب الحدود الخاصة بسفيد ويبدو أنهم ينتون بهم شرًا ”
اسرع أرسلان من خيله وهو يبصر الطريق أمامه ورغم ظلمته إلا أنه يحفظه عن ظهر قلب، خلفه يأتي رجاله، لكنه لم يستطع الانتظار وقد شعر بالغضب يغلي داخل أوردته .
واخيرًا بعد فترة من حديث الرجل له عبر الصحراء الفاصلة بين مشكى وحدود سفيد، توقف أرسلان بسرعة وهو يحرك نظراته على الحدود وقد شعر أن كل شيء طبيعي أكثر من اللازم، كل شيء هادئ اكثر من اللازم .
ترجل عن فرسه يخرج سيفه مستعدًا لأي حركة قد تصدر حوله، وحواسه بالكامل تنبهت يتحرك صوب حدود سفيد متعجبًا أن لا حارس واحد يقف عليها، ابتسم بسخرية وريبته تزداد :
” لا يعقل أن إيفان انتزع جميع جنوده عن الحدود، هل يثق بي لهذه الدرجة ؟؟”
كان حديثه ساخرًا وهو يبحث بعيونه عن شيء مريب في المكان، وقد كان عدم وجود الجنود الآن أكثر الأمور ريبة .
بحثت عيون أرسلان كثيرًا حوله، لكن لا شيء، ارتاب وهو يتحرك عائًدا صوب خيله وقد قرر الاستمرار حتى سفيد ليرى ما يحدث في هذا المكان .
لكن وأثناء عودته شعر بما لم يشعر به أثناء تحركه في البداية، شيء لزج أسفل قدمه، تحركت عيونه قليلًا للاسفل يحاول أن يعلم ما هذا الشيء، لكن ما أبصرت عيونه سوى بقعة سوداء تنافس سواد المكان حوله.
انحنى قليلًا يتلمس تلك البقعة وقد علم من لزوجة السائل نوعية ما دهسه دون الحاجة للتأكد أكثر، لكنه بالفعل قرب أصابعه منه ليتأكد ظنه …دماء .
تحركت عيونه في المكان وقد تشددت قبضته على السيف، يبحث عن مصدر الدماء، لتقع عيونه على شيء يختفي خلف أحد الأشجار، شيء جعل أعينه تتسع، جسد أحد الرجال يرتدي ثياب جنود سفيد لكن بلا رأس….
” سيدي …هل أنت بخير ؟؟ لقد أبصرت دماء و…”
توقف المعتصم عن الحديث حين أبصر ما يقف أمامه أرسلان، ابتلع ريقه يهمس بصدمة :
” ما معنى ذلك ؟؟”
أجابه أرسلان بصوت حاد شارد :
” هو لن يتوقف حتى ينال سفيد، ويبدو أنه بدأ للتو”
نظر حوله قبل أن يتحرك بسرعة صوب حيله يقول :
” عليّ الذهاب هناك بسرعة، ارجع مع باقي الجنود يا المعتصم، احرس البلاد علينا ألا نتركها جميعًا ”
نظر له المعتصم باعتراض، لكن أرسلان بنظرة واحدة اخبره أن الرفض غير مقبول لديه في هذه اللحظة، ومن ثم تحرك سريعًا دون كلمة، وخيله قد سابق ذرات الهواء حوله سرعة يدعو في صدره أن تكون جميع الأمور بخير في سفيد .
” يا الله اكفنا شر هؤلاء الخنازير، لن يتوقفوا حتى أحرقهم على بكرة أبيهم ….”
_______________________
استيقظت بعد مواجهتها لتلك الراقصة الفاسقة في المحاكمة، لتجد نفسها تتوسط فراش غريب وشعرت بالريبة والخجل من الأمر لتقرر العودة صوب غرفتها، وبالفعل نهضت ترتدي حجابها متحركة صوب الغرفة وحينما اقتربت منها تعجبت لأول مرة أنها لم تر أي حارس يقف أمام الباب، ليس الأمر أنها تفتقد وجودهم فهي لا تحب أن تشعر أن هناك من يقف أمام بابها طوال الوقت، لكنها فقط متعجبة .
فتحت الباب تخطو للغرفة وهي تتنفس بصوت مرتفع وتعب تحاول أن تخرج من الحالة السيئة التي دفعتها لها موري ..
لكن يبدو أن ليلتها لم تنتهي بعد فقد كان أول ما قابلت حين دخولها للغرفة رؤيتها للمرأة التي لا تطيق رؤيتها هكذا ودون أسباب محددة، منذ كانت تزعج تبارك وكهرمان وهي لا تحب هذه المرأة، لكن هل يجب أن تكون ممتنة لها أن اعتنت بأخيها ؟!
لماذا إذن لا تشعر بذلك ؟!
رفعت شهرزاد عيونها صوب زمرد تقول ببسمة جانبية :
” واخيرًا جاءت سمو الأمير لغرفتها ؟؟”
” أنتِ من صرفتي الجنود في الخارج !!”
رفعت شهرزاد حاجبها تقول :
” لماذا هل تخافين مقابلتي دون وجود حراسة في الخارج ؟؟”
ابتسمت لها زمرد بسمة جانبية :
” صدقيني إن كان هناك من يحتاج للخوف هنا من عدم وجود حراسة فهو أنتِ ”
نهضت شهرزاد عن المقعد تتحرك حول زمرد وهي تردد بجدية :
” يحق لكِ قول ذلك، فأيًا كان من يقف أمامك عليه أن يأخذ احتياطاته منكِ ومن شعبك القذر ”
اسود وجه زمرد ولم تتحدث بكلمة بينما شهرزاد بدأت تدور حولها بشكل مستفز لجميع حواس زمرد تقول :
” أتعلمين، أنتِ تشبهينها أكثر من شقيقتها الوضيعة حتى ”
نظرت لها زمرد بملامح مقتضبة ولم تتحدث بكلمة حتى توقفت شهرزاد عن الدوران واخيرًا أمامها :
” لكن هناك شيء بكِ مختلف تمامًا عنها…عن آمنة ”
ابتسمت لها زمرد تهمس بصوت مسموع لشهرزاد :
” هو نفسه الشيء الذي سيجعلك تندمين إن اقتربتي مني خطوة إضافية ”
نظرت شهرزاد لخطواتها، ثم رفعت عيونها لها تقول بحاجب مرفوع :
” لو علمت أن ذلك الهجوم وقتها سينتج عنه أخذ والدتك لهؤلاء القوم، صدقيني ما كنت دبرت له”
نظرت لها زمرد بعدم فهم، تحاول معرفة ما تقصده وشهرزاد أكملت بكل جدية :
” ليس لأنني أمانع أن ينتهك ذلك القذر والدتك مئات المرات ويريها الجحيم، بل على العكس هذا يسعدني وبشدة وافضله أكثر من موتها بكل بساطة، لكن لانه نتج عنه طفلة تماثل والدتها قذارة ”
شعرت زمرد بدمائها تغلي داخل جسدها وجسدها يرتجف غضبًا تجيب شهرزاد بغضب :
” هذه القذارة داخلك، لا ذنب لي أو لوالدتي أن قذارتك تنعكس على الجميع ”
” أوه وتستطيعين الرد كذلك ؟؟ كانت والدتك مثلك، لكن أقل حدة منك، تجيب كل كلمة لكن بتردد ورقة، رقة كانت ورقتي للتخلص منها ”
اتسعت أعين زمرد لتتسع بسمة شهرزاد والتي جاءت هنا لغرضٍ ولن ترحل سوى به، هي ستخرج اسوء ما فيها وتجعل الجميع يرى أي نوع من الأشخاص هي، وايضًا كي تخمد نيران كبريائها الثائرة مما حدث لها في المرة الأخيرة داخل القاعة على مرأى ومسمع الجميع .
ستسقطها ببساطة في المكيدة لتطيح بها أمام الجميع وتجعلها مذنبة في أعينهم.
ويبدو أنها أخطأت تقدير ما سيحدث، فهي وإن ظنت أن شياطين زمرد تقل خطورة عن شياطينها فقد أساءت التقدير، إذ اشتغل غضب زمرد وهي تسمع صوت شهرزاد تردد لها كيف اخذت إيفان من والدتها وكيف أحالت أيامها الأخيرة في القصر لجحيم قبل أن تجهز بنفسها للهجوم الذي نتج عنه عذاب ابدي لوالدتها حتى رحلت على يد والد بافل .
زمرد الوحيدة التي كانت تسمع أصوات بكاء والدتها وترى بعيونها ما عانته من عذاب لأجلها، علمت مقدار الضرر الذي تسببت به هذه المرأة لوالدتها، تنفست بصوت مرتفع وشهرزاد لم تكف عن سرد كل ما فعلته بآمنة على مسامع زمرد وقد ظنت بكل غباء أنها بمثل رقة آمنة، أو بمثل حكمة وهدوء إيفان لتسمع ما تقول وتصمت .
انتهت تقذف جملتها الأخيرة في وجه زمرد :
” ذلك فقط كي تدركي حدودك في القصر، واستمعي لنصيحتي فآخر من تجاهلها كان والدتك وانظري أين هي الآن ؟!”
في هذه اللحظة سيطر الشيطان على عقل زمرد وزين لها قتل شهرزاد، تحكم بها بامتياز وهو يحركها بسرعة مخيفة صوب الفراش الخاص بها تخرج من أسفل الوسادة السكين الذي تحفظه فقط لتشعر بالأمان ومن ثم عادت صوب شهرزاد وهي تنظر لها بشر جعل شهرزاد تتراجع بريبة :
” أنتِ ما الذي تفعلينه ؟؟ تراجعي للخلف ”
” أخبرتك أنك من يحتاج للخوف هنا من عدم وجود حراسة ”
وبعد هذه الكلمات وقبل أن تطلق شهرزاد صرختها المستنجدة شعرت بالسكين يخترق جسدها بقوة لتختنق صرختها، واعين زمرد قد ازدادت حدة وهي تبتسم بسمة مرعبة :
” سألتيني أين والدتي الآن صحيح ؟؟ حسنًا استطيع أن اضمن لكِ أنها في مكان افضل من ذلك الذي ستذهبين إليه أنتِ، رحلة سعيدة ”
سحبت السكين لتخرج شهقة مرتفعة من فم شهرزاد وهي تحاول الحديث تضع يدها على جرحها وقد رأت حياتها بالكامل تمر أمامها، هي والتي لم تكن تجهز نفسها للرحيل الآن أو أبدًا، ظنت أنها ناجية من مصير الآخرة، عاثت بالأرض فسادًا والآن انتهت رحلتها لتبدأ رحلة أخرى أشد قسوة من قسوتها هي في هذه الحياة .
ابتلعت ريقها تستند على الفراش تحاول الحديث، لكن شيطان زمرد لم يخمد حريق غضبها بعد، بل جمع المزيد من احطاب السنين السابقة يزيد من اشتعالها فمدت يدها تمدها بالطعنة الثانية متسببة في ارتفاع شهقاتها تنهار ارضًا وهي تتمسك بالفراش، حتى سلمت واخيرًا للموت .
وزمرد تقف جوارها تنظر لها بأعين حمراء لا ترى سوى عذاب والدتها طوال هذه السنوات بسبب هذه المرأة ..
عودة للواقع والجميع حول زمرد يستمع منها عما حدث لها، وقد اشتد غضب إيفان يحاول أن يرتب أفكاره، لكن ذلك لم يكن سهلًا حين سماع الجميع صوت أحد الرجال في الخارج يهتف وقد علم بوجوده هنا من الحراس الذين أبصروا ركضه :
” مولاي …مولاي لقد قُتلت تلك المرأة في السجون”
اتسعت أعين إيفان وهو يستدير ببطء صوب زمرد يتساءل بعيونه إن كانت هي الفاعل ؟؟
لكن زمرد نفت برأسها تجيب على سؤاله غير المنطوق :
” اقسم أنني لم اقترب منها خطوة واحدة، أنا منذ خرجت من غرفتك لم اتحرك سوى لهنا و… أنتم تعلمون ما حدث ”
ابتلع ريقه يشعر بكل شيء يضغط عليه ليقول وهو يحاول التفكير :
” سمو الأميرة تبارك ”
كانت تبارك كل ذلك ما تزال شبه ملتصقة بسالار تسمع ما يحدث بصدمة كبيرة حتى سمعت ذكر اسمها فانتفضت تقول :
” ماذا ؟؟ نعم ؟!”
” هل يمكنك أخذ زمرد لغرفتكِ رجاءً، ستقضي هذه الليلة معكِ إذا لم تمانعي ”
نفت تبارك بسرعة وهي تتحرك صوب زمرد تجذب يدها برفق :
” لا لا أنا من الأساس كنت سأعرض ذلك ”
جذبت زمرد للخارج بلطف وخوف عليها، وحسن مرورها بسالار ابتسم الاخير لها بسمة مطمئنة بعثت في نفسها راحة كبيرة.
تنهدت تبارك وهي تتحرك مع زمرد للخارج، وحين خرجوا من الباب وضع إيفان يد في خصره والثانية أزاح بها خصلات شعره وهو يحدق في جثة شهرزاد بملامح باردة لا يجد في نفسه أي مشاعر لها البتة، تنفس بصوت مرتفع يرفع عيونه للجميع وقبل الحديث أبصر دخول تميم له بملامح ناعسة ومعه أرسلان بعدما ارشده الجنود لمكان الملك، يشير صوب أرسلان بجدية ونبرة حادة بعض الشيء :
” الملك أرسلان جاء يمتلك اخبارًا سيئة ”
ابتسم إيفان يحرك يديه في الهواء بغضب وسخرية :
” وهل هناك اخبار جيدة في هذه الليلة، أما لهذه الليلة من فجرٍ ؟!”
__________________________
الساعة الثالثة فجرًا :
والجميع ما يزالون جالسين في قاعة الاجتماعات، وقد حاولوا جمع الخطوط، يتحدثون ويتناقشون في كل ما يحدث حولهم .
ساعات قضوها ولم يصلوا للكثير، سالار يقف أمام الطاولة يضع أمامه خارطة البلاد :
” إذن جثة واحدة التي عثرت عليها أرسلان ؟! وباقي الجنود ؟؟ ”
هز أرسلان كتفه دون علم :
” لا اعلم حقًا بمجرد رؤيتي تلك الجثة جئت هنا كي أخبركم بما حدث ”
نظر سالار لإيفان في عيونه ثم قال :
” هناك احتمالين فيما يخص اختفاء باقي الجنود، الاول أنهم قُتلوا وأُخذت جثثهم لمكان بعيد عن الحدود وتركوا واحدة منهم لتوصل لنا رسالة واضحة بعودتهم، والثاني والذي لا احب أن أفكر فيه وهو أن الجنود استسلموا لهم، وربما انضموا لصفوفهم لهذا لا جثث أخرى ولا دماء تدل على ذلك ”
استند إيفان على ظهر المقعد يحدق أمامه بشرود :
” مقتل الراقصة ومقتل جنود الحدود ….هناك حلقة بينهما، يبدو أنها كانت محقة فيما قالت، الراقصة لم تأت هنا لتفسد اسم سالار، بل جاءت لتفسد البلاد بأكملها ”
نظر لها الجميع بعدم فهم ليعدل إيفان من وضعيته ينظر في وجوه الجميع ثم توقف على وجه سالار مرددًا:
” زوجتك ..”
اعتدل جسد سالار وتحفز لذكرها يضيق عيونه فأكمل إيفان :
” لقد كانت محقة، الراقصة لم تأتي هنا سوى لتوصل رسالة ويبدو أنها وبعد أن اوصلتها لم يجدوا لها حاجة، وايًا كان من تسلم هذه الرسالة فهو على علاقة وثيقة بمن تخلص من الجنود على الحدود ”
نظر له الجميع بانتباه :
” بالتفكير في هذا فهناك احتمالين، أما أن الهجوم تم من الخارج من طرف هؤلاء المنبوذين الذين تحركوا من بلاد أرسلان كما قال، أو … أنه كان من داخل بلادنا ”
تحدث أرسلان وهو يستند بذراعيه على الطاولة يشبك كفيه معًا:
” نعم بخصوص هذا فيؤسفني القول أنه كان من الداخل ”
نظر له الجميع بانتباه فأكمل بجدية :
” حسنًا في البداية الوقت الذي أبصر فيه العم تحرك الرجال صوب الحدود كان الساعة التاسعة تقريبًا حسب قوله، والطريق من البلاد إلى الحدود يأخذ ساعات، وبما أنني تبعتهم بعد رحيلهم بسرعة، إذن فموعد وصولهم للحدود كان قبلي بساعة تقريبًا، وقت غير كافي لتتجمد الجثة ويجف الدماء بهذه السرعة، إذا قدرنا وقت استشهاد ذلك الحارس على الحدود فهو كان قبل وصولي بساعتين أو ثلاث ساعات ”
صمت يرى نظرات إيفان، ثم أضاف :
” هذه مجرد تقديرات ولا أحد يستطيع التخمين ”
شارك دانيار للمرة الأولى منذ مجيئه :
” هل تعتقدون أن الملكة شهرزاد كان لها علاقة بالأمر؟!”
ابتسم إيفان بسخرية لاذعة :
” لا استبعد ذلك الأمر، فهي فعلتها مرة وربما كانت تدبر للثانية، لكن الله اراد ألا تبصر نورًا للشمس بعد اليوم، لا رحمها الله ولا غفر لها ”
كانت كلماته مظلمة والجميع صمت، لا يعلمون مع من يتعاملون، الرأي الأرجح أنهم يتعاملون مع المنبوذين، لكن المنبوذين ومن ؟؟ هذا ما يحتاج للتفكير به قبل أن يدركهم الخطر دون شعور منهم ..
تحدث تميم وهو يحاول التريث في أفكاره :
” هو….لو كان هناك من يدعم بافل داخل اراضينا، فأنا أكاد أجزم أنه ليس جنديًا عاديًا، ما احتمالية أن يستطع مجرد جندي في الجيش القيام بكل ذلك وبهذه المهارة”
نظر إيفان صوب سالار يبتسم بسخرية :
” ما كان عليك تدريبهم بهذه المهارة سالار، كان يكفيك تعليمهم اساسيات القتال، انظر إلى ما اضطررتنا لمواجهته ؟؟ قاتل محترف نشأ على يديك”
ابتسم سالار بيأس وهو يجلس على المقعد المجاور لإيفان:
” لندع الله ألا تصل الأمور بنا لهذه النقطة ”
فجأة تحدث أرسلان دون مقدمات يشاركهم ما يفكر به :
” نزار ؟؟ هل يعقل أنه نزار من يشاركهم الأمر مجددًا؟!”
نفى سالار الأمر بكلمات مقتضبة :
” ليس وهو بين جدران سجون آبى، وليس في ارضنا على الأقل ”
حسنًا الخيوط تتشابك والحقائق تتداخل ويبدو أن المنبوذين حدود موعد الحرب الأخيرة، لكنهم أبوا أن يشاركوهم بها تاركين إياهم يتنازعون بينهم على معرفة من منهم الخائن .
ضربة أجاد بافل توجيهها بمهارة هذه المرة، هو وايًا كان من معه فقد أحسنوا اللعبة .
____________________
في الصباح التالي .
تحركت بين ممرات القصر تستنشق عبير الصباح داعية الله أن يكون خيرًا للجميع هنا، تحركت وهي تبصر النور الخافت الذي يتسلل من بين النوافذ ليضيء القصر والذي كان في هذه اللحظة مظلم بشكل كئيب وبشدة .
تنهدت تبارك بصوت شبه مرتفع وهي تبحث بعيونها عن سالار، تود الجلوس معه في هذا الوقت من الصباح قبل أن يزدحم يومه بالمشاكل.
لكن كل ما ابصرته أثناء التحرك هو صمت وفراغ جعل قلبها ينقبض، وقد تذكرت أيامها السابقة في منزلها حين كانت تشعر بنفس الفراغ وقت استيقاظها، لا أعاد الله هذه الأيام مجددًا .
فجأة توقفت اقدام تبارك حين سمعت همسات في الجوار، تحركت عيونها تبحث عن مصدر الهمسات في الممر ولم اصل لشيء مما جعلها تكمل طريقها وهي ما تزال تفكر في الأمر .
توقفت أمام قاعة العرش تبحث بعيونها عن سالار حتى رأت أن تسأل الحراس :
” هل القائد سالار بالداخل ؟؟”
ولم يحرك أحدهم عيونه لها وقد اجابوها :
” لا مولاتي، جميع القادة في قاعة الاجتماعات الخاصة بالملك ”
شكرته تبارك بخفوت وتحركت صوب القاعة تشعر بحركة غريبة في القصر حولها، الهواء أصبح ثقيلًا فجأة وقد شعرت بالريبة، لكنها لم تهتم وهي تكمل الطريق حتى وصلت لقاعة الاجتماعات وقبل طرقها سمعت صوتًا يتحدث خلفها :
” سمو الأميرة …”
استدارت تبارك نصف استدارة تنظر لذلك الجندي بثيابه الرثة المريبة والتي جعلتها تتراجع بترقب تهمس :
” نعم ؟!”
” أنا …أنا فقط …هل يمكنني التحدث معكِ”
اتسعت أعين تبارك بصدمة كبيرة فمنذ متى يأتي رجال هذا القصر لها ويطلبون الحديث هكذا، ولأي سبب قد يفعلون ؟؟
” عفوًا ؟؟ ”
ابتلع الجندي ريقه والذي كان يبدو شابًا في بداية العشرينات :
” أنا أرجوكِ هذه مسألة حياة أو موت اترجاكِ ”
رفعت تبارك حاجبه من وقد كانت عيونها تظهر من خلف اللثام الذي تضعه :
“لا اعتقد أن هذه الأمور قد تعتمد عليّ، ربما يمكنك الحديث مع الملك أو …”
فجأة سقطت دموع الشاب وهو يجلس على ركبتيه في الأرضية لتشهق تبارك وتعود للخلف بريبة تنظر حولها لترى أن بعض الحراس قد بدأوا يتحفزون لما يحدث واحدهم تحرك صوبهم، لكن الجندي الجاثي ارضًا تحدث بسرعة ورجاء :
” أرجوكِ أنا اقسم أن الأمر لن يستغرق ثواني فقط اسمعيني، أرجوكِ ”
وتبارك لم تكن معتادة أن يترجاها أحدهم بهذا الشكل، نبض قلبها بعنف وهي تشير له أن ينهض :
” فقط انهض رجاءً، انهض ولا تفعل ما تفعل، لا تركع لأحد، لا اعتقد أن سالار سيسره أن يرى جنوده يجثون بهذا الشكل لأحد ”
رفع الشاب عيونه لها وقد غرق وجهه في الدموع :
” أنا واقعٌ في ورطة، اغيثيني ”
في هذا الوقت وصل لها الجنود يتحدث أحدهم بصوت قوي :
” ما الذي تفعله هنا، انهض ”
نظرت له تبارك بتردد ومن ثم نظرت للشاب لتقول وهي توجه كلماتها للحراس :
” لا ….لا بأس، أنا …أنا سأتولى أمره ”
ولم ينظر لها أحدهم بل اخفض الجندي عيونه ارضًا يهتف :
” سمو الأميرة هذا لا …”
قاطعته تبارك وهي تشعر بالضغط مما يحدث ونبرة الشاب تضغط على جميع اوتار شفقتها :
” أخبرتك أنني سأتدبر الأمر رجاءً”
هز رأسه ولم يملك سوى الامتثال لها، بينما تبارك تنفست تراقب تحركه حيث موضعه تقول بصوت خافت :
” انتظرني أمام القصر في الحديقة الجانبية ”
رفع الشاب عيونه لها بلهفة شديد ثم هرع يشكرها بمبالغة لم تفهم لها تبارك معنى، ما حاجة أحد الجنود هنا لها ؟؟ وكيف يطالبها بالمساعدة وهي أضعف منه حتى .
نظرت صوب الباب الخاص بالقاعة، ومن ثم قالت لأحد الحراس :
” حينما ينتهي القائد والملك من هذا الاجتماع، رجاءً أخبر القائد سالار أنني جئت لرؤيته، وأنني ذاهبة للحديقة الجانبية في القصر ”
ختمت حديثها تتحرك بتردد صوب تلك الحديقة وما يطمئنها قليلًا أنه حتى وإن أراد بها سوء، فلن يفعله في الصباح على مرأى ومسمع من جميع الحراس في المكان .
” ترى ما الذي يريده مني ؟!”
ورغم شعورها أن ما تفعله خاطئ، إلا أنها لم تستطع أن تتغلب على شعورها بالرغبة في مساعدته، وقد انتوت أن تخبر سالار بكل شيء .
__________________
” أنا لا افهم ما يحدث هنا زمرد، هل هذا يعني أنه ستتم محاكمتك ؟!”
ابتلعت زمرد ريقها تهز رأسها بعدم فهم :
” هذا ما اخمنه، فهذه المرأة لم تكن ذو شأن قليل هنا، والجميع لن يتوقف عن الحديث بالأمر و…أنا لا أستطيع أن اتسيب في مشاكل لأخي يكفيه ما ناله طوال هذه السنوات ”
تنهدت بصوت مرتفع تمسح وجهها، ثم قررت النهوض تتحرك خارج الغرفة مع برلنت وقد ملت الانتظار حتى تعلم مصيرها، بينما برلنت لحقت بها وهي تردد :
” ما بال المصائب تسقط على رؤوس الجميع هنا ؟!”
نظرت لها زمرد يفضول :
” أي مصائب تلك ؟؟ هل حدث شيء معكِ وتميم ؟؟”
هزت برلنت رأسها وقد استيقظت في الصباح لتجد نفسها وحدها في الفراش وهي من ظنت أنه لن يهون عليه تركها وحيدة كما اعتادوا :
” نعم يبدو أننا على وشك الدخول في منعطف سيقلب كل شيء رأسًا على عقب ”
توقفت زمرد وهي تنظر لها بفضول :
” ما الذي حدث لكل هذا برلنت ؟؟ هل خانك ذلك الرجل ؟!”
ضحكت برلنت ضحكة صغيرة من أفكار زمرد :
” لا لم يفعل بعد، لو كان تميم يفكر في الخيانة لما انتظر كل هذه السنوات ليفعل حينما يلتقي بي ”
” لا اعلم أنا لا اثق في أي رجل في هذه الحياة ”
” هل هذا يتضمن دانيار ؟!”
ابتسمت زمرد تهمس لها وهي تتذكر من بين أفكارها الضبابية عن ليلة أمس صوت دانيار وهو يتحدي ايفان :
” لا، دانيار استثناء، وكذلك إيفان”
تشنجت برلنت بحنق :
” أيتها الحقيرة تستثنين كل من يخصك من الأمر، هذا مـ ”
وقبل أن تكمل كلماتها كانا قد وصلا لغرفة الاجتماعات التي ارشدهم لها الحراس في طريقهم للبحث عن الرجال، لكن حين وصلا شعرتا بحالة استنفار غريبة في المكان ..
وإيفان يمسك بمرفق سالار يهمس له بكلمات يبدو أنها لا تجدي نفعًا مع ذلك الثائر هناك بخصلاته التي تميل للاحمر والتي كانت في هذه اللحظة تعبر وبشكل وافي عن حالته المشتعلة .
فجأة ارتفعت عين سالار صوب بداية الممر حيث كانتا تقفان، فتراجعت برلنت بسرعة وهي تهمس باسم تميم في فزع :
” يا ويلي ..تميم ”
أمسكت زمرد بيدها تحاول أن تبعدها عنها هامسة بحنق شديد :
” أيتها الجبانة اخرجي من خلفي هو لن يتجرأ ويمسك بسوء ”
وحين أبصرت تقدم سالار منهم تراجعت زمرد وهي تقول بصوت منخفض مستغيث :
” إيفان، ليمسك أحدكم هذا الرجل، أين تبارك لتتحكم برجل الكهف هذا ؟؟”
توقف أرسلان أمام سالار وهو يتحدث بغيظ :
” سالار بالله عليك توقف عن هذه الأفعال، مرة الذي تفعله أنت ؟! هي بخير لقد أخبرك الحارس أنه رحل وتركها ”
نظر له سالار باعتراض مبعدًا يده :
” وما الذي جعله من الأساس يقترب منها بل ويتحدث لها؟! واين هي الآن، ثم …كيف …كيف تجرأ و..”
توقف عن التحدث حين رأى أحد الحراس يهرول صوبه متحدثًا باحترام شديد :
” سيدي مرحبًا لقد تركت لك سمو الأميرة رسالة ”
نظر له سالار بشر وهو يتساءل أين كان هذا الاحمق وهو يشتعل منذ ثواني بعد كلمات الحارس الآخر بأنه رآها تقف مع أحد الجنود والذي كان يبدو مظهره مريبًا بعض الشيء .
” وأين كنت أنت كل هذا الوقت !!”
” لقد …لقد كنت في استراحتي سيدي، أنا آسف”
نظر إيفان للحارس وهو يدفع سالار للخلف وقد كان وكأنه على وشك الهجوم على الجميع، حسنًا هو لن يلومه، فهو البارحة كاد يهدم القصر فوق رؤوس الجميع لأجل زمرد.
” حسنًا لا بأس، سالار تحرك مع الرجل بهدوء واسمع منه رسالة زوجتك والجميع ليعد كل لعمله انتهينا للان ”
بدأ الجميع ينفض من حول سالار والذي كان بملامح جامدة غاضبة مخيفة كعادته وكأن اثر وجود تبارك في حياته تلاشى مع ابتعادها .
تحرك إيفان صوب زمرد يقول بجدية :
” زمرد الحقي بي …”
شعرت زمرد بالريبة والتردد ورغم ذلك تحركت خلفه، بعدما ألقت دانيار بنظرة ممتلئة بالمشاعر لم يفهم منها سوى أنها بالفعل تحتاجه لذلك تحرك خلفهم مصممًا على الالتصاق بها ليرى ما سيحدث، وكأنه اقسم ألا ينتهي يومه سوى وهو مسجون كما تعهد له إيفان .
وتميم تحرك بكل بساطة يجذب مرفق برلنت دون مقدمات ودون أن ينظر لها حتى يتحرك بهدوء في طريقه وهي تنظر له بصدمة :
” ما هذه الوقاحة ؟؟ تستمر في تجاهلي منذ البارحة والآن تأتي لجذبي بهذا الشكل ؟! لا يا سيد أنت لم تخمن، دع ذراعي وإلا صرخت واخبرت الجميع أنكِ تختطفني الآن و…”
توقف تميم في منتصف الممر يقول بصوت مرتفع وهو يحدق في الجميع حوله :
” مرحبًا جميعًا هذه زوجتي وأنا الآن على وشك اختطافها ”
ختم حديثه يتحرك مجددًا دون الاهتمام لنظرات برلنت المصدومة وعيونها المتسعة، بينما ابتسم يكمل طريقه دون أن يهتم بكل ما يحدث حوله ”
بينما أرسلان كان يراقب الجميع ببسمة جانبية يردد في نفسه :
” أي عالم للمجانين ستلقي به شقيقتك ارسلان؟! والادهى أنك ستمنحها لملك المجانين ”
تنهد بصوت مرتفع يتحرك صوب الشرفة الخاصة بهذا الممر يجلس بها بهدوء ينتظر أن ينتهي إيفان مما يفعل ليعلم ليلتقي به وينهي معه الحديث المعلق ويرحل لشقيقته .
لكن يبدو أن شقيقته تعجبت لقاءه إذ فجأة أبصر فتح البوابة وتحرك قافلة يدركها جيدًا للداخل، وهذا درس له كي لا يرسل لاحقًا أي رسالة تحمل أي أخبار لشقيقته، هو فقط أرسل لها سبب بقائه ليلة إضافية، ليجدها تقفز له في الصباح ..
” هذا لن يكون جيدًا أبدًا…”
__________________
كان يتحرك بسرعة وخطوات قوية كعادته في طريقه صوب الحديقة الجانبية وهو يتوعد لتبارك بالويل، كان غضبه في هذه اللحظة كبيرًا على ذلك الرجل الذي تجرأ واقترب من تبارك، وعلى تبارك نفسها التي توقفت للتحدث معه حتى، بل وتحركت خلفه كما أخبره الحارس .
كان يحث الخطى صوب الحديقة دون أن يحيد بعيونه للجانبين، لكن فجأة توقفت أقدامه بسرعة قبل أن يصطدم في ذلك الجسد الذي يكاد يهرول في الجهة المقابلة منه .
رمش سالار ثواني يبصرها وقد توقفت أمامه تتنفس بصوت مرتفع، ثم ابتسمت بسمة واسعة بسيطة جدًا وهي تقول :
” مرحبًا”
رفع سالار حاجبه يقول بسخرية :
” مرحبًا ؟؟؟؟”
صمت ثواني ثم قال :
” أوه نعم، مرحبًا ”
تعجبت تبارك ردة فعله، لتقوم بتوسيع بسمتها أكثر بغرض إذابة الغضب الواضح أمامها في عيون سالار :
” تبدو ….مشرقًا في الحقيقة ”
” أنتِ كاذبة ”
كانت جملة مباشرة منه دون مواراة أو شيء من هذا القبيل، فقد ألقاها في وجهها دون كلمات إضافية .
وتبارك تراجعت للخلف خطوات بصدمة تهمس له :
” هذا كان جارحًا حقًا ”
” هذه كانت الحقيقة حقًا، فأي إشراق هذا وأنا لم أنم ليلتي وعيوني تبدو ذابلة بهذا الشكل بالله عليكِ ؟؟ ”
نظرت له تبارك بتشنج تهمس :
” عمرك ما سمعت عن المجاملة ؟؟”
” لا، ولا احب السماع عن شيء به كذب ”
زفرت تبارك بصوت مرتفع تمسح وجهها :
” حسنًا أنا لست كاذبة أنا فقط أخبرك ما أراه، أنت الآن في عيوني في قمة الاشراق والوسامة ”
نظر لها سالار طويلًا قبل أن يبتسم بسمة صغيرة جلبت بسمة مقابلة على فم تبارك، وهو فقط قال :
” إذن أنا أنتظر منكِ تفسيرًا عما حدث ”
” ما حدث ؟؟ ما الذي حدث ”
ضحك سالار بسخرية أبعد ما تكون عن الضحك :
” ها، وتقولين أنكِ لستِ كاذبة ؟؟”
نظرت تبارك لاعينه باعتراض شديد :
” أنت لا يمكنك أن تحكم على شيء بهذه الطريقة المباشرة، فهذا نسميه نحن مراوغة، أن اراوغك وادعي الجهل، هذا ليس كذبًا ”
رفع سالار يده يشير لها بإصبعه في وجهها وهي فقط اخذت تحدق في ذلك الاصبع وهو يتحرك أمام عيونها :
” توقفي عن اختراع ألفاظ مقابلة لكل شيء، هذا كذب لا يوجد شيء اسمه مراوغة ولا مجاملة، الكذب هو كذب دون الحاجة لصياغته في تلك الألفاظ ”
ابتعدت بصعوبة عيونها عن إصبعه تتنفس بحنق :
” أنت شخص صعب والله ”
” وما معنى أنني شخص صعب هذه ؟؟ هل أنا مسألة يصعب حلها ”
تحركت تبارك مبتعدة عنه وهي تتحرك صوب الحديقة مجددًا:
” بل شخص يصعب فهمه ”
نظر لها سالار بحنق وهو يراها تتحرك بعيدًا عنه، وهذا ازعجه لبحث الخطى خلفها بسرعة كي لا يفقد إثرها مرة أخرى، يتعجب سرعة خطواتها .
واخيرًا وصل صوب الحديقة الجانبية بوجه مشتعل يبحث عنها في الإرجاء، حتى ابصرها تتوسط أحد المقاعد في ركن الحديقة.
عجبًا متى وصلت واختارت مقعد لنفسها بهذه السرعة، بل واستقرت به هكذا ؟؟
تحرك لها سالار بخطوات بطيئة وهو يهمس باسمها متعجبًا ساخطًا من هدوئها هذا وهو من كاد يشتعل في الاعلى لأجلها، ومنذ ثواني كذلك .
” تبارك ؟؟”
رفعت تبارك عيونها صوبه لتبصر اشتعال خصلاته بقوة وذلك بسبب تركز اشعة الشمس عليها، وفي ثواني تناست كل ما حدث تطيل التحديق فيه بشرود، هذا الرجل الذي سلبها من نفسها منذ اللحظة الاولى، حتى وهي في المشفى مرتعبة منه لم تستطع كتم إعجابها به.
ولم تتمكن تبارك من كبت بسمتها وهي تقول بكلمات أظهرت بها كل صدقها، ليس مجاملة وليس مراوغة :
” اقترب يا وسيم ”
ابتسم لها سالار وكأنه تناسى وصلة التوعد التي ألقاها في طريقه هنا، ولم يبصر سوى بسمتها ونظراتها الصادقة له، كل هذا ساهم بشكل كبير في محو أي غضب أو قلق تراكم على قلبه منذ البارحة بخصوص ما يحدث .
وفي هذه اللحظة أدرك سالار تأثير تبارك الخطير على نفسه، هذه المرأة تمتلك تأثيرًا مرعبًا عليه، وهذا ليس شيئًا جيدًا، لكن هل يعترض ؟! لا والله لا يفعل .
امسك يدها التي مدتها له تقول بصوت حنون ربت على قلبه بكل حنان :
” تبدو مرهقًا ”
رفع سالار حاجبه بتعجب وهو ينظر للخارج يحاول الوصول بعيونه صوب المكان الذي كانوا يقفون به منذ ثواني :
” أليس أنتِ من أخبرني أنني مشرق منذ ثواني تقريبًا ”
” حسنًا أحدهم أخبرني أن أتوقف عن المجاملة، لذا دعنا نبدأ الحوار من أوله حسنًا ”
جلس سالار أمامها يحدق في عيونها ثواني وهي فقط ابتسمت له بسمة صغيرة ترفع يده صوب صدرها تهمس :
” هل كل شيء على ما يرام سالار ؟؟”
نظر لها سالار قبل أن تتحرك نظراته في المكان حوله يشعر أنه يحلم :
” أنا فقط أشعر بالريبة، أعني منذ ثواني كنا نتحدث وفجأة اختفيتي وجئتِ هنا تجلسين في الحديقة بهذه البسمات الصافية و ….يبدو الأمر كما لو أنني داخل حلم الحقيقة ”
ابتسمت له تبارك تقول :
” أوه، أنا بالطبع سيسعدني أنني لست الوحيدة التي تغرق في الاحلام هنا، هناك أنت أيضًا تحلم بي ”
” وأنا سيسعدني أن أعلم ما حدث في الأعلى مع ذلك الجندي، مثلًا من هو ولماذا أنتِ، وما الذي يريده، وكيف تقبلين الوقوف معه، وهل قابلتيه و….”
قاطعته تبارك بسرعة قبل أن يسترسل في كل هذا الحوار تقول :
” حسنًا قبل أن نندمج في هذا الحوار ما رأيك أن نطلب فطورًا الآن كي تتغذى إذ تبدو لي شاحبًا بعض الشيء ”
ابتسم سالار بسخرية لاذعة :
” هذه مراوغة أخرى ؟؟”
” بل تهرب إن أحسنت اختيار اللفظ ”
مسح سالار وجهه يهمس بحنق :
” تبارك، يا الله أنتِ لا تنتوين أن تريحيني قريبًا، أنا اشتعل هنا ”
” حسنًا سأخبرك كل شيء أنا فقط احتاج إليك لتهدأ، رجاءً”
نظر لها يشعر أن القادم لن يسعده البتة :
” حسنًا، أنتِ لا تساعدين في هذا بكلماتك تلك تبارك”
” سالار رجاءً….”
قاطعها تبارك بأعين صارمة مشتعلة وقد بدأ جسده يفقد صبره لمعرفة ما كان يريده ذلك الرجل من زوجته :
” بل رجاءً أنتِ تبارك، لا تختبري صبري، ليس بكِ على الأقل، أخبريني ما الذي كان يريده ذلك الرجل من زوجتي، ما الذي يجعله يطالبك بالحديث، ما الذي كان يريده منكِ تبارك أنا أكاد أفقد صبري، اقسم أنني اتماسك بصعوبة فأنا لم اعتد الحلم في اموري، فما بالك لو كانت تلك الأمور هي زوجتي ؟؟؟”
شعرت تبارك أن تأخرها في الرد يزيد الأمور سوءًا، لكن بالنظر للمكان حولها احتاجت لمكان خاص تتحدث به، لذا همست له بصوت منخفض :
” نذهب لغرفتنا ؟؟”
رفع حاجبه :
” غرفتنا ؟؟”
” غرفتك أو غرفتي ”
ابتسم بسخرية يجيب :
” من الآن الذي يحاول سحب الآخر للغرفة تبارك، هل تريدين أن افترض بكِ سوء النية كما تفعلين معي ؟؟”
نظرت له تبارك ثواني تحاول فهم حديثه قبل أن تشهق بصدمة كبيرة تهمس له :
” ماذا ؟؟ لا، يا الله لا، ليس ما فكرت به للتو اقسم لك ”
” ولماذا ليس ما فكرت به ؟؟ هل سوء النية حصرًا لكِ فقط يا امرأة ؟؟”
نظرت تبارك لعيونه لتدرك أنه يتحدث بجدية، هذا الرجل ما الذي يفعله معها حقًا، هل يتحدث بجدية، هل هو برئ لهذه الدرجة ام هي القذرة لهذه الدرجة ؟؟
” أنا فقط أريد التحدث معك بخصوصية ”
اتسعت بسمة سالار لتعقد هي حاجبيها بسخرية :
” انظر ها أنت تبتسم بخبث، أنت تفكر في جهة أنا لم اقترب منها في أفكاري حتى ”
” ومن أخبرك أنني افكر في تلك الجهة التي تعتقدين أنني افكر بها ؟؟”
نظرت له ثواني تحاول تجميع ما قال والإجابة :
” أنت … أنت لا …ماذا تحاول القول ؟؟ أنا …”
ضحك سالار عليها وهو ينهض عن المقعد يجذبها له، ثم رتب حجابها والذي كان مرتب من الأساس، لكن يبدو أن تلك عادة أنامله وهي التأكد أنها باحسن حال كل ثانية، ثم سحبها خلفه بهدوء شديد صوب غرفته، والجميع يبصره يتحرك بتريث وهدوء ينافي تمامًا الاعصار الذي خرج به .
وحقًا إن للنساء تأثيرًا مميتًا على أعتى الرجال ….
توقف سالار أمام غرفته يفتح بابها بالمفتاح الخاص بها، وهذا يذكر تبارك أن سالار هو الشخص الوحيد الذي يغلق غرفته بمفتاح ولا يضع حراس أمامها، ربما تسأله في وقت لاحق عن الأمر بعدما ينتهي استجواب سالار لها في الداخل وكل املها أن ينتهي هذا الاستجواب على خير .
دخل وادخلها، ثم اغلق الباب بهدوء يجذبها بهدوء أكثر من هدوءه الطبيعي، يجلسها على الفراش بكل رقي، ثم تحرك يفك لها حجابها تحت نظراتها المتعجبة، ومن ثم جذب أحد المقاعد يدفعه أمامها ليجلس عليه يميل صوبها باهتمام شديد وقد أعد العدة بالكامل للاستماع إلى الاسباب الخطيرة التي قد تدفع بزوجته لتقف مع رجل آخر غيره ..
” نعم أنا استمع ..”
ابتسمت تبارك تحاول كسر ذاك التوتر داخلها:
” أنت تبدو وسيمًا ”
ابتسم لها يتنفس بصوت مرتفع :
” نعم علمت منكِ ذلك منذ دقائق، أنا وسيم ومشرق، كفاكِ مراوغة تبارك ”
صححت له تبارك :
” هذه مجاملة ”
” نعم كفاكِ …ماذا مجاملة ؟؟”
رمشت بسرعة تستوعب ما قالت، ثم أسرعت واضافت :
” لا لا اقسم أنني لا اجاملك أنا فقط كنت اصحح الكلمة و…سالار أنت وسيم اقسم لك هذه ليست مجاملة، أعني أنت لا تحتاج لكلمتي فأنت بالفعل تعلم هذا، المرايا خير دليل على وسلامتك و….”
ابتسم سالار لها وهو يمسك يدها، ينظر في عيونها :
” وأنتِ جميلة تبارك، كملاك لطيف اقتحم حياتي البائسة، ملاكي الخاص الحبيب الذي إن لم اعلم سبب تحدثه مع رجل آخر غيري اقسم أنني لن اتحكم في اعصابي أكثر من هذا ..”
نظرت له تبارك وليده :
” هل تعدني أنك لن تغضب !!”
” هذا يعتمد على الأمر فأنا لا أعد بالمجهول ”
نظرت له وهو تنهد وقد بدأ يفقد صبره :
” تبارك تحدثي قبل أن أفقد صبري رجاءً، ما الذي كان يريده منكِ هذه الجندي ؟؟”
نظرت له ثواني قبل أن تلقي قنبلتها في وجهه :
” اختطافي، هو يريد اختطافي إذا كان هذا ممكنًا ……”
_________________
اقتربنا ؟؟ ربما …
 
google-playkhamsatmostaqltradent