رواية مملكة سفيد الفصل الرابع و الاربعون 44 - بقلم رحمة نبيل
تحركت أعين بافل في المكان حوله يحاول إدراك ما يرى، شعر لوهلة أنه يحلم، ابتلع ريقه يتساقط جالسًا على الفراش مرة ثانية بعدما كاد ينهض، واستدار نصف استدارة للخلف عله يجد منفذًا له من هذا الكابوس ..
لكن ما رأى سوى تكملة ذلك الكابوس وهو يلمح باقي الرجال الذين لا يعلم هويتهم بالتحديد، لكنه يدرك أنهم تابعين لسالار وإيفان وارسلان.
كان يتحرك بعيونه على الجميع حوله، يحاول تحريك يده صوب السكين الخاص به التي يحتفظ بها أسفل وسادته، لكن وقبل أن يفعل سمع صوتًا يقول :
” صدقني لو كنت مكانك لما فكرت في فعلها ”
رفع عيونه صوب أرسلان الذي ابتسم له يقول :
” أنت تتذكر وعدي لك صحيح ؟؟”
حاول بافل أن يجد كلماته العالقة في حلقه :
” أنتم، أنتم لن تفلتوا بفعلتكم تلك، أنا… أنا لست هنا وحدي، بل …”
مال عليه إيفان بسرعة جعلته يتراجع للخلف بريبة وهو يحرك يده بسرعة بحثًا عن السكين، كي ينقذ نفسه، بينما كلمات إيفان تتردد في المكان وهو يهمس له بصوت منخفض :
” في الحقيقة بافل، أنت لست وحدك، هذه حقيقة، فنحن كلنا هنا نحيط بك ونؤنس وحدتك بعدما تخلصنا من بقايا الذكور الذين كانوا يختبئون معك في جحرك وها هو وقتك قد حان عزيزي ..”
اتسعت أعين بافل وهو يتراجع بعيدًا عن أعين إيفان التي كانت تلتمع بشكل مريب، حتى أنه سقط على الفراش بالكامل وهو يدور بعيونه وقد بدأ المكان نفسه يدور به :
” أنتم…لا …لا تعتقدوا أنكم انتصرتم عليّ أنتم لم تفعلوا ذلك، أنا لم …أنا لست وحدي في هذا، إن حدث لي شيء فأعواني سيكملون كل ما بدأته، أنتم لن تنجوا من هذا في جميع الأحوال ‘
أخرج سالار سيفه بقوة حتى أن صوته تردد في المكان يطلق ضحكات صاخبة :
” أي أعوان تقصد ؟؟ تلك المرأة شهرزاد وحلفائها ؟؟”
اتسعت عين بافل بقوة ليبتسم له إيفان غامزًا :
” من أين تعتقد أننا وصلنا لمكانك ؟؟”
نظر له بافل يحاول التنفس، بينما أرسلان يقول وهو ينظر له بتشفي وبسمة واسعة :
” المسكين فقد الأمل في ذكوره الذين يحيطون به فلجأ للنساء كي يتخلص منا، أولًا تلك الراقصة التي ألقاها فوق رأس سالار، ومن ثم شهرزاد، لكن ماذا حصل وأين الاثنتان الآن ؟؟”
ابتسم بسمة جانبية يضرب كفيه في الهواء بقوة :
” رحلوا …”
صُدم بافل وشعر بالمكان يدور به بكل ما للكلمة من معنى، ابتلع ريقه لا يصدق أن شهرزاد كذلك رحلت، فجأة أبصر سالار يخرج من جيبه ورقة وهو يمسكها بتقزز وكأنه يمسك بقايا جثة متعفنة :
” أليس هذا خطابك الذي ارسلته مع تلك الراقصة لتسلمه إلى رجال شهرزاد ؟؟”
ابتلع بافل ريقه وهو يرى سالار يمده صوب إيفان يقول :
” اقرأه إيفان لنرى ما كان يريد بافل وخجل من طلبه منا، ليجعل النساء وسيط بيننا ”
انتزع منه إيفان يمسك الخطاب بطرف إصبعه بتقزز، ثم رفعه أمام عيونه يحدق به ثواني قبل أن يهز رأسه قائلًا ببرود :
” لا افهم لغة الخنازير ..”
ألقى الخطاب ارضًا يدهسه بعدم اهتمام :
” أيًا يكن، نحن هنا وبافل هنا، يمكنه اخبارنا بما يريد دون وسيط، أليس كذلك عزيزي ؟؟”
نظر لهم بافل يتحرك على الفراش بخوف شديد وهو يرتجف لأول مرة يحاول اخراج سلاحه من أسفل الوسادة :
“أنتم كيف …كيف وصلتم لهذا الأخطاب ؟؟”
ابتسم له سالار يقول بسخرية :
” لست الوحيد الذي يمتلك حلفاء بين رجالنا ”
ابتسم إيفان بسمة جانبية وهو يعود بذاكرته صوب يوم محاكمة موري وبعدما سحبها رجاله خارج القاعة للسجن، قال بهدوء شديد وهو يأمر من أمامه :
” ارسلوا لي في إحضار مهيار ..”
وبالفعل بعد دقائق قليلة كان مهيار يقف أمامه، ابتسم له إيفان يقول بجدية ودون مقدمات :
” مرحبًا مهيار، احتاجك في مهمة صغيرة ”
رمقه مهيار بعدم فهم :
” بالطبع مولاي، ما الذي يمكنني فعله لأجلك؟؟”
حدق به إيفان ثواني قليلة قبل أن يقول بجدية :
” أريد منك الذهاب لإحضار رسالة ما مهيار ”
” رسالة ما ؟؟ ممن ؟؟ ولماذا أنا بالتحديد ؟؟”
تحرك إيفان وهو يجلس على المقعد الذي قابله يتنهد بصوت مرتفع :
” ممن فهو من تلك الفتاة التي ذهبت للسجن منذ ثواني، ولماذا أنت بالتحديد، لأن تلك المرأة تقريبًا تحدثت مع الجميع هنا، وعلمت نبرتهم، أنا دانيار سالار والجميع، عداك أنت وتميم تقريبًا، وتميم ليس متفرغًا الآن، لذا أنا أريد تفادي أي شكوك، لا اعلم إن كانت ستتعرف على أي صوت سمعته سابقًا، لكن هذا تحسبًا إن كانت ذكية فقط ..”
ختم حديثه وهو ينظر بجدية لمهيار الذي صمت يحاول استيعاب ما قيل، ثم رفع عيونه لإيفان يقول :
” ما المطلوب مني تحديدًا مولاي ؟؟”
عاد إيفان من تلك الذكرى وهو يرى نظرات بافل والذي شحب وجه بقوة وهو يسمع حديث أرسلان له :
” أنت كنت تعمل على خطتك، وكذلك نحن فعلنا، لكنها حرب العقول يا عزيزي وفاز بها من يفكر، والذي لم يكن أنت بالطبع بافل ..”
ابتلع بافل ريقه يقول بتشفي وبسمة واسعة مهتزة :
” أنا … أنت لست وحدي، أنا لي أعوان بكل مكان، وحتى بالقصر الخاص بسفيد، حلفاء دون شهرزاد، في اللحظة التي تتحدث بها الآن، هم يحتلون القصر”
مال عليه سالار يهمس بصوت منخفض قوي مرعب :
” تقصد هؤلاء القذرين الذي انضموا لصفك؟؟ لا تقلق، في اللحظة التي نتحدث بها الآن، هم يُبادون على بكرة أبيهم…..”
____________________
كانت الفتيات يتحركن أمام الرجال، ونظرات تبارك التي تتحرك في المكان مريبة، كانت تعلم أنها جاءت هنا سابقًا مع سالار، نظرت جوارها ترى كهرمان تسير بكل كبرياء، جوارها زمرد التي كان ثلاثة رجال يحاولون السيطرة عليها .
وفجأة وصلوا صوب باب غرفة حديدي، يبدو أنه يستخدم كملجأ للهروب في حالات الهجوم أو ما شابه .
توقف الجميع أمام ذاك الباب، وطالت النظرات له، حتى استدارت كهرمان للخلف ببطء تقول :
” ماذا الآن ؟! تريدون منا الدخول في هذا المكان المظلم القذر ؟؟”
” هذا إن لم يكن الأمر يزعج سموك ”
ابتسمت له بسمة ساخطة :
” بلى يفعل، ما الذي ستفعله لي الآن ؟؟”
رفع الرجل حاجبه يقول بسخرية :
” وما الذي تتوقعين مني فعله !! ”
” لا شيء ”
صمتت ثم نظرت لتبارك نظرة جانبية تقول :
” دع الفعل لنا ..”
ومن بعد هذه الكلمات رفعت تبارك يدها الحرة تدفعها في عين الرجل خلفها بقوة مخيفة لترتفع صرخات الرجل والتي ساهمت بدورها في تشتيت تركيز الباقيين، فاستغلت زمرد الأمر وهي تفلت من الرجل بسرعة كبيرة تنقض على أحدهم تجذب رأسه بعنف مخيف وهي تصرخ بجنون :
‘ لعنة الله عليكم اجمعين ”
ومن بعد هذه الكلمات فلت عقال صبر زمرد التي اندفعت تجذب رأس كل من تراه تضربها في الجدار، بينما كهرمان والتي كانت متمرسة في قتال الأيدي بدأت تحاول التخلص ممن يقابلها .
وتبارك فقط تراجعت للخلف تراقب، وهي لا تحسن التعامل باليد، تخشى أن تصاب إصابة تودي بحياتها، حتى أبصرت أحد السيوف ملقى ارضًا لتركض وتمسكه وحينما أخيرًا أحكمت قبضتها عليه نهضت مبتسمة تصرخ :
” الآن تعالوا لي و…”
فجأة قاطع حديثه صوت يأتي من بداية النفق جهوري وهو يصرخ :
” أمسكوا بهؤلاء الحثالة ”
تحركت أعين الجميع صوب بداية النفق ليبصروا عدد مخيف من الجنود يحملون أسلحة كثيرة جعلت تبارك تتراجع وهي تختفي خلف زمرد التي حاولت إخراجها :
” أيتها الغبية أنتِ من تمتلكين سلاح وتحتبئين خلفي وانا عزلاء ؟؟”
مدت لها تبارك السيف تعطيه لها تقول :
” اتفضلي السيف اهو مش خسارة فيكِ ”
نظرت زمرد للسيف بتعجب قبل أن تعود بنظراتها للرجال الذي يتحركون صوبهم، وقد اقتربت منها كهرمان تنظر لهم بتحفز شديد، ينتظرون اقتراب هذا الجيش منهم وقد عقدوا العزم على القتال حتى النفس الاخير .
لكن العجيب أن الرجال تحركوا صوب الخاطفين ينتزعوهم بقوة مخيفة وخشونة وهو يسحبونهم صوب الخارج تحت نظرات الفتيات المتعجبة والتي لانت حين سمعوا صوت أحد الرجال يقول باحترام شديد :
” أنتن بخير سيداتي ؟؟؟
نظرت الفتيات لبعضهن البعض بصدمة كبيرة قبل أن يبصروا العريف يتحرك صوبهم مهرولًا من بداية الممر، يهمس بقلق :
” هل انتن بخير ؟؟ يا ويلي سيقتلني الرجال ….”
_________________
” أنتم تكذبون، لا يعقل أن كل شيء ضاع هباءً وبهذه الطريقة، هذا غير معقول، أنتم تكذبون عليّ”
ابتسم له أرسلان يقول بكل جدية:
” هل ترانا قد نحمل ذنب كذبة لأجل وسخ مثلك ؟؟ استغفر الله ”
نظر له إيفان بسخرية لاذعة يهمس بحنق :
” فقط اكمل جملة دون أن تلوثها بسباتك أرسلان ”
نظر له أرسلان بسخرية أكثر لذوعة من خاصته يقول بصوت عالي مشيرًا لبافل:
” لماذا تهمس لي؟ هل تخشى هذا الوسخ، لعنة الله عليه وعلى اشباهه الاربعين، هذه ليست سبات بل صفات تتمثل فيه بكل وضوح إيفان، هناك فرق هنا، ثم من قال لك إني قد احمل ذنب سب هذا الوسخ القذر الحقير الذي يجلس على فراشه كالخنزير لحظة ذبحه”
قلب إيفان عيونه بحنق، بينما ازار تحرك صوب بافل يقول ببسمة جانبية :
” مرحبًا يا صغير هل تتذكرني ؟؟”
نظر له بافل بأعين زائعة لا يستطيع الحديث والصدمة ما تزال تؤثر على عقله، يحاول استيعاب ما يحدث هنا في هذه اللحظة، لا يُعقل أنه هُزم بهذه البساطة، ليس بهذه البساطة، ليس بهذه البساطة، ليس بعد كل هذا تكون هذه نهايته …
وازار فقط نظر لعيونه يشاهد انعاكس مقتل شقيقته وزوجها على أيديهم، يهمس بكل شر وحقد اسود :
” لي ثأر مع والدك رحل قبل أن أخذه، سلّم الله يد من فعلها بذلك الوسخ، لكن ثأري لم ينتهي بعد، لن يشفي صدري سوى رؤيتك امامي تسبح في دمائك الملوثة وأنت تلفظ انفاسك الأخيرة تطلب الرحمة، نفسه ما حدث مع شقيقتي، نفسه ما فعلتموه معها، لن يهنأ لي بال، إلا حينما أراك تطالبني بالرحمة، سأكون سعيدًا بمراقبة روحك تخرج من جسدك ”
كانت يتحدث بصوت أجش قوي مخيف ممتلئ بالكره والغضب، وقد بدأت عروقه تنفر وجسده يتشنج بغضب، وهو يتذكر تلك اللحظة التي ضم بها جثمان شقيقته يبكي ويصرخ ويولول كالصغار يستند بالسكون حوله، يناجي ربه لينقذها، لحظات الجحيم التي عاشها وهو يشاهدها جثة شاحبة بين نفس الذراعين التي حملتها في طفولتها وشبابها، نفسها الذراع التي كانت تضمها لها بحب، ضمتها بعزاء .
بينما أرسلان اندفع يقول معترضًا على حديثه :
” وثأري ملك آزار؟ والده هو من أذى شقيقتك؟؟ ماذا عن امي وشعبي ؟؟ هل تعلم عدد الشهداء في بلادي ؟؟ عدد الأسر التي فقدت ابن أو أب أو أم، دعك من هذا، هل تعلم عدد الأسر التي ضاعت كاملة دون أن يبقى لهم أثر في هذه الحياة؟؟ بلادي دُمرت، أبناء شعبي قُتلوا غدرًا، اطفال بلادي رأوا ما لا يتحمله انسان بالغ، لذا لا اعتقد أن أحدًا هنا يحق له الثأر من هذا الخسيس أكثر مني، أنا الأحق هنا بكل هذا ”
كان بافل يراقبهم وهم يتصارعون بشراسة مخيفة على من يتخلص منه، وهذا جعل قلبه يرتجف برعب يرى بكل وضوح ما ينتظره، ابتلع ريقه ينتزع السكين من أسفل الوسادة وفي غفلة عن أعين الجميع رفع السكين ليقتل بها نفسه ويتخلص من كل ما ينتظره، لولا اليد التي انقذته في الثانية الأخيرة ..
تحركت عيونه بفزع، ولأول مرة يكره بافل أن ينقذه أحدهم من الموت، لاول مرة يتمنى الموت، لو أنه قُتل على يد زمرد أو يد أحدهم في حرب، لو أن أحد رجاله قتله غدرًا وهو نائمًا، لأول مرة يتمنى الموت، ليتذكر في هذه اللحظة صوت زمرد في إحدى الليالي التي كان يعكف على تعذيبها بعد تخريبها الاحتفال الخاص بهم وهي تهتف بصوت مذبوح ملقية ارضًا في بركة دماء مع جسد مثخن بالجراح تهمس له من بين دموعها وبصوت خافت :
” الله يمهل ولا يهمل بافل، يومًا ما …يومًا ما ستتمنى لو أنني قتلتك مع والدك، يومًا ما ستتمنى لو أن طعنتي اصابتك ولم تصبه هو ”
اتسعت أعين بافل بصدمة وهو يتأكد من ظنه، إذن هي من قتلت والده وليس والدتها، اقتربت منها بهدوء خطير، وهي فقط أكملت ببكاء تصرخ بصوت مرتفع :
” ستتمنى الموت، ستتمنى الموت ولن تناله، لن تناله ولو سعيت له راغبًا بافل، ليلعنك الله حياتك ومماتك، ليلعنك في كل خطوة من حياتك، لعنة الله عليك، لعنة الله عليك ”
ختمت حديثها تنهار في بكاء متوجع وهي تصرخ باسم والدتها، بينما هو كان يراقبها يبتسم لها بشر قبل أن ينحني، بجذب رأسها عن الأرض، يشدد قبضته على شعرها وهو يقربها منه ينظر في عيونها بقوة قائلًا :
” في احلامك يا قذرة …”
وها هي أحلامها لزمرد تتحقق، وبنفس الأعين، كانت أعين إيفان مشتعلة وهو ينظر له بشر يهمس :
” ليس بهذه السهولة عزيزي، ليس هكذا، ليس قبل أن اشفي صدر اختي وتراك أمامها تنازع للنجاة ”
اتسعت أعين بافل بصدمة كبيرة، يدرك أن إيفان يعلم الآن هوية زمرد الحقيقية، ابتلع ريقه بصعوبة يحاول الحديث، لكن إيفان استقام فجأة يرفع يده هابطًا عليه بلكمة عنيفة تسببت في اصطدام رأسه بالجدار خلفه ففقد بافل الوعي في نفس اللحظة لقوة الضربة .
ومن بين شجار أرسلان وازار على من ينال شرف التخلص من بافل، أبصر الاثنان سقوط بافل على الفراش في اغماءة، تحركت الأعين صوب إيفان ليهمس أرسلان بحنق :
” ما لك تقتل المتعة إيفان ؟؟ الآن سنضطر للانتظار حتى يستيقظ هذا الحقير، بل وسنضطر لحمله حتى المملكة ”
ابتسم لهم إيفان يهز كتفه :
” نعم أنا لست في مزاج يسمح لي بالبقاء في هذه البركة طويلًا، أشعر أنني غير قادر على التنفس بشكل جيد، دعونا نرحل وهناك نقيم حربًا من ينتصر بها ينال بافل جائزة ”
تحركت جميع الأعين صوب بافل الذي كان ملقى على الفراش قبل أن تتسع بسمات الجميع بشكل مخيف وكأنهم وافقوا ضمنيًا على هذه الحرب والتي ستحدد من ينال شرف قتل بافل …
تحركوا للخارج بعد دقائق قليلة حيث كان ينتظرهم مهيار والذي حضر خصيصًا معهم تحسبًا لإصابة أي أحد فيهم، لكن بمجرد أن أبصرهم تحركت عيونه بسرعة صوب دانيار بشكل تلقائي يتأكد أن شيئًا لم يمسه :
” أنت بخير؟؟”
ربت دانيار على ظهره بحب يهمس له :
” أنا بخير يا صغير ..”
رمقه مهيار بحنق شديد جعل دانيار يبتسم، وقد ارتفع صوت إيفان يقول بجدية وسخرية يتخطاهم صوب حصانه وهو يحمل حقيبة أعلى ظهره :
” ونحن كذلك بخير يا صغير شكرًا لك ”
تحركت أعين مهيار صوب الملك باستنكار شديد :
” معذرة ؟؟ أنا في نهاية العشرينات من عمري أي صغير هذا الذي تتحدثون عنه ؟!”
تحركت عيونه بغيظ صوب دانيار يقول بغضب شديد :
” أرأيت، لقد جعلته يسخر مني بسبب دانيار ”
ابتسم له دانيار وقبل التحدث رأى الجميع سالار يلقي جسد بافل أعلى حصانه وهو يحضر حبلًا كي يربطه متحدثًا بحنق شديد :
” سوف يدنس لي حصاني، ما ذنبه لهذا المسكين، كي يحمل كل هذا النجس فوق ظهره ؟؟”
ختم حديثه يصعد أمام جسد بافل الشبه معلق بالحصان وكله حسرة أنه هو من اضطر لحمله معه، لكنه لن يدعه لهم كي يتشاجرون عليه .
نظر أمامه يشكر الله أن المرة الوحيدة التي جلست بها تبارك معه على حصانه كانت أمامه، وأن بافل لم يمس مكان احتلته زوجته سابقًا .
خرج من أفكار يردد بجدية :
” إذن هل نتحرك الآن ؟؟ علينا العودة للمملكة لنرى ما وصل له جنودنا ..”
ابتسم الجميع له بخبث وقد انتهت النزهة بالفعل، ليعلوا صوت إيفان :
” لنعد يا رجال ”
زفر أرسلان وهو يضم يديه لصدره :
” أنت لن تأمرني .”
رمقه إيفان بغيظ شديد، ليبتسم أرسلان قائلًا بعناد ومزاح خشن :
” لنعد يا رجال ”
ختم حديثه يتحرك صوب الحصان ليحدق به إيفان بغضب شديد، سرعان ما تحول لبسمة وهو يدرك عناد أرسلان، تحرك الجميع صوب الحصان، قبل أن يخطوا بعيدًا عن تلك المساكن وقد شيعها إيفان بنظرات مظلمة منتويًا في صدره على أرسلان جنوده لهدم تلك الجحور ..
الآن وقد قضى على هذا الشعب يمكنه القول، أنه يستطيع التنفس بحرية، لكن وكي يتأكد من نظافة الهواء الذي يتنفسه حوله، كل ما عليه فعله هو التخلص من آخر آفات القوم ..
____________________
” إذن أنت قد كلفك الملك بمراقبة الجنود في غيابه لأجل كشف الخائن ؟؟”
هز العريف رأسه يجيب ببسمة واسعة فخورة يضع قدم على الأخرى :
” وأين كان سيجد هذا المدلل افضل مني لتولي هذا الدور يا ترى ؟؟”
انحنت شفاة كهرمان ساخرة من كل ذلك تقول :
” ألا تعتقد أنك تأخرت بعض الشيء ايها العريف ؟؟ نحن كنا قاب قوسين أو أدنى من الموت ”
اعتدل العريف في جلسته يقول بحنق شديد :
” بل أنا سرعت من عملية الهجوم، بسببكم فسدت خطتي التي أخذت الليلة الماضية بالكامل لوضعها، لقد خططت لظهوري بشكل تشويقي غامض، فقط تخيلوا صفين من الجنود وأنا اتحرك بينهم بكل كبرياء وقوة وغموض وثوبي يتطاير خلفي بشكل مثير، ثم اتقدم منهم اتحدث لذلك النذل بصوت أجش قوي مخبرًا إياه أنه سقط في شر أعماله ”
صمت يقول بغضب شديد وهو يشير على عباءة معلقة على أحد المقاعد جوارهم :
” حتى أنني كنت اجهز عباءتي التي ستتطاير خلفي، ولم استطع ارتدائها بسبب صراخ البعض أن القذرين أمسكوا بنساء القصر ”
كانت نظرات الفتيات مثبتة على العريف وهو يخبرهن ما كان سيحدث لولا تدخلهن، وقد نهض يريهن العباءة الخاصة بها، يدور في المكان :
” فقط انظرن كيف كنت سأبدو؟! خربتن كل شيء يا نساء، يا الله هذه كانت فرصتي الوحيدة لاقود الجميع هنا في غياب المدلل إيفان والمستبد سالار ورجالهم ”
كانت الفتيات يراقبن ما يفعل شهدان ببلاهة شديدة، قبل أن تهمس كهرمان بجدية كبيرة :
” الآن فقط أدركت السبب الذي جعل اخي لا يختار عريفًا لبلادنا، لا اعتقد أنه كان سيتحمل شخصًا كالعريف، ربما كان تخلص منه في اليوم التالي ”
نظر لها العريف بحنق شديد ينتزع العباءة عنه ملقيًا إياها على المقعد :
” بل لأنه ما كان له أن يجد عريفًا مثلي لبلاده، أنا جوهرة اقتنصها الملك تقي الدين، من سوء حظكم أنني ولدت بسفيد ”
همسات كهرمان بصوت منخفض :
” نشكر الله على فضله ”
فجأة سمع الجميع صوت باب المكتبة يُفتح بقوة ويتحرك داخل المكان مرجان وهو يرتدي ثياب سوداء يقول ببسمة واسعة :
،” أنا جاهز أيها العريف، هل نتحرك الآن ؟!”
نظر له العريف ثم أشار له يقول بحنق :
” انظرن، الفتى المسكين تجهز وتكبد الكثير ليأتي ويباغت الخائن معي بهذه الهيئة الـ…مريبة العجيبة، وأنتن افسدتن كل شيء، لا أدري حقًا سبب تدخلكن في أمور الرجال هنا ”
زفرت كهرمان وهي تردد تمسح وجهها بغضب :
” أنا حقًا سيحدث لي شيء بسبب هذا الرجل، البلاد كادت تضيع من بيت ايدينا وهو حزين لأنه لم يطل علينا بعبائته الجديدة، ليرحمني الله منه ومن الجميع هنا، اريد العودة لبلادي ”
قالت برلنت وهي تجلس على أحد المقاعد وهي لم تزل في صدمتها مما حدث، فقد اقتحم الرجال الغرفة التي كانت بها وهي كادت تنهار ارضًا من الخوف .
” أنا فقط اريد العودة لغرفتي والنوم في انتظار تميم حتى يعود ويخبرني أن كل شيء بخير ”
نظرت لها زمرد بسخرية وقالت :
“,يمكنني اخبارك بذلك أيضًا ”
” لا، اريد سماعها من تميم فقط ”
التوى ثغر زمرد بحنق وهي تفتح فمها للرد، لكن فجأة قاطعتها كهرمان وهي تتساءل ملتفتة حولها بجدية وريبة :
‘ مهلًا أين هي تبارك ؟!”
تحركت أعين الجميع في الجوار حتى قال العريف وهو يجلس على المقعد بهدوء يراقب مرجان يتحرك في المكان يبحث عن كتاب ( كيف تصبح غامضًا مخيفًا في خمس خطوات ) .
” لا ادري لكنني لمحتها تتحرك صوب مبنى الغرف، ربما عادت لغرفتها، تلك الفتاة بها شيء من الحكمة، ليست مثلكن، تفسدن الأمور وتجادلن ”
توقف عن الحديث ينظر صوب مرجان مرددًا بحنق :
” مرجان توقف عن الدوران، لقد انتهى كل شيء يا فتى اذهب وانزع رداءك هذا فقد أفسدت النساء هنا خطتنا التي عكفنا على وضعها طوال الليلة الماضية”
همسات زمرد وهي تشعر بغضبها يتصاعد:
‘ هذا الرجل يستمر في استفزازي بشكل كبير، أشعر برغبة عميقة في الإمساك به واذيته في هذه اللحظة”
ابتسم لها العريف بسخرية وقد سمع كل ما نطقت به :
” إن كان الأمر سهلًا، هل تعتقدين أن شقيقك كان سينتظر كل ذلك ليفعل الأمر نفسه ؟؟ أتعلمين عدد الأشخاص الذي راودهم نفس الاحساس هذا هنا ؟! لكن هل حدث وفعل أحدهم شيئًا؟!”
رفعت حاجبها وهو ابتسم وقبل أن يكمل كلماته، سمع الجميع صوت الحارس على البوابات يهتف بصوت جهوري معلنًا عودة الملك والقادة .
انتفض جسد كهرمان تتحرك بسرعة صوب النافذة تحت نظرات زمرد التي قالت :
” يا امرأة فقط ادعي بعض الثقل ”
توترت كهرمان تقول بنصف حقيقة :
” ما الذي تقولينه أنتِ يا هذه ؟؟ أنا فقط أردت استنشاق بعض الهواء بعيدًا عن هذا العجوز ”
تمتم العريف بحنق وهو يقلب بعض الكتب أمامه على الطاولة :
” ذات لسان لاذع كشقيقها، ليرحمني الله منكم اجمعين، أنا بدأت أفكر في الانعزال بأحد الكهوف الشمالية وحدي ”
” إذن سترحل وتترك لي مكانتك ايها العريف ؟!”
رفع العريف عيونه صوب مرجان يقول :
” استمر في احلامك أيها الشاب، أنت لن تنالها طالما كانت هناك انفاس في صدري ”
تمتم مرجان بصوت خافت :
” إذن سأنتظر حتى تتلاشى انفاسك ”
نظر له العريف باستنكار قبل أن ينتفض صارخًا في وجهه بحنق وغضب متهمًا إياه أنه يتآمر على قتله .
كل تلك الكلمات لم تصل لاذن كهرمان التي تعلقت عيونها ببوابة القصر تتساءل عن سر عودة الرجال من النزهة بهذه السرعة، شعرت فجأة بضربات قلبها تزداد بقوة حين ابصرته يدخل بكل هيبة على حصانه يشير لجنوده ببعض التعليمات، تبتسم دون شعور قبل أن تتفاجئ بارسلان يتحرك الداخل خلف إيفان ومعهم باقي الملوك ورجال الجيش .
همست بتعجب :
” هل كانت هذه نزهة حقًا أم أن الأمر ليس كما يظهر الآن ؟؟”
___________________
بمجرد دخولهم القصر سلم سالار بافل للرجال وهو يأمرهم بعيونه أن يحملوه صوب سجنه حتى ينظروا في أمره، ومن ثم قال بهدوء :
” خذوا جميع الخائنين صوب السجن ريثما أبدل ثيابي والحق بكم ”
ختم حديثه يستأذن بعيونه من إيفان، ومن ثم واصل خطواته صوب غرفته وهو يحث الخطى للوصول وكله أمل أن زوجته الحبيبة تنتظره هناك، إذ أن لا مكان معين تذهب به في العادة وهذا يذكره أنه يدين لها بنزهة لطيفة خارج القصر حينما تستقر الأمور، عهدًا أخذه على نفسه ..
وصل لغرفته يمد يده ليفتح الباب والذي كان مفتوح بالفعل، تعجب سالار لثواني يخطو للداخل مناديًا اسمها بترقب :
” تبارك …أنتِ هنا ؟!”
لكن الهدوء الذي قابله أخبره أن لا أحد هنا، غرفته كانت كما تركها لم يتغير موضع قشة واحدة بها وهذا جعله يدرك أن تبارك لم تطأها في غيابه .
رفع حاجبه متعجبًا يفكر في المكان الذي ربما تتواجد به، قرر في البداية تبديل ثيابه بسرعة، ثم تحرك صوب غرفة زمرد، لكنه توقف يشعر بالحرج من الذهاب هناك للبحث عن زوجته بين النساء، لذا فكر أن يرسل أي عاملة لها .
وبالفعل ما هي إلا ثواني حتى اوقف واحدة من العاملات يطلب منها الذهاب واخبار تبارك أنه ينتظرها، وهو بالفعل كان ينتظرها على احر من الجمر، يود الاطمئنان عليها وأخبارها بعودته قبل الانشغال في القادم .
لكن بعد دقائق قليلة عادت العاملة تخبره ببساطة :
‘ لا يوجد أحد في غرفة سمو الأمير سيدي ”
وهذا الكلمات كانت أكثر من كافية له ليدرك أن هناك شيء لن يعجبه، ربما تسببت النساء في مصيبة فهن لا يجتمعن إلا لواحدة، واخيرًا قرر التحرك صوب غرفتها ربما يتجمعن لديها .
لكن أثناء سيره صوب الغرفة توقفت أقدامه يبصر زمرد و كهرمان وبرلنت يتحركن صوبه، الجميع عداها هي، عدا الانثى المنشودة .
توقف يضيق ما بين حاجبيه وقد بدأ صدره يضطرب من كل الأفكار التي تدافعت لعقله :
” سمو الأميرة ”
توقفت كهرمان وكذلك فعلت زمرد، بينما برلنت نظرت صوب سالار تقول بهدوء :
” نعم ؟؟”
نظرت لها زمرد بحنق تهتف :
“لقد قال سمو الأميرة، ما لكِ والاميرات أنتِ برلنت؟!”
رفعت برلنت حاجبها تقول مذكرة إياها بحكم سالار :
” نفس السؤال لكِ حبيبتي ”
تشنجت ملامح زمرد وهي تفتح فمها للحديث لولا كلمات سالار الذي تساءل وقد نفذ صبره للوقوف وسماع أي اعتراضات هنا :
‘ أين هي تبارك ؟! هل رآها أحد منكم اليوم ؟!”
هزت كهرمان رأسها تجيب بهدوء شديد محاولة عدم إثارة فزعه :
” نعم اعتقد أنها ترتاح في غرفتها ”
أضافت زمرد ببسمة واسعة وهي تقص عليه ما حدث دون أن تهتم لأي شيء :
” نعم فالمسكينة كادت تفقد وعيها بعد ما حدث اليوم ”
شعر سالار بتوقف قلبه للحظات يبلل شفاهه بقلق شديد هامسًا :
” ما حدث اليوم ؟؟”
نظرت كهرمان لزمرد بغضب شديد وهي تهتف :
” لا تقلق يا سيد فتبارك بخير الآن هي فقط أرادت النوم قليلًا ”
وهذه الكلمات لم تساهم ولو بدرجة صغيرة في إراحة قلب سالار، إذ تحدث بقلق شديد يقاطع كل تلك التبريرات التي كانت هي على وشك التحدث بها :
” ما الذي حدث ؟؟ ما الذي حدث لزوجتي ؟؟”
بعد ثواني كان جسد سالار يندفع في الممرات بقوة مرعبة والجميع حوله ينظر له بريبة وتحفز وقد شعروا أن هناك هجوم أو ما شابه لذا اتخذوا وضعية الاستعداد ظنًا أن هناك خطرًا يحوم في الأفق حول القائد، ولم يدركوا أن القائد في هذه اللحظة كان هو نفسه الخطر .
توقف أمام غرفتها يفتح الباب بسرعة مندفعًا للداخل يغلقه خلقه متحدثًا بجدية ورعب جلي :
” تبارك ..”
وانتظر منها اسمه بفارغ الصبر لكن كل ما قابله هو الهدوء فقط، هدوء جعله يتقدم بحذر صوب الفراش وهو يهمس باسمها مجددًا :
” تبارك ؟!”
وحدها نائمة بكل سلام على الفراش، لكن ذلك لم يطمئنه، ليس وهي مغلقة الأعين شاحبة الوجه لا تجيبه .
جلس ارضًا على ركبتيه يهمس بصوت منخفض :
” تبارك ؟؟ لقد …لقد عدت مُهجتي، لك أتأخر لاجلك”
لكن لا رد منها ولا حتى رمشة واحدة تخبره أنها حية، ولولا تلك الأنفاس التي تخرج وتدخل لصدرها، لكان قلبه هو من توقف في الحال .
مد يده يتحسس بشرتها بلطف شديد ليستشعر برودة نسبية أسفل أصابعه :
” حبيبتي، ما بكِ ؟؟”
ولا رد منها، الأمر الذي جعل سالار ينهض عن جلسته يقترب من الفراش يتحدث بجدية وهو يهز جسدها :
” تبارك ؟؟ تبارك ما بكِ اجيبيني ؟؟”
وعدم ردها هذه المرة مع هزات يده المتتالية جلبت رعبًا خالصًا لجسد سالار الذي انتفض يصرخ برعب وهو يزيد من هزه لها :
” يا الله ليس هي، تبارك بالله عليكِ اجيبيني، تبارك بالله عليكِ قلبي سيتوقف ”
ارتجفت يده وهو يتحرك بسرعة يسحب جسدها عن الفراش يضمها لها هامسًا اسمها بصوت خافت خرج منه متوسلًا :
” تبارك أرجوكِ ”
وكان صمتها هذه المرة هو القشة التي قسمت ظهر البعير، فبعد رؤيته يتحرك بتحفز في الممرات منذ دقائق قليلة، ابصره الجميع يحمل بين يديه زوجته يجري بهلع بين الممرات يضم رأسها فلا يظهر منها سوى القليل فقط وهو يهزي بكلمات عديدة، لم يفهم منها البعض سوى كلمات كانت عبارة عن بعض ” الأدعية ” كان يدعو لها دون شعور منه :
” بسم الله عليكِ، بسم الله عليكِ تبارك، لا أراني الله بكِ مكروه عزيزتي ”
وصل صوب المشفى الخاصة بالقصر وهو يبحث عن الطبيبة بعيونه، وبمجرد أن ابصرها تحرك لها يتحدث بهلع دون شعور منه :
” زوجتي …زوجتي ليست بخير هي… هي لا تجيبني، مهيار يعلم هي ليست …بخير، مهيار يعلم ما بها ”
وعند هذه النقطة تحرك دون أن يشعر ينتزع تبارك عن الفراش مجددًا يركض خارج القصر صوب المشفى وقد أعطاه عقله إشارة التحرك صوب مهيار الذي يدرك جيدًا مرضها وسيساعده بسرعة أكبر .
وبمجرد أن وصل للمشفى اقتحم عيادة مهيار يهمس بصوت حاول جعله ثابتًا قدر الإمكان :
” أدركني مهيار، تبارك لا تجيبني بكلمة ….”
_____________________
يجلس في القاعة وهو يضع قدم فوق الأخرى مبتسمًا وأمامه يجلس الآخر وفي المنتصف يجلس ازار وبارق اللذين حاولا فهم سر تلك النظرات التي نشبت بين الاثنين .
تحدث بارق بجدية :
” حسنًا على الأقل أخبرانا إن كنتما ستعلنان حربًا لأرى إلى أي جانب سأنضم ”
ابتسم ازار بسمة ساخرة وهو يجيب :
‘ أما أنا فسأجلس واشاهد، لن اضيع جيوشي في حروبكما الغبية تلك ”
نظر له إيفان ببرود وارسلان بغضب، قبل أن ينهض أرسلان يقول بجدية :
” حسنًا أنا سأعود للبلاد كي أرى ما وصلت له الأمور في غيابي، ومن ثم سأنتظر مجيئكم مع هذا الحقير بافل ”
أوقفه إيفان يقول بجدية :
” بافل سيُحاكم هنا في سفيد ”
توقف أرسلان ينظر له بجدية متحدثًا :
” بافل لم يتسبب في ضرر لسفيد بقدر ما فعل بمشكى، لم يحرق صدور شعب سفيد بقدر ما فعل بشعب مشكى، لذا شعبي الأحق أن نشفي صدره برؤيتهم مصيره إيفان، هذا ثأري وثأر شعبي”
نظر له إيفان ثواني وهو يرى أمامه صورة زمرد الباكية التي كانت تترجاه لتأخذ هي قصاصها بنفسها، والآن يدرك أن أرسلان محق .
نظر صوب ازار والذي رغم رغبته في أخذ ثأر شقيقته إلا أنه احترم حقيقة أن أرسلان أكثر من تضرر من الأمر؛ لذا هز رأسه بهدوء .
تنهد إيفان بصوت منخفض ثم قال بهدوء :
” موافق لكن بشرط ….”
نظر له أرسلان بترقب قبل أن يقول بهدوء شديد :
” من سيحكم عليه لن يكون أيًا منا، من سيحكم عليه سيكون أكثر من ناله أذى من ذلك الحقير، أكثر منك حتى أرسلان ”
نظر له أرسلان باستنكار ولم يكد يتحدث حتى قاطعه إيفان بجدية :
” أختي ستفعل، أنت لا تريد أن تضيع سنوات حياتها التي عاشتها على أمل الانتقام هباءً”
نظر لعيونه بجدية كبيرة، ثم قال ببسمة مصممة جعلت أرسلان يصمت مطيعًا على عكس عادته :
” أنت تدين لها بواحدة أرسلان، أختي أنقذت أختك، إذن أنت تدين لها بالكثير ..”
همس في نفسه وقد سرها :
” كما أدين لها بحياتي .”
صمت أرسلان وهو يتذكر ما فعلته زمرد لأجل أخته كما أخبرته كهرمان ليقول بهدوء وبعد تنهيدة صغيرة :
” حسنًا، لك ما تريد، في مملكتي سيتم الحكم عليه وبكلمة من أختك إيفان”
ابتسم إيفان يقول بجدية :
” إذن اتفقنا ..”
ومن بعد هذه الكلمات بدأ الجميع يتفرق وقد تحرك أرسلان للخارج يردد بجدية :
” إذن نلتقي حين تأتي مع اختك لمملكتي، والآن أنا سأرحل من هنا مع كهرمان و…”
” لماذا ؟؟”
توقف أرسلان عن السير ينظر خلفه بعدم فهم :
‘ عفوًا ؟؟”
” لماذا ؟؟ لماذا سترحل الآن ؟!”
رفع أرسلان حاجبه يقول بسخرية لاذعة :
” والله إيفان لا يعجبني الطقس في مملكتك لذا رأيت أن أذهب واستمتع بهواء بلادي، ثم في الحقيقة ودون أن تغضب، طعامكم لا يعجبني ”
” لا بأس إذن نغيره لاجلك، كم أرسلان نمتلك نحن ؟؟”
” هل تمزح معي إيفان ؟؟ ما الذي سيجعلني انتظر هنا ؟؟ انتهى كل شيء للان وسأرحل مع شقيقتي ”
وكاد يتحرك لولا يد إيفان التي أمسكت به وهو يجذب انتباهه كي يواجهه ثم قال بجدية :
” إذن أنت لم تغير رأيك بعد ؟؟ ”
” بشأن ؟؟”
ابتسم له إيفان يقول ببسمة حاول جعلها عادية، لكنها خرجت مستفزة وبشكل كبير لارسلان الذي استمع له يقول :
” بشأن زواجي من شقيقتك، ما رأيك أنت هنا الآن وكذلك هي وانا وشيخ سفيد، لا ينقصنا سوى كلمة بالرفاء والبنين ”
أطلق أرسلان صوتًا ساخرًا من حنجرته :
” اقسم أنك إن لم تترك يدي الآن سينقصك الكثير، أكثر من مجرد بالرفاء والبنين ”
رفع إيفان حاجبه يسخر منه :
” تهددني ؟؟”
جذب أرسلان يده يقول بجدية :
‘ بل أحذرك الاقتراب من جوهرتي أيها الحقير ”
” يا ويلي منك، هذه الجوهرة التي تحاول طمسها بعيدًا عن عيوني، ستكون لي يومًا ما، وهذا قريب للغاية، لذا وفّر عليك وعلى نفسي وامنحني إياها بطيب نفسك ”
اقترب منه أرسلان يهمس من أسفل أسنانه :
” في احلامك الوردية ”
ابتسم له إيفان باستفزاز وقد ظهرت أسنانه من بين بسمته :
” بل البيضاء مع خيوط ذهبية عزيزي، فالابيض يليق بي ”
رفع له أرسلان حاجبه مبتسمًا بسخرية اكبر :
” من ذلك الكاذب الذي أخبرك بهذا ؟!”
” مرآتي تخبرني بهذا كل يوم، وهي لا تكذب عليّ، ثم أنا أخبرك الآن أنني اخترت فستان الزفاف لشقيقتك، سترتدي اللون الذهبي والابيض مثلي، سيكون الأمر لطيفًا أن نرتدي ثياب متقاربة ”
جابهه أرسلان بقوة وهو يقترب منه برأسه وكأنهما على وشك التناطح كالثيران :
” الكفن أيضًا ابيض إيفان”
” اشكرك، أنا أفضل ثياب الزفاف أكثر”
” الخيار لا يعود لك ”
فتح إيفان فمه كي يجيب عليه، لكن فجأة توقفت الكلمات في حلقه حين سمع صوت يأتيهم من باب لقاعة، وقد كان هذا الصوت الملائكي يمثل نقطة ضعف لهذين الثورين ..
تحركت الأعين صوب البوابة حيث تقف كهرمان جوار زمرد تحدقان بما يحدث في تعجب كبير .
همست كهرمان بعدم فهم :
‘ ما الذي يحدث هنا ؟؟؟”
استدار الإثنان صوب الباب وقد عم الهدوء على الجميع فجأة والتزموا الصمت .
تحركت كهرمان لداخل القاعة ترفض أطراف ثوبها بهدوء وتلقائية ورقة جعلت إيفان يبتسم دون وعي وهو يشيح نظراته عنها صوب زمرد يمد يده لها قائلًا :
” اقتربي حبيبتي وتعالي اشكري العم أرسلان، فهو وافق على استقبالنا الايام القادمة في قصره ”
كان حديث إيفان مبهمًا يحمل أكثر من معنى في الواقع، إذ كان يقصد ظاهريًا أنه سيذهب لأجل محاكمة بافل، وباطنيًا كان حديثه يدور في ذلك النطاق الذي لا يعجب أرسلان البتة .
وزمرد حبيبة أخيها اختارت الجانب الخفي لتحتفل به وهي تهم صوب إيفان تبارك له وتهنئه على قرب زفافه على كهرمان التي تقف جوار شقيقها يراقبان ما يحدث بين هذين الثنائي بتعجب .
” واخيرًا ستتزوج يا أخي، كنت أعلم أن الأمر لن يدوم طويلًا حتى يرضخ لك شقيق كهرمان ”
رفع أرسلان حاجبه يقول بحنق :
‘ أنا لم ولن ارضخ لأحد ”
نظرت له زمرد ثواني قبل أن تعود مجددًا لإيفان تكمل بنفس البسمة :
” إذن متى الزفاف !!”
ابتسم لها إيفان بحنان وهو يربت على كتفها يهز رأسه ينفي كل أفكارها تلك :
” لا ادري، نحن لم نحدد الموعد بعد، لكنه لن يكون بعد هذا الشهر على أية حال حبيبتي، لذا منذ الآن تجهزي واختاري القماش الذي تحبينه أو …”
صمت ثم قال بجدية كبيرة وزمرد تتابعه بانتباه كبير :
” أو ربما تشترين ثياب جاهزة لا اعتقد أن الوقت الذي نمتلكه يكفينا لنصمم الفستان، فقط اشيري لفستان تحبينه وسأحضر لكِ ”
شعرت زمرد بقلبها يرتجف تأثرًا بما قيل الان، رفعت يدها تمسك يد إيفان التي يربت بها أعلى كتفها تقول بأعين دامعة :
” لا حرمني الله منك …اخي ”
وهذه الاخي عنت لإيفان الدنيا وما فيها في هذه اللحظة إذ اقترب منه يجذب رأسها له يقبلها بحنان .
كل ذلك تحت أعين أرسلان وكهرمان المصدومة، كلاهما متشنج مصدوم من بساطة الحديث الذي يدور أمامهما وكأن لا وجود لهما أو لرأيهما، لقد حدد إيفان كل شيء ولا ينقصه سوى تحديد موعد استلام طفله الاولى، ونسي أو تناسى أخذ رأي العروس وشقيقها اللذين يشاهدان كل شيء باستنكار .
نظرت كهرمان لارسلان تهمس بعدم فهم :
” ما الذي يحدث هنا ؟؟”
هز أرسلان كتفه بجهل :
” لا ادري، لكن يبدو لي أن إيفان يمر بفترة نفسية سيئة، عسى الله أن يخرجه منها سالمًا ”
صمت ينظر لكهرمان التي كانت تحدق بهما بشرود ثم قال ببسمة :
” إذن نعود للمنزل ؟؟”
ابتسمت له كهرمان بكل بساطة تجيب بتعمد أن يسمعها إيفان والذي كان يتبجح بمنعها الرحيل :
” نعم رجاءً، اعدني لبلادي اخي، فقد طالت الغيبة ”
وإيفان الذي كان يضم له زمرد ارتسمت بسمة خبيثة على فمه وهو ينظر لها بطرف عيونه، بينما هي تلاشت النظر له تقول بجدية كبيرة :
” سأذهب لاحضر حقائبي ”
هز لها أرسلان رأسه بينما إيفان قال مستفزًا كل ذرة داخل جسد أرسلان :
” نعم رجاءً سريعًا، فنحن نريد القدوم لمشكى كي نحدد الزفاف حسب الاعراف، وانتبهي وأنتِ تحزمين امتعتك ”
لئلا يعلق قلبي داخلها بالخطأ، جملة لو كانت كهرمان تنتمي له في هذه اللحظة ما سرها في نفسه، لكن ليس وهي لا تحل له، وليس وارسلان موجود وسيفه متدلي بهذا الشكل من ثيابه .
نظرت له كهرمان بحاجب مرفوع، قبل أن تبتسم له بسمة صغيرة مستفزة تمسك طرف ثيابها تنحني نصف انحناءة :
” شكرًا لاستضافتي هذه الفترة مولاي ”
” لا بأس يسعدني أن أفعل، فبعض الضيوف نشعر بالراحة لاستضافتهم ونتمنى بقائهم اطول، عكس البعض الآخر الذي يكون وجودهم منفرًا ثقيلًا ننتظر رحيلهم بفارغ الصبر ”
ختم حديثه ينظر صوب أرسلان الذي ابتسم له بسمة مماثلة يجيب :
” إذن أنصحك ألا تطأ مشكى، فأنت بالنسبة لي تمثل النوع الثاني عزيزي ”
ختم حديثه يربت على كتفه وهو يطيل النظر داخل عيون إيفان الذي أبى الانحناء لكلماته :
” لا بأس أنت كذلك في سفيد، لكن هل سمعتني اشكو وجودك؟ لا صحيح ؟؟ إذن عليك تحملي بالمثل، فأنا لن أبرح مشكى إلا بما سأذهب لأجله ولو قطعتني قطع صغيرة أرسلان ”
ربت أرسلان مرة ثانية على كتفه :
” إذن احضر معك حقائب تكفي اشلائك الصغيرة بعد تقطيعك ”
ختم حديثه يتحرك مبتسمًا باستفزاز له، بينما إيفان ابتسم له نفس البسمة المستفزة، وزمرد تتابعهما بتعجب شديد بينما كهرمان تقلب عيونها بحنق من كل تلك الامور، زفرت بتعب وهي تمسح وجهها، لكن فجأة توقفت يدها عن الحركة حين أبصرت عيون إيفان التي تحركت نحوها بشكل جعلها تتجمد، نظر لها نظرة صغيرة، ثم هز رأسه بكل هدوء:
” في رعاية الله سمو الأميرة ”
تحركت رأسه صوب أرسلان الذي فجأة لكمه لكمة عنيفة يقول بصوت حانق وهو يتحرك صوب كهرمان :
” هذه لتحسن التحكم بنظراتك في وجودي أيها الحقير …”
وبعد هذه الكلمات تحرك من القاعة مع كهرمان التي من شدة رعبها مما رأت استدارت لترى إن كان تأذى من لكمة أرسلان الذي يجذبها للخارج، لكنها على العكس أبصرت بسمة إيفان وهو يمسك موضع اللكمة، بسمة جانبية عادية جعلتها تتنفس الصعداء وهي تهز رأسها هزة خفيفة، أجابها هو الآخر بهزة مثلها…
لينتهي اللقاء بنظرة وهزة…ووعد …….
________________
اقتحم المشفى يحمل بين يديها جسدها الشاحب الفاقد لكل الوان الحياة، زوجته التي كانت تضج بكل الحياة قبل تركها، ليته لم يفعل، لو كان التخلف عن تلك الغارة يعني سلامتها، والله لكان تخلف عنها ولو وصفوه جبانًا، لكن أن يعيش هذه اللحظات من الرعب لهو الموت بعينه .
” مهيار ساعدني، مهيار ساعدني تبارك لا تتنفس بشكل طبيعي، وجهها شاحب ولا تجيبني، مهيار ارجوك ساعدني ”
انتفض مهيار عن المقعد برعب شديد حين أبصر دخول سالار بهذا الشكل وهو يشير له على الفراش :
” ضعها هنا بسرعة سيدي ”
وضعها سالار بيد مرتجفة على الفراش يهمس بصوت غير ثابت :
” افحصـ …افحصها رجاءً، اجعلها تستيقظ أعطها تلك الأعشاب أي شيء ارجوك ”
نظر له مهيار بشفقة وهو يشير له بالجلوس :
” فقط أجلس وأنا….”
” مهيار لا تتحدث فقط انظر إليها وأخبرني أنها بخير”
أبصر مهيار التوسل والرجاء في نظرات سالار ليتحرك ويحضر أدواته، ثم اقترب من الفراش كي يبدأ بفحص تبارك والتي كانت ضربات قلبها وانفاسها غير منتظمة ..
امسك بعض الأعشاب يطحنها بشكل سريع وهو يقترب من سالار يخبره :
” ضع هذه الأعشاب في فمها رجاءً”
ختم حديثه يترك له الاعشاب ثم تحرك صوب المكتب يحضر ورقة يخط عليها بعض الاشياء .
تاركًا سالار ينظر بحيرة وخوف للاعشاب، قبل أن يتحرك صوب فراشها يجلس عليه بهدوء، يمد يده يحمل بعض الأعشاب، ثم نظر لمهيار الذي كان منشغلًا بكتابة بعض الاشياء، قبل أن يتحرك خارج المكان .
وهو فقط مد يده لفمها قبل أن يتراجع مجددًا بتردد شديد لا يفهم ما يجب فعله، مال عليها يهمس بصوت منخفض :
” تبارك، هل تسمعينني ؟؟”
لكن ردًا واحدًا لم يتلقى منها، وهذا ما جعله يستقيم، يضع بعض الأعشاب بين شفاهها، يحاول أن يدخلهم لفهما، حتى رضخت له دون وعي تحت إصرار يده وفتحت فمها وهو أخذ يضع لها الاعشاب وكل ثانية ينظر للباب وكأنه طفل صغير تائه ينتظر عودة والدته لتخبره ما الخطوة القادمة .
ثواني وسمع صوت مهيار يقول :
” من المفترض أن هذه الأعشاب ستساعد بعض الشيء في تنظيم مستوى السكر في الدم، أنا لا ادري لكن مظهرها يبدو كالمرة السابقة إذ يبدو أنها تعرضت لغيبوبة سكر”
نظر له سالار يقول وهو يحاول الهدوء :
” وما الذي سيحدث لها، هي ستفيق صحيح !!”
هز مهيار رأسه بحيرة :
” أنا لا ادري، ارسلت لاحضر بعض الأعشاب التي اخمن أنها ستكون ذات نفع لها، لكن لا اعتقد أن جسدها والذي اعتاد على الأدوية الكيميائية كما أخبرتني سابقًا سيتأقلم بسهولة مع اعشابنا التي تعالج كل شيء ببطء، تأثير الاعشاب مجزي على المدى البعيد فهي تعالج الأمراض بتروي، بينما تلك الأدوية التي كانت تأخذها حادة تهاجم المرض بضراوة دون الاهتمام لتأثير ذلك على باقي الجسد”
نظر له سالار لا يفهم كل ما يقول :
” أنا …أنا لا أستطيع استيعاب ما تقول، هل تحاول القول أن الاعشاب هنا لا تؤتي ثمارها مع زوجتي ؟؟ كل هذا الوقت كانت تعاني بصمت مهيار ؟؟”
نفى مهيار برأسه يقول بجدية :
” ليس هذا سيدي القائد، هي ليست مجدية بهذه السرعة كالادوية الخاصة بعالمها، خاصة أنها اعتادت عليها ”
نظر سالار حوله يشعر بالخواء في قلبه قبل أن يهمس بجدية وبكل تلقائية :
” إذن أذهب لعالمها وأحضر لها الأدوية ؟؟ هل تظن أن هذا سيجدي نفعًا ؟!”
اتسعت أعين مهيار بصدمة من اقتراح سالار، فهو والجميع هنا يعلم صعوبة الخروج والدخول من عالمهم، الأمر يستغرق الكثير دون ذكر المخاطر التي قد يقع بها البعض :
” لا اعتقد أن المخاطرة والخروج لأجل بعض الأدوية ستكون بهذه الأهمية و….”
توقف عن حديثه بسبب كلمات سالار الحادة وهو يهمس بجدية جمدته ارضًا :
” بل ستكون، أنا سألقي نفسي بالجحيم إن كان هذا يعني سلامتها، فقط أخبرني هل هذه الأدوية هي ما ستجعلها بخير مهيار ؟؟”
نظر له مهيار مصدومًا قليلًا قبل أن يبتلع ريقه يهز كتفه :
” اعتقد هذا لقد عاشت عليها حياتها بأكملها، لذا اخمن أنها هي المطلوبة ”
نظر سالار لجسد تبارك وهو يقول بصوت منخفض :
” إذن أنا سأذهب، سأذهب واحضر لها كل ما استطيع من هذه الأدوية، وإن اضطررت لتكرار رحلتي هذه كل يوم لاحضر لها المزيد سأفعل ”
شعر مهيار بالتقدير لسالار، فابتسم يقول بهدوء :
” هي ستكون بخير، تلك الأعشاب التي تناولتها ستكون ذات فائدة إن شاء الله، هي فقط تحتاج بعض الوقت ليستعيد جسدها مستوى السكر الطبيعي له، يبدو أنها تعرضت لشيء اوصلها لهذه المرحلة فالغيبوبة تلك لن تأتي بهذه البساطة وهي تعكف على تناول ادويتها بانتظام، فالاعشاب تساعد على تنظيم السكر ولو بمقدار بسيط لا يسمح بحدوث هذا ”
نظر له سالار بتعجب يفكر في حديثه :
” إذن ما الذي قد يؤدي لحدوث هذا برأيك عدا اهمالها في أخذ ادويتها؟؟”
” لا ادري، لكن يبدو أن هناك شيء اوصلها لهذه المرحلة، مريض السكر تتحكم مشاعره بصحته، ربما الحزن أو الخوف هو ما قد يوصله لهذه المرحلة إن لم يتدارك مستوى السكر ”
نظر له سالار يردد بهمس وكأنه تناسى ما حدث في غمرة خوفه :
” الخوف ؟؟؟”
_________________________
توقفت في الممر المؤدي لغرفتها وهي تبصره يقف أمامها مرابطًا وكأنه تعهد لنفسه ألا يتحرك حتى يراها، وها هو يوفي عهده لنفسه حين أبصر قدومها، لكن الفرق هو أن ما تحرك لم يكن هو، بل كان قلبه الذي ارتجف لوجودها.
” زمرد ”
ابتسمت زمرد بسمة صغيرة وهي تقترب من الغرفة الخاصة بها تردد بصوت منخفض :
” مرحبًا دانيار، طال غيابك هذه المرة ”
” والفضل لأخيكِ”
نظرت له بعدم فهم، لكنه لم يشأ التوضيح أكثر فهو لا يريد في النهاية التسبب بأي مشاكل كانت، تنهد بصوت مرتفع :
” كيف حالك ؟؟ هل مرت المحاكمة على خير ؟!”
” انتظرت أن ترى هذا بنفسك دانيار ”
نظر دانيار ارضًا ثواني قبل أن يرفع عيونه لها :
” اعتذر منكِ، لم أكن هنا في وقت المحاكمة، هناك ما جعلني اضطر للابتعاد، لم يكن الأمر بإرادتي اقسم”
” هل الأمر أكثر أهمية مني ”
” والله لم يكن، لكنه ما كان بإرادتي زمرد ”
ابتسمت له زمرد بسمة صغيرة وهي تتحرك صوب الغرفة :
” إذن وقد عدت سيدي رامي السهام، ما الذي جعلك ترابط أمام جناحي بهذا الشكل !!”
” وما سيكون عدا رؤيتك ”
ابتسم تقول مجددًا :
” وها أنت رأيتني، الآن اعذرني عليّ التجهز للرحيل ”
كانت جملة مستفزة من زمرد التي سئمت هذه الحرب الباردة بين شقيقها ودانيار ففكرت بدفع دانيار أكثر ليأخذ خطوة أكثر جدية، فها هو إيفان يفعلها ويتحدى أرسلان لأجل كهرمان، وهي تغبطهم وتريد أن يحارب دانيار لأجلها، ولم تعلم أن الحرب كانت مشتعلة بالفعل بقلب دانيار الذي ابتسم بصدمة يقول :
” عفوًا منكِ ؟؟ ما الذي تفضلتي به ؟!”
استدارت له زمرد تمثل الجهل :
” عفوًا منك أنت يا سيد، تعلم أن تلتزم حدودك معي فأنا أميرة هنا و…”
لكن يبدو أنه خلال إشعال نيران الحرب بين دانيار واخيها زادت من الأحطاب، إذ تقدم منها دانيار بقوة جعلها تتراجع بفزع ملتصقة بباب غرفتها تنظر حولها تبحث عن أحدهم يحميها من هذا الهمجي، وهذا يذكرها أن تطالب بعودة حراس غرفتها مجددًا .
ودانيار في هذه اللحظة لم يكن يرى أيًا مما تفكر به :
” لعنة الله على المُلك وأي طبقات اجتماعية في هذا المكان، ما الذي تتحدثين به، وأي رحيل هذا يا امرأة ؟؟”
نظرت له زمرد رافضة أن يتحدث معها بهذا الشكل، لتنتفض كالقطة الشرسة في وجهه :
” أنت التزم حدودك وأنت تتحدث معي، ليس لأنني…”
فجأة توقفت عن الحديث وهي تراه ينتزع سهمًا من حافظة سهامه يرشقه في الجدار جوارها بمسافة صغيرة، وهي متسعة الأعين ما تزال ترفع إصبعها في وجهه تحاول أن تتدارك ما حدث منذ ثواني .
ابتلعت ريقها تحرك عيونها ببطء صوب السهم، ومن ثم عادت له، وهو فقط قال بغضب :
” لا تختبري صبري كي لا يكون التالي في منتصف رأس أخيكِ، أين سترحلين وتتركيني ؟!”
” أنت مجنون ؟!”
” نعم مجنون زمرد، هيا أخبريني كل ما يحدث من خلف ظهري في هذا المكان ”
فتحت فمها للاعتراض وقد ظهر العناد على ملامحها واضحًا لولا دانيار الذي سحب سهمًا آخر على وشك القاؤه ليس ليخيفها بقدر ما كان ذلك يخفف عنه غضبه الداخلي، وسيلة لينفث بها عن عصبيته .
وهي فقط نظرت للسهم في وجهها لتقول ببسمة ساخرة تتذكر كل الايام التي لم يكن يتحدث معها بها إلا بالسهام :
” مرحبًا بعودتك دانيار ..”
نظر لها بشر يتجاوز كل ذلك صوب ما يريد:
” أين سترحلين ؟!”
بعد ثانية واحدة من هذه الجملة كانت زمرد تخبره بكل ما يحدث وما سيحدث في القصر، هذا بالطبع لتفادي أن يلقيها بسهم يخترق منتصف رأسها دون أن يدري من شدة غضبه، ومن بعد كلماتها كان جسد دانيار يتحرك بين طرقات القصر بقوة مخيفة وقد ظن جميع من رأوه أنه ذاهب ليعلن حربًا ما، وقد كان الأمر كذلك بالفعل .
اقتحم ساحة العرش بقوة يبحث بعيونه عن إيفان، لكنه لم يبصر فخرج مجددًا يتحرك صوب غرفته وبمجرد أن وصل ابتسم بسمة صغيرة لا معنى لها :
” أخبروا الملك بوجودي ”
وكذلك فعل الحراس، فخرج له أحدهم بعد ثواني من طلبه يخبره أن الملك يسمح له بالدخول .
دخل الغرفة يبصر الملك يحزم بعض الحقائب :
” ماذا دانيار ؟! هل حدث شيء ما ؟؟”
نظر له دانيار بحنق شديد وهو يقول :
” تحزم امتعتك وتذهب للزواج وتتركني هنا معلقًا؟؟”
نظر له إيفان ثواني قبل أن يقول ببسمة مستفزة :
” يمكنك الحضور لن أمانع وجودك في حفل زفافي صدقًا ”
رفع دانيار له حاجبه يقول بحزم شديد في اللحظة التي دخلت بها زمرد والتي خشيت أن تحتدم الأمور بينهما :
” إذن كما تفعل سأفعل ”
” ستأتي لمشكى معي ؟؟”
” لا بل سأتزوج شقيقتك ”
اعتدل إيفان في وقفته ينظر له ثواني قبل أن يقول :
” هل تمزح معي ؟؟”
” لا أفعل وأنت تعلم، لا تجبرني على التمرد مولاي، اقسم أنني لن اهتم لشيء في هذه الحياة، زوجني شقيقتك وأنا سأتعهد لك أنني لن اطالبك بشيء آخر ولو عني ذلك موتي ”
تحركت أعين إيفان منه ثم استقرت على زمرد التي كانت تنظر له نظرة رجاء تحاول اخفائها خلف نظرات التردد، حاول اخفاء بسمته وهو يتحرك صوب الحقيبة يعود ليحزم أمتعته مجددًا :
” أختي لا تُطلب بهذه الطريقة دانيار ”
تقدم منه دانيار بلهفة شديد يهمس :
” إذن أخبرني الطريقة التي تريحك وأقسم أنني سأفعلها، كيف تريدني أن أطلب وصال شقيقتك؟؟”
رفع له إيفان عيونه، ثم نظر لزمرد ثواني قبل أن يبتسم بحنان يقول :
” تمامًا كالاميرات دانيار، فأميرتي ليست أقل من أي أميرة في هذه الممالك…….”
_______________________
” افتحوا هذه الأبواب ..”
نظر الحراس لبعضهم البعض بخوف قبل أن يندفعوا صوب الابواب يفتحونها بسرعة دون التفكير لثانية واحدة في أوامر سالار، بينما سالار راقب ابواب السجون تُفتح بأعين مظلمة، يتقدم للداخل وهو يقول :
” أغلقوا الابواب ومهما سمعتم لا يتقدم أحدكم ”
وبهذه الكلمات ختم أوامر يتحرك بكل قوة بين الجميع داخل تلك الحجرة التي جمع بها إيفان رجاله الخونة، ابتسم سالار وهو يتوقف في منتصف الغرفة يفتح ذراعيه لهم قائلًا :
” مرحبًا بذكور الخنازير، اتمنى أن تكون الإقامة في سجوننا لاقت استحسانكم بقدر الإقامة أسفل سقف قصرنا قبل أن تعضوا أيدينا، وتطعنوا ظهورنا..”
نظر الجميع لبعضهم بخوف شديد وقد تحقق ما دعوا ألا يحدث، فمواجهة مع سالار كانت اسوء كوابيس رجال يعلمون جيدًا كيف يكون حين يغضب، ومن افضل منهم ليعلم ؟!
فتح أحد الرجال فمه يحاول الحديث :
” سيدي …”
قاطعه سالار بهدوء تام وجدية:
” لا رجاءً، أنا لا اتسيد سوى الرجال، وهذه الصفة لا تشملكم بالطبع، لذا لا تهين مكانتي بوصفك لي بسيدي يا هذا، فالرجال لا يطعنون بالظهر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ووالله ما كان قتلكم لزملائكم حق، ليس هذا وفقط، إذ لم تكتفوا بما فعلتم، وروعتم نسائنا، امرأتي وزوجتي التي كدت اخسرها لأجلكم”
صمت يهمس بصوت مرعب وهو يقترب منهم خطة تراجعوها هم خطوات :
” وهذا لم يكن سيكفيني رؤية رؤوسكم معلقة على أبواب سفيد إن حدث ”
ختم جملته ولم يمنح أحدهم فرصة التفكير في كلمات إذ انقض عليهم في ثواني يأخذ حق جنوده الذين قُتلوا خلال هجومهم، وجنود الحدود الذي قتلوا، والباقيين الذين سلموا أنفسهم وسلموهم على طبق من ذهب للملك، والأهم حق امرأته…
كان الحراس يقفون خارج السجن يسمعون اصوات الصرخات بالداخل والتردد يعلو وجوههم البعض يفكر في التدخل والبعض الآخر يخشى التدخل .
ابتلعوا ريقهم بتردد وقد تحدث أحدهم بجدية :
” اعتقد أنه علينا اخبار الملك بما يحدث ”
” أنت لا تريد زيادة غضب القائد، ثم هم يستحقون، بعد كل هذه السنوات يتعاهدون مع هؤلاء الأوساخ لإسقاط مملكتهم ؟؟ لعنة الله عليهم ”
ازدادت اصوات الصراخ والتوسلات بالداخل ليهمس أحدهم :
” آن لهم أن يبصروا الوجه الاخر الذي كان القائد يحذرنا منه ….”
وبعد دقائق طويلة خرج سالار من السجن بأكمله بملامح جامدة وكأنه لم يفعل شيئًا، خصلاته مبعثرة وثيابه غير مهندمة، يتحرك بين الجميع بملامح تحذرهم أن يقتربوا في هذه اللحظة، فسالار الآن كان يسير بنسخته التي يتعامل بها مع أعدائه في الحروب .
وصل لغرفة إيفان يطلب إذن الدخول والذي جاءه بعد ثواني قليلة، وبمجرد أن دخل ابتسم إيفان يقول :
” جيد أنك اتيت فأنا كنت سأستدعيك لاخبرك برحيلي لمشـ …يا ويلي سالار هل كنت في حربٍ للتو ؟!”
ابعد سالار خصلاته عن عيونه يقول بجدية :
” أنا أيضًا سأرحل لفترة عن المملكة، وجئت اطلب أذنك لي ولزوجتي بالرحيل لبعض الوقت ولأجل أمرٍ هام مولاي ”
نظر له إيفان باهتمام ولم يقاطعه بكلمة واحدة، ينتظر منه اكمال حديثه، وقد كان إذ تحدث سالار بعدها بجدية كبيرة وإصرار وهو ينظر في عيون إيفان يخبره أنه لن يقبل بالرفض إجابة :
” اريدك أن ترسل في طلب صامد وصمود فلدينا رحلة لعالم المفسدين …..”
______________________
و… ها نحن على وشك العودة للمحطة التي بدأ من عندها كل شيء ….
يتبع…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية مملكة سفيد) اسم الرواية