رواية ديجور الهوى الفصل الخامس و الاربعون 45 - بقلم فاطمة طه
ماذا عن ذلك الشوق الذي يجتاح الروح مُنتصف الليل، منتصف النهار، منتصف اللاشيء و كُل شيء؟
#مقتبسة
ولجت فردوس إلى البيت مع توفيق..
بعد محادثة طويلة جدًا كان مختصرها بأن تعد إلى منزلها وتفكر في حديثه، مع تعهده بأن لها الخصوصية الكاملة التي تحتاجها في وضع هكذا دون أن يتدخل بها أحد ولتفكر بمفردها عوضًا عن الجلوس في فندق أو في منزل الغرباء وهي أمرأة متزوجة من حفيده لم يقبل توفيق بهذا وكان الأمر منه مختلفًا صاحب البيت نفسه يطلب منها هذا…
وهو ليس معتادًا على الجدال الطويل أو الإلحاح على أي شخص، فلم تجد الرفض هو الإجابة عليه تقديرًا لمكانته ولشعور طفيف بالاشتياق إلى غرفتها كان يراودها..
غرفتها التي شهدت الكثير من التفكير في الانتقام، الغضب، البكاء، القسوة، والجفاء حتى لحظات الحب شاهدتها، شاهدت تلك الغرفة العديد من تغييراتها، عاصرت الكثير من عواصفها، كانت كل يوم تكن فردوس جديدة بداخلها، تعددت شخصياتها حتى وصلت إلى الدرجة التي ما عادت تفهم نفسها بها….
صعدت إلى الغرفة وأغلقت بابـها وولجت إلى الفراش بعد أن غيرت ملابسها وقررت النوم، النوم دون رغبة في أي شيء أخر….
العجيب أن الفراش مازال يحتفظ بعطره المميز وهذا شيء كان مزعج الآن بالنسبة لامرأة تشتاق له وبشدة ولكنها قررت النوم تحت أي ظرف مرت ساعتين تقريبًا حتى استيقظت على صوت طرقات ليست مدللة ولكنها غاضبة إلى حد كبير عكس المعتاد…
جلست فردوس في نصف جبسة تحاول التعديل من وضعتيها وقبل حتى أن تأذن للطارق كانت دعاء تقتحم الغرفة بوجه غاضب حتى أنها أشعلت المصباح مما جعل فردوس تهتف بنبرة شبة مرحة وبها بقية نوم:
-تعرفي يا دعاء أنا حرفيا مش عارفة أنتِ عملالي عمل فين علشان تدخلي وتعملي اللي أنتِ عايزاه من غير ما اضايق، عليكي اقتحام لاوضتي كمال نفسه معملهوش.
أغلقت دعاء الباب خلفها، متحدثة بضيقٍ شديد لا يحمل أي روح من دعابتها المعهودة:
-لو كان بيعمل زيي مكنش ده بقا حاله..
ابتلعت ريقها ثم تحدث بعتاب شديد:
– على العموم دي أخر مرة هضايقك وهقتحم خصوصيتك او هدخل اوضتك من أساسه…
نهضت فردوس من الفراش بعد أن دعكت عيناها تتوقع ان المشكلة فيما تراه من عبوس عيناها ولكن ماذا عن ما سمعته؟!!
أردفت فردوس بعدم فهم بعد أن أصبحت واقفة أمامها تقريبًا:
-في ايه يا دعاء مالك ليه قالبة وشك؟! هنخش على تخصصات بعض…
تمتمت دعاء بنبرة منزعجة:
-علشان انا بقالي اسبوع مضايقة من غيابك وزعلانة انك مش موجودة وبجد كنت مفتقداكي اوي، وكنت بتصل بيكي يوميًا ومبترديش عليا، وكمان لما رجعتي كنت هطلعلك علطول من كتر ما أنتِ وحشاني الاقي الحاج توفيق بيقول نسيبك ومحدش يضايقك ونسيبك براحتك ومنقتحمش خصوصيتك..
نظرت لها فردوس بأسف شديد وخجل، بالفعل أتصلت بها دعاء العديد من المرات خلال هذا الأسبوع ولكنها لم تكن لديها طاقة للشرح وليس لديها حديث قد تقوله إلى دعاء، هي في حالة يرثى بها ومازالت..
أسترسلت دعاء حديثها بحزن:
-وطبعا الكلام عليا، لو كلامي بيضايقك وتدخلي بيضايقك يا ستي انا مليش دعوة بيكي من النهاردة، أنا بس جيت اقول الكلمتين اللي محشورين جوايا وماشية.
لتعترف فردوس اعترافًا حقيقيًا تدخل دعاء في كل شيء ليست شيء تقلبه ولكنها علمت بأن هذا من طباعها ولكنها ليست سيئة النوايا، وهذا ما يشفع لها، هي امرأة عفوية حتى ولو بشكل لم تكن فردوس تتقبله في البداية بشكل كبير، لكنها أحبتها، أحبت تلقائيتها وبساطتها لذلك لم تعبأ كثيرًا بتدخلها، ولأنها كانت تحتاج لشخص مثلها، وأصبحت دعاء تشكل أهمية في حياتها لا تنكر رُبما هي من الشخصيات القليلة جدًا الصادقة مع نفسها ومع من حولها..
تمتمت فردوس بنبرة هادئة ومُرهقة نفسيًا إلى أقصى حد:
-صدقيني يا دعاء أنا مبزعلش منك، وبجد أنتِ بقيتي قريبة مني جدًا وحقك عليا لو مكنتش برد عليكي الاسبوع اللي فات ده بس أنا كنت نفسيًا مدمرة أنا وكمال كنا متخانقين، وجيت لما اتكلمت مع الحاج توفيق وهو اتعهد ان محدش هيضايقني لغايت ما أفكر أنا عايزة ايه..
ابتلعت ريقها وهي تسترسل حديثها مؤكدة:
-والموضوع والله ما له علاقة بيكي ولا قصدنا عليكي ولا على أي حد، أنتِ عارفة اني بميل للعزلة لما بكون مخنوقة شوية وده كان شرطي اني ارجع البيت لكن أنتِ فوق اي شرط.
عقبت دعاء رغمًا عنها:
-أنا فوق القانون يعني؟!.
ضحكت فردوس رغمًا عنها:
-يعني حاجة زي كده متزعليش بقا.
وما لم تتوقعه فردوس أن يحدث بتلك السرعة أن العبوس تحول إلى ملامح فضولية وعفوية بشكل كبير:
-خلاص مش زعلانة احكيلي بقا ايه المشكلة علشان أحلها ليكي وبعدين أزاي كمال يسافر من غيرك انا كنت فاكرة أنكم هتسافروا مع بعض؟!.
هتفت فردوس بعدم فهم:
-وأنتِ مين اللي قالك على حوار السفر ده؟!.
قالت دعاء بعفوية كبيرة:
-الحاج توفيق هو اللي قالي، لما قولتلك وريني الباسبور بتاعك انا صورته علشان يخلص ورقك، وكنت فاكرة انها هتكون مفاجاة ليكي ولكمال مكنتش متخيلة بعد الورد مترجعيش البيت في يومها…
تداركت الأمر لتقول بنبرة جادة إلى حد كبير جعلت فردوس تضحك رغمًا عنها عقب كلماتها:
-احسن أكون أنا اللي نشتكم عين؟!! ما العين دي محدش بيقدر يتحكم فيها ممكن اكون حسدتكم وانا مش واخدة بالي؟!!!.
_____________
أشعُر بالأسف على قلبي في بعض الأحيان! لأن هُناك حنين يُداهمِه ولكنه يذهبُ هباءً، وكم من اشتياقٌ قد شاخَ من شدة الانتظار…
#مقتبسة
بــ دبــي
كان يجلس في الغرفة الخاصة به في الفندق بعد أن قام بحضور مؤتمر خاص بالسياحة وتناول الطعام بالخارج عاد إلى الفندق باختناق…
كان يتوقع بأنه يحتاج إلى الوحدة ورُبما إلى العزلة عن الجميع حتى يهدأ من أعصابه فمر الكثير عليه…
حياته مع فردوس المليئة بالمصاعب، ذهابه إلى شريف وشجارهم، تجربة زواجه الثاني وإجهاض زوجته ثم الطلاق في وقت قصير جدًا…..
تلك التجارب كانت صعبة وسريعة بشكل لم يعطيه أي فرصة للتجاوز، يحاسب نفسه على كل ما مضى او على الأقل يحاول غلق بعض الحسابات في عقله، على الأقل انتهى قسم مهم…
انتهى ترقب شيء هام وهو رد فعل فردوس، مهما اتخذت قرار سيكون بشأنه لا يخص أفنان وهذا هو المهم الآن…
أخذ يعبث في هاتفه فوجد رسالة من بكر تنص على أن فردوس عادت مع توفيق إلى المنزل، ولم يستوعب كمال في البداية بأن ما قاله توفيق قام بتنفيذه فظن أن فردوس لن تقبل مهما فعل ولكنها خيبت ظنه في هذا الأمر..
لكنه تنهد تنهيدة مطولة على الأقل هو يشعر بالراحة وذهب خوفه بعض الشيء، وجودها في المنزل شيء جيد تحديدًا بعد سفر أفنان وداغر إلى القاهرة….
________________
” بــنــي ســويــف ”
-يا ملك محسساني اني سايباكي بمزاجي او بلعب ما انا محبوسة في البيت لا بروح ولا باجي، قاعدة طول النهار في الاوضة مش بمزاجي والله، أنتِ زعلانة ومضايقة ليه بقا؟! وبعدين انا معاكي طول اليوم تقريبًا شات وcall…
كانت تلك كلمات بشرى الجالسة أمام الحاسوب الخاص بها منكبة على القضية الصعبة بالنسبة لها التي أرسلها لها هلال لا تدري حقًا هل هو يقوم بتعجيزها أم ماذا يفعل؟!! لم تخضع إلى تلك الاختبارات الشاقة في الكلية نفسها….
يبدو أنه يتمتع بتعذيبها أو قضاء وقت طويل في التفكير لكن لا شك بأن القضية أثارت انتباهها….
كان على اذنيها يتواجد هاتفها تتحدث مع صديقتها الحزينة ملك والبائسة..
حاولت بشرى المرح معها وهي تقول:
-ما تأكلي يا ملك يمكن تكوني جعانة علشان كده زعلانة؟!..
أتاها صوت ملك من الهاتف في قنوط رهيب:
” بطلي هزار يا بشرى انا مخنوقة، وبعدين يعني هو مفيش أمل ترجعي الشغل؟!”.
هتفت بشرى باختناق هي الأخرى فهي من تستمد الطاقة الايجابية من ملك ولو كانت ملك نفسها غاضبة فهذا يعني أنه ستكون بائسة :
-يارب يعني ماما وستو بيقنعوا بابا المفروض وبعدين اصلا انا مش عايزة ارجع هحط وشي في وشه ازاي يعني، انا مش عارفة ايه اللي دخلني في الحوارات دي كلها؟!!..
” ده لو ماسك عليكي فيديوهات في وضع مُخل مش هتفضلي تقولي الجملة دي كل شوية بطلي بواخة بقا ”
تجاهلت بشرى سخريتها وقالت بذهول وهي تخبر صديقتها المُقربة بما حدث:
-تخيلي ان والد جمال اتصل بـ بابا وقاله انه جمال رفض نظره عن الموضوع.
قالت ملك بدهشة لا تقل عن دهشة بشرى:
“مش مصدقة بجد، معقول لفت نظره بالسرعة دي كان باين انه متمسك بيكي منك لله كسرتي قلب الراجل”.
-انا ولا كسرت ولا نيلت معرفش ليه اصلا بيتقدموا لواحدة معقدة زيي؟!.
تمتمت ملك بسخرية:
“امهم دعت عليهم في ليلة مفترجة أو ذنوب وبيكفروها”.
تمتمت بشرى بانزعاج جلي:
-احترمي نفسك يا ملك.
“أنتِ مش عاجبك لما اقول رأي مخالف لرأيك ومش عاجبك برضو لما بحاول اقول زي ما بتقولي اما أنتِ عجيبة صحيح، أهم حاجة تيجي وترجعي عندي انا زهقت لوحدي، وشوية وهقتل مراد”
ضحكت بشرى ثم غمغمت بنبرة جادة:
-أنا معرفش أنتِ مالك الفترة دي، مش طايقة حد ولا طايقة الواد مع انه معملكيش حاجة يعني.
“كده معصبني وخلاص بيأكل من أكلي كأني خلفته ونسيته”.
هتفت بشرى بجدية ورزانة:
-رغم أنك مفجوعة بس مش ده السبب الوحيد يعني اللي مخليكي مش طايقة له كلمة…
ثم أسترسلت حديثها بخبثٍ:
-مع أنك كنتي هتموتي ويرجع من الجيش..
ارتبكت ملك ولم تجد إجابة تستطيع قولها قد تحفظ ماء وجهها وتبرر موقفها بها لكن على أية حال انقذها القدر على نداء من والدها سمعته بشرى فغمغمت بهدوء:
-هقفل دلوقتي علشان بينادوا عليا، وهبقى اكلمك كمان شوية.
“تمام”
“سلام”
-سلام.
انتهت المكالمة بينهما لتنهض بشرى وتغلق الحاسوب مؤقتًا إلى حين عودتها ثم خرجت من الغرفة وتوجهت إلى حيث تجلس العائلة لتجد والدتها جالسة على احد المقاعد وعلى الأريكة تجلس جدتها زينب ويجاورها منير…
وكان أول من تطوع للحديث بينهما كانت والدتها نرمين وهي تقول بنبرة هادئة:
-ابوكي عايز يسمع ردك، عدى تقريبًا اسبوع على زيارة هلال وعيلته.
تمتم منير بنبرة جادة وهو يعقب على حديث زوجته:
-شكلها رافضة عموما بشرى لسه صغيرة.
قالت والدتها بـحدة:
-بشرى مش صغيرة واحنا جايبنها نسمع رأيها مش علشان نقرر من دماغنا..
وقبل أن يتفاقم الوضع تحدثت زينب بنبرة صارمة:
-ده مش وقت خناقاتكم اللي ملهاش داعي.
ثم أسترسلت حديثها برفق وهي تنظر إلى حفيدتها الغالية التي تقف أمامها:
-قوليلنا يا بشرى أنتِ موافقة نكلم هلال ونقوله يجي نتكلم في الخطوبة وبقية التفاصيل ولا رافضة الموضوع واعملي اللي يريحك ولا تفكري في كلام أمك ولا كلام ابوكي دي حياتك أنتِ…
تزايدت وتسارعت نبضات قلبها بشكل مخيف في تلك اللحظة تحديدًا والجميع يسلط بصره عليها، والثلاثة ينتظرا رأيها، وهذا الشيء يوترها بشكل رهيب رغم أنها قامت بصلاة الاستخارة أكثر من مرة ولكن شعورها بأنها سوف تنطق بقرار مصيري كهذا بالنسبة لها أنه لشيء مخيف جدًا…
أغلقت بشرى عيناها لمدة دقيقة ثم عادت تقول بنبرة عفوية وصادقة فيما ترغب فيه تلك المرة رغم خوفها الكبير بالمجازفة:
-انا موافقة…
نهض منير من مكانه يقول بانزعاج جلي وأعين غاضبة إلى أقصى حد:
-موافقة على أية؟!!.
تمتمت بشرى بنبرة خافتة وقلقة وهي تتراجع عدة خطوات إلى الخلف:
-موافقة على الخطوبة، أنتم مش قولتوا اقول انا عايزة ايه؟!! اديني بقول اهو…
صاح منير بنبرة جنونية وهو يتوجه صوب غرفته تاركًا الجميع:
-ما أنتم طبختوها خلاص ومبقاش ليا لازمة….
هتفت زينب وهي ترى بشرى واقفة مكانها كـالتمثال:
-عادي يا بنتي دي عصبية ابوكي العادية، ادخلي اوضتك وبكرا نتكلم…..
______________
” القــاهـــرة ”
تناول شريف طعامه بدون شهية..
منذ ذهاب أفنان وفهد أصبح يصنع الطعام بدون رغبة وكأنه شيء روتيني بعد أن كان يتفنن في صُنعه، انشغل أيضًا في المشاكل الخاصة بشمس يريد ان ينتهي امرها بسرعة ويطمئن عليها…
هو لا يضمن حياته بصفة عامة..
ها هو ذاهب إليها ليقوم برؤيتها وشراء بعض الأشياء التي قد يحتاجها المنزل هو لا يستطيع لن يمنع نفسه من الشعور بالمسؤولية تجاهها، حسنًا هو يحاول إثبات تعلقه بها بكل الأسباب التي لا تتعلق بالحب، لكنه في كرارة نفسه يعترف بأنه يحب….
يحب المرة الأولى وهو بكامل نضجه….
يغلق ساعة يده وقد انتهى من ارتداء ملابسه لكنه سمع صوت الجرس، يبدو أن أحدهم قد قام بقرعه…
خرج من الغرفة وبعدها من الشقة ليذهب ناحية البوابة وما أن فتحها وقت أفنان تقف أمامه تستند على عكاز وبجانبها من الناحية الآخرى يقف فهد الذي تسلق على جسد شريف في ثواني ليحمله شريف باشتياق رهيب……..
هو يحب فهد، يحبه ولا يظن بأنه حتى ولو انجب يومًا سيحب طفله كما أحب فهد، كان هو أول من حمله بين ذراعيه، وقتها جعله ينسى كل شيء، ينسى من والده الحقيقي وتعهد بأنه سيفعل كل ما يقع على عاتقه حتى لا يدفع ذنب ليس بذنبه وسيعطيه الشرعية التي يستحقها طفل برئ مثله، حتى ولو اقترف خطأ تجاه داغر لم يفكر وقتها سوى في فهد أولا وثانيًا في أفنان..
كان هو أسرع من تقبله أكثر من أفنان نفسها….
خلفهما كان يقف داغر بملامح لا تظهر شيئًا..
احتضنه شريف بحب واشتياق كان يكتمه بصعوبة، يشم رائحته ويقبل رأسه بلهفة كبيرة، براءته التي يعشقها ويأمل ألا تذهب مهما بلغ من العمر سمع الصغير يهتف بحب حقيقي:
-وحشتني اوي يا ثائر، اوي..
-وأنتَ اكتر يا حبيبي.
وعلى ذكر ثائر كان نطقها من الصغير تحديدًا يؤلمه كان يتمنى أن يعرفه بشخصيته واسمه الحقيقي ولكن الاهم رُبما أن المشاعر بينهما حقيقية…
وأخيرًا استوعب وجود هذا العكاز وقدم أفنان التي أحدهما ترتدي أحد الأربطة الطبية الذي جعل شكل الحذاء فوقه غير ملائمًا، فجعل الصغير يهبط من بين أحضانه ثم سأل شقيقته بريبة:
-ايه يا افنان ايه اللي حصلك؟!! مال رجلك؟!!.
تحدثت أفنان برقة وبنبرة هادئة:
-مفيش حاجة يا حبيبي انا بس وقعت وكنت متجبسة وفكيت الجبس يعني كلها أيام والوضع هيكون احسن كتير ان شاء الله.
تمتم شريف بنبرة مقتضبة:
-ومقولتليش ليه ما أنا بكلمك كل يوم؟!!.
أردفت أفنان بتردد:
-يعني محبتش أقلقك وأنتَ بعيد والموضوع مش مستاهل يعني….
ثم أسترسلت حديثها بنبرة مشاغبة:
-مش هتاخدني في حضنك انا كمان ولا هو الحضن لفهد بس؟!.
جذبها شريف إلى أحضانه لتستكين بينهما فهو الأمان، الشخص الأول الذي لم يقم بمحاسبتها بل سعى لحل المشكلة والدفاع عنها أولا، شريف لن يعوض أبدًا…
كـشقيق لها وكـرجل في حياة أي أمرأة يتواجد بها…
كان داغر يقف يشاهدهما بملامح غريبة، هو لديه جانب منزعج قليلا وجودها بين أحضان شريف بهذا الشكل وكأنها بالفعل كانت تفتقده بشكل رهيب جعله يشعر بالغيرة الطفيفة التي يعلم بأنها مبالغة ولكنه شعر ودفي نفس الوقت بالسعادة لأجلها فهي كانت تشتاق له ولم تكن تتحدث في هذا الأمر، كانت تكتمه…..
تمتم فهد بنبرة طفولية وإرهاق وهو يقاطع هذا العناق الأخوي:
-مش هندخل بقا أنا رجلي وجعتني.
ابتعد شريف عن أفنان ووجه حديثه إلى داغر بملامح شاكرة على الأقل بأن حال الاثنان يبدو جيدًا:
-اهلا يا داغر، عامل ايه؟!.
تمتم داغر بهدوء:
-الحمدلله، ادخلوا أنتم وأنا لازم اروح البنك وورايا كذا مشوار…
تحدث فهد بحماس وهو يقترب من داغر:
-خدني معاك.
قال داغر بنبرة عفوية:
-مش خالك واحشك روح اقعد معاه وانا مش هتأخر مش كنت لسه بتقول رجلك وجعاك وعايز تدخل؟!.
بإصرار كان فهد يجيب عليه:
-لا خدني معاك.
قالت أفنان تحت مراقبة شريف للاجواء:
-خلاص يا فهد سيبه يروح وهو هيرجع مش هيتأخر.
عقد فهد ذراعيه ونظر إلى عين داغر بعتاب، ضيقٍ، وعبس طفولي يجعلك مجبرًا على تنفيذ ما يريد وتحدث بنبرة على وشك البكاء:
-هاجي معاك ولما ارجع اقعد مع خالو براحتي.
هتف داغر بنبرة لينة رغمًا عنه:
-خلاص تعالى….
حمل شريف وداغر الحقائب إلى الداخل ثم غادر داغر برفقة فهد، وجلست أفنان على الأريكة برفقة شقيقها….
تمتم شريف غير مصدقًا:
-أنا مش مصدق ان فهد يسيبني ويروح مع داغر او مش مصدق العلاقة اللي ما بينهم لما كنتي بتحكي كنت بفتكر أن بتأفوري بس اللي شوفته قدام عيني غريب….
هتفت أفنان بانبهار رغمًا عنها:
-أنا نفسي مكنتش متخيلة، ولسه مش مستوعبة، فهد اتعلق بيه جدا وكان التعلق ده في بدايته بيقلقني، انا اصلا لغايت دلوقتي مش مستوعبة انه قال قدامهم انه ابنه، انا كانت ايدي على قلبي وقتها…
احتفظت أفنان بالنقطة الخاصة بعدم إنجاب داغر لا تدري حاولت الحفاظ على خصوصيته رُبما هو لا يرغب بمعرفة شريف الأمر…
أما شريف كان يتأملها…
داغر يعشق أفنان، عشقه لها جعله يقبل فهد، هذا هو المُبرر الذي أتى في عقل شريف، حسنًا هو كان يشعر بأن داغر في السابق يكن شيء مميز لأفنان كان يشعر به كـرجل، ولكنه لم يصل عقله إلى الحب وتلك المسميات الشاعرية التي لا يعترف بها أبدًا في الواقع….
لكن ليس هناك رجل يقبل هذا كله إلا وهو واقع تحت سحر الحب فهو تخطى مفهوم الحب……
تمتم شريف بنبرة جادة:
-واضح ان في حاجات كتير اوي محتاجين نقعد ونتكلم فيها بس أول حاجة هعمل كام مكالمة وتاني حاجة احطبك تأكلي او نأكل سوا انا اصلا يعتبر مكلتش كويس، أنا عامل طاجن بامية باللحمة خرافة.
هتفت أفنان بحماقة وسرعة:
-ماشي وياريت تحكيلي عن اخبارك مع شمس.
تجمد ثم حاول استيعاب الأمر متحدثًا بنبرة منزعجة:
-وايه اللي جاب سيرة شمس دلوقتي؟!.
لا تعتقد أفنان بأن شريف بعد هذا الوقت كله لم يرى أي مقطع من المقاطع الخاصة بشمس التي انتشرت بشكل مُفجع وأصبحت متداولة بشكل رهيب تظهر لمن حتى لا يهتم بالأمر ولكنها لا تستطيع جرح رجولته أكثر من هذا أو ذكر تلك النقطة لأنه بالتأكيد قد علم بالأمر………
-لسه بتكلمها؟!!!.
تمتم شريف بانزعاج جلي:
-بكلمها يا أفنان هتحاسبيني يعني؟!!.
قالت أفنان بتردد:
-أنا مش بحاسبك يا شريف على حاجة أنا بس بسأل أنتَ متعصب عليا ليه؟!.
تنهد شريف ثم تحدث بنبرة متوترة:
-معلش أنا مضغوط شوية، وعموما علاقتي بشمس دلوقتي علاقة مصالح مفيش حاجة بينا انا بس بقضي ليها كام مصلحة لا أكتر ولا أقل…
نظرت له افنان بعدم فهم عن أي مصالح قد تجمعهما؟!!
لكنها لم ترغب في إطالة الأمر الذي على ما يبدو لا يرغي في الحديث فيه…
____________
تجلس على الأريكة في تلك الشقة الجديدة عليها…
تشعر بالفراغ الكبير..
عدم الانتماء لأي مكان…
كل مرحلة من عمرها تقريبًا كانت تقوم بقضائها في منزل مختلف وتحديدًا في الآونة الأخيرة انتقلت من شقة عبدة التي قام بتأجيرها إلى منزل مريم وبعدها إلى الشقة التي اختارها ثائر من أجلها وللمرة الثانية على التوالي في شقة أخرى من اختيار ثائر أو في رواية أخرى شريف الذي لم تعتد على نطق اسمه بعد..
شعور عدم الانتماء إلى عائلة وإلى منزل أو أي شيء مؤلم إلى حد كبير، حتى بالرغم من حديث ثائر عن عائلة والدها الكريمة والثرية، لم يسعدها الأمر أو بمعنى أوضح جعلها تشعر بالخوف من عدم التقبل والنفور، لا تظن بأن رجل في مكانته قد يقبل بفتاة، تراجعت عن تلك الكلمة فهي لم تعد فتاة صغيرة انها تقترب من عامها الثلاثين، وراقصة..
عدم تقبله لها هو الشيء الوحيد التي تصدقه وتشعر به من أعماق قلبها..
تنتظر إتيان ثائر بطبيعة الحال هو أخبرها بأنه سيأتي اليوم ولكن لم يصدر منه أي شيء حتى الآن..
جاءت سوسن من الداخل بتعب وإرهاق وهي تقول:
-أخيرا فضيت الشنط كلها بقالها كذا يوم مكانها ووضبت الدنيا.
تمتمت شمس بضيقٍ وهي تعقد ذراعيها:
-كويس.
سألتها سوسن بنبرة عادية غير مبالية:
-مالك يا بنتي مسهمة كده ليه؟!.
أردفت شمس بـسخرية:
-والمفروض اعمل ايه يعني؟! اديني قاعدة اهو.
حاولت سوسن تغيير الموضوع قائلة بحماقة:
-نشوح شوية كبدة من اللي جبتها الصبح؟! ولا تحبي تأكلي ايه؟!.
قالت شمس بنبرة جامدة وخالية من التعبير:
-اي حاجة مش فارقة أنا ممكن اكل سندوتش جبنة وخلاص مليش نفس لحاجة كله زي بعض وكلها محصلة بعضها.
أردفت سوسن بنبرة مختنقة وهي تعقد ساعديها:
-انا مش فاهمة ايه سبب قالبة الوش دي؟! ، ده انا عملت كل ده علشانك طلاق واطلقت وسيبت بيتي وعملت كل اللي يريح الفيلسوف بتاعك علشان أنتِ بتقولي انه عارف مصلحتك وادي أخرتها اهو قالبة وشك ومش عاجبك العجب برضو.
خرجت ضحكة ساخرة من شمس تقول بعدها بانفعال واضح وغضب مكبوت رغمًا عنها:
-المشكلة انك مقتنعة انك مضحية وجاية على نفسك، وانك اطلقتي من سيد الرجال علشاني، مش واخده بالك انه ضربك وانا عملت كده علشانك، مش واخده بالك ان ثائر خلصك من القرف ده بأعجوبة لأن عبدة عمره ما كان هيسيبنا بالساهل غير لو مص دمنا واستفاد مننا لأكتر وقت ممكن…
ابتلعت ريقها لتسترسل حديثها بلومٍ:
-مش واخدة بالك تقريبًا أن العك اللي في حياتي أنتِ سببه واحدة في سني معهاش اي اثبات شخصية ويا عالم لما الراجل اللي المفروض ابويا يعرف هيعترف بيا ولا لا اصل دي مش سنة ولا اتنين ولا خمسة دي حاجة داخلة في تلاتين سنة.
شحب وجه سوسن من حديث ابنتها وعتابها الذي افجعها، لكنها حاولت الدفاع عن نفسها مغمغمة بجنون:
-طول ما أنتِ معشتيش اللي أنا عيشته، ولا شوفتي اللي أنا شوفته مش من حقك لا تحاسبيني ولا تلوميني أبدًا….
نظرت لها شمس نظرات غاضبة وعقبت على حديثها بخفوت :
-انا ممكن ابطل الومك على أي حاجة في الدنيا إلا انك سبتيني العمر ده كله من غير نسب وسيبتي جوزك يستغلني…
نهضت سوسن بغضب وتوجهت صوب المطبخ فقد انتهت طاقتها ولا تستطيع الرد على ابنتها التي ببساطة جدًا محقة فيما تقوله وليس لديها وسيلة للدفاع عن نفسها قوية….
أما عند شمس صدع صوت هاتفها يعلن عن اتصال من ثائر (شريف)، أجابت عليه..
-الو.
“الو يا شمس عاملة ايه؟!”
تمتمت شمس بنبرة مقتضبة:
-الحمدلله وأنتَ؟!.
“بخير انا مش جاي النهاردة، اشتريت شوية حاجات وزمان المندوب جايلك انا دفعت بالفيزا متدفعيش حاجة يعني”.
قالت شمس بنبرة غاضبة وشذر:
-مش كنت جاي؟!!.
“حصلت ظروف”
تمتمت شمس بانفعال طفيف لأنه يتعمد عدم قول السبب الحقيقي:
-براحتك سلام..
“سلام”
ولكن قبل أن يغلق المكالمة تحدثت بنبرة شبة صارخة:
-ومتجبش اي حاجة بعد كده انا مش شحاتة والله معايا فلوس لما اعوز حاجة هجيبها انا مش على الحديدة، خليك في حياتك وفي ظروفك ومن غير سلام…
انهت المكالمة بكل غضب وضيقٍ وقلب غاضب.
_____________
مكالمة من جده تركت له عدة أخبار او نقاط…
الخبر الأول أو النقطة الأولى بأن فردوس علمت بالحقيقة وتخلصت من الدليل وعلى ما يبدو بأنها لا تنوي فعل شيء قد يخص أفنان، ولم تعلم عن فهد شيئًا…
النقطة الثانية بأن يصعد إلى شقته ويترك شقيقته برفقة زوجها وابنها في الشقة السفلية عند النوم ويمنحهما الخصوصية التي قد تحتاجه أي عائلة فقد قررا استئناف حياتهما وهذا أفضل شيء…
النقطة الثالثة أنه اخبره بأنهما يرغبا في تسريع من أمره فلم يعد هناك شيء يستحق الإنتظار شقيقته مع زوجها في أمان ولم يعد خطر حقيقي يقوم بتهديدها وهنا كانت تلك المشكلة الحقيقية هو أنه يجب عليه تسريع أمر شمس حتى يطمئن قلبه…
قلبه الأبلة الذي يعشق في الوقت الغير مناسب، ولم يعد هو الشخص المناسب ولسوء الحظ كانت هي الشريك الغير مناسب ايضًا…
يقوم بسحب نفس من سيجارته وهو يقف في المطبخ ويقوم بصنع القهوة له، أتت أفنان من الخارج متمتمة بنبرة متوترة:
-داغر وفهد جم.
أردف شريف بعدم فهم وهو يستدير لها:
-وايه المشكلة؟!.
تمتمت أفنان بارتباك طفيف:
-داغر عايز يمشي وبيقول هيبات عند واحد صاحبه ومش عايز يبات هنا…
تحدث شريف بنبرة باردة وكان غرضه بأن يقوم باختبار ردة فعلها:
-ايه المشكلة يبات في المكان اللي يريحه؟!!!..
شعرت أفنان بالخجل عند تلك الاجابة ولا تعلم كيف تسترسل حديثها، هي تريد وجوده، اعتادت عليه وكأنها لا تستطيع المكوث في أي مكان إلا وهو معها….
هي ترغب في أن يكون بجانبها وفي الوقت نفسه هكذا تكون تشعر بالاطمئنان عليه، لكن مكوثه في أي مكان أخر شيء يجعلها لا تشعر بالراحة أبدًا…
وكانت حيرتها ونظراتها، ارتباكها كان خير دليل بأن يجعل شريف يفهم ما ينتابها مما جعله يخرج من المطبخ تاركًا أياها، ويتوجه إلى حيث يقف فهد عابسًا أمام داغر الذي قد هبط إلى مستواه يحاول أن يراضيه بأنه سيذهب وسيأتي له في الصباح الباكر بمجرد استيقاظه سيجده أمامه…
تمتم شريف بنبرة عملية:
-ما تخليك يا داغر بايت هنا، ايه اللي يمشيك يعني؟! يعني بيت قريبك واخو مراتك مش احسن من بيت صاحبك؟!!.
استرسل شريف حديثه بنبرة فهم داغر ما ورائها:
-اللي حصل قبل كده عدى وده باين يعني من اللي انا شايفه فمتزعلش أفنان وفهد وخليك هنا معاهم انا اصلا بنام فوق في شقتي…
وهل هو يستطيع أن يُحزن أفنان وفهد؟!!
هل يتحمل؟!!!!…
أبدًا…
_______________
…بعد مرور ساعة تقريبًا…
كان فهد يجلس مع شريف (ثائر) في شقته العلوية بعد أن حاول شريف بأن يقوم بتنظيفها فهو لم يفتحها منذ مدة ورفض مساعدة أفنان من أجل ساقها….
كان معه فهد..
أخيرًا بعدما استطاع أن يقنع ضميره بأن كل شيء جيد جلس على الفراش ويجاوره فهد مما جعل شريف يهتف مغتاظًا من صعوده فهو كان يرغب على الأقل بأن يكن فهد بالأسفل هذا أفضل….
أفضل لأنه هو الأخر يشعر بالغيرة كالاحمق على شقيقته تحديدًا بعد أن أصحبت علاقتهما متينة وشاهد الاثنان الكثير من السنوات الصعبة مع بعضهما والمواقف التي ظن كلاهما بأن لا أحد سوف يتخطاها منهما ووجودها بالاسفل تحديدًا في هذا المنزل مع زوجها أنه لشيء غريب وجديد…
-ما تنزل تقعد تحت أنتَ قاعد هنا ليه؟!.
عقب فهد بعفوية شديدة:
-علشان أنتَ وحشتني…
هتف شريف ساخرًا:
-واضح فعلا اني وحشتك علشان كده قبل ما تدخل البيت روحت ماشي مع ابوك….
انتبه شريف لكلمته الأخيرة هل حقًا بدأ يشعر بأن داغر هو والد فهد حقًا؟!..
يبدو أن ما رأه وما سمعه من أفنان جعله يتفوه بتلك الكلمة….
تحدث فهد ببراءة:
-مكتش قصدي، وبعدين انا معاك اهو وهبات معاك هنا…
ردد شريف مستنكرًا:
-تبات معايا؟!! لا أنتَ تنزل وتبات مع ابوك وامك هما أولى بيك…
-لا مش هسيبك، علشان أنتَ زعلت مني لما مشيت فمش هسيبك دلوقتي..
ثم سأله ببراءة:
-وبعدين شموسة عاملة ايه أنا عايز أكلمها…
على ذكر شمس تذكر مكالمتها السيئة جدًا في الصباح فتحدث بنبرة هادئة وحماس فهو يريد الاعتذار منها وهو شخص لم يعتد الإعتذار تحديدًا للنساء:
-يلا نكلمها…
ألتقط شريف هاتفه وضغط على رقمها وقام بالاتصال بها ولم تجب في المرة الاولى…
اتصل بها للمرة الثانية وهو يرضي غرورها على ما يبدو هي تتبع مقولة ” الثقل صنعة” لكنها لا تعلم أنها لل تفلح فيه، فأجابت عليه بنبرة ساخرة.
-خير عندك أوامر او حاجة عايز ترميها في وشي…
تمتم شريف ببراءة شديدة:
-ابدًا فهد معايا وعايز يكلمك..
أعطى الهاتف إلى فهد الذي غمغم بابتسامة واسعة قبل حتى أن تستوعب ما يحدث:
-ازيك يا شموسة عاملة ايه؟!.
جاءه صوتها الهادئ اللطيف:
“تمام يا قلب شموسة أنتَ وحشتني اوي”.
-وأنتِ اكتر، انا لسه جاي مع بابا وماما النهاردة..
“خلاص هستنى اشوفك بقا”
-ماشي.
أخذ شريف الهاتف من فهد ثم غمغم بنبرة هادئة موجهًا الحديث له:
-خليك مكانك هدخل اعملنا حاجة نشربها واجي.
-تمام.
خرج من الغرفة ليتحدث بنبرة هادئة:
-الو يا شمس أنتِ معايا؟!.
“معاك بس هقفل علشان فهد خلاص خلص كلامه”.
تمتم وهو يدخل إلى المطبخ ويغلق الباب خلفه قائلا بنبرة مشاغبة لم تسمعها منه أو تستشعرها منذ وقت:
-وخال فهد ملهوش لازمة؟!.
جاءه صوتها غاضبًا:
“يسكت أحسن ليه”
تمتم شريف بنبرة صادقة وواقعية:
-شمس اسمعيني كويس…
هتفت شمس باختناق:
“اتفضل انا مش طارشة والله سامعة”
-أنتِ غالية عندي ومهمة؛ ورغم اللي عرفته انا مرضتش اسيبك ومش هسيبك غير وأنتِ في أمان يا شمس بس في نفس الوقت في حاجة لازم تفهميها.
“ايه هي؟!”
أخذ نفس طويل قبل أن يقول بوضوح:
-أنا مش عايز اديكي أمل، مش عايزك تعيشي في وهم او أنا عموما مبحبش ادي وعود لحد انا عارف اني مش قدها ولا عايزك تكوني كويسة علشاني عايزك تعملي كل حاجة علشان نفسك، وعلشان انا مش عارف حياتي لسه هتمشي ازاي مش حابب اعلقك بيا أكتر ياريت تفهمي الكلام ده.
جاءه صوتها وهي تصيح لكن صوتها كان مرتجف إلى أقصى درجة:
” اسمعني أنتَ، انا بحبك وحبيتك من اول يوم شوفتك فيه حبيتك وانا بعترف ليك بحقيقتي وعارفة انك مش هتكون ليا حبيتك لما عرفت اللي عملته، حبيتك في كل حالة وفي كل وقت أنا عرفتك فيه حتى لو أنا مش هكون ليك ولا أنتَ هتكون ليا هفضل احبك لغايت اخر يوم في عمري”
تنهدت ثم أردفت بنبرة عاطفية وصادقة إلى أبعد حد:
“ومش هحب راجل غيرك كنت الأول وهتفضل الاخير وانا عموما مش هطالبك بحاجة ياريت بس تسرع موضوع اهلي سلام”
أغلقت المكالمة كما فعلت في الصباح دون أن تنتظر منه رد…
____________
في الطابق السفلي..
كانت أفنان تقف في المطبخ لا تدري كم مرة قامت بغسل الصحن المتواجد في يدها حتى كاد يصرخ ويخبرها بأنه غير متسخ ونظيف تمامًا..
لكنها كانت متوترة الآن شعرت بالندم يا ليتها سمحت برحيله حسنًا هي أخبرت شقيقها بأن يجعله يبيت الليلة معهم ولكنها لم تخبره بأن يصعد إلى شقته تاركًا أياهم بمفردهما ومعه فهد…..
تلك المرة الأولى تقريبًا التي تجد نفسها في شقة بمفردها معه من دون فهد، ومن بين أفكارها شعرت بأن هناك شخص قد حجب الهواء من خلفها ومد يده ليتلقط الصحن وكأن داغر استجاب لرغبة الصحن…
ووضعه على الرخامة قائلا بنبرة منزعجة:
-على فكرة اخوكي غسل الأطباق كلها بقالك نص ساعة بتعملي ايه ووقفتك على رجلك دي غلط…
هتفت أفنان بتردد وهي تستدير وكان قد ابتعد عنها معطيًا أياها الحرية، صدقًا هو يموت شوقًا للاقتراب منها ولكنه يراعي ما اقترفه هذا الوغد بها فهو يحاول تهذيب مشاعره ووجدانه قدر المستطاع…….
-مفيش كان باقي الطبق ده من فهد وقولت اغسله انا قاعدة مش بعمل حاجة.
رمقها بنظرة متفحصة:
-نص ساعة بتغسلي طبق واحد؟!…
هزت رأسها بإيجاب وهي تسأله برقة:
-أعملك شاي؟!.
-روحي اقعدي برا يا أفنان وقفتك كتير كده غلط وانا هعمل الشاي لنفسي، اخرجي أنتِ واقعدي…
هتفت أفنان بنبرة خافتة:
-بس أنتَ متعرفش اماكن الحاجة اخرج انتَ وانا هعمله.
-أنا هتعامل يا أفنان أنا مش كفيف…
استجابت له، ثم التقطت عكازها وغادرت المطبخ وبعد عدة دقائق كان يجلس بجانبها على الأريكة وكانت هي تشاهد التلفاز أو بمعنى أصح تتصنع ذلك بعد أن أتت بشال من الصوف ودثرت نفسها به….
الأجواء باردة جدًا..
كان هو يستحي كوب الشاي الخاص به ولم يقم بصنع كوب لها لأن أفنان لا تفضل الشاي ونادرًا ما تشربه…
نهضت أفنان ليسألها داغر باستغراب:
-رايحة فين؟!!.
-هطلع اشوف فهد واخليه ينزل هو مش متعود…
قاطعها داغر وهو يمسكها من كف يدها جابرًا أياها على الجلوس متمتمًا بسخرية بعض الشيء:
-صدقيني فهد بيعرف يعمل كل حاجة متاخديهوش حجة في أغلب الأوقات وبعدين لو هو مضايق من وجوده فوق مع شريف كان نزل هو مبقاش عيل صغير هو واعي وعارف كل حاجة ممكن تحاولي تشوفي حجة جديدة.
جلست مرة أخرى مكانها وهي تعقد ساعديها وقالت بعفوية رغمًا عنها:
-ماشي هشوف.
ضحك داغر رغمًا عنه فهي تخبره بالفعل بأنها سوف تجد حجة أخرى، ليتحدث بنبرة هادئة وهو يتأملها:
-انا مش هأكلك يا أفنان، متخافيش مبأكلش البنات الحلوة اللي زيك…
توردت وجنتيها وفضلت الصمت لعدة دقائق…
بعد أن تأملت ضحكته الجميلة التي نادرًا ما تراها….
ثم باغته بسؤال هادئ يعبر عن دهشتها:
-هو أنتَ ليه سفرتنا بسرعة كده؟! مش كنا المفروض هنستنى كام يوم…
تعجل من أجل ألا يحدث بينهما وبين فردوس لقاء…
حتى تهدأ ورُبما عند عودتهما تكون فردوس قد سافرت إلى كمال…
-علشان شوفتك أنتِ وفهد عايزين تغيروا جو وتشوفوا شريف.
هزت رأسها بإيجاب ثم صمتت رغم عدم اقتناعها الكلي بالإجابة، وأخذت تتأمل كل ركن من أركان المنزل التي تجلس به بعيناها، وكان هو يراقبها، لا يستطيع ترك فرصة يستطيع تأملها بها…..
حاول داغر جذب أطراف الحديث معها متمتمًا:
-دي طريقة جديدة للهروب؟!.
هزت رأسها نافية بعفوية شديدة وهي تخبره:
-مفيش سرحت شوية كل جزء في الشقة دي مهم بالنسبالي..
سألها بفضول كبير:
-ازاي؟!
تمتمت أفنان بجدية:
-لو عايز الحق انا يمكن بحب الشقة دي والبيت ده رغم بساطتهم عن بيتنا هناك، هنا كانت أفنان جديدة اتولدت، في حاجات كتير اتغيرت فيا واتزرعت فيا هنا….
ترك الكوب من بين يديه يسألها برغبة في استكشافها أكثر:
-زي ايه..
لا تدري لما رغبت في الشرح باستفاضة فوجدت نفسها تقول:
-اتحملت المسؤولية هنا، مسوؤلية فهد في وقت دراستي اه مكنش كدابة كان شريف بيجيب ناس تساعدني في البيت وحتى لما اتجوز برضو مراته الاولى بالذات كانت بتساعدني جدا وكانت بتهتم بفهد معايا كان اسمها ياسمين، برغم المساعدة الا اني في النهاية مسوؤلة عن بيت وعن ابن، وانا في السن ده…
ابتسمت لتسرسل حديثها:
-انا كنت بربي فهد وبتربى معاه من جديد البيت ده شهد ولادة أفنان جديدة مع ولادة فهد، بحب الايام اللي قضتها هنا رغم صعوبتها الكبيرة بعد ما كنت واحدة مش بتشيل حاجة لو وقعت منها في الأرض ولا بتحمل هم حاجة، ذكرياتي هنا مع في فهد أول ست سنين من حياته عمرها ما تتمحي….
عقب على حديثها بابتسامة هادئة وهو يأخذ كف يدها الباردة واضعًا أياه بين كفي يده الدافئتين قائلا بنبرة عذبة وهادئة جدًا:
-وفي بيتنا هيكون لينا ذكريات أحسن وأجمل وأطول ان شاء الله.
-ان شاء الله.
تمتم داغر بنبرة هادئة:
-أنتِ عارفة اننا لما نرجع ان شاء الله هنرجع على بيتنا علطول ؟! كل حاجة تعتبر خلصت…
قالت أفنان بنبرة خافتة:
-طب كويس..
-عارفة ايه اكتر حاجة أنا شايل همها؟!.
هتفت أفنان سائلة أياه:
-ايه هي؟!..
-لما أسافر واسيبكم انا اخدت على وجودكم في حياتي أوي وهيكون صعب عليا…
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه بنبرة هادئة:
-على العموم انا مش هطول هناك ان شاء الله وهظبط الدنيا بحيث اني اسيب الشغل هناك وابيع شقتي وانزل…
تمتمت أفنان بتردد كبير:
-داغر فكر كويس انك تسيب فرصة الشغل اللي فضلت تسعى ليها كتير وكانت حلمك يعتبر وتسيبها علشانا ده شيء محتاج تفكر فيه كويس أنتَ قولت قبل كده انك ممكن تنزل اجازات اكتر من مرة في السنة…
صمت داغر لدقيقة ثم عقب على حديثها بنبرة لطيفة وهو يضغط على كف يدها بين كفيه:
-أنا مش بأخد قرار يا أفنان غير لما أكون فكرت فيه كويس، عارف انها فرصة واني ممكن اندم في المستقبل تحديدًا لما ارجع واحاول الاقي شغل وابدأ من أول وجديد، بس الأكيد أن أي ندم ممكن اندمه مش هيعادل ندمي لو انا بعيد عنك بالشهور، وانك متكونيش كل يوم نايمة في حضني ومطمن انك جنبي انتِ وفهد.
هبطت دمعة من عيناها رغمًا عنها رغم أنه لا يتحدث بطريقة عاطفية طوال الوقت ولا يظهر مشاعره لكنه حينما يفعل يصيبها بشكل كبير، شكل لا تستوعبه….
مسح دموعها بأنامله وهو يمرر أصابعه على بشرتها الناعمة جاذبًا أياها لتصبح بين أحضانه وتقريبًا بقيا الاثنان على هذا الوضع حتى الصباح، وشاهدت تلك الاريكة على نومها بين أحضانه الدافئة، بعد أن جلب داغر من الداخل غطاء سميك ليضعه فوقهما…
كانت أمسية رائعة….
______________
اليــوم التــالــي
في المكتب الخاص بتوفيق والذي نادرًا ما يجلس به في أغلب الأوقات يكون من يجلس به هو كمال…
منذ اسبوعين تقريبًا جعل توفيق بكر يقوم بتكثيف جهوده من أجل انهاء البناية التي ستجمع العائلة كلها………
تمتم بكر بنبرة هادئة:
-صدقني كل حاجة تمام وشغالين وفي ظرف شهر هيكون الشقق كلها جاهزة، الناس كل يوم شغالين مفيش يوم وبيريحوا فيه..
ثم سأله بعدم فهم:
-بس انا مش عارف يا بابا ليه حضرتك مستعجل على الموضوع ده؛ بقالك شهرين مخليني شغال فيه…
هتف توفيق بنبرة دبلوماسية:
-كده محدش ضامن عمره، مبقاش فيه قد اللي فات وانا عايز اطمن عليكم كل واحد فيكم عيلته بتكبر ما شاء الله ولازم يكون لكل واحد فيكم شقة منفصلة وفي نفس الوقت تكونوا مع بعض..
تحدث بكر بخفوت وضيقٍ:
-ربنا يديك طولة العمر يا بابا…
تحدث توفيق بهدوء:
-محدش مخلل فيها با ابني وبعدين أنتَ اللي هتكون الكبير بعدي تخلي بالك من مراتك وابنك او بنتك ان شاء الله وتحافظ على بيتك وعيال اخوك في مسؤوليتك..
-ليه الكلام ده يا بابا بس؟!.
عقب توفيق ببساطة:
-الانسان طول ما هو عايش بيوصي اللي حواليه، ومفيش أولى منك أوصيه على نفسه وعلى عيال اخوه…..
ابتسم بكر ببطئ وحاول تغيير الموضوع فهو لا يحب الحديث في تلك النقطة فمهما بلغ من العمر…
لا يحب حتى ولو مجرد التفكير بفقدانه والده…
-هو استعجالك على موضوع العمارة ده ليه علاقة بخناقة كمال وفردوس؟! بابا أنا مش صغير وعارف ان في حاجات أنتم مخبينها عني من أول موضوع شريف وحسن….
تنهد توفيق ثم قال بنبرة جادة:
-صدقني يا بكر مفيش حاجة مستاهلة أنك تعرفها واحنا مخبينها عليك، ولو في حاجة مخبينها ده علشان متدخلش في الدوامة اللي احنا فيها، وبعدين انا عايز اطمن ان كلكم مع بعض لا أكتر ولا أقل ولكل واحد يكون له خصوصية شوية..
والده مصمم على عدم قول شيء له كما أعتاد منه لذلك لم يصر فقال بكر بهدوء وهو ينهض من مكانه:
-ماشي يا بابا أنا هقوم ورايا مشوار اعمله وهعدي عليهم بليل اشوفهم وصلوا لفين وزي ما أنتَ عايز أول شقة هخليهم يخلصوها شقة كمال في اسرع وقت..
-تسلم يا ابني ربنا يعينك.
غادر بكر بعد بضعة دقائق…
بعدها سمع صوت طُرقات هادئة على الباب فأذن لها، ولجت فردوس بخطوات ثابتة وهادئة ليبتسم لها توفيق متمتما بنبرة هادئة:
-ادخلي يا بنتي..
ولجت فردوس ثم جلست أمامه غمغم توفيق بنبرة جادة:
-أنتِ عاملة ايه يا بنتي دلوقتي؟!.
-الحمدلله بخير.
صمت توفيق معطيًا أياها المساحة التي تريدها بالتأكيد هي لم تأتي من أجل التحية مثلا، قالت فردوس بعد صمت دام لثلاث دقائق تقريبًا:
-أنا عايزة اسافر لكمال….
اندهش توفيق من رغبتها السريعة فظن أنها ستفكر يومان أو ثلاثة……..
أسترسلت فردوس حديثها بنبرة هادئة:
-عايزة اسافر له في أقرب فرصة لو زي ما حضرتك قولت أوراقي جاهزة….
-متاكدة؟!! الموضوع واقف على حجز التذكرة..
-متأكدة….
_____________
لو تعلمين كيف انني ملتاعٌ من دونِك وحياتي في غيابِك
لا تُطاق، أحبك هكذا حتى بصمتي وحدّتي ولؤم اطباعي
و شرودي وضياعي أُحبك رغم ساعات نومي الطويلة
أحبكِ ولا يسعفني شيء سواكِ ولو تعلمي كيف يُمزقني مرور الوقت أشعر به يمُر من فوقي ويُفتت عِظامي
ويلسع لي روحي من الشوق والحنين.
#مقتبسة
المُحب دومًا يجد طريقة.
#مقتبسة
-إلى الشخص الذي يؤكد لي دائمًا أن كل الأشياء الجميلة تشبهني وأن الزمان لا يقف فرحًا إلا معي أتُدرك أنك اللازم والأهم والمُهم.
#مقتبسة
يوم الأحد كان موعد طائرتها…
سيقوم بكر بتوصيلها إلى مطار القاهرة….
انتهت من تحضير حقيبة سفرها حاولت وضع ملابس خريفية بالإضافة إلى ملابسها الشتوية فأخبرها الجميع بأن درجة الحرارة مرتفعة قليلا فلا تأخذ الملابس كلها ثقيلة، حاولت وضع متعلقاتها وكل ما تحتاجه في الواقع هي متوترة وخائفة جدًا تلك تجربتها الأولى في السفر خارج مصر وركوب الطائرة بمفردها…
منذ موافقتها الذي أعجب بها توفيق أخبرها بأنها لا تقلق أبدًا هناك شاب وزوجته يعرفهما سيأتي برفقة زوجته ليأخذها من المطار إلى حيث يتواجد الفندق……….
وذلك بعد رغبتها بأن تكون مفاجاة لكمال ولا يخبره أحد بذهابها إليه، جعلها بكر تقوم بتحويل خط هاتفها إلى خط دولي حتى تستطيع التواصل مع الشاب بسهولة عند وصولها…
كانت تأخذ حمامها في المرحاض وتستعد للذهاب وما أن خرجت وهي ترتدي روب الاستحمام الخاص بها حتى وجدت جسد يدس نفسه في خزانتها وحقيبة سفر أخرى ولكنها أصغر حجمًا لا تعلم ملك من؟!!
تتواجد بجانب حقيبتها الكبيرة، شهقت فردوس حقًا فهي تعلم بأنها بمفردها في الغرفة…
خرجت دعاء من الخزانة متمتمة بهدوء:
-متتخضيش….
تمتمت فردوس بعدم فهم:
-أنتِ بتعملي ايه هنا؟!!.
غمغمت دعاء ببساطة شديدة:
-بجهز شنطة شهر العسل بعيدًا عن شنطة ست الحجة اللي أنتِ حضرتيها والله لو الحاجة منى مسافرة هتاخد حاجات احسن من كده، الشنطة دي بتاعتي بس متغلاش عليكي بكر قالي عادي أنك تاخدي شنطتين ودي صغيرة والحاجات اللي هنحطها فيها خف الريشة، الحاجات اللي الراجل دفع ثمنها هباءًا….
صدقًا حل دعاء الوحيد حتى تتوقف عن احراجها وعن تدخلها بأنها تقوم بالعودة إلى فردوس التي تتشاجر معها…
-انا مش رايحة شهر عسل يا دعاء، ومش هاخد حاجة…
تمتمت دعاء ببساطة شديدة قبل أن تغادر:
-لو رايحة تتفقي على الطلاق مش مشكلة خديهم معاكي وارميهم في الزبالة هناك وارجعيلي بالشنطة مليانة هدايا من دبي بقا مش هوصيكي، وبعدين يلا خلصي بكر مستنى تحت……
بعد وقت كانت فردوس تهبط على الدرج وهي تحمل حقيبة سفرها الكبيرة، وتخرج من المنزل أخذ بكر منها الحقيبة ووضعها في الحقيبة الخاصة بسيارته لتخرج زوجته من المنزل وهي تحمل الحقيبة الأخرى قائلة ببهجة:
-الشنطة نستيها يا فردوس…
“تبًا لكِ يا دعاء”
كانت تلك العبارة التي تود فردوس نطقها ولكنها صمتت تحديدًا حينما وجدت بكر يأخذ الحقيبة من زوجته ويضعها في السيارة بهدوء لا يهتم أو لا يفهم ما يحدث من الأساس….
احتضنتها دعاء بحب وبادلتها فردوس، وتمنت لها الخير، لتغادر فردوس في النهاية برفقة بكر إلى مطار القاهرة وكان الحديث بينهما منقطع تقريبًا إلا حديثه الذي يتفوه به كل بضعة دقائق يعيد عليها التعليمات السابقة….
قام بتوصيلها إلى مطار القاهرة وأعطاها اوراقها وكل ما تحتاجه وأخبرها بأنه سيجلس في الخارج لمدة نصف ساعة وتلك المدة تقريبًا التي تنتهي بها الإجراءات وتظل في انتظار وقت دخول الطائرة، أخبرها بأنه إذا حدث أي شيء لتتصل به…
لكن مر الأمر بسهولة رغم أنه جديد عليها كليًا، لم يكن صعبًا كما توقعت، لكنه كالعادة هو الخوف الذي يلازم الانسان عند تجربة أي شيء لأول مرة…….
ركبت الطائرة وحاولت التقاط بضعة صور لها وللنافذة حاولت تخليد بضعة لحظات رغم انها توقفت عن تلك العادة منذ سنوات فهي كانت تحب التصوير بل كانت مهووسة به حقًا…..
أخيرًا انتهت الرحلة وهبط المسافرين وأستلمت الحقائب ثم وصلت إلى ساحة الإنتظار……
أخذت تقوم ببضعة خطوات في هاتفها ثم اتصلت بالرقم ليجيب عليها الشاب وهو يحاول الوصول لها وأخيرًا رأها وصافحها هو وزوجته وشعرت بأنهما قد رأتهما من قبل ليخبرها الشاب وزوجته بأنهما من البلدة وكان الحاج توفيق هو السبب في عمله هنا….
ركبت معهما في السيارة وكانت زوجة الرجل ثرثارة، ودودة إلى حد كبير تشبه دعاء وحاولت الإجابة عليها وتجاذب أطراف الحديث معها حتى لا تكن فظة رغم أن هذا ليس أسلوبها لكن في النهاية هي تتواجد هنا هي وزوجها من أجل إسناد معروف لها، فهي في بلد غريبة لا تعرف بها أي شيء…
طلبت فردوس منهما أن تشتري باقة من الزهور من أجل زوجها لم تفعلها من قبل هو المعتاد على شراء تلك الباقات لها ولكنها تريد فعلها له تظن بأنها قد تكون حركة جيدة وملائمة لوجودها…
استجاب الشاب لطلبها وجعلها تذهب إلى متجر خاص بباقات الزهور اختارت باقة بيضاء فقط، لتجمع بين الابيض واللون الاخضر الظاهر من عروقها وأوراقها، كان شكلها جيد وجميل كانت فخورة باختيارها على الأقل هي تناسب تجربتها الأولى فهي لأول مرة تقع تحت هذا الاختبار كان الأمر كله فكرة وليدة اللحظة…
أثنت المرأة وزوجها على اختيارها أنه بالتأكيد ستنال إعجاب كمال، وكانت تتمنى هذا حقًا فهي ليست مثله رائعة في اختيار الهدايا وباقات الزهور سيظل هو المتقدم في تلك النقطة تقريبًا….
أخيرًا بعد طريق طويل وصلت إلى الفندق وقام (يوسف) بمساعدتها في إجراء بسيط وأخبرها رقم الغرفة والطابق الخاص بكمال وأنه سيرسل أحد بالحقائب إلى الغرفة، شكرتهما فردوس طويلًا هو وزوجته وأن اللقاء بينهما لن ينقطع هنا أو حتى عند زيارتهم للبلدة…
استقلت فردوس المصعد صعدت إلى الطابق وكانت تتوجه صوب غرفة وهي تلقي نظرة للأرقام حتى وصلت إلى الرقم المنشود وأخذت نفس طويل جدًا وننهدت تنهيدة متعبة لا تدري هل ستكون مفاجأة سارة أم لا؟!!.
هناك جزء بداخلها يثق بأن حبيبها يرغب بوجودها بالتأكيد ويستمد الثقة من حديث الجميع بأن بالتأكيد زوجها سيسعد برؤيتها الجميع يعلم حبه لها..
لكن هناك جزء بداخلها يخبرها بأنه لرُبما يرغب في أن يفصل ويبتعد عن الجميع حتى عنها…
طرقت عدة طرقات خافتة على الباب…
ليأتي كمال بعد دقيقتين ظننًا منه أن هذا يخص أمور النظافة الخاصة بالغرف على الرغم أنه رفض هذا منذ ساعة…
فتح الباب ولم يصدق عيناه…
فردوس تقف أمامه ليس هذا فحسب بل بيديها باقة من الزهور، لثانية شعر بأن هذا من وحي خياله العاطفي بشكل مخيف….
لا يصدق ما يراه، هل يغلق الباب في وجهها لعله حينما يفتحه سيجد المكان فارغًا لكنها كانت فكرة حمقاء، ردد اسمها بعدم استيعاب للمفاجاة:
-فـردوس!!!!.
وكانت هي تجيب ببلاهة اكبر مؤكدة وجودها:
-أيوة انا.
صمت دام لدقيقة لتشعر فردوس بالتردد وهي تتحدث:
-هتفضل موقفني برا؟!!.
مد كمال يده ليجذبها إلى الداخل محتضنًا أياها بعمق أزهقها، اعتصرها بين ذراعيه حتى يشعر به، حتى يصدق أنه أمامه ليس خيالًا أو وهمًا…..
وهل العناق كافي ليتأكد من أنها معه؟!..
فردوس هُنا……
يتبع…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية