Ads by Google X

رواية مملكة سفيد الفصل السابع و الاربعون 47 - بقلم رحمة نبيل

الصفحة الرئيسية

         

 رواية مملكة سفيد الفصل السابع و الاربعون 47 -   بقلم رحمة نبيل

كان الجميع مجتمع داخل ساحة القصر ينتظرون أن تطل عليهم العروس، ودانيار ذلك المسكن الذي يقف أمام باب المسجد يضم يديه أمامه وكأنه يمنع نفسه الركض صوب غرفتها وسحبها للمجئ في اسرع وقت.
” ما الذي يؤخرها حتى هذه اللحظة ؟! ”
نظر له تميم يقول ببسمة صغيرة :
” تمالك نفسك عزيزي ثواني وتكون هنا ”
” أي نفس تلك التي سأتمالكها تميم، سبق وفقدتها في حب هذه المرأة، يا الله لا اصدق أنني هنا انتظر مجيئها وهي فقط داخل غرفتها لا تشعر بتلك النيران التي تحرقني لترقبي ”
ابتسم تميم يقول وهو يرى إيفان يتحرك بعيدًا عنهم :
” لا تقلق يبدو أن الملك استشعر تأخرها وذهب ليحضرها، والآن تنفس؛ كي لا تنتبه المرأة على لهفتك الواضحة هذه، ادعي بعض الثقل يا بني ”
ابتسم له دانيار بسخرية يعدل من وضعية ثيابه السوداء يجيبه بعدم اهتمام :
” تركنا لك الثقل سيد تميم ”
وعند إيفان كان ينظر حوله بتعجب ينتظر أن تصل له كلمة من أحد العاملات أن زمرد قد أصبحت جاهزة للتحرك، لكن لا شيء، نظر حوله ليبصر ملاكه يتحرك صوبه مما جعله يبتسم بسمة صغيرة وهو يهم بالتحرك نحوها لولا ذلك الجسد الذي سد الرؤية أمامه..
زفر بحنق شديد وهو يتحدث بصوت حاد يبتعد عن جسد أرسلان :
” سمو الأميرة ..”
انتبهت له كهرمان لترد بصوت خافت :
” مولاي ؟؟”
” هل انتهت زمرد لاحضرها ؟؟”
نظرت له ثواني قبل أن تهز كتفها بعدم معرفة :
” لقد تركتها لاتجهز وعندما ذهبت وطرقت على الغرفة الخاصة بها لم يصل لي صوتًا فظننت أنها خرجت وتعجبت حين لم اجدها هنا ”
ضيق إيفان ما بين حاجبيه بتفكير :
” ماذا تعنين ؟؟ كيف لا تجيب ؟؟”
ختم حديثه ولم يترك لها فرصة لتجيب على كلماته، يتحرك بشبه هرولة بعيدًا عن الجميع، يعدل من ثيابه أثناء التحرك، يشمر أكمامه لا ينتبه لمن يبتسم له أو من يوجه له المباراكات، بل فقط توجه مباشرة صوب غرفتها التي زينها لأجلها بخوف شديد .
ابتلع ريقه وهو يتحدث بصوت جاد للحراس الذين قابلوه :
” هل ابصرتم شيء مريب في القصر ؟؟”
وكانت الإجابة لا، وهذا ما جعله يطمئن بعض الشيء، وهو الذي يشعر بالخوف على شقيقته من أي شيء، يتمنى، فقط يتمنى أن يمر هذا اليوم بخير عليها، هي تستحق ذلك ..
وصل واخيرًا لغرفتها يتنفس بصوت مرتفع، ثم رفع يده على استعداد تام لطرق الباب، وقد فعل، إذ طرقه بخفة شديدة ينتظر منها ردًا، لكن لم يصل له سوى صوت صمت ما كان له أن يسكن غرفة عروس يوم عقد قرانها .
تعجب وازدادت ريبته وهو يرفع يده ليعيد الكرة ويطرق الباب، ومرة ثانية لا إجابة، هنا وتحركت يده يتحسس سيفه المستقر على حزام خصره وقد رفع يده لكن هذه المرة لفتح الباب، وقبل أن تصل للمقبض وجد باب الغرفة يفتح بسرعة ويطل عليه وجهها مبتسمًا بسمة واسعة تقول بكل بساطة :
” أوه مرحبًا أخي…”
ثواني استغرقتها ضربات قلب إيفان حتى تعود لمسارها الطبيعي وينتظم تنفسه وهو يبعد يده عن السيف يقول ببسمة :
” صباح البهاء حبيبتي، من أي جنة اطللتي علينا زمرد ؟؟”
اتسعت بسمة زمرد بشدة وهي ما تزال تسد الباب بجسدها تقول :
” هذا الدلال سيفسدني ”
” لكِ كل الدلال وكل الفساد إن اردتي ”
صمت ينظر لها تمسك بيديها البوابة الخاصة بغرفتها وتسد بجسدها الرؤية، لكنه لم يهتم وهو يقول :
” إذن هل نذهب ؟؟ دانيار يكاد يحطم المكان فوق رؤوس من به من شدة لهفته ”
اتسعت بسمتها بقوة وهي تنظر للداخل بلمحة خاطفة، ثم خرجت تجذب الباب خلفها تقول :
” نعم، لقد انتهيت على أية حال ”
كانت كلماتها تحمل العديد من المعاني، لكن إيفان قرر أخذ المعنى الظاهري يقول ببسمة :
” هذا جيد للغاية، إذن نتحرك ”
ختم حديثه وهو يمد لها ذراعه كي تتأبطه، وهي ابتسمت له بسمة واسعة تتحرك معه صوب الخارج، وبمجرد أن خرجت من مبنى الغرف وجدت الكثير من الورود تتساقط أعلى رأسها من أعلى المبنى وقد أمر إيفان بكل ذلك، فمن أغلى من شقيقته لتُزف بالورود ؟؟
وزمرد شعرت بقلبها يكاد يتوقف من الموقف بأكمله، تنفست بصوت مرتفع وهي تحاول الهدوء، يا الله تشعر أنها على وشك السقوط ارضًا من هول الموقف .
أشار إيفان بطرف عيونه صوب أحد الجنود في إشارة متفق عليها، ثم ابتسم يسحب معه شقيقته في طريقهم صوب مسجد القصر وقد تعالت أصوات المباركات والتهليل، وهي فقط شعرت بالدموع تملئ عيونها تضم نفسها صوب إيفان لا تتخيل أن كل هذا لأجلها، إيفان جعل جميع أفراد المملكة يحتفلون بها ..
واخيرًا وصلت للمسجد حيث الجزء المخصص للنساء خلف الستار، دون أن تبصر دانيار في طريقها وقد كان هذا بأمر من إيفان الذي أراد أن تكون نظرة دانيار الأولى لها اليوم بعد عقد القرآن..
وكم كانت هي شاكرة لذلك، فعلى الأقل تحاول تمالك نفسها، جلست ارضًا وقد أحاط بها قماش فستانها الأبيض المرصع باللون الذهبي تشعر بضربات قلبها تتصارع وصوت الشيخ يصدح في المكان بكلمات جعلتها ترتجف ..
قد بدأ الشيخ يخطب في الجميع كعادته بكلمات عن الزواج يختمها بقوله :
” لذا نحن اليوم تجمعنا هنا لنشهد عقد قرآن أميرة البلاد الأميرة زمرد، على القائد دانيار صفي الدين ”
كلمات قليلة جعلت ضربات قلب دانيار تتعالى وقد شعر أن الجميع حوله يدرك الآن ما يدور بداخله، حتى أنه دار بعيونه عليهم يتأكد أن صوت قلبه لم يخرج للملأ ..
دقائق ووصل صوته المألوف لاذن زمرد وهو يقول :
” اقبل ”
تحرك إيفان رفقة تميم وارسلان صوب منطقة النساء لأخذ موافقة شقيقته التي تحدثت بصوت بالكاد خرج لشدة خجلها :
” موافقة ”
ومن بعد هذه الكلمات صدح صوت الشيخ في المكان بأكمله يعلن واخيرًا على مرأى ومسمع من الجميع أن الحلم الذي انتظره دانيار طوال كل هذه الأيام الطويلة قد أضحى واقعًا واخيرًا، ليكون أول ما يفعله دانيار هو أن خر ساجدًا يشعر بأنه يحلم، يشكر ربه أن اطال عمره ليشهد هذه اللحظة .
بينما إيفان يراقب سعادة دانيار يتنفس بصوت مرتفع سعيدًا أن رزق الله شقيقته بمن يحبها بقدر حب دانيار لها، الأمر الذي سيجعله يحيا حياته براحة .
فجأة سمع صوتًا جواره يهتف :
” حسنًا، لا اعتقد أنني قد أقبل أقل من هذا إيفان، إن لم تسجد لله شكرًا على شقيقتي، بل وتبكي تلك النعمة التي ستحصل عليها، فلن اوافق ”
نظر إيفان جواره صوب أرسلان لترتفع ضحكاته وهو يمد يده يجذب له أرسلان يهتف بسعادة لتلك الموافقة الغير مباشرة :
” يا رجل سأقيم الليل يومها إن أردت ولن اكتفي بسجدة واحدة”
صمت يقول :
” إذن هذه موافقة صحيح ؟؟”
” لا ليس تمامًا، هذه نصف موافقة انتظر النصف الثاني ”
ضحك إيفان بصوت مرتفع يقول :
” لا بأس سأحصل على النصف الآخر مع قدوم ولي العهد الأول بإذن الله ”
نظر له أرسلان ثواني بحنق، وقد انفجرت ضحكات إيفان وهو يتحرك بعيدًا عنه ليحضر شقيقته لدانيار قبل أن ينهض ويرمي الجميع حوله بسهامه، ثم يتحرك ليخطفها من بينهم .
ودانيار ظل واقفًا يتلقى المباركات وخلفه تميم يبتسم بسعادة لأجله، وما هي إلا ثواني حتى طلت عليهم زمرد التي كانت تنظر ارضًا بخجل وإيفان يقودها صوب المكان الذي يقف به دانيار .
شعر دانيار بيد تميم الذي همس له :
“دانيار، ارفع عيونك يا أخي ”
نظر له دانيار بعدم فهم قبل أن يرفع عيونه ببطء صوب الاتجاه الذي يشير له تميم، ليصدم بهيئة ملائكية لزمرد، هيئة جعلته يشهق وهو يتراجع للخلف خطوات وقد كاد جسده يتهاوى ارضًا، لولا يد تميم الذي امسكه يقول ببسمة على ردة فعله :
” يا ويلي تماسك يا رجل ما بك ”
همس دانيار ببسمة غير مصدقة، وهو يحدق في وجهها :
” أنا مسحور يا صديقي …”
نظر له تميم ببسمة واسعة لسعادته الواضحة تلك يقول :
” نعم، اعتقد أن الجميع أضحى يدرك ذلك الآن، دانيار ”
ختم تميم كلماته يدفع جسده دانيار صوب زمرد التي توقفت على بُعد صغير منه، ببسمة صغيرة وهي ترفع عيونها له تبحث عن كلمات في عقلها ولم تجد سوى كلمة واحدة لتقولها:
” مرحبًا ..”
ابتسم لها يحرك رأسه رافضًا تلك الكلمة العادية الآن:
” أوه، بل أكثر من مرحبًا يا امرأة، أنا الآن أشعر برغبة عارمة في فعل ما قد يدفع بأخيكِ لقتلي على مرأى ومسمع الجميع، عقلي لا يساعدني لتصفية أفكاري في هذه اللحظة ”
اتسعت أعين زمرد بصدمة كلماته، بينما هو ابتسم،
ينظر صوب إيفان ثواني قبل أن يختطف يد زمرد منه يقول دون مقدمات :
” الآن اعطني هذه اليد، سوف أخذ زوجتي لأتحدث معها قليلًا و….”
صمت ثواني وكأنه يحاول تذوق كلمة ” زوجتي ” باستمتاع كبير، ثم ابتسم يرددها مجددًا :
” زوجتي؟؟ حقًا؟! ”
هز رأسه بعدها يجيب نفسه تحت ضحكات زمرد الخافتة عليه :
” أوه نعم زوجتي، أنتِ الآن زوجتي وامرأتي زمرد ”
همس إيفان بيأس وهو يرى دانيار يأخذ زمرد الخجلة من بينهم جميعًا وقد علت ملامحه عدم التصديق :
” يا الله، جُن الفتى ”
وقبل اختفاء الاثنين، نظرت زمرد صوب إيفان تقول بسرعة :
” صحيح أخي لقد تركت لك هدية صغيرة في غرفتي، هدية شكر عما فعلته وتفعله لأجلي اتمنى أن تعجبك ”
ختم حديثها تتحدث بكل بساطة مع دانيار تاركة إيفان يتحدث بعدم فهم :
” هدية ؟؟؟؟”
____________________
” ذكريني بالسبب الذي جعلني اوافق على مثل هذه السخافة تبارك ؟؟”
توقفت تبارك في سيرها، ثم استدارت تحدق بوجه سالار، أو ما تبقى من وجه سالار بعدما غطته بالكامل إذ أجبرته على ارتداء قناع طبي ونظارة شمس كبيرة تخفي عيونه، وفي النهاية جاهدت لجمع خصلاته الصهباء الكثيفة داخل قبعة وقد هربت بعضها منها بكل مهارة .
” امممم فقط …أخشى عليك الحسد عزيزي ”
رفع سالار حاجبه وهو يشعر بالاختناق من كل هذه الأشياء على رأسه:
” لقد قرأت اذكاري في الصباح وانتهيت من وردي عزيزتي، لذا لا تخافي فالله خير حافظ، لن يمسني سوء ”
كان يتحدث بجدية وهو يحرك كفه صوب القبعة وقبل أن ينزعها وجد يد تبارك تسبقه وهي تردد بسرعة :
” لا، لا تفعل ارجوك ”
نظر لها سالار بعدم فهم وهو يحاول معرفة ما يدور داخل عقلها، وهي فقط ابتلعت ريقها تحاول أن تقنعه بالبقاء على هذه الحالة فقط لتضمن ابتعاد أعين الجميع عنه خاصة زميلاتها اللواتي لن يرحمنه أو يرحمنها من اعينهن والسنتهن، بالإضافة إلى أن الزيارة الأخيرة له حين جاء لأخذها من المشفى لم تكن بالجيدة أبدًا وقد أثار البلبلة في المكان وتسبب في العديد من الاصابات للجميع .
تنهدت بصوت عالي تقول ببسمة واسعة :
” أنت تبدو وسيمًا هكذا سالار ”
” وأنتِ لا تحسنين الكذب تبارك، لكن على أية حال لا بأس، لنتحرك وننتهي من كل هذا رجاءً”
تنفست الصعداء بشكل واضح لاعين سالار، ثم نظرت صوب صامد وصمود اللذين كانا يراقبانهما بحرص شديد وكأنهما يبحثان عن مدخل لتبارك لكسر لعنتها التي تحوم حول القائد .
وتبارك فقط تنظر لهما ببسمة صغيرة :
” إذن هل نتحرك ؟؟”
أشار صمود صوب سالار، ثم أشار لهما يقول :
” نحن لم نحظى بتنكر كالقائد، ماذا إن اصابتنا عين حاسدة بالداخل؟؟ سمعت أن أعين المفسدين ذات حسد قاتل ”
وافقه صامد وهو يتمتم :
” أوه نعم هذا صحيح، ليحفظنا الله منهم ومن أعينهم”
نظرت لهما تبارك ثواني باستنكار وتشنج، قبل أن تقول ببساطة وبسمة صغيرة :
” لا بأس اذكرا الله واقرئا المعوذتين ولن يمسكما سوء إن شاء الله، والآن لنتحرك”
ختمت حديثها تسير أمام الجميع وهي تنظر لاسم المشفى الذي يعلو بوابة الدخول وقد بدأ الغبار يمحوه، تسير أمامهم مشيرة بكفها وهي تحركه في الهواء :
” الحقوا بي يا رجال ”
وقبل أن تتبع حديثها بخطوة إضافية، شعرت بقبضة تمسك طرف ثوبها من الخلف وجسدها يعود ما تقدمته من خطوات، حتى أصطدمت بجسد سالار الذي ردد بهدوء وهو يميل بالقرب منها :
” لا تسبقيني ولا تتخطيني في السير تبارك، ولا تتحركي من جواري، لا أريد لكِ أن تشردي بعيدًا عني، فقط تحركي واحضري ما تريدين وانتهي لنرحل، حسنًا ؟!”
كان يتحدث بتحذير وهو ينظر لعيونها، بينما هي فقط تحاول معرفة سبب تلك النظرات المحذرة القوية التي يرميها بها :
” أنت تتحدث كما لو أننا على وشك دخول وكر افاعي”
” أنا سأتبع نفس التعليمات في أي مكان تبارك ”
” أوه، حسنًا إذن ”
ابتسم لها يمد يده ليمسك يدها بقوة، ثم تحرك معها صوب الداخل وخلفهما صامد وصمود، وسالار الذي كان يتصرف بشكل غريب كانت عيونه تتحرك في المكان يمينًا ويسارًا يبحث عن أي أحد قد يقترب من زوجته، وقد جعلته نظرات ذلك الرجل في الحارة يتحفز لأي رجل قد يمر بشكل عابر جوار زوجته، فإن كانوا هم لا يستطيعون غض ابصارهم، يستطيع هو أن يسلبها بالكامل .
وتبارك فقط تحركت بين طرقات المشفى وهي تدعو الله في صدرها ألا تقابل أحدًا يعلمها، وفي هذه اللحظة تمنت لو أنها تنكرت كسالار .
واخيرًا وصلت لغرفة تبديل الثياب الخاصة بها تتنفس الصعداء، ثم ابتسمت تقول :
” وصلنا بأمان، قف هنا سأعود سريعًا ”
” سأرافقك ”
توقفت اقدام تبارك تنظر له ثواني بتردد وهي تقول بجدية :
” أوه حسنًا بخصوص هذا سالار، هذه غرفة تبديل ثياب خاصة بالنساء عزيزي، لذا لا اعتقد أنه يمكنك مرافقتي ”
تراجع سالار ببهوت وقد أدركت تبارك دون الحاجة لرؤية ملامحه أنه خجل من كلماتها، ابتسمت له تقول :
” فقط سأحضر أغراضي الخاصة واعود ”
هز رأسه لها وهي فقط تنفست بصوت عالي ودخلت الغرفة بسرعة تغلق الباب خلفها، بينما سالار كان بالفعل قد تحرك جانبًا كي لا يبصر بالخطأ ما لا يجب عليه رؤيته، وجواره صامد وصمود ..
فقط ضم ذراعيه لصدره يفكر في السبب الذي جعل تبارك تصر على المجئ لهذه المشفى تحديدًا، رغم أنهم في طريقهم قابلوا الكثير من المشافي .
وما لم يعلمه سالار، أن سبب حضور تبارك هنا ليس لأجل إحضار علاجها، بل لأخذ آخر ما احتفظت به من طفولتها ..
اخرجت تبارك المفاتيح الخاصة بها والتي كانت تحتفظ فيها بمفتاحها، تفتح الخزانة وهي تتنفس بهدوء قبل أن تبصر ما جاءت خصيصًا لأجله.
اطلال ماضيها وبقايا ذكرياتها المحترقة …
صورة لطفلة صغير تقف جوار امرأة غليظة الملامح تضم لصدرها دمية شبه مدمرة، تنظر صوب المصور ببراءة وحيرة، صورة هي آخر ما يربطها بتبارك الصغيرة التي تركتها مختبئة أسفل فراش الملجأ، تلك الصورة التي كانت تصطحبها معها في كل مكان ونستها يوم خرجت للمرة الأخيرة من المشفى في الخزانة .
شكرت ربها أن العاملين هنا كانوا من الاحترام الذي يجعلهم يتركون امتعتها كما هي، وضعت الصورة داخل حقيبتها بسرعة تخفيها، ثم أخرجت بعض الأغراض الخاصة بها تأخذ المهم والباقي تتركه، ومن ثم تركت القفل والمفتاح في الخزانة وتركتها مفتوحة وتحركت بسرعة لتخرج، لولا سماعها صوت الباب يُفتح، رفعت عيونها بهدوء صوب الباب لتُصدم حين أبصرت القادم …….
_________________________
فتح إيفان باب الغرفة التي كانت تقبع بها زمرد وهو يفكر في تلك الهدية التي أخبرته عنها، فضول كبير اعتراه ورغم أنه لم يكن معتاد عليه، إلا أن فكرة اهداء أخته هدية له جعلته يتحـ ….
فجأة توقف عن التفكير حين وقعت عينه على الهدية أمامه، اتسعت عيونه وفغر فاهه يراقب تلك الهدية والتي اجادت زمرد تغليفها للحق، رمش ثواني قبل أن يتراجع بكل هدوء شديد صوب الخارج وتحرك في الطرقات يبحث بينهم عن الجميع وحين أبصر تميم مجتمع واقفًا مع أرسلان والعريف ابتسم يشير لهم بالاقتراب وهو يقول بضحكة خرجت دون إرادته:
” تميم احضر أرسلان وتعالى، وأحضر معك الجنود والجميع ”
رفع العريف حاجبه وهو ينظر حوله ليرى أنه ذكر الجميع عداه :
” لطالما أخبرت الجميع أنك ملك وقح ايفان، تنادي الجميع وتتركني؟!”
نظر له إيفان يقول ببسمة :
” لا بأس ايها العريف تعال معهم، ليأتي الجميع ”
لكن العريف التوى ثغره بحنق يتحرك بعيدًا عنهم جميعًا :
” لا، افضل الذهاب للنوم أو قراءة أي كتاب في مكتبتي على المجئ معكم، هذه مضيعة للوقت أكثر من قراءة تلك الكتب السخيفة التي تعكف عليها زوجة تميم ”
ختم حديثه يتحرك بكل بساطة بعيدًا عن الجميع، بينما تميم نظر له باستنكار شديد يردد في أثره مدافعًا عما يهاجمه هو من الأساس، لكنه لا يسمح لغيره أن يهاجم ما تفعل زوجته بأي حال من الأحوال يرفع إصبعه في الهواء بحنق :
” مهلًا هذه ثقافة وليست سخافة أيها العريف، وزوجتي أفعى تزداد سمًا فأحذر منها، عليكم جميعًا أن تحذروا منها فزوجتي اخطر مما يعتقد الجميع”
ختم حديثه بحنق، ثم استدار صوب إيفان بملامح مقتضبة جعلت إيفان يبتسم له :
” احسنت الدفاع عن زوجتك تميم، لو سمعتك كانت لتسعد بشدة ”
ابتسم تميم وهو يتحرك صوب إيفان يغمز له بخفة، يشير بطرف عيونه لأحد الأركان هامسًا بصوت وصل لإيفان:
” من الأساس أنا أقول كل هذا لأنها تسمعني عزيزي”
ختم حديثه ببسمة جانبية وقد أبصر إيفان بطرف عيونه كذلك برلنت تقف على بعد جعلها تسمع صوت تميم المرتفع وهو يدافع عنها وعما تحب، وقد علت نظرات الحب عيونها وحلقت الفراشات فوق رأسها.
ابتسم إيفان وهو يتحرك مع تميم وارسلان ببسمة واسعة يشير لبعض الحرس باتباعه :
” أنت لست سهلًا تميم، وأنا من ظننتك لا تفقه في هذه الامور يا فتى ”
تحدث تميم بسخرية :
” تعاملك مع امرأة لأربعٍ وعشرين ساعة يمنحك خبرة أربع وعشرين عامًا مولاي …”
ضحك إيفان بخفة وهو يتحرك مع الجميع صوب غرفة زمرد تحت أنظار برلنت الفخورة بزوجها وكهرمان المتعجبة لما يحدث ..
” هل اتوهم أم أن زوجك للتو صرخ في العريف لأجل كتبك ؟؟”
ابتسمت برلنت بفخر :
” نعم يبدو أنه يسير بخطى ثابتة لارضائي عزيزتي ….”
وعند ذلك الذي يسير بخطى ثابتة، توقف الجميع أمام غرفة زمرد وهم ينظرون صوب إيفان بعدم فهم، بينما إيفان توقف كذلك يقول ببسمة فخورة :
” حسنًا دعوني اشاركم هدية الشكر التي أهدتها لي شقيقتي اليوم ..”
نظر الجميع له بفضول وتعجب، فما شأنهم ليشاركهم إيفان هدية اهدتها له شقيقته، والإجابة جاءتهم حين فتح إيفان باب غرفة زمرد على مصراعيه يشير لهما صوب الهدية المغلفة الموضوعة على أحد المقاعد في منتصف الغرفة .
تحركت الأعين بهدوء صوب تلك الهدية قبل أن تتسع شيئًا فشيء، يبصرون أحد الذكور في مقتبل العمر مُقيد بمقعده وحول رقبته هناك شرائط ملونة خاصة بالهدايا وقد أحسنت زمرد تغليفه، وفوق جبينه ورقة خطتها بيدها بها بعض الكلمات ( هدية شكر وعرفان عما فعلته لأجلي أخي، كان يمكنني التخلص منه بنفسي، لكنني لم أرد أن أكون بهذه الانانية، لذا تقبلها مني مع كامل الحب، ملحوظة صغيرة هناك بعض الخدوش والاصابات، هذه فقط بعض العيوب التي أصابت الهدية أثناء التغليف، زمرد )
كان أرسلان يقرأ تلك الكلمات باهتمام شديد قبل أن تصدح ضحكاته في المكان بأكمله تحت أنظار الجميع المصدومة مما يرون ويسمعون، بينما أرسلان رفع يده يعيد لصق الرسالة مرة أخرى بقوة على جبين ذلك الشاب وهو يردد بمزاح :
” لو لم تتزوج أختك بدانيار، كنت لأكون سعيدًا أن تكون زوجتي امرأة بمثل تجبرها ”
تمتم إيفان بصوت قصد جعله مرتفعًا ليصل له :
” الحمد لله والشكر له أن دانيار أنقذها قبل الوقوع في فخك”
استدار له أرسلان باستنكار :
” أنت أيها القذر، إنه لفخر لك أن يكون الملك أرسلان زوج شقيقتك، فقط تخيل لو حدث، يا الله من أين قد تحصلون على رجل بمثل مواصفاتي ”
ازاحه إيفان ببسمة جانبية :
” لن نفعل، والحمدلله أننا لا نفعل، فمن أين لنا في هذا العالم بارسلان آخر عداك، حمدًا لله أن اصدارك محدود ”
ختم حديثه ببسمة وهو يشير صوب الجنود متجهاهلًا تعابير وجه أرسلان :
” هيا يا رجال احملوا هدية أختي برفق صوب السجن حيث أمثاله، وانتظروا ليتم استدعائه والحكم عليه ”
ختم حديثه يراقب الرجال يفعلون ما أمرهم، ومن ثم استدار بهدوء صوب أرسلان يقول بعد نفس عميق :
” واخيرًا قضينا على آخر آفات القوم يا صديقي ”
ابتسم له أرسلان ولم يكد يشاركه تلك الراحة والسعادة قبل أن يعكرها إيفان وهو يمد يده يضعها على كتف أرسلان مرددًا :
” والآن حان وقت الحديث بكل تعقل كالناضجين أرسلان؟؟؟؟”
____________________
صُدمت تبارك من وجود تلك المرأة هنا بالتحديد وبهذا الوقت، نظرت حولها ولم تفهم سبب وجودها، لكنها لم تهتم وهي تتحرك خارج الغرفة بسرعة، فقط لتنتهي مما جاءت لأجله وترحل مع زوجها .
لكن وقبل أن تخطو خارج الغرفة سمعت صوت تلك المرأة يردد :
” تبارك ؟؟”
توقفت اقدام تبارك عن التحرك واستدارت ببطء شديد تحدق في أعين تلك المرأة التي سبق ورأتها مرة واحدة، مرة واحدة كانت كفيلة أن تحطم كل ما بها لاشلاء وهي تأمرها بتعنت أن تبتعد عن ابنها الوحيد وتقيه شر الوقوع بشباك فتاة يتيمة لا أصل لها، وترحم احفادها القادمين من أصل قد لا يسرهم مستقبلًا .
نعم هي نفسها والدة عليّ المصونة .
” نعم سيدتي، تفضلي ؟؟”
كانت كلمة تلقائية خرجت من فم تبارك والتي اعتادت ومنذ أشهر طويلة على الحديث بالفصحى، لذا خرجت منها الكلمة بكل عفوية جعلت ملامح المرأة تتشنج وهي تنظر حولها بعدم فهم، وكأنها تبحث عمن توجه لها تبارك الحديث، بينما تبارك اخذت ثواني فقط لتستوعب أين هي ومع من تتحدث :
” ايه ؟!”
” قـ..قصدي، أيوة اتفضلي فيه حاجة ؟؟”
” أنا… أنا بس كنت حابة اعتذرلك ”
تشنجت ملامح تبارك بعدم فهم :
” تعتذري ؟؟”
” أيوة، اسمعي يابنتي أنا مفيش ليا عداوة شخصية معاكِ أنا بس أم كانت خايفة على ابنها مش اكتر ”
” لا حقك تخافي خصوصًا أنه كان هيتجوز زومبي، محدش برضو هيحب يشوف ابنه متجوز واحدة بتاكل لحوم بشر ”
رمقتها السيدة بعدم فهم، وتبارك تجاوزت كل السخرية تلك تقول ببسمة باردة :
” على العموم ولا يهمك، صدقيني أنا مش زعلانة بالعكس، أنتِ برفضك ده عطتيني فرصة حياتي اني اقابل الشخص اللي يستاهلني بجد، وربنا يوفق ابنك إن شاء الله مع بنت الحلال ”
هزت السيدة رأسها تتجاوز عن باقية الحديث وقد استكفت باعتذار طفيف اراحت به بقايا ضميرها دون اهتمام للتأكد أن تبارك بالفعل تسامحها :
” طب الحمدلله أن ربنا رزقك باللي يسعدك ويريحك”
صمتت ثم أضافت بسرعة كي تخبرها بشكل غير مباشر أن ولدها كذلك ليس بالقليل ليعجز عن إيجاد زوجة مناسبة له :
” على كمان ربنا كرمه ببنت الحلال، واحدة من عيلة محترمة ومعروفة هنا ”
صمتت ثم أضافت بتلميح :
” عبير صاحبتك ما أنتِ أكيد عارفاها ”
صُدمت تبارك لثواني وهي تحاول أن تستوعب أن عبير أخيرًا حققت حلمها وفازت بالطبيب الذي كانت تتنافس عليه جميع نساء المشفى، وهي لم تكن افضل منهن، بل كانت أول المنافسين، لكن هل تحزن الان لأجل خسارتها المنافسة ؟؟
لا والله، بل تسعد لفوزها مسابقة أكبر، فإن خسرت أحد الرجال فقد فازت بسيدهم _ في عيونها _
ابتسمت بكل بساطة تردد :
” ربنا يسعدهم يارب، عن أذنك عشان جوزي مستني برة ومش حابة اتأخر عليه ”
ختمت حديثها تخرج مبتسمة براحة شديد، يا الله ما اجمل الحياة حيت لا تهتم بمن حولك وأحاديثهم، حين لا يعنيك أي أحد في الحياة سوى القليل، وهذا القليل كان زوجها، إن اعتبرنا أن زوجها قليل، فوالله كان سالار كل شيء وأكثر من الكثير .
وعلى ذكر زوجها العزيز، هي تتذكر أنها تركته يقف أمام باب الغرفة رفقة الأخوين تيمون وبومبة، لكن الآن لم يتبقى غير الاثنين ..
” أين سالار صامد ؟!”
رفع صامد حاجبه يجيب بهدوء :
” لا أدري اسألي صمود ”
تحولت نظراتها صوب صمود تتساءل بجدية :
” أين سالار صمود ؟!”
” لا اعلم اسألي صامد ”
اشتعلت أعين تبارك وهي تنظر حولها تحاول إيجاده بنفسها دون الاتكاء على هذين الاثنين :
” يا الله ألا فائدة لكما بهذه الحياة يا رجال…اقسم أنني سوف اااا….”
توقفت فجأة عن الحديث وهي تتعجب شيء ما :
” مهلًا هل اتوهم أم أن ممرات المشفى فارغة بشكل مريب؟! أين الممرضين والأطباء ؟؟”
نظر صامد وصمود لبعضهما البعض قبل أن يتولى صمود الحديث ببسمة مستفزة :
” لا أدري سوى أن القائد يتخلص الآن من أحد هؤلاء الأطباء ”
هزت تبارك رأسها تقول ببساطة :
” حسنًا، وأين الباقيين ا….”
فجأة توقفت عن الحديث بأعين متسعة :
” هو ماذا ؟؟؟؟؟”
قبل كل هذا بدقائق قليلة …
كان سالار يستند على أحد الجدران بعيدًا بعض الشيء عن الغرفة التي دخلت له زوجته، وقد رأى أن يبتعد عن بابها بعدما علم أنها غرفة خاصة بالنساء، فلا يجب أن ينتظرها أمامها ليتسبب بهذا في إزعاج النساء والحرج لهن .
ومرت أول دقيقة انتظار بشكل طبيعي، أو شبه طبيعي، فقد كان الجميع يمر جواره يحدق فيه بفضول شديد، ليس لشدة وسامته أو ماشابه فهو لم يكن يظهر أي ملامح، بل لتنكره الغريب هذا، فقد كان يبدو كمن يهرب من ثأرٍ، من يرتدي نظارة شمس داخل المباني على أية حال؟
وسالار لاحظ نظراتهم المستنكرة لكل ذلك وهو يزفر، ولم يكد يمد يده لينزع كل ذلك، حتى تذكر نظرات تبارك المتوسلة له ألا يفعل، لذا تراجع بحنق شديد يتمتم :
” والله إن خوذة الحرب والدروع أفضل من كل تلك الأشياء السخيفة التي احملها فوق وجهي الآن”
كان يتمتم وهو يضم ذراعيه لصدره وجواره صامد وصمود يزفران بضيق كل ثانية قبل أن يقول صمود مقترحًا ببساطة :
” إذن يا قائد، ما رأيك بالعودة للبلاد وترك السيدة تنهي ما تريد كما تشاء، ثم نعود لاحقًا لأخذها ؟!”
هز صامد رأسه كعادته يوافق اقتراح شقيقه العبقري _ بالنسبة له _ في حين أن سالار استدار لهما ينظر لها ببرود شديد وحمود :
” احمدا ربكما أن تلك الأشياء السخيفة تمنع عنكما نظراتي في هذه اللحظة ”
ردد الاثنان بسرعة كبيرة :
” الحمدلله …”
صمت سالار ولم يهتم بإضافة كلمة أخرى، بينما صامد قال مقترحًا :
” إذن ربما يمكننا الذهاب لتناول بعض الطعام والعودة بعد بعض الوقت ؟؟”
ومجددًا استدار لهما سالار ببطء شديد فردد صامد بخفوت متساءلًا :
” نفس النظرات ؟!”
هز سالار رأسه مبتسمًا بسمة مرعبة لم تظهر لهما، وقبل أن يضيف كلمة واحدة سمع اصوات جدال قوية بالقرب منه، في ممر فرعي بالتحديد .
اصوات جدال لم تكن لتعنيه لولا أن محور ذلك الجدال لم يكن زوجته، وهذا جعله يتساءل بجدية :
” مال العالم بزوجتي؟؟ ألا يجد هؤلاء المفسدين غير زوجته للتحدث بشأنها ؟؟
تحرك سالار صوب ذلك الممر تاركًا صامد وصمود مكانهما :
” ابقيا هنا حتى تعود تبارك، دقائق واعود ”
تحرك دون انتظار رد منهما، وهما فقط حدقا ببعضهما البعض، ثم راقبا سالار باهتمام شديد .
في حين أن سالار تحرك صوب هذين الاثنين اللذين كاد صوت جدالهما يحرك الجدران من حولهما .
توقف الرجل يزفر بقوة وهو يصرخ بصوت لم يستطع التحكم به :
” عبير ..مش ناقص حوارات، أنا مش فاهم أنتِ مالك من الصبح كده ؟؟ قولتلك متدخليش الحوارات في بعضها، ومش كل مشكلة بينا تحشري فيها موضوع انتهى اساسا ”
توقفت أمامه عبير تقول بغيظ وغضب وقد بدأت دموعها تهبط :
” موضوع انتهى ؟؟ عايز تفهمني أنك لسه مش بتفكر في تبارك ؟؟ يعني خلاص مبقتش تحبها ”
نظر لها علي بغضب شديد يهمس لها بصوت ظنه منخفضًا، ولم ينتبه أنه كان مرتفع بالقدر الكافي ليصل لذلك المنصت الذي يراقبهما :
” أحنا هنفضل نعيد في القديم، كل ما تضيق بيكِ تقولي تبارك ؟؟ ”
صمت ثواني يراقب ملامح عبير التي كانت حادة وبقوة، ليس بعد كل ما بذلته لتصل له تتراجع بهذا الشكل .
وهو أكمل دون أن يهتم بشيء وقد فاض به الكيل:
” اه يا عبير لسه بحب تبارك، وانتِ عارفة كويس اوي أنا خطبتك ليه، فأنا يا بنت الحلال بحلك من الجوازة الفاشلة دي ويرفع عنك الحرج وبحررك منها ”
ختم حديثه وهو يتنفس براحة وكأنه كان يحمل صخرة فوق صدره، ولم ينتبه في غمرة غضبه أن صوته المرتفع جذب أنظار الكثير حوله وجعل الهمسات تتعالى فيما بينهم، ومن بين الكثير كان هو، ولم يكد يخرج علي ذلك النفس الذي سحبه، حتى شعر بجسده يتحرك بقوة نتيجة جذب للخلف .
استدار برعب وهو يصرخ ليقابله وجه لا ملامح له وصوت خرج مرعبًا :
” ما الذي تفضلت به منذ ثواني يا هذا ؟؟”
نظر علي بصدمة صوب ذلك الجسد الذي شعر أنه ابصره من قبل بالإضافة للصوت، وسالار لم يحرمه رفاهية النظر لوجهه الغاضب إذ نزع كل ما يضع على وجهه بغضب يهمس ببسمة :
” هيا عد عليّ ما قلته منذ ثواني بكل تفاخر ووقاحة، ما الذي تفضلت به ؟!”
حاول عليّ تذكر أين رأى تلك الملامح المألوفة، فليس كل يوم تقابل رجل اصهب بهذا الشكل، هذا الرجل يتذكره وبشكل جيد، لكن يبدو أن سالار لم يكن بهذا الكرم ليمنحه فرصة الرد او حتى التذكر إذ رفع قبضته يهبط بها فوق وجهه وقد رنّ صوته في الممر بأكمله :
” لقد سبق وحذرتك مرة، وهذه المرة لن اكتفي بالتحذير …”
كانت تبارك تتحرك بسرعة في الممرات وهي تسير خلف صوت الصراخ والضوضاء لتصل إلى أحد الممرات المؤدية لمخزن الادوات، وجدت جميع رواد المشفى من أطباء وممرضين وبعض المرضى مجتمعين حول دائرة يشاهدون ما يحدث بصدمة، وبالطبع لم تكن بحاجة للتسائل عن هوية مركز تلك الدائرة ..
تحركت بسرعة وهي تدفع الجميع وقد بدأ صوت سالار يعلو بشكل مرعب لم تسمعه منه سوى في الغارات التي كان يشنها المنبوذين على القصر :
” يا منجي من المهالك يارب…”
وسالار في هذه اللحظة وبعدما كان يحاول كبت شياطينه على هؤلاء المفسدين نجحوا ا في تحريرها وهو يسمع كلمات ذلك الحقير الذي لم يوفر كلمة عن زوجته إلا وقالها وهذا ما زاده جنونًا ..
” أنت ستكون نهايتك بين يديّ هاتين أيها الحقير عديم الرجولة ”
ختم حديثه والجميع حوله يحاولون جعله يترك الطبيب عليّ والذي ازداد جنونه بقدر سالار، فبعد هجومه عليه فهم أن هذا هو غريمه الذي اختطف منه المرأة الوحيدة التي احبها، أخذ منه تبارك، نجح فيما فشل هو، وهذا جرح العاشق الذي كان يحيا على أمل عودتها وإقناع والدته بالزواج منها.
ابعد يد سالار عنه وهو يصرخ في وجهه :
” أنت مين اساسا عشان تتكلم معايا كده؟! تبارك دي أنا اللي حبيتها الأول وانا الأحق بيها من الكل هنا ”
كان يصرخ بجنون بين الجميع وقد بدأت الهمسات تعلو وبشدة وتبارك تقف جانبًا تتنفس بسرعة، الكلمة التي كانت تحلم بها طوال الوقت قديمًا أضحت الآن لعنة وسقطت فوق رأسها.
فجأة انتفضت للخلف كما الجميع حين ابصروا جسد علي يتمدد ارضًا دون مقدمات، ومن ثم وقبل أن يستوعبوا ما يحدث انقض عليه سالار يجذب ثيابه وهو يهمس له من بين أسنانه بصوت جعل عظامه ترتد :
” حذاري أن ينطق لسانك اسم زوجتي مجردًا، هذه زوجتي أنا، امرأتي أنا، ولا يحق لأيٍ كان فقط أن يفكر بها مجرد تفكير ولو كان بريئًا، سمعت ؟؟”
ارتجف جسد علي لثواني، ليس خوفًا بقدر الرهبة التي ملئت صدره من نظرات ذلك الرجل والتي كانت توضح له أنه على استعداد تام للقتل دون تردد .
فجأة شعر سالار بمن يسحبه للخلف بقوة، أبى التحرك وهو ما يزال يحدق بأعين علي في تحدي وكأنه إن ابعد عيونه خسر هذه المعركة .
وتبارك فقط تحاول سحبه قبل أن يقتل علي ويحدث له شيء سييء هنا بسبب ذلك .
” سالار توقف، سالار ابتعد عنه رجاءً، سالار ”
وسالار فقط رفع عيونه لها ينظر لها بشر غير موّجه لها :
” ابتعدي عن هنا ”
” سالار، لا تفعل، ارجوك دعه ”
وعلي الذي بدا أن فكرة الانتحار تروق له نطق اسمها بكل مشاعر الاشتياق التي اعتمرت صدره في غيابها :
” تبارك ؟؟ أنتِ هنا ولا أنا بحلم ؟؟”
اتسعت عيون تبارك بصدمة من كلمات علي، ما الذي حدث له؟؟ هل جن الرجل ؟؟ لم يكن هذا علي أبدًا بل كان كالطاووس يتحرك دون الاهتمام لمن حوله، ما الذي حدث في غيابها هنا ؟!
وقبل أن تصل لاجابات كان صوت سالار يرن في المكان بجنون وهو يكاد يقتل علي بكل ما للكلمة من معنى :
” أي احلام هذه أيها الحقير ؟! دع زوجتي خارج عقلك المريض هذا ”
تقدمت والدة علي وهي تصرخ في الجميع أن يطلب أحدهم الشرطة لينقذوا ابنها، تصرخ في وجه تبارك بقوة :
” كله بسببك أنتِ يا جلابة المصايب، رجعتي ليه ؟؟ كنا مرتاحين في غيابك ”
نظرت لها تبارك بصدمة، ما ذنبها هي، ثم أوليست هي نفسها من كانت تعتذر لها منذ ثواني عن معاملتها .
ترك سالار علي مسطح ارضًا ثم وقف يمسك يد تبارك يجذبها صوبه مخفيًا إياها خلف ظهره ليواجه هو والدة علي وهو يقول بقوة جعلتها تتراجع :
” لومي ليس على ولدك عديم النخوة الذي يستحل لنفسه التفكير في امرأة متزوجة، بل والتحدث عنها بهذا الشكل، اللوم كل اللوم عليكِ ووالده إذ لم تحسنوا تنشئة رجل يحسب لكلمته مائة حساب ”
نظر حوله صوب الجميع ويشعر أن مواجهته مع أهالي الحارة تُعاد مجددًا، لِمَ على العالم بكل شروره أن يتكاتف ضد زوجته الرقيقة؟! هو يشعر أن هذا العالم لا يجد له ضحية سوى زوجته، ووالله لن يحدث مادام حيًا .
إن اختار الجميع زوجته لتكون ضحية ظلمهم، فهو سيجعلهم جميعًا ضحايا تجبره .
نظر في أوجه الجميع يقول ببساطة دون الحاجة للتبرير أو كلمات كثيرة :
” لعنة الله على عالمٍ لا يجد سوى زوجتي ليجور عليها، فوالله كل من تحدث بكلمة سوء في حق زوجتي، فأنا خصيمه أمام الله والجميع يوم القيامة، ولو كان بينه وبين الجنة مسامحتي ما سامحته”
نظر نظرة جانبية صوب علي الذي كانت والدته تسنده لينهض، ثم قال بهدوء :
” تبارك زوجتي أمام الله والناس اجمعين، فمن استحل الحديث في شرفي استحللت دماءه ”
ختم حديثه يسحب تبارك بيده من بين الجميع وهي فقط نظرت لهم ولأول مرة تسير من بينهم مرفوعة الرأس، بنظرات قوية، مرت جوار عبير وسميرة ترمقهم بشر جعل الاثنتين تتراجعان للخلف بريبة .
بينما الجميع فقط يحدقون في المكان الذي كان يحتله سالار منذ ثواني، لا يفهمون من هذا ولماذا يتحدث بهذه اللهجة، وكيف ومتى أصبح زوج تبارك .
نظر صامد صوب الجميع من أعلى لاسفل وهو يردد بسخرية :
” حفنة من المفسدين الاغبياء، لنرحل من هنا صمود”
تبعه صمود وهو يلقي لهم بنظرة هو الآخر مرددًا بسعادة إذ سنحت له الفرصة قول تلك الكلمة لغيرهم :
” اغبياء ”
تحرك الجميع خلف سالار والذي وبمجرد أن خرج من المشفى تنفس بصوت مرتفع وبشكل ملحوظ، ثم استدار صوب تبارك التي كانت تتابعه بصمت وترقب وفجأة انفجرت تبارك في موجة ضحك ..
وسالار يتابعها بعدم فهم، فقط يراقب ضحكاتها ببسمة سعيدة، وهو من ظن أنها ستكون منهارة بعد كل ذلك .
قال من بين بسماته :
” ما بال عالمك لا يجد سواكِ ليلقي لكِ بالمصائب تبارك ؟؟
وتبارك فقط اقتربت منه ومن بين موجة ضحكها ضمته تقول بسعادة كبيرة :
” لقد بردت نيران صدري سالار، لا أشعل الله لك نارًا في صدرك ”
نظر لها سالار بتعجب، قبل أن يربت على ظهرها بحي :
” هل كان هذا الأمر يعني لكِ الكثير ؟!”
” أكثر مما تتخيل ”
ابتسم يقول لها :
” إذن يمكننا العودة وإكمال ما فعلته”
رفعت عيونها له وهي تقول ببسمة :
” لا هذا يكفينا لليوم، دعنا نذهب لشراء الأدوية ونعود، اشتقت لسفيد ”
ابتسم سالار بسمة واسعة لا يصدق أنها تعبر عن شوقها لبلاده، هذا يسعده وبشدة، أن تتعامل تبارك مع سفيد كبلادها، هذا يسعده ويخفف شعور الذنب الذي يملئ صدره تجاهها بعدما سحبها من عالمها الذي نشأت به .
وبعد رؤيته ما كانت تحيا به تبارك، هو حقًا يقدر لها شجاعتها وبسالتها في الصمود بين كل هذا العدد من أصحاب الألسنة اللاذعة .
” إذن لنتحرك عزيزتي …”
_____________________
توقفت واخيرًا في منتصف غرفته، حيث تطأها للمرة الثانية، ثواني وتدافعت ذكرى وجودها الأول هنا لعقلها، حين جاءت لأخذ سيفها الذي سلبه منها .
وبينما هي تغوص في تلك الذكرى مبتسمة، تنهد واخيرًا براحة شديدة، وكأنه كان يغوص في أعماق المحيط، ولتوه خرج منه، نظر لها يترك يدها، ثم ابتسم بسمة مريبة جعلتها تتراجع للخلف وهي تردد :
” أنت لن تتهور صحيح؟! إيفان إن علم ….”
ابتسم دانيار بحنان وهو يقترب منها مقاطعًا كلماتها، يمد يده يداعب وجنتها بحب شديد :
” لا بأس زمردتي، سأتخلص من أخيكِ ونرتاح جميعًا حبيبتي ”
نظرت له زمرد بصدمة وهو ابتسم على نظراتها المصدقة، ثم تنفس بصوت مرتفع يحاول إدراك أنه واخيرًا تزوجها، مد يده يجذبها خلفه صوب أحد المقاعد، يجلسها هناك بهدوء شديد، ثم جلس هو على ركبتيه أمامها وهي فقط لا تفهم ما الذي يحدث، لكنها تراقب بهدوء ما يفعل دانيار .
وهذا المسكين كان يحيا في هذه اللحظة أحلامه بكاملها، يعلم الله كم ليلة قضاها في تخيل ما قد يفعل في هذه اللحظة، افكار وخطط كثيرة وضعها ليستقيل زمردته ويرحب بها ساكنة أبدية في حياته وقلبه.
لكن الآن كل ما استطاع فعله هو أن جلس ارضًا جوارها ووضع رأسه على قدمها تحت نظراتها المدهشة، يتنفس براحة كبيرة .
وزمرد فقط تحدق فيه بدون فهم لما يفعل :
” دا…دانيار، ما الذي تفعله ؟؟”
” اتنفس واخيرًا زمرد ”
ابتلعت ريقها وهي تنظر له بتردد وهو فقط مد يده يمسك يدها واضعًا إياها على خصلاته السوداء مرددًا ببسمة حنونة مغتاظة :
” اظهري بعض الحنان يا امرأة ”
وزمرد لم تفهم ما يقصد لكنها بدأت تحرك أصابعها بشكل عفوي في خصلاته، كما كانت تفعل معها والدتها.
ودانيار فقط اغلق عيونه براحة كبيرة لدقائق طويلة حتى ظنت زمرد أنه سقط في النوم، نظرت له تبتسم بسمة حنونة، تبعد يدها عن خصلاته تداعب ملامحه ولأول مرة، ارتجف جسدها رجفة صغيرة تتأمله بحب شديد، وفجأة انتفضت للخلف بفزع حين فتح هو عيونه يقول ببسمة :
” حسنًا انتهينا من هذا الجزء ”
نظرت له زمرد بفزع لا تفهم ما يحدث إذ نهض فجأة يجذب يدها لتقف أمامه وهو يقول :
” الآن ننتقل للجزء الثاني ”
” جزء ثاني ؟؟”
” نعم، فأنا قررت تنفيذ جميع الأفكار التي وضعتها لليوم، والجزء الاول بها كان النوم على قدمك براحة”
ختم حديثه وهو يمد يده بجدية كبيرة صوب حجابها، لتتراجع زمرد للخلف تخرج حنجرها من ثيابها محذرة :
” تراجع للخلف ”
رفع دانيار حاجبه بتفاجئ :
” تحملين خنجرًا؟! يوم عقد قرآنك ؟! هل تمزحين معي ؟؟”
هزت كتفها ببساطة شديدة وهي تجيبه :
” تحسبًا فقط ”
” تحسبًا لماذا يا امرأة ؟؟ ثم ابعدي هذا عن وجهي ”
تراجعت زمرد للخلف وهي تحذره الاقتراب منها وقد بلغ منها الخجل مبلغه:
” إن تقدمت خطوة سأ …”
ابتسم لها دانيار وهو يتقدم منها دون اهتمام لما تقول أو تفعل :
” سـ ماذا عزيزتي ؟! تضربين الخنجر في صدري ؟؟”
ضحك ضحكة صغيرة :
” حسنًا افعليها لا اهتم”
” دانيار أنا أحذرك الاقتراب”
” وأنا أحذرك تدمير خططي لليوم، نحن لم نقم سوى بجزء واحد وتبقى لنا تسعة وتسعون جزءًا لنقوم بهم”
” تسعة وتسعون ؟؟”
ابتسم دانيار يشرح لها :
” نعم كتاب مائة فكرة لقضاء ليلة عقد القرآن، وبما أنني احترت في تنفيذ أي جزء منهم قررت أنني سأنفذ المائة فكرة واليوم ”
ختم حديثه في الثانية التي كان قد وصل فيها إليها وانتزع منها الخنجر بكل بساطة يلقيه بعيدًا، ثم ابتسم يقول :
” الآن ننتقل للجزء الثاني ”
نظرت له زمرد بتردد وريبة :
” الجزء الثاني ؟!”
” نعم، اريني خصلات شعرك، أريد رؤيتها ”
تراجعت زمرد للخلف وهي تنظر له بتعجب وهو ابتسم يتقدم الخطوات التي تراجعتها يقول :
” اتخيلها مثلك تمامًا ”
صمت ينظر لعيونها ثم بدأ يتحدث بحنان وهو يمد يده لوجهها يحرك إصبعه عليه بهدوء جعلها تنظر له بتخدر :
” ثائر كثيف لكنه ورغم كل ذلك مسترسل ناعم في رقة بتلات الزهور ”
نظرت لعيونه وهي شاردة في كلماته ولم تشعر بيده التي استطاعت فك حجابها بسرعة كبيرة، ثم حرر خصلاتها لتتساقط على ظهرها ويشهق دانيار بخفوت هامسًا دون وعي :
” سبحان من خلق فأبدع ”
شعرت زمرد بوجهها يكاد يشتعل من نظراتها، ابتلعت ريقها تبحث لها عن مهرب من أعين دانيار، لكن أين الفرار وهو حاصرها بالفعل، مد دانيار يده يهمس بصوت مخدر :
” هل تسمحين لي بلمسه ”
نظرت له بترقب دون الرد بكلمة وهو فقط تلمس خصلاتها يهمس ببسمة :
” تبدين ….تبدين …في غاية الجمال، هذا أكثر مما توقعت، لم يكن هذا ما خططت له، أشعر أنني لا أقوى على تخطي هذا الجزء، ولن أفعل”
همسات زمرد بصوت خافت وقد اذابت كلماته عظامها:
” دانيار ..”
” ليس الآن زمرد، ليس الآن أرجوكِ، دعيني اتنعم في جنتك لبعض الوقت حبيبتي ”
رفع عيونه لها يقول برجاء :
” هل يمكنني أن اعانقك ؟؟”
رمشت زمرد بقوة وهي تنظر له بعدم فهم، وهو فقط ابتسم يقترب منها لتجد نفسها في أحضانه تتنعم بدفئه، أغمضت عيونها تستشعر لاول مرة هدوء وسكينة داخل قلبها دائم الصخب، للمرة الأولى تتوقف الضوضاء داخلها، وكأن جسدها وكل ما بها أعلنوا حالة من الصمت والترقب للقادم.
ودانيار كان ينتوي _ والله يشهد _ على ضمها ضمة صغيرة، ثم يمنحها قبلة لطيفة ويبتعد مخبرًا إياها أنه يحبها ويهيم بها عشقًا، لكن إرادته خانته، ولم يتجاوز الجزء الاول من تلك الخطة المرتبة، إذ أنه ظل أسير أحضانها، بل وشدد احتضانها يدفن رأسه في خصلاتها الثائرة، لا يصدق أنه وصل لهذه النقطة واخيرًا .
” اعتقد أنني على استعداد تام للبقاء هكذا ما تبقى من حياتي ”
ابتسمت زمرد دون وعي وهي ترفع يديه تحط بها على ظهره، تبادله العناق براحة واخيرًا :
” والثمانية والتسعون جزءًا المتبقيين ؟؟”
” يا امرأة أنا رفعت رايتي البيضاء في الجزء الثاني فقط واكتفيت به، ما عادت جيوشي قادرة على المواصلة أكثر، سنكتفي بما حققنا حتى الآن من إنجازات ”
اتسعت بسمة زمرد تقول بصوت خافت :
” دانيار ..”
همهم دانيار بصوت منخفض، لتهمس هي له بصوت خافت أكثر:
” أنا أحبك ”
ودانيار الذي كان يرفرف برايته البيضاء منذ ثواني مستسلمًا، ألقى الآن الراية ارضًا وخرّ على ركبتيه يعلن استسلام تام لكامل قواته .
ابتعد عنها ببطء يهمس بصوت مصدوم :
” ماذا ؟؟”
ابتسمت له زمرد تردد الكلمة مرة ثانية :
” أنا أحبك دانيار ”
” يا ويل دانيار وقلب دانيار ”
ابتسمت تضمه لها تقول :
“ألا تريد اخباري بشيء دانيار ؟؟”
رفع دانيار عيونه لها يردد بهيام :
” اشياء، وليس شيء، فقط ارأفي بي ودعيني الملم شتات نفسي، وسأسمعك من الكلمات احلاها يا امرأة ”
ضحكت عليه بصوت مرتفع ليبتسم وهو يجذب يدها يجلسها على الفراش، ثم مال يخلع حذائه وهي رمقته بعدم فهم :
” ما الذي تفعله ؟!”
رفع عيونه لها يقول ببسمة عاشقة :
” سننتقل الجزء المائة مباشرة ”
نظرت له باستفسار ليصعد هو على الفراش يجاورها ثم جذبها لاحضانه يستكين للخلف يشرح لها ذلك الجزء المائة:
” التنعم بنومة هادئة بين احضان زوجتي الحبيبة …..”
____________________
تحركت للداخل تنزع حجابها بارهاق، لكنه إرهاق يستحق إن كان لأجل أعين رفيقتها الحبيبة.
ابتسمت تتذكر السعادة التي استوطنت قلب زمرد اليوم، يا الله عسى أن تدوم سعادتها دائمًا .
تحركت تمسك بعض الثياب تدخل المرحاض لتستحم لكن فجأة توقفت على باب المرحاض تحدق فيه، كان نسخة طبق الأصل من مرحاض آخر تعلمه تمام العلم .
نفسه مرحاض الملك الذي رأته به للمرة الأولى، ابتسمت كهرمان دون وعي وهي تحدق في المرحاض وعادت ذكرياتها لذلك اليوم لتشعر بجسدها يرتجف بخجل تهمس بصدمة من أفعالها ذلك الوقت :
” يا الله ما الذي كنت افعله حقًا ؟؟ ما الذي كنت افعله ؟!”
هذه حالتها وهي تتذكر ما فعلته، ماذا عن الملك، يا الله ليفقد الذاكرة ولا يتذكر ذلك اليوم أبدًا، حاولت التحكم في نفسها وهي تبدل ثيابها وتستحم سريعًا، ثم خرجت تجفف شعرها لتسمع صوت طرق على الباب، ابتسمت لعادة أرسلان وهي تجيب :
” ادخل أرسلان ”
تركت المنشفة في صندوق الثياب المتسخة، ثم تحركت كي تمشط خصلاتها تنتظر دخول أرسلان، لكنه فقط تحدث من الخارج يدرك أن شقيقته ربما في وضع يجوز له رؤيتها به، لكنه قطًا لن يكون وضعًا يحب أن يراها به ذلك الحقير الذي يقف جواره يبتسم بكل برود وهو يضم كفيه خلف ظهره، ولم يدرك أرسلان المسكين أن ذلك الحقير الذي يتحدث عنه في عقله الآن، رأى وللاسف مواقف اسوء مما قد يرى الآن، لكن هل يتحدث إيفان ؟!
لا والله وإن قُطعت رأسه، هو حتى لا يسمح لشيطانه باستعادة تلك الصور لها، ليس وهي لم تصبح زوجته حتى الآن.
” كهرمان أنا لست وحدي ”
توقفت كهرمان عما تفعل تنظر صوب باب غرفتها بتعجب، ما الذي يعنيه أنه ليس وحده ؟! هل أحضر شقيقها غريبًا لغرفتها ؟؟
وجاءتها الإجابة من أرسلان والذي يرفض رفضًا قاطعًا ادخال رجل غريب غرفة شقيقته وإن كان معهم :
” فقط اتيت لاخبرك أن تلحقي بي في الشرفة الأمامية في القصر، حسنًا ؟؟”
حاولت كهرمان اخراج صوتها وهي تخمن بسهولة هوية الشخص الذي يرافق أخيها :
” حسـ …حسنًا أخي، سألحق بك، فقط دقائق رجاءً”
هز أرسلان رأسه يتحرك صوب الشرفة، وإيفان فقط يحدق بباب غرفتها وكأنه يسأله متى يسمح له بالدخول لها، أو متى يحل له أن يفتحه دون تردد ؟
ابتلع ريقه يلحق أرسلان الذي جلس في الشرفة ينظر للسماء بشرود خرقه إيفان بسؤاله :
” ما الذي تفكر به أرسلان ؟! ”
نظر له أرسلان ثواني قبل أن يقول بجدية ودون مقدمات :
” غدًا تتزوج بكهرمان وتحرمني الشيء الرقيق الوحيد في حياتي الصلبة البائسة إيفان، أنا أحقد عليك لحصولك في حياتك على امرأة بمثل مواصفات شقيقتي ”
اتسعت عيون إيفان بصدمة من كلماته، يبتسم بعدم تصديق، بينما أرسلان كان كعادته يتحدث دون مواراة أو تردد :
” دعنا نتحدث بكل صراحة إيفان، أنت ورغم كل عيوبك التي اكرهها، وتسلطك هذا، إلا أنني لن اجد يومًا رجل يستحق أن امنحه شقيقتي مثلك، لذا أنا لا أريد المغامرة بمستقبل شقيقتي لأجل انانيتي”
وإيفان كان يقدر كل ذلك، يدرك مقدار تعلق أرسلان بشقيقته خاصة بعد رحيل والدته وسلب كل شيء رقيق من حياته كما يقول، يقدر له قدرته على التخلي لشقيقته له .
” لا أخفيك سرًا إيفان، أنا كنت اماطل معك في هذا الزواج كل ذلك الوقت ليس لغيرتي على شقيقتي، بل لأنني خلال هذا الوقت كنت ابحث لها عن رجل قريب مني يستحقها ومن ثم أتخلص منك واجعلها توافق عليه لتكون جواري، لكن والله ما وجدت مثلك”
اتسعت أعين إيفان بصدمة من اعتراف أرسلان والذي كان يتحدث بجدية كبيرة، يا الله هل هذا الرجل جاد في حديثه، وارسلان كان يبتسم ببساطة يظهر له جدية وبساطة كلماته .
وكل ما استطاع إيفان قوله في هذه اللحظة هو :
” عسى الله أن يرزقك بمن يذيقك ما اذقتني إياه أيها الحقير ”
كان يتحدث بعدما انتفض يجذب تلابيب ثياب أرسلان الذي ابتسم يجيبه ببرود واستفزاز وهو يبعد يده عن ثيابه :
” وهل تظن أنني ساسمح لأحدهم بالتصرف معي كما اتصرف أنا معك لأجل الحصول على المرأة التي أحب ؟؟ والله لو حدث لأخذها رغمًا عن أخيها وعنها وعن العالم أجمع واحبسها في غرفتها حتى تدرك أنها لن تجد افضل مني في هذا العالم للزواج منه ”
ختم حديثه بكل بساطة ليدرك إيفان في هذه اللحظة أي نوع من الأشخاص سيكون أرسلان إن أحب حقًا :
” أنت ستكون مختلًا مجنونًا، اعانها الله تلك التي سيدق قلبها لك ”
بينما أرسلان أبصر صدمة إيفان ليطلق ضحكات مرتفعة، لا يصدق أنه صدقه بهذه البساطة، هل يظن أنه قد يختطف امرأة يومًا ويجبرها على حبه؟؟ والله ما كان ليقبل ذلك على كهرمان وامرأته التي تحب ليست أقل من شقيقته ابدًا، لكن هذا لا يمنع أنه لن يسمح لها بالتفكير في غيره لحظة واحدة، سيختصر عالمها به وفقط، وهو ينتوي أن يكون هذا قريبًا، فوقت رحيل جوهرته عنه اقترب ….
وعلى ذكر جوهرته سمع الإثنان صوتها تهتف :
” حقًا، كل ما تأخرته كان دقائق قليلة ”
نظر الاثنان لما تحدق به، ليجدوا أن يد إيفان ما تزال تمسك تلابيب أرسلان الجالس وارسلان يضغط على يد إيفان بقوة، ليترك كلاهما يد الآخر بسرعة واستقام إيفان مبتسمًا بسمة واسعة يجذب لها المقعد مشيرًا بهدوء :
” نحن فقط كنا نجري حوارًا هادئًا لحين وصولك سمو الأميرة، تفضلي ”
نظرت لهما كهرمان بشك وهي تتحرك لتجلس جوار أرسلان وأمام إيفان :
” لا اعتقد أن الهدوء يمكنه أن يصف جلسة بينكما جلالة الملك ”
جلس إيفان براحة شديدة أمامها يحدق بها دون خجل هذه المرة وقد أتاح له أرسلان الفرصة، بعدما اقنعه أنه يحق له الجلوس مع المرأة التي يتزوج لأجل الحديث معها، وهو سيستغبل وجودها هنا في المملكة ليفعل ذلك .
” إذن كهرمان عزيزتي، هذا الحقيـ … أعني هذا الإيفان، أخذ يتوسلني منذ الصباح لأجل الجلوس معك والتحدث قليلًا قبل أن يتم الزفاف، وأنا رفضت الأمر، لكنه توسلني …”
” أنا لم أفعل ”
” إن لم تصمت سأجبرك على توسلي حقًا بعدما آخذها وارحل الآن صوب مشكى ”
رمقه إيفان بغيظ شديد، ورغم ذلك ابتسم بسمة صغيرة يضغط على نفسه للقبول بهذا الهراء هنا .
أكمل أرسلان حديثه وهو يبصر خجل كهرمان الشديد، مبتسمًا بحنان لها، يفكر أنه حتى وإن وجد من وجهة نظره من يستحق كهرمان غير إيفان _ وما كان سيفعل _ فلن يحرم شقيقته من الرجل الذي يتسبب لها في تلك الاشراقة التي تعلو وجهها .
” لقد طلب إيفان الزواج منكِ، وأنا وافقت لاجلك جوهرتي، فوالله لن أجد لكِ افضل من إيفان، ولأنه يحق لكما التحدث قليلًا ولو لمرة قبل عقد القرآن، طلبت منكِ المجئ، سأنهض لأجلس في ركن الشرفة هنا واراقبه حتى إذا تجاوز حده انقض عليه واقتله واخذك ونعود للبلاد، حسنًا ؟؟”
ابتسمت له كهرمان بحب، تمد يدها تمسك خاصته تقبلها بتقدير وحب لذلك الرجل الذي لم ولن يحتل أحدهم مكانته في صدرها :
” حسنًا أخي”
وبهذه الكلمات نهض أرسلان يرمي بنظرة صوب إيفان الذي لم يكن يعي لما يحدث حوله، بل فقط يحدق بوجهها مبتسمًا بسمة واسعة :
” هل أعجبتك ؟؟”
نظرت كهرمان بانتباه صوب إيفان تحدق في وجهه بتسائل، ليعيد هو السؤال بشكل أوضح:
” سفيد، هل أعجبتك ؟؟”
نظرت في عيونه ثواني قبل أن تقول ببسمة ودبلوماسية عالية جعلته يتأكد أن لا امرأة في هذه الحياة قد تصلح لمنصب زوجته وملكة لسفيد عدا هذه المرأة :
” حبي لأي مكان نابعٍ من حبي لأهله، وسفيد هي موطن الكثير ممن احب مولاي ”
كانت تتحدث بكلمات غير مباشرة، وهو فقط ابتسم يستند على كفه يتابعها بشرود ولم ينطق لسانه بسؤاله الذي يدور في خلده ( عساني أحدهم ؟!) لكن لا ليس الآن وليس هنا، ليس والشيطان يحوم حولهم لإيجاد مدخل له .
فقط اكتفى بالقول :
” محظوظة سفيد ومحظوظون أهلها ”
رفعت كهرمان عيونها له ليبتسم وهو يتجاوز تلك النقطة، يعتدل في جلسته :
” إذن سمو الأميرة، اعتقد أنك تعلمين سبب جلستنا هذه صحيح ؟!”
هزت رأسها ببطء وهي تمنع بسمتها من الظهور، ليكمل إيفان:
” إذن هل أجد لديكِ ممانعة أو رفض ؟؟”
نظرت له ثواني وهي تتأمل ملامحه ولأول مرة دون أن تشعر بالحرج أو أنها ترتكب فعلًا خاطئ، لأول مرة تنتبه لعيونه الخضراء الجميلة :
” لا اعتقد أنك تنتظر ردي الآن صحيح ؟!”
نفى إيفان ببساطة وهو يحرك يده في الهواء أمامها وبسمة هادئة ترتسم على فمه :
” لا، لا أفعل، أنا امنحك كامل الدلال والثقل الذي تستحقينه سمو الأميرة، لذا يمكنك التفكير لأيام والتدلل كما تشائين ”
اتسعت بسمة كهرمان وهي تنظر له ليقول هو بهدوء :
” ليس شقيقك فقط من يمكنه التدليل، أنا كذلك استطيع التدليل إن أردت”
ضحكت ضحكة صغيرة خافتة، ثم شردت في السماء وهي تحاول التنفس بشكل طبيعي جواره، تقول بصوت خافت :
” لو أن أحدهم أخبرني يومًا أنني سأجلس مثل هذه الجلسة معك كنت سأضحك بملئ فاهي، فكيف لي بمجالسة عدو اخي كما كنت اظن والتحدث معه بهذه البساطة ؟!”
رمقها إيفان ثواني قبل أن يطلق ضحكات قصيرة يقول بهدوء :
” لا اعلم كيف اعتقدتي أنني قد أكون عدوًا لارسلان ؟؟”
” أنا لم اعلم ابعاد الشجار بينكما، كل ما كنت أعلمه هو نفسه ما علم به شعب المملكتين، لذا ظننت أنك عدو له، وهذا جعلني ا…”
توقفت عن الحديث ترفع عيونها له ترفض الاعتراف، ليس الآن، ترفض الاعتراف أنها كانت تشعر بالغضب من نفسها لأنها أحبت الشخص الذي ظلم أخاها.
وإيفان قرأ كل نظراتها تلك ليميل مستندًا بذراعيه على قدمه ينظر لعيونها بجدية مرددًا :
” كانت لحظات غضب من جهة اخيكِ، وثأر من جهتي ”
” وهل أخذت ثأرك ؟؟ أو دعني اصيغ سؤالي بشكل صحيح، هل كنت لتفكر بالزواج بي لو أنك امتلكت عداوة مع أخي، أو أنك تمتلك ثأر وحقد له !!”
صمت يهمس لها بجدية ونظرات يرفض أن تحيد عن عيونها، وقد شعرت كهرمان أن صوته وكلماته تتخلل جسدها دون أي مقاومة من جهتها :
” إن افترضنا ما تقولينه فلا حاجة لي بالثأر ”
رفعت حاجبها بتعجب ليكمل ببسمة :
” إن كان ثأري يمنعني قربكِ، فلا رغبة لي بأخذه، وإن كانت عداوتي حائلٌ بيني وبينك، فلا عداوة لي مع أحد، وإن كان حقدي قديمًا يمثل عائقًا بيننا، فأنا أكثر الأشخاص تسامحًا، لأجلك سأفعل أي شيء تريدينه، حتى وإن اضطررت لتغيير تاريخ سفيد بأكمله لأجلك سأفعل، فقط لأجلك …..”
______________________
” أريد الكثير منه، أي جزء من حديثي لا تفهم !!”
نظر الطبيب الذي يقف داخل صيدلية صوب تبارك التي تحاول جذب سالار للخلف :
” يا مدام ما تشوفي الراجل اللي أنتِ داخلة بيه ده، يعني ايه اديله كل حقن الانسولين اللي هنا ؟؟ ”
نظرت تبارك صوب سالار الذي لم يكن يهتم بكل ذلك وهو يطالب الطبيب بمنحه كل الأدوية التي تحتاجها وبكميات كبيرة، وهي فقط تحاول إقناعه بالعدول عن رأيه .
” أنا حقًا لا اهتم بكل هذا، فقط اعطني ما أريد لأجل زوجتي لأرحل ”
استغفر الطبيب ربه وهو ينظر له بهدوء :
” يا سيد الله يكرمك مش هقدر اعمل كده، دي مش لعبة ولا حلويات، دي جرعات وبياخدها المريض، وزي ما زوجتك مريضة فيه غيرها مريض كتير بيدور على علاجه، اكيد حضرتك مش اناني بالشكل اللي يخليك تاخد أدوية تكفي أكثر من فرد لزوجتك بس ”
نظر له سالار يدرك أنه محق، محق في حديثه ومحق في وصفه بالاناني، لكنه لا يود أن يرى حالة تبارك التي كادت تقتله مجددًا .
” أنا فقط اريد كمية تكفي زوجتي لمدة شهر، وسأرسل لأخذ المزيد كل شهر، فنحن لا نمتلك في عالمي مثل هذه السموم الكميائية التي تتاجر بها ”
اتسعت عين الطبيب يهمس بصدمة :
” سموم كميائية ؟!”
نظر صوب تبارك وكأنه يسألها تفسيرًا بينما تبارك ابتسمت له بسمة صغيرة تربت على صدرها وكأنها تراضيه تحرك شفتيها بصوت منخفض :
” معلش ”
مسح الطبيب وجهه وهو ينظر صوب سالار الذي كان يمر بعيونه على الأدوية حوله يقول بجدية مشيرًا للأرفف :
” هل يمكنني شراء هذه الأشياء أيضًا ؟! أريد هذه العلبة الزرقاء هناك تبدو جيدة، اعطني منها كذلك”
تحدث الطبيب بيأس وهو يعلم أن كل هذا ذنب والدته التي ترجته أن يصبح طبيب علاج طبيعي وهو عاند واشاح بيديه أنه سيصبح طبيبًا صيدليًا يشارك في صناعة العلاج وينقذ البشرية وبلا بلا بلا .
” يا عم الله يكرمك مش حلويات هي، أنت عارف العلبة الزرقا دي بتاعة ايه اساسا ؟؟ يا ست الله يكرمك شوفي جوزك ده مش ناقصين ”
ومجددًا كررت تبارك نفس الحركة وهي تربت على صدرها تهمس بنفس الكلمة، وسالار ينظر صوب الطبيب بجمود وملامح باردة يهمس بنبرته الخافتة التي يستخدمها غالبًا مع أعدائه:
” تحدث مع زوجتي باحترام أنت تتحدث مع أميرة سفيد ”
صمت الطبيب ثواني قبل أن يقول بجدية محركًا كفيه في الهواء :
” والله أنا قولت انكم مجانين، داخلين عليا دخلة صلاح الدين وقاعدين تتكلموا بشكل عجيب، والاتنين اللي قاعدين يسفوا في شريط الريڤو وراكم دول، اكيد مش ناس طبيعية ”
استدارت تبارك صوب الخلف لتبصر صامد وصمود يمسكان بعض البرشام يتناولانه بفضول شديد، لكنها لم تهتم وهي تعود بنظرها صوب الطبيب تقول :
” بص يا دكتور أنا بس عايزة اخد جرعة الأنسولين اللي تكفيني شهر لأن أنا عايشة في …قرية بعيدة في الأرياف مفيش فيها صيدليات وبتعب لغاية ما اوصل لأقرب صيديلة، فأنا بس عايزة أدوية تكفيني شهر مش اكتر ”
نظر لها سالار يتحدث بجدية :
” لِمَ تكذبين ؟؟”
رفع الطبيب حاجبه وهو ينظر لها، ومن ثم نظر صوب سالار يقول مشيرًا له :
” من الارياف ؟! عايزة تفهميني إن ده فلاح ؟؟”
نظرت تبارك صوب سالار الذي رفع حاجبه بعدم فهم، بينما هي ابتسمت تقول :
” لا ده …ده واحد روسي اتجوزنا وجه يعيش معايا في مصر عادي ”
نظر لها سالار باستنكار :
” أي روسي هذا ؟! أنا لست روسيًا، أنا من سفيد ”
نظر لهما الطبيب بتعجب فابتسم تبارك وهي تحاول أن تصمت سالار :
” سفيد، دي قرية فلاحين برضو بس في روسيا ”
فتح سالار فمه للحديث، لكنه همست له توقفه :
” سالار توقف عن الحديث، الرجل سيلقي بنا في مشفى المجانين بسببك بعد ثواني ”
رمقها باستنكار أشد :
“هذه ليست حجة للكذب، عزيزتي الصدق هو اقصر الطرق لتحصلي على ما تريدين”
نظر صوب الطبيب يضيف بجدية :
” نعم كما أخبرتك أنا من مملكة سفيد، وهذه المرأة هي زوجتي، والآن اعطني هذه الأدوية المكتوبة بخط ردئ في هذه الورقة هنا ”
ختم حديثه يشير صوب ورقة بها اسماء الأدوية التي تحتاجها تبارك، بينما الطبيب ضاقت نظراته عليهم وأخرج هاتفه، ثم امسك الورقة وهو يتحرك متحججًا باحضار الأدوية، ومن ثم يتحدث مع مشفى المجانين يقول :
” ماشي بس هتحاسبوا على كل البرشام اللي بلبعوه الاتنين اللي ورا دول برضو ”
نظر له سالار بعدم فهم يردد تلك الكلمة الغريبة :
” بعلبوه ؟؟ ماذا يعني ؟! هل يسبني ؟!”
أمسكت تبارك مرفقه تقول بسرعة دون أن تنتبه أن سالار ليس مدركًا لما تقول من الاساس، بل فقط جذب انتباهه شيء خلفها، جعله يحدق فيه بانتباه شديد وبأعين متسعة مصدومة وهي تتحدث بنبرة عادية :
” لا، هو لا يسبك، هو فقط ….”
توقفت تبارك فجأة بانتباه لملامح سالار التي شحبت بشكل مرعب، تعجبت وهي تحاول فهم ما يحدث تستدير ببطء لترى ما ينظر له، وبمجرد أن لمحت ما يحدق به أدركت ما الذي جعله يشحب بهذا الشكل، فتحت فمها للحديث، لكن قاطعتها صرخة سالار وهو يشير بصدمة لتلك النقطة :
” ما الذي …ما الذي يحدث هنا، ما هـــــــــــــذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟”
____________________
خطوتين أو ثلاثة، ونصل لخط النهاية .
لكن ماذا بعد تلك النهاية ؟؟

يتبع….
google-playkhamsatmostaqltradent