Ads by Google X

رواية مملكة سفيد الفصل الخمسون 50 - بقلم رحمة نبيل

الصفحة الرئيسية

           

 رواية مملكة سفيد الفصل الخمسون 50 -   بقلم رحمة نبيل

يجلسون في القاعة التي تتوسط القصر، المياه تقطر من جميع الأجساد، جميع الرجال مجتمعين، الكل يحدق صوب إيفان الذي كان يجلس في منتصفهم يضم كفيه معًا مستندًا بهما على قدميه شاردًا فيهما يسمع فقط صوت همسات جواره يدرك مصدرها، كما يدرك مصدر الضحكات المكبوتة ..
رفع عيونه ينظر بطرف عيونه صوب أرسلان الذي كان يضع يده أمام فمه كل ثانية ليكبت ضحكاته، لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيًا، إذ وفجأة حين لمح مظهر إيفان وهو يقطر مياه من كل شبر في جسده وينظر له بغضب، انفجر في موجة ضحك صاخبة جعلت إيفان ينتفض عن المقعد صارخًا بجنون وكأنه كان ينتظر منه هذه البادرة ليحرر شياطينه ..
” طفح الكيل ”
وفي ثواني كان الإثنان ملقيان ارضًا يتبادلان الضربات بقوة دون التفكير في شيء، إيفان يزداد عنفًا وارسلان يزداد ضحكًا .
” سأقتلك أيها الحقير، اقسم أنني سأجعلك لا تصلح للعيش بعد الآن ”
ازدادت ضحكات أرسلان أكثر وأكثر وكأن كلمات إيفان تحفزه لذلك، يحاول دفعه وهو يردد بصعوبة بسبب ضحكاته :
” أنت حقير تستغل عدم قدرتي على ضربك بسبب ضحكي، كان عليك أن ترى وجهك ”
نظر آزار صوب بارق وهو يردد بتفكير :
” إذن ؟؟”
أجابه بارق ببساطة :
” لنذهب ونفتتح الولائم لا بد أنهم انتهوا من اطعام النساء وحان دورنا”
وافقه آزار بهزة رأس صغيرة، ثم تحرك معه بكل هدوء وكأن لا معركة قائمة في الاسفل بين ثورين، وتميم يراقب ما يحدث بعدم فهم، يحاول التفكير فيما يجب فعله ليهدأ الأوضاع، والعريف قرر أن يلحق بآزار وبارق لتناول الغداء .
” لنرحل مرجان، دعنا نتناول وليمة الزواج ”
راقبهم دانيار مبتسمًا بسخرية وهو يردد :
” لو أنهم لم يحضروا طعام للزفاف، ما حضر أحدهم”
نظر مهيار بقلق صوب القتال يحاول التحرك صوبه ليهدأ الأوضاع، لكنه كل ثانية يتراجع حين تتدحرج الأجساد صوبه، كلما أراد التقدم خطوة تراجع اثنتين يقول بتفكير :
” إذن ما الذي سنفعله الآن ؟!”
أجابه تميم بجدية وهو يراقب القتال :
” نلحق بالعجائز قبل أن يستنزفوا جميع الطعام !؟”
هز دانيار رأسه يوافقه الحديث، ثم هم بالتحرك مع تميم، لولا يد مهيار التي اوقفتهم لا يصدق ما يفعلونه مشيرًا صوب القتال :
” أي طعام ؟؟ أنا اسألكم الحل لهذا القتال ؟”
توقف الاثنان بتعجب ثم نظرا صوب القتال سريعًا قبل أن يقول تميم بإدراك :
” أوه هذا القتال، لا دعهم حتى ينتهون، فلا قوة بعد الله قادرة على إيقافهم غير سالار، وأين هو القائد سالار الآن ؟”
صمت مهيار يفكر في كلماته وكأنه يبحث عن إجابة لسؤاله، لكن دانيار جذب يد مهيار خارج القاعة بأكملها :
” لا أحد غير الله يعلم أين هو، لذا دعهم حتى تنفذ قواهم، وهذا سيستغرق وقت طويلًا، وقت يكفي لتناول الطعام وأخذ راحة لساعات، والقيام برحلة لتفقد أحوال مشكى، ومن ثم العودة للجلوس بعض الوقت في الخارج وتأمل هذه الأجواء الشتوية الرائعة، واخيرًا نعود هنا لنرى إن انتهت هذه المعركة أم لا ”
ختم حديثه يخرج من المكان يسحب الجميع خلفه، ثم نظر نظرة سريعة صوب الأجساد المتلاحمة ارضًا، ومن ثم تحرك مع الجميع يتمتم بحنق :
” أين القائد سالار حين نحتاجه ؟؟”
________________
” إذن هل تحتاجين المزيد من الدجاج ؟!”
رفعت تبارك رأسها عن الطعام وهي تحاول ابتلاع ما يضع سالار أمامها إذ انعزل بها عن الجميع صوب الدرج يجلس جوارها يأخذ صحنها لملئه، كلما اقتربت من الانتهاء ..
ابتلعت الطعام بصعوبة تردد :
” اعتقد أن هذا يكفي سالار، لقد شبعت حقًا ”
نظر لها ثواني بعدم رضا قبل أن يبتسم ويهز رأسه، ثم جلس يستريح جوارها واخيرًا بعدما تأكد أنه سد جوع زوجته .
وهي ابتسمت له بلطف ولم تكد تعدل من وضعية حجابها كعادتها حين تشعر بالتوتر، هذا التوتر النابع من تواجد هذا الرجل جوارها .
لكن توقفت أناملها قبل بلوغ رأسها حتى حين سماعها صوته يتحدث بحنان وكأنه ينشد على آذانها اعذب الاشعار :
” إذن هل أحضرتي ادويتك ؟؟”
نظرت له تبارك بانتباه شديد، قبل أن تحاول التذكر، لكنها في النهاية هزت رأسها وقالت ببساطة :
” نعم، في غرفتي ”
أومأ لها سالار، ثم نظر أمامه بتردد، يخشى التطرق لهذا الأمر، لكنه بحاجة لغلقه قبل المضي قدمًا في حياته معها .
” لا بأس إذن سأذهب لاحضره لكِ قبل الانشغال مع الجميع و….تبارك هل أنتِ بخير الآن ؟؟”
نظرت له تبارك بعدم فهم وفسرت سؤاله على حالتها الصحية لتبتسم له بلطف شديد :
” نعم، الحمدلله بخير حال، كما أنني اتناول ادويتي بانتظام كذلك لذا لا داعي للقلق و…”
” ليس هذا ما قصدته تبارك، أعني أنا بالطبع اطمئن على حالتك، لكن سؤالي هذا أعني به قلبك، كيف هو الآن عزيزتي ؟؟”
ابتسمت تبارك وأدركت ما يرنو له بحديثه، لتحاول بيأس إبعاده عن هذه النقطة تقول مبتسمة بسمة واسعة تدعي بها براءة لا تمتلك قطرة منها في هذه اللحظة :
” بخير دامك تسكنه سالار ”
رفع سالار حاجبه بذهول من كلماتها التي رسمت دون شعور منه بسمة متعجبة على فمه، لكن هذا لم يمنعه من التقاط نظرات تبارك الواضحة له :
” اقدر كلماتك الجميلة تبارك، لكن صدقيني هذا لن ينجح في صرف انتباهي عما أريد”
” وما الذي تريده سالار ؟!”
” الاطمئنان عليكِ ”
” أنا بخير ”
” نعم أرى هذا، لكنني احتاج للتأكد ”
نظرت له بعدم فهم :
” وكيف تتأكد ؟؟”
امسك يديها بين كفيه، ثم نظر في عيونها بقوة يقول بهدوء وصوت جامد بعض الشيء كما لو كان يأمر أحد جنوده بمهمة ما، صوت أجبر تبارك على الانصياع لكل ما سيصدر منه في هذه اللحظة .
” قصي عليّ كل شيء تبارك، أخبريني كيف علمتي عنوان والدتك إذ أنكِ اخبرتيني أنكِ عشتي وحيدة، ولماذا الانتظار كل هذا الوقت للمواجهة، والأهم ما سبب تصرفك وهل ستستطعين العيش براحة بال لاحقًا ؟؟”
اسئلة كثيرة دارت في عقل تبارك لا تدرك حقًا بأي سؤال تبدأ، كانت تود التملص من انياب ماضيها بين أحضانه، لكن يبدو أن تلك الانياب لم تفلتها كما ظنت، بل غُرزت في جسدها تمتص دمائها، وعليها أن تنتزعها قبل أن تنتهي منها، وهذا الخلاص يتمثل في سالار وإزاحة همومها لتغلق باب ماضيها ..
” لقد …لقد حصلت على عنوان منزلها قبل خمسة أعوام تقريبًا، ولم اتجرأ منذ ذلك الوقت على الذهاب لها، كنت أجبن من مواجهة امرأة لم تكن لتتذكرني، كنت أقف أمام منزلها بالساعات مترددة في طرق المنزل قبل أن ارحل خالية الوفاض ..”
” وكيف وصلتي لها؟؟”
رمشت قبل أن تهمس بشرود :
” مسؤولة التمريض في المشفى التي اعمل بها اشفقت عليّ في إحدى المرات حين رأتني ابكي، وعندما أخبرتها قصتي بإيجاز، وعدتني أن تحصل لي على عنوان والدتي فهي كان لديها من المعارف الكثير، وبالفعل اعطتني عنوان بيت جدي الذي حصلت منه على عنوان منزل زوج والدتي طبعًا دون اخبارهم أنني حفيدتهم ”
صمتت تتنفس بصوت مرتفع ثم نظرت صوب سالار الذي كان يتأمل ملامحها بشرود أكبر، لتبتسم تحاول غلق هذا الباب كليًا :
” وحين كنت جواري شعرت أن لا وقت مناسب أكثر من هذا الوقت، شعرت بالقوة لوجودك جواري فتجرأت وواجهت، أردت التأكد أنني لن اندم مستقبلًا على الرحيل دون فرصة للحديث معها والشعور بالراحة ”
ابتسم لها بسمة صغيرة يهمس مدركًا إجابة سؤاله قبل طرحه :
” وهل حدث وشعرتي بالراحة تبارك ؟! ”
نظرت له مبتسمة تهز رأسها بقوة :
” نعم للغاية، أنت لا تدرك مقدار الراحة التي تسربت لصدري حين رأيتها، ورأيت كيف كانت سعيدة ومتحمسة لأجل خطبة اختي في حين أنني هنا مضطرة لقضاء يوم زفافي وحدي، بالطبع أنا…أنا في غاية الراحة و…”
صمتت تنفجر في بكاء عنيف آخر جعل سالار يجذب جسدها له بحنان شديد دون أن ينبس بكلمة واحدة، أرادها أن تخرج ما بداخلها وحدث، الآن سيتركها لتتنفس وتستوعب ما يحدث حولها قبل أن يتدخل ويرمم شروخها الداخلية ..
دقائق كانت وهي مستمرة بالبكاء بين أحضانه تقول بتعب ووجع كبير :
” أحتاج لها، أنا كنت أحتاج لها طوال الوقت، في احلك اوقات طفولتي احتجت لها، ولم أجدها، لطالما فعلت، لطالما كنت وحيدة سالار، كنت …”
” ولم تعودي ”
توقفت عن البكاء تنظر له من بين دموعها ليجففها بشفقة وحنان :
” لم تعودي وحيدة ولن تكوني طالما اكرمني الله بقلب ينبض داخلي تبارك، والله سأعوضك ”
وهي فقط استمرت في البكاء وإن كان بدون صوت، وهو فقط يربت على ظهرها يردد بصوت خافت آيات من القرآن الكريم، يحاول بها أن يرأب الصدع داخلها، مقتنعًا تمام الاقتناع أن لا انيس كالقرآن ..
بدأت شهقات تبارك تنخفض شيئًا فشيء حتى استقرت أنفاسها بين أحضانه، ليتنهد سالار براحة ينظر لوجهها محاولًا رؤيتها، لكن ارتخاء رأسها بهذا الشكل انبأه أنها بالفعل في هذه اللحظة لا تعي لما يحدث .
ابتسم ينهض ببطء شديد، ثم نهض يحملها بحنان شديد يتأكد من ثوبها أنه لا يصف أي شيء بها أثناء حملها، ومن ثم تحرك بهدوء شديد وبسمة واسعة صوب غرفتهم ..
يضم جسدها له يخشى أن يلمحها رجل بوضع لا يجب أن تظهر به وهو يحملها بهذا الشكل .
يسير مبتسمًا دون أن يحيد بنظره عنها .
في اللحظة ذاتها كان الجنود في الممرات يهرولون صوب القاعة التي يتشاجر بها أرسلان وإيفان، بعدما انتشر الخبر بين الجميع وظنوا أن الخلاف اشتعل مجددًا بينهم .
ففي حين أن أجساد الحراس كانت تندفع بفزع وأوجه مرتعبة صوب القاعة، فبدى المشهد كما لو كان بالابيض والاسود وهناك طبول حرب تقرع في خلفية المشهد، كان مشهد سالار بينهم ملونًا مع صوت عصافير وخرير مياه، يسير للجهة المعاكسة يحمل بين ذراعيه تبارك، وهناك بسمة راضية هادئة على فمه لا يعي ولا يهتم لكل ما يحدث حوله في الحقيقة، هي بين ذراعيه وهذا يكفيه، فليحترق العالم وتبقى هي .
كان الأمر كما لو أنه يحمل زوجته ويحلق بها فوق سحابة وردية وسط سماء ملبدة بالغيوم مهددة بالامطار.
سالار كان يحيا في عالمه الخاص، حاملًا بين ذراعيه عالمه الأكثر دفئًا …..
__________________
” إذن هو لم يقترب منك او يتواقح البتة ؟؟”
نفت كهرمان وهي تنظر بتعجب وصدمة لزمرد التي بُهتت ملامحها تردد بإدراك فجأة :
” عجبًا، ظننت أن اخي سيكون وقحًا بعد الزواج، الرجل كادت أنفاسه تُزهق لأجل الحصول عليكِ من يتوقع ألا يتواقح ؟! ”
نفت كهرمان برأسها وهي تتذكر كم كان إيفان مراعيًا حنونًا ولبقًا، ألقى لها بكلمات مست قلبها ومن ثم منحها بسمة وقبلة صغيرة، ثم تحرك صوب حفل الزفاف، مع وعد بلقاء اطول.
كل هذا لم يكن ليعجب زمرد التي أرادت لشقيقها سعادة اكبر من مجرد قبلة جبين :
” هذا الإيفان يا ويلي منه، كاد يقتلنا ضجرًا من تكرار رغبته الزواج منكِ، حتى ظننت أنه بمجرد الزواج سيكون أكثرهم وقاحة، لكن يبدو أن ضبط النفس عند هذا الرجل عالٍ و…..”
فجأة صمتت تنظر صوب برلنت تتتساءل بجدية لشيء في رأسها :
” ماذا عنكِ برلنت ؟؟”
انتبهت لها برلنت بعدم فهم :
” ماذا ؟؟”
” أيتها الحمقاء انتبهي معي، هل تواقح معكِ زوجك بعد عقد القرآن ؟!”
نظرت لها برلنت ثواني قبل أن تبتسم بسخرية :
” أي واحد فيهم؟؟ فأنا عقدت في طفولتي واشهرت في شبابي، فإن كنتِ تسألين عن العقد فنعم تواقح وبشدة بعده، احضر لي حلوى فراولة وانا أفضلها بالعنب، وأخذت اتذمر حتى راضاني ونمت يهدهدني كالرضيع”
نظرت لها زمرد بعدم فهم لتوضح برلنت بسخرية لاذعة :
” كنت في الثانية عشر حينها، اما إن كنتِ تتساءلين عن الاشهار وانا شابة فهذا …بارك الله في أبي لم يدع للرجل فرصة التنفس وهو يخرب علينا الاشهار”
رمتها زمرد بحنق تردد :
” كان سؤالًا برلنت لا حاجه لتقصي عليّ كل هذه المآسي، فقط قولي لا وانتهينا ”
صمتت ثم نظرت لهن تفكر بصوت شبه مسموع :
” إذن معنى حديثكما الآن أن جميع الرجال هنا مراعيين مقدرين عدا زوجي هو الوحيد الوقح؟! ”
نظر لها الأثنان بعدم فهم قبل أن تتساءل كهرمان وهي تتجاوز عن كل هذا :
” إذن أين تبارك الآن، هذه الفتاة لم أرها منذ تحركنا لموكب استقبال الهدايا ”
انتفض جسد زمرد فجأة مبتسمة بسمة واسعة وهي تردد بأمل لمع فجأة وسط ظلام يأسها :
” نعم تبارك، تبقى تبارك، ربما زوجها هذا يخفي وقاحة كزوجي الـ ”
فجأة توقفت حين لمحت نظرات البلاهة تعلو وجوه الاثنين، لتبتلع ريقها تتنحنح وهي تقول :
” أنا كنت اقصد أن…صحيح أين هي تبارك، لم أرها منذ كنا في قاعة النساء، وكذلك زوجها لم يظهر، اعتقد أنها معه ”
وقبل أن يبادر أحدهم بكلمة واحدة، سمعوا صوت طرقات الباب الخاص بجناح كهرمان وصوت الحارس يهتف من الخارج :
” الملك إيفان يطلب الاذن بالدخول …”
اتسعت أعين كهرمان وازداد قرع قلبها بقوة وقد نظرت حولها بسرعة تبحث عن حجاب تخفي خلفه خصلاتها المبتلة أو شيء ترتديه فوق فستانها الخفيف الذي يظهر جزء من ذراعيها بسبب قماشته الشفافة .
لكن إن كانت تظن أنها ستحرم إيفان ذلك المسكين واخيرًا فرصة رؤية زوجته بهذا المظهر بعد طول صبره، فعليها أن تفكر مجددًا .
تحركت زمرد في لمح البصر تخفض غطاء وجه برلنت بسرعة، تهتف بكلمات سريعة :
” دعه يدخل رجاءً”
ختمت حديثها تسحب برلنت بسرعة خلفها، وبرلنت المسكينة والتي كان غطاء وجهها شبه مبتل بسبب الامطار تحاول الحديث :
” يا ويلي هل تنتوين قتلي، انتظري ”
لكن زمرد لم تمنحها فرصة التوقف حتى وهي تهمس بحدة :
” هيا دعي الرجل يأخذ فرصته قبل أن يقفز لنا شقيقها المتغطرس ”
فُتح الباب وظهر إيفان الذي كان يرتدي ثياب في غاية البساطة تتكون من بنطال قماشي اسود اللون مع ثياب بيضاء من فوق يضم يديه خلف ظهره مبتسمًا بسمة صغيرة رغم بعض الخدوش التي عكرت صفو ملامحه بسبب الشجار الذي انتهى لرحمة الله بهما، وعودة سالار بعدما انتهى من زوجته ليعطيه هو وارسلان لكمات عديدة وكلمات موبخة ومن ثم دفعهم عن بعضهم البعض .
فإن كان هناك سلام بين شعب سفيد ومشكى فالفضل بعد عناية ورحمة الله بالشعبين يعود لسالار .
نظرت زمرد لأخيها بصدمة، لكنه فقط ابتسم يومأ لها برقي هي وبرلنت لتتحرك للخارج وهي تتمتم بغضب مسموع :
” هذا الثور المتغطرس، أعان الله شعبه عليه ”
ابتسم إيفان يراقبهما حتى خرجا، يغلق الباب، ثم استدار ببطء يمنحها النظرة الأولى منذ دخل إذ خشى أن تفضحه نظراته أمام الجميع وكأنه لا يعي بعد أنها أضحت زوجته .
لكنها كانت لحظة، لحظة واحدة فقط توقفت بها أنفاسه والعالم وضربات قلبه، كل شيء في هذه الغرفة توقف اجلالًا واحترامًا لهذا المشهد البديع الذي يبصره ربما لمرته الثانية ..
المرة الأولى في مرحاض جناحه، والثانية في مخدعها الخاص الأن …
لكن شتان بين المرتين، تلك كانت لامرأة ظنها خائنة فلم يشفع جمالها لها وقتها، أما هذه فهي زوجته والتي هزمه مظهرها شر هزيمة .
خصلاتها المبتلة وثوبها الخفيف، كل شيء كان يحفز خلايا عقله لتذكر ذلك المشهد الذي لم يتجرأ يومًا على تذكره مخافة أن يسحبه شيطانه بين امواج العصيان، ذلك اليوم حينما جذب جسدها بين ذراعيه واضعًا سيفه على رقبتها، لحظات يشعر بها الآن وبكل همسة خرجت منها وقتها ..
طال صمته وهذا ما لم يساعد كهرمان، لتبتلع ريقها تقول بصوت مرتجف من الموقف تحاول الابتسام تقنع نفسها أنه زوجها :
” مرحبًا … أسعد الله مساءك مولاي ”
” إيفان”
” ماذا ؟!”
ابتسم يتقرب منها كالمخمور :
” اسمعيني اسمي مجددًا ”
اقترب بشكل خطير لتشعر أنها على وشك السقوط ارضًا وهي تتراجع بأقدام مرتجفة :
” مولاي ..”
التقط إيفان خصرها يضمها له ببطء شديد يهمس لها مرة أخرى بنبرة شبه مترجية :
” إيفان، اطربيني بنطق اسمي سمو كهرمان ”
وإن كان يأمل في سماع اسمه فلا تعتقد أن الأمر ممكنًا الآن، ليس بعدما نطق هو خاصتها بهذه النبرة التي جعلتها تشعر أنها غير قادرة على التحدث بكلمة واحدة فما بالكم بنطق اسمه مجردًا .
نظرت لعيونه تشرد في خضرتها وهالتها نظرات الرجاء بها، نظرات جعلتها تنحي خجلها جانبًا وهي تردد :
” إيفان..”
ابتسم إيفان بسمة واسعة أكثر من أي مرة مضت يهمس لها وهو يستند برأسه على خاصتها :
” لبيكِ …”
وهذا كان أكثر مما تطلب، وهو انتبه لنظراتها يهمس بصوت اكثر خفوتًا لعب بمهارة على اوتار ثباتها، أو ما تبقى منها :
” استمري بنطق اسم بهذه الطريقة وسأستجيب لأيٍ كان ما تريدينه كهرمان ”
كان ينطق اسمها وكأنه يتذوقه، وهي فقط حاولت تمالك نفسها تردد بصوت منخفض :
” هلّا ابتعدت قليلًا ؟؟”
” عدا هذا الطلب ”
نظرت له بعدم فهم ليبتسم لها مرددًا :
” سأستجيب لأيٍ كان ما تريدينه عدا ابتعادي عنكِ كهرماني ”
وهذه ” الياء ” التحببية المتملكة التي اضافها في نهاية حديثه كان لها تأثيرًا أكبر مما يتخيل هو، تأثيرًا ساهم في توقف كهرمان عن محاولة الابتعاد تنظر في عيونه بلهفة وهو فقط ابتسم يقول :
” مرحبًا في حياتي ومملكتي جلالة الملكة ”
ختم حديثه يضمها له بحنان وهي فقط استكانت، استكانت تمنح قلبها واخيرًا هدنة ليستريح من كل كل مر به، واخيرًا نالت كهرمان سلامها بين ذراعيه، ونال هو راحته بين أحضانها….
_________________________
” هل أنتِ متأكدة أن لا شيء يحزنك ؟؟”
رفعت برلنت عيونها لتميم تهز رأسها بلا مبتسمة وقد كانت على وشك النوم حين عودتها من جلستها مع الفتيات، لكن فجأة اقتحم عليها تميم المكان .
تحرك تميم بهدوء صوبها يجلس على ركبتيه أمام الفراش وأمامها يقول بهدوء :
” هل تخدعيني أم تخدعين نفسك برلنت ؟! ملامحك تشي بالكثير، أخبريني أنكِ بخير وأنتِ تنظرين صوب عيوني ”
ترددت برلنت ثواني قبل أن ترفع عيونها له تقول بصوت منخفض :
” تميم، أنا أريد زفافًا ”
نظر لها تميم ثواني دون فهم قبل أن يهتف :
” ماذا ؟؟”
ظنت هي أن استنكاره ينم عن اعتراضٍ في نفسه لتهتف بتردد أكبر تفرك كفيها، تشعر أن لا وجه لها لتطلب زفاف منه بعد كل ما مروا به سويًا، مروا بالكثير وابتعدوا عن بعضهم بما يكفي وكل هذا بسببها هي وعائلتها :
” اريد زفافًا، ليس بالضرورة أن يكون كزفاف اليوم، فأنا أعلم أن هذا زفاف أميرة و…..”
” وما الذي ينقصك عن الأميرة برلنت لنقيم لكِ زفافًا مماثلًا عزيزتي ؟!”
رفعت عيونها له تقول بكل بساطة :
” أنا لست أميرة ”
” بل أنتِ كذلك، منذ طفولتك وأنتِ اميرتي وصغيرتي المدللة بيرلي، لذا إياكِ أن تقللي من قيمة نفسك عزيزتي، ثم من أخبرك أنني لن أقيم لنا زفافًا، ليس بعد كل هذه الأعوام اتزوجك هكذا بكل بساطة دون زفاف ”
التمعت عيون برلنت بقوة وقد شعرت أن روحها رُدت لها تهمس بصوت سعيد :
” حقًا ؟؟ هل تقول الصدق تميم ؟؟”
” ومنذ متى كان الكذب من شيمي برلنت؟! نحن سنصنع لنا زفافًا لطيفًا يتحاكى به جميع ساكني القصر صغيرتي ”
ختم حديثه يربت على خصلاتها بحنان شديد وهو يقف أمام، وهي فقط ابتسمت تضم خصره بقوة تستند برأسها على معدته تردد بسعادة :
” دامك الله لي تميم، لقد …لقد كنت احلم كل يوم بإقامة زفاف وارتداء ثوب الزفاف كالجميع ”
” وانا أحيا لاحقق احلامك، ثم لا تظن أن الزفاف حلمٌ لكِ وحدك، فوالله ما أحب على قلبي أكثر من رؤيتكِ تُزفين لي ”
اتسعت بسمتها أكثر تردد بصوت متحمس :
” أنا لا اصدق أنني سأ…”
فجأة توقفت عن الحديث وسُحب اللون من وجهها وبُهت فجأة وكأنها لتوها استوعبت شيئًا فاتها خلال موجة الحماس التي عاشتها، وتميم انتبه لكل هذا يحاول معرفة ما تفكر فيه، بينما هي شردت في منطقة بعيدة تبتلع ريقها بتردد :
” أُزف لك …”
لا يدري أكانت نبرتها مستنكرة أو متسائلة، لكنه الآن فهم ما تريد قوله ليتنهد بصوت مرتفع لا يصدق أنه سيقول هذا، لكن لأجلها سيفعل أي شيء :
” سيزفك والدك لي ولو كان دون إرادته حبيبتي ”
رفعت عيونها له بصدمة أن فهم مقصدها دون الحاجة للحديث، وهو فقط ابتسم يداعب خصلاتها بحنان :
” إن أردتي يمكنني الذهاب له والحديث معه بهدوء وود، وإن لم يرضخ هددته لاجلك، أما إن رفض فسيضطر لزفكِ لي مُكبلًا بالاصفاد مجبرًا ”
فتحت عيونها بذهول من حديثه وهو ابتسم بلطف ليس وكأنه كان يهدد والدها منذ ثواني يقول بحنان :
” راضية ؟؟”
وهي لم تجب بكلمة، بل ظلت تنظر له طويلًا لتتسع بسمته يقول :
” هذا جيد، والآن هل يمكنني مشاركتك الفراش الليلة ؟؟”
نظرت له بفزع ليبتسم هو بكل براءة ينزع حذاءه، ثم صعد على الفراش بكل هدوء يشير على الجزء الفارغ جواره يقول بكل هدوء :
” اقتربي بيرلي لن تكون المرة الأولى التي أنام جوارك ”
” لكن أنت…نحن لسنا بالقصر و…”
رفع تميم حاجبه بعدم فهم :
” وماذا في ذلك ؟؟ أنتِ زوجتي داخل وخارج القصر وفي السماء والأرض وفي كل مكان وعلى الجدران، عقد زواجي بكِ ليس محصورًا على سفيد حبيبتي، هيا اقتربي وتوقفي عن الحماقة ”
وقبل أن تفكر في شيء اضافي استقام هو بنصفه العلوي عن الفراش بشكل جعلها تتراجع بسرعة حتى كادت تنهض كليًا عن الفراش وتتحرك بعيدًا لولا أن سحبها بسرعة كبيرة جعلت وجهها يلتصق بالفراش ومن ثم جرها صوبه يكتفها بين أحضانه سعيدًا :
” هذا رائع حقًا ومريح …”
وهي رفعت عيونها له وقد كان وجهها ملتصقًا بصدمة حتى أن خدها كان مضغوطًا بشكل مضحك :
” نعم …رائع ومريح ”
___________________
” أنت حقير سالار ”
زفر سالار بضيق وهو ينظر صوب أرسلان بحنق شديد يرفع إصبعه في وجهه محذرًا :
” هذه المرة الرابعة التي تصفني بها بهذا اللقب منذ ساعة تقريبًا، حذاري غضبي أرسلان ”
” انزل اصبعك، ولا تهددني فأنا لا أُهدد ”
قلب سالار عيونه بملل :
” للاسف لا تفعل، الآن ماذا تريد مني ؟؟ هل أنت غاضب لأنني منعتك قتل إيفان ومنعته قتلك ؟! ”
” بل غاضب لأنك أيها الـ ”
صمت بسبب نظرة سالار التي حدجه بها، ليس خوفًا منه معاذ الله، لكن خوفًا أن يزيد عن حده دون شعور ويغضب سالار منه أو يقاطعه كما كان يفعل بعض الأوقات .
” أنا فقط غاضب لانك طوال الوقت تقاطع تفاهمي مع إيفان، كلما كدنا نصل لنقطة تفاهم تتدخل وتقاطع كل ذلك لنعود أنا وهو لنقطة الصفر ونضطر لبدء النقاش منذ البداية مجددًا ”
لوح سالار بيده مبتسمًا بصدمة :
” نقاش ؟؟ تفاهم ؟؟ أنت لم تتعلم العربية في طفولتك ؟؟ استخدامك لهذه الألفاظ ليس في موضعه الطبيعي حتى، يا ويلي لينجدني الله منكم، أنا سأذهب لزوجتي بعيدًا عن هذا العالم المقرف”
ختم حديثه يتحرك بعيدًا عن أرسلان الذي رمق ظهره بحنق يصرخ بصوت مرتفع :
” نعم أذهب لزوجتك ومن الأفضل أن تلزم جوارها، ولا تتدخل في مناقشاتي مرة أخرى ”
ختم حديثه يتمتم بحنق شديد :
” رجال سفيد هؤلاء …”
كان يتحدث بحنق وهو يدور بعيونه في المكان قبل أن ينتفض جسده فجأة حين أبصر وبشكل مفاجئ جسد العريف الذي ظهر له من العدم، وضع يده على قلبه يهتف بنبرة حاول جعلها طبيعية :
” بسم الله، من أين ظهرت أنت ؟!”
تجاهل العريف كلماته تلك يقول ببسمة واسعة :
” رأيت معاناتك منذ ثواني مع رجال سفيد، واشفقت عليك ”
تشنج وجه أرسلان ليقول باندفاع وتلقائية :
” خسـ …”
لكنه توقف يدرك أنه الآن أمام رجل كبير في العمر :
” استغفر الله، لم يولد بعد من يشفق عليّ ”
” بلى يا فتى لقد وُلد قبل سنوات من ولادتك، والآن هل تريد مساعدتي أم لا؟؟”
نظر له أرسلان بعدم :
” كيف ستفعل ذلك ؟!”
ابتسم له العريف بسمة خبيثة يقول ممازحًا لكن بنبرة جادة حتى إذا سمعها أحدهم سيصدق ما يقوله :
” مُدني بجيش من عندك ننقلب على إيفان ونسلبه عرشه وامنحه لي، وأنا اعدك أنني وبمجرد اعتلائي عرش سفيد سأقطع علاقتي بمشكى بالكامل ”
تراجع أرسلان ينظر له بصدمة :
” هل أنت جاد ؟؟”
” نعم، إذن اتفقنا ؟؟”
هز أرسلان رأسه بيأس يتنهد بصوت مرتفع وهو يضرب كف بكف متحركّا بعيدًا عن العريف محدثًا نفسه :
” يا ويلي ما الذي يفعله إيفان بشعبه ليكن له كل هذا الحب والوفاء ؟؟”
بينما العريف راقبه يبتعد وهو يضحك بصوت خافت على ملامحه، وقد أعجبته هذه اللعبة حقًا، إثارة جنون الجميع حوله بعدما كانوا هم من يفعلون له ذلك، دارت الحياة وانقلبت الأدوار ….
_________________________
بعد يومين وأمام قصر سفيد …
كان أرسلان يضم كهرمان له وهو يشعر بالضعف يتمكن من اطرافه، جاء ليزف أخته مع جنوده وبنفسه صوب قصر زوجها، سلمها له وحان الآن وقت الوداع، لا يصدق أنه يفعلها الأن ..
ابتعد ببطء يهمس بصوت خافت :
” سأشتاق لكِ، اعتني بنفسك لأجلي حبيبتي ”
ابتسمت له كهرمان تمسح دموعها بصعوبة وهي تردد :
” وأنت أخي اعتني بنفسك حتى تأتي من تعتني بك عزيزي ؟؟”
ابتسم يمازحها ليمحو نظرة الحزن التي تعلو وجهها تلك :
” أنا في أشد الشوق لرؤيتها، عسى ألا يطول غيابها لهذه المرأة، فقط تكون مثلك ولن اطلب من الحياة أكثر”
ابتسمت له ولم تكد تجيبه حتى شعرت بيد تضم كتفها وصوت إيفان يردد ببسمة واسعة حنونة :
” الحياة تمتلك كهرمان واحدة عزيزي أرسلان، وأنا كنت المحظوظ الذي فاز بها، لذا لا تطمح لأخرى تشبه امرأتي ”
نظر له أرسلان بسخرية :
” أنا اقبل بأي امرأة طالما أنها لا تمتلك صفة أنت تمتلكها إيفان ”
ابتسم له إيفان يهمس باستفزاز :
” غدًا نرى عزيزي، فما تخشاه هو مصيرك بالفعل ”
زفر أرسلان بحنق يهمس :
” اللهم والصبر من عندك على هذا الانسان”
نظر حوله ثم قال بجدية :
” إذن أنا سأرحل الآن، لدي العديد من الأمور لافعلها”
نظرت له كهرمان بأعين دامعة تهمس وهي تتمسك بثيابه كصغيرة تخشى رحيل والدها بعدما اوصلها للروضة في اليوم الأول لها :
” ابق قليلًا أرسلان ”
” حبيبتي يعز عليّ رفض طلبك، لكن أنتِ تعلمين أنني لا يمكنني، سأعود مجددًا بعد أيام قليلة لأجل زفاف سالار، لذلك عليّ الانتهاء مما امتلك قبل المجئ هنا ”
ختم حديثه يميل مقبلًا جبينها، ثم ابتعد يداعب وجنتها بحنان هامسًا بكل اللطف الذي يكنه في صدره :
” اعتني بنفسك حبيبتي ”
رفع عيونه لإيفان يردد بجدية بعيدًا عن أي مزاح :
” اعتني بها إيفان، وإلا جئتك بكفنك ”
ابتسم له إيفان يتحرك صوبه يعانقه بكل هدوء ثم همس له بصوت هادئ منخفض :
” قبلها سأحضر لك كفنك عزيزي ”
ابتعد ليبتسم له أرسلان بسمة جانبية وهو ربت على كتفه يقول له بنظرات علمها أرسلان :
” تصحبك السلامة يا صديق”
ابتسم له أرسلان يتحرك صوب خيله يصعد عليه وهو يهتف بصوت لم يسمعه سوى إيفان وكهرمان :
” سأعود مجددًا يا قذر …”
وبهذه الكلمات ختم أرسلان وجوده في سفيد لينطق بسرعة البرق مع جنوده صوب المملكة بعدما هتف بصوته الجهوري بهم يحثهم على الرحيل :
” لنتحرك يا رجال ”
وهكذا ابتعد أرسلان الممازح المستفز، ليعود أسد مشكى الجاد الصلب يقود رجاله صوب بلاده ليبدأ رحلته الطويلة في إعمار بلاد انهكتها الحروب ودمرتها يد الخراب …
تاركًا خلفه كهرمان تراقبه بأعين لامعة وشعور بالخواء، شعور غير إرادي سرعان ما بدأ ينسحب ويتلاشى حين شعرت بيد إيفان تضم يدها وهو يردد ببسمة :
” جاهزة لحياة جديدة جلالة الملكة ؟”
تنفست كهرمان بصوت مرتفع تحاول تجهيز نفسها نفسيًا لما هي مقبلة عليه، ثم ابتسمت له بسمة صغيرة مترددة تهز رأسها، ليشدد هو على كفها يهتف بصوت مرتفع آمرًا الجميع أمامه:
” أظهروا الترحيب لملكتكم يا رجــــــال ”
وبالفعل اعتدل الجميع بوقفتهم يرفعون السيوف في حركة ترحيبية منهم الملكة لتسير بينهم كهرمان وهي تحاول الاعتياد على هذه الحياة، عليها الاعتياد على حقيقة أنها الآن لم تعد أميرة مشكى، فقدت هذا اللقب واكتسبت لقب آخر بمسؤليات أكبر..
أضحت ملكة سفيد …
_____________________
” تدللي زمرد، هل هذا أمر صعب ؟؟ ”
نظرت له زمرد بعدم فهم وهي تلوح يخنجرها في وجهه بعدما اقتحم غرفتها عقب وصولهم من مشكى يطالبها بالجلوس معه في البداية ومن ثم بدأ يتجرأ ويطالبها بالدلال ؟؟ حقًا ؟؟
” ابتعد أيها الوقح للخلف، لقد علمت أي من الرجال أنت ؟؟”
نظر دانيار صوب الخنجر الذي تحمله بملل :
” كل هذا لأنني اطالبك بالدلال ؟؟ أتساءل إن طالبتك بقبلة ماذا سيكون مصيري ؟؟ إعدام بالرجم في ميدان عام ؟؟ ”
اشتد خجل زمرد من كلماته وهي تهتف بتوتر لشدة خجلها وقد بدأت يدها تهتز من حملها للخنجر :
” أنت…تأدب دانيار وإلا…”
” وإلا ماذا ؟؟ شكوتني للملك ؟؟ ستخبريه أن زوجك الوقح الحقير خرج عن الملة وطالبك بالدلال ؟؟ ”
صمت ثم قال بتفكير وجدية :
” جيد أنني لم اصرح برغبتي في رؤيتك ترقصين ”
انتفض فجأة بسبب صرخة زمرد وهي تهتف بصدمة من أفكاره التي بدأت تنحرف لاتجاه بعيد كل البعد عما تفكر هي :
” تراني ارقص لك ؟؟”
نظر لها بصدمة لصراخها، ثم رفع حاجبه يقول بسخرية لاذعة :
” يا امرأة لقد قابلتك للمرة الأولى ترقصين في الحديقة، هل اصبح محرمًا أن ترقصي لأجل زوجك، لكن لا بأس بعباد الله جميعهم ؟؟ أي منطق هذا !؟”
رفع اصبعها في وجهه وهي تردد بكلمات غير منتظمة لشدة خجلها من حديثه :
” اولًا هذا لم يكن رقص ولا بأي شكل من الأشكال ”
” أرأيتي أنا نقي كالاكسجين لدرجة أنني ظننت ما رأيت رقصًا، حسنًا لا بأس علميني كيف هو الرقص إن لم تكن تلك الحركات رقص”
توترت زمرد تقول بصوت خافت تكمل حديثها :
” ثانيًا، لقد كانت الحديقة فارغة ”
” لكنني كنت هناك”
” هذا لأنك متلصص منحرف، لكن لم يرني أحدهم عداك ”
” هذا من حسن حظك وحظه ”
ولم تكن الجملة الأخيرة بنبرة ممازحة أو لينة كعادته، يا كانت مخيفة بحق ، لكن سرعان ما لانت مجددًا يقول ببسمة واسعة :
” إذن ستعلمينني كيف يكون الرقص ؟! اعدك بالتزام الصمت ”
نظرت له ترفع حاجبها وهو فقط ينظر لها بكل براءة وبسمة واسعة ترتسم على فمه ينتظر رفضها ليستفزها مرة أخرى ويرى حمرة وجهها ويستمتع بها كما العادة، لكن ما لم يتوقعه هو كلماتها التي خرجت منها بعدما اخفضت الخنجر تنظر له نظرات غريبة وهي تقول :
” لك ذلك …”
سيكون كاذبًا إن قال أنه لم يُصدم في هذه اللحظة، لكن هذه الصدمة تلاشت بسرعة أو تداركها وهو ينظر لها بسعادة كبيرة يردد بحماس طفل على وشك نيل هدية العيد :
” أصدقًا ما تقولين زمردتي ؟؟”
هزت رأسها له تبتسم بسمة واسعة، ليسارع بالقول وهو يرفع حاجبه مبتسمًا بخبث :
” الآن ؟؟ لدي كتيبة لتدريبها، يمكنني إلغاء ذلك والجلوس هنا طوال اليوم إن أردتِ”
لكن كل هذه الحماسة مُحت في ثواني وهو يراها تقترب منه تقول بهدوء وبسمة :
“ليس اليوم ”
التوى ثغره بحنق يقول :
” إذن متى ؟!”
” يوم أُزف لك دانيار ”
” عفوًا منكِ ؟!”
” يوم زفافنا دانيار ”
تشنجت ملامح دانيار بغيظ شديد وقد شعر فجأة أنها حطمت جميع آماله التي كان يحلق بها عاليًا ليسقط بقوة ارضًا وتكسر عنقه لشدة السقطة :
” ماذا تفضلتي ؟؟ يوم زفافنا ؟؟ لماذا التشويق إذن إن لم يكن الآن يا امرأة، يا الله لقد بنيت آمالًا واحلامًا تنافس الجبال طولًا ”
تراجعت زمرد للخلف بصدمة من انفعاله هذا وهو لم يصمت لها بل أخذ يحرك إصبعه في الهواء باعتراض :
” لا سامحك الله زمرد، لا سامحك الله يا امرأة، لقد بنيت طموحات اسقطتيها فوق رأسي منذ ثواني”
ختم حديثه يتحرك للخارج بغضب شديد يتمتم بكلمات غير مفهومة تحت نظرات زمرد المصدومة التي ابتسمت بغير تصديق من ردة فعله، وهو فقط توقف أمام الباب قبل الخروج يردد بحنق شديد :
” انظري إليّ، سأذهب لاقضي نهاري بين رجال بوجوه جامدة ألقي السهام حتى تتحطم عظام كتفي، بدلًا من الجلوس هنا ومشاهدتك تتمايلين بدلال، واستخدم عضلات كتفي في التصفيق بدلًا من رمي السهام، لا سامحك الله يا امرأة ”
وبعد هذه الكلمات لم تسمع زمرد سوى صوت قرع الباب العنيف لتنفض للخلف بصدمة، تبعتها ضحكة صاخبة تهمس بغير تصديق لما آلت لها حالتها :
” يا الله مع أي نوع من الرجال علقت أنا؟؟؟”
____________________
تحركت بين الممرات وهي تحمل بين يديها حقيبة وسلة أخرى مبتسمة، تحيي هذا وذاك، ولا أحد كالعادة ينظر لها حتى، كانوا كالتماثيل تمامًا لا يبصرون ولا يسمعون، وهي كانت في البداية تغضب لأجل هذه التصرفات، لكن الآن لا تفعل فقد اعتادت الأمر وهذا التجاهل، أو بالأحرى احترامهم وعدم رفعهم أبصارهم في النساء، لكلٍ طريقته في الاحترام وهي تتقبلهم جميعهم، حسنًا هي تتقبل كل شيء طالما كان ينتمي له، وهذا عالمه إذن تتقبله بعيوبه قبل مميزات طالما أنه ملحق باسمه، طالما أنه عالم سالار …
وعلى ذكر رجل الكهف الأرقى في حياتها، وسيد الرجال في فلكها، ابتسمت تبارك بسمة واسعة من أسفل غطاء الوجه تتحرك كالفراشة بين الممرات تحمل له الفطور سعيدة، لكن وقبل أن تذهب لتعطيه له، قررت الانتهاء من شيء في البداية قبل كل شيء …
وصلت صوب المشفى لتقتحمها وقد اقتحمت ذكريات اول مرة جاءت هنا وتوبيخ سالار لها لأجل دخول مشفى الرجال، وحسنًا هو حتى الآن يفعل نفس الشيء ولا يسمح لها بدخولها إلا في حالات الطوارئ عدا ذلك فقد تسلمت وظيفتها مع طبيبة القصر تساعدها ..
لكن هي هنا لسبب آخر غير ذلك ..
” صباح الخير مهيار ”
وصوت في عقلها هتف بنبرة خشنة ( طبيب مهيار ) وكأن ضميرها تلبس ثوب سالار لتسرع وتقول :
” اقصد طبيب مهيار، مرحبًا”
رفع مهيار عيونه صوب تبارك يقول ببسمة :
” مولاتي ؟!”
ابتسمت له بسمة لم تظهر بسبب غطاء وجهها:
” لم أعد مولاتي مهيار ولم أكن يومًا، كهرمان هي الملكة الآن”
ابتسم لها مهيار يقول وهو يحرك كتفه بهدوء :
” لكنك في النهاية أميرة زوجة احد رجال العائلة الحاكمة هنا، لذا لا ضير في بعض الالقاب ”
ابتسمت له تتحرك صوبه ثم وضعت حقيبة بيضاء بلاستيكية على المكتبة وهو نظر لها بعدم فهم يلتقطها يقرأ الاحرف عليها باهتمام وفضول :
” صيدلية دكتور طارق مكاوي ؟؟”
رفع عيونه لها لا يفهم ما هذا :
” لا أفهم ؟؟”
أشارت هي برأسها له وهي ما تزال تحمل سلة الطعام بيدها الأخرى تقول ببسمة :
” فقط أفرغ محتوياتها، هذه أدوية مهدئة للتشنجات التي تصيب ليلا، فكرت أن أحضرها لك معي لتجربتها وإن أظهرت تحسنًا في حالتها، سوف نكلف صامد وصمود لاحضارها مع ادويتي كل شهر إن أردت ”
نظر مهيار بذهول صوب الحقيبة البلاستيكية وهو يشعر بالصدمة من حديثها، لقد ذهبت لتحضر علاجًا لحالتها ورغم ذلك تذكرت زوجته، رفع عيونه لها والتي كانت قد امتلئت بالامتنان يبتلع ريقه مرددًا :
” أنا … أنا عاجز عن …عاجز عن الحديث، أنا…”
صمت يحاول تجميع كلماته وقد شعر بالأمل بعدما كان يجلس منذ ثواني يحمل هموم العالم فوق كتفيه لتفكيره بليلا وما تعانيه .
التمعت عيونه يهمس لها بشكر عجز عن التعبير عنه بشكل جيد :
” أشكرك لقد …لقد اسديتي لي للتو صنيعًا والله لن اوفيكِ حقك في رده، فقط أنا أدين لكِ بحياتي سمو الأميرة ”
شعرت تبارك بالسعادة تملئ صدرها لقد نسيت هذا الشعور منذ شهور، شعور التقدير حين تساعد أحدهم، ذلك الشعور الذي كانت تناله مصحوبًا بدعوة أم بشرتها بنجاة وليدها، أو ابنة بشرتها بصحة والدها .
” فقط جربه في البداية ثم اشكرني لاحقًا مهيار ”
” حتى إن لم ينجح الأمر، يكفيني أنكِ تذكرتي ليلا، أنا أدين لكِ بالكثير، رجاءً إن شعرتي يومًا بأنني قادر على مساعدتك في شيء لا تترددي ”
ابتسمت له تشكره، ثم قررت التحرك بعدما أخبرته سريعًا الطريقة التي أخبرها بها الطبيب الصيدلي، ومن ثم خرجت وهي تبتسم بسعادة، ما أجمل تلقي الثناء من الناس و ما ألطف مهيار!
فجأة توقفت بسرعة قبل أن تصطدم في المدفعية التي كادت تعبر فوق جثتها، تلتصق في الجدار خلفها بسرعة تبتعد عن طريقه، بينما تحرك دانيار بجدية وعصبية صوب غرفة مهيار وهو يردد دون حتى أن ينظر لها :
” معذرة منك يا آنسة ”
لم يكن منتهبًا لمن يتحدث ولم يهتم في الواقع، يا فقط توجه صوب مكتب شقيقه لترمش تبارك من أسفل غطائها وهي تردد بصدمة تتحرك للخارج :
” صحيح البطن قلابة”
وفجأة وبكل بساطة تجاهلت كل ما يحدث عداه هو …
ذلك الرجل الذي يقف هناك بين الرجال بملامح صخرية جامدة مخيفة من بعيد ومن قريب للحق، محببة لقلبها .
ابتسمت دون وعي تتأكد أن غطاء وجهها يخفي ملامحها كي لا يصب رجل الكهف خاصتها غضبه عليها .
اخذت تتأمل به بكل بلاهة وهي تضم سلة الطعام لها دون وعي ودون اهتمام بشيء .
بينما عند رجل الكهف خاصتها، كان يدور بنظره بين الجميع وهو يهتف بنبرة شبه جامدة :
” من قال أن عدوك انتهى للأبد ؟؟ ربما هو فقط ينتظرك لتضع سلاحك وتسترخي حتى يعلن عن مولد جديد له، لا تمنح لنفسك فرصة الاسترخاء إلا في قبرها، تحفز طوال الوقت لأي همسة جوارك، و….”
توقف عن الحديث حين أبصرت عيونه جسد امرأة يبعد عنهم بضع خطوات، جسد يدركه جيدًا ولو غطته هي بخيمة وسارت بها ..
والأدهى أن هذا الجسد لم يكن يقف بشكل طبيعي .
إذ كانت تبارك تحاول أن تقف على أطراف أصابعها كي تظهر لزوجها من خلف كل هذه الأجساد الضخمة، إذ كان الجميع يعطي لها ظهروهم عداه هو فقط الذي يواجهها، اخذت تلوح بيديها وهي تحاول أن تقف على أطراف أصابعها ليبصرها .
وهو فقط ابتسم دون وعي يمسح وجهه بيأس يراها تلوح له وكأنها تلقي التحية على رفيق لها :
” يا الله متى تتوقف هذه المرأة عن تلك التصرفات ؟؟”
انتبه الجنود لنظراته التي تركزت خلفهم وقبل أن يستدير أحدهم نصف استدارة هتف هو بقوة وبكلمات صارمة :
” انتباه ..”
نظر الجميع له بسرعة وهو قال يمنع أحدهم من رؤية زوجته وهي تقفز بهذا الشكل :
” اعتقد أن ما قلت منذ دقائق واضح للجميع، أي سؤال؟!”
هز الجميع رؤوسهم بالنفي، ليهز هو رأسه يشير صوب تميم الذي اقترب منهم بجدية وبخطوات قوية :
” تميم تولى الاشراف حتى اعود، عودوا للتدريبات ”
ختم حديثه وهو يتحرك بسرعة صوبها يشمر اكمامه يشير لها برأسه أن تتوقف وهي بمجرد أن أبصرته يقترب حتى اتسعت بسمة غير مرئية له تمد يدها له بالطعام وكأنها بذلك تحبط أي غضب كان يمكن أن ينبثق منه لاقتحامها منطقة الرجال .
” احضرت لك بعض الطعام سالار”
هل عليها أن تكون بهذا اللطف حقًا ؟؟
تنفس بعنف وغيظ شديد وهو يمسك معصمها بلطف، ثم سحبها جانبًا يوبخها بغيظ شديد :
” كم مرة أخبرتك أنني لا أحبذ أن تأتي لمنطقة الرجال ؟؟”
” كثير من المرات، لكن أنت قلت أنك لا تحبذ، ولم تمنعني بكل صراحة ”
” إذن أنا امنعك وبكل صراحة تبارك ألا تخطين تلك المنطقة الملغمة بالرجال مجددًا، يا الله لا امرأة في هذا القصر تتجرأ على الاقتراب لهذه المنطقة وأنتِ تأتين لها اكثر من ذهابك لغرفتك ”
ابتسمت وهي ترفع الغطاء عن وجهها تقول بجدية :
” هذا لأنك تقضي الكثير من الوقت هنا، صدقني إن قضيته مثلًا في مكان آخر سأتوقف عن المجئ هنا والحقك للمكان الآخر”
رفع حاجبه يرى جدالها له، وهي التي لم تكن تتحدث معه سابقًا سوى ببعض الكلمات الحانقة أو الحزينة، لكنها في النهاية كانت محرك كلمات تعبر عن البلاهة، والآن تجادله بشكل عقلاني .
وكل ما استطاع فعله هو أنه ربت على رأسها بفخر :
” أنا فخور بكِ، اصبحتي شخص عقلاني يجيد الرد على الأحاديث بشكل صحيح تبارك، فخور بكِ فخر الآباء بصغارهم ”
اتسعت أعين تبارك والتمعت بقوة تقول :
” حقًا ؟!”
” نعم حقًا ”
وفجأة تلاشت بسمته يقول بصرامة مريبة لا تمت لحنانه ولا كلماته السابقة بصلة :
” والآن تحركي خارج منطقة الرجال قبل أن أمرهم بوضع لافتة تمنع دخولك على بداية المنطقة ”
رمشت دون فهم قبل أن ترفع الطعام أمامه تردد نفس الكلمات مجددًا وبكل براءة جعلته يشعر كم هو حقير ليتعامل بهذا الشكل مع هذه القارورة القابلة للتهشم :
” لقد أحضرت لك الطعام، فأنت لم تتناول الطعام منذ عدنا ”
نظرت صوب سلة الطعام قبل أن يتنهد مبتسمًا :
” شكرًا لكِ عزيزتي، كنت اتضور جوعًا حقًا، جزاكِ الله عني خيرًا بركتي ”
ختم حديثه يميل على رأسها مقبلًا بحنان، ثم اعتدل يردد بجدية :
” والآن تبارك تحركي للخارج رجاءً، ومرة أخرى إن أردتِ التواصل معي ارسلي لي احد الجنود وأنا سآتي لكِ اتفقنا ؟”
” لكنني افضل مشاهدتك تتدرب ”
” لا بأس سأحضر سيفي واتدرب أمامك كل يوم قبل النوم إن أردتِ ؟؟”
” حقًا ؟؟”
هو كان يمزح، لكن إن كان هذا سيسعدها ويجعلها تختفي الآن من هذه المنطقة الملغمة بالرجال، فسيوافق :
” نعم..”
صمتت ثواني تطيل النظر له بشكل جعله يتعجب معتقدًا أنها لم تنتبه لكلماته، لكنها فاجئته تقول :
” اشتقت لقتالك سالار ”
ارتفع حاجب سالار شيئًا فشيء ودون أن يشعر اتسعت بسمته بقوة وقد شعر بالحماس لهذه الفكرة، منذ متى لم يقاتلها؟! يعترف أنه اهمل الأمر، عليه أن يتأكد إلى أي مستوى وصلت هي .
قاطعت افكاره تقول باستفزاز مبتسمة :
” اشتقت لأذيقك الهزيمة ”
رد لها البسمة بالمثل يجيب بنبرة ذكرتها بسالار القديم الذي لا يزال مساحة من عقلها وقلبها حتى الآن رغم احتلال النسخة الحنونة لجزء كبير منهما بالفعل :
” إذن المساء موعدنا …..مولاتي ”
__________________
” انتباه، ملكة البلاد الملكة كهرمان تدخل القاعة الآن”
نهض جميع رجال البلاد والمستشارين وكذلك الجنود وكل من له شأن، الجميع نهض لأجل استقبال ملكة البلاد للتتويج على مملكتهم .
كانت تتحرك وهي تخفض رأسها تسير بفستان فضي اللون، تحاول أن تتلاشى النظر لأحدهم كي لا تتوتر، لكن وحينما أبصرت نظرات زمرد لها والتي منحتها بسمة واسعة تشجعها، حتى بادلتها بأخرى تبصر تبارك وبرلنت وليلا ينظرن لها باحترام وتقدير .
وكل ما فعلته أنها هزت رأسها لهم، ثم انتبهت تنظر أمامها تثبت عيونها عليه، كان هو قد نهض عن عرشه يرتدي ثيابه الملكية الرسمية يرمقها ببسمة ..
وهي سارت وقد تطاير حجابها الطويل خلفها تبادله البسمة بأخرى هادئة وبمجرد أن وصلت له توقفت أمامه تمسك طرف ثوبها تميل نصف ميلة قائلة بهدوء :
” مولاي ..”
وهو فقط وضع يده على صدره يميل لها كذلك مرددًا ببسمة يتذوق لقبها الذي تعهد يومًا على منحها إياه:
” جلالة الملكة ..”
استقامت هي تنظر لعيونه وهو منحها نظرة دعم، ثم مد لها يده لتضع هي كفها بين كفيه ليتلقفه ويشدد عليه بقوة وحنان مناقض لقوته .
يجذبها لتقف جواره، ثم أبعد عيونه عنها بصعوبة يردد :
” اشكركم لتشريفكم لنا اليوم، لا يخفى عليكم أن رحلتي الأخيرة لمشكى لم تكن مجرد زيارة عادية لصديق عمري الملك أرسلان، بل كانت رحلة لطلب ود أميرة مشكى سابقًا، ملكة سفيد الحالية، لذا نحن هنا لاعلن زوجتي كهرمان بيجان ملكة رسمية للبلاد ”
وبعد هذه الكلمات ضجت القاعة بالتصفيق والتهاني والتبارك لكهرمان التي فقط كل ما استطاعت فعله هو هز رأسها لهم باحترام ومنحهم بسمة واسعة تردد بهدوء وشكر :
” اشكركم، أقدر لكم كلماتكم ”
كان إيفان يراقب ثقتها التي بدأت تنتشر شيئًا فشيء في جميع ملامحها لتستقيم وهي تنظر للجميع بهدوء وثقة .
أدرك في هذه اللحظة أنه لو جلس يرسم امرأة بكل المواصفات في عقله، يفصلها كما يحب ويرضى، والله ما خرجت بمثل هذه المثالية .
فجأة استدارت كهرمان له تنظر له بتعجب تحرك رأسها وكأنها تتساءل عن سبب نظراتها، وهو فقط ابتسم بسمته الجانبية، ثم نظر أمامه بكل هدوء يقول :
” فقط كنت أحسب عدد الأعوام التي احتاجها لتجاوز افتتاني بكِ ”
اتسعت عيون كهرمان بصدمة من تصريحه، تنظر له وهو ما يزال ينظر أمامه للجميع وقد اتسعت بسمته يجيب دون أن يبعد عيونه عن شعبه :
” وجدت أنني احتاج لأعمار عديدة لافعل، ولن أفعل”
ابتسمت بخجل شديد تخفض وجهها ارضًا تحاول تجاوز ما قاله في الوقت الحالي على الأقل، فشعرت يقبضته تمسك يدها وصوته يردد :
” يومًا لا تخفضي بصرك ولو كان خجلًا مولاتي ”
رفعت عيونها تنظر في خاصته قبل أن تهز رأسها ببسمة واسعة، ثم استقامت تنظر للجميع وهي تحاول الثبات بعد هذا الحوار القصير وكل عقلها يدور في نقطة واحدة .
هذا وهي تقف مع بين الجميع، يا ويلي كيف ستتعايش مع فكرة وجودها رفقة هذا الرجل في مكان واحد ويجمعهما سقف واحد دون أن تذوب وتنهار ؟؟
وعلى بُعد صغير كانت تقف تراقب ما يحدث بأعين سعيدة وهي تشعر أن كلًا خلق ليحتل مكانته التي قُدرت له، بالله كيف ظن هؤلاء القوم يومًا أنها قد تصبح ملكة لسفيد؟؟ أين هي وأين كهرمان بثقتها وكبريائها ورقتها الذي ينضح من كل همسة وحركة.
” بما أنتِ شاردة ؟!”
استدارت صوب سالار ترى نظراته التي تركزت عليها، وهو فقط كان لا يهتم لكل ما يحدث، ولا يهتم لأحد سواها.
” فقط كنت أفكر أن كهرمان خُلقت لتكون ملكة، سبحان الذي يوزع الأرزاق، لا اعتقد أنني كنت سأصلح لهذا الدور بأي شكل من الأشكال ”
امسك سالار كتفها يجبرها على الاستدارة ومواجهته ليقول بصرامة :
” جيد أن يدرك كل امرئ قدر نفسه، لكن هذا لا يعني أن تقللي من نفسك، لن أسمح لأحد أن يقلل منكِ ولو كنتِ أنتِ شخصيًا، أنتِ وإن وضعتي في مكانة ملكة والله ما كان للعرش من ملكة بعدك، أنتِ عزيزتي اثبتي وعن جدارة أنكِ تليقين بكل دورٍ وضعتي به”
صمت ينظر لعيونها بجدية كي يدخل الكلمات في عقلها ويعلمها قدر نفسها :
” جئتِ عالم لا تنتمين له، أُجبرتي على أمور لا تفقهيها كحمل السيوف والسهام والفروسية، لكن هل فشلتي ؟!”
كادت تفتح فمها لتجيب، لكنه قاطعها بجدية وقسوة وكأنه عادل لنفس الرجل الذي كان يدربها قديمًا، الآن لم يكن سالار زوجها، بل كان معلمها:
” والله لم تفعلي، وليتجرأ أحدهم على قول عكس ذلك لاجزن عنقه، ما كان لتلميذتي أن تفشل، لقد نجحتي واثبتِ أنكِ تلميذة نجيبة، مقاتلة ماهرة، فارسة بارعة، وفتاة حنونة، وامرأة ذكية، أنتِ هي أفضل نساء هذا العالم، ضعي هذا العالم في عقلك، كي لا اجبرك على الأمر ”
تراجعت تبارك بضع خطوات للخلف وهي تراه يرمقها بتحذير، بل وتهديد وكأنه جاد، وما لم تعلمه هي أنه كان كذلك ..
ابتسمت تراقب نظراته تقول بجدية وهي تحدق في المكان حولها قبل أن تقترب منه في غفلة عن أعين الجميع المتوجهة لكهرمان وإيفان، تهمس بصوت منخفض وبخجل شديد .
” أنا أقدر كل ما ذكرته للتو سالار حقًا، لكن أنا ومن بين كل هذه الأدوار التي ذكرتها لي، لا يهمني سوى دور واحد فقط ”
نظر لها بفضول يقول ببسمة حين أبصر خجلها الواضح في عيونها الظاهرة من اللثام وقد كانت ترتدي لثامًا بنيًا يلائم حجابها .
” وما هو هذا الدور ؟؟”
أجابته دون تفكير :
” زوجتك ….”
___________________
وقد كان لتبارك ما تريد، فها هي تقف أمام المرآة تراقب نفسها ترتدي ثوب زفافها على سالار، لا تصدق أنها وصلت واخيرًا لهذا المشهد من قصتها الطويلة البائسة، هل كتب الله لها نهاية سعيدة كما قصص الاميرات التي كانت تشاهدها في طفولتها ؟؟
رمقت نفسها في المرآة ترتدي فستانًا من اللون الازرق يتداخل مع اللون الابيض بشكل مبهر، فستان لا تدري من أين أحضره سالار ولا كيف صُنع بهذه المهارة، لكنها فقط كانت تدرك أنه يلائمها بشكل مرعب، وإن أخبرها أحدهم أنها ستُزف يومًا لفارسها بفستان ازرق لكانت ضحكت، لكن هل تفعل الآن ؟!
طالت نظراتها بالمرآة وكأنها لا تصدق أنها تحدق بنفسها، نفسها الفتاة البائسة التي كانت كلما ابصرتها في المرآة قديمًا اشفقت عليها وعلى من سيضطر لتحملها، لكن سالار وخلال هذه الشهور جعلها تدرك أنها تمتلك أكثر مما ترى ..
وعلى ذكر تلك الفتاة البائسة التي كانت تراها في المرآة، تذكرت حديثها في المركب حين عودتها مع سالار للبلاد وهي تخبره عما حدث معها قديمًا حين تحطمت المرآة وخرج منها نورًا ساطعًا حتى ظنت أنه جني .
وكان رده حينها بسمة وكلمات ممازحة :
” اعذريها فربما لم تتحمل تلك المسكينة مقدار الجمال الذي انبثق منكِ صوبها ”
وقد كان هذا أكثر رد مبهر وتبرير عجيب قد تسمعه منه، لكنه اعجبها وللحق، وهو فقط ابتسم لها يضمها يفسر الأمر بكل بساطة :
” لكل شيء تفسير، لكن ربما كان هذا النور انعكاس لنور آخر، وتحطم المرآة ربما كان بسبب هشاشتها، فقط استعيذي بالله إن حدث معكِ شيء كهذا مجددًا احيانًا جهلنا ببعض الأمور نعمة ”
وفي نفسه كان هو يفكر في تفسير للأمر وشك أنه ربما المرآة هناك تمثل نفس وظيفة الكرة التي كان يصطحبها معه لعالمها، وعزم على مناقشة الأمر مع العريف .
أفاقت من شرودها بقوة على صوت فتح الباب وشهقات الفتيات التي خرجت بقوة حين أبصرن إطلالتها.
نبست كهرمان بانبهار متسعة الأعين:
” تبارك الرحمن، أنتِ مبهرة تبارك ”
استدارت تبارك صوبهم وهي تحدق بالفتيات بتوتر شديد :
” هل تعتقدون هذا ؟؟”
اندفعت لها زمرد تقول بسعادة :
” بل في غاية الجمال، يا ويلي اعتقد أن آن لهذه الصخرة التي ستتزوجين بها أن تلين ”
ابتسمت لها برلنت تهز لها رأسها موافقة على حديث زمرد وكذلك ليلا التي قالت بلطف :
” تبدين جميلة للغاية ”
التفت جميع النساء حول تبارك بسرعة يتأكدن أن لا شيء ينقصها وقد شعرت تبارك بالسعادة والألفة الشديدة، وتناست أنها في هذه المناسبة وحيدة .
وكيف تكون وحيدة وهي ستكتمل بعد دقائق بوجوده …..
_______________
أما عنه هو ..
تحرك في ممرات القصر يتبعه جميع الرجال، يرتدي الاسود الذي زاده هيبة فوق هيبته الفطرية، يتحرك مع الجميع صوب زوجته وقلبه يسبقه بخطوات، سينفذ وعده لها، سيزفها لنفسه، والله أنه يستحق مكافأة نفسه بعد كل سنوات عمره باهداء نفسه اغلى وأثمن القوارير .
توقف أمام باب جناحها يحاول التنفس بشكل طبيعي الأمر لم يكن سهلًا بأي شكل من الأشكال، وخلفه يقف جميع الرجال، الجميع يرتقب الخطوة الأولى التي سيأخذها صوب زوجته …
سيزفها لنفسه وخلفه يزفه أكثر رجال الممالك الأربعة شأنًا، جميع الملوك والعريف، الجميع جاء ليسير خلفهم ويزفونه مع زوجته .
تنفس بصوت مرتفع، ثم استدار صوب الجميع وكأنه يسألهم المعونة، ليتحدث إيفان وهو يدفعه بهدوء صوب الباب مبتسمًا يدرك كم يصارع نفسه الآن كي لا يقتحم الغرفة وينتزعها من بين الجميع، وفي الوقت ذاته يخشى أن تتهشم بين أصابعه لشدة مشاعره، أولم تكن هذه هي نفسها مشاعره :
” هيا تقدم يا أخي، خذ نصيبك من السعادة ”
ابتسم له سالار، ثم حرك عيونه بين الجميع ليتنحى جميع الرجال جانبًا بعيدًا عن باب الجناح وهو طرقه بهدوء يهتف :
” تبارك، هل انتهيتِ ؟؟”
سمع رد بصوت غيرها يأتيه، ومن ثم اصوات حركات من الداخل، حتى واخيرًا وبعد دقائق قصيرة فُتح الباب لتطل هي عليه، رفع عيونه ببطء حينما أبصر طرف الثوب الذي أحضره لها بنفسه، مرت عيونه ببطء عليه حتى وصل واخيرًا لوجهها الذي كان يختبأ أسفل غطاء من اللون الابيض اللامع، شعر بموجة مشاعر قوية تضرب جسده بأكمله ليتحرك ببطء صوبها وهي تنظر ارضًا تشعر بالأرض تدور بها، ثواني فقط انتظرت أن يصل سالار لها ليأخذ بيدها صوب الخارج، لكن وأثناء خفض نظرها ارضًا سمعت صوت شهقات مرتفعة حولها، ولم تفهم سبب تلك الشهقات حتى رأت جسد سالار أمامها على ركبتيه وقد أخرج سيفه يستند عليه قائلًا وهو ينظر لعيونها التي كانت تخفضها:
” هاكِ إعلان خسارتي للمعركة الرابعة والعشرين …”

google-playkhamsatmostaqltradent