رواية المتاهه القاتلة الفصل العاشر 10 - بقلم حليمة عدادي
بعد سماع صوت صرخاتهم انقطع صوتهم، شعرت الفتيات بالقلق والذعر، لم تتحمل “ماريا” أكثر من هذا، نظرت إلى “دينيز” وقالت:
“دينيز” خليكِ مع البنات، أنا هروح أشوف إيه اللي بيحصل.
هزت “دينيز” رأسها برفض والدموع في عينيها، وهي لا تقدر على التحدث وتهز رأسها بقوة، وتمسك بذراع “ماريا” بقوة تمنعها من الذهاب، ابتعدت عنها وتحدثت قائلة:
أنا قلت خليكِ هنا، أنا مش هتأخر، هبص عليهم من الباب وهرجعلكم.
هزت “دينيز” رأسها بالموافقة، قلبها كان يرتجف خوفًا من أن يكون قد أصابهم مكروه.
مدت “ماريا” الخُطا حتى وقفت أمام الباب، فتحته بيدٍ مرتعشة ثم دخلت إلى داخل المنزل، كانت تتفحص المكان بعينين خائفتين، توقفت قدماها عن الحركة واتسعت حدقتاها، وزادت ضربات قلبها حين وجدت “جان، ورام” ساقطين على الأرض دون حراك، جثت بجانبهما على ركبتيها، وبرعب نادت بصوتٍ مرتجف:
جان، رام، افتحوا عينيكم حصلكوا إيه.
انتفض جسد “رام” بقوة وفتح عينيه، قفز بفزعٍ حين تذكر ما حدث، أمسك يد “جان” وهزَّه بقوة:
جان، فوق علشان خاطري، جاااان، ماريا، ساعديني نطلعه بره.
اقتربت منه “ماريا” وحملاه للخارج وهو فاقد وعيه، عندما رأتهم “دينيز” وهما يحملانه شعرت بأن قلبها توقف، نزلت دموعها، وضعاه على الأرض حاولا معه كي يستفيق، جلست “دينيز” بجانبه، أمسكت يده فنزلت دمعة من عينيها على خده، تحركت رموشه وفتح عينيه، وعندما اتضحت الرؤيا أمامه بدأ بتذكر كل ما حدث معهما، نهض بذعرٍ وجلس أمامها، نظر إليها وانتبه إلى دموعها التي بلَّلت وجنتيها، أمسك بوجنتيها بين يديه مسح دموعها، تحدث قائلًا بحب:
أنا قلتلك متعيطيش يا ذات العيون الغزال، دموعك دي بتوجع قلبي، أنا كويس متخافيش.
ابتسمت بخجلٍ من غزله المستمر حتى وهما وسط كل هذا الرعب، تنهدت بتعبٍ ونظرت إلى “ماريا” الغاضبة، وضحكت بخفوت، تحدثت “ماريا” قائلة:
احم، احم، رميو، أظن دا مش وقته، قولولنا حصل معاكم إيه جوا؟
تنهد وهو يشعر بالتعب متذكرًاّ ما حدث، ثم تحدث قائلًا:
لما دخلنا الوضع كان عادي، فجأة قبل ما نعمل حاجة ظهرت قدامنا ست منعرفش خرجت منين…
قاطعت “ماريا” حديثه قائلة:
ما يمكن تكون عايشة في البيت وأنتوا مأخذتوش بالكم منها.
هزَّ “رام” رأسه برفض، وبدأ يخبرهم وهو يتذكر شكلها جيدًا، وجهها كان مشوهًا بشكلٍ مرعب وعليه دماء، شعرها أشعث مختلط بالأبيض والأسود عليه حشرات، وعيناها بيضاوان كصحن لبن، وتذرف منهما قطرات دماء، ملابسها ملوثة بدماء حتى لم يعد يظهر منها شيء.
شعروا بالرعب من وصفه لهذه السيدة، بلعت “ماريا” ريقها وسألته برعب:
عملت فيكوا إيه؟ لما دخلت لقيتكوا مرميين على الأرض.
بدأ يتذكر عند دخولهما عندما بدأت تقترب منهما ببطء، وهما يشعران أنهما مقيدان لا يقدران على الحركة، وصوتهما يأبى أن يخرج من فيهيهما، حتى وقفت أمامهما مباشرةً ونظرت إلى أعينهما، وبعدها سقطا أرضًا، مع تذكره لكل ما حدث وهو يخبرهم، أكمل كلامه ووقف بجسدٍ منهك متعب، تحدث “رام” قائلًا:
خلونا نمشي من هنا، كل مكان في المتاهة دي خطر.
تحركوا والتعب ظاهر عليهم بسبب قلة الأكل والشرب، ابتعدوا عن المكان قليلًا مشوا وحين نال التعب منهم جلسوا كي يلتقطوا أنفاسهم، حل الصمت في المكان من شدة تعبهم لم يتحدث أحد منهم، قطع صمتهم صوت “جان”:
أنا عايز أقولكم على حاجة، مش عارف هخرج من هنا عايش أو ميت، ومش عايز حاجة تبقى بقلبي.
غضب “رام” من حديثه، فهو ليس له غيرهم كيف يقول سيموت حقًا! الموت حق، الدنيا لا تدوم، ولكن لا يريد خسارتهم في هذه الظروف، سوف يبقى يتحسر عليهم طوال حياته ويلوم نفسه أنه السبب، هو من اختار هذه المغامرة، تحدث “جان” قائلًا:
لا يحمي المرء من الموت إلا أجله.
ثم نظر إلى “دينيز”، فهي صديقته وابنته التي نشأت أمام عينيه، بل بين يديه، كان بارعًا باحتوائها في كل لحظة، فرق السن بينهما ليس كبيرًا، لكنه كان السند والأب والأخ بالنسبة لها، أفاق من شروده على صوت “رام” يناديه، ولكنه كان في عالم آخر أسرته فيه:
معلش سرحت شوية في الماضي.
إيه هي الحاجة اللي افتكرتها خلتك تسرح؟
تذكر ذلك اليوم الذي دخلت فيه “دينيز” الملجأ، كانت صعبة التعامل، ولكن معه كانت شيئًا آخر، كانت ابنته المطيعة، كبرت بين يديه رغم صغر سنه، ابتسم وهو يروي لهم عن حياته مع “رام، ودينيز” في الملجأ، كانوا أكثر من الإخوة، كانوا سندًا لبعضهم، ابتسموا وهم يتحدثون عن ذكرياتهم الجميلة، تحدثت “دينيز” بدموعٍ قائلة:
كنتوا سند ليا، إخواتي وكل حاجة حلوة في حياتي.
أنا قلتلك مش عايز أشوف دموعك دي، امسحي دموعك.
جان، قلنا أنت بتفكر بإيه؟ عايز تقول إيه؟
أخذ نفسًا عميقًا وهو يريد إخبارهم بما في قلبه، فهي طفلته وحبيبة قلبه، تحدث وهو يعترف بحبه لها أمامهم تحت خجلها، وطلب منهم إن حدث له شيء أن يهتموا بها ولا يسمحوا لعينيها أن تدمعا.
رام، لو حصلي حاجة خلي بالك من دينيز، متسبهاش.
انت بتقول إيه! أنت ودينيز لبعض، وهتكونوا لبعض.
راودتها نفسها عن فك حصار صمتها، ولكن كانت لغة الأعين تتحدث بدلًا من لسانها، نظرت إليه بعينين تلألأت فيهما الدموع، وهي تخبره أن لا حياة من دونه، إن ذهب فسوف تذبل، مهما حدث فهو ملجؤها الوحيد، كم آلمته تلك الدموع التي تُذرف، شعر بقلبه يؤلمه وغضب من نفسه، لأنه سبب تلك الدموع اللعينة، انتشلهم من صمتهم صوت “ماريا” قائلة:
حبكم لبعض حاجة حلوة، احنا هنخرج من هنا، وهنعملكم فرح حلو أوي، متيأسوش.
أيوا، هيكون فرحكم أسطوري الناس كلها هتتكلم عنه.
بتمنى إننا نخرج من هنا، ومش هروح معاه تاني لأي مغامرة.
التفت لها والابتسامة تزين ثغره، وهمس بكلماته التي تكسوها بالأمان، وتشعرها بالسند، تحركت جانبه تمسح دموعها وتبتسم بخجل، ساروا في طريقهم لا يعلمون ما القادم.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية المتاهه القاتلة) اسم الرواية