رواية ميثاق الحرب و الغفران الفصل العاشر 10 - بقلم ندى محمود
(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل العاشر _
لم يجيب على عبارة المأذون واكتفى بإماءة رأسه الخفيفة في أدب وبوجه تعتليه معالم الخنق.. ليستقيم المأذون واقفًا ويقف معه ابرهيم الذي مد يده يصافحه ويشكره بود :
_ متشكرين يامولانا
ابتسم له الرجل بتكلف وجذب حقيبته وأوراقه وغادر المنزل بأكمله، ليهب عمران من مقعده بوقار ويتنقل بنظره على وجوه جميع عائلتها الجالسين حولهم.. كان الخزى والاستياء مرسوم بدقة فوق صفحة وجههم وهو يتطلعون له بسخط ولابنتهم بخزي، فتنفس الصعداء بهدوء مريب ورفع يديه لعباءته البنية يلقيها فوق كتفيه بثبات وارسل لآسيا نظرة مرعبة وهو يهتف :
_ يلا
ولم يتثنى لسماع أي رد سواء منها أو من غيرها حيث اندفع تجاه باب المنزل ولحق به بلال الذي كان معهم بينما إبراهيم فظل واقفًا ينتظرها أن تخرج أولًا ليتبعها.. لكنها تسمرت بأرضها والقت نظرة أخيرة كلها حسرة وعتاب على عائلتها، دارت بعيناها على وجوههم جميعًا فوجدتهم يشيحون بنظرهم عنها في نفور؛ فأطرقت رأسها بألم واستدارت تقود خطواتها الثقيلة تجاه باب المنزل.. تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها قبل أن تخطو قدماها لخارج منزلها الذي لن تخطو إليه مجددًا، داخلها صرخة كلها قهر وعجز تود اطلاقها قبل أن تقتلها تدريجيًا .
وصلت للباب وتوقفت عندما رأت حقيبة كبيرة، كانت حقيبتها فقد قاموا بجمع جميع ملابسها وأشيائها بها حتى لا يتركوا لها حتى مجرد أثر.. ابتسمت بمرارة وانحنت تهم بحملها لكنها وجدت إبراهيم ينحني ليحملها هو عنها فرمقته شزرًا وهتفت بحدة :
_ أنا هشيلها مش محتاچة حد
طالعها هو ببعض الاستنكار وانتصب في وقفته يتابعها وهي تحملها بصعوبة بسبب ثقل حجمها.. ثم التفتت برأسها للخلف تودع ذكريات طفولتها ورائحة أبيها التي لم تغادر المنزل منذ وفاته وانهمرت معها دموعها لكنها لم تقف كثيرًا حيث استدارت وتابعت طريقها للخارج ولحق بها إبراهيم .
بقت جليلة عيناها عالقة على الباب وهي تذرف الدموع بغزارة فخرجت همسة موجوعة نابعة من صميمها:
_ بتي راحت مني خلاص
وداهمها شعور بالدوار وقدماها ارتجفت ولم تعد قادرة على الوقوف فمالت للجانب تسقط فوق جلال الذي امسك بها بسرعة هاتفًا بقلق :
_ أما أنتي كويسة ؟
راحت تبكي بنحيب مسموع وقلب منفطر:
_ عملتي في نفسك إكده ليه .. هي دي تربيتي ليكي يا آسيا .. بتي راحت
راحت تكرر عبارتها الأخيرة وهي تبكي بعنف في عدم حيلة فارتفع صوت منصور وهو يصيح :
_ بتبكي عليها ليه ياچليلة دي فاچرة حطت راسنا في الطين، تحمد ربها أننا مقتلنهاش وغسلنا عارنا، معدش عندينا بت اسمها آسيا خلاص ماتت
اشتعلت عيني جلال بغضب من صياح عمه على أمه ورمقه بنظرة مخيفة منذرة هاتفًا :
_ عــمــي.. متنساش أنها أمي يعني حاسب على كلامك وخصوصًا قصادي
هنا صدح صوت حمزة المرتفع وهو يصرخ بهم بعصبية:
_ معاوزش اسمع حس حد.. چوزناها وخلصت وكيف ما قال منصور اعتبروها ماتت.. وأنت ياچلال خد أمك وطلعها اوضتها خليها ترتاح شوية
تجاهل جلال كلمات جده وكذلك نظرات عمه الساخطة واحتضن أمه بذراعيه وسار معها تجاه الدرج يسندها لغرفتها بكل حنو وهو يقبل رأسها عدة قبلات متتالية.
***
توقفت أمام منزل ابراهيم الصاوي ورفعت نظرها لأعلى تتأمل المنزل المكون من ثلاث طوابق في قهر، هل أصبحت واحدة منهم الآن؟ ستخطو قدميها منزل الرجل الذي قتل والدها، كيف ستعيش معهم وتمكث بنفس الغرفة مع ذلك الرجل الذى يدعى زوجها، تمنت الموت في تلك اللحظة عله أهون من ذلك العذاب الذي هي مقبلة عليه.
بقت ثابتة بأرضها تتمعن النظر في باب المنزل دون أن تتقدم خطوة واحدة بقدمها للداخل لتسمع همسته الشيطانية في أذنها وهو يأمرها :
_ ادخلي ياعروسة .. أهلًا وسهلًا بيكي في الچحيم
رمقته آسيا بقوة وقالت وهي تهز رأسها بالنفي في رفض :
_ رچلي مش هتعتب البيت ده
ارتفع حاجبه اليسار باستنكار ولمعت عيناه بوميض مخيف مع هدوء مريب منه، فجأة شعرت بيده العنيفة تقبض على ذراعها ويجذبها معه عنوة للداخل، ولم يمهلها الوقت لتقاومه حيث بلمح البصر وجدت نفسها أصبحت بالداخل تقف وسط تلك العائلة الشيطانية التي تتجول بنظراتها النارية عليها في وعيد، لم تظهر لهم الضعف بل على العكس شدت عضلات صدرها وانتصبت في وقفتها ترفع رأسها للأعلى بشموخ وهي تتنقل بعيناها على وجوههم في قوة، رأت إخلاص تتقدم نحوها بتريث في عين ملتهبة وحين وقفت أمامها هتفت لها بغضب محذرة إياها :
_ اوعاكي تفتكري إنك هتفضلي كتير إهنه يابت چليلة قريب قوي ولدي هيطلقك وتغوري مطرح ما چيتي على بيت ناسك
التزمت آسيا الصمت للحظة بعدما تعرضت للهجوم والوعيد على لسان حماتها الآن، وبتلك اللحظات راحت تجول بعيناها على الجميع فرأت النظرات نفسها المستقرة في عيني إخلاص.. أدركت لحظتها أنها أذا لم تعود لحقيقتها وتخلع رداء العجز والانكسار وترتدي الجبروت والقوة لتصبح الساحرة الشريرة من جديد ستكون طعم سهل لهؤلاء الوحوش، وبالفعل لم يستغرق الأمر وقتًا حيث ألقت كل شيء خلف ظهرها ودفنت حزنها وألمها في ثناياها لتعود للحياة مجددًا وبقوة.
عادت بنظرها إلى إخلاص وابتسمت ببرود مستفز لتقول بتحدي دون أي ذرة خوف :
_ هدفنا واحد ياحماتي.. متخافيش أنا مش هقعد كتير في بيت قتالين قُتلة، ولو عاوزة ولدك يطلقني دلوك كمان يبقى ياريت
اختقن وجه إخلاص من الغيظ فور سماعها لعباراتها فرفعت كفها في الهواء وهوت به فوق وجنة آسيا وهي تصيح بها بغضب :
_ شكلك ناقصة رباية.. بس ولدي هيربيكي زين من أول وچديد أنتي لسا متعرفيش عمران
كان عمران صامتًا يحتفظ بطوفانه العاتي للجولة القادمة رغم أنها استفزته بشدة وأظلمت عيناه بشكل مرعب إلا أنه تمالك أعصابه أمام عائلته وملس على ذراع أمه بلطف هامسًا وهو يرمق آسيا بوعيد حقيقي :
_ خلاص ياما أنا عارف هتصرف معاها كيف
كانت نظرات آسيا شرسة لإخلاص تتوعد لها على تلك الصفعة واقسمت أن تردها الصاع صاعين للجميع، ولم تفق سوى على صوت عمران وهو يأمرها بصوت رجولي:
_ اطلعي قصادي
لم تزح بنظرها الساخط عن إخلاص فباغتها بصرخة انتفضت على أثرها:
_ اتحركي قصادي قولت
أجبرت على الخنوع له وسارت أمامه كما أمرها، تصعد الدرج وهو خلفها وبلحظة شعرت بيده للمرة الثانية تجذبها من ذراعها وهو يجرها معه كالبهيمة! ودت الصراخ مش فرط الألم الذي داهمها لكنها لم تفعل وجسدت الثبات بمهارة.
رغم أن مرت سنين على عدم دخولها لذلك المنزل إلا أنها تتذكر جيدًا كل تفاصيله وأجزائه، وكان هو يجرها نحو غرفته وفور وصولهم دفعها للداخل ولحق بها ثم أغلق الباب، رسخت قدمها بالأرض ولم تتحرك أنشًا واحدًا وراحت تتطلعه بتحدي يليق بها، فوجدته ينقض عليها كالأسد يقبض على فكيها ويصرخ بها بصوت جهوري سرت رجفة بسيطة بجسدها على أثره:
_اللي حُصل تحت ده لو اتكرر تاني اترحمي على روحك يا آسيا، طول ما أنتي قاعدة إهنه حسك مسمعهوش تعتبري نفسك خرسة، وياويلك لو رديتي على أمي إكده تاني
رغم الخوف الذي داهمها للحظة إلا أنها لم تخضع حيث دفعت يده عنها بقوة وصاحت بعصبية:
_ أنا مبتهددش ياعمران ومبخافش
كانت صرخته التالية أقوى واعنف حيث اخرستها تمامًا:
_ حسك ميعلاش عليا، أنا مش أخوكي ولا چدك اللي بيطبطوا عليكي.. وإذا كان هما معرفوش يربوا بتهم زين فأنا عارف كيف هربيها.. أنتي إهنه تقولي حاضر ونعم وبس والكلمة اللي أقولها تتنفذ ولو فكرتي تكسري كلمتي تبقي چنيتي على روحك
انعقد لسانها وسكتت ليس خوفًا لكن صمت مدروس يحمل الوعيد والنقم عليه، حين لم يجد رد منها هدأ وهتف منذرًا إياها بنظرة حادة:
_ رچلك متعتبش برا عتبة الأوضة دي.. ومحدش يعرف احنا اتچوزنا ليه حسك عينك تغلطي بلسانك مع حد في البيت إهنه وتقولي على الصور فاهمة ولا لا
لم تجيبه وعيناها كانت ثابتة عليه تطالعه بغل ولم يصر هو على سماع إجابتها فقد وصلت رسالته بالنسبة له، حيث استدار وغادر الغرفة تاركًا إياها حبيسة ذلك السجن المنفرد والجديد عليها.
***
داخل غرفة جليلة بمنزل عائلة خليل صفوان، كانت كامنة فوق فراشها وبجوارها جلال يضمها لصدره ويربت عليها بكل لطف تمامًا :
_ بزيادة ياما خلاص.. بتك غلطت وأنتي عارفة إكده زين وبچوازها منه احنا رحمناها من اللي هيچرالها.. كنتي عايزاها تفضحنا قصاد الخلق وتخلينا منعرفش نرفع راسنا بينهم تاني ولا إيه
كانت دموع جليلة تسقط بسكون فوق وجنتيها، رغم الغضب يوجد جزء منها مشفق وقلق على ابنتها حيث قالت :
_ تستاهل ياولدي أنا عارفة چابتلنا العار، أنا صعبان عليا اللي عملته في روحها وفينا، الله اعلم هيعملوا فيها إيه ناس ابراهيم الصاوي
تطلع جلال في الفراغ ورد بقسوة رغم أن باطنه لا يختلف كثيرًا عن باطن أمه:
_ ملناش صالح يعملوا فيها اللي يعملوه.. معدتش بتنا ولا نعرفها
استمرت في البكاء الصامت وهي بين ذراعين ابنها لدقائق، لكنها توقفت فجأة وابتعدت عنه تسأله باستياء:
_ لسانك مصمم وباقي على بت ابراهيم بعد ما تخلت عنك قصاد الكل وسابتك وبعد اللي عمله أخوها مع اختك وأبوها قتل أبوك !
لأول مرة يسمع أمه دون أن ينهرها بلطف ويعاتبها على حديثها السيء تجاه زوجته، هذه المرة كانت محقة ولم يتجرأ من الدفاع عنها، هو نفسه لا يسامحها ونيران الخزي تأكله كلما يتذكر أنها تخلت عنه ولم تكلف نفسها حتى عناء الاطمئنان عليه.
رأته جليلة صامت ويتمعن في اللأشيء أمامه بنظرات مشتعلة كقلبه تمامًا، فتنفست الصعداء مطولًا ورتبت على كتفه مطولًا متمتمة بجبروت:
_ فكر تاني في اللي قولتلك عليه ياولدي أنت مش هتفضل مربوط بيها إكده
رمق أمه بجمود لكن عيناه كانت مريبة لم تكن تحمل الرفض ولا الموافقة، الغموض وحده استطاعت رؤيته داخلهم وقبل أن تجيب عليه اقتحم عمار الصغير الغرفة وبرفقته معاذ، اقتربوا من جدتهم وجلسوا بجوارها على الجانب الآخر من الفراش يهتفون باهتمام وحنو:
_ كيفك ياستي إنتي زينة ؟
ابتسمت لهم جليلة بسعادة وراحت تضم كل منهم لصدرها لاثمة شعرهم بحب مفرط وتهتف بكل دفء:
_ زينة الحمدلله ياحبايب ستكم
تلفت عمار برأسه بين أبيه وجدته ليسألها بدهشة طفولية:
_ هو إكده خالي عمران اتجوز عمتي آسيا صُح ياجدتي ؟!
عبس وجه جليلة من جديد وأجابت بقهر على حفيدها:
_ أيوة ومعدتش عمتك خلاص ياعمار، انسى إن ليك عمة ياولدي
تجول الصغير بنظره بينهم مصدومًا من عبارة جدته وكان لمعاذ نصيب من الصدمة أيضًا.. ولم تمنحهم الكثير ن الوقت للاندهاش حيث توقفت رغم حالتها وقالت باسمة:
_ تعالوا عملالكم حاچة حلوة هتعجبكم قوي
ابتسموا الاثنين بفرحة وحماس ثم توقفوا ولحقوا بجدتهم للخارج تاركين والدهم يعاني الآم روحه وصراعات عقله، لم يعد قادرًا على الأختيار وبكلا الاختيارين التضيحة هي أول مطالبهم، ومن جهة أخرى هناك صوت سخيف بالنسبة له يستمر في بث ترهات بعقله عبارة عن أن شقيقتك بريئة وكانت صادقة، وبكل مرة يطرده بعنف من ذهنه ويختار تصديق المنطق وما رأته عيناه منصاعًا خلف جموحه، ليته ينصاع خلف قلبه هكذا فيما يخص زوجته!
***
كان بلال يبدل ملابسه بغرفته يستعد للخروج قبل أن تقتحم أمه الغرفة وتعلق الباب بكل هدوء ثم تقترب منه هاتفة ببسمة عريضة:
_ على وين ياولدي أن شاء الله
رد بلال على أمه بإيجاز وهو يقف أمام المرآة يقوم بتسريح شعره:
_ ورايا مشوار سريع وراچع ياما.. عايزة حاچة ؟
تقدمت منه أكثر عفاف وهي تبتسم بخبث وراحت تملس فوق كتفيه يحنو متمتمة:
_ عاوزة سلامتك ياجبيبي.. أنا بس كنت عاوزة اتكلم معاك شوية في حاچة مهمة يعني
غضن حاجبيها باستغراب من قسمات وجهها وطريقتها فترك الفرشاة من يده ثم استدار لها بجسده كاملًا وسأل بفضول حقيقي :
_ خير ياما موضوع إيه ده ؟
تنحنحت عفاف بخفة وعاينته بنظرها في دهاء وسط ابتسامة شفتيها المزينة وجهها، مما جعل القلق يتسرب لنفسه أكثر من تصرفاتها المثيرة للشك، ولم تتركه لفضوله كثيرًا حيث قالت بلهجة مدروسة:
_ مش عاوزني أشوفلك عروسة ياحبيبي وأفرح بيك عاد وأشيل عيالك !
ضيق بلال ما بين عيناه بدهشة ورفع حاجبه باستنكار لاقتراح أمه وعدم فهم لمبتغاها الخفى من تلك الرغبة المبكرة.. فقال ساخرًا بشك:
_ عروسة إيه ياما، أنتي بتتكلمي من عقلك صُح؟!!
اشتدت نبرتها للحدة وقالت:
_ شايفني اتچنيت ياواد ولا إيه!!
صحح بلال عبارته بسرعة في اعتذار:
_ لا مقصدش طبعًا حقك عليا ياست الكل
ابتسمت مرة أخرى باتساع وقال بحماس غريب تقرر نيابة عنه دون أن تسمع رده حتى:
_ زين، أنا خالتك كلمتني وقالتلي أنها تعرف بت قمر ومتربية وبت ناس في مصر عندها هما چيرانها وشكرتلي فيهم قوي.. هقولها تبعتلي صورتها عشان تشوفها وتقولي رأيك
اتسعت عينه بعدم استيعاب بعدما سمع مخطط أمه الكامل، هي وضعت أساس مستقبله حتى أنها جهزت عروسته حتى لا تدع له فرصة للرفض! .
ضحك بخفة وقال برقة تليق بنبرته الرجولية وهو يملس فوق ذراع أمه بكامل الحنو:
_ لا متقولهاش حاچة ياما، أنا معاوزشِ اتچوز وشيلي الموضوع ده من راسك دلوك
تلاشت ابتسامة عفاف حتى اختفت تمامًا وحل محلها الغيظ وهي تصيح به منفعلة:
_ ومعاوزش تتچوز ليه، هو عمران احسن منك في إيه ولا أنت أيه ينقصك عن واد إخلاص
أثارت غضبه عند ذكرها لأخيه وزواجه فهتف بعصبية ونبرة غليظة:
_ وهو ده چواز! ده أنتي بعنيكي شوفتي اللي حُصل تحت وعارفة أن عمران اتجوزها عشان الصُلح والتار، وهما الاتنين مطايقينش بعض
لوت عفاف فمها مستهزئة من سذاجة ابنها كما تظن وقالت بلؤم وثقة وهي تشير بسبابة يمينها من بداية ذراعها اليسار لآخر هاتفة:
_ اقطع يدي من إهنه لأهنه أما كان في حاچة مدارينها علينا.. حمزة صفوان وجلال ومنصور كيف يوافقوا بالسهولة ده على الچواز وينسوا التار وحق ولدهم
بلال بغضب وحزم شديد:
_ مفيش حاچة متدارية ياما.. وملكيش صالح بالحوارات دي أبوي قالكم التار خلص وعمران اتچوز آسيا وبقت مراته وحطي مية خط تحت مراته عشان متعمليش حاچة إكده ولا إكده
هتفت بقرف واستياء :
_وأنا هعملها إيه يعني، ما يولعوا في بعض أنا مالي بيهم
ظهرت ابتسامة متصنعة على وجه بلال وهو يقول بجدية امتزج ببعض اللطف:
_ حبيت أقولك عشان تاخدي بالك بس ياما ومتوقعيش في الغلط مع مرات أبوي وعمران وبالأخص آسيا أنتي عارفاها زين على ما أظن يعني
ابتعدت عفاف عن ابنها وهي ترمقه باقتضاب وتشيح بوجهها عنه كدليل على أنها لم يعجبها تحذيراته وتعليماته الحازمة، لكنه على العكس تمامًا انحنى عليها ولثم رأسها بمحبة مبتسمًا قبل أن يقول:
_ أنا ماشي لو عوزتي حاچة كلميني
لم يأتيه ردها وهو لم ينتظر حيث اتجه لباب غرفته فورًا وبقت هي تتابعه بمضض، أن اتبعت تعليماته واستمرت خارج كل الأمور ستتلطخ في الوحل مع أبيه إذا علم الجميع أنه هو المتسبب في قتل خليل ولن تسلم من تلك الساحرة التي تدعى آسيا .
***
منذ أن غادر وتركها بالصباح، جلست فوق المقعد الخشبي المتوسط أمام الفراش وأخذت تتجول بنظرها في أرجاء غرفته تتفحصها بتدقيق، الحوائط مطلية باللون الأبيض والأثاث باللون البني الغامق وبجوار الفراش من كل جانب كومود صغير فوقه لمبة مصباح تعطي اضاءة مركزة، كانت غرفة كلاسيكية بالكامل تعكس حياة رجل أعزب يقضي أوقاته وحيد بها.
كانت النيران تأكلها بعنف من فرط الغيظ، لا تطيق البقاء بتلك الغرفة للحظة واحدة، هي لا تنتمي لذلك المكان ولا لتلك العائلة ولا حتى لذلك الرجل المسمى زوجها، سيكون استسلامها وقبولها بذلك الوضع المخزى أكبر هزيمة ساحقة لها، خنوعها لرجل لا تريده ولا تحبه تحت رابط زواج تم لأسباب كاذبة وواهنة ليس من شيمها أبدًا.. ستتخلص منه ومن ذلك الزواج عاجلًا أم آجلًا.
رفعت رأسها بتلقائية بحتة أعلى الفراش لتسقط على الحائط الذي اعلى الفراش ورأت ساعة الحائط المعلقة وكانت العقارب تقف عند الرقم السابعة ونصف، اتسعت عيناها بصدمة لا تستوعب متى مر الوقت بهذه السرعة لتصبح السابعة مساءًا.. فوثبت واقفة فجأة وتلفتت حولها في الغرفة كأنها تبحث عن شيئ ثم توجهت نحو خزانته وفتحتها بقوة، راحت تجذب بابًا وراء الآخر من أبواب الخزانة كلها ولم تجد بهم شيء سوى ملابسه وأشيائه الخاصة، توقفت للحظة وارتخت عضلات وجهها تتطلع بالخزانة وملابسه شاردة الذهن، من المفترض أن يكون زوجها وهذا منزلها لكنها لا تملك شيء واحد خاص بها، هي كالزهرة التي وضعت بغير بيئتها المناسبة، سرقوا منها سعادتها وأحلامها كأي فتاة تتمنى زواج سعيد برجل تريده وتألفه.. تختار منزلها وترتدي فستان زفافها، حُرمت من أبسط حقوقها كفتاة والآن موكلة بمهمة التعايش والقبول بالأمر الواقع، تدفع الثمن لذنب لم تقترفه! .
شعرت بسخونة فوق وجنتيها ولم تكن سوى عبراتها التي انهمرت بغزارة دون أن تشعر، فأظلمت عيناها وهاجت عواصفها لتشعر بنيران صدرها على وشك حرق ما تبقى منها وأنفاسها تضيق، وفجأة دون أن تشعر ثارت على خزانته وراحت تجذب ملابسه وتلقيها بعنف في أرجاء الغرفة دون أن تدري إلى أين تذهب يداها هي فقط فاض الكيل بها وتريد التنفس قليلًا ولم تجد أفضل من الصراخ وسط كلماتها المتوعدة والمقهورة:
_ مبقاش أنا آسيا أما اخدت حقي منكم كلكم.. وأولهم هتكوني أنتي ياخلود ال***
كان هو بطريقه على الدرج يقصد غرفته بالطابق الثالث، وفجأة تصلب مكانه عندما اخترق أذنه صوت صراخ قادم من الطابق الثالث، سكن تمامًا يحاول تميز ذلك الصوت وحين أدرك أنه قادم من غرفته وصوتها هي، اندفع مسرعًا نحو غرفته شبه ركضًا ليس خوفًا لكنه تعجب وقلق من أن يكون نشب شجار بينها هي وأمه.
وصل للغرفة ودفع الباب بعنف ثم دخل وحين وجدها تفرغ خزانته كلها وهي بحالة هستيرية، اسرع واغلق باب الغرفة ثم اندفع نحوها يكبلها بذراعيه القوية صارخًا:
_ أنتي اتچنيتي! إيه اللي بتعمليه ده ؟
فاقت من حالة اللاوعي التي سيطرت عليها لكنها أصبحت أشد شراسةة فور شعورها بملمس ذراعيه على جسدها، وانتشلت نفسها من بين يديه بعنف وتقهقهرت للخلف وهي ترمقه شزرًا، اقترب منها بعفوية وبنظرة قوية لكنها لم تبالي بنظرته والتفتت برأسها للخلف فرأت زجاجة مياه فوق المنضدة ولم تتردد لحظة حيث جذبتها وصدمت قعر الزجاج في الحائط ليتهشم ولم يتبقى سوى الجزء الحاد الذي بيدها فقط، رفعتها ووجهتها عليه تصرخ به محذرة:
_ اوعاك تقرب مني.. أنا حاولت اقتلك مرة ومستعدة اعملها تاني
كان البرود يستحوذه بالكامل غير مباليًا بقطع الزجاج الذي بيدها.. ملامحه جامدة ونظراته ثابتة عليها بشيطانية ليخرج صوته مهيب:
_ لابسة النقاب ده لغاية دلوك ليه.. في إي مخبياه ومعاوزاش حد يشوفه يابت خليل؟
رمقته بعين نارية وهتفت بشر:
_ وأنت مين من الأساس عشان اخبي عنك حاچة.. لتكون فاكر روحك چوزي صُح، أنا إهنه في سچن مؤقت وقريب هطلع منه بس مش هطلع قبل ما أخد حقي وحق أبويا منك أنت وأبوك القاتل
نجحت في إثارة جموحه واخرجته عن طور هدوءه وإذا به فجأة ينقض عليها يجذبها من ذراعها نحوه صارخًا بصوت جهوري أصابها بالرجفة :
_ قبل ما تتحدتي معايا احسبي كلامك مية مرة عشان أنا مبسامحش في الغلط، ولو خشمك اتفتح ورديتي عليا بالطريقة دي تاني اتشاهدي على روحك، ياتتعلمي الرباية بالذوق يا أعلمهالك أنا
رغم رهبتها منه إلا أنها اقسمت على طعنه بتلك الزجاجة ولسوء حظها أنها لم تجدها بيدها، يبدو أنها سقطت منها لا إراديًا بفعل الفزع عندما جذبها إليه، فاستشاطت غيظًا محاولة التملص من قبضة يديها لكنها فشلت ووجدته بكامل القسوة يرفع يده ويجذب تلك القماشة السوداء التي تخفي وجهها بها، ومن فرط قوة جذبته انحل حجابها معه وانزاح لمنتصف شعرها.
ارتخت عضلات يده وكذلك ملامح وجهه عادت لطبيعتها عندما رأى وجهها المتورم وشفتيها المرتفعة على أثر جرح بسيط بهم.. بعد ذلك المنظر كان سيتركها دون أي محاولات أخرى منها لكنها اشعلت نيرانه من جديد عندما صرخت بقوة لكي يبتعد عنها، فكتم على فمها بقبضة يده الغيظة يصيح بها بنظرة مرعبة محذرة:
_ اكتمي احسن اكتم حسك واصل
طالعته بغضب وقوة ثم غرزت أسنانها بباطن يده فابتعد هو فورًا عندما اجتاحه الألم بينما هي فاسرعت تركض بعيدًا عنه وتصرخ بتحدي:
_ طلقني ياعمران لمصلحتك لو خايف على روحك صُح
أوقف الحرب التي بينهم صوت إخلاص من الخارج وهي تطرق الباب هاتفة بقلق:
_ عمران أنت زين ياولدي.. بتزعق ليه؟ وصوت بت خليل عالي البيت كله سامعها
رمق آسيا بنظرة قذفت الخوف لقلبها لكنها أبت إظهار خوفها وجسدت الشجاعة بمهارة بينما هو فرد على أمه:
_ مفيش حاچة ياما روحي أنتي، أنا بتكلم مع مرتي
لوت أخلاص فمها بسخرية وقرف عندما سمعت نعته لها بزوجته، ثم امتثلت لطلبه مقتضبة وغادرت لتتركهم مجددًا.
رأته آسيا وهو يبتلع المسافة التي بينهم بخطواته فارتدت للخلف تلقائيًا وسمعته يهتف بنبرة مرتفعة بعض الشيء حتى لا يسمعهم أحد مجددًا ويلقي عليها تعليماته وأوامره الصارمة بنظرة اربكتها:
_قسمًا عظمًا لو حسك علي وأنتي بتكلميني تاني لأكون خارسك على الآخر، معنديش حريم حسها يعلى ورچالة البيت كلها تسمعها فاهمة ولا لا
احتقن وجهها من الغيظ وهي تطالعه بصمت وغضب فباغتها بصرخة نفضتها بأرضها عندما لم يسمع ردها:
_ انطقي
كانت ترتجف من فرط استيائها وليس خوفها، لكنها أدركت أنها أذا لم تسير وفق أوامره سينالها بطشه الجنوني، فكما ترى هو لا يبدو كرجل يلقي كلمات في الفراغ، ستوهمه أنها خضعت حتى يتثنى لها تنفيذ مخططها، أغلقت كفها تضغط عليه بقوة واشاحت بوجهها عنه وهي تهز رأسها بالموافقة مجبرة وتصر على أسنانها مغتاظة.
رؤيته لها وهي خانعة تطيع أوامره هدأت من ثورانه وجعلته يبستم في تشفي ثم ابتعد عنها ونزع عنه عباءته البنية وبعدها جلبابه الأسود وكانت هي تقف توليه ظهرها ولا تتوقف عن شتمه حتى سمعته يهتف بلهجة آمرة وهي يسير نحو الحمام الملحق بغرفته:
_ چهزيلي هدوم وقفطان أبيض لبين ( لغاية) ما اخلص استحمام
التفتت برأسها نحوه ترمقه بشراسة وقالت ساخرة:
_ بناقص كمان! جيب لنفسك أنا مش مرتك اللي هتخدمك
رفع حاجبه اليسار بنظرة مريعة وقال بلهجة منذرة:
_ اسمها حاضر مش چيب لنفسك.. وتخدميني غصبن عنك، أنا هدخل الحمام والهدوم تاچي ورايا يا آسيا ولمي اللي عملتيه ده
انهى عبارته وهو يشير بنظره على الأرض الممتلئة بملابسه وكذلك قطع الزجاج المتناثرة ثم لم ينتظر سماع ردها الذي سيكون بالرفض واتجه نحو الحمام غير مباليًا بتلك التي تشتعل وافقة وفور اختفائه عن انظارها راحت تلتفت حولها تبحث بنظرها عن شيء تفرغ به شحنة غيظها المكتظة ولم تجد سوى ملابسه فالتقطتها وراحت تلقيها بعرض الحائط وهي تصرخ بصوت منخفض وعيناها غارقة بالدموع الحارقة التي تتوعد للجميع.
***
توقفت إخلاص أمام الباب وهي تتحدث مع الصبي الذي وكلته بمهمة توزيع عصائر على الجيران وجميع من حولهم بناء على أوامر زوجها.
سألته بجدية:
_ قولتلهم إيه وأنت بتوزع؟
رد الصبي بهدوء تام:
_ اديتهم العصير وقولتلهم ده حلاوة چواز المعلم عمران هو وبت خليل صفوان
تأففت إخلاص بخنق وردت على الصبي بامتعاض ليس منه ولكنه من زواج ابنها من تلك المشؤومة :
_ طيب روح يامحمد متشكرين ياحبيبي ابقى سلملي على أمك وأبوك
_ حاضر ياخالتي عن أذنك
دخلت وأغلقت الباب واستدارت تهم بالذهاب لغرفتها لكن اوقفها صوت إبراهيم من داخل غرفة الجلوس وهو ينده عليها.. فغيرت وجهتها وذهبت له وأغلقت الباب خلفها هاتفة باقتضاب:
_ خير يا إبراهيم
سألها بجدية ونظرة دقيقة :
_ الواد محمد خلص اللي قولتيله عليه ؟
تقدمت وجلست بجواره تهتف بغضب :
_ خلص.. أنا معرفاش إيه كان لزمته يعني !
إبراهيم بحدة ولهجة لا تقبل النقاش:
_ عمران اللي طلب عشان يتم الإشهار وهو عمل الصُح لو مكنش هو قال أنا كنت هعملها من نفسي.. الچواز لازم إشهار عشان ميبقاش ناقص ولا نبقى بنغضب ربنا
أردفت بعصبية وحرقة:
_ چواز إيه حرام عليك يا إبراهيم چوزت ولدك من بت خليل وقتلت فرحته بچوازته الأولى
هتف بنظرة قوية:
_ هو أنا غصبته على الچواز.. وبعدين عمران راچل يتچوز مرة واتنين وتلاتة لو عاوز ومفيش ست تقدر ترفضه، ده الصُح اللي كان المفروض يحُصل وأهو حُصل معدش له لزمة اللت والعجن الكتير ده بقت مرته وخلاص كل حاجة خلصت
إخلاص بغيظ وغل:
_ أنت مسامعش صوتها وزعيقها كيف وولدي بيزعق معاها.. أنا خايفة عليه منها دي قادرة كيف أمها
رمقها إبراهيم بنفاذ صبر وقال بخفوت وحكمة:
_ ولدك مش عيل صغير عمران راچل وهيعرف يربيها زين ويخليها تمشي تحت طوعه، ده ولدك وأنتي عارفاه زين يا إخلاص
سالت دموعها فوق وجنتيها فقالت وهي تجففهم بيد مرتعشة:
_ صعبان عليا يا إبراهيم كان نفسي افرح بولدي واعمله ليلة تحكي الخلق عنها وتليق بيه
لاح الحزن والدفء في عيناه قبل أن يضمها لصدره مقبلًا شعرها بحنو:
_تفرحي بولاده يا إخلاص أن شاء الله، سبيها على ربنا واقفي چمب ولدك دلوك ومتفكريش في حاچة تاني
سكنت بين ذراعين زوجها تشتعر الآمان وشعور الراحة التي حُرمت منها منذ زواجه عليها وابتعاده عنها بسبب زوجته الثانية التي نجحت في تدمير زواجهم معنويًا.
***
انتهت من توضيب الغرفة وأعادت ملابسه للخزانة مرة أخرى، وكذلك قطع الزجاج المتناثرة ازالتها من الأرض وسط تأففها وغيظها أنها مجبرة على إطاعة أوامر ذلك المتسلط، ستتريث لبعض الوقت حتى تنفذ خطتها بنجاح وتتخلص منه ومن الجميع.
جلست فوق المقعد الخشبي تستند برمفقيها على ذراع المقعد وتعود بظهرها للخلف، أما نظراتها فكانت عالقة على الفراغ أمامها وعقلها مشغول بالتفكير، ولم يدم شرودها طويلًا فبمجرد خروج عمران من الحمام انتصبت واستدارت لتجلس بالجانب على المقعد وتوليه ظهرها، بينما هو فالقى نظرة على الغرفة التي عادت لطبيعتها مرة أخرى وابتسم بشيطانية ثم تقدم نحوها بخطوات متريثة، اضطربت هي بعض الشيء حين سمعت خطواته لكنها حافظت على ثباتها وعدم اكتراثها المزيف، لكنه انهار كله حين سمعت همسته المرعبة بالقرب من أذنها يقول:
_ طول ما أنتي بتنفذي كلامي يبقى هترتاحي، كلمة لا بتعفرتني يعني مشي أيامك معايا على خير يا بت خليل
ازدردت غصة مريرة بحلقها وأثار جنونها شعورها بالخوف منه وقررت التغلب عليه، فاستقامت واقفة بقوة وتطلعت في عيناه بثبات هاتفة بشجاعة وعنجهية تليق بامرأة مثلها:
_ أنت فاكراني إيه.. هعيش تحت طوعك واقولك أنت تؤمر ياسي السيد تبقى بتحلم ولساتك متعرفنيش
ابتسم بسخرية وتلفت برأسه في أرجاء الغرفة المنظمة هاتفًا بعين حمراء:
_ واللي قصادي ده حلم برضك!.. إنك تسيري تحت طوعي ده مش اختيار.. ده أمر وهتنفذيه ورچلك فوق رقبتك، النفس اللي هتتفسيه هيبقى بأذن مني، واللي أقوله يحُصل من غير حديت ملوش لزمة
التهبت نظراتها وردت عليه منفعلة دون أي خوف:
_ الحديت ده تروح تقوله لعبدة اشتريتها بالفلوس لكن أنا مهسمحلكش تمشيني على هواك، أنا ناري حامية قوي وبتاكل أي حاچة تقف قصادها وأنت چربتها، مظنش إنك عاوز تچربها تاني صُح!
بدا جامدًا تمامًا على عكس اشتعاله الداخلي من تهديدها وفظاظتها في الحديث معه، لو اطلق الوحش الذي يسكنه لأخذ روحها تمامًا لكنه تريث وتمالك انفعالاته حيث اقترب منها أكثر وقبض على فكيها بقسوة هاتفًا بتحذير ونظرات تقذف الرعب في القلوب:
_نارك دي متساويش حاچة قاصد چحيمي.. اوعاكي تنسي روحك والشچاعة تاخدك معايا وحسك عينك تفكري تهدديني تاني وتكلميني إكده
دفعت يده بعيدًا عنها هاتفة بوعيد رغم الخوف الذي يستحوذها:
_ أنا مش ههددك تاني، أنا هنفذ علطول ياعمران
كور قبضة يده بقوة يحاول حجب نفسه الثائرة عنها واكتفى بصحيته الهادرة:
_ اتخمدي معاوزش اشوف خلقتك للصبح
لم تجيب وتابعته وهو يغادر الغرفة ليتركها وحيدة بذلك السجن، بقت متسمرة بأرضها تتجول بنظرها في الأرجاء حولها وعيناها مظلمة تمامًا كقلبها الذي احترق وانطفأ، ودون أن تشعر انهارت باكية حين قذف بذهنها عائلتها ونقهم عليها، القوا بها في الجحيم دون رحمة غير مبالين أن كان ذلك الجحيم قتلها أم مازلت تحارب داخله للنجاة.
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة جلال، خرج من الحمام بعدما انتهى من حمامه الصباحي وبيده يمسك منشفة بيضاء صغيرة يجفف بها شعره من الماء، ثم تحرك نحو خزانة ملابسه لكي يرتدي ملابسه ويستعد للخروج لكن صوت رنين هاتفه المرتفع اوقفه بمنتصف الطريق وعاد مجددًا له ليلتقطه من فوق الفراش ويتطلع باسم المتصل في شاشته فيجده " إبراهيم الصاوي " .. ضيق عيناه بتعجب وأجاب عليه بصوت مقتضب :
_ الو
هتف إبراهيم بنبرة جادة:
_ صباح الخير ياچلال
أجاب جلال على مضض:
_ صباح النور يامعلم إبراهيم خير؟!
أكمل إبراهيم بصوت عليظ وحازم :
_ خير أن شاء الله، عاوز أتكلم معاك بخصوص بتي فريال
انقبض قلبه للحظة فور ذكره اسم زوجته خوفًا من أن يكون صابها مكروه وأجابه مسرعًا بقلق:
_ مالها فريال هي كويسة ؟
هتف بهدوء لكن لهجته كانت جافة:
_ زينة الحمدلله، أنا بكلمك عشان اقولك أن خلاص معدش ينفع چوازكم ده يكمّل ياجلال، خلصت على إكده ولازم تطلقها
انطلقت من بين شفتيه كلمة مستنكرة ومندهشة:
_ إيــه اطلقها!!
_ ايوة تطلقها ياچلال أنا مش هقبل أن بتي ترچع البيت ده تاني طالما هي معاوزاش ورافضة
لم يعقب على رده والتزم الصمت للحظات وهو يصر على أسنانه من فرط الغضب وهتف بترقب يحاول تمالك أعصابه:
_ وياترى بتك عارفة وموافقة على الطلاق ده ولا لا ؟
وصلت لأذنه عبارة إبراهيم وكانت القاضية عندما أخبره:
_ أيوة موافقة طبعًا
................ نهاية الفصل .............
•تابع الفصل التالي "رواية ميثاق الحرب و الغفران" اضغط على اسم الرواية