رواية عشق الغرام الفصل الثاني عشر 12 - بقلم ندى ممدوح
ألقت غرام نظرة طويلة على زكريا الذي يغط في سباتٍ عميق بعدما سلبها جوهرة عفافها دون ذرة رحمة..
أو شفقة..
أو وِد..
نظرة لم تسترجعها إلا مبللة بالدمع، ثم أغلقت الباب ورائها في حذرٍ شديد كأنما تخشى أن يهب من رقاده كأسدٍ هصور وينقض عليها فيفترسها، ولا يذرها إلا وهي أشلاء.
ثم سارت وهي تستند بكفها على الحائط كانت خائرة القوى، صارت جسدًا دون روحٍ، بقلبٍ دون نبضٍ، بأوردة دون دمٍ لتحيا، سُلبت منها الحياة بغتة مِن مَن حسبته الحياة، فكانت كشبحٍ فقد كل ذرة من حياة.
خذلتها قدميها فتوقفت، وأحست أنها تنهار رويدًا رويدًا، فسلمت ظهرها إلى الجدار وأنشأت تبكي بكاءً مرًا، فأدنت وشاحها من وجهها تخبأ عبراتها التي تهطل كمطرٍ صامت دون برقٍ أو رعد.
ونشجت نشيجًا محزنًا شَطر قلب المقبل عليها وهو يعدو تجاهها بعدما قامت بالأتصال به، في لهفة اندفع يمان يقول بلهاثٍ ودقات قلبٍ متلاحقة بوجل:
_غرام، مالك حصل أيه؟ أيه الحالة دي اللي أنتِ فيها؟
لكن غرام لم تكن ترآه، صوته تلاشى من محورها كأنما أصيبت بالصم، لقد سقطت في دياجير الظلام وفي ليلة من ليالي الدآدي ضاعت فيها أحلامها، وأمانيها.. وضاعت هي؛ بل تاهت ربما دون عودة للنور.
أليس الظلام لا يلبث أن يعقبه نهار؟
بلى، لكن ليلها هي يبدو أنه لن ينتهي بعد اليوم، لن يعقبه نهار، ولا شمسٍ تشرق في عليائها.
تبًا للحياة عندما تسلب منا الروح ونحن أحياء.
كيف تخبره بفجيعها؟! أنَى لها بقدرة كي تقول: لقد أعتدى عليَّ زوجي.
والمسمى الأكثر إيضاحًا كان إغتصابًا دون حياء.
أنتفضلت غرام مرتجفة، عندما هدر يمان بقوة:
_قولي حصل أيه؟
فالتفتت إليه من وراء سحابةٌ من العبرات التي تسح من مآقيها، وهمست بصوت متهدج بئيس:
_أنا عايزة ارجع البيت، رجعني البيت يا يمان أرجوك.
وأسبلت جفنيها في ألمٍ مما عانت، فهتف يمان في لهفة وقد أوجعه رجاؤها:
_أنا حجزت وهننزل فعلاً النهاردة.
فهزت رأسها تقول بجزع:
_لا، أنا عايزة انزل الصعيد رجعني بيتي.
فأومأ يقول بسرعة:
_حاضر هرجعك متخافيش..
ثم تلفت حوله وهو يقول:
_هو زكريا مش هنا؟
وبارتياع رفعت بصرها إليه وتطلعت فيه بفزع، وهتفت بجنون وهي تتراجع:
_زكريا لأ أرجوك زكريا لأ.
وأدرك يمان ما خُفى، وكان دوره ليرتد للخلف مصعوقًا، لم يظن أن يكون زكريا بذلك السوء الذي يجعله يعتدي على زوجته، ويأخذها قسرًا، كان يعلم مساوؤه كلها وأفعاله الشنيعة والزنا الذي كان ينغمر فيه دون رقيبٍ أو عتيد، لكنه لم يحسب يومًا أنه قد وصل لذلك السوء.
تطلع فيها بوجهٍ شاحب في ارتياع، دون أن يتفوه بحرفٍ، فتمتمت غرام في رجاء:
_خلينا نمشي أرجوك أنا معرفش غيرك هنا مش هعرف ارجع لوحدي.
فهز رأسه موافقًا في وجومٍ عجيب، ثم جلس يقود السيارة بجانبها إلى المطار وهو متغيب البال، يسترق إليها النظرات المؤلمة من مرآة السيارة، توجعه دموعها بل تكوي فؤاده كيًا، كانت تسند رأسها على نافذة السيارة عينيها مغلقتين برموشٍ مبللة يتساقط منها الدمع بغزارة، الذنب ذنبه..
نعم، لقد أخطأ عندما لم يخبرها بشخصية زكريا المتوارية، لقد دفعت هي ثمن صمته..
حبيبته التي نبض القلب بالحياة لأجلها بسببه تم الاعتداء عليها.
ليته قال..
لكنه لم يريد أن يفضح عبدًا ستره الله.
أترى الله قد يغفر له صمته عن الحق؟!
أترى غرام قد تغفر له يومًا صنيعه في حقها؟!
*******
غفى زكريا إغفاءة طويلة، ثم صحى منها منتفضًا وهب مذعورًا ما أن استرجع ما فعله مع غرام أثناء سكرته، في هلعٍ تطلع في الفراش الخالي الذي خلى إلا منه وساوره القلق ونهش من قلبه وأخذ يقتات من روحه، غادر الفراش في ارتياع وهو ممتقع الوجه وفتح الخزانة لكنه وجد كل شيء في مكانه..
ملابسها لا تزل في الحجرة..
حقيبتها أيضًا موجودة..
في مقتٍ تلفت في الحجرة، وبُهت وجهه وهو يرَ دورة المياة أيضًا فارغة، فبدل ملابسه في سرعةٍ ثم خرج من الحجرة وهو يعدو وهنالك سأل عنها فعلم أنها غادرت مع يمان، وأدرك أنها لن تتركه يفلت بصنيعه.
وقد تفضحه أمام أبيه فيسلبه كل شيء.
ويحرمه مما يملك.
فصعد إلى حجرته وتلقفته الأفكار، فجلس على طرف الفراش يضم بكفيه رأسه الذي ضج بالأفكار السوداء، وفجأة ومضت عيناه بوميض الظفر، حين قفزت إحدى الخطط إلى عقله كفقاعة كانت تطيرُ في الهوء وبغتة فقعت، ورفع رأسه عاليًا وقد لاحت شبح ابتسامة رزينة واثقة على ثغره، وألتقط هاتفه وأجرى أتصال وهو يتنحنح متصنعًا الرعب، والكآبة ما أن فُتح الطرف الآخر، حتى صاح يقول بانفعال مزيف:
_شوفت اللي بنتك عملته فيَّ يا عم عبد السلام؟
هَب عبد السلام من جلسته منتفضًا، وارتجفت شفتاه وهو يقول بجذع:
_مال غرام يا زكريا يا بني؟ بنتي فيها أيه هي كويسه؟
صاح زكريا بكرهٍ بيَّن:
_تغور بنتك في داهية، أنت لو عرفت هي عملت أيه هتموتها بأيدك؟!
شحب وجه عبد السلام وأخذ يسير عشوائيًا وهو يقول بوجهٍ ممتقع:
_غرام عملت أيه يا زكريا؟!
وأصاخ السمع وتوقفت ساقاه عن السير، وازدرد لعابه في ترقبٍ، وزكريا يقول بنبرة مبهمة:
_بنتك شفتها مع يمان في وضع مش كويس، ولما عرفت هي وهو أني شفتهم مشيوا وسبوني ومعرفش هيعملوا أيه ولا هيقولوا أيه، بس أكيد هيشوفولهم كدبة يداروا بيها اعمالهم القذرة، اسمع يا عم عبد السلام.
ولاذ بالصمت لثوانٍ كاظمًا بسمة، ثم عاد يقول في فحيح:
_بنتك متلزمنيش تاني، واعرف اني مش هسكت ولا هغفر لها اللي عملته.
وأغلق الهاتف في وجهه، ثم قهقه قهقةٍ عالية كشيطان رجيم أفلح في حياد عبدٌ من عباد الله عن الصراط المستقيم.
وألقى بالهاتف دون اكتراث وقد أحس بالارتياح يغمر قلبه غمرًا، وجلس في ارسترخاء كأنه لم يودي بحياة أحدٍ توًا.
وكأنه متنصلًا من كل الذنوب والخطايا..
ثم لم يلبث أن غادر الفندق إلى المطار كي يستقل أول طائرة تقلع إلى حيثُ وجهته.
***********
(هتقولي أيه لأبوكِ)
ألقى يمان السؤال في اهتمام بعدما قضى على كل تفكيره، فتأبَّد قلب غرام وهي تلتفت إليه في حدة وقد أصابها الهلع، فهي لم تفكر قط فيما قد تقوله لأبيها!
ماذا قد تخبره؟ أتقول له لقد أعتدى عليَّ زوجي؟!
وأن علم ماذا سيقول؟ هل سيصدقها؟ هل سيطلب طلاقها ويؤزرها؟
أم سيجبرها على إكمال الزواج؟
وأنشأت تفكر وقد مارت المشاعر في صدرها، لكنها لم تعرف بما تجيب، بل حادت ببصرها إلى نافذة الطائرة وأخذت تتأمل السحاب بأعين غائرة بالدمع!
سبحان مغير الأحوال، فمنذُ أيام قلائل كانت تجلس نفس الجلسة ببهجة وأعين تلمع بالفرح وهي تتأمل السماء عن قُرب، اليوم فهي منطفئة، لا تشعر بأي شيء إلا باليأس والقهر.
ماذا فعلت ليتخل عنها زوجها ويطلقها قبل الزفاف بأيام؟ ثم يعتدي عليها الآخر؟!
ما ذاك الجرم الذي فعلته؟!
سلمت جفنيها إلى النوم في محاولة للهرب من واقعها الأليم وقد غاضت مدامعها.
مرت بعد ذلك الساعات في صمتٍ تام، حتى أوصلها إلى باب البيت وكان قد حل الليل وألقى على الأرض بسدوله، طرق يمان على الباب فتناهى إليه فورًا صوت عبد السلام وخيل إليه أنه كان في انتظارهما، فتح الباب وأطل عبد السلام واجمًا، واندفعت غرام إلى حضنه، ولم تقوى على تحمل عبراتها فانسابت كمطرٍ منهمرٍ، لكنه لم يبادلها الحضن، ولم يرفع ذراعيه ليطوق جسدها الضئيل، وتصور يمان أن عبد السلام سينهال عليها ضربًا بسبب نظرته السوداوية، فشعر بأشفاق من صوت نشيج غرام الذي ذاد من شعوره بالذنب، وهم بأن يقول شيئًا أي شيء؛ قد يبرد نار قلبها لكنه لم يقل فلم يجد ما يقوله.
ولم يدرك كم من الوقت وهم يقفون بتلك الطريقة الغريبة، حتى رفع عبد السلام بصره إليه في حدة وكرهٍ غير معلوم، ثم أبعد غرام وقال وهو ينظر في أعين يمان بصرامة:
_ادخلي جوه!
فأنصاعت ومضت إلى الداخل لكنها عادت مجددًا، كي تشكر يمان وتطلب منه الدخول لكن والدها سد عليها الطريق وأحال بينها وبين ذلك، فاضطرت إلى الدخول دون نظرة وداعٍ أخيرة إلى طيف الأمان الذي ضمها في أحلك أوقاتها.
حاول يمان أن يتبسم أو يقول شيئًا، لكن عبد السلام قال:
_صحيح أن مش كل الوجوه بتبين اللي في القلوب، وأنت من الناس اللي وجوهم بتبين أنهم ذو مرؤوة وكرم وشهامة لكن قلبك قلب أسود.
ضيق يمان عينيه مستريبًا ولم يفهم شيئًا وهم أن يستفسر، لكن عبد السلام دفعه للوراء على غفلة، وصفق باب بيته ورائه وانقض عليه وراح يضربه في جنون، وهو يهدر:
_أمنتك على بنتي تعمل فيها كدا ليه؟ ربنا يرد اللي بتعمله في بنات الناس في أختك.
كان يمان يستقبل ضرب عبد السلام دون أن يوقفه أو تند عنه نظرة دفاعٌ حتى، احترامًا له ولسنه، لكن عندما جاء بذكر أخته حتى أتقدت عيناه بالغضب، وقبض على ساعديّ عبد السلام وهو يهتف في تعصب:
_إلا أختي، وبعدين إيه اللي انا عملته في بنتك؟ دا بدل ما تشكرني أني رجعتهلك بعدما قضى عليها الكلب زكريا؟! أنت اتجننت ولا مالك؟ هو زكريا اتصل بيك!
فأفلت عبد السلام ذراعيه وأرتد للخلف وهو يصيح:
_أيوة أتصل بيَّ.. أتصل عشان يقول ليّ على علاقتك ببنتي؟!؟
فتبسم يمان في سخرية، وقال في تهكم:
_علاقة أيه؟ علاقتي انا ببنتك وأنت طبعًا صدقت من غير ما تدور على الحقيقة فين ولا تسال بنتك.
وتلاشت بسمته المتهكمة، وقال في جدية:
_لو أنت شايف أن الحب حرام ولا حاجه، فأعرف أني بحب بنتك.
فرفع عبد السلام ذراعه بنية لطمه وهو يجأر:
_اخرس يا كلب.. بتحب بنت متجوزة؟!
لكن يمان قبض على ذراعه وبأعين تشتعل قال:
_بنتك متستهلش شخص زي زكريا؟! ذنبها ليوم الدين في رقبتك ورقبتي.
كان لا يزل يقبض على ذراعه وهو يقول بعتاب:
_ذنبك أنك وافقت على عريس لبنتك بدون ما تسأل عنه ولا تعرف عنه اي شيء لمجرد أنه ابن صديقك بس.
وأطرق في أسى، وقال بشجن:
_وذنبي عشان سبتها توافق بدون ما اعرفها حقيقته؟!
ثم ترك ذراعه وتراجع للوراء وهو يقول بوجد:
_حق غرام لازم يرجع وأنت لازم تطلقها من زكريا!
فتبسم عبد السلام في تهكم، وغمغم وهو يصفق بكفيه:
_تصدق كنت هصدق أنك شخص كويس والناس كلها هي اللي وحشة، امشي من هنا ومتخلنيش اشوف وشك تاني لأن ده مش غلطك وحدك دا غلط بنتي أنا ولازم تدفع تمنه قبل ما توطي راسي في الأرض!
استراب يمان وأحس بالقلق ينهش قلبه مخافة أن يفعل عبد السلام شيئًا في غرام وقد بدا أنه معمي البصر والبصيرة وأن زكريا أكل بعقله حتى شبع، فتمتم:
_أياك تعمل حاجه تندم عليها.
ومضى في سبيله مغادرًا، غافلًا عن نهلة التي شهقت في ارتياع وقد سمعت جُل حديثهما ورأت ما رأت من شجارهما وكان عليها إنقاذ غرام من براثن غضب أبيها.
مضى يمان يسيرُ وسط السائرين هائمًا يجوب الطرقات والأزقة على غير هدى دون أن يهتدي إلى سبيلٍ يؤويه، لساعاتٍ وضميره يعذب فيه، وعقله لا يفكر إلا في غرام، حتى ألمته قدماه وهده التعب وأضنى فؤاده، فتوقف يتلفت ذات اليمين وذات الشمال وقد جنح إلى الراحة قليلًا، فرأى أنه على كثبٍ من كورنيش نيل (أسيوط) الساحر، بمياهه الزرقاء الهادئة، والسفن التي تبحر بمظهر يخلب الألباب، فمال بجذعه إلى الأمام وقد قبض بأصابعه على حافة السور وشردت عيناه على صفحة الماء الراكد، ضجيج الناس المارة من وراءه لم يكن له صدى في أذنيه كأنه في وادٍ آخر وهم في آخر.
ثم لم يلبث أن تراجع ليجلس وقد أولى ظهره البحر وجعل عيناه تراقبان السيارات.
**********
في همٍ جلس عبد السلام واضعًا رأسه بين راحتيه في وجعٍ وقد شعر أنه قد طُعن، ليس لديه أدنى شك فيما قاله له زكريا عن ابنته، فغرام قد فعلت ما يجعله يصدق فيها أي شيء!
ألم تحادث قبلًا شابًا من وراءه؟ ألم يسمعها بنفسه؟!
هل ستجلب له العار بعد كل هذا العمر؟!
هل ستدفن رأسه في الوحل وهو على أعتاب القبر؟!
لن يسمح لها بذلك؟! لن يقبل؟! سيدعس فؤاده تحت قدميه وسيتخلص من عارها.
نهض وهو يتوجه صوب المطبخ لولا أن تنبه لصوت الباب فأنثنى شطره ليجد نهلة وهي تهتف في توتر:
_عمي عبد السلام انا عرفت ان غرام جت عايزة اشوفها!
اومأ عبد السلام برأسه وأشار لها بالدخول دون أن ينبس ببنت شفة، أو يسألها كيف علمت بمجيئها!
ركضت نهلة للداخل وصعدت الدرج عدوًا إلى حجرة غرام، التي كانت مستلقية على ساق جدتها بأعين لم يرقأ لها دمع، فأتجهت بأعين تفيضُ بالعبرات وجلست بجانبها في صمت، بينما كانت غرام تقول بصوتٍ شجيّ:
_هعمل ايه يا ستي دلوقتي؟
فضيقت جدتها عينيها في دهشة، وغمغمت:
_أنتِ مين يا بت؟
فضحكت غرام من بين دموعها وهي تتمتم:
_يا ستي انا غرام بنت ابنك عبد السلام!
فزوت الجدة ما بين عينيها وهي تقول في تعجب:
_هو عبد السلام أتجوز أمتى وخلف كمان؟ هو الواد ده كان متجوز من ورايا.
فابتعدت غرام عنها، وهي تقول:
_والله يا ستي أحسن حاجه انك بتنسي يارتني أنسى.
غمغمت نهلة تسألها:
_أنا سمعت حاجات كتير ما بين والدك ويمان وهما بيتخانقوا.
فاستوت غرام في صدمة في جلستها، وهمست بضيق:
_هو بابا ويمان كانوا بيتخانقوا؟
اومات نهلة في لهفة:
_ايوة وفهمت ان عمي مش هيسكت وأنه.. أنه ممكن هيعمل فيكِ حاجه دلوقتي؟! أأيه اللي حصل معاكِ يا غرام؟!
انهمرت دموع غرام بينما تقول:
_زكريا اعتدى عليَّ!
شهقت نهلة في هلع، وصاحت في ارتياع:
_إزاي يعني.. وعمي ليه قالب عليكِ؟ طيب انا مش فاهمة حاجة غير انك لازم تهربي من هنا.
فهمست غرام في انهاك:
_اهرب ايه بس وليه ومن مين؟
كانت جدتها تصغي السمع، ثم ضمتها إلى صدرها وهي تقول:
_أنا قُلت الواد ده مش كويس بس ابوكي مسمعش الكلام.. أنا مش هسكت له بعد كدا وهقف له!
ثم مسدت على رأسها في حنان، قبل أن تضيق عينيها وتغمغم:
_إلا صحيح أنا بعمل أيه هنا؟!
لكنَّ غرام تأبه بها هذه المرة، بل صبت جل اهتمامها مع نهلة التي هتفت بلوعة:
_انا قلبي مش مطمن، غرام امشي بجد!
_هتمشي تروح فين؟
قالها عبد السلام وهو يدلف إلى الحجرة، فهبت غرام من جلستها ملتاعة من النظرة السوداوية في أعين والدها، وتراجعت هي ونهلة إلى الوراء واجفتين، بينما نهضت الجدة وهي تصيح:
_أنا مش قولتلك الواد ده ميتجوزشي البت؟!
لكن عبد السلام لم يعيرها اهتمامًا بصره كان مصوبًا على غرام بطريقة آثارت الرجفة في أوصالها فأخذ جسدها يرتعد، وشرع يسير صوبها بخطواتٍ متأنية كفه اليمنى متوارية وراء ظهره وهي تقبض على مقبص سكينٍ لمع نصله بشهوة الدم، وعندما اقترب منها لمعت عيناه بالدموع، وقال بحزنٍ دفين:
_طول عمري وأنا بعمل لك كل حاجه عايزها، مخلتكيش محتاجة حاجه أبدًا، حبيتك كأب وكصديق وأخ وكنت ليكِ السند..
وتابع وهو يهز رأسه في أسى:
_ليه يا بنتي توطي راس ابوكي في الأرض؟ ليه تجيبلي العار؟
سكبت مآقي غرام الدمع أنهارًا، وهي تنفي قوله بهزة من رأسها وبنظرة ارتياع أطلت من عينيها سمعت أبيها يقول وهو يتهيأ لطعنها بالسكين:
_أنا لازم اتخلص من عاري يا بنتي، أنتِ الموت ليكِ رحمة.
ورفع نصل السكين وهوى به على بطنها..
وطعنها في حدة..
دون ذرة رحمة..
أو شفقة..
وقد دار بكل جبروت بالسكين في ضغطة حادة بمعدتها، كانت غرام تنظر إليه وقد تجمدت العبرات في مآقيها وقد فغرت فاهً من الصدمة، بينما لطمت نهلة وأخذت تصرخ، وهتفت الجدة وهي تدفعه بعيدًا:
_بتي..
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية عشق الغرام) اسم الرواية