Ads by Google X

رواية عشق الغرام الفصل الثالث عشر 13 - بقلم ندى ممدوح

الصفحة الرئيسية

   

 رواية عشق الغرام الفصل الثالث عشر 13 -  بقلم ندى ممدوح 

كم مر من الوقت؟ لا أحد يدري فقد مرت الساعات وغرام داخل حجرة العمليات؛ تلك الحجرة الكئيبة التي يكاد المريض فيها يصرخ طلبًا للنجاة منها، فهي تبدُ كأنما شبح يبتلع الناس تحت الثرى.
وتم عمل محضر في عبد السلام، بينما جلست نهلة مع الجدة في صالة الأنتظار، تدعوا من كل قلبها لغرام كي تنجو، وأن تتعافى، لم تنس صراخها في عبد السلام وأتهامها له بأنه السبب، وذنبها سيبقى مطوقًا عنقه حتى يواري الجسد الثرى.
بقدمين ثقيلتين مقيدتين دخل يمان إلى بيت خاله، وهو يضع سترته على ذراعه المثني أمامه، قابله مختار جالسًا في صحن الدار وعلى وجهه غضبًا مبهم، فأدرك أن زكريا خاض في الحديث الكاذب عنه مع والده، وأن خاله قد صدق، فحاد بخطواته إليه وهو يفكر أن يفضح زكريا أمام أبيه؟!
لكنه كان يخشى الله!
يهاب أن يحاسب!
فنهض مختار ووقفا قبال بعضهما، وألتمعت أعين مختار بالدمع، والخزى.. وهو يقول بصوتٍ يقطر حزنًا:
_مكنتش متخيل أنك بالوحاشة دي؟!
وبسط راحتيه وهو يلقي جُل ما في جعبته من شجون:
_ربيتك بأيدي دي فتعضهم بأقسى ما تملك.
فجز يمان على أسنانه، ثم قال مقاطعًا خاله في صدق:
_أنا عمري ما كنت قليل الأصل عشان أعض أيدك يا خالي، ولا ازعلك أبدًا.
فألتهبت أعين مختار بالغضب، وهو يهتف:
_مش عايزك تكدب..
ثم دنا منه وهو يدفع كتفه للوراء، قائلًا في حدة:
_قول ليّ أنت بتحب غرام ولا لأ؟!
والسؤال جعل فؤاده يرتجف، هل يكذب أم يقول الصدق؟!
لكنه لم يعتاد الكذب؟! لما يكذب حبًا بات في قلبه آمنًا مستقرًا!
أحس بعينين تراقبانه في شماته، وحدسه كان في محله، فقد رأى زكريا يقف أعلى الدرج، يعقد ساعديه أمام صدره، في عينيه نظرة متسلية، وعلى وجهه تتجلى الشماته، وإمارات الظفر.
هل خلف خاله شيطانًا؟ يهوى اللعب على الناس حوله!
“رد عليَّ جاوبني، بصلي هنا”
يجأر بها مختار، وهو يدير وجه يمان إليه، المواجهة كانت مؤلمة، عسيرة على قلب يمان، أن يقف ندًا بند أمام خاله، لكنه لن ينكر؟ لم ولن يخشى إلا الله.
فالمحب أن أنكر حبه كيف يكون حبيبًا؟!
تفرس النظر في أعين خاله في تمعن، وغمغم في هدوء:
_أنا بحب غرام فعلًا.
والإجابة كانت لطمة قوية من اليد التي ربته حتى شَب، نظرة مصعوقة أطلت من أعين يمان إلى خاله الذي أرتد متقهقرًا، مصدومًا من أنه قد فعلها.
وقد أوجعته اللطمة كأنها هوت على قلبه.
لكن صدمته في يمان الذي كان يرآه ملاك حطمت ثقته في الجميع.
حولت قلبه إلى شظايا لا تصلح للإصلاح.
صك يمان على أسنانه في غضب، وأطرق برأسه لثوانٍ قبل أن يرفع عيناه إلى زكريا، ولمح بسمة متشفية تمر على ثغر هذا الأخير فتميز غيظًا، وصوب بصره إلى مختار، يقول وهو يقترب منه:
_هسيبك لحد ما تكتشف الحقيقة بنفسك، وتعرف أنك كنت مأيد شيطان..
حاد بصره مع عبارته الأخيرة إلى وجه زكريا الذي أسود وهو كظيم، وتابع قائلًا في وجوم:
_هيجي اليوم اللي تعتذر فيه مني، ولحد ما يجي اليوم ده مش هتشوف وشي تاني.
وتراجع بظهره وهو يتمتم:
_سلام يا خالي.
ولم يكد يستدير، حتى أقبلت غادة وهي تعدو باكية، تقول في لوعة:
_استنى يا يمان أنا هاجي معاك، رجلي على رجلك في أي مكان تروحه.
وأستدارت إلى خالها الذي بدا شاحبًا شحوب الأموات، لا يصدق أنه قد خسر ابنًا للتو، الصدمة أورثته فوق عمره أعمارًا، هتفت غادة تقول بلهفة:
_أنا اسفة يا خالوا بس أنا همشي مع يمان.
فهز مختار رأسه في جزع وهو يقول بخوف:
_لا متروحيش مني أنتِ كمان خليكِ معايا.
ربت يمان على كفها الموضوع على كتفه وقال مؤيدًا خاله:
_خليكِ مع خالك يا غادة.. متسبهوش.
ونظر إلى إمتقاع وجه خاله بقلق، كان يعرف أنه إذ سلب غادة من خاله ستكون الطآمة التي ستودي بحياته، أن كان الله قد رزقه بابنٍ عاق فلن يكون هو كذلك.
صاحت غادة ترفض ما قاله بإصرار:
_أنا مش عايزة أفضل هنا عايزة ابقى معاك.
فربت على كفها مجددًا وهو يقول:
_معلش..
فصاحت وهي تعدو إلى الأعلى:
_أنا لا هفضل معاك ولا معاه اصلًا انا همشي من بيتكم من غير فرح.
انصرف يمان وجلس مختار على أقرب مقعد منهارًا.
************
ما أن أفاقت غرام حتى وجدت الضابط يأخذ أقوالها، لكنها وبدون تردد نفت أن والدها هو من طعنها، وأنما عللت بذلك بأنها قد سقطعت وهي تقطع شيئًا ما فطعنت نفسها دون قصد.
كانت نهلة تزرع الحجرة جيئة وذهابًا في غضب، حتى غادر الضابط وقد أُغلق المحضر، وتمتمت:
_ليه متهمتهوش؟! إزاي بطلعيه براءة بعد كل اللي عمله.
فهمست غرام في وهن:
_مستحيل أكون السبب في دخول بابا السجن.
قالتها منكسرة، لقد كسرها أبيها وكسر الأب لا يندمل قط.
لم يدم الكثير من الوقت وحضر مختار وابنه زكريا وغادة، كان عبد السلام يجلس خارج الحجرة، لم يقو على مواجهة ابنته، ولم يستطع رفع عينيه في صديقه وولده خزيًا، فظل منكس الرأس تلتمع الدموع العالقة في أهدابه، كتفاه متهدلان، كان كسيرًا، محبطًا، ثقيل الروح والقلب من الهموم، حط مختار كفه على كتف عبد السلام، وقال بإشفاق:
_عامل أيه يا عبد السلام.
لم يأبهْ عبد السلام بالإجابة فقد هز رأسه دون أن يعلق بشيء، ولاذ مختار بالصمت، فنهض زكريا وغمغم:
_أنا هدخل اطمن على غرام.
لم يجيبه أحد، فطرق الباب ودخل لتنظر له نهلة بأعين مشتعلة، وهدرت في عصبية:
_أنت أيه اللي جاييك هنا؟
أشاح زكريا بوجهه جهة غرام التي كانت تفر بوجهها منه في إمتعاض، وقال:
_جاي اطمن على مراتي.
فصرخت نهلة كمن أصيبت بمسٍ من الجن:
_أطلع برا!
قاطعت غرام صراخ نهلة، عندما قالت في همس:
_سيبيه يا نهلة.
التفتت نهلة إليها بانفعال، وهمت أن تصيح في وجهها لكنها أحجمت عن ذلك لحالة غرام، وآثارت السلامة، فخرجت صافقة الباب وراءها من الغيظ، بينما تقدم زكريا من فراش غرام، وسحب مقعدًا وجلس عليه في صمت، فدارت غرام وجهها لتنظر إلى الحائط، فقال زكريا شاعرًا بالندم:
_أنا أسف، مكنتش أعرف أن والدك ممكن يعمل كدا!
فضحكت غرام ساخرة، وغمغمت في تهكم:
_والله!
ثم التفتت إليه ثائرة، هائجة، وهي تهتف:
_أنت مش انسان يا زكريا، أنت شيطان شايف أنه يقدر يعمل كل حاجه وهو ضعيف جبان…
قاطعها زكريا يقول بحنق:
_تصدقي أنا غلطان أني جاي اعتذر منك وأأقولك أسف!
حدجته غرام بإشمئزاز، وقالت بإزدراء:
_أنت قُلت أيه لبابا خليته قلب عليَّ وعلى يمان كدا؟!
فتبسَّم زكريا بفحيح وهو يتراجع لظهر المقعد في استرخاء، قائلًا ببساطة:
_ولا حاجة قُلت له أنك ويمان على علاقة ببعض وأني قفشتكم في وضع مش كويس، عشان كدا أنتِ رجعتي معاه وانتوا مخططين تتهموني بتهم أنا بريء منها.
ومال بوجهه على وجهها وهو يقول:
_وصدق بكل بساطة.
ثم تراجع واضعًا قدم فوق الأخرى، بينما صاحت غرام:
_أنت مجنون إزاي تقول له حاجه زي كدا منك لله حسبي الله ونعم الوكيل.
فقست ملامحه وهو يميل نحوها، قائلًا بهمسٍ مخيف:
_هشش مسمعش صوتك، أنا هقول أن يمان هو اللي حاول يغويكِ وأنك رفضتي وقاومتيه وأن ملكيش ذنب في اللي حصل وهكمل زواجي منك.
ومال بوجهه مجددًا، قائلًا:
_وإلا لو طلاقتك مين هيرضى يتجوزك؟!
غمغمت غرام بقرف:
_أنت حقير.
نهض زكريا من مقعده، وقال:
_مش هكلمك دلوقتي على غلطك فيَّ عشان أنتِ على فراش المرض، وأياكِ تقولي حاجه غير اللي قولته دلوقتي.
هبت غرام تصرخ في جنون:
_أنا مستحيل أوافقك أأقول حاجه زي دي عن يمان حرام عليك أنت أيه؟
فقال زكريا وهو يتوجه إلى الباب:
_يبقى أبوكي هيموت بحسرته، سيبيني ألم الموضوع واتفرجي وأنتِ ساكتة.
وخرج مغلقًا الباب وراءه، بينما وارت غرام وجهها في راحتيها واندفعت في بكاءٍ مرير.
**********
ما أن أفاقت غرام حتى وجدت الضابط يأخذ أقوالها، لكنها وبدون تردد نفت أن والدها هو من طعنها، وأنما عللت بذلك بأنها قد سقطعت وهي تقطع شيئًا ما فطعنت نفسها دون قصد.
كانت نهلة تزرع الحجرة جيئة وذهابًا في غضب، حتى غادر الضابط وقد أُغلق المحضر، وتمتمت:
_ليه متهمتهوش؟! إزاي بطلعيه براءة بعد كل اللي عمله.
فهمست غرام في وهن:
_مستحيل أكون السبب في دخول بابا السجن.
قالتها منكسرة، لقد كسرها أبيها وكسر الأب لا يندمل قط.
لم يدم الكثير من الوقت وحضر مختار وابنه زكريا وغادة، كان عبد السلام يجلس خارج الحجرة، لم يقو على مواجهة ابنته، ولم يستطع رفع عينيه في صديقه وولده خزيًا، فظل منكس الرأس تلتمع الدموع العالقة في أهدابه، كتفاه متهدلان، كان كسيرًا، محبطًا، ثقيل الروح والقلب من الهموم، حط مختار كفه على كتف عبد السلام، وقال بإشفاق:
_عامل أيه يا عبد السلام.
لم يأبهْ عبد السلام بالإجابة فقد هز رأسه دون أن يعلق بشيء، ولاذ مختار بالصمت، فنهض زكريا وغمغم:
_أنا هدخل اطمن على غرام.
لم يجيبه أحد، فطرق الباب ودخل لتنظر له نهلة بأعين مشتعلة، وهدرت في عصبية:
_أنت أيه اللي جاييك هنا؟
أشاح زكريا بوجهه جهة غرام التي كانت تفر بوجهها منه في إمتعاض، وقال:
_جاي اطمن على مراتي.
فصرخت نهلة كمن أصيبت بمسٍ من الجن:
_أطلع برا!
قاطعت غرام صراخ نهلة، عندما قالت في همس:
_سيبيه يا نهلة.
التفتت نهلة إليها بانفعال، وهمت أن تصيح في وجهها لكنها أحجمت عن ذلك لحالة غرام، وآثارت السلامة، فخرجت صافقة الباب وراءها من الغيظ، بينما تقدم زكريا من فراش غرام، وسحب مقعدًا وجلس عليه في صمت، فدارت غرام وجهها لتنظر إلى الحائط، فقال زكريا شاعرًا بالندم:
_أنا أسف، مكنتش أعرف أن والدك ممكن يعمل كدا!
فضحكت غرام ساخرة، وغمغمت في تهكم:
_والله!
ثم التفتت إليه ثائرة، هائجة، وهي تهتف:
_أنت مش انسان يا زكريا، أنت شيطان شايف أنه يقدر يعمل كل حاجه وهو ضعيف جبان…
قاطعها زكريا يقول بحنق:
_تصدقي أنا غلطان أني جاي اعتذر منك وأأقولك أسف!
حدجته غرام بإشمئزاز، وقالت بإزدراء:
_أنت قُلت أيه لبابا خليته قلب عليَّ وعلى يمان كدا؟!
فتبسَّم زكريا بفحيح وهو يتراجع لظهر المقعد في استرخاء، قائلًا ببساطة:
_ولا حاجة قُلت له أنك ويمان على علاقة ببعض وأني قفشتكم في وضع مش كويس، عشان كدا أنتِ رجعتي معاه وانتوا مخططين تتهموني بتهم أنا بريء منها.
ومال بوجهه على وجهها وهو يقول:
_وصدق بكل بساطة.
ثم تراجع واضعًا قدم فوق الأخرى، بينما صاحت غرام:
_أنت مجنون إزاي تقول له حاجه زي كدا منك لله حسبي الله ونعم الوكيل.
فقست ملامحه وهو يميل نحوها، قائلًا بهمسٍ مخيف:
_هشش مسمعش صوتك، أنا هقول أن يمان هو اللي حاول يغويكِ وأنك رفضتي وقاومتيه وأن ملكيش ذنب في اللي حصل وهكمل زواجي منك.
ومال بوجهه مجددًا، قائلًا:
_وإلا لو طلاقتك مين هيرضى يتجوزك؟!
غمغمت غرام بقرف:
_أنت حقير.
نهض زكريا من مقعده، وقال:
_مش هكلمك دلوقتي على غلطك فيَّ عشان أنتِ على فراش المرض، وأياكِ تقولي حاجه غير اللي قولته دلوقتي.
هبت غرام تصرخ في جنون:
_أنا مستحيل أوافقك أأقول حاجه زي دي عن يمان حرام عليك أنت أيه؟
فقال زكريا وهو يتوجه إلى الباب:
_يبقى أبوكي هيموت بحسرته، سيبيني ألم الموضوع واتفرجي وأنتِ ساكتة.
وخرج مغلقًا الباب وراءه، بينما وارت غرام وجهها في راحتيها واندفعت في بكاءٍ مرير.
*************
جلس زكريا بجانب عبد السلام المطرق في أسى، ولاذ بالسكون من هيبة الموقف، ثم رمق أبيه بنظرة سريعة وضم شفتاه في وجوم، ثم تنحنح وزفر ما يعتمل في صدره، وقال وهو يربط على ظهر عبد السلام:
_عمي.
فلم يجيبه عبد السلام ولو بهمسة، وظل على حاله من الإطراق، فغمغم زكريا وهو يزدرد لعابه:
_ليه عملت كدا في غرام، غرام متستهلش يحصل فيها كدا، هي ملهاش ذنب في اللي حصل، الغلط كله على يمان لكن بنتك اللي هي مراتي كويسة وأنا واثق فيها، انا لما كنت بكلمك كان دمي حامي، ويمان عرف إزاي يضحك على غرام فكان واجب علينا ننبها بس.
ثم سكت لهنيهة وتابع في إنشراح:
_إيه رأيك اول ما غرام تخف وتطلع من المستشفى نعمل الفرح على طول؟!
ورد عليه عبد السلام وهو لا يزل مطرق الرأس، جامد الجسد:
_لما تطلع خدها على البيت من غير فرح!
غمغم مختار متفاجئًا:
_بس يا عبد السلام..
قاطعه عبد السلام هائجًا دون أن يلتفت إليه:
_لو ابنك لسه عايز بنتي يبقى ياخدها على بيتها من غير فرح!
فربت مختار على كتفه قائلًا:
_طيب طيب اهدى اللي أنت عايزه، هو اللي هيحصل!
*********
لم تبق غادة إلا يومٍ اطمئنت فيه على غرام ثم عادت إلى أخيها في شقة والديهم، كانت حائرة في أن تخبره بما حصل لغرام أم لا!
لكنها آثرت أن تكتم ذلك في قلبها، دلفت إلى حجرته وعلى أسكفة بابها تسمرت والعبرات تملأ جفنيها، وهي تراه واقفًا مرتكزًا براحتيه على إطار النافذة، يشرائبُ برأسه يراقب السيارات المارة في شرودٍ تام بدا لها بهمٍ جثيم يجثم على صدره يكاد يشطره إلى نصفين ثم يحيله إلى رماد تزروه الرياح، فدفعت قدميها لتسير نحوه وتحط بيمينها على منكبه فلا يأبه بها، كأنها غير موجودة، همست غادة بصوتٍ خفيض كأنما تخشى أن تبدد شروده:
_يمان أنت كويس؟
لم تتلقَّ ردًا، ولا إلتفاتة من رأسه، ولا رفرفة من أهدابه، فمالت برأسها على كتفه، وهي تقول بثقة:
_أنا عارفه ومتأكدة وواثقة أنك مستحيل تعمل اللي زكريا قال عليه.
ثم سكتت لثوانٍ، وأتبعت تقول باهتمام شديد:
_بس أيه إللي حصل هناك معاكم، ليه أنت رجعت مع غرام؟! ليه زكريا بيقول كدا؟!
فالتفت برأسه إليها، وحدق فيها طويلًا دون أن ينبس، ثم أسبل جفنيه ودار رأسه بعيدًا عنها، وتمتم في هدوء:
_مش مهم تعرفي حاجة!
فأحست غادة أنها مهمشة في حياة شقيقها، وشعرت بغضبٍ عارم يغمر فؤادها، فأرتدت للوراء وهي تصيح بانفعال:
_يعني أيه مش مهم أعرف؟! أنت ليه دايمًا كل حاجه مخبيها عني! هو مش أنا أختك الوحيدة ليه بتعمل معايا كدا وشايف أن مش من حقي أعرف أي حاجة؟
نفخ يمان بضيق، وأشاح بكفه لها وهو يقول بعنف:
_أنا مش ناقصك.
وألتقط جاكته من فوق المشجب وهو يتحرك خارج الشقة صافقًا الباب وراءه.
يجوب الطرقات هائمًا دون سبيلٍ يهتدي إليه.
دون أن يعرف أي سبلُ السلام يسلك!
إلى أين يسعى؟
هل يبلغ في نهاية المطاف نورها؟
تميزت غادة غيظًا، وجلست وهي تحرك قدميها في غضبٍ، ثم رن هاتفها برقم يوسف، فردت عليه تقول بعصبية:
_نعم.
فرد يوسف متعجبًا:
_أيه يا بنتي مالك؟ أيه العصبية دي!
فألتقطت نفسًا عميقًا، ثم أجابته في هدوء:
_مفيش حاجة شديت بس شوية مع يمان اخويا.
فتمتم باهتمام:
_ في حاجه طيب؟!
فنفت قائلة:
_لا لا عادي، أنا وهو بنشد كدا مع بعض ومنكملش دقيقة ونتصالح عادي يعني.
فران عليهما الصمت قليلًا، ثم أردف يوسف بجدية:
_هاا قررتي هنعمل الفرح إمتى؟! ولا هنستنى غرام وزكريا؟!
غمغمت غادة باندفاع:
_زكريا وغرام مش هيعملوا فرح، وانا كمان مش عايزة اعمل فرح، وياريت تاخدني في أأقرب وقت.
فلاذ يوسف بالسكون مفاجئًا، ثم تنفس الصعداء وهو يقول:
_أنتِ مش عايزة نعمل فرح بجد؟!
_ايوة.
_ليه؟
تنهدت غادة تنهدًا عميقًا حائرة وقد أحجمت عما أردت أن تقول، ريثما تنتقي كلماتٍ مقنعة، ثم أردفت:
_عادي يعني شايفة إن إحنا بدل مصاريف الفرح نعمل بيهم حاجه تنفعنا، زي مثلًا نساعد حد عايز يتجوز، ولا نطلع بيهم عمرة.
تمتم يوسف مبتهجًا:
_أنا كنت عايز اقترح عليكِ بكدا فعلًا، ولكن خوفت ترفضي الفكرة فقولت هعملك فرح منعزل.. بس الحمد لله انا كدا ارتحت، خلاص هتصل بيمان وهحدد معاد معاه نتفق فيه.
فغمغمت غادة وهي تزدرد لعابها في توتر:
_تمام.
***********
اتفق يوسف مع يمان على تحديد يومٍ للزفاف، الذي سيقام بحفلة بسيطة على إحدى السفن التي تطوف فوق المياه الراكدة، الصافية، بضمة عائلية من جانب كلا العائلتين فقط.
وكان الاتفاق خلال أسبوع واحد، طلب يمان من شقيقته أن تحادث خالها وتخبره ليأتي لكن في ذلك اليوم لم يحضر مختار وظن يمان أنه لم يأت بسببه دون أن يدري أن تأخيره بسبب غرام وأنه ليس موجودًا،
تألقت غادة في فستانٍ أبيض مع قليلٌ من الزينة البسيطة، وتصورت بعض الصور برفقة يوسف وأخيها، ثم جلسا على طاولة فوق السفينة يتناولون طعامهم، وقضوا ساعاتٍ من السمر معًا، ثم ودعت شقيقها بحضنٍ دافيء والكثير من عبرات الفراق، لتبدأ حياة جديدة..
ورحلة جديدة..
مع شريكًا جديدًا للحياة..
بساقين ترتعشان، ترتجفان وطأت بقدميها داخل شقتها الجديدة، وحياتها الجديدة وخطت للداخل في توتر، ثم وقفت مترددة ثم دنا منها يوسف بخطواتٍ وئيدة، وأخذ كفيها بين راحتيه برِفق، وتمتم بحنو:
_مش عايزك تخافي من حاجه خالص أنا معاكِ وجنبك على طول.
ثم ابتسم وهو يقول بصوتٍ يقطر بالعاطفة:
_مبارك عليَّ أنتِ..
ثم لثم جبهتها بقبلة طويلة، وتلاقت الأعين وتبسمت الشفاة.
في صباح اليوم التالي باكرًا كانت تغط في سباتٍ عميق إثر سهر البارحة، عندما إيقظها هو بهزة بسيطة من كتفها وهمسه جوار أذنها:
_غادة غادة اصحي.
فتململت بكسل وهي تتأفف بضجر، لتستلقي على ظهرها وهي تقول:
_أيه يا يوسف بتصحيني بدري ليه!
فزم يوسف شفتاه وهو يغمغم بفكاهة:
_تصدقي انا غلطان اني محضرلك الأكل وجايبه لحد عندك، اضرب بالجزمة بصحيح.
فضحكت في رقة وهي تعتدل جالسة، لتضم كتفه في مرحٍ وهي تقول:
_خلاص يا عم متزعلش صحيت اهوو.
ثم تناولا طعام إفطارهما معًا، واستوى يوسف في جلسته ولمحت غادة على وجهه لمحة توتر، وبدا عليه الغموض وهو يبتسم قائلًا بصوتٍ بدا مبهمًا:
_محضر لك مفاجأة!
فتنبهت جم حواسها وهي تستدير إليه بكل كيانها، وتجيبه في اهتمام:
_أيه هي.
ثم ارتكزت بمرفقيها فوق الطاولة وقد ضمت براحتيها وجهها وهي تحملق فيه في انتظار إجابته، حين قال يوسف مبتسمًا في هدوء مريب:
_عايزك تجهزي لشهر العسل، عشان هنسافر النهاردة.
فضحكت ضحكة متوترة بسيطة وهي ترتد لظهر المقعد، قائلة:
_هنسافر إزاي يعني؟ أنت مش قولت ليّ أن بسبب شغلك مش هنقدر نسافر إلا بعد فترة.
فرد عليها وهو يعقد ساعديه أمام صدره:
_ما قولت لك عشان تبقى مفاجأة.
فلاذت بالصمت لفترة؛ تحدق فيه النظر علها تستشف ما يريح هواجسها، ثم قالت في تردد:
_طب تمام انا هجهز الشنط.
فنهض وهو يسحبها من مرفقها قائلًا:
_إحنا المفروض هنسافر بعد ساعة مفيش وقت يلا.
فهتفت في دهشة وهي تسير معه بينما يقودها إلى حجرة النوم لتجهز الحقائب:
_بعد ساعة ايه بس يا يوسف، دا أنا لسه حتى مكلمتش يمان.
فتمتم في غموض:
_معلش يلا عشان مفيش وقت.
اكتفت غادة بأن اتصلت بشقيقها يمان لتخبره بأنها ستسافر، ووعدها على أن يلتقيها في صالة المطار قبيل مغادرتها، في ساعةٍ واحدة كانت قد وصلت إلى صالة المطار، ووجدت شقيقها في انتظارها في الخارج، وظل معها حتى أتخذت مقعدها هي ويوسف في الطائرة، وأقلعت بهما، فتنهد ثم زفر بضيق وقد خلت به الحياة.
فتحت غادة نافذة باب الحجرة في إحدى الفنادق في روسيا وتنفست بعمق وهي تتأمل المدينة في انبهار وبهجة عكرها يوسف حينما سحبها للداخل وأوصد النافذة وهو يقول:
_بلاش تفتحي الشبابيك هنا.
فهزت كتفيها في تعجب، قائلة في ذهول وهي تقعد ساعديها:
_دا ليه بقا!
فضحك في هدوء وهو يقودها إلى الخارج قائلًا:
_تعالي قبل ما نغير هدومنا ننزل نتعشى.
وبينما هما يمران الطرقة، سألته غادة في اهتمام:
_بس أنت مقولتليش قبل كدا أنك بتعرف تتكلم كذا لغة.
فغمز لها قائلًا في بساطة:
_واديكِ عرفتي يا ستي.
فتفرست النظر فيه وهي تغمغم في وجد:
_ولسه هكتشفك أكتر.
فأكتفى بنظرة مختلسة نحوها ولم يعقب، وجلسا في مطعم الفندق يتناولان الطعام في جوٍ هاديء وسكونٌ تام، قاطعه يوسف وهو يقول:
_النهاردة نستريح وبكرا هاخدك نتفسح براحتنا.
فتبسمت وهي تومأ إليه موافقة، ثم صعدا حجرتهما وأويا إلى فراشهما، لم يمر طويلًا وفتح يوسف جفنيه وأزاح الغطا في حذر، وتسلل خارج الفراش والحجرة حذرًا ثم مضى خارج الفندق.
استشعرت غادة خلُ الفراش بجانبها، ففتحت جفنيها ولم تجد يوسف فتوجست خيفة في نفسها، ونهضت لتراه في دورة المياه فوجدتها فارغة، وقد خلت الحجرة منه، فجلست في انتظاره وقد اعتمل الخوف قلبها، عينيها تعلقت بعقارب الساعة المعلقة على الحائط، ومرت ساعاتٍ دون أن يجيء أو يراه، ونهضت تتحرك في الحجرة بقلق، ثم أحست بالباب يفتح في بطأ فأنطلقت جهة الباب تستقبله والهلع يطل من عينيها، ثم اندفعت إلى حضنه وقد سال دمعها على خديها، وهي تقول:
_أ.. أنت سبتني وكنت فين يا يوسف؟
فربت على كتفها في حنان وهو يغلق الباب، قائلًا:
_دا أنا نزلت اتمشى عادي ومرضتش أأقلقك.
وسار بها للداخل وهو لا يزل مطوق كتفها ويضم رأسها إلى صدره فما كادا يجلسان حتى ارتفع دق شديد على الباب فالتفت يوسف بعنف وهو يدفعها إلى حجرة النوم، قائلًا بعجل:
_ادخلي جوا.
فهتفت في ارتياع:
_ادخل إزاي مش لما اعرف مين؟
فهدر وقد اسودت عيناه وهو كظيم:
_قُلت ادخلي!
فتسلل الخوف إلى قلبها، وزحف القلق في أوصالها وهي تسير شطر الحجرة برأسٍ ملتفة للوراء، وشهقت في فذعٍ وهي تراه يستل سلاحًا صغير من وراء ظهره، ويسحب زناده ليرتد بصوتٍ أجفلها، فصرخ بيها بالدخول للداخل فهرعت والهلع بلغ منها منتهاه، فراقبته من فرجة يسيرة من باب الحجرة وهو يفتح الباب ويطل برأسه منه، لم يلبث أن أعاد المسدس وراء ظهره، وقد لانت ملامحه إلى الارتياح.. ثم إلى الهلع وهو يستقبل شابًا ملابسه ملطخة بالدماء.

google-playkhamsatmostaqltradent