Ads by Google X

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الرابع عشر 14 - بقلم مريم غريب

الصفحة الرئيسية

    

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الرابع عشر 14 -  بقلم مريم غريب

 الفصل الرابع عشر _ لك هذا _ :
أضأت النجوم الساطعة السماء الصافية بوهجٍ باهر.. و لامست وجنتيها نسمات اللليل المنعشة ..
كانت ممتنة لمجاراته لها بنزوتها.. رغم حرصها على تذكير نفسها بأنهما بلعبة.. ما بينهما مجرد لعبة و يتحتّم عليها التنبّه لذلك على الدوام.. تعرف تمامًا بأنها إن غفلت فإنها خسارتها المؤكدة.. و هي.. لا تنوي أبدًا الخسارة أمامه ..
ليظن بها أسوأ الظنون.. هذا ما تنشده.. هذا ما تريده بالضبط.. و لتنال منه المتعة التي تصبو إليها.. المتعة الخالصة التي وضعتها هدفًا أسمى نصب عينيها قبل بضعة سنوات.. و القانون الوحيد الذي تعتمده ..
لا ثقة.. بأيّ رجل.. و لا أمان لأيّ رجل ..
فما بالها بـ”نبيل الألفي” !؟
الرجل الأكثر جرأة.. أخطر رجل قابلته على الإطلاق.. و.. الأجمل.. الأوسم ..
إن وسامته.. تذيب قلبها.. مجرد إطالة النظر إليه تضعف من عزيمتها تجاهه.. لذلك هي تتشبث بأذيال خيبتها و سنوات الذل بكل ذكرياتها.. تتسلّح بهم أمامه و تتذكر.. حالما تشعر بأيّ ضعفٍ.. لا يسعها إلا أن تتذكر ..
أن الذي كسر قلبها هو رجل.. الذي دعس على كرامتها هو رجل.. الذي دمر أحلامها و آمالها هو رجل.. “نبيل” أيضًا رجل.. مثل جميع الرجال.. أخويها و أبيها.. خطيبها السابق و حتى الرجل التي تزوجته.. مثلهم جميعًا …
-مبسوطة يا مايا ؟
إلتفتت “مايا” نحو “نبيل” منتبهة إلى ندائه.. رأته ثابتًا في مكانه بجوارها.. تنعكس على وجهه أضواء الثريات الملوّنة و المتراقصة.. تشعر بالرضا لرؤية بريق الرغبة بعينيه و هو ينظر إليها بنظراتٍ شمولية ..
ابتسمت برقةٍ و هي تقول مرفرفة بالأهداب الاصطناعية الكثّة الطويلة :
-آه.. مبسوطة أوي.. و انت ؟
رد بهدوء و هو يفترش ذراعه سطح الأريكة المنجّدة :
-أنا مش قادر أحدد إحساسي بصراحة.. بس إللي متأكد منه إني حابب أوي قربنا من بعض
ما تقرّبي عليا شوية !
و مسّ جانب كتفها العاري بأنامله ..
تتبعت “مايا” أنامله بعينيها متمتمة :
-أنا هقوم.. هاروح التويليت
و راجعة لك تاني.
قامت من مكانها آخذة حقيبة يدها الصغيرة فقط.. أفسح “نبيل” لها لتمر من أمامه.. لم تفارقها عيناه و هي تسير بزهوٍ كطائر الطاووس.. عبر أروقة الصالة الصاخبة.. فاتنة.. في ثوبها الذي يحضّ على الفسق.. كانت مجرد قطعة من قماش المخمل النبيذي.. قصيرة تصل إلى منتصف الفخذين.. عارية الكتفين.. تبرز مفاتن جسمها بوضوح كبير ..
أطلق “نبيل” أنفاسه المحبوسة ما إن توارت عن ناظريه.. أحس فجأة بالحمى تضرب خلاياه وتشعّ من مسامه.. فتناول كأس شرابه من فوق الطاولة أمامه و تجرّعه على دفعة واحدة ..
إنه حتى الآن يتمالك أعصابه بمعجزة.. بدايةً بطلبها إليه أن يقضيا سهرتهما بملهى ليلي.. تظاهر بأن الأمر يروقه و رحب بإحضارها إلى هنا.. لتصدمه لحظة دخولهما إلى المكان.. عندما خلعت معطفها و تأكد حدسه.. لقد كانت ترتدي هذا الثوب لتثير أعصابه ..
رغم إنه لم يحقق لها غايتها و يبدي التأثير الذي ناشدته.. تصرّف بمنتهى التحضّر و هو يأخذها ليجلسها إلى طاولة لفردان.. و منحها شيء واحد فقط ليرضي غرورها و أنوثتها الجائعة ليهمنة رجل ..
لم يبخل عليها بالثناء على جمالها.. و بترديد عبارات الغزل الصريح على مسامعها.. كانت خطته تقضي إيهامها بالسيطرة عند كل منعطف.. حتى تطمئن له على الأخير.. عند ذلك سيفاجئها بما نواه معها منذ البداية ..
رجل مثل “نبيل الألفي”.. بعقليته الفذّة.. لا يغتّر بذكائه.. و لا يمكن أن يستهين بخصمه.. رغم ثقته التامّة بخضوع “مايا” إليه عاجلًا أو آجلًا.. لكنه لا يتعجّل أيّ شيء بينهما ..
هدفه أن تأتي إليه طواعيةً.. أن تتقبّل مصيرها بين يديه مهما كان مرحبة.. أن تسقط بفخّه عارفة بحتمية هلاكها و لكنها تحب ذلك ..
لن تستعيد “مايا” نفسها إلا بهذه الطريقة.. لن تشفى إلا بعد أن يتمكن منها و يدمرها عن آخرها.. يحرقها حتى يفنيها.. ثم بعدها ستولد من جديد.. كما العنقاء من رمادها المحترق ..
هو يعرف منذ الآن بأن خطته إذا نجحت و سارت كما يريد بالضبط فإنه لن يجد لنفسه مكانًا بأيّ حياة جديدة لـ”مايا عزام”.. لكنه لا يعبأ في الحقيقة.. هو لم يود علاقة جديّة و أبدية معها.. كل ما أراده هو إثابتها إلى رشدها.. رد معروف والدها فيها ..
إنه يدين لصديقه و شريكه العجوز بالكثير.. و “مايا” هي فرصته المثلى لرد هذا الدين كاملًا.. لن يتركها حتى يعيدها إلى حضن أبيها طالبة حمايته و الاحتماء بكنفه.. حتى لو أضطر لخسارة “حسين عزام” نفسه بعدها.. سيعيد إليه ابنته أولًا مهما كلّفه الأمر ..
أشعل “نبيل” سيجارته الثانية بحلول الآن.. كان يدخن بشيء من العصبية و هو يحصي دقائق غيابها.. لقد غابت لخمس دقائق تقريبًا ..
ماذا تفعل هناك كل هذا الوقت !؟؟
لم تكاد السيجارة تنتهي.. إلا و ظهرت “مايا” أخيرًا.. جمد لوهلةٍ و هو يراها تقف بمنتصف الطريق.. ليتبيّن بنفس اللحظة ظل من ورائها.. ما لبث أن وضح و ظهر كرجل ..
رجل أسمر اللون.. قوي البنية.. هيئته تشي بانتمائه للدولة المقيمين بها.. إنه عربي من أهل هذا البلد بالتأكيد ..
ماذا يريد منها بحق الله ؟؟؟
هب “نبيل” واقفًا قبل أن تحط يد الأخير على خصر “مايا”.. إندفع صوبهما كالسهم.. وصل إليها خلال لحظاتٍ.. قبض على رسغها بينما ذاك الرجل يتحسسها بكفوفه معتزمًا سحبها إلى حلبة الرقص …
-آاااي.. نبيل !!
غرز “نبيل” أصابعه أعمق بمعصم “مايا” غير آبهًا بصيحتها المتألمة.. شدّها بقوة نحوه مغمغمًا من بين أسنانه :
-إمشي معايا.. هانخرج من هنا حالًا !
كان الأخير يشد ذراع “مايا” الآخر.. تصدّى إلى “نبيل” على الفور قائلًا بابتسامةٍ سمجة :
-تريّا يا ريّال
تراني مستانس مع الأنسة !
أظلم وجه “نبيل” و هو يرد عليه بصوتٍ أجش :
-المـدام.. معايا يا صاحبي
و إيدك بعيد لو سمحت !!
شدد الأخير قبضته حول ذراع “مايا” و هو يقول بتصميم :
-بعطيك لو تبا ثمنها !
لم تستطع “مايا” التي كانت تراقب النزاع عليها كتم صرختها.. حين إندفعت قبضة “نبيل”.. نحو الرجل الذي عملت على إغوائه لإثارة “نبيل” ..
لقد نجحت.. ها هو “نبيل” يفجّر أنف ذلك الرجل بالدماء.. و قد كانت لكمة واحدة بيقضته هو كافية للقضاء عليه ..
استقطب العراك القصير نظرات روّاد الملهى.. و لم تتسنّى الفرصة للأمن بالتدخل.. فقد سقط الرجل مترنحًا.. بينما أخذ “نبيل” رفيقته عائدين إلى الطاولة لتجلب معطفها.. ثم سحبها خلفه إلى الخارج …
**
اشتدت أصابعه حول المقود و هو يكاد لا يرى الطريق أمامه من شدة تدفق أفكاره ..
لم ينفك ينزح بكم قميصه الدماء السائلة من جرح شفته السفلى الذي سبّبته له قبضة صديقه.. كما لم تكف ذكرى المشاجرة الطاحنة بينهما بطرق رأسه مفاقمة من غيظه و غضبه على صديقه.. على “عثمان البحيري” ..
لقد خلع قناع الكياسة الأرستقراطي بلحظةٍ.. ما إن أشهر “رامز” وثيقة الزواج العرفي من أخته “شمس”.. لم يستوعب “رامز” ما حدث في البادئ.. ليجد نفسه منسدحًا فوق الأرض و قد أطاحه “عثمان” عن قدميه بلكمةٍ واحدة عنيفة ..
لم يحاول “رامز” الاستيعاب بعدها.. كذلك لم يدافع عن نفسه.. بل هاجمه على الفور متفاديًا ركلة من قدمه أراد تسديدها إلى منتصف معدته ..
قفز واقفًا أمامه برشاقةٍ.. استوحش مظهره المتشعّث أكثر و هو يرمق صديقه بعداءٍ سافر.. فك “عثمان” زر كمّيه و شمر عن ساعديه.. و انبعث هسيسه الخطر عبر أنفاسه اللاهبة :
-انت انتحرت لما فكرت تورّيني الورقة دي يا رامز !!
رد “رامز” بخشونة و هو يتنفس بعنفٍ :
-و انت بقيت عدوّي من اللحظة دي يا عثمان !!
و نشب العراك بينهما على الفور.. مزيج من اللكمات و الضربات.. قبضات و أكواع.. دماء.. صيّحات كلاهما.. أصوات تحطيم مصمّة.. لم يسهل على الإثنان الإيقاع بأحدهما الآخر.. كانا متعدلان لحظةً بلحظة.. يتقاتلان مثل كلبا شوارع ..
لولا أن اقتحم “صالح البحيري” غرفة المكتب و إندفع ليفصل بينهما عبثًا.. تركهما للحظة ليصرخ على رجال الأمن ..
دقيقة واحدة و حضر فردان من الحراسة المكلّفة بتأمين القصر.. نجحا بالفصل بين الرجلين بأمر من “صالح” الذي تولّى زمام ابن عمه ممسكًا ذراعه بشدة قائلًا :
-إهدى يا عثمان !!!
يحدقان كلًا من “عثمان” و “رامز” إلى بعضهما.. يتنفسان بشدة و الإجرام يفوح من كليهما ..
برقت عينيّ “عثمان” التي استحالتا إلى لون ذهبي خالص و هو يقول بغلظة من بين أنفاسه :
-الورقة إللي معاك دي.. بلّها و أشرب مايّتها
و الغلط إللي عملته معايا ده.. أنا عارف إزاي أحاسبك عليه يا رامز !
و صرخ عليه بغضبٍ مُهدد :
-بـراااااا.. اطلع بـرا بيتي يا و×× !!!!
غلت الدماء بعروق “رامز” و هو يختتم المشهد بعقله من جديد.. أحس بأنه سينفجر و قد فقد تركيزه على الأخير.. صطف سيارته فجأة إلى طريقٍ جانبي ..
تزاحمت الأفكار و الأصوات برأسه حتى شعر بضغطٍ رهيب.. “شمس”.. “شمس” فلتت من قبضته.. كيف يستعيدها الآن ؟
لماذا استمع إلى صديقه ؟
لماذا أعادها إليه قبل أن يتمم زواجهما ؟
لطالما عرف منذ أخبرته بالصلة التي تربطها بعائلة “البحيري”.. منذ أخبرته إنها أخت “عثمان البحيري” نصف الشقيقة.. إنه لن يقبل به زوجًا لأخته ..
هذا واضحًا بشدة الآن.. رفضه “عثمان”.. ضربه.. توّعده بالدمار و الثأر منه.. هذا كله لا يهمّه حقًا ..
إنها “شمس” فقط.. “شمس” التي تعنيه.. و لن يهدأ له بال حتى يستعيدها.. و سيفعل و إن أضطر لإنتزاعها.. لخطفها من عقر دار أخيها و من تحت سقف منزله المحصن ..
اهتدى “رامز” بغتةً إلى فكرة ألمعية.. آخر محاولة سلمية سيتبّعها مع صديقه ليسلّمه “شمس” عن طيب خاطرٍ.. تناول “رامز” هاتفه الملقى بجوراه على كرسي الراكب ..
عبث به للحظاتٍ مجريًا الاتصال باسم لم يتواصل معه منذ زمنٍ.. مرّت ثوانٍ طويلة قبل أن يرد الصوت المألوف.. رخيمًا مرحًا :
-رامز البرنس !
أنا مش مصدق نفسي.. يا ترى إيه إللي حصل عشان تفتكرني فجأة كده يا واطي !؟
لم يتجاوب “رامز” مع مزاج محدّثه الرائق.. إنما رد عليه بصوتٍ يتميّز غضبًا :
-مـراد.. انت لازم تيجي فورًا
لازم تيجي و إلا أنا و عثمان البحيري.. واحد فينا هايقتل التاني !!
**
الطقس إنقلب رأسًا على عقب خلال طريق العودة ..
و كأنه يحاكي مزاجه الأسود.. أمطار غزيرة مصحوبة بالبرق و الرعد على طول الساحل.. بالكاد كان “نبيل” يرى الطريق من سرعة المسّاحات ..
كانت “مايا” تجلس بجواره هادئة.. باردة.. رغم قلقها عادةً من الإسراع بالقيادة.. كانت منتشية بالحال التي دفعت “نبيل” إليها.. إنه يبدو… غيرانٌ !
-احنا هانسهر في مكان تاني و لا انت مروّحني ؟
لم يرد “نبيل”.. واصل القيادة و تصرّف كأنها ليست موجودة معه.. ما أغاظها و دفعها لسؤالها بصوتٍ أكثر حدة :
-نبيل ..
أنا بكلمك !!
-الراجل إللي وقفتي معاه.. كان بيقولك إيه عشان تضحكيله كده ؟
إلتزمت الصمت لهنيهةٍ.. تناظره بامعانٍ.. ثم قالت بهدوء :
-كان عايز يرقص معايا.. و طريقته عجبتني
انت إللي كبّرت الموضوع و عملت فضيحة.. محدش بيعمل كده على فكـ ..
بترت عبارتها فجأةً.. حين دعس على المكابح موقفًا السيارة بلحظةٍ.. إن لم تكن تضع حزام الأمان لتأذت لذلك التصرّف ..
تسمّرت “مايا” محلها شاخصة العينين.. لم تأتِ بحركة بينما تسمع صوته الحاد يقول من جانبها :
-طريقته عجبتك !!؟
الراجل إللي طريقته عجبتك.. كان عايز يدفعلي تمنك.. انتي فاهمة يعني إيـه ؟؟
رفعت “مايا” حاجبها قائلة بتبّحٍ :
-انت بتحسسني إنك ماتعرفش عني حاجة !
نبيل.. أنا ماكدبتش عليك و صارحتك.. هي دي طبيعتي.. أنا ماعنديش إحساس بأي حاجة غير جسمي.. و لا يهمني حد.. لا عادات و تقاليد.. و لا حتى عندي مبادئ و أخلاق
كل الحاجات دي كانت عندي زمان.. دلوقتي مالهاش وجود.. إللي قدامك دي هي حقيقتي.. نفسي الحقيقية إللي كانت جوايا طول عمري.. أنا كده و هافضل طول عمري كده !!
رأت “مايا” وجه “نبيل” يكفهر مثل ليل شتاءٍ بارد.. و كادت عيناه تنفجران حممًا.. على النقيض تمامًا خرج صوته هادئًا رزينًا :
-الظاهر إنّي نسيت فعلًا.. بس كويس إنك فكرتيني
عمومًا أنا جاي معاكي في أي حاجة يا مايا.. و سكتك.. هي سكتي بالظبط !
تبخّر مزاجها العنجهيّ و هي تتمعن بعينيه قائلة بتوجسٍ :
-مش فاهمة قصدك إيه ؟
إلتوى ثغره بابتسامةٍ جانبية و هي يسألها :
-قوليلي يا مايا ..
انتي عملتي علاقة كام راجل ؟
يعني غير وليد إللي اتجوزتيه.. كام واحد عرضتي عليه نفسك ؟
تصلّب وجهها و هي تنظر إليه بقوة.. ثم قالت باقتضابٍ :
-أنا مش مجبرة أرد على استجوابك !!
خنق قهقهته سريعًا و هو يقول :
-أنا مش بستجوبك.. أنا بس حبيت أقايس المعلومة على أفكاري.
-أفكارك ؟
-أيوة.. أنا وعدتك إني مش هاخليكي تحتاجي للأغراب طول ما أنا موجوج
يمكن طريقتي معاكي كانت بطيئة.. بس احنا فيها.. أنا بتعلم من أخطائي يا مايا !
بلعت ريقها.. و قالت تحاول تغيير مجرى الحديث للهرب من المعنى الخفي وراء كلماته :
-طيب يا نبيل.. أنا مودي بقى وحش و مش حاسة إني عايزة أكمل السهرة
بليز روّحني !
لمحت نظراته الشيطانية تعلن نواياه الخبيثة و هو يقول :
-مش قبل ما أشبّع رغباتك.. أنا مايرضنيش إني كنت سبب المود الوحش ده
لازم أعدل مزاجك يا مايا !!
لم تتسنّى لها فرصة الرد.. إلا و شهقت بقوة.. عندما شغل المحرك و انطلق بسيارته بغتةً …
-انت واخدني على فين !؟؟؟
لم يلتفت لسؤالها.. ظل يقود مسرعًا بشوارع و طرقات يعرفها جيدًا.. حتى هبط إلى نفقٍ تحت الإنشاء ..
توقف بمنتصفه.. و أشعل أضاءة السيارة الداخيلة لتبدد شيئًا من عتمة النفق الدامسة.. ثم استدار إليها ..
تعابير وجهه أفزعتها.. رغم ذلك لم تظهر له جزعها و قالت بثباتٍ :
-نبيل.. لو سمحت.. روّحني !
تجاهل “نبيل” طلبها و قال مشيرًا لها بيده :
-النفق ده لسا تحت الإنشاء.. تعرفي أنا إللي صممته.. و حسين أبوكي بيموّل عملية تنفيذه.. انتي عارفة طبعًا أنا و هو شركا.. المهم يعني.. ده آمن مكان نكون على راحتنا
لو حابة نروح شقّتي مافيش مانع.
هزت رأسها بعصبية هاتفة :
-أنا مش عايزة أروح معاك في أي حتة.. أنا هاروّح لوحدي ..
و استدارت ممسكة بمقبض الباب.. فتحته بالفعل و ترجلت من السيارة ساحبة معطفها في يد و حقيبتها الصغيرة في اليد الأخرى ..
اندفعت ماضية بالممر المقفر.. و لوهلة ظنّت بأنه قد تركها ترحل فعلًا بهذه السهولة.. كتمت صرخة ملتاعة.. حين أحسّت بذراعه يلتف حول خصرها.. ثم وجدته يرفعها عن الأرض عائدًا بها إلى السيارة …
-نبيــل.. نزلّنــي.. نزلّنـــــي يا نبيــــل بقـولك !!!
لم يأبه لصراخها.. لقد أحضرها إلى هنا خصيصًا لتأكده بأن لا أحد بإمكانه سماعها لو صرخت.. لتصرخ كيف تشاء.. منذ متى كان نبيلًا ؟
إنه يفتقر لمعنى اسمه.. إنه ذئب.. إنه غدّار.. و لكن هذه المرة لديه هدف يسعى إليه.. و سيحققه.. الآن …
تأوهت “مايا” متألمة حين فتح باب السيارة الخلفي ليزجها بعنفٍ إلى المقعد العريض.. أبعدت خصلاتها المبعثرة حول وجهها لتنظرإليه جاحظة العينين و هي تقول :
-انت بتعمل إيـه ؟؟؟
جاوبها “نبيل” بهدوء و هو يزحف فوقها ببطءٍ :
-بثبت جدارتي بيكي يا مايا.. المفروض إن ده شكل علاقتنا.. مش صح ؟
رفعت يديها على الفور متشبثة بكتفيه.. تحاول دفعه بعيدًا عنها و هي تصيح بتوترٍ :
-بس انت فهمت موقفي منك غلط.. أنا وافقت أخرج معاك عشان أتبسط و أغيّر جو
أنا مش حبّاك أصلًا !
قال بلا مبالاة :
مش مهم تحبّيني.. المهم إيه إللي أقدر أقدمه ليكي.. مش ده مبدأك ؟
إيه يا مايا.. هو لعب عيال و لا إيه ؟
انتي كل شوية برأي !؟
جفّ حلقها و تقلّص إلى حد الإيلام و هي تقول مغالبة اضطرابها :
-أنا مش عايزاك يا نبيل.. انت بالذات.. انت بالذات مش ممكن أسمح لك تقرّب مني
أبعد عنّــي !!!
تقوّس فمه بابتسامة قاسية.. ارتفعت يده لتفك أنامله أزرار قميصه.. و تسللت يده الأخرى أسفل تنورة ثوبها القصير.. ارتعشت بشدة و هي توقن بخسارتها الحتمّية.. بينما يقول بصوتٍ خفيض.. مخيف :
-مش هاسيبك الليلة دي يا مايا.. حتى لو كان التمن إني أخسر علاقتي بابوكي و شغلي في البلد دي.. انت تستاهلي أضحي عشانك !
صدرت عنها شهقات متقطّعة.. حين شعرت بتمزّق سروالها الداخلي بقبضته.. غرزت عيناها بعينيه قاتمتيّ الزرقة.. كانتا عبارة عن أمواج متلاطمة من المشاعر العنيفة ..
لم تحاول صدّه بعد ذلك.. تقبّلت عاقبة أمرها.. بوحها له باسرارها.. قلّة اكتراثها.. وقاحتها التي اتخذتها أمامه كدرع حماية ..
ها هو الدرع ينهار.. و النسخة الفاسقة التي صنعتها من نفسها.. يسحقها بجسده محققًا غايته.. بحلول نهاية ما يفعله.. تحت وطأة اهتزاز سيارته العنيف.. في تلك المساحة المحدودة التي اقترف فيها ذنبًا آخر لعله الأفدح بتاريخ حياته ..
لكنه واثقًا بأنه قد بر بوعده.. الليلة ستموت “مايا”.. لتبعث من جديد و تربّى في كنف أبيها ملتمسة حمايته من الذئاب.. منه هو !!!!

google-playkhamsatmostaqltradent