Ads by Google X

رواية ميثاق الحرب و الغفران الفصل الرابع عشر 14 - بقلم ندى محمود

الصفحة الرئيسية

 رواية ميثاق الحرب و الغفران الفصل الرابع عشر 14 - بقلم ندى محمود 

(( ميثاق الحرب والغفران))
_ الفصل الرابع عشر_

التفت بلال للخلف بتعجب على اثر سماعه لاسمه فاصطدم بذلك الشاب الذي كان يقف بظهره ملتصق به، ارتد للخلف مزعورًا والآخر لم يتثنى للحظة بل أشهر عن سلاحه الأبيض ووجهه نحو بلال ينوي طعنه، ولسوء الحظ أنه بلال لم يتدراك هجومه من البداية بسبب صدمته لكنه حاول تفادي الطعنة التي موجهة له قدر الإمكان ولم يستطع فقد أصابه بجرح عميق بالقرب من جانبه.

انطلقت صرخة مرعوبة من حور عندما رأت ذلك المنظر وعلى أثر صرختها التفت الجميع ولاحظوا ما يحدث بين بلال وذلك الشاب فركضوا لهم وكبلوا الشاب من يده ثم اسقطوا السكين من يده على  الأرض، وكان بلال يقف يتلوى من فرط الألم الذي يجتاح جرحه العميق واضعًا كفه مكان الجرح محاولًا وقف نزيف الدماء.

اقترب أحد أصدقائه على أثر الجلبة والصراخ وهو يحاول أن يخترق بنظره بين الحشود ليفهم ماذا يحدث وفور رؤيته لبلال بهذه الحالة ركض نحوه مسرعًا وأمسك به وساعده مع بقية الشباب ليقتربوا من أحد المقاعد ويجلس فوقها، ركضت حور نحوهم وتسللت بين الجميع لتصل له ثم وقفت أمامه ونظرت لجرحه الذي ينزف فارتعدت أكثر وتسارعت دقات قلبها، بينما هو فقد كان بدأ يفقد قوته وصموده تدريجيًا من فرط الألم والدماء التي تسيل منه، نزعت عن عنقها شالًا صغير كانت تضعه ومدته بيد مرتعشة لصديقه الذي يجلس بجواره تقول له برعب:
_ حطه على الجرح عشان يوقف النزيف لغاية ما توصلوا المستشفى 
كان بلال يغمض عيناه بتعب يسمع ما يحدث حواليه لكنه فاقد القدرة على فتح عيناه، ففعل صديقه كما اخبرته بالضبط وقال يحدثه بقلق ونبرة قوية:
_ بلال أنت سامعنا.. بلال
رد بصوت ضعيف:
_ سامعك يا مؤمن سامعك 
أمسك بيده يساعده على الوقوف هو وبعض أصدقائه وقال له بجدية:
_ طيب قوم يلا محمد جاب عربيته عشان نروح المستشفى بسرعة.. أسند علينا وقوم 
وقف بصعوبة معهم وحين فتح عيناه وقعت على حور التي كانت تتطلعه بارتيعاد واهتمام حقيقي في عيناها لكن نظرته لها كانت عابرة وسريعة وأكمل سيره بمساعدة أصدقائه حتى استقل بسيارة صديقه وانطلقوا متجهين نحو أقرب مستشفى.
ظلت هي متسمرة مكانها عيناها عالقة على أثره بزعر وخوف ملحوظ على ملامحها ولم تفق سوى على صوت صديقتها التي هزتها في كتفها بخفة هاتفة في صدمة:
_إيه اللي حصل ياحور هنا؟
لم تجيب على صديقتها وبقى عقلها مشغول بالتفكير به في خوف وقلق عليه لكن الأخرى هتفت بإلحاح:
_ ما تردي عليا يابنتي إيه اللي حصل دي الكلية كلها مقلوبة.. وأنتي بتعملي إيه هنا؟
جلست فوق أحد المقاعد لتهدأ من حدة أنفاسها المتسارعة وردت على صديقتها بعقل شارد:
_ بلال 
هتفت الأخرى بعدم فهم:
_ مين بلال ده 
قالت حور موضحة وقد تحدثت بوعي هذه المرة:
_ الولد اللي كان تلفونه معايا هو اللي راح المستشفى 
اتسعت عيني صديقتها بصدمة وقالت بفضول:
_ طيب هو كويس ولا كان تعبان جامد وحصله إيه؟ 
شعرت بالضغط عليها أكثر مما تشعر هي به فقالت بضيق وعين دامعة:
_ مش عارفة يانور سبيني اهدى شوية أبوس إيدك أنا مش قادرة اتلم على أعصابي أساسًا
تفهمت صديقتها حالتها فبالتأكيد ما رأته ليس هين وخصوصًا وهي تدرك أنها تكن إنجذاب له حتى لو بسيط.. فسكتت ورتبت على كتفها بلطف محاولة تهدأتها ولم يلبثوا للحظات حتى لمحوا أستاذ الجامعة ورئيسها وهو يسرعون في سيرهم نحو ذلك الشاب الذي مازال بين يدي الشباب ينتظرون وصول الشرطة حتى يسلموه لهم وبالفعل كانت قد وصلت الشرطة واعتقلوه ودار حديث بسيط بين مسوؤلين الجامعة والضباط.. من بعدها رحلت سيارة الشرطة ولحق بهم أستاذ الجامعة بسيارته.
                                    ***
داخل غرفة عمران بمنزل إبراهيم الصاوي.....
انتهت آسيا من حمامها الدافيء وكانت تقف أمام المرآة تجفف شعرها المبتل من المياه بعينان ثاقبة تتطلع لنفسها في المرآة، حتى سمعت صوت الباب ينفتح ظنته في البداية عمران رغم أنه خرج للتو للعمل فالتفتت برأسها للخلف تنتظر ظهور الدخيل الغامض، إذا بها ترى إخلاص أمامها وهي تقف على مسافة بعيدة نسبيًا منها تطالعها بغضب وغل.
التزمت آسيا الصمت وأبدت عن برود أعصابها التام وهي ترمقها بابتسامة مستفزة، مازال حديثها بالأمس عندما رأتها وهي بين ذراعين زوجها عالق بذهنها ولم تنساه، ربما تكون أخطأت بالقدوم إليها الآن.
تقدمت إخلاص منها بخطوات متريثة وهي تقول بسخرية:
_ وقعتي على راس ولدي من وين معرفش
كان رد آسيا بالصمت وهي ترمقها بقوة تليق بها فتوقفت إخلاص أمامها مباشرة وهتفت بغيظ:
_ على آخر الزمن ولدي سيد الرچال كلهم يتچوزك أنتي يابت جليلة.. ده أنتي متتحسبيش على الحريم حُرمة حتى .. وناسك كأنهم ما صدقوا خلصوا منك چوزوكي لولدي ومحدش سأل عليكي منهم من ساعة ما چيتي إهنه 
اختفت ابتسامة آسيا وتبدل برودها لنيران ملتهبة على استعداد لالتهام إخلاص بعد ما تفوهت به من إهانة قاسية وجهتها لها، لكن إخلاص لم تنتهي وأكملت بعصبية ووعيد:
_ عمران عمره ما وقف قصادي ولا حاسبني على حاچة.. وأنتي اللي لساتك مكملتيش يومين هتخربي بيني أنا وولدي، بس وغلاوة عيالي قريب هخليه يطلقك عشان ترچعي لناسك اللي معاوزنيكش دول
رغم أن آسيا كانت تشتعل كالقدر من الداخل وتحاول البقاء هادئة قدر الإمكان لكن بعد عبارتها الأخيرة قررت أن تنثر القليل من البهارات الحارة على غضبها لتشعلها أكثر ولم تستخدم أسلوبها المعتاد والشرس في المواجهة بل اتبعت أسلوب جديد ومختلف عليها وهو البرود عندما قالت لها فقط لتثير جنونها أكثر:
_ ومين قالك أن ولدك هيطلقني.. هو أنتي مشوفتهوش امبارح كيف كان خايف عليا وبيهتم بيا وواخدني في حضنه.. لو هتستني اليوم اللي هيطلقني فيه تبقي هتستني كتير قوي ياحماتي 

تعمدت لفظ كلمتها الأخيرة حتى تكون هي لحظة إنفجار البركان وبالفعل أصبحت إخلاص كجمرة من النيران وصرخت بغضب وهي ترفع يدها تهم بصفع آسيا:
_ اكتمي 
قبضت آسيا على يدها في الهواء قبل أن تصل لها واستقرت في عيناها نظرة شرسة ومخيفة وهي تهتف بتحذير:
_ اوعاكي تفكري تعمليها تاني.. مش أنا اللي هتچربي ترفعي يدك عليها وهتسكتلك، أنتي لساتك متعرفنيش يا إخلاص وصدقيني الأفضل ليكي أنك متعرفنيش
اتسعت عيني إخلاص بصدمة من تصرف آسيا الجريء.. فلم تكن تتوقع كل هذه القوة منها، بينما الأخرى فأكملت بصوت اقرب لفحيح الأفعى ونظرة تقذب الرعب في القلوب:
_ أنا معملتش حاچة عشان أخرب بينك وبين ولدك فمتخلنيش اضطر أعملها.. أنا كيف العقرب لدغتي والقبر خليكي بعيدة عني لو محباش تچربي لدغتي
تركت آسيا يد إخلاص ببطء وقالت باسمة ببرود غريب وكأنها تحولت من حالتها المرعبة التي كانت عليها للتو لأخرى لطيفة وهي تقول:
_ معلش ياحماتي هستأذنك عاد عشان عاوزة أغير هدومي.. معلوم عمران هيرچع على الغدا يعني بعد كام ساعة ولازم اتچهز لچوزي عشان لما ياچي يلاقي مرته كيف الوردة المفتحة 

أغلقت إخلاص على قبضتها بعنف وهي تضغط عليها تحاول تمالك أعصابها حتى لا ترتكب جريمة بتلك الساحرة التي تقف أمامها، ثم استدارت واندفعت لخارج الغرفة وهي تشتعل من الغيظ، أما آسيا فكانت تبتسم بنصر وتشفي لكن سرعان ما اختفت ابتسامتها وقالت بقرف:
_ اشبعي بيه ولدك أنا لا طيقاه ولا طايقة خلقتكم كلكم أصلًا.. أن شاء الله قريب أخلص منه ومنكم 
                                        ***
داخل المستشفى بإحدى الغرف الخاصة.. فتح بلال عيناه ببطء وسقطت عيناه أولًا على صديقه الذي كان يجلس بجوار الفراش على مقعد وهتف له باسمًا:
_ حمدلله على السلامة 
رد بلال بصوت خافت:
_ اللي يسلمك يامؤمن 
سكت صديقه للحظة ثم قال بجدية:
_ عمران برا بيتكلم مع الدكتور 
قال بلال بدهشة وضيق:
_ قولتله ليه يا مؤمن.. الموضوع مش مستاهل كل ده 
ضحك الآخر وقال ببرود ونظرة جادة:
_طب متخليش أخوك يسمعك بتقول كدا لمصلحتك.. بعدين هعمل إيه تلفونك كان معايا لما كنت لسا موفقتش من البينج وهو اتصل رديت عليه وقولتله 
زفر بلال بخنق وقال مغلوبًا:
_ زين ما عملت 
انفتح الباب وظهر من خلفه عمران الذي تقدم نحو بلال وجلس بجواره هاتفًا في قلق وحنو:
_ عامل إيه يابلال دلوك؟
هز رأسه بالإيجاب لأخيه وتمتم ببسمة خافتة:
_ أنا زين ياعمران.. ده چرح بسيط 
احتقنت نظرة عمران وهو يسأله بصوت رجولي قوي:
_ چرح إيه لولا ستر ربنا كان زمانك ميت دلوك، مين اللي عمل إكده وليه؟
صمت بلال وهو يتذكر وجه ذلك الشاب فهو نفسه الذي تشاجر معه منذ أيام بسبب تعرضه للفتيات، أخذ نفسًا قوي قبل أن يسرد لأخيه كل شيء من البداية وفور انتهائه كانت معالم وجه عمران مرعبة وهو يسأل بعين تلمع بالوعيد:
_ مين الواد ده ومين ناسه متعرفش حاچة عنه؟
هز راسه بالنفي فهتف مؤمن في جدية:
_ البوليس جه بعد ما مشينا وقبض عليه، الله أعلم هيعملوله إيه وهيطلع ولا لا 
لاحت نظرة شيطانية في عين عمران وهو يقول بوعيد حقيقي:
_لو عرف يطلع.. هخليه يعفن في السچون 
ابتسم مؤمن بتشفي بعد سماعه لوعيد عمران بينما بلال فكان صامتًا وسقطت عيناه على ذلك الشال الصغير الذي فوق أحد المقاعد وملطخ بدمائه فمال ثغره للجانب ببسمة لا تُرى لكنه شعر بها جيدًا.
                                      ***
بتمام الساعة الواحدة ظهرًا......
فتح عمران باب المنزل ودخل وكان بلال يسير بجواره يمسك بذراع أخيه يسند عليه أثناء سيره، انتفضت عفاف واقفة بفزع حين رأت أبنها بهذه الحالة وركضت نحوه تصيح:
_ مالك يابلال حصلك إيه ياولدي؟ 
رد على أمه مبتسمًا بطبيعية رغم الألم الذي يجتاح جرحه بسبب وقوفه:
_ مفيش حاچة ياما خناقة بسيطة كانت في الچامعة  
 وقفت أمامه وقال برعب وهي تتفحصه بنظرها في تدقيق:
_ خناقة إيه.. ده أنت مش قادر تقف على رچلك ياولدي
اقترب إبراهيم تجاه ابنه ووقف أمامه يسأله بجدية:
_ حصلت كيف الخناقة دي يابلال؟
هنا تدخل عمران وقال بلهجته الرجولية القوية:
_ خلاص يابوي مش وقته دلوك أنتوا مش شايفينه تعبان كيف ومحتاچ يرتاح 
ثم التفت نحو زوجة أبيه وقال بهدوء:
_ طلعيه وخليه يرتاح في اوضته فوق
رغم أنها لا تفهم شيء إلا أنها فعلت فورًا وامسكت بذراع ابنها تساعده على السير معها وهي تتطلع له بعين دامعة ومرتعدة فابتسم لها بلال وانحنى على رأسه يقبلها بدفء هامسًا:
_ أنا زين ياما والله متقلقيش بس عاوز أنام وارتاح شوية 
نظرت له عفاف وقالت بحدة وحزن:
_ فوق هتفهمني كل حاچة وليه مش قادر تقف على رچلك إكده سامع 
ضحك مغلوبًا وهز رأسه لها بالموافقة متمتمًا:
_ حاضر بس طلعيني الأول وخليني ارتاح وبعدين هحكيلك كل حاچة 
كان إبراهيم يتابع ابنه بنظرات قلقة ومهتمة وفور ابتعادهم لمسافة عنهم انحنى على عمران وسأله بغضب:
_ أخوك مالك ياعمران.. إيه اللي حُصل؟
تنهد عمران مطولًا وقال بخشونة:
_موضوع طويل يابوي.. أنا هطلع اغير خلچاتي وارتاح شوية لغاية الغدا وبعدين نبقى نتكلم على رواق 
زفر إبراهيم بخنق ولم يجيب على ابنه الذي انهى عبارته واندفع للأعلى حيث غرفته.. أما هو فلحق به لكنه كان يقصد غرفة بلال.

كانت آسيا تقوم بتبديل ملابسها وانتفضت مزعورة حين سمعت صوت الباب فصرخت بقوة وهي تركض نحو الباب لتغلقه:
_ مين!!
وقف عمران مكانه وقال بلهجة ساخرة بعدما وجدها وقفت خلف الباب واغلقته:
_ افتحى الباب ده!
لوت فمها عندما سمعت صوته وقالت بنبرة مستاءة:
_ بغير هدومي متدخلش
تمالك أعصابه وقال بلهجة آمرة:
_ وأنا هقعد واقف استنى حضرتك لغاية ما تخلصي يعني ولا إيه! 
قالت مبتسمة بتشفي وغيظ:
_ قولتلك بغير ياعمران لما أخلص ادخل 
هتف بصوت منخفض قليلًا لم يسمعه سواهم لكن كان يظهر السخط والاستنكار في نبرته بوضوح:
_ ولو حد شافني أقوله مستنى مرتي لما تغير هدومها!!.. افتحي الباب ده بدل ما اكسره، ادخلي كملي لبس في الحمام 
لوت شفتيها بقرف وقالت بتحذير:
_ طيب أنا هسيب الباب وهدخل الحمام وأنت ادخل بعد شوية أوعاك تدخل علطول 
لم تحصل على رد منه سوى بالصمت، بينما هو بالخارج فقذفت بذهنه إحتمالية كذبها وأنها تفعل شيء لا تريده أن يراه ولذلك تكذب حول تبديلها لملابسها، فالتهبت نظراته وتوعد لها بعقاب عسير أن كانت شكوكه بها صحيحة.
انتظر للحظة بضبط بعدما ابتعدت هي عن الباب وفتح الباب ودخل لكي يتأكد بعيناه من حقيقة أو كذب ما قالته، لكنه تسمر على أثر صرختها المندهشة وهي ترفع ملابسها تضعها فوق صدرها محاولة إخفاء جسدها المكشوف بسبب ذلك القميص الوردي القصير التي ترتديه، دامت نظرته لها لسبع ثواني بالضبط قبل أن يشيح بوجهه ويوليها ظهره دون أن يتحدث أما هي فصرخت بغضب وعينان تخرج منهم النيران المشتعلة:
_ قولتلك متدخلش 
لم تنتظر أكثر خشية من أن يستدير وينظر لها مجددًا فاسرعت نحو الحمام وهي تتوعد له عند انتهائها، حين سمع صوت باب الحمام استدار وهو يهز رأسه متأففًا ثم بدأ في نزع جلبابه عنه وبقى فقط بالجلباب الأبيض الداخلي، نزع حذائه عنه واقترب من الفراش يلقي بجسده عليه مغمضًا عيناه بإرهاق، ولم تمر سوى دقائق قصيرة وخرجت هي من الحمام ثائرة لتندفع نحوه وتقف أمام الفراش تحديدًا عند رأسه هاتفة:
_ أمك الصبح تدخل عليا من غير ما تخبط وسيادتك دخلت رغم أني قولتلك متدخلش.. هو إيه بيحُصل بظبط شوية لقدام والاقي أبوك ولا أخوك داخلين عليا من غير ما يخبطوا كمان مهو بناقص 

فتح عيناه دفعة واحدة ورمقها بنظرة مرعبة ثم استقام واقفًا يصيح بها بصوت رجولي مهيب:
_ اقفلي خشمك ده بدل ما اقفلهولك أنا بطريقتي، معندناش رچالة تدخل على حريم أوض ومحدش يتچرأ يعملها، وأنا ادخل وقت ما أعوز وأخرچ بمزاچي مش هتقوليلي ادخل واطلع ميتا فاهمة ولا لا

رغم خوفها المعتاد منه إلا أنها أبت الظهور بضعف أمامه وقالت بنظرة متحدية:
_ هعمل نفسي فاهمة المرة دي ياعمران وهسكت بس المرة الچاية متنتظرش مني نفس الهدوء ده 
رأت في عيناه نظرة قذفت الرعب بقلبها ولوهلة شعرت بالندم على ما تفوهت به فتقهقهرت للخلف باضطراب عندما وجدته يتقدم منها بخطواته الواثقة، لكن حركتها توقفت عندما اصطدمت بالحائط ورفعت نظرها لأعلى قليلًا بسبب فرق الطول بينهم تنظر له وهو يهمس بغيظ مكتوم:
_ أنا امبارح سكتلك وكنت هادي عشان قولت تعبانة بس دلوك شكلك خفيتي وبقيتي كيف الحصان ولسانك رچع يطول من تاني، إيه رأيك نرجچ نقصه من جديد؟!
ارتبكت من قربه وأشاحت بوجهها عنه ليس خوفًا بقدر ما هو توترًا لتقول بخنق:
_ بعد عني
عمران بنظرات ثاقبة عليها:
_ مش لما تچاوبي على سؤالي الأول!
زاد توترها مما جلعها تغضب من نفسها أكثر مما هي غاضبة منه وصاحت به: 
_ قولتلك بعد.. أنا مش خايفة منك وأنت مهتقدرش تعملي حاچة 

خرج صوته خافتًا لكنه مرعب وهو يقول بسخرية بعدما كررت نفس الخطأ للمرة الثانية وبنفس الوقت:
_ تاني!!!
أدركت خطأ تصرفها فتأففت بعدم حيلة وأجفلت نظرها عنه بخوف بسيط لتقول بعدها مستسلمة له:
_ أنت عاوز إيه دلوك يعني؟ 
لم يجيبها وكان يطالعها بثبات مريب وقوة تليق به فخرت هي خاضعة وقالت مغلوبة عندما وجدت نفسها لم تعد قادرة على التحكم بتوترها من قربه:
_ خلاص ياعمران مش هعلي حسي عليك تاني.. بعد عاد 
ابتسم ساخرًا عليها وردها الأخير كان كافيًا بالنسبة له حيث ابتعد عنها واتجه للحمام لكي يأخذ حمامًا دافيء قبل أن ينزل لتناول طعام الغذاء، ليتركها متصلبة بأرضها دون حركة تعلق نظرها على الحمام بصمت وسط مشاعرها المتضاربة ما بين النقم والغضب والحيرة لتوترها الذي لا تفسير له.
                                   ***
شهقت عفاف برعب وراحت تلطم على وجهها منصدمة عندما رأت جرح ابنها وانهمرت دموعها بغزارة دون توقف بينما بلال فحاول تهدأتها هاتفًا:
_ ياما اهدى أنا زين الحمدلله والله 
قالت عفاف بين بكائها بزعر:
_ اهدى كيف ده كان عاوز يقتلك ياولدي.. ربنا ينتقم منه 
كان إبراهيم صامتًا يتطلع بابنه في قلق وبنفس اللحظة الغضب يستحوذه بعدما سرد لهم القصة منذ بدايتها، فقال إبراهيم يعاتب ابنه بدافع خوفه عليه:
_ وأنت إيه اللي دخلك بينهم من الأول أساسًا
نظر بلال لوالده وقال بسخط ونبرة رجولية:
_ كيف يعني إيه دخلني يابوي.. كنت هقف اتفرچ عليه مثلًا ولا إيه!!

مسح إبراهيم على وجهه وهو يتأفف بانفعال هادر ودمائه تغلي في عروقه ليهتف بنبرة تحمل الوعيد الحقيقي:
_ الواد ده هيتربى زين مبقاش أنا إبراهيم الصاوي أما ربيته هو وناسه كلهم 
ابتسم بلال وقال بعين تلمع بالشر والانتقام:
_ مسيره يطلع من السچن ولما يطلع هيقع تحت يدي 
صاحت عفاف مرتعدة تحذر ابنها بغضب:
_ ملكش صالح بيه الواد ده تاني يابلال أوعاك تقرب منه.. أبوك هو هياخدلك حقك منه
اشتعلت نظراته وأجاب على أمه منزعجًا:
_ ليه شيفاني حرمة عشان أخاف ومعرفش آخد حقي بيدي.. لو فضل في السچن ومطلعش يبقى اتكتبله عمر چديد 
ابتسم إبراهيم بفخر وإعجاب بابنه ثم اقترب منه ورتب على كتفه بقوة هاتفًا في غلظة:
_ راچل ياولدي.. بس برضك متعملش حاچة من غير ما ترچعلي وخد بالك من نفسك 
لم يجيب على أبيه وللحظة تقوست ملامح وجهه بألم ورجع برأسه للخلف متأوهًا بصوت منخفض فقالت عفاف بقلق:
_ مالك يابلال؟!
قال بصوت موجوع:
_ الچرح شادد عليا ياما.. سيبوني أنام وارتاح شوية معلش
استقامت واقفة وانحنت عليه تقبل شعره بحنو متمتمًا:
_ طيب ياحبيبي هنسيبك ترتاح ولو عوزت حاچة انده عليا وهچيلك طوالي 
أماء لها بالموافقة دون أن يتحدث فاستدارت هي وغادرت الغرفة مع إبراهيم ليتركوه ينعم بالقليل من الراحة بعيدًا عن التوتر والإنفعال...
                                    ***
 ارتدت عباءة منزلية باللون الأصفر ولفت حجابها الأبيض فوق شعرها ثم خرجت من الغرفة تتبع خطواته إلى الأسفل لكي يتناولوا طعام الغذاء، لا تعلم كيف ستجلس مع هذه العائلة على طاولة طعام واحدة ولكنها مجبرة لتحمل ذلك الوضع طالما تزوجت من ابنهم ستتحملهم رغمًا عنها، كانت تنزل درجات السلم خلفه وهي تدعي ربها أن لا يثير جنونها ويستفزها أحد بالأسفل وإلا ستحرقهم جميعهم.
وصلت للطابق الأرضي ورأت الجميع ملتف حول طاولة الطعام يتناولون طعامهم بسكون دون أي محادثات جانبية بينهم.. لكنهم توقفوا عن الأكل فور رؤيتهم لها وهي تتبع عمران في خطواته، كانت أعينهم ثاقبة تخترقها بصمت بينما هي فكانت تتطلعهم بكل تيه وقوة حتى وصلت أمام الطاولة ورأت عمران وهو يسحب مقعده ويجلس لكنها بقت واقفة ترمقهم بنظرات تملأها النقم.

التفت برأسه باتجاه المقعد المجاور له وعندما وجد المقعد فارغ ولم تجلس حتى الآن رفع رأسه لها ورمقها بنظرة حادة تحمل إشارات إنذار لم يفهمها سواهم فأطبقت على أسنانها غيظًا دون أن تظهرها ثم جلست بجواره تمتثل لأوامره التي أرسلها بمجرد نظرة وتصنعت الهدوء المزيف على عكس ثورانها الداخلي، بينما عمران فأبعد نظره عنها عندما جلست وبدأ بتناول طعامه وكذلك الجميع أكملوا على عكسها هي التي كانت تجلس دون حركة ولا تضع لقمة بفمها فقط تتنقل بنظراتها الحاقدة عليهم وهم يأكلون.. بعضهم كان لا يطيق وجودها والبعض الآخر لا يهتم أساسًا بينما كان هناك ما يستمتع ويتشفى بها ويعجبه ذلك الوضع كثيرًا ولم يكن هذا الشخص سوى عفاف.
قطع الصمت صوت عمران وهو يسأل أبيه باهتمام:
_ بلال عامل إيه دلوك؟
تنهد إبراهيم وقال بخنق:
_ نايم سيبناه يرتاح شوية 
أماء رأسه بتفهم فأكمل إبراهيم بجدية وغضب:
_ بعد الوكل نبقى نتكلم في الموضوع ده ياعمران 
عمران بموافقة وهدوء وهو يمضع الطعام الذي بفهمه:
_ ماشي يابوي
ابتلع الطعام ثم التفت بجواره تجاهها فوجدها ساكنة لا تمد يديها للطعام أمامها فمال عليها وهمس بالقرب من أذنها بلهجة آمرة:
_ كُلي!
رمقته بامتعاض وقالت هامسة:
_ مش عاوزة
استقرت في سوداويته نظرة غاضبة فزفرت هي بخنق ونظرت لصحن الطعام الذي أمامها وبدأت تأكل بعدم رغبة فقط تنفيذ لأوامره حتى لا ينالها بطشه حين يختليا بغرفتهم.
خرج صوت عفاف وهي تنظر لآسيا بمكر هاتفة:
_ ألا صحيح هي الحچة چليلة مچاتش تطمن على بتها لغاية دلوك ليه؟
رفعت آسيا نظرها وطالعت عفاف بشراسة فهذا ما كانت تخشاه وها هي  تعبث بزمام هدوءها المزيف، وكأنها لم تكتفي فتابعت باسمة:
_ ده حتى چلال محدش شافه واصل!
حاولت كبح نفسها عن الرد والصمت لكنها فشلت لتقول لها وهي تبتسم ببرود:
_ يمكن عشان محدش منهم رچله بتعتب بيت إبراهيم الصاوي مثلًا
اتسعت ابتسامتها وقالت بتشفي وخبث:
_ بس أنتي رچلك عتبته أهو وقاعدة وسطينا وكمان متچوزة واد إبراهيم الصاوي 
احتقن وجه آسيا بالدماء وأصبحت عيناها حمراء من فرط الغضب أما إخلاص فكانت تتابع ما يحدث وهي مبتسمة بسعادة وتشفي في زوجة أبنها.. لكن عفاف لم تكتفي والقت بورقتها الرابحة الأخيرة وهي تقول بسخرية ضاحكة:
_ دول كأنهم ما صدقوا خلصوا منك ورموكي.. الله أعلم عملتي إيه يابت خليل عـ......
منعها من استرسال حديثها صوت عمران المخيف فهو كان يتابع ما يحدث منذ البداية بصمت وينتظر من زوجة أبيه أن تتوقف احترامًا لوجوده لكنها تابعت غير متكرثة:
_ مش بزيادة ولا إيه يامرت أبوي.. المفروض تعملي حساب لوچودي 
دارت آسيا بنظراتها عليهم  كلهم وهي تتوعد لهم، كانت تشتعل من الداخل ولو بقت أكثر من ذلك ستحترق وتحرقهم معها، فهبت واقفة من مقعدها واستدارت تتجه للدرج قاصدة غرفتها بالأعلى.
خرج صوت عمران الرجولي بغضب ولهجة محذرة يوجهها للجميع ليس لزوجة أبيه فقط:
_ مشاكلنا مع ناس خليل صفوان في كفة وچوازي من آسيا في كفة تاني.. هي دلوك مرتي واللي هيقلل منها كأنه بيقلل مني أنا وخصوصًا لو قصادي.. ياريت اللي حُصل ده ميتكررش تاني عشان المرة الچاية مش هكون هادي كيف ما أنا دلوك
انهى كلماته واستقام واقفًا فنظرت له إخلاص وقالت:
_ كمل وكلك ياولدي!
أجاب على أمه بنبرة خشنة:
_ شبعت 
كانت آسيا تقف على الدرج بتلك اللحظة متخفية عن أنظارهم وعيناهم غارقة بدموع القهر ومسحت دمعة متمردة سقطت فوق وجنتيها بعدما سمعت ما قاله لهم وسرعان ما اسرعت تخطو فوق درجات السلم شبه راكضة عندما سمعت رده الأخير على أمه وعرفت أنه سيصعد للأعلى حيث غرفتهم.
أما بالأسفل فقد تحدث إبراهيم بغضب بعد رحيل ابنه وهو يوجه حديثه بالأخص لزوجته هذه المرة:
_ عمران عنده حق، معدش له لزمة الحديت في الكلام ده خلاص بقت واحدة منينا والكل غصبن عنه هيحترمها كيف البقية، سامعة ياعفاف!
لوت عفاف فمها بخنق واستهزاء ثم أكملت طعامها بصمت اما إخلاص فكانت نظراتها المغتاظة عالقة على الدرج تفكر في ابنها الذي لحق بزوجته.. أما عبد العزيز فكان صمته هو رده على ما يحدث ولم يرغب في التدخل على عكس بشار الذي كان يتطلع لزوجة عمه بانزعاج بسيط من تصرفها الغير لائق.
                                          *** 
داخل منزل خليل صفوان......
كان جلال قد انتهى من تبديل ملابسه وبطريقه للخارج حيث غرفة جده ليتحدث معه في أمر مهم يخص العمل، لكنه توقف عندما دخلت أمه عليه الغرفة واقتربت منه تهتف باسمة:
_ كيفك ياحبيبي ؟
جلال بهدوء وابتسامة تكاد تكون لا تظهر من الأساس:
_زين الحمدلله ياما 
وقفت جليلة أمامه مباشرة وقالت بحماس وابتسامة ماكرة:
_خلاص قريب أن شاء الله والحزن والضيق ده كله يهملك وكمان تنسى بت إبراهيم دي وتطلقها.. لما مرتك الجديدة تاخد عقلك وقلبك وتنسيك كل حاجة 
ضيق عيناه باستغراب على أثر نطقها لعبارة زوجتة الجديدة فأكملت هي ببساطة تشرح له الأمر:
_ أنا اتكلمت مع أمها من يومين والنهاردة الصبح قالتلي أن العروسة موافقة وانهم موافقين وهيستنونا الليلة عشان نروح نتقدم ونطلب يدها ونتفق على كل حاچة قبل الچواز 
زفر الصعداء ببطء وقال ساخرًا:
_ شايفك مبتضعيش فرصة ياما 
قالت جليلة بحزم وسعادة:
_ واضيعها كيف ده أنا مُنى عيني أچوزك العروسة اللي أنا اختارهالك بنفسي لكن فريال أنا مكنتش موافقة عليها ولا عچباني من البداية وسكت عشان أنت بتحبها بس أديك شوفت عملت إيه 

 تأفف بخنق ومرارة على أثر ذكرها لفريال وهجرها له ليقول بنبرة صلبة:
_ خلاص ياما بزيادة قفلي على الموضوع ده ومتفتحهوش قصادي تاني.. أديني هتچوز واللي أنتي عاوزاه هيتم
هزت رأسها بالموافقة بعين لامعة وقالت بحنو:
_ حاضر ياغالي، چهز حالك أنت عاد بليل عشان هنروح بعد العشا

هز لها بالإيجاب وابتعد من أمامها يغادر الغرفة ليتركها تبتسم بسعادة لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها عندما خطرت صورة ابنتها على عقلها.. ليتها جهزت هي أيضًا لزواجها وأخذت بيدها هي وشقيقها ليضعوها بمنزل زوجها، مازالت تتذكر وعودها هي وزوجها عندما كانوا يخططون لتجهيز ابنتهم من كل شيء وينون لها الزواج من رجل يليق بها وتستحقه لكنها دمرت كل شيء بفعلتها الدنيئة، ذاقت الإنكسار مرة عندما قُتل زوجها والمرة الثانية بسبب ابنتها.

فشلت في التحكم بمشاعرها فمهما فعلت ستظل أم  وقلبها لا يطاوعها على ابنتها.. اندفعت لخارج الغرفة واتجهت نحو غرفة أحفادها وفتحت الباب فوجدت معاذ يجلس على فراشه يذاكر دروسه، اقتربت منه وجلست بجواره ثم انحنت عليه ولثمت شعره بحنو متمتمة:
_ چدع ياولدي بتذاكر لحالك 
ابتسم لها وقال بتلقائية طفولية:
_ أيوة ياستي أساسًا الدرس ده ساهل ولما بيكون درس صعب بروح لأمي وأخليها تذاكرهولي أو أبوي بيساعدني 
حافظت جليلة على ابتسامتها بصعوبة نتيجة لحزنها ثم سألت حفيدها بترقب:
_ أنتوا مرحتوش لأمكم النهادرة ولا إيه يامعاذ؟
_ لا روحنا أنا وعمار واحنا راچعين من المدرسة 
هزت جليلة رأسها بتفهم ثم سألت باهتمام:
_ هتروحوا ليها ميتا تاني؟!
هتف الطفل بكل عفوية دون أن يدرك ما يدور بذهن جدته وراء اسألتها هذه:
_ بكرا احنا بنروح كل يوم نقعد معاها شوية وبعدين بنمشي
سألت بوضوح وعين حزينة:
_ طيب مبتشفوش عمتكم؟
أدرك أنها تقصد عمته آسيا فقال وهو يهز رأسه بالنفي في عبوس:
_ لا هي علطول قاعدة في أوضة خالي عمران مبتطلعش منها.. ومحدش بيدخل عندها
أصابها القلق عليها فقالت بهمس ونبرة منذرة:
_ طيب بكرا لما تروحوا لأمكم ابقى عدى على عمتك واطمن عليها يعني شوفها كيفها وبتعمل إيه بس أوعاك تقولها أن أنا اللي بعتاك فاهم ومتچبش سيرة لحد كمان على اللي قلتوهلك ده
رغم أنه لا يفهم سبب تحذير جدته له إلا أنه امتثل لأوامرها وقال دون نقاش بإطاعة:
_ حاضر ياستي 
ابتسمت وانحنت عليه تقبل شعره مرة أخرى ثم استقامت واقفة ومسحت على كتفه بلطف هاتفة:
_ كمل مذاكرتك يلا 
                                    ***
 دخل الغرفة فوجدها تجلس فوق الفراش وتولى ظهرها للباب.. هادئة وساكنة بشكل مريب فقد كان يتوقع أنها ستثور فور وصوله وتفرغ كل ما تحمله نفسها من غضب وبغض لكنها لم تفعل.
تحرك نحوها والتفت حول الفراش ليصبح في مواجهتها يتطلع لوجهها الخالي من التعابير وهي تتفادى النظر إليه عمدًا ليتنهد بخنق ويقول بهدوء لكن نبرته قوية:
_ لما تحصل حاچة زي إكده تاني وأكون موچود مترديش 
نظرت له بعين مشتعلة ثم قالت باسمة بسخرية وغيظ:
_ أنت تؤمر وعشان عيونك كمان هما يغلطوا فيا وأنا هقوم احب على راسهم واعتذر منهم كمان 
أصبح صوته أكثر حدة وبدأت بشائر الغضب تلوح عليه بعد سخريتها ليقول:
_ وأنا مقولتلكيش أعملي إكده ومهخلكيش تعمليها أساسًا.. بس لما أكون موچود مترديش هتقللي من نفسك ومني لكن أنتي وهي بتردوا على بعض وناقص بس تقوموا تمسكوا في شعور بعض قصادي    
ابتسمت وقالت بعين تلمع بوميض الشر الذي يليق بها:
_ لا وأنت الصادق أنا كنت هقوم امسك في زمارة رقبتها بيدي.. أنا مبسكتش عن حقي ولو سكت المرة دي فعشان دي أول مرة لكن اقسم بالله لو حد حاول يدوسلي على طرف تاني لأعرفه مقامه زين
 
صاح بها بغضب حقيقي ولهجة مهيبة:
_ محدش داسلك على طرف ومحدش يقدر يا آسيا، أنا موچود وعارف كيف هوقف كل واحد عند حده زين، وأنتي تسمعي الكلام ومتقاوحيش معايا 
نهضت من الفراش وتوقفت على قدميها أمامه مباشرة ثم رفعت رأسها وتطلعت بعيناه السوداء في صلابة واستنكار هامسة:
_ أنت تؤمر يامعلم عمران.. لو عاوزاني متنفسش كمان قولي 

صر على أسنانه بغيظ مكتوم يحاول كبحهه عنها ثم انحنى على عليها حتى أصبحت أنفاسه الملتهبة تلفح صفحة وجهها الناعمة وهو يقول:
_ لو عرفتي أنا عاوز إيه دلوك مظنش هتقفي قصادي بكل الشچاعة دي 
كان لديه حضور طاغي لا تعرف هل تخاف من تحذرياته لها وجموحه أم مجرد هيئته الطاغية حين يشرف عليها ويقترب منها هي ما تخيفها وتقلقها.. فابتعدت عنه وارتدت للخلف بقلق دون أن تتفوه ببنت شفة فينتصب هو في وقفته ويقول بخنق:
_ اقفلي البلكونة والستاير دي 
التفتت برأسها تجاه الشرفة ثم عادت له وقالت بعدم فهم:
_ ليه؟!
رفع حاجبه مستنكرًا سؤالها وقال بجدية:
_ عاوز اريح وأنام شوية قبل ما اصحى وامشي على الشغل 

تبدلت ملامح وجهها للهدوء بعدما فهمت أسبابه وبالفعل استدارت وسارت نحو الشرفة تغلقها جيدًا وكذلك الستائر فأظلمت الغرفة ولم يصبح بها سوى ضوء ذهبي هاديء، وعندما استدارت له وجدته يمسك بجهاز التحكم الخاص بالمكيف الكهربائي وقام بتشغيله ثم تركه على سطح الكومود الصغير المجاور له وتسطح بجسده  على الفراش مغمضًا عيناه، فبقت هي مكانها تتمعنه وتتمعن الأجواء الهادئة من حولها وبالأخير زفرت بسأم وجلست فوق مقعدها العريض ترفع قدميها ايضًا لتجلس بوضيعة اقرب لوضعية الجنين فوق المقعد  وعيناها عالقة على الفراغ بشرود ولم تمر سوى دقائق قصيرة حتى انتابها النعاس بسبب الأجواء المريحة للأعصاب فأغلقت عيناها ببطء غارقة في سبات عميق.
 لم يكن هو غط في سباته حتى الآن وكان يتململ في فراشه محاولًا النوم وحين فتح عيناه بلحظة عابرة لمحها وهي نائمة فوق المقعد كالطفل الصغير هو حتى لا يفهم كيف تحملّها المقعد وشكلت جسدها لتجلس فوقه بهذه الوضيعة الطفولية.. فتأفف بقوة واستقام واقفًا يتقدم إليها ثم انحنى عليها بجزعة للأمام وحملها فوق ذراعيه متجهًا بها نحو الفراش، بينما هي فكأنها كانت تبحث عن جسم دافيء بعد شعورها بالبرودة بسبب المكيف وحين حملها دفنت رأسها بصدره وضمت ذراعيها تدفنهم بين صدرها وبين صدره فنظر هو لها متعجبًا من تصرفها حتى لو كانت نائمة ولا تشعر بشيء لكن هدوءها واستسلامها بين ذراعيه وهي كالطفل الوديع أصابه ببعض الحيرة ليهمس في خنق وهو يضعها فوق الفراش:
_ ماله لو تبقي إكده دايمًا وتريحيني من حرقة الدم اللي كل يوم بشوفها بسببك !!
ثم انتصب في وقفته بعدما تركها وأكمل بانزعاج:
_ أنا اللي چبته لنفسي معرفش إيه اللي خلاني أوافق من الأساس 

ثم جذب الغطاء ودثرها به والتقط  جهاز التحكم الخاص بالمكيف ليخفض درجة البرودة قليلًا ويعود للفراش من جديد يتمدد فوقه على الجانب الآخر منه ويغلق عيناه محاولًا النوم للمرة الثانية .
                                      ***
بتمام الساعة السابعة مساءًا......
كانت فريال في طريق عودتها للمنزل بعدما انتهت من شراء بعض مستلزماتها الشخصية ومرت من أمام منزل زوجها بالصدفة، كانت ستكمل طريقها بطبيعية لكنها تسمرت حين رأته يخرج من المنزل وهو يرتدي جلبابه الأسود المفضل لديها وفوقه عباءته البنية مما زاده وقار وهيبة للحظة ابتسمت بحب وشوق لكن اختفت ابتسامتها وحل محلها التعجب عندما رأت أمه تخرج خلفه ومن ثم تبعها الجد حمزة وعمه منصور وتوجهوا جميعهم نحو سيارته يستقلوا بها فتساءلت بحيرة بينها وبين نفسها "إلى أين يذهبون ياترى" وفجأة وجدته ينظر لها قبل أن يستقل هو بمقعده المخصص للقيادة لوهلة لمعت عيناها بأمل وابتسمت لكن نظرته الجافة وملامح وجهه الخالية من المشاعر التي جسدها بمهارة فقط لكي يؤلمها كما فعلت، اطفأت بريق الأمل في عيناها وظهر العبوس واليأس فوق معالمها لتظل متسمرة مكانها تتابعه وهو يصعد بسيارته وينطلق بها.
امتلأت عيناها بالدموع فاسرعت واستدارت تسير مسرعة نحو منزل والدها وهي تخفي وجهها عن جميع المارة بالشارع حتى لا يلاحظ أحدهم دموعها.. وفور دخولها لمنزل والدها اندفعت للأعلى وهي تركض وسط بكائها لكن اوقفتها أمها التي قالت مزعورة:
_ مالك يافريال إيه حصلك 
انتشلت ذراعها من قبضة أمها وقالت بصوت مبحوح:
_ مليش ياما همليني لحالي 
أنهت عبارتها وصعدت الدرج شبه ركضًا غير مكترثة بصيحة أمها التي تقول بقلق:
_ بت يافريال 
كانت تسرع في خطاها نحو غرفتها  وهي تتمالك نفسها بصعوبة حتى لا تنهار بمنتصف الطريق وفور دخولها لغرفتها أغلقت الباب خلفها وألقت بجسدها فوق الفراش تخرج كل ما تحمله نفسها من مرارة وألم وشوق.. بكت بعنف كأنها آخر مرة، كان صوت نحيبها مرتفع ولحسن حظها أنه لم يمر أحد بجانب غرفتها وإلا كان سمع صوتها المرتفع.
                                    ***
داخل غرفة عمران كانت آسيا تقف أمام الخزانة وأخيرًا بدأت بوضع ملابسها بالخزانة فمنذ زواجها ومجيئها لذلك المنزل وهي لم تفرغ حقيبتها أملًا منها أن تستطيع الهروب يومًا ما وتنقذ نفسها من ذلك الجحيم، لكن مؤخرًا أدركت أن لا سبيل أمامها للتخلص لا من ذلك المنزل ولا حتى من زوجها وهي مجبرة على تقبل واقعها المرير والتعايش معه رغمًا عنها.. ما حدث معها لم يكن سهلًا لتتحمله أي فتاة حتى لو كانت بقوتها لكنها صمدت بوجه جميع الظروف ومازالت تتنفس، وعلى العكس تمامًا ما صابها زادها بأسًا وقسوة حتى لو كانت تحاول تدارك نفسها حتى الآن واستعادة تلك القوة إلا أنها ستعود بقوة لهم جميعهم وفي المقدمة ستكون ابنة عمها.

فتحت خزانة عمران بالخطأ وتطلعت للحظة بها وبملابسه وكانت على وشك أن تغلقها مجددًا لكنها لمحت شيء أسود أسفل الملابس فضيقت عيناها بتعجب ومدت يدها أسفل ملابسه وإذا بها تمسك بسلاح، أخرجته وقلبته أمام نظرها وهي تتطلع به بتدقيق فسمعت صوت شيطاني بداخلها يخبرها أن تخفيه معها علها تحتاجه بيوم، ولم تتردد للحظة في إتباع ذلك الصوت حيث تلفتت حولها وهي تبحث بنظرها عن مكان تخفيه به وحين وقع نظرها على الفراش أسرعت ورفعت جزء من المرتبة ووضعته أسفلها لكنها انتفضت بفزع عندما سمعت صوته الغليظ من خلفها يقول:
_بتعملي إيه؟!

............. نهاية الفصل........

  •تابع الفصل التالي "رواية ميثاق الحرب و الغفران" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent