Ads by Google X

رواية عشق الغرام الفصل الرابع عشر 14 - بقلم ندى ممدوح

الصفحة الرئيسية

   

 رواية عشق الغرام الفصل الرابع عشر 14 -  بقلم ندى ممدوح 

أحس يمان أن وترًا كاد أن ينقطع، وأن مهجته تتسرب منه رويدًا رويدًا، وهو يعبر شركة خاله مختار، بعدما تناهى له مجيئه من محافظة أسيوط هو وابنه وزوجة ابنه، وأدرك أن عليه ألا يسكت.
يجب أن يجأر بالحق!
لماذا كتمت غرام جرم زكريا، ووافقت على أن تكمل حياتها معه؟
الويل له أن لم يبوح بما لديه ويفصح عن أفعال زكريا إلى خاله.
بخطواتٍ سريعة ووجهًا مكفهرًا كان يمر بين موظفين الشركة لأول مرة دون أن يبادل أحد التحية ولا يلتفت إليها، فتعلقت كل الأبصار فيه وهو يفتح باب حجرة مكتب خاله ويدلف إلى الداخل وقد تغلغل ألمٌ مُمِضّ في سويدائه وغشيته الغاشية، ما أن راه مختار حتى هَب واقفًا وهو يهدر في عصبية:
_أيه أنت داخل كدا وخلاص هي مغارة على بابا؟ أيه اللي جايبك هنا اصلًا؟ ليك عين تيجي!
صفقك يمان باب المكتب وأستدار بجسده كله ليواجه خاله، وهو يقول في هدوء:
_جاي عشان أأقول لك حقيقة ابنك قبل ما يدمر حياة الانسانة الوحيدة اللي بحبها.
تأجج الغضب في قلب مختار وهو يتحرك من وراء مكتبه ليتقدم إليه وهو يجأر في غيظ:
_أنت بقيت قليل أدب ومتربتش، ليك عين تيجي قدامي وتقول كدا؟!
غمغم يمان في برود مستفز:
_أنا مبقاش يهمني حد أصلًا، ولا عامل خاطر لحد زي الأول، ابنك هو اللي وصلني لكدا!
حدق فيه مختار مندهشًا، مصدومًا، وتمتم في حذر:
_ابني؟ أنت لدرجة دي بتكرهه يا يمان؟
تطلع فيه يمان بصمت، ثم بعد هنيهة قال بنبرة تقطر صدقًا:
_عمري ما كرهته…
فقاطعه مختار قائلًا في تهكم وبسمة ساخرة في برود:
_عشان كدا غيران منه، عايز تاخد منه كل حاجه حتى مراته؟!
غمغم يمان بنيرة مذهولة:
_أنا غيران منه؟ أنا؟!
ثم رفع رأسه وشد قامته وومضت عيناه وهو يقول:
_طيب بما أنك مصدق كل كلمة بيقولها ابنك زكريا يبقى لازم تعرف اللي حصل، وليه أنا رجعت مع غرام وسبنا زكريا هناك.
زوى مختار ما بين حاجبيه في ترقب، بينما ازدرد يمان لعابه وأطرف بعيناه وقال سريعًا مخافةً أن يتراجع عما أراد أن يصفح:
_ابنك اعتدى على غرام وإحنا هناك عشان كدا جبتها وجيت!
وسكت لائذًا بالسكون يحدق في مختار الذي يتفرس النظر فيه كأنما يبغي التأكد، وظن أن خاله قد صدقه عندما طال سكوته لكنه تفاجأ به يضحك مقهقًا بصوتٍ عال ثم صرخ فيه بصوتٍ أرتج داخل جدران الشركة:
_أنت ليه بتعمل كده يا بني، أنا عملت لك أيه؟ جاي تتهم ابني بحاجة زي دي عشان يسيب مراته ليه؟ هتكسب أيه من كل ده؟
ثم فتح الباب وهتف:
_اطلع برا متورنيش وشك تاني.
ونظر له يمان بخذلان، وألقى عليه نظرة سريعة وهو يغادر المكتب في حسرة، وتسمرت قدماه وهو يجد جُل موظفين الشركة قد تجمعوا على إثر صوت رب عملهم وابن شقيقته اللذان لأول مرة تتعالى أصواتهم، ويتشاجرا.
************
بين ليلة وضحاها أصبحت منبوذة؛ نبذتها الحياة كما تنبذ ريشة في مهب الريح، وكأن السعادة باتت على خصامٍ معها.
وكأنما أفتعلت خطأً جثيمًا حال بينها وبين كل شيءٍ جميل.
أليس مؤلم أن يتوجع المرء من طعنةِ شخصٍ حسبه ملاذًا وموئلًا يومًا؟
ما بين طرفة عين وجدت غرام نفسها في منزل زكريا زوجة له، خرجت من المستشفى إلى السفر في الحال.. دون وداعٍ..
وكأنها تُقاد إلى القبر وليس عروس تزف إلى منزل زوجها.
العبرات لم ترقأ من عينيها وهي تجلس في حجرة زكريا التي أمست غرفتها أيضًا، لم تخبر والدها كيف تخبر أبًا صدق ما قيل عنها دون أن يستفسر منها او يسألها؟
كيف سيكون الخذلان أن أخبرته فلم يصدقها؟!
يا لها من حسرة أن كذبها!
لذلك لم تخبره، خشت ألا يصدقها! ما دام قد صدق ما قيل عنها كيف يكون أبًا بعد ذلك؟!
لا تقول على الجرح جرحًا إذ لم يكن من أقرب ما لك!
تنبهت من شرودها وهي تجلس على أريكة جانبية في الحجرة على صوت زكريا وهو يهدر في عصبية مفرطة:
_ما كفاية عياط بقا يا ستي، دا مش جوازة دي قلبتيها جنازة يا ستي اخرسي بقا قرفتيني.
كيف! كيف تتطلع إلى وجه زكريا بثقة وقد كسرها أبيها أمامه؟! لكنها استجمعت شجاعتها ورفعت بصرها إليه، وغمغمت:
_وأنت مالك؟ أياك تتكلم وتقولي اخرسي تاني على فكرة أنت سبب الدموع دي منك لله حسبي الله ونعم الوكيل فيك فرقتني عن أهلي وكرهت ابويا فيَّ وكرهتني فيه ربنا ينتقم منك.
فجز على أسنانه واندفع شطرها في غضبٍ نما كالبركان فوق ملامحه وقبض بأصابع حادة على فكها وهو يهتف:
_ميهمنيش لا أنتِ ولا ابوكي، أنا يهمني مصلحتي بس غير كدا تغور كل حاجه في داهية، إياكِ تفكري أني وافقت عليكِ حبًا ولا من جمال عنيكِ..
وسكت هنيهة، ثم هز رأسه وأردف يقول بأعين مشتعلة:
_لا اتجوزتك بس عشان بابا يهدى عني واعمل اللي انا عاوزة أنتِ مجرد صورة بس لكن أنا برا حاجة تانية خالص واعرف بنات اكتر من عدد شعر راسك وبعمل علاقات حميمية عادي جدًا.
إلى هنا وانتفضت غرام، ووثبت واقفة بأعين جاحظة وفمٍ فاغر، وشرعت تصيح في لوعة وصدمة:
_زاني! أنت بتزني؟! أستغفر الله العظيم يا رب..
أخذت تستغفر ربها وهي تنهار في البكاء أكثر، بينما تأفف زكريا وشوح لها بكفه وصرخ:
_عياط عياط عياط أنا قرفت منك.
شيعت غرام رحيله بأعين تذرف العبرات، كيف آل حالها إلى هذه النقطة؟!
تزوجت من زاني يفعل كبيرة من الكبائر، أي جرمٍ هذا؟
بل أي ليلة زفاف هي تلك؟! أنها ليلة جنازة وليس زواج!
***********
ظلت غادة في حجرة النوم بقلبٍ واجف، وعقلٍ حائر! هل تزوجت قاتل أم مجرم؟
من يكون يوسف بالضبط؟
أيهم هو؟!
تناهى لها خشخشت أقدام ترحل وغلق الباب فتوجست خيفة وهمت أن تطل من وراء الباب لتستطلع المكان لكن قبل أن تفعل وجدت الباب يندفع ويبرز من وراءه يوسف بهامته المديدة، وهو يقول في هدوء، وبسمة لطيفة:
_عاملة أيه؟
فنهضت في بطء، وظلت تتأمله في تفكير شغلها عن الرد، كانت تفكر كيف تنجو منه؟
كيف تهرب؟!
فتمتمت في ترقب:
_أنا عايزة أرجع مصر و…
فحثها على الكلام وهو يسألها بهزة من رأسه:
_و..؟
فازدردت ريقها وهي تسبل جفنيها، قائلة بصوتٍ يقطر بالألم:
_و هرجع على شقة أهلي..
سكتت فأومأ لها برأسه وهو يدس كفيه في جيبيّ بنطاله في إنتظار تكملت أحاديثها، بينما أتبعت هي بعجل:
_وعايزك تطلقني وأنا هناك، مستحيل أفضل معاك مش هبقى مع مجرم.
فاتسعت ابتسامته بغرابة ادهشتها وقال في برود:
_وهو كذلك، اللي أنتِ عايزاه.
***********
تفاجئ يمان ما أن فتح الباب بشقيقته أمامه، فوقفا قبالة بعضهما لهنيهة، زوى يمان م بين حاجبيه في دهشة، ما الذي أتى بشقيقته بتلك السرعة؟ هل حدث خطبًا ما؟ أيكون شيئًا قد حدث!
انفرجتا شفتاه بسؤالٍ حائر مندهش:
_غادة، أنتوا رجعتوا بسرعة كدا؟
ثم تفرس النظر في ملامحها الممتقعة، وهتف في جزع:
_مالك أيه اللي حاصل معاكِ!
أستندت غادة على إطار الباب براحتها، ثم غمغمت وهي تغمض عينيها:
_أنا بخير يا يمان خليني ادخل الأول.
صاح يمان وهو يسندها إلى الداخل مطوقًا كتفيها إليه في وِد:
_تعالي.. تعالي.
قادها إلى الداخل وأجلسها بقلبٍ يأكله القلق وقبل أن يستفسر منها استوت في جلستها لتواجهه وقد طفحت دموعها من بين أجفانها وهي تقول:
_يوسف طلع مجرم.
حدق يمان فيها ذاهلًا غير مستوعب ما تتفوه به، ثم تمتم بضحكة خفيفة:
_مجرم أيه بس يا بنتي؟ أنتِ بتتكلمي على جوزك؟
شهقت غادة شهقة عالية وهي تقول بنشيج:
_أنا عارفه انا بقول ايه هحكيلك كل حاجه بس تطلقني منه مش هعيش مع واحد مجرم.
ضم يمان وجهها بين كفيه وأزال دموعها بسبابتيهِ، وهمس:
_طيب اهدي ولو كان زي ما بتقولي هشرب من دمه.
توحشت عيناه بغتة، وأصغى السمع بكل حواسه، وبدأت هي تقص عليه كيف تسلل من حجرة الجناح في الفندق وخرج، ولم يعد إلا قبيل الفجر، فما كاد يجلس حتى وجدا على الباب شابًا ينفزف.
همس يمان في خفوت:
_ماشي بس مش كل شخص مسك مسدس يبقى مجرم، يمكن في حاجه إحنا مش فاهمينها.
نفت غادة برأسها قائلة بحزنٍ يفطر القلب:
_لا مش كدا، لو كنت ظلمته كان وضحلي كل حاجه، مكنش سبني انزل لوحدي من بلد غريبة، يوسف مجرم يا يمان.
هتفت بها ودست رأسها في صدره باكية، وشرع هو يمسد فوق رأسها في حنان وهو منشغل الذهن، لا يصدق أن يوسف مجرم!
أما غادة لم يبرح خلدها مشهد آخر لقاء بينهما، عندما أوصلها إلى المطار دون أن ينبس ببنت شفة وظل معها حتى اقلعت الطائرة، آخر ما قاله كان:
_خلي بالك من نفسك.
وكانت هذه آخر مرة تسمع صوته، الذي بدا لها أنه يحوى حنان الدنيا كلها.
***********
أليس عجيبًا أن تتوقف الحياة من حولك؟ تمر الأيام برتابة، ليس بها جديد! أن تتحول حياتك إلى جحيم، وقلبك إلى جبٍ سحيق يبتلع كل فرح ويذر كل حزن يؤلمك؟!
أليس من المؤلم أن تتألم بمفردك؟ ألا تجد من يحتوي دموعك بحنانه؟ من يكون ملاذك عند الحزن!
في تلك الفترة كان كل هم غرام أن تلتمس بصيصًا تهتدي به إلى مخرج ينجيها من قبر هذه الظلمات المطبقة عليها من كل جانب.
أن تجد ثقب تنفذ منه إلى النور؛ ولذا ولأن نور الله لا ينطفيء أبدًا فقد جعلت ليلها كله قيامٌ لربها تناجيه حينًا وتبكي مستغفرة من كل ذنب حينًا، وتارة تقفُ بين يديه تشكوه شجونها وتبثه لوعتها فمن غير الله قد يسمعها!
وجعلت نهارها صيامًا علّ ظمأ الهواجر ينجيها من ظمأ يومِ القيامة، وفي الصيام وجدت نفسها الغائبة، كانت تشعر أنها تطيرُ فوق السحاب، وأنه يبثُ فيها رضى بكل اختبارات ربها لها، كان الصيام يربيها..
يربي روحها..
ويطهر فؤادها..
يُزهدها في الدنيا ويرغبها في الآخرة..
هي وزكريا زوجا بالاسم فقط فأمام مختار هما زوجان عاديان، بين نفسيهما فلا يدار بينهما أي حديث إلا مختصرًا كأنهما غريبان إلتقيا على محطة قطارٍ عابرة، كان يسهر ولا يعود إلا فجرًا وتكتم غصة كالحنظل وهي تعلم أنه يخونها دون أن يكون لها القدرة على أن تمنعه من ذلك.
ذات يومٍ كانت تصلي صلاة الفجر عندما جاء هو من الخارج غافلًا عن نداء الله العظيم.
متغاضيًا عن لقاءه..
مدحرًا التفكير في ربه..
ناسيًا أن الله قد قال في كتابه العظيم (ويلٌ للمصلين)
نعم للمصلين وليس لمن لا يصلون فثمة فرق فتارك الصلاة آثام إثمًا أكبر، وكبيرة من الكبائر، أمَّا الله فقد توعد المصلين الذين يؤخرون صلاتهم..
ربما بسبب مكالمة هاتفية..
ربما لأجل مسلسلٍ ما..
أو لعمل شيءٍ ما.
ما لك يا صاح نسيت أنك ربما في ذلك الآن الذي تقول فيه سأنتهى مما أفعل ثم أصلي تتغافل عن نداء الله (الله أكبر) فتستمر في تيهك أفك يا هذا ربما يأتيك ملك الموت بغتة، لعل الله يرزقك الموت وأنت في الصلاة فتقابل ربك بأفضل ما تكون.
كانت غرام تقرأ سورة النور التي تحفظها عن ظهر قلب، لم يأبه زكريا حتى بالنظر إليها، ولم يسترع انتباهه شيء، إلا عندما شرعت غرام تسرد بصوتٍ شجيٍ رقيق (
{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
[سُورَةُ النُّورِ: ٢]
والتفت إلى غرام بجسده كله، قلبه بات واجفًا فجأة مرتعبًا، كأنما يسمع كلمة زاني لأول مرة.
ثم هز رأسه وزم شفتيه بعبوس، كانت غرام قد أنهت صلاتها فوجدته يقف متسمرًا لا يحرك ساكنًا كأن على رأسه الطير، فشعرت بأنها بحاجة أن تنور بصيرته، أن يكون لها دور في هدايته رغم أنها لا تكن له أي مشاعر إلا مشاعر البغض والازدراء.
فطوت مصليتها وهي تردد الأذكار، ثم ثنتها فوق ذراعها المثني، وتبسمت بسمة تلألأ لها وجهها نورًا، وهمست بعدما أولاها ظهره يخلع سترته:
_تعرف يا زكريا أن الزنى حرام وهو أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل؟ مش هقول لك كلام من عندي، أنا هجيب لك آية من كلام الله لو قلبك أصغى ليها هيفوق وممكن تنقذ نفسك من عذاب النار.
بدا لها أنه متشاغلًا، لكنه كان مصغيًا لكل حرفٍ تنطق به في اهتمامٍ شديد حتى قالت (عذاب النار) فانتفض قلبه يا لها من كلمة لم تمر عليه إلا قليلًا.
واصلت غرام حديثها وهي تتلو:
_{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا }
[سُورَةُ الفُرْقَانِ: ٦٨]
ثم ألتقطت نفسًا عميقًا وأردفت تقول:
_ممكن مقتنعتش؟! وممكن اقتنعت لكن هل أنت عارف حكم الزنى؟! ومش هجيب لك من عندي حاجه، دا حديث عن حبيبك النبي..
لم تلاحظ أنه على ذكر (حبيبك، النبي) فقد أسبل جفناه المبللين بالدمع وأطرق.
متى كان النبي حبيبه؟
متى صلى عليه؟!
متى ذكره؟
أضافت غرام في هدوءٍ:
_عن عبادة بن الصامت عن النبي_صل الله عليه وسلم_أنه قد قال: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
ودلوقتي أيه رأيك؟ فالأعزب الزاني عقابه جلد مائة واغتراب سنة، والزوج عقابه الرجم حتى الموت.
بس ممكن تتوب يا زكريا، لسه قدامك وقت، لسه الموت مجاش يعني تقدر تلحق نفسك من النار، { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
[سُورَةُ الزُّمَرِ: ٥٣]
ربنا سبحانه وتعالى بيغفر الذنوب كلها مهمًا كانت يلا مستني ايه توب بإخلاص لله، أوعده أنك هتبعد عن الذنب ده ومش هترجع له تاني، أندم على كل لحظة عصيته فيها قوله أنك مش هترجع تعمل كدا تاني، توب يا زكريا خليك من أهل الجنة، دا ربنا سبحانه وتعالى بيفرح بتوبة عبده أكتر من فرحة العبد بتوبته فتوب، بلاش تضيع نفسك.
سكتت عندما التفت إليها بوجهٍ جامد لا يعبر عما يجيش بداخله وهدر:
_خلصتي؟
أومأت غرام برأسها دون أن تنبس بينت شفة واسترابت امره، فحدجها بنظرة مبهمة، ثم جز على أسنانه وغادر تاركًا الحجرة مجددًا. وزفرت غرام بيأس.
************
لم يمر عليها يومًا إلا وهي شاردة فاقدة طعم الحياة، أبت الخروج وهو لم يسأل.
يوسف لم يأتيها، ولم يكلف نفسه بإتصال حتى!
وأنقطعت أخباره وأنقطع هو؟!
وراحت هي تعالج طول الوقت حزنًا أقسم ألا يغادر قلبها.
هي وشقيقها كلٌ في وادٍ بمفرده، لا يجتعان إلا على طاولة الطعام، يذهب يمان إلى عمله في إحدى الشركات التي وجد بها وظيفة وتظل هي حبيسة الجدران.
“أيه رأيك نخرج نتعشى برا النهاردة”
قالها يمان محاولًا إخراجها من حزنها وشرودها، محاولًا أن يهون ما بها، لكنها قالت دون أن تنظر إليه:
_لا مش عايزة أخرج!
فتنهد بضيق وهو يتوجه صوبها وجلس بجانبها وهو يقول:
_يا حبيبتي مينفعش الحبسة دي، أنا سألت عن يوسف بس أهله كل اللي يعرفوه أنك أنتِ وهو في شهر العسل محدش يعرف حاجه فمحبتش أتكلم قبل ما نعرف الحقيقة.
فضحكت ضحكة هازئة، وقالت في تهكم:
_حقيقة أيه يا يمان اللي لسه عايز تعرفها؟! حقيقة أن يوسف مجرم.
فغمغم يمان في عصبية وهو يتحاشى النظر إليها:
_لا إله إلا الله يا بنتي أنتِ يعني ملقتيش إلا كلمة مجرم دي للي حصل في مليون سبب.
وعندما وجدها غير مفتنعة نهض متوجهـا إلى دورة المياه في يأسٍ وهو يقول:
_اجهزي عشان هنخرج غصب عنك.
ما أن غاب يمان حتى ألتمع الدمع في عينيها وهي تهمس بألم:
_وحشتني يا يوسف هان عليك متسألش عليَّ كل ده؟
ثم سمعت دقًا على الباب رتيبٌ سريعٌ، فمحت دموعها التي هطلت من عينيها وذهبت لتفتح الباب، فطالعها وجه شابٌ غريب، سألها باهتمام:
_حضرتك مدام غادة زوجة يوسف إسماعيل؟!
تأملت غادة بائن الطول الواقف أمامها متوجسة خيفة من القادم، وتفرست النظر في جسده العريض في رهبة، وهمست في خفوت حذر:
_أيوة أنا!
هتف الشاب بوجهٍ جامد خال من أي تعبير:
_أنا جاي أبلغك أن يوسف بين الحياة والموت وهو دلوقتي في العناية المركزة، وللعلم هو كان في مهمة خاصة ببلده عشان كدا خبى على حضرتك حقيقة شغله و…..
وسكت عندما شحب وجهها وامتقع واتسعت عينيها على آخرهما وهي تحدق فيها وتتراحع بظهرها، قائلة:
_يعني أيه بين الحياة والموت؟!
وأصطدمت بجسد يمان الذي أمسك بكتفيها، فأستدرت له تقول بلوعة:
_يوسف يا يمان!
بينما هتف الشاب بنبرة أجشة:
_حضرتك كويسة يا مدام غادة؟!

google-playkhamsatmostaqltradent