Ads by Google X

رواية ضروب العشق الفصل الخامس عشر 15 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

 رواية ضروب العشق الفصل الخامس عشر 15 - بقلم ندى محمود توفيق 

(( ضروب العشق ))

_ الفصل الخامس عشر _ 

_ كرم عايز يتجوزك ! 

وكأن صاعقة برقية ضربتها فحرقتها في أرضها ، كانت فاغرة فمها وعيناها ترمش بها عدة مرات ، تحاول استيعاب الكلمات التي دخلت لأذنها للتو ولكن عقلها يرفض استيعابها ويهمس بجملة واحدة " ما هذا الهراء !! " ، واستغرق الأمر لحظات طوال حتى هزتها " رفيف " ببطء متعجبة من تسمرها بمكانها كالصنم ، لتخرج هي أخيرًا من دوامة صدمتها وتهتف بصدمة أشد : 
_ كرم مين أخوكي إنتي ؟!!

_ أمال أخو الجيران !! 

عادت تسألها بشيء من البلاهة وعدم التصديق : 
_ عايز يتجوزني أنا ؟! ، يعني متأكدة إنه قصده عليا أنا ، ليكون قصده على واحدة تاني !! 

تمالكت رفيف أعصابها ورفعت كفها ضاغطة عليها بشدة وهاتفة بأغتياظ وهي تجز على أسنانه : 
_ هرزعك حتة قلم يخليكي تفوقي كدا كويس ، بت متجبليش الجلطة أيوة إنتي ، هو في حد اسمه شفق غيرك نعرفه !! 

التزمت الصمت لبرهة من الوقت ثم ابتسمت بمرارة وطالعتها بابتسامة بائسة :
_ وإنتي جاية تسأليني طبعًا موافقة ولا لا ! 

_ أكيد .. دي ماما فرحانة أوي ولو وافقتي مش بعيد تخلي كرم يكتب كتابه عليكي من بكرا 

هب واقفة وعقدت ذراعيها أمام صدرها هامسة بصوت حزين : 
_ بس مش هقدر اوافق يارفيف

هبت الأخرى واقفة بدهشة وهتفت بجدية تامة لا تحمل المرح ولا المزاح : 
_ نعم !! .. بلاش هبل ياشفق أنا وإنتي عارفين كويس أوي إنك معجبة بكرم أوي كمان 

التفتت لها وطالعتها بأعين دامعة وغمغمت بألم : 
_ أيوة ده فعلًا بس كمان عارفين إنه مبيحبنيش وإنه عايز يتجوزني بس عشان يبقى نفذ وصية سيف الله يرحمه وفي نفس الوقت هبقى مراته فمش هبعد عنه أبدًا وبكدا هيبقى حماني ومخليني تحت عينه 

أخذت نفسًا عميقًا وهي ترى جانبًا من كلامها صحيحًا والجانب الأخر ليس صحيحًا ، وقررت أن تتمسك بالجانب الخاطىء وتحاول تصلحيه لها لعلها توافق : 
_ كرم بيعزك جدًا ياشفق والله وإنتي ليكي معزة خاصة في قلبه ولو وافقتي واتجوزتوا هتقدري بسهولة تكسبي قلبه صدقيني .. دي فرصة جاتلك ولو ضيعتيها مش هتجيلك زيها تاني فمتهدريهاش وحاولي تستغلي الفرصة لصالحك
 اقتنعت بكلامها ورأت أن آخر كلمات تفوهت بها قد تكون على حق ، فهذه فرصة والفرص لا تأتي دائمًا على طبق من ذهب مثلما جاءت لها الآن ، وطالما أتتك فرصة جاهزة فلن تخسر شيئًا إن جربتها لربما تنجح وتكون سبب في تحقيق هدف كنت تسعى من أجله .

رتبت رفيف على ذراعها بلطف مهمهمة بحنو : 
_ فكري في كلامي كويس وردي عليا بليل بقرارك

                               ***
فتحت أمها الباب ودخلت ثم أغلقته خلفها ببطء واتجهت نحوها بعد أن وجدته تجلس في شرفة غرفتها وبيدها كوب قهوتها الصباحي تتنسم الهواء الطلق باستمتاع ، وبمجرد ما أن انتبهت لوجود أمها اعتدلت جالسة وقالت بابتسامة حانية : 
_ صباح الخير

ملست على شعرها بحنان وأجابتها بعذوبة جميلة : 
_ صباح النور ياحبيبتي

جذبت مقعدًا واتخذت لها مكانًا بجوارها هامسة في نظرات مترقبة ونبرة صوت حادة قليلًا : 
_ إنتي متخانقة مع جوزك يايسر ؟! 

توترت في باديء الأمر وهي تحاول إيجاد كذبة تفسر بها سبب شجارهم ولكن عقلها لم يسعفها في نفس اللحظة حيث هتفت بابتسامة مرتبكة وأعين تحاول إبعادهم عن نظرات أمها الثاقبة :
_ لا ياماما مش متخانقين ولا حاجة قولتلك حسن مسافر وأنا قولت آجي أقعد معاكم يومين 

ازدادت نظرات أمها حدة عندما استمعت لكذبها مجددًا ومحاولات إخفاء شيئًا عنهم قد يكون خطيرًا ، فخرج صوتها صارمًا :
_ حسن مش مسافر .. حسن في الشركة علاء لسا كان بيسألني عليكي وإنك ليه جيتي فجأة كدا فقولتله إن حسن مسافر قالي مسافر إيه حسن مرحش مكان وأنه كان لسا بيكلمه ورايحله على الشركة دلوقتي 

أدركت سخافة الكذبة التي املتها عليهم بالأمس وقد فضح الأمر أمام الجميع وليس والدتها فقط وستضطر لإيجاد كذبة أخرى حتى تنهي بها هذه التساؤلات ، ولكن يجب أن تكون مدروسة جيدًا وإلا ستقع في مأزق أكبر ! .
أخذت من الوقت لحظات طويلة حتى قالت بوجه هادئ تمامًا لكي تقنعها بكذبتها : 
_ أنا محبتش أقولكم عشان مشغلش بالكم ، هي مش خناقة يعني ياماما كل ما في الموضوع إننا شدينا مع بعض في الكلام بس 

_ ولما هو مجرد جدال بينكم وحاجة بسيطة ليه جيتي على هنا ؟ 

قالت الأخرى شبه مازحة لتضيف على الجو المشحون بالتوتر بعضًا من نسمات التلطيف : 
_ في إيه ياماما إنتي مش عايزاني اقعد معاكم يومين ولا آية ، اطمني مفيش حاجة أنا بس اتخنقت شوية وحبيت افك عن نفسي وعشان كدا جيت على هنا واتفقت معاه إني هقعد يومين 

رفعت أمها حاجبها بشك وقالت باقتناع بسيط : 
_ يعني مفيش حاجة بينكم ! 

هزت الأخرى رأسها بالنفي وأكملت كذبتها باحترافية حتى وصلت لعقل أمها وصدقتها تمامًا : 
_ لا الحمدلله مفيش ، وبعدين أنا اللي غلطانة واستفزيته فهو اتعصب عليا وشدينا مع بعض متشغليش بالك احنا بخير الحمدلله  

تنهدت الصعداء بارتياح ورتبت على كتفها بلطف متمتمة : 
_ طيب الحمدلله أصل أنا إمبارح قلقت لما لقيته متصل على تلفوني وقالي إنك مبترديش عليه 

_ آه تلفوني كنت عملاه صامت عشان كدا مسمعتهوش 

هبت واقفة وقالت بصوت رخيم قبل أن تستدير وترحل : 
_ طيب ياحبيبتي .. يلا قومي عشان تفطري معانا 

أماءت لها بالموافقة وانتظرت حتى انصرفت لتأخذ هي بدورها شهيقًا وتخرجه زفيرًا بارتياح فقد حالفها الحظ واستطاعت خداع أمها ، فهي لا تتوقع ردة فعلهم إن علموا بكل شيء وما فعلته مع زوجها قبل الزواج والظروف التي تزوجوا فيها وكيف أن كلاهما خدعوهم بقصة العشق النقي الذي كان يضمره لابنة عمه وانتهى به المطاف إلى طلب يدها من عمه والزواج منها !! .

                           *** 
في مساء ذلك اليوم .....
كانت كل من رفيف هي وأمها وكرم يتناولون طعام العشاء والصمت يهيمن عليهم جميعًا حتى اخترق هو فقاعة الصمت بسؤاله عندما انتبه لمقعدها الفارغ : 
_ امال شفق منزلتش ليه تاكل ؟ 

أجابت رفيف قبل أمها في ابتسامة تضمر خلفها الخبث : 
_ قالت إنها مش جعانة 

تبادلت النظرات المتشابهة مع والدتها وكلاهما يبتسم بلؤم ، فبعد أن عادت تسألها رفيف مجددًا نجحت وحصلت على موافقتها .. ورفضت تناول الطعام معهم خجلًا من البقاء معه على نفس الطاولة ، نقل نظره هو بينهم مستغربًا وغمتم بحيرة : 
_ مالكم بتبصوا لبعض وتضحكوا كدا ليه ؟!

هنا تولت هدى هي الدور حيث تنهدت بعمق قبل أن تبدأ في الحديث بشيء من الجدية الممتزجة بالسعادة : 
_ شفق وافقت 

رفع حاجبه متمتمًا بريبة تحمل القليل من الشك : 
_ بالسرعة دي ؟! .. ماما أنا وافقت بس قولت بشرط إنكم تدوها فرصة براحتها تقرر وبعدين تقول موافقة أو لا ، ومعنى الكلام ده أنكم متضعطوش عليها 

قالت هدى محاولة تبرير موقفها بذكاء مألوف منها : 
_ واحنا مضغطناش عليها ، ومش هنغصبها مثلًا على الجواز .. احنا قولنا ليها الصبح و رفيف سألتها تاني من شوية لو قررت أو لا فقالت موافقة 

_ وهي كدا لحقت تقرر صح مثلًا !!؟

هتفت هدى بشيء من الغضب والانفعال : 
_ وإنت مالك مدقق وعايزاها تاخد وقت تفكر فيه ، ماهي فكرت وقالت موافقة وخلاص خلص الموضوع 

تمتم في رزانة تامة وصوت هاديء يختلف قليلًا عن نبرته السابقة : 
_ عشان ده جواز مش لعب عيال ، وأنا مش عايزها تاخد قرار متسرع وتندم عليه بعد كدا ، كفاية إني وافقت مضطر بسبب إصرارك فمش هيبقى أنا وهي .. ادي لشفق فرصة تاني ياماما ومتقوليش نكتب الكتاب علطول لإني هصبر على الاقل أسبوع لغاية ما تبقى هي متأكدة تمامًا من قرارها بعدها نبقى نكتب الكتاب 

همت والدته بأن تجيب عليه مغتاظة ولكن رفيف ضغطت على كفها بهدوء تهدأ من روعها وتهتف باقتناع وتأيد لرأي أخيها : 
_ كرم عنده حق ياماما ، خليها تاخد وقت براحتها تفكر فيه مرة واتنين وتلاتة وبعدين يبقى يكتبوا الكتاب 

قالت مغلوبة على أمرها عندما وجدت الضغط من كلاهما وأنهم لا يؤيدوا فكرتها مطلقًا وشعرت في قرارة نفسها بأنهم قد يكونوا على حق : 
_ طيب ياكرم براحتك 

هب واقفًا بعد أن انهى طعامه واقترب منها ثم انحنى وقبَّل رأسها بحنو هامسًا في صوت يبعث في النفس راحة وسكينة : 
_ تصبحي على خير ياست الكل .. عايزة حاجة ؟ 

استطاع رسم ابتسامتها الامومية المحبة له وامسكت بكفه الذي فوق رأسها وانزلته لتقبله بحنان متمتمة : 
_ عايزة سلامتك ياحبيبي 

اتجه نحو شقيقته وطبع قبلة سريعة على رأسها أيضًا ثم اتجه لغرفته ليخلد للنوم ويستعد لصباح يوم جديد مليء بروتينية العمل التي لا تنتهي !! .

                                ***
كان جالسًا أمام التلفاز يشاهد إحدى قنوات الأخبار وهي بجواره تعبث بهاتفها تتصفحه ، كانت عيناه معلقة على شاشة التلفاز وعقله بعالم آخر مشغول بالتفكير  وبين آن وآن يلقي نظرة إليها فيجدها مندمجة في هاتفها جدًا فيتنهد بقوة شبه متأففًا وبعد لحظات طوال من التفكير غمغم في هدوء تام : 
_ احكيلي ياملاذ كل حاجة عن خطيبك قابلتيه إزاي وفين ؟ 

توقف إبهامها الذي يتحرك على شاشة الهاتف التي تعمل باللمس ، واخترق كلامه مسامعها فأصابها بالذهول وتجمدت على حالها ، فآخر شيء كانت تتوقع أن يسأل عنه في يوم من الأيام هذا الشيء الذي يُدعى بخطيبها السابق ، هل هو بالفعل مستعد لسماع كل شيء دون أن يفقد أعصابه أو يزداد كرهه لها ، انتفضت جالسة على أثر صوته الخشن : 
_ ملاذ !! 

_ هااا .. بس إيه اللي جاب الموضوع ده على بالك دلوقتي ؟!

تمتم بثبات ملحوظ ونظرات ثاقبة : 
_ عادي حابب أعرف كل حاجة ولا إنتي عندك مانع ؟!!

هزت رأسها بالنفي في توتر وحاولت ارتداء لباس الشجاعة وأن تقص عليه كل شيء دون كذب لعلى يكون هذا جزء يساهم في استعادة مافقدته وهو " ثقته " ، قالت بابتسامة مرتبكة : 
_ لا طبعًا معنديش مانع ، بس إنت مستعد إنك تسمع حجات أكيد مش هتعجبك !

_ لو مكنتش مستعد مكنتش هسأل  

أخذت شهيقًا ارتفع معه صدرها قليلًا ثم أخرجته زفيرًا متمهلًا وتبدأ بالسرد قائلة :
_ هو كان قريب واحدة صحبتي وفي مرة طلعنا أنا وهي وروحنا مطعم فهي وماشية جه هو ياخدها وشافني ، بعديها بكام يوم لقيتها بتقولي إنه أعجب بيا وحابب يتعرف عليا فقولت ليها يتعرف عليا إزاي يعني ؟! ، قالتلي يعني يكلمك وكدا في التلفون لإنه ناوي يتقدملك بس عايز يتعرف عليكي في الأول فأنا وقتها بهدلتها وقولتلها أكيد لا مش موافقة ولو عايز يتقدملي ياجي أهلًا وسهلًا ولو حصل نصيب في حاجة اسمها خطوبة وهنتعرف على بعض كويس أوي ، وبعدها بأسبوعين لقيته اتقدملي بالفعل واللي اكتشفته بعدين إنه شافني كذا مرة مش مرة واحدة ، وطبعًا أنا من غبائي وافقت لما اتقدملي وكنت فرحانة جدًا كان في نظري بقى شاب جميل وشبه الأجانب بالرغم من إني لو كنت ناضجة وفاهمة كنت هدرك إن طلاما واحد قبل على نفسه إنه يكلمني قبل ما يبقى في أي حاجة بينا وكان عايز بمعنى أصح يرتبط بيا من ورا أهلي فده معناه إنه مش كويس بس أنا بغبائي صممت عليه مع إن إسلام وبابا مكنوش مقتنعين بيه ومكنوش بيطقوه ، بس وبعدها تمت الخطوبة وكان بيكلمني كل يوم تقريبًا وكنا بنتكلم في حجات ملهاش أي ستين لزمة وكان بيجيلي بعد شغلي وبنقعد في كافتريا وفي وقتها أنا مكنتش مدركة حجم الغلط ده كنت عارفة إنه مينفعش ويمكن يكون حرام بس مكنتش مدركة إن أنا كنت باخد ذنوب بالهبل بسببه وسمحتله بحجات كتير وإنه يتخطى حدود في التعامل معايا كتير مكنش ينفع يتخطاها ، كنت ساذجة لدرجة الغباء ، وبعدها بفترة من الخطوبة لقيت بابا بيكلمني على موضوع إنه بيكلمني كل يوم ومتعصب وقالي مينفعش وأنا بقيت بحاول اتجنبه ولما يتصل اتكلم كلمتين واتلكك بأي حاجة عشان اقفل ، بعديها لقيته هو من نفسه بقى يبعد وحده وحده وحس إني مش عايزة اكتر معاه في الكلام ، بقى يتصل مرتين في الأسبوع وبعديها مرة وفي النهاية مبقيش يتصل خالص بقيت برن عليه أنا يا يرد يامردش ولو رد كان بيعمل زي وبيتلكك ويقفل معايا وبعديها بفترة بقيت ارن عليه وميردش ولا يعبرني أصلًا بقيت بضايق جدًا وبتعصب وفي مرة قولت أنا هروحه كان تفكيري وقتها إن يمكن هو تعبان ومبيردش عشان مش عايز يقلقني وقولت هطمن عليه ، كان حبي ليه عميني عن كل حاجة ولما روحتله بعد الشغل هو كان محامي ومعاه مكتب خاص بيه فروحتله على مكتبه ولما دخلت عليه المكتب لقيته .. لقيته مع بنت وكانوا في وضع مش كويس بعديها فورًا احنا فسخنا الخطوبة وحصلت مشكلة كبيرة بين بابا وإسلام مع ابوه وأمه واخواته ......

فرت دمعة متمردة من عيناها رغمًا عنها فجففتها مسرعة والقت نظرة خاطفة إليه فوجدته يحدق فيها بتركيز شديد ويستمع لما تسرده باهتمام ، لتكمل دون أن تنظر في وجهه وصوتها يحمل بحة البكاء وعيناها تسبح في بحر دموعها : 
_ مكنتش متوقعة منه الغدر نهائي ، كنت بثق فيه ثقة عمياء وزي ما قولت بسبب حبي ليه كان مخليني عمية عن كل عيوبه كان كتير بيتجاهلني ولما نكون خارجين تلفونه يرن كتير ويقولي صاحبي ويقوم يكلمه بعيد وهو أصلًا مش صاحبه دي واحدة من البنات اللي يعرفهم ، هو لما ملقيش مني فايدة وإني مش بسمحله إنه يقرب مني لأنه هدفه كان من البداية هو أن يحصل عليا ويحاول يجرني لطريقه القذر فزهق مني وشافله واحدة غيري ، وهو من البداية عارف إنه مش هيتجوزني لانه مش حاطط في باله الجواز أساسًا ده كان بيتسلي بس بيا وأنا زي الحمارة صدقته ووثقت فيه لا وبعد ده كله فضلت برضوا بحبه وحبه مكفاش في إنه يدمرني بوجوده لا حتى في غيابه وكان السبب في وضعنا دلوقتي .

سمحت لدموعها بالسقوط ثم نظرت له وأكملت وهي تعلق نظرها بنظره في أعين تنبض بالعشق : 
_ أحيانًا كتير بقول يارب ليه مكنتش إنت أول حد يدخل حياتي ليه مكنتش إنت بداله على الأقل مكنتش هتكسر زي ما كسرني ، مكنتش هخسر ثقتك فيا ومكنتش علاقتنا هتبقى كدا ، بس برجع وبستغفر ربنا وبقول أكيد ربنا كان ليه حكمة وأنا اتعلمت كتير من التجربة دي ، ولما اتقدمتلي إنت أنا كنت لسا في عز صدمتي ومخرجتش منها وبحاول استجمع نفسي ومع ضغط ماما عليا وبعد ما فكرت بغبائي إني لو اتجوزتك هسترجع كرامتي اللي بعترها وهخليه يتغاظ ، وافقت ومكنتش أعرف إني كدا بدمر حياتك وحياتي ، وبالرغم من إني كنت لسا مفوقتش من الغدر اللي اتعرضلته لقيت نفسي من غير ما احس بثق فيك وبتشدلك ، حسيتك مختلف عنه في كل حاجة لما اتخطبنا مكنتش بتكلمني وكنت بستغرب بعدين فهمت إن إنت خايف تكلمني فتقول حاجة كدا أو كدا وتغلط فناخد ذنوب أنا وإنت وكنت بتكتفي بمكالمة واحدة طول الأسبوع تطمن عليا وتقفل فورًا لدرجة إني كنت بحس إنك مش طايقني بس ما كتبنا الكتاب واخدتني معاك للشركة وسمعت كلامك وغيرتك عليا بسبب المكياج كبرت في نظري جدًا وحسيت إن إنت فرصة ربنا بعتها ليا ولو ضيعتها هبقى اثبت لنفسي للمرة التانية إني غبية جدًا .. ومن  لحظتها اخدت عهد على نفسي إني هشيله من قلبي وهحاول اكون ليك لإنك تتحب فعلًا ، وفي تاني يوم لما اتكلمت معاك في موضوع النقاب ولقيتك مبسوط وبتقولي ياريت ،  كبرت أكتر في نظري وتمسكي بيك زاد اكتر لاني عرضت علي احمد موضوع النقاب قبل ما ننفصل ورفض وقالي بلاش هبل ، طبعا كان هيوافق ازاي والنقاب ده كان هيحط حدود في تعاملنا مع بعض وهيمنعه من انه يشوفني ، ولما إنت عرفت كل حاجة يوم الفرح كنت متوقعة إنك هتتعصب وممكن تمد إيدك عليا لما نرجع البيت بس خيبت ظني وكان رد فعلك طبع بصمته في قلبي بالرغم من إنك كنت قاسي في كلامك بس حسيت اني مندمتش لما تمسكت بيك وقولت لازم مضيعكش من إيدي ، عارف حسيت بإيه بظبط ، حسيت إنك راجل بمعنى الكلمة واحترمتك جدًا وقتها .. ولغاية دلوقتي وحتى لو حصل واتطلقنا اهيني بقولها ليك إنت  هتفضل أجمل راجل قابلته في حياتي يازين ! 

لم يزح نظره عنها بل ظل مثبتًا نظره عليها وهو بيتسم بدفء ونظرات تعكس ما يحدث داخل قلبه وكأنها تخبرها بشكل غير مباشر عن طريق لغة الأعين " أحبك " ، نجحت وهزمته شر هزيمة بكلامتها التي صوبت سهام العشق نحو قلبه فطبعت أثرها ، وحينما شعر بدنو استسلامه التام لها ووجد نفسه سيقترب ليقبلها فاشاح بوجهه وقال متصنعًا الجفاء في محاولة فاشلة : 
_ اعتقد إن اللي قولتيه في الآخر ده ملوش لزمة أنا كل اللي كنت عايز أعرفه عن خطيبك بس 

انزوت نظرها عنه مبتسمة بعدم حيلة بعدما توقعت رده الجاف ولكنها قررت أن تستخدم رده كورقة رابحة فتسكته بها بتاتًا وتجعله غير قادر على التحدث ، حيث رفعت نظرها من جديد وجففت دموعها هاتفة في ابتسامة واثقة ونظرة كلها تحدى : 
_ يمكن هو ملوش لزمة بالنسبالك بس بالنسبالي ليه لزمة أوي كمان ، وكان لازم اقوله ليك ! 

لم تفشل للمرة الثانية في هدفها حيث خطفت أي رد يمكن أن يجيب به عليها فنظر لها بسكون ولا يعرف بماذا يجيب ليكتفي بالصمت واشاح نظره عنها مجددًا ، لتزداد ابتسامتها اتساعًا في انتصار ثم تقول بشيء من المرح والضحك : 
_ عارف إول مرة شوفتك في المقابلة الشرعية ، قولت ده باين عليه معقد وتفكيره رجعي ومن نوع الناس اللي بتحب تفرض سيطرتها في كل حاجة وبيكتم الست ومفيش خروج ، مفيش فسح ومعرفش إيه بسبب إن كان باين عليك الالتزام والتدين جدًا ، بس بعد كتب الكتاب اثبتلي العكس وكنت لطيف جدًا آه خوفت منك شوية منكرش في الشركة بس عادي ، وكنت جنتل أوي وإنت بتعتذر تاني يوم .. ولما كلمتني في التلفون ولقيتك بتقولي عايز تصالحني وش لوش ومعرفش إيه اكتشفت إني اتخدعت فيك وفي وش الملاك وقناع الاحترام والأدب اللي كنت بتلسبه قدام الكل ومكدبش عليك قلقت منك وقولت ده هيعمل فيا إيه ! ، بس هديت نفسي وقولت عادي يعني هو بيقول كلام بس وهو مطلعش كلام للأسف و إنت فعلًا حاولت تستغل الفرصة بس باحترام برضوا 

رأت ابتسامة ترتفع لشفتيه وهي تسرد له على افعاله ، وكيف كانت تظنه خلوقًا ، بل في الواقع هو حتى الآن خلوقًا معها ولم يريها الانحراف الحقيقي ، لتكمل هي متسائلة في ضحك : 
_ قولي ومتكدبش كانت نوياك مش تمام صح ؟ ، بس شكلك تراجعت على آخر لحظة ! 

قال في ابتسامة عريضة وهو يبادلها جلستها المرحة : 
_ الصراحة ابقى كداب لو قولتلك غلطانة 

أصدرت ضحكة بسيطة وتمتمت بخذي مزيف ومداعبة : 
_ وأنا قال اللي كنت مدياك الأمان وإنت كنت هتغدر بيا في نص النيل 

اطلق ضحكة مرتفعة ثم هم بأن يجيب عليها ولكن صوت رنين هاتفه قطع جلستهم المرحة والأولى منذ زواجهم ، حيث التقطه وأجاب على المكالمة التي كانت تخص شيء خاص بالعمل ثم نهض واتجه نحو مكتبه ليتأكد من شيء وهو مازال يتحدث في الهاتف ، وتركها تتراقص فرحًا وتكاد تقفز من السعادة .. فلقد نجحت اليوم في احراز اول نقاطها ، وقويّ شعور الأمل في قلبها من جديد وازدادت إصرارًا وعزيمة في إذابة الثلوج المتراكمة على قلبه وتحول بينها وبين قلبه النقي والصافي والجميل ... !! 

                               *** 
مع صباح يوم جديد ومشرق ، داخل شركة العمايري .....
خرجت يسر من مكتبها تقود خطواتها ناحية مكتب زوجها لكي تعطيه بعض الأوراق المهمة الخاصة بالعمل ، بالرغم من أنها لا تريد رؤيته إلا أنها مجبرة على التعامل معه في الشركة من أجل العمل . وأخيرًا وصلت أمام مكتبه وهمت بأن تدخل لولا السكرتيرة الخاصة به منعتها فورًا باحترام مغمغمة : 
_ مدام يسر .. حسن بيه قال مدخلش حد نهائي  

لوت فمها بأعين نارية وتمتمت بابتسامة صفراء : 
_ وهو أنا حد ياحبيبتي !! 

توترت الفتاة بشدة وقالت باضطراب وصوت خافت : 
_ هو موجود جوا مع أنسة دنيا وقالي إنك لو جيتي وجبتي الاوراق تدهاني وأنا هدهاله لما يخلص مقابلته

طفحت حمم البركان الخامد داخلها ، وتأججت نيران الغيرة لدرجة أن وجهها ظهرت عليه آثار انفجار هذا البركان ! ، فهو لن يكف عن تحقيرها وإهانتها أمام الجميع .. يجلس مع فتاة في الداخل ويرفض دخول زوجته غير مبالي لوضعها أو كرامتها ، ولكنها تمكنت من التحكم في زمام ثورتها الداخلية وطالعت الفتاة بابتسامة قاتلة كلها شر وغيظ ثم استدارت وعادت لمكتبها دون ان تعطيها شيء وهي تتوعد له بأنها سترد كرامتها التي بعثرها للتو .
دخلت في مكتبها ودفعت الباب بعنف خلفها ثم جلست على المقعد وهي تلف به يمينًا ويسارًا وتقضم أظافرها من فرط غيظها وغيرتها وعقلها لا يتوقف عن التفكير وطرح الأسئلة " ترى ماذا يفعل هذا المنحرف ؟! ، ولما يرفض دخول أحد عليهم ؟! " ، فنهضت وقامت بتحضير كوب قهوة لم تجهزه لها بل له ، وبعد دقائق معدودة من تجهيزه كما توقعت اقتحم عليها المكتب ودخل ثم اغلق الباب وهتف بسخط :
_ مسبتيش الورق ليه مع السكرتيرة ؟!

اقتربت منه وهي تحمل على يدها كوب القهوة الساخن وتهمس بتصنع البراءة :
_ معلش اتلهيت أصل جالي تلفون مهم ومشيت علطول عشان أعرف أرد

تقدم نحوها وقال ساخرًا منها :
_ لا والله وتلفون إيه ده بقى المهم ؟!!

وقفت أمامه مباشرة تكاد تكون ملتصقة به وتمتمت في نظرات ثابتة وابتسامة لئيمة :
_ فاكر اللي شوفتني معاه في الصورة وحكتلك عنه أهو هو ده ، كان بيتصل يطمن عليا لإني إمبارح كنت تعبانة جدًا بس الحمدلله دلوقتي بقيت كويسة ، ده حتى كان عايز ياجي يشوفني بس قولتله لا متتعبش نفسك ولإني كمان مش فاضية

تبدلت ملامحه ولاحظت أنها اتخذت طريقًا مغايرًا لتسلك طريق الاغتياظ والاستياء فتبتسم هي بانتصار لتحقيق أول نقاطها ثم تسكب القهوة على قميصه ليرتد هو للخلف فورًا مُصدرًا تأوهًا متألمًا لسخونتها ثم بدأ فورًا بفك أزرار قميصه في ألم حتى ينزعه عنه وهو يصيح بها بجموح عاتي :
_ إيه الغباء ده !!

يخطأ مجددًا ولابد أنه يصر على أن تزيد عقابها له فاقتربت منه وضغطت بقدمها على قدمه ليصدر هو تأوهًا متألمًا أكثر فتقول هي بتأسف مزيف ودهشة :
_ أنا آسفة ياحبيبي مقصدش ، بسبب التعب بس حاسة نفسي من مظبوطة لسا

فهم أنها تفعل كل هذا عمدًا حين قرأ نظرات الغل في عيناها فنزع عنه قميصه والقاه على الأريكة الصغيرة ثم جذبها من ذراعها هامسًا في صوت مريب :
_ اللي بتعمليه ده هتبقى نتائجه سلبية خلي في علمك ، بلاش حركاتك دي يايسر ومتعمليش نفسك ذكية عليا احسن اوريكي اللي عمرك ماشوفتيه مني

قالت ضاحكة باستهزاء واضح منه :
_ نفسي جدًا اشوف اللي مشوفتهوش منك ده ، من ساعة ما اتجوزنا وإنت بتقول الكلام ده ، بس واضح إنه كلام بس

ضغط على ذراعها ولواه خلف ظهرها لتصدر هي تأوهًا بسيطًا ثم همس أمام شفتيها بالضبط وفي صوت يشبه فحيح الافعي :
_ اظن منستيش اللي كنت هعمله يوم الفرح ، عندي استعداد أخدك دلوقتي على البيت واوريكي أسوأ ما فيا عشان تتأكدي إذا كان كلام بس ولا لا .. ها إيه رأيك تحبي اثبتلك !

أدركت أنه لا يمزح وقد يفعلها حقًا فقررت السماع لنصيحة عقلها وهي عدم استفزازه وتحديه أكثر من ذلك حتى لا تقع في وضع صعب معه ، فأغمضت عيناها وهمست بخنق :
_ ابعد عني ياحسن

ترك يدها وشعرها لتعتدل هي واقفة ويقع نظرها على صدره الذي يعطي أحمرار بسبب القهوة التي سكبتها عليه لتتنهد بعمق وإشفاق وتلتفت خلفها ثم تمد يدها في درج المكتب وتخرج مرهم للحروق ثم تعطيه له هاتفة في امتعاض وهي تتحاشي النظر إليه :
_ خد حط منه

سمعت صوته الرجولي القوي وهو يقول ببرود : 
_ حطيلي إنتي .. مش إنتي اللي دلقتي القهوة عليا

نظرت له رافعة حاجبها بنظرة لا تختلف عنه وفهمت مقصده أنه يريد أن يثبت لها أنها لا تستطيع مقاومته وتضعف أمامه كالعدو الجريح ، لتبتسم له بمكر وفتحت العلبة ثم وضعت جزء صغير على أصبعها ودهنته على مكان الإحمرار بلطف به شيء من الحدة ، وهو يتابعها مبتسمًا بخبث وهي تمرر اصبعها على صدره بمكان الحرق ، لتفتح في هذه اللحظة رفيف الغرفة وسرعان ما وقع نظرها عليهم فاشاحت بوجهها وعادت تغلق الباب متمتمة :
_ احم !

وضعت يسر علبة المرهم في يده وابتعدت عنه هاتفة لرفيف :
_ ادخلي يارفيف مفيش حاجة القهوة ادلقت على اخوكي بالغلط وكنت بحطله مرهم للحروق

التقط قميصه المتسخ ونظر لها هاتفًا في طبيعية يحاول إخفاء غيظه حتى لا تشعر شقيقته :
_ وده البسه إزاي بقى ؟!!

_ قول لعلاء يجبلك قميص من المخزن تحت ، مش موضوع يعني ياحسن

نقلت رفيف نظرها بينهم باستغراب ولكنها لم تعلق فهذا ليس من شأنها واقتربت من يسر تملي عليها بعض الأشياء الخاصة بالعمل ثم همت بأن ترحل لولا صوت أخيها الذي قال بتساءل :
_ كرم جه معاكي يارفيف ؟

قالت نافية :
_ لا النهردا الجمعة وإنت عارف إنه متعود بيزور اروى وسيف كل جمعة فوصلني ورجع على المقابر ، ممكن شوية وتلاقيه وصل

_ طيب لما ياجي قوليلي

أماءت له بالإيجاب لتقابل ابتسامته الحانية فتبادله إياها ثم تستدير وتنصرف ، ليعود هو بنظره لزوجته ويرمقها شزرًا ثم يخرج هاتفه من جيبه ويجري اتصال بابن عمه ليأتي له بقميص نظيف .

                              ***
يوم وتوالت خلفه الأيام ، وكانت ذات أثر جيد على بعضهم وعلى البعض الآخر تمر بروتينية وبعضهم في تردد وضيق .
تمكنت ملاذ من أن تحقق نجاحًا ساحقًا في علاقتهم التي تحسنت كثيرًا وتمكنت من إزالة بعض العوائق التي تحول بينها وبين زوجها ورأت جزءًا من لطفه وحنانه الذي كان يخفيهم عنها . 
أما حسن فقد قضي أسبوعًا كاملًا بمفرده في المنزل ، يستيقظ فيذهب للعمل ويعود ليقضي سبع أيام في روتينية مملة ، ويعترف أخيرًا بينه وبين نفسه أنها تركت بصمتها بمجرد رحيلها عن المنزل ، ولقد اعتاد عليها برغم من شجارهم اليومي ، وخلال هذا الأسبوع خلفت فراغ في نفسه خلفها .. حتى في العمل كانت لا تأتي سوى ساعات قليلة ولا يراها فيهم حيث تحرص على القدوم والذهاب دون إن يراها !! .
بينما كرم فقد كان مشغولًا في البحث عن ذلك الوغد الذي حتمًا سيحاول أذية " شفق " مجددًا ومن جهة أخري مشغولًا ببعض التعديلات التي يجريها في منزله استعدادًا للانتقال والعيش فيه بعد زواجه ، أما شفق فقررت وتراجعت أكثر من مرة وبالأخير استمعت لصوت قلبها الذي يرغب في قربه فاعلنت موافقتها النهائية ، وها هو اليوم موعد زواجهم وسيعقد القرآن بعد ساعات قليلة بحديقة المنزل وسط حضور عائلته كاملة ، وستكون حفلة عائلية هادئة دون موسيقية بناءًا على رغبتها بسبب وفاة أخيها وأمها الذي لم يمر على وفاتهم الشهر ! .
كانت تكمن في غرفتها وتتطلع لمرآتها تمعن النظر في ملامحها وفستان السهرات البسيط الذي قامت رفيف بشرائه خصيصًا لها واقنعتها بعد عناء بأنها لا يجب أن ترتدي الأسود في مناسبة كهذه فرضيت أخيرًا مغلوبة على أمرها . رأت الدموع تنهمر من عيناها في ألم وحرقة امتزجوا بالشوق ، شوق لأحبائها الذين سرقهم الموت منها فتركها وحيدة بلا عائلة ، وبلا سند أو حصن تحتمي به فليس هناك شيء يعوض العائلة ، وكم تمنت أن يكون أخيها معها وهو من يسلمها بيده لزوجها وترى السعادة في أعين والدتها التي طالما ودت أن تراها بفستان زفاف ابيض  ولكن ماذا عساها أن تفعل سوى تذكّرهم والاشتياق لهم والحزن على فراقهم الذي يمزقها كل يوم وكل دقيقة ! .
فتحت رفيف الغرفة ودخلت وحين رأتها في الفستان الحراري وحجابها الذي يأخذ نفس اللون ابتسمت بإعجاب وتمتمت : 
_ إيه القمر ده بس يلا عشان المأذون وصل تحت 

جففت دموعها فورًا قبل أن تلاحظها وبادلتها الابتسامة العذبة ثم القت نظرة من النافذة على حديقة المنزل لتجدهم جميعًا بالأسفل ويتحدثون فيما بينهم ، وأخيرًا وقع نظرها عليه لتراه يأخذ مكانه بجانب المأذون وشارد تمامًا في اللاشيء أمامه لتتنهد بعمق وترفض عقلها الذي يخبرها في غضب " حمقاء وبلا كرامة وافقتي على الزواج منه وإنتي تعرفي جيدًا أنه لا يحبك وربما أيضًا لا يريدك وتستمعي لأوهام قلبك المريض بأنك ستجعليه يحبك وهذا غير ممكن ! " استفاقت من تعنيف عقلها الشديد لها على صوت هدى هذه المرة وهي تطالعها بلطف وحب هاتفة : 
_ يلا ياحبيبتي عشان المأذون مستعجل 

التفتت لها فأخذتها من يدها وخرجت لهم ليضرب حسن كتفه بكتف أخيه الشارد حتي ينتبه لهم وبمجرد ما عاد لواقعه ووقعت عيناه عليهم هب واقفًا يرسم ابتسامة جميلة على شفتيها يستقبلها بها حتى وصلت وجلست بجواره وبدأت مراسم النكاح فورًا والتي انتهت بقول المأذون كالمعتاد " بارك لكما وبارك عليكما وجمع بينكم في خير " ثم يبدأ هو في تلقي التنهئات التي كانت بسعادة غامرة من أفراد عائلة باستثناء اشقائه الذين عانقوه وهنئوه في ابتسامات هادئة لعلمهم جيدًا بأنه لم يتزوج رغبة منه أو رغبة فيها ، ولكنه رغم هذا وبداية من هذه اللحظة وقع الوثائق مع نفسه بأنه سيكون رجلًا معها كما يجب أن يكون ! .

                               ***
بعد قضاء ما يقارب الثلاث ساعات وهم مجتمعين يضحكون ويتحدثون في مرح وسعادة ، لم يتبقى سوى عائلة محمد العمايري وبينما كان طاهر وزوجته وابنه في طريقهم لليسارة حتى يرحلوا استقامت يسر من جانب زوجها وهمت بأن تلحق بهم لتعود معهم فتجد يده تقبض على رسغها بعنف وهو يوجه لها نظرات قاتلة في همس : 
_ رايحة فين ؟! 

انحت قليلًا ناحيته وغمغمت في هدوء مستفز : 
_ راجعة معاهم 

اجلسها بجانبه مجددًا عنوة وهمس في أذنها بنبرة صوت ملتهبة : 
_ هترجعي معايا البيت كفياكي أوي كدا ، أنا سبتك أسبوع براحتك ومتكلمتش 

القت نظر على الباقية لتجد كل من رفيف وملاذ وشفق منشغلين بالحديث مع بعضهم وكرم وزين يتحدثون مع والدتهم في شيء ما بصوت خافت ، لتعود بنظرها له وتبعد يده عنها ببطء متمتمة في استهزاء : 
_ ده على اساس أنك دايب في دباديبي مثلًا ومش قادر تقعد من غيري 

ابتسم وقد قرر أن يشعل نيران سخطها ويستفزها حيث أكمل همسه في إهانة واضحة لها بها شيء من الوقاحة : 
_ لا بس مش قادر اقعد من غير الخدامة اللي بتأكلني وبتغسلي هدومي وبتخدمني وبتلبيلي كل طلباتي ، حتى الطلبات اللي بالي بالك 

جزت على أسنانها وقد نجح في تحقيق مبتغاه وهو إشعال نيرانها واندلاع ثورتها الداخلية فوجدها تطالعه بأعين نارية تكاد تحرقه بها وتهتف في استحقار ونظرات وضيعة : 
_ تعرف إن أنت حيوان أوي !

عاد ليقبض على ذراعها من جديد ولكن في قوة المتها وهتف بتحذير مبتسم يحاول إخفاء سخطه من إهانتها المباشرة له : 
_ احترمي نفسك يامزتي بلد ما اقصلك لسانك الطويل ده 

دفعت هذه المرة يده عنها في خنق واشاحت بوجهها عنه بل ونهضت من جانبه تمامًا واتجهت لتجلس بجانب الفتيات تشاركهم حديثهم قبل أن تنفجر في ذلك المستفز من الغيظ .
وبعد مايقارب الساعة كل منهم أخذ زوجته وذهب لمنزله ولم يتبقى سوى رفيف وهدى حيث هتفت رفيف مداعبة : 
_ خلصتي من ولادك التلاتة يادودو .. يارب تكوني مرتاحة مفضلش غيري أنا وإنتي أهو في وش بعض 

قهقهت هدى ضاحكة وتمتمت براحة ولكنها امتزجت بشيء من الضيق : 
_ أكيد مرتاحة وهبقى مرتاحة أكتر لما اشوفهم مبسوطين واشيل ولادهم إن شاء الله ، واشوف كرم مبسوط مع مراته يارب وأنا واثقة إن شفق هتنسيه اروى وهتشوفي وتقولي ماما قالت 

شاركتها الضحك وهي تقول : 
_ مابلاش الثقة المفرطة دي يادودو ! 

_ يس يابت اتلمي قومي يلا من جمبي سبيني استجم شوية مع نفسي 

فعلت كما أمرتها واستقامت ضاحكة وهي تبتعد عنها تاركة إياها ترفع يداها للسماء وتدعي لجميع ابنائها بقلب أم صادق في دعائه وحبه لأولاده ! .

                              ***
وضع كرم المفتاح في قفل الباب واداره للشمال ثم فتحه ودخل أولًا لتدخل هي بعده ويغلق الباب بهدوء ويتابعها وهي تتأمل في المنزل الذي تراه لأول مرة ، كان يحتوى على أثاث عصري وجميل والوان الحوائط هادئة وجميلة ، لتنتفض من شرودها على صوته الرخيم وهو يتمتم باسمًا : 
_ مكنش في وقت عشان اجيبك تتفرجي وتشوفي لو حابة تغيري حاجة أو كدا ، بس احنا فيها أهو واعملي اللي إنتي عايزاه لو في حاجة مش عجباكي ، خلاص ده بيتك 

التفتت له برأسها وهمست في رقة ساحرة وهي تهز رأسها نافية : 
_ لا بالعكس كل حاجة في البيت جميلة خالص ماشاء الله 

_ طاب كويس تعالي بقى قبل ما تدخلي أي مكان في البيت هوريكي حاجة 

قطبت حاجبيها باستغراب ولكنها تبعته في صمت حتى وصلا أمام باب غرفة لونه بني ثم مسك المقبض وفتح الباب وهو ينظر لها بابتسامته المعهودة التي تسرق قلبها ، يطلب منها الدخول أولًا ، لتخطو أول خطواتها وتلجم الدهشة لسانها وهي تحدق بالحائط فاغرة عيناها وشفتاها !! ......

............ نهاية الفصل .........

  •تابع الفصل التالي "رواية ضروب العشق" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent