Ads by Google X

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الخامس عشر 15 - بقلم مريم غريب

الصفحة الرئيسية

    

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الخامس عشر 15 -  بقلم مريم غريب

 الفصل الخامس عشر _ تم العطب _ :
تستطيع أن تشعر بأنفاسه العنيفة على أذنها.. و هو يتمتم شيئًا لم تسمعه ..
رغم إن جسدها كله يرتجف بشدة.. و تتألم كثيرًا.. لكنها لم تقوَ على أيّ حراك.. دموعها لا تزال تسيل من عينيها بغزارةٍ وصدرها يختلج بالغصّات.. تحاول فتح عينيها لكنها تخاف ممّا ستراه ..
تخاف جدًا.. و لا تريد مواجهة ما حدث للتو.. لا تريد ..
صوت “نبيل” مليئًا بالذعر.. لم يعد فوقها الآن.. اصطدم جسدها شبه العاري بلسعاتٍ من الهواء البارد.. و إنفتحا جفناها بغتةً.. لتجهش ببكاءٍ مفاجئ على الفور.. بكاء مرير و هي ترفع يدها بصعوبةٍ لتشد الثوب الذي إنحسر حول خصرها لأعلى لتستر عريها ..
في الطرف المقابل.. “نبيل” قد خرج من السيارة كأنها يفر من قابض الأرواح.. “نبيل الألفي”.. الرجل الثابت.. الواثق.. إنه يرجف من رأسه لأخمص قدميه الآن.. شاحب.. فزعًا ..
كان يعيد إغلاق أزرار قميصه و بنطاله بأنامل مرتعشة.. يسوّي مظهره المتشعّث و هو لا يكف عن ترديد :
-إزاي ؟ .. إزاي ؟
إزاي ؟؟؟؟
كاد يفقد صوابه.. لم يتحمل عبئ صدمته منفردًا.. اندفع ناحيتها ثانيةً.. كانت مكوّمة على نفسها الآن فوق المقعد الخلفي للسيارة.. تبكي و تنوح على خسارتها.. خسارة كل شيء …
-إزاااي !!؟؟؟؟ .. صاح بها “نبيل” ممسكًا بذراعها
إنكمشت محاولة الابتعاد عنه.. لكنه لم يدعها و شأنها.. غرز أصابعه بجلدها الطريّ.. أمسك ذقنها بيده الأخرى هاتفًا بعنفٍ :
-بصّيلي.. اتكلّمي ..
إزاي ؟ .. انتي.. انتي ..
لم يستطع أن يسوغها.. و تقلّص وجهه بألمٍ و هو يقول بلهجةٍ معذّبة :
-ليه ماقولتليش ؟ .. ليه ؟
ليه سبتيني أعمل كده ؟؟؟
نظرت إليه عبر دموعها.. المسكارا تلطّخ عينيها بالكامل و الكحل الثقيل يرسم خطوطًا على خدّيها.. تظل ترمقه بنظراتٍ ميتة دون أن ترد عليه ..
ليتفاقم ذعر “نبيل” من حقيقة ما أقترفه بحقها.. لا.. بحق صديقه.. الرجل الذي تكفّل به و أنقذه من الضياع ..
لقد ضيّع ابنته الليلة.. لقد خانه.. ماذا فعل بحق الله ؟
ماذا فعل ؟
ابنة “حسين”.. “مايا”.. لقد كذبت عليه.. كذبت على الجميع.. لم تفرّط بنفسها حتى و هي متزوجة ..
الحقيقة إنها كانت.. عــذراء !!!
**
أوصلها “نبيل” إلى منزل أبيها بسرعة.. تجنّب النظر إليها تمامًا.. بينما لم توليه الفرصة ليفعل.. ترجلت من سيارته على الفور.. ماضية إلى الداخل بأسرع ما أمكنها ..
أول ما ورد لذهنه لحظة إقلالها إلى منزل أبيها أن يخابر صديقه المحامي ليستعلم منه عن زوج “مايا” السابق.. و بالفعل أخبره الأخير بعنوان الشقة التي نزل فيها و إنه لا يزال بالبلد و لم يغادر بعد ..
انطلق “نبيل” على الوصفة ليصل في غضون دقائق إلى وجهته المنشودة.. لحسن الحظ إن أمن العقار يعرفونه إذ اعتاد ارتياد المكان الذي يضم أشهر المؤسسات الترفيهية.. مرّ بسهولة و استقلّ المصعد للطابق الثالث عشر ..
كان أمام شقة “وليد” في لحظاتٍ.. قرع الجرس بإلحاحٍ مخفضًا رأسه حتى لا يتمكن الأخير من التعرّف عليه من خلال الكاميرا المثبّتة أعلى الباب ..
دقيقة واحدة و إنفتح باب الشقة و ظهر “وليد” أمامه.. و قبل أن يفتح فاه بكلمة دفع “نبيل” الباب بساعِده و اقتحم الشقة راكلًا الباب بقدمه.. أمسك بتلابيب “وليد” الذي صاح مضطربًا :
-نبيل باشا.. حصل إيه ؟
في إيه بس يا باشا ..
مضى “نبيل” يدفع به حتى الشرفة.. أزاح النافذة الجرّارة و أماله على حافتها مهددًا إيّاه و ملامحه تنطق بالجديّة و الشر و هو يقول بخشونةٍ :
-أسمعني.. أقسم بالله.. أنا على استعداد أرميك من هنا بجد
و ماعنديش مشكلة أدخل فيك السجن.. كبيري كام سنة و أخرج تاني.. بس انت بقى يا صاحبي !!
جحظت عينا “وليد” بفزعٍ و هو يسأله جاهلًا أسباب كل هذا الغضب و العنف :
-أنا عملت إيه بس يا باشا ؟
فهمني.. انت قلت لي طلّق و أنا طلّقت.. قلت لي ماتشوفنيش و لا حتى صدفة
أنا كنت مسافر أصلًا بس قلت أقعد يومين أشوف البلد.. أنا آسف يا باشا و الله خلاص مش عايز أشوف حاجة خالص.. أنا هامشي.. هاطلع على المطار دلوقتي حالًا.. هـ آ …
-أقطم يالا ! .. قاطعه “نبيل” بغلظةٍ
كانت قبضته كالحديد.. و لم يستطع “وليد” بقوته الهزيلة التملّص منه.. ازدرد ريقه بخوفٍ و هو ينظر من العلو الشاهق إلى الشارع بالأسفل.. ثم عاود النظر إلى “نبيل” الذي أظلمت نظراته أكثر و هو يقول بلهجةٍ خافتة و خطرة في آنٍ :
-انت نسيت تقولّي حاجة يا وليد ؟
لما قعدنا و اتكلمنا.. سألتك عن علاقتك بمايا عزام.. قلت لي إنك كنت متجوزها و عايش معاها سنتين.
أومأ “وليد” مرارًا قائلًا :
-حصل.. حصل يا باشا.. و الله ما كدبت عليك في حرف !!
هتف “نبيل” غاضبًا :
-لأ كدبت.. إزاي عيشت معاها سنتين في بيت واحد
منغير ما تلمسها ؟؟؟
تسمّرت ملامح “وليد” لهذا التصريح.. لوهلة باغتته المفاجأة.. ليدرك المعنى الجلي من ورائها …
-مين قال لسعاتّك الكلام ده !؟
دفع به “نبيل” أكثر إلى الحافة مغمغمًا بشراسةٍ :
-مالكش دعوة.. لو باقي على روحك أنطق و صارحني
قول الحقيقة.. كل الحقيقة و إلا و عزة الله مش هاتشوف الصبح !!!
رد “وليد” بهسترية :
-هقولك.. و الله هقولك مالوش داعي ده كله
إهدى يا باشا.. خف إيدك عليا و الله هقولك كل حاجة.. لو كلمة واحدة ماحصلتش أعمل فيا ما بدالك !!
لم يتركه “نبيل” فورًا.. لكن بقي جسده متحفزًا عن تركه و ابتعد عدة خطوات للوراء ..
تنحّى “وليد” عن الشرفة تمامًا ما إن تحرر.. استند إلى الجدار المقابل مجفلًا.. غير مصدقًا بأنه قد نجا من هلاكه المحقق على يديّ رجل مثل “نبيل الألفي” ..
بدا “نبيل” نافذ الصبر حقًا.. فبادر “وليد” قائلًا بصدقٍ واضح :
-أنا ماكدبتش عليك لما حكيت لك عن علاقتي بمايا.. كل إللي قلته حصل.. من أول ما اتعرفنا لحد ما كتبنا الكتاب.. لكن إللي حصل بعد كده ..
نظر له “نبيل” بقوة منتظرًا ما سيدلي به.. ليكمل الأخير :
-أول ليلة لينا مع بعض.. كنت معاها في شقتها
كنت عارف دوري في الجوازة دي و كنت مستعد أقوم بيه.. أنا فعلًا بدأت أقرب منها و أنفذ إللي طلبته مني بالظبط.. بس.. هي فجأة وقفتني.. في الأول استغربت
لاقيتها بتحجج إنها مش جاهزة.. سيبتها.. تاني يوم قالت لي تعبانة.. و بقت كل يوم بحجة.. لحد ما اتفقت معايا إني ماحاولش معاها تاني إلا لما هي إللي تيجي و تطلب مني
إللي حصل بقى إننا قعدنا سنتين في بيت واحد و عمرها ما جت طلبت مني أي حاجة
لحد ما صحيت في يوم زي ما قلت لك و لاقيتها بتطردني.. أنا عمري ما لمست مايا.
و فرغ “وليد” ..
لم يكن “نبيل” بحاجة لسماع شيء آخر.. كانت تلك الحقيقة التي اكتشفها منذ قليل أساسًا.. لكنه لآخر لحظة آمل بأنه تمارس عليه خدعةً ما ..
إنها خدعته حقًا.. دفعته دفعًا لاحتقارها.. ذكرته بالمرأة الوحيدة التي أحبّها في فترة شبابه و خانته ..
الليلة استفزّته.. و كأنه رأها.. و كأنه رأى “شاهيناز” و ليست “مايا”.. أراد أن يثأر لنفسه حتى و هو يتوّهم بأنه يفعل الصواب ..
ما من صواب حدث الليلة.. لقد اغتصبها.. انتهك عِرض صديقه ..
لقد تم العطب بنجاح !
 

google-playkhamsatmostaqltradent