Ads by Google X

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل السادس عشر 16 - بقلم مريم غريب

الصفحة الرئيسية

    

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل السادس عشر 16 -  بقلم مريم غريب

الفصل السادس عشر _ هو حبيبي _ :
تشم رائحة عطر.. تعرفه جيدًا.. عطر أبيض ..
بمقدمة عطرية من التوت الأسود.. قلبه من زهرة البرتقال.. و قاعدته من الماتول ..
إنه يشبه عطر “رامز الأمير” إلى حدٍ كبير.. بل إنه نفسه هو !
هذا الإدراك جعلها تنتفض من غفوتها المتأرجحة و تستيقظ على الفور هاتفة بأسمه بمزيجٍ من اللوعة و الخوف :
-رامــز !!
و لكن لا أثر له.. لم يكن موجودًا.. لم يكن هو.. بل كان أخيها.. “عثمان البحيري” …
-حمدلله على السلامة !
لم يهدأ صخب قلبها بعد.. بل تزايد حين فتحت عيناها و رأته جالسًا قبالتها فوق مقعدٍ وثير.. يضع ساقًا فوق الأخرى.. هادئًا مسترخيًا.. على عكسها ..
لاحظ “عثمان” ارتعاشة جسدها الطفيفة.. ما لفت نظره إلى برودة الجو الفعلية هذه المساء.. فقطب قائلًا و هو ينهض في الحال :
-بردانة صح ؟
أنا آسف ماخدتش بالي إلا دلوقتي إن الجو بدأ يبرّد.. أصل طول بالي مشغول مابحسش بأي حاجة.. ثواني و هاتحسي بالدفا يا شمس.
و بعد تنقيب سريع.. عثر على جهاز التحكم عن بُعد.. أدار نظام التدفئة الخاص بالجناح.. ثم عاد ليجلس هذه المرة على طرف الفراش ..
قريبًا منها.. أمامها مباشرةً …
-هي مامي فين ؟ .. تساءلت “شمس” بصوتٍ بالكاد يسمع
جاوبها “عثمان” و هو يميل صوبها ممسكًا بكتفيها.. رفعها بسهولةٍ ليسند ظهرها إلى الوسائد حتى تتمكن من الجلوس جيدًا في مواجهته :
-أمك.. كانت هنا جنبك من شوية
بس لما أنا جيت قولتلها تسبني معاكي.. ماتخافيش ماطردتهاش.. عشان خاطرك انتي سمحت لها تدخل بيت أمي.. أنا عاوز أتكلم معاكي بس.. و بعدين هابعت لها تجيلك !
لاحظت “شمس” أثناء حديثه إليها تلك الكدمة الزرقاء أسفل عينه اليسرى.. فسألته على الفور :
-إيه إللي حصل لعينك !؟؟
قال “عثمان” بابتسامة جانبية تنم عن سخريته :
-إجابة سؤالك هي نفسها لو هسألك دلوقتي إيه إللي حصل لوشك !؟
و مد يده متلمسًا بأنامله جانب فكّها.. حيث صفعة “رامز” التي تركت أثرًا واضحًا على وجهها ..
ازدردت “شمس” ريقها الجاف بصعوبةٍ و لم ترد.. ليتنهد “عثمان” ممرًا كفه على صفحة وجهه و هو يغمغم بصوته الهادئ :
-إيه علاقتك برامز الأمير يا شمس ؟
و عرفتيه إزاي ؟
هزّها استجوابه بعمق.. بقيت تحملق فيه بلا إجابة للحظات.. لينظر إليها ثانيةً بعينيه الثاقبتين و يكرر بصوت أكثر حدة :
-شمس.. أنا إنسان هادي جدًا بطبعي.. ماتجبرنيش أكون العكس تمامًا معاكي و حالًا
اتكلّمـي !!!
أجفلت على إثر صيحته الأخيرة.. و ردت على الفور :
-بحبه !
قابلها بالصمت التام لثوانٍ طويلة.. و كأن تصريحها المختصر للغاية من شأنه أن ينهي أيّ جدل.. ليدفعه لمباركة هذه العلاقة و الرضوخ لصديقه ليتم الزواج وفقًا لشروط “رامز الأمير” وحده ..
و لكن لا.. لا و ألف لا.. لن ينال “رامز” بغيته بتلك البساطة.. لن يحلم حتى بالاقتران بـ”شمس البحيري”.. بأخته هو بالذات …
-مفهوم جدًا بالنسبة لي ! .. قالها “عثمان” باقتضابٍ :
-مفهوم إنك بتحبيه يا شمس.. بس أنا عايز إجابات واضحة على أسئلتي من فضلك
عرفتي رامز الأمير إزاي ؟
و علاقتك بيه وصلت لفين ؟
صارحيني.. لأني لو ماعرفتش الحقيقة منك هاعرفها بنفسي.. بس هاتزعلي مني أوي.. انتي لسا ماتعرفنيش كويس.
عبست بوهنٍ بَيّن.. و قالت دامعة العينين :
-أنا مش خايفة منك يا عثمان.. و لا خايفة على رامز منك
أنا بس لو ساكتة قدامك.. ف عشان كانت أخر حاجة عايزاها إني أصدمك فيا.. أنا عشت نص عمري بحلم إني معاك.. ماكنتش متخيّلة إن كل ده هايحصل.. أنا كنت جاية عشانك انت.. بس قابلت رامز !!
-احكيلي ! .. حثها بوجه خالِ من التعابير
أومأت له مرارًا.. ثم تنفست بعمق و بدأت حديثها :
-القصة كلها بدأت من خمس سنين.. لما كنت عامل احتفال على اليخت بتاعك
كان عيد جوازك انت و سمر …
**
انتهت المدة التي حددتها هي بنفسها للانتهاء من لوحتها الفنيّة ..
كان أكثر من المحبب إلى قلبه أن يجلس أمامها لتقوم بذلك.. بينما كان منشغلًا خلسةً بمتابعة بعض الأعمال على هاتفهه الخلوي.. ما إن دق جرس ساعة الإيقاف.. حرر جسده من تلك الوضعية المقيّدة ..
و صوّب ناظريه إليها قائلًا بمشاكسة :
-يا ترى مين فينا كسب الرهان ؟
تهللت أسارير الفتاة ذات الستة عشر ربيعًا.. تركت أدوات الرسم من يديها في الحال.. قامت عن مقعدها الخاص و هي تجمع شعرها كله في كعكةٍ مثبتة إيّاه بريشة الرسم فوق رأسها ..
إلتقطت لوحتها المسندة إلى الحامل المصقول الذي ابتاعه له أبيها خصيصًا من مزادٍ يعرض أغراض أعرق و أبرز شخصيات الفن عبر التاريخ.. كان هدية عيد ميلادها الثاني عشر.. ذات العام الذي تأكد الجميع من موهبتها بالرسم ..
فلم ينفك هو أو أمها عن دعمها بكافة السُبُل ..
سارت “لمى عزام” بحذرٍ تجاه “مراد أبو المجد”.. زوج أمها.. أبيها الروحي.. والد شقيقها الوحيد ..
أدارت اللوحة ليراها و هي تسأله بابتسامة عريضة :
-إيه رأيك ؟
أخذ “مراد” يطالع صورته المرسومة بانبهارٍ.. الخطوط الدقيقة.. الألوان الصحيحة.. و كأنه ينظر إلى صورة ملتقطة بعدسة فنّان محترف ..
لم يستطع “مراد” حجب ردة فعله المنبهرة و هي يثني عليها في الحال :
-واو !
برافو يا لمى.. حقيقي تستاهلي الساعة إللي حبستيني فيها على الكرسي ده ..
تأوه ضاحكًا عندما وكزته بكتفه بغضب متكلّف.. و قالت بتبرّمٍ :
-أوكي.. عقابًا ليك بقى على الكلام ده
مش هاتاخد الماستر بيس بتاعتي.. الصورة دي بقت بتاعتي أنا خلاص.
ظل “مراد” هادئًا.. يرمقها بنظرات اعجاب و أبوّة خالصة و هو يقول بتلسية :
-فعلًا ؟
هاتعملي بيها إيه طيب ؟
شمخت برأسها قائلة بترفعٍ :
-مش هقولك.. بس انت هاتعرف لوحدك لما تيجي بليل في أوضتي تقولّي تصبحي على خير زي كل يوم !
ابتسم لها بحبورٍ و دفء العاطفة الأبوية نحوها يشع من عينيه.. أمسك برسغها الأنيق و سحبها إليه لتجلس فوق قدمه كعادتهما ..
وضعت “لمى” اللوحة جانبًا لكي لا تفسد.. و أولت “مراد” كامل انتباهها.. ليخاطبها بهدوء ناظرًا إلى عينيها الشبيهتين بعينيّ أمها :
-حبيبتي.. احنا مش هانبات الليلة دي في البيت
إحنا مسافرين إنهاردة بليل.
رفعت حاجبيها معقّبة :
-مسافرين ؟
على فين يا بابي ؟؟
رفع “مراد” كفّه ماسحًا على رأسها بحنوٍ و هو يقول :
-مصر.. نازلين مصر.. تحديدًا على الإسكندرية علطول.. بس مامتك و عمر يرجعوا من مشوارهم و هانحضر كلنا شنطنا.
-دي مفاجأة !
-حلوة و لا وحشة ؟
لم ترد عليه و أطرقت برأسها ..
عبس “مراد” بغرابةٍ.. رفع ذقنها بأنامله محاولًا النظر بعينيها و فهم ردة فعلها و هو يقول برفقٍ :
-إيه يا حبيبتي.. إيه المشكلة ؟
انتي مش حابة تسافري ؟ احنا بقالنا سنين مانزلناش مصر
إيه تيتة أمينة و خالك أدهم و كلهم مش واحشينك ؟
نظرت إليه الآن.. و قالت بخفوتٍ :
-لأ.. وحشوني.. بس.. أنا خايفة !
تحفزت ملامح “مراد” و كافة غرائزه البدائية.. سألها مباشرةً دون أن يخفف من قساوة لهجته :
-خايفة !؟
خايفة من إيه يا لمى ؟ أو من مين ؟؟
قوليلي !!
ترددت “لمى” طويلًا.. لكنه لم يتخلّى عن نظرة التصميم بعينيه.. فأضطرت للبوح له :
-حسين عزام.. جدو !
-ماله !؟
-كلّم مامي تاني من فترة.. و كان مصمم إنه يشوفني
و هدد مامي لو ماوافقتش توديني عنده هاياخدني منها بالعافية !
إندهش “مراد” لسماع تلك الأخبار الجديدة.. زوجته لم تأتِ بسيرة عن ذلك.. و لا يعرف لماذا لم تفعل ؟
ماذا أرادت من وراء مداراة الأمر عنه !!؟
تجاوز “مراد” عن هذا مؤقتًا.. و انشغل بطمأنة “لمى” قائلًا و هو يفرك كتفيها و ظهرها بحركاتٍ طالما عرف بأنها تهدئها و تبث فيها الآمان :
-لمى.. مبدئيًا عشان تعرفي.. مافيش مخلوق في الدنيا دي كلها.. يقدر ياخدك مني
لازم تثقي في ده و ماتقلقيش من أي حاجة طول ما أنا عايش على وش الدنيا
الحاجة التانية إللي عايزك تطمني من ناحيتها.. حسين عزام جدك.. عايش في دبي
و احنا نازلين مصر.. يعني مستحيل تقابليه و لو صدفة حتى.. أطمني يا روحي
أطمني خالص.
تلقّت “لمى” كلماته بعنايةٍ و تشرّبتها كلها.. صدقته بالطبع و أطمأنت لوعوده ..
ابتسمت ببساطة.. لكنه لم يمحو تعبير الصرامة عن وجهه.. إنما ضمّها إلى صدره بقوة مرددًا :
-انتي بنتي أنا.. لو بإيدي.. لو ينفع أديلك اسمي
مافيش حاجة أتمنيتها في حياتي يا لمى.. أد ما أتمنيت إنك تكوني بنتي
من دمي !
**
إن السماع لكلماتها.. للأحداث التي مرّت بها على مدار عامين كاملين حين كانت في علاقة مع صديقه.. كان يفوق إحتماله ..
صديقه.. الذي لطالما كان بمثابة أخًا له.. كـ”مراد” تمامًا ..
صحيح عرف الآن بأن “رامز الأمير” لم يكن على علمٍ بحقيقة نسبها إلى عائلة “البحيري” من الأساس حتى وقتٍ قريب.. إلا إنه لم.. و لن يغفر له هذا الخطأ ..
يربط بها بعقدٍ عرفي ليساوم أمها عليها.. يخطتفها أكثر من مرة.. و أخيرًا يمارس عليها العنف الجسدي.. يضربها !!!
كزّ “عثمان” على أسنانه بعنفٍ كلّما تذكر تلك الجزئية ..
كان يستمع إليها طوال الوقت منكس الرأس.. لم يقاطعها مرةً.. حتى سكتت ..
سألها و هو لا يزال على وضعيته :
-لمسك ؟
لم ترد ..
فرفع رأسه في التو محدقًا بها بقوةٍ و كرر بلهجةٍ خطرة :
-رامز الأمير.. لمسك يا شمس ؟؟
ابتلعت “شمس” غصّة قاسية بحلقها و هي تنظر إليه بقلقٍ.. إن علاقتها بـ”رامز” لم تكتمل أبدًا حتى الساعة.. لكنه بالطبع كان يعبث معها.. بموجب العقد الذي بينهما.. لا تستطيع الإنكار تمامًا ..
خرج صوتها شبه هامسًا و هي تجاوب سؤال شقيقها :
-أنا لسا virgin !
حسنًا ..
هل ظنّت بأنه لن يفهم ما تحاول أن تخفيه !
لقد فهم “عثمان” كل شيء.. و عرف بالضبط ما كان يفعله “رامز الأمير” بأخته.. و إلى أيّ حد وصل عبثه بها …
-الو×× !!!
ارتعدت “شمس” بذعرٍ عندما هب واقفًا فجأة.. مطيحًا بالكرسي المحاذي للسرير ليستقر بعيدًا و قد انكسرت قائمتيه الخلفيتين ..
تطلعت إليه و هي تتراجع أكثر ملصقة ظهرها بظهر السرير.. لأول مرة ترهب “عثمان”.. لأول مرة ترى إنعكاس أبيها عليه.. فبدا و كأنه تجسيدًا حيًّا لـ”يحيى البحيري” بقسوته و عنفوانه ..
إذن فما يُشاع عن برودة أعصابه و حِلمه مجرد أقاويل.. و أن شخصية أخيها الحقيقية تكمن بمكانٍ ما بداخله.. لا تخرج إلا بحلول أمرًا جلل ..
أخذ صدر “عثمان” يعلو و يهبط لعنف تنفسه.. و ما يعتمل بدواخله من مشاعر كفيلة بدفعه ليدمر أيّ شيء يلمسه.. أدار رأسه لينظر إلى “شمس” ..
لم يقدّر خوفها.. لم يرى أمامه أيّ شيء سوى كرامة عائلته.. عِرضه.. و أبيه الذي أوصاه بها هي بالذات.. إنه حتمًا يتقلّب بقبره الآن.. و لن يسامحه على كل هذا.. لن يسامحه …
-أنا هادمره ! .. نطق “عثمان” بقساوةٍ
قساوة تفوّقت على كل مواقف أبيها العنيفة ضد أمها و التي شهدتها خفية خلال نشأتها ..
اقترب “عثمان” إليها ببطءٍ.. فأخذت تراقبه و قلبها يخفق وجلًا.. حتى وصل عندها.. و انحنى صوبها واضعًا وجهه في مستوى وجهها ..
ليقول و أنفاسه الساخنة تبث سموم كلماته و نظراته المتوّعدة :
-هادمره يا شمس.. هافضل ورا رامز الأمير.. لحد ما أمحي فيه أي مظهر شدك له
مابقاش عثمان.. ابن يحيى البحيري.. لو ما نفذتش وعدي ليكي !!!

يتبع…

google-playkhamsatmostaqltradent