Ads by Google X

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل السابع عشر 17 - بقلم مريم غريب

الصفحة الرئيسية

    

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل السابع عشر 17 -  بقلم مريم غريب

الفصل السابع عشر _ إبنة الساحرة _ :
تناول منه الورقة الأخيرة موقّعًا إيّاها و هو يقول حائرًا :
-أنا مش فاهم بس سر إصرارك على كده.. هو انت مفكرني زي هالة مثلًا ؟
ممكن أفكر أبيع نصيبي لأي حد برا العيلة !!
انتظر “عثمان البحيري” حتى وضع “صالح” ابن عمه توقيعه على المستند الأخير.. ثم سحبه منه قائلًا و هو يرتّبه مع بقيّة وثائق ملكيات العائلة :
-معلش يا صالح.. ده مجرد إجراء صوري.. زي ما اشتريت من هالة نصيبها في القصر
بشتري نصيبك إنهاردة.. في النهاية ده هايفضل بيتك و بيت هالة و ولادكوا كمان
حتى لو الأوراق قالت إن قصر البحيري ملك عثمان البحيري لوحده.
و قام “عثمان” من وراء مكتبه متجهًا نحو خزنة مثبتة بالجدار.. سجل الرقم السرّي و فتحها ببصمة اصبعه.. ثم أعاد ملف الملكيات إلى مكانه ..
من خلفه انبعث صوت “صالح” متذمرًا :
-أنا بصراحة مش واكل معايا الجو ده يا عثمان.. انت في راسك حاجة
دي حتى صفية أختك.. خلّيتها تبيع نصيبها ليك.. الحاجة الوحيدة إللي أي حد يفهمها من إللي بتعمله هي إنك عايز القصر ملك ليك و لولادك بس.. ولادنا احنا بقى مالهمش حاجة هنا من بعدنا !!
عاد “عثمان” بخطواته الثابتة إلى مكتبه.. لكن بدلًا من جلوسه وراءه.. جلس في الكرسي المقابل لابن عمه ..
وضع ساق فوق الأخرى و قال بهدوئه المعهود :
-سواء انت.. أو هالة.. او حتى صفية.. قبل ما حد فيكوا يمضيلي ورقة واحدة كان حقكوا وصل على داير مليم.. أنا دفعت تمن التنازل بتاعكوا ده و زيادة يا صالح
و لا انت شايف إيه !؟
أجفل “صالح” و قال مبررًا في الحال :
-أنا مش بتكلم في ماديات يا عثمان.. ده ميراث عيلتنا
القصر ده ملك العيلة كلها !
-أنا و ولادي مش من العيلة يعني ؟
-مش قصدي.. بس ..
-مابسش ! .. قاطعه بحزمٍ :
-القصر أبوابه مفتوحة لأي فرد من أفراد العيلة
صحيح بقى ملكي و هايبقى ملك لإبني من بعدي
بس وصيتي هاتكون زي ما قلت لك يا صالح.. محدش منكوا و لا من ولادكوا هايتحرم من الدخول أو حتى الإقامة فيه.. و خلاص الموضوع خلص لحد هنا
مش عايز أي نقاش تاني فيه.. تقدر تعتبر إن مافيش أي حاجة اتغيّرت.. و تتصرّف زي ما بتعمل دايمًا.. انت في بيتك.
**
ما من شيء صار على ما يُرام ..
حتى هي ..
هل ظنّت بأنها ستغدو بخير إن خاضت بالطريق الوعر الذي اختارته لنفسها قبل سنوات !؟
حسنًا.. لقد كانت مخطئة.. كانت مخطئة و هذا ما اكتشفته بعد فوات الأوان ..
دمرت نفسها بنفسها.. و لكن أليس هذا ما أرادته منذ البداية ؟
ما بالها حزينة ؟.. ذابلة.. بلا روحٌ ..
إن فعله بها “نبيل الألفي” أكثر من متوقع.. فهي من أغوته.. هي بلسانها و أفعالها التي وصمت نفسها بالعهر أمامه ..
و في تلك الليلة.. أرادت بالضبط إثارته.. و قد نجحت.. فممّا تشكو و على ماذا تبكي !؟
لا يتعيّن أن تبكي.. إنها “مايا عزام”.. إنها إبنة أمها ..
إبنة الساحرة !!
إبنة الساحرة لا تبكي.. ما هذه الدموع السخيفة بحق الله !!؟
انبعث نحيب مجروح من صدر “مايا” و هي تقاوم ثقل جسمها لتنهض من فراشها.. فراشها الذي لم تغادره لقرابة الأسبوع.. تحديدًا منذ تلك الليلة ..
الليلة التي شهدت اغتصابها على طريقٍ مقفر ..
وقفت “مايا” بقدميها العاريتين على الأرض الرخامية.. لثوانٍ بقيت بلا حراكٍ تختبر إتزانها.. ثم سارت كالروح الهائمة نحو شرفتها.. أزاحت الستار و لوهلةٍ أعماها ضوء الشمس ..
لكنها دفعت دلفتيّ الشرفة و خطت إلى الداخل.. غير عابئة بالبرد القارس الذي صدمها بالخارج.. وقفت عند حافة الشرفة مستندة إلى السور.. تقبض عليه بيديها بشدةٍ ..
تهب الرياح التشرينية قاسيةً.. عابثة بثوبها القصير الهفهاف.. و شعرها الغجري الذي تناثر حول كتفيها و وجهها بفوضوية ..
لكم يغريها منظر العلو.. المسافة بين شرفتها و الباحة بالأسفل.. بينما تصدح الأصوات داخل رأسها بإلحاحٍ.. أصوات كثيرة.. تحثها على فعل ذلك ..
و الآن صوتًا مميزًا يهدر من بينهم.. طاغيًا عليهم.. يأمرها بقسوة ؛ هيا “مايا”.. إن هي إلا قفزة واحدة.. لتنالي الخلاص.. خلاصٌ أبدي.. إنها قفزة واحدة.. و لن تشقي بعدها أبدًا.. هيا “مايا”.. أفعليها.. أفعليها الآن !!!!
زُيّنت لها الرؤى التي بثها الصوت.. رؤى الخلاص.. إلى درجة لم تعد ترى سبيلًا للهرب سوى ما أمرها به أن تفعل ..
كأنما صارت مغيّبة.. شبّت على أطراف أصابعها لتعتلي السور.. و لم تخشى حتى و هي تترنّح فوقه الآن ..
وقفت تصدّ الرياح بجسدها طاغي الأنوثة.. ذاك الجسد الذي لطالما تفاخرت به.. و كان أول ميزة بها تجذب إليها الجنس الآخر.. تتخيّل إنه ربما بعد لحظاتٍ أو دقائق.. ستفارقه الحياة ..
عندما تخطو خطوة واحدة للأمام.. ستسقط لفترةٍ وجيزة فقط.. ثم تستقر بالأسفل.. جثة هامدة …
-سيف ! .. خرج الهمس من بين شفتاها المرتعشتان
أغمضت عينيها بقوةٍ.. لتسيل الدموع التي ملأتهما على طول خديّها ..
تتطاير خصيلات شعرها في تناغمٍ مع همسها و دموعها الجارية و هي تناجي شخصٌ ما.. كان أخيها الراحل حقيقةً.. تحدثه و كأنها تراه على بُعد ذراعٍ :
-أنا جاية يا سيف.. أنا جايالك إنهاردة
دلوقتي !!
و اخترق مسامعها صوته في هذه اللحظة.. صوته المساوم الذي لا تخطئه أبدًا.. لم يكن إلا مذعورًا و هو يصرخ من الأسفل بضرواةٍ :
-مـاااايـاااااااااااااااااااااااااااااااا …
لكنها ما كانت لتستجيب له بارادتها.. سواء كان حقيقةً أو وهم.. ما كانت لتتخلّى عن خلاصها ..
تركت نفسها لتسقط.. سقوطًا ليس بعده قيامة.. على الأقل في هذه الحياة.. هذا الواقع ..
و لكن بدلًا من السقوط للأمام.. أحسّت بقبضة تمسك بها فجأةً و تشدّها للخلف.. بينما انفجرت بصراخٍ حاد و هستيري ..
أطبقت عليها ذراعين مفتولتين.. منعتاها من التملّص.. إلا إنها لم تنفك عن الصراخ :
-إوعـوووووووووا.. سيبـوووووووني
سيبـووووووووونـي …
-إهـدي.. مايا.. إهـدي
ده أنا.. مالك.. أنا مالك يا مايا ..
لم يسعها بعد سماع صوت شقيقها الأصغر.. و الأقرب إلى عمرًا كأنهما أكثر إرتباطًا من توأمٍ.. إلا أن تبكي بحرقةٍ ..
مشتتة.. تائهة.. تشبثت به و كأنه طوق النجاة.. و مضت تبكي و تبكي على صدره بلا راحةٍ ..
بينما يسحبها إلى الداخل شاحب الوجه.. مهدئًا إيّاها دون أن يتركها و لا زالت صورتها داخل الشرفة تحاول إلقاء نفسها تفزعه ..
ماذا لو لم يصل بالوقت المناسب ؟
ماذا لو استجاب لمطالبات أصدقائه و بقى ماكثًا معهم بضعة أيامٍ أُخر ؟
من ذا كان سيلحق بأخته ؟
هل كان سيفقدها هي الأخرى ؟ .. هل كان ليقدّر عليه أن يعيش بلا أخوته ؟
الإثنان !!؟؟
-مايا !!
كان هذا صوت “نبيل” ..
أدار “مالك” رأسه متطلّعًا نحو الأخير.. كان يقف عند عتبة باب الغرفة منقطع الأنفاس.. يلهث بشدة و هو يرمق “مايا” بنظراتٍ متلهّفة.. و قد بدت عليه علامات الخوف كـ”مالك” تمامًا.. لم يكن حاله أفضل بتاتًا ..
لكنه في ذات الوقت أحس بارتياحٍ.. إذ رآها بخير ..
أجل.. “مايا” بخير.. و ستكون كذلك من الآن فصاعدًا ..
هو يقسم على ذلك …
**
مطار برج العرب / الإسكندرية ..
اكتظت صالة الوصول بالوافدين من الرحلة الواصلة للتو.. من بينهم برزت عائلة “مراد أبو المجد” ..
يسير “مراد” بالمقدمة.. دافعًا بالعربة التي حملت حقائب السفر.. بجواره تسير “إيمان عمران”.. زوجته متأبطة ذراعه.. لا تكف عن محاولات اجتذاب انتباهه.. أو الأحرى مراضاته ..
بعد أن كشف قبيل السفر مباشرةً بأن “لمى” قد أخبرته عن المكالمة التي أجرتها مع جدها دون أن تخبره هو.. كانت ستشرح له دوافعها.. إلاإنه أبى أن يسمع.. و أمرها بالتزام الصمت التام في حضور ولديّهما ..
و ها قد أطاعت كلمته.. لكنها لم تحتمل جفائه أكثر من ذلك.. خاصةً حين رأته يغدق من الدلال و الاهتمام على ابنتها تارة.. و على ابنهما تارةً أخرى.. صحيح ينتبه إليها جيدًا.. لكنه يتعامل كما لو إنها غير موجودة …
-مراد ! .. تمتمت “إيمان” بلهجةٍ أقرب للتوسل
لم يغيّر “مراد” من نبرته الحادة معها شيئًا و هو يقول متحاشيًا النظر إليها :
-قلت بعدين يا إيمان
بعدين !!
لم تجد بدًا من الإذعان إليه.. فهي أعلم الناس به.. إن أراد أن يصمت فهو يعلم الصمت يعد الخيار الأفضل.. لئلا تحدث المتاعب ..
تنهدت “إيمان” بيأسٍ و تركت ذراعه عندما مرّا عبر بوابات المطار.. أمسكت بابنها البالغ من العمر 9 سنوات.. بينما أحاط “مراد” بكتفيّ “لمى” ..
الآن يتم نقل حقائبهم إلى سيارةٍ مخصوصة أرسل في طلبها لتكون بانتظاره لحظة عودته إلى أرض الوطن مع أسرته ..
ما كاد يبلغ منتصف الطريق إلى السيارة تمامًا.. حتى أتاه صوت مألوف للغاية …
-مش معقـوول مـراااد !!
إلتفتا كلًا من “مراد” و “إيمان” بنفس اللحظة.. ليفاجأ برؤية السيدة “فريال المهدي”.. برفقة ابنتها “صفيّة البحيري” ..
أشرق وجه “مراد” في الحال و هو يهتف غير مصدقًا :
-فريال هانم !
و ترك زوجته ماضيًا تجاه السيدة التي عرفها لعمرًا كاملًا.. منذ كان طفلًا صغيرًا …
-أما حتة مفاجأة !! .. قالتها “فريال” و هي تستقبل “مراد” بأحضانها
عانقته بأمومة و هي تمسد على ظهره فرحة حقًا لرؤيته.. صديق إبنها الذي شب معه و رافقه خلال سنوات حياتهما حتى الآن.. إنه بمثابة إبنًا لها أيضًا ..
تباعدا بعد لحظاتٍ.. لينحني “مراد” مقبلًا يدها برقي.. ثم يقول و هو لا يزال محتضنًا يدها بين يديه :
-وحشتيني.. وحشتيني بجد يا فريال هانم
أنا كل ما بسيبك بتحلّوي كده ليه ؟
قهقهت “فريال” بمرحٍ و ضربت كتفه بخفةٍ قائلة :
-انت و عثمان نوع واحد طبعًا.. نفس البكش يا ولد ..
و انتبهت إلى أفراد أسرته.. ليعلو وجهها تعبيرٌ ودّي و هي تقول :
-بسم الله ما شاء الله.. دول ولادك يا مراد ؟
أومأ لها “مراد” و هو يشير بيده لولديه حتى يقتربا.. قدمهما إليها قائلًا بزهو :
-أيوة دول ولادي.. لمى و عمر
ولاد سلموا على فريال هانم.
أخذتهما “فريال” في عناقٍ على الفور.. بينما “مراد” يصافح “صفيّة” :
-صافي.. إزيك ؟
ابتسمت “صفيّة” برقةٍ و هي ترد بألفة :
-الحمدلله يا مراد.. أنا كويسة
انت إزيك !
-أنا تمام.. انتوا مسافرين و لا إيه ؟
أجابت “فريال” سؤاله بنفسها :
-لأ يا حبيبي.. احنا لسا واصلين
كنا في رحلة لاسطنبول بقالنا كام أسبوع و لسا واصلين.. انتوا بقى بتعملوا إيه ؟
و حانت منها نظرة تجاه “إيمان”.. التي بدت متوترة للغاية.. لولا أن لحق “مراد” بنفسه و دعاها على الفور ما كانت لتسامحه على إغفاله إيّاها …
-تعالي يا إيمان !
لبّت “إيمان” دعوته و اقتربت منه.. أحاط بخاصرتها و حثها على مصافحة “فريال” ..
ثم صوّب ناظريه نحوها ثانيةً و هو يقول :
-إحنا كمان لسا راجعين من لندن.. و بصراحة كنا طالعين عليكوا
قصدي يعني كنا في طريقنا للقصر عندكوا.
-بجد ؟
طيب دي حاجة حلوة أوي يا حبيبي.. ده عثمان هايفرح جدًا لما يشوفك
هو عارف إنك جاي ؟
-لأ لسا.. أنا قلت اعملها مفاجأة.
-دي أحلى مفاجأة و الله يا مراد.. انت و مراتك و ولادك هاتنورونا ..
ثم قالت مخاطبة “صفيّة” :
-صافي أنا و انتي هاناخد الولاد معانا في العربية و هانسبق.. و مراد و إيمان يحصّلونا !

ا
google-playkhamsatmostaqltradent