رواية زئير القلوب الفصل السابع عشر 17 - بقلم سهام احمد
زئير القلوب
لقاء آخر.
الفصل السابع عشر
نلتقي دائما باشخاص كثر في رحلتنا العمرية، نعرفهم او لا نعرفهم، قريبون منا او بعيدون عنا، يمكن أن تكون هناك روابط تجمعنا ونحن لا نعلم بها، يمكن أن يقف بجوارك شخص ما تراه وتبتسم له ويبتسم لك، ربما تكون تلك المرة الاولى التي تراه فيها وهو كذلك، لا تعلم من هو او حتى ما اسمه، ويكون الرابط المبهم بينكما اقوى مما تتخيل.
هكذا جمعت الصدفة والتي تخفي خلفها القدر بفارس وشقيقته سارة، التي لم يراها بحياته، حتى إنه لا يعلم انها شقيقته، فقط شعر بارتياح لرؤيتها بالرغم من بعدها عنه، كانت تلك السيدة تقف بظهرها على البار تتحدث مع عامل البار عن مصر والاماكن السياحيه المشهورة بها، سأل فارس عنها الاستقبال، فاشار إليها عامل الاستقبال وقال:
-هناك حضرتك هي دي اللي بتتكلم مع عامل البار.
-تمام شكراً.
وقف خلفها فارس وقال:
-آنسة سارة؟
ادارات ظهرها إليه مبتسمة ووقفت وقالت:
-ايوا انا مين حضرتك؟
-انا فارس كلمت حضرتك امبارح بخصوص الصفقة.
-اه اهلا استاذ فارس اتفضل هنا، معلش دي اول زيارة ليا في مصر؛ علشان كده تلاقيني يسأل اي حد عنها اتفضل اقعد.
-وليه تسألي احنا موجودين، عايزة تروحي فين في مصر حضرتك؟
فرحت سارة كثيرا بكلامه معها وروحه المرحة والتي دائما ما تحبب فيه الناس من اللحظة الاولى للقائه بهم:
-بجد والله؟! انا مش عايزة اتعب حضرتك معايا.
-ولو يا فندم ده واجب علينا كمصريين.
-هههه يا ترى بقا كل المصريين دمهم خفيف زيك كده وروحهم مرحة؟
-امال يا فندم انتي لسة ماشفتيش حاجة هههه.
-طيب حيث كده بقا من اللحظة دي انا مسؤولية منك تعرفني كل شبر في مصر، وكمان بلاش حضرتك والرسميات دي انا عندي واحد وعشرين سنة.
-بجد! ماشاء الله انتي صغيرة اوي، يعني لقب سيدة اعمال حسيت انك سيدة كبيرة يعني شوية.
-هههههه فظيع انت يا فارس، طب ايه رأيك نتكلم في الشغل وبعدها تعزمني على الغدا في مكان حلو على زوقك، بس بشرط انا اللي هحاسب.
-لأ يا فندم حضرتك كدة بتشتميني في بيتي يصح برضوا تبقي مع راجل وتقولي الكلام ده.
-ههههه طيب خلاص اوك زي مانت شايف بس نشيل بقا الالقاب والرسميات تمام.
-تمام يا فندم قصدي يا ساره ساره تمام كده.
-تمام يلا بينا؟
-تمام بالنسبة للشغل بقا.
شرح فارس دراسة جدوى المشروع لسارة بطريقة احترافية، وصادقة بل وشرح لها كل المميزات والعيوب الوحيدة التي ستقابلهم في رحلة عملهم على هذا المشروع، اعجبت سارة بالمشروع والطريق التي ادى بها فارس عرض العمل الخاص به، بعد أن انهى كلامه صفقت سارة مبهورة به:
-بجد انا مبهورة، انت بقالك كام سنة بتشتغل يا فارس؟
-ميرسي، انا بقالي حوالي سنة وشوية.
-معقول الاحترافية دي في سنة وشوية، طيب عموما انا احب اقولك اني موافقة على المشروع وقبلت الصفقة، ده مش علشان انت هاتفسحني طبعا لا، بس بجد لأني شايفة المشروع قدامي هايبقا عامل ازاي.
-ده شيء يشرفني طبعا وان شاء الله تكون شراكة خير مابينا وتنبسطي معانا هنا في القاهرة.
-ان شاء الله.
-طيب كده احنا خلصنا كل حاجة تخص الشغل وإن شاء الله شوفي امتى الوقت اللي يناسبك علشان نمضي العقود في الشركة.
-بكرة كويس؟
-كويس جدا تمام هكلمك الصبح؛ علشان نحدد المعاد وابلغ مدير الشركة وبعدها ليكي عندي عزومة على الغدا في احلى مكان ممكن تاكلي منه.
-بجد والله انا متحمسة جدا.
-طيب عربية الشركة هاتوصلك مكان مانتي عايزة وهاتيجي تاخدك برضوا بكرة وقت مانتي عايزة، صحيح انتي قاعدة في فندق ايه؟
-فندق الماسة.
-اه ده في العاصمة، طيب حضرتك هاتجيبي حاجتك وتعملي شيك اوت بكرة إن شاء الله وانا هحجز لحضرتك في مكان اجمل من ده بكتير، هو صحيح مش في جمال الماسة علشان اكون صريح معاكي، لكن هاترتاحي فيه.
-اوك تمام معنديش مانع.
-تمام اشوفك بكرة باي.
-بااااااي.
بعدما انهت سارة مقابلتها مع فارس هاتفت والدها:
-الو بابا، عامل ايه.
-انتي عامله ايه يا حبيبتي؟ ها طمنيني عملتي ايه في الشغل؟
-تمام يا بابا بكرة إن شاء الله هنمضي العقود، المشروع حلو جدا وعجبني جدا جدا، بالإضافة إلى ان عندهم شخص مسؤول عن الصفقات شاطر جدا، يعني تقريبا مشفتش حد في شطارته.
-انا قولتيلي شكله كل عقلك يا بنت وعلشان كده قبلتي الصفقة ها؟
-ههههه لا بتكلم بجد يا بابا والله، الشاب ده مكسب لينا كبير اوي على فكرة، انا ببص لقدام حضرتك عارفني.
-انا واثق في قراراتك يا حبيبتي ومعاكي في اي حاجة تحتاجينها قوليلي بس انتي عايزة ايه، وانا معاكي.
-بابا بصراحة عايزة منصب المساعد الخاص بتاعي ومدير الشركة الجديدة.
-سارة انتي متأكدة يا بنتي؟! يعني المناصب دي مش اي حد يقدر يشتغل عليها، لازم حد ثقة.
-ماتقلقش يا بابا انا اد كلامي.
-تمام حاضر خلصي انتي بس ونشوف.
-اوك حبيبي هكلمك تاني باي.
-اوك باي.
~~~
عندما تضع الانثى هدفا امامها لا تتركه حتى تحصل عليه، هكذا فعلت ثريا، ظلت ترى فارس امامها ولا تستطيع الاقتراب منه لكنه لم يكن لها عائقا عن تحقيق احلامها وطموحاتها، تلك الفتاة الرقيقة صاحبة الصوت العزب والجمال الخلاب، جاهدت بإصرار وبشدة حتى حققت حلمها في أن تصبح نجمة الغناء ومدرسة موسيقي للاطفال.
لكن لم يحقق حلمها بعد في اعتلاء مسرح الاوبرا المصريه بناءاً على رغبة الجميع وحبهم لصوتها، هذا ما كانت تنتظره، ظلت تكافح وتجتهد من جهة ويكافح فارس ويجتهد من جهة اخرى، بالرغم من فراقهم الا ان قلب كل منهم مازال معلق بالآخر.
كان عماد هو الداعم لها من جهة ونايا هي الداعمة لفارس من الجهة الاخرى، ظن كل من عماد ونايا انهم سيحصلون على حبهم بتلك الطريقة، لكن ربما للقدر رأي آخر.
كان فارس وثريا كل منهما يتابع اخبار الآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم يرى احدهما الاخر سوى من خلال الصور التي كانت لدى كل منهما، والتي التقطت لهما في الصغر وقبل انفصالهما في الجامعة.
اتصلت ساره بفارس وقامت بتأجيل توقيع العقود الخاصة بالشراكة:
-فارس عامل ايه؟
-تمام يا سارة انتي اخبارك ايه؟
-الحمد لله تمام، انا باتصل علشان اقولك حابة نأجل توقيع العقود لآخر الاسبوع يعني كمان خمس أيام.
-مفيش مشكلة يا سارة بس ممكن اعرف ايه السبب؟
-اه طبعا بصراحة حابة نعمل حفلة كبيرة تليق بشركتنا وشركتكم ونعلن فيها عن الشراكة ونوقع العقود.
-فكرة جميلة جداً، طيب حابة تكون الحفلة ازاي، في عندك افكار معينة للتنظيم.
-بصراحة الحاجة الوحيدة اللي حباها هي فقرة غنائية وتكون في مسرح الاوبرا المصريه لو أمكن، انا ممكن احل موضوع المغني عندي شخص معين هايغني.
-طب تمام حلو سيبي بقا التنظيم والحجز وباقي التفاصيل عليا انا هحلها.
-اوك كده اتفقنا، طيب بالنسبة للفندق والحجز، والغداء بكرة ده ليه علاقة بالتوقيع؟
-لأ طبعا يا فندم دي هدية التعاقد حضرتك، سارة طلعتي مصلحجية كنت مفكر الموضوع ده عندنا بس هههههه.
-هههههه ماشي يا سيدي مقبولة منك وبعدين في حد يلاقي دلال ومايستغلوش.
-لأ طبعا على رأيك، تمام على معادنا بكرة إن شاء الله.
-اوك اشوفك بكره باي.
-باي يا سارة.
~~~
تجلس ثريا مع عماد في مطعم على العشاء، قبلت دعوته بعد إصرار دام لشهور، كانت ترتدي ثوب قصير احمر اللون، كانت تبدوا كالملكة عندما دخلت المطعم، جذبت إليها كل الانظار ولفت انتباه الجميع، تمشي بخطى واثقة تدك الارض من اسفلها دكا، جلست ثريا بخجل وقال عماد:
-معقول ايه الجمال ده كله يا نجمة.
-ميرسي يا عماد عيونك الحلوين.
-ها تشربي حاجة والا نطلب العشا؟
رن هاتف ثريا بمكالمة واردة من رقم مجهول، قالت ثريا:
-ممكن ثواني ارد على الفون.
-اكيد طبعا خدي راحتك.
-الو ايوا انا مين حضرتك؟ اه اهلا وسهلا، امتى الحفلة؟ تمام اوك ممكن اشوف جدول اعمالي واتواصل مع حضرتك؟ ههههه اكيد احنا تحت امر لبنان واهل لبنان، تمام خلاص مش هكسفك، لا ده تتواصلي فيه مع مدير اعمالي الاستاذ عماد، هبعتلك رقمه، اوك فرصة سعيدة مع السلامة.
ظهرت علامات الفرح والسعادة على وجه ثريا، قالت بحماس:
-مش هاتصدق يا عماد، دي واحدة جاية من لبنان او حاجة زي كده المهم عندها حفلة في دار الاوبرا المصريه علشان شركتها، عايزاني اغني فيها تخيل يا عماد حلمي ليتحقق واخيرا.
-اكيد يا ثريا انتي تستاهلي اكتر من كده بكتير.
امسكت بيده برفق وقالت مبتسمة:
-انت وشك حلو عليا اوي، بجد شكرا من غيرك مكنتش هعمل حاجة من ده كله.
نظر إلى موضع يدها وشعر بقلبه كأنه سيخرج من بين ضلوعه من شدة الفرح، ضربات قلبه تزداد، امسك بيدها وقبلها برفق قائلا:
-انا اللي مش عارف كنت هعمل ايه من غيرك.
ضمت يدها إليها بخجل وقالت:
-عماد من فضلك.
-خلاص تمام انا وعدتك، سيبيلي بقا موضوع الحفلة دي انا هظبطته.
-تمام وانا واثقة انك هاتعمل كده.
-طيب نطلب العشا؟
-اكيد انا دلوقتي نفسي انفتحت اكتر بصراحة.
-لأ كده بقا في كلام تاني انتي اللي هاتحاسبي ههههه.
-هههههه بقا كده.
انتقلت سارة للمكوث في منزل فارس مع والدته بدعوة منه إلا أن تشتري بيتا لها، تعرفت على ليلى ولكنها لم تعرف انتباهها انها تعرفها، ظنت انه تشابه بالاسماء، لكن عندما رأتها ليلى شعرت بالقلق، لم تكن مرتاحة لوجودها في منزلها، كانت تظن انها ستأخذ ابنها منها كما فعل فوزي سابقاً واخذها من اهلها.
مرت تلك الايام في لمح البصر يبذل فارس قصارى جهده في التحضيرات للحفل، وتبذل ثريا قصاري جهدها لأجل إحياء الحفل، وها قد اتت اللحظة الحاسمة يوم الحفل.
بعد ان غادر فارس وسارة صباحاً من المنزل، دخلت ليلى غرفة سارة تبحث بها عن اي معلومة عنها، من هي ومن اين وماذا تفعل اي شيء؟ وجدت حقيبة يدها والجهاز اللوحي الخاص بها، ظلت تبحث بين الاوراق فوجدت هويتها، تحمل اسمها "سارة فوزي ضاهر".
صدمت ليلى عندما رأت الإسم وقالت:
-قلبي كان حاسس إن وراكي حاجة، اكيد جاية علشان تبعد ابني عني، اكيد ابوها بعتها علشان تزغلل عنيه بالفلوس وتاخده معاها.
فتحت الجهاز الخاص بها فوجدت صورتها مع والدها ووالدتها واخوها، نظرت إلى الصورة بتمعن وظلت تتأمل ملامح فوزي بعد هذا العمر، وقالت له بتهكم:
-مش هسمحلك تاخد ابني مني مهما عملت، مش هسمحلك ابدا يا فوزي.
وضعت الاشياء مكانها وخرجت من الغرفة تتصل بفارس لكنه لا يجيب هو لايسمع هاتفه.
~~~
تجهزت ثريا للحفل بثوب مثير وجذاب فستان ذهبي اللون، كانت في منتهى الشياكة والجمال، بينما كان يقف فارس مع سارة والمدير الخاص بشركته التي يعمل بها ونايا، عم الصمت المكان ونظر الجميع إلى المسرح في انتظار طلة المطربة، قال فارس وهو يهمس في اذن سارة:
-مش عايزة تقوليلي مين اللي هايغني؟
-لأ دي مفاجأة بس اقدر اقولك هاتنبسط اوي.
-اوك.
بدأت تعتلي ثريا المسرح خطوة تلو الاخرى، شعر فارس أنه يسمع صوت خطواتها، كعب حذائها وهو يضرب الدرج واحدة تلو الاخرى، لا احد يسمعه سواه، تعجب من حالته فظل ينظر إلى مصدر الصوت حتى بدأت تظهر خصلات شعرها ثم عينيها ثم وجهها الى ان صعدت ثريا على المسرح وصفق الجميع لقدومها، صدم فارس عندما رآها، كاد قلبه أن يخرج من موضعه؛ لرؤيتها بعد كل هذه الفترة.
ابدعت ثريا في الغناء على مسرح الاوبرا باغنية جميلة ورقيقة رومانسية، حتى قام الجميع بالتهليل والتصفيق بحرارة وظلت وسائل الإعلام والكاميرات تتسارع بالتقاط الصور، إلى أن رأت فارس أمامها، تجمدت بارضها وكأنها توقفت عن التنفس.
لحظات اللقاء دون موعد تخطف القلوب، وترهب الابدان، وتعيد الزكريات.
ظلت ثريا تنظر إليه وينظر إليه كأنه لايوجد سواهما بالمكان، بدأ يمشي بخطوات تجاهها دون تردد، وبدأت تخطوا إليه دون وعي، الى ان تلاقت اعينهما ووقف كل منهم في وجه الآخر تتبادل اعينهما الاحاديث دون توقف.
•تابع الفصل التالي "رواية زئير القلوب" اضغط على اسم الرواية