رواية عشق الغرام كاملة بقلم ندى ممدوح عبر مدونة دليل الروايات
رواية عشق الغرام الفصل الاول 1
” أنتِ طَالِق ”
هكذا صافحت العبارة أُذنيها ما أن همَّت بفتح الباب، فتحيَّرَ بصرها ودُهش ونظرت له مصعوقة لثوانٍ لا تقو على الحراك ولا على مفارقة محياه، وفغرت فاه وهمت بكلام لم يلبث أن عاد إلى جعبتها مطرق مندهش، كانت صدمة محال لقلبها الهَشْ أن يتحملها، ثُم هزت رأسها وهي تفسح الطريق متبسمة بابتسامة لا تكاد تبزغ على ثغرها الحزين، وغمغمت :
_ إنتَ قُلت حاجة؟
ودت لو إن ما ألقى كان من محض مخيلتها فقط، لكنه حطم أملها عندما هز رأسه قائلًا في قسوة :
_ آه، قُلت إنك طَالِق وإني جاي انهاردة بس عشان أطلقك.
ضحكت في مرارة، ضحكة غير مصدقة وهي تهمس بصوتٍ أضناه الضياع :
_ إيه الهزار البايخ ده؟
هز كتفيه بلامبالاة كأنه لا يهتم بكسر قلبها، وأردف قائلًا بجحود :
_ مش هزار ولا حاجة، في حد يهزر في موضوع زي ده؟!
حاولي تستوعبي عشان أنتِ خلاص طلعتِ من حياتي، وآه بكره هخطب، حبيت أأقولك بس عشان متصدميش لما تسمعي عن خطوبتي وتقولي إني قليل الأصل.
كأنَّ دلوًا من الماء المغلي إنصب بغتةً على قلبها، فسعرت به النار وأوردته رمادًا دون حياة..
دون نبض..
دون أمل..
فقط رماد لم تنثر ذراته فظل لهيبه يكويها كويًا..
كانت تنظر له مبهوتة، ممتقعة الوجه…
متى تزوجت لتطلق؟!
إنهم منذُ أيام قلائل عقدا قرانهما، فهل ستصبح مطلقة دون زواج فعلي؟!
تطلعت غرام إلى ملامحه الصارمة في ذهول، ثم هتفت:
_يعني إيه هتخطب بكرة؟ أمال اتجوزتني ليه؟
إذ كنت ناوي تطلقني عملت كدا ليه؟ أنا بنت عمك!
زم طارق شفتيه بضيق، وتنهد قائلًا:
_أنتِ بنت عمي وكل حاجه وعمي على رأسي من فوق، بس أنا مش بحبك؟
ضحكت (غرام) كأنما أصابها مسٌ من جنون، وقاطعته قائلة:
_لسه دلوقتي عارف إنك مش بتحبني؟ أمال إيه كلام الحب اللي كان بينا ده؟ وإنك بتحبني ومش هتتخلى عني وإني حياتك؟
في برود أجابها بسأم:
_غرام، أنا مكدبتش عليكِ في كل ده، أنا كنت بحبك بس اكتشفت إني مش بحبك وبحب واحدة تانية.
هزت (غرام) رأسها في جنون، وصرخت:
_أنت اكيد مجنون، الناس هتقول عليَّ إيه؟
هز محمود كتفيه، وأجابها في هدوء كهدوء البحر قبل العاصفة:
_ميهمنيش كلام الناس، أنا كل اللي يهمني نفسي.
وسكت لهنيهة، ثم أستطرد قائلًا:
_أنا مش هقول لك أسف عشان مغلطتش، وبالمناسبة مش عايزك ترجعيلي أي حاجه جبتها، وأتمنى تفهمي عمي عبد السلام إني عملت كدا غصب عني عشان مظلمكش معايا، سلام.
ولم ينتظر ردها، بل أستدار منصرفًا، وانسابت دمعة حزينة على وجهها وهي تشيع رحيله، وما أن غاب عن بصرها حتى سقطت مرتكزة على كفيها فوق الأرض وهي تشهق بغصة مريرة.
ماذا قد تقول لوالدها حين يعود؟
كيف ستواجه الناس؟!
بل ماذا سيقولون عن بنت تخلى عنها زوجها الذي هو ابن عمها قبل موعد الزفاف بأيام قلائل؟
لا حياة لشخصٍ حزين أثقلته الهموم، ولا أمان لشخصٍ متقلب المشاعر خائن النفس، ظلت (غرام) كامنة في مكانها تبكي في صمتٍ حائر، وقد جزعت أشد جزع من مواجهة والدها، بل أفزعتها الوساوس وأخذت تحركها كريشة في مهب الريح.
وبينما هي واقفة لدن الباب، إذ أنبعث صوت من داخل البيت لسيدة طاعنة في السن، تقول بهذيان:
_بتعملي إيه يا بت عندك؟ وبعدين فين ابني عبده؟ إزاي سايبك واقفة كدا؟
ألتفتت إليها (غرام) ولم تنبس ببنتِ شَفة، فتوسمت فيها المرأة النظر، وغمغمت وهي ترفع العصاة التي تتكأ عليها، وتلوح بها في وجهها:
_أنتِ خدامة هنا ولا حرامية؟ انطقي يا بت ساكتة ليه؟!
شهقت (غرام) في البكاء، وما تجدي العبرات عن حزنٌ استوطن القلب؟ فمحت عبارتها بأصابعها، واندفعت نحو جدتها ترتمي بين ذراعيها، فرقت لها المرأة العجوز وتركت العصاة من يدها وهي تربت على ظهرها، قائلة:
_متبكيش يا بنتي خلاص لما يجي أبوكي من برا هخليه يجيب لك اللعبة اللي عايزها.
فضحكت غرام من وسط دموعها، وهمست بصوت متهدج:
_كفاية يا تيتا بقا، أنا تعبت..
وسكتت لهنيهة، ثم أتبعت تقول:
_ابن ابنك طلقني قبل فرحنا، الناس هتقول عليَّ إيه؟
لكنَّ جدتها لم تعر عبارتها اهتمامًا، إنذاك انبعثت صوت نحنحة رجولية من ورائهما، ثم علا صوت عبد السلام، قائلًا بتلهف:
_غرام، مالك يا بتي بتبكي ليه؟
فأستدارت له غرام، وقد أحجمت عمَّا كادت أن تبوح به، ورمقته مليًا، ثم قالت في ثبات:
_ طارق بن عمي كان هنا.
اومأ والدها برأسه وهو يدنو منها، قائلًا في دهشة:
_وماله، فين المشكلة؟
ثم أستدرك وهو يحدجها بنظرة فاحصة:
_أتخنقتوا ولا إيه؟
هزت غرام رأسها نفيًا، ثم فجرت ما يعتمل في صدرها، وهي تهتف:
_جه عشان يطلقني، ويقول ليَّ إنه هيخطب بكرا!
حملق والدها فيها بصدمة وتقهقر للوراء في هلع، وسأل في تأنٍ وهو يصيخُ السمع لإجابتها:
_أتخبلتي يا بت أنتِ، ولا إيه اللي بتقوليه ده؟! طلاق إيه وخطبة مين؟
ترقرق الدمع في أعين غرام، وهي تجهش في البكاء، قائلة:
_زي ما سمعت يا بابا طارق طلقني وبكرا هيخطب.
فصرخ والدها وهو يدفعها من أمامه جانبًا:
_دي ليلته طين ولد قاسمذ، إزاي يعني يطلقك قبل الفرح بأيام وهيخطب بكرا، لعب عيال هو ولا إيه؟ والله لقومها حريقة عليهم.
وأندفع بخطوات واسعة للخارج، بينما حاولت غرام اللحاق به وإيقافه لكنها لم تفلح؛ إذ إن أبيها إذا أستبد به الغضب نما بداخله كبركان ينفجر في وجه الجميع دون تمييز!
☆☆☆☆☆
جلست (غادة) على طاولة الطعام، برفقة أخيها الوحيد وكل عائلتها بعد ما ماتا أبويها، وتناولت طعامها في جوٍ يسوده الصمت الثقيل، قبل أن ترفع بصرها عندما انبعث صوت شقيقها (يمان) يقول:
_غادة، أنتِ بجد مش زعلانة مني؟
شُخص بصر (غادة) عليه لوهلة، ثم افتر ثغرها عن بسمة مشرقة أضاءت وجهها، وقالت بنبرة يتفعمها الحنان:
_وأزعل ليه بس يا يمان؟! أنت غلطان يا حبيبي أنا عمري ما أزعل منك، وعارفة ومتأكدة إنك طلبت مني اسيب خطيبي عشان سبب قوي، ومش هسألك إيه هو لإني واثقة فيك؟
فمال (يمان) إلى الأمام، وهو يلتقط كفيها الرقيقين بين راحتيه، ويتمتم:
_مكنش يستاهلك أبدًا، أنا عرفت عنه حاجات كتيرة وحشة خلتني اندم إني وافقت عليه من البداية، حقك عليَّ…
قاطعته (غادة) وهي تقول بعتاب:
_متقولش كدا أنا واثقه فيك وفـرأيك.
لثم (يمان) كفيها في رِقة، وقال:
_وعشان ثقتك فيَّ دي وإنك بنتي وأختي في نفس الوقت مش هجوزك إلا لشخص يقدرك ويحافظ عليكِ ويشيلك جوا قلبه، وإلا أنا إيه لذمتي لو جوزتك لشخص وحش؟!
فضغطت (غادة) على كفيه في وِد، وغمغمت:
_ربنا يديمك ليا وميحرمنيش منك أبدًا.
فغمز لها وهو ينهض، قائلًا:
_ولا منك يا حبيبي، هروح الشركة دلوقتي عشان أتاخرت، أوصلك معايا للكلية ولا مش رايحة انهاردة؟
استقامت (غادة) وهي تلملم الأطباق، قائلة:
_لا يا حبيبي روح أنت شغلك وأنا ساعة كدا وهطلع على الكلية عشان لسه بدري.
فسألها باهتمام:
_طيب، مش عايزة حاجة؟
فأجابته ببسمة لطيفة:
_عايزة سلامتك، خلي بالك من نفسك ربنا ينور طريقك ويجنبك ولاد الحرام.
ارتسمت بسمة واسعة على محيا (يمان) وهو يؤمن على دعواتها التي تشرح صدره، ولثم جبهتها بعاطفة وهو يقول:
_وأنتِ كمان خلي بالك من نفسك.
لم تلبث (غادة) إن ذهبت إلى كليتها وأنهت محاضراتها، ثم عادت إلى البيت لتجهز الطعام لشقيقها، توقفت سيارة الأجرة أمام البناية التي تقطن فيها، فترجلت منها ويممت وجهها شطر المدخل مباشرة، لكنَّ فجأة برز خطيبها السابق أمامها فبرق بصرها من شدة الفزع وأرتدت للخلف مصعوقة من الغضب المتوحش في مقلتاه، وغمغمت في ارتياع:
_رجب، أنت بتعمل إيه هنا؟
هز (رجب) رأسه، وهو يقول بصوتٍ مبهم:
_ولا حاجة جاي أشوفك وأعرف ليه سبتيني؟!
ازدردت (غادة) لعابها في توتر، وقالت متلعثمة:
_لإننا مش مناسبين لبعض؟
فضحك (رجب) في غموض، وسألها بصوتٍ مخيف جعلها تتوجس خفية:
_واكتشفتي على غفلة كدا إننا مش مناسبين لبعض؟!
وتهدج صوته بغتة، وهو يهمس بصوتٍ خافت حزين:
_أنا حبيتك!
وأستل من جيبه قنينة زجاجية، وهو يستطرد بلهجة حادة:
_وعشان حبيتك مش هسيبك تكوني لغيري، سامحيني لإن وشك وملامحك الجميلة دي مش هسمح لحد يشوفها غيري.
توترت (غادة) وهي تتراجع، وعينيها تجوبان يمنى ويسر بحثًا عن أي مساعدة، لكن المكان كان خالي كقبرٍ موحش غادره المشيعون بعد أن أهالوا التراب على جسد عزيز، وأجهشت في البكاء، وهي تسأل في توتر:
_أنت عايز إيه بالضبط؟
نزع (رجب) غطاء القنينة وهو يقول بصوتٍ بدا لها كصوت فحيح أفعى سامة:
_هشوه وشك!
وأطل فزع هائل من أعين (غادة) وهي ترتد مصعوقة، وتتلفت حولها في لهفة تستنجد بأي عابر لينقذها..
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية عشق الغرام) اسم الرواية