Ads by Google X

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني 2 الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم سماح نجيب

الصفحة الرئيسية

 

  رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني 2 الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم سماح نجيب 

ج٢–٢٤– " فوز بطعم الخسارة "

جل ما فعله ذلك الواقف أمامها أنه راح يمسد على لحيته الطويلة والتى خالط سوادها المشيب ، ولكن رغم ذلك بدت نظراته قوية جامحة ، كذلك الجموح الذى تسبب فى إنشقاقه عن عائلته منذ سنوات طوال ، وصار منبوذًا بينهم ، حتى أن لا أحد منهم صار يعترف برابط الدم الذى يربطه ويجمعه بهم ، على الرغم من أن هيئته تبدو للناظرين إليه من أنه شيخ جليل وقور ، ولا يعلم أحد ما يخفيه خلف ذلك الجلباب الأبيض واللحية الكثيفة وعلامات التقوى والورع ، التى تجعل من لا يعرفه يظنه أحد أقطاب علوم الدين والشريعة الإسلامية 

خفض بصره عن وجهها وظل يتمتم بعبارات الإستغفار وهو يدير مسبحته الطويلة بين أصابعه ، كأنه بذلك يقدم حسن نواياه فى زيارته لهم ، خاصة أن لا أحد منهم رآه منذ ما يقرب من الخمس سنوات ، حتى ظنوا أنه ربما لقى حتفه على يد رجال الشرطة ، أو هؤلاء الناس الذين يعمل معهم تحت ستار الجهاد فى سبيل الله وماهم إلا تجار للدين ويرتكبون أفظع الجرائم بإسم الإسلام ، من كونهم حماة القرآن والسنة ويحق لهم تطبيق حدود الله حسب أهواءهم وأطماعم ، والله ورسوله أبرياء منهم ومن كل ما ينصب نفسه قاضياً للحكم على حياة البشر والأبرياء طبقاً لقوانين وضعوها تخدم مصالحهم هم أولاً ، دون مراعاة لحُرمة النفس البشرية ، والتى لم يعطى الله الحق لأحد بسلبها إلا بشروط تم تشريعها من كتابه وسنة رسوله ، وليس أحكام هوجاء تُجرم الأبرياء ويتم قتلهم بدون وجه حق 

بعد أن أتم عد حبات مسبحته وضعها بمعصمه ومن ثم عاد ينظر إليها قائلاً بصوت قوى ، يظهر مدى عداءه لها :

– هى دى مقابلتك لأخو جوزك بعد السنين دى كلها يا مرات أخويا ، مفيش حمد الله على السلامة ولا أتفضل ، هو ده واجب الضيافة

عادت تنظر خلفها ومن ثم رشقته بنظرة حادة قائلة من بين أسنانها :
– وأنت يا ترى جايلنا دلوقتى ليه ، جايبلنا مصيبة معاك زى مصايبك اللى محدش بيدبس فيها غير جوزى وإبنى ، إحنا ما صدقنا أنك اختفيت السنين دى كلها ، وافتكرناك مُت

عدل من ياقة جلبابه ، وتأكد من أن عقال رأسه مازال موجوداً ، حتى ذلك اللثام ، الذى يبدو عليه أنه كان يخفى به وجهه ، حتى لا يراه أحد من ساكنى الحى ، وربما يجد رجال الشرطة فى أثره ويلقون القبض عليه ، خاصة أنه مطلوب للعدالة ولم يتم العثور عليه لتنفيذ الأحكام الصادرة بحقه 

ربت على صدره ليكبح جماح نفسه من أن يدفعها من أمامه ويدخل المنزل عنوة ، فإن طالت وقفته هكذا أمام باب المنزل ، لن يكون ذلك فى مصلحته ، مد يده وأسندها للجدار ومن ثم قال بنفاذ صبر :

– هو فين جوزك ، خلينى أشوفه ، مبحبش رغى النسوان الكتير ده 

عندما همت بالرد عليه ، وجدت زوجها يأتى من خلفها متسائلاً بلطف ، بعد إفتقاده لعودتها وتأخرها كل هذا لرؤية من يكون الطارق على باب منزلهما :

– هو فى إيه أنتى أتأخرتى ليه كده ، هو مين اللى على الباب 

مد زوجها يده وجذب الباب ليفتحه قليلاً ، ليرى من هذا الذى تسبب فى تأخير عودة زوجته لمجلسهم بغرفة المعيشة ، وما أن أبصر شقيقه الذى يكبره بثلاثة أعوام فقط ، يقف أمامه بعد سنوات من الغياب وهو لا يعلم عنه شيئاً ، حلت الصدمة والدهشة على وجهه ولسانه ، ولم يعد قادراً على التفوه بكلمة ، فتولى شقيقه المهمة عنه إذ قال ساخراً:

– إيه مالك مبتتكلمش ليه ، ولا القطة أكلت لسانك ، ولا أقولك مراتك قامت بالواجب وزيادة ورحبت بيا ، المهم أنا كنت عايزك فى موضوع مهم 

رغبته فى إخفاء أمر وجود شقيق له كهذا أمام زوج إبنته المستقبلى ، جعله يقبض على ذراعه وأخذه معه لإحدى غرف المنزل ، وأشار لزوجته بأن تعود وتجلس معهم فى غرفة المعيشة ، بينما سيتولى هو مهمة معرفة ماذا يريد منه شقيقه 

أوصد الباب خلفه ومن ثم نظر لشقيقه ، الذى لم ينتظر دعوته له بالجلوس ، إذ جلس على طرف ذلك الفراش بالغرفة والتى يبدو عليها أنها غرفة إبنته ياسمين ، ويعود إختياره لها كونها بعيدة عن غرفة المعيشة ، ولن يكون بإمكان أحد سماع الحديث الذى سيدور بينهما 

جلس هو على المقعد الخاص بالمكتب الصغير الموضوع أسفل النافذة ، ضم كفيه وخرج صوته جافاً خشناً متسائلاً:
– خير إيه الموضوع المهم ده اللى عايزنى فيه ، وإيه اللى فكرك بينا بعد السنين دى كلها 

رفع شقيقه رأسه بعدما كان مطرقاً بها للأسفل ، فإلتوى ثغره قائلاً بسخرية :
– فى إيه يا فضيلة الشيخ ، دا الابتسام فى وجه أخيك صدقة ولا نسيت ، دا أنا حتى أخوك الكبير

أنتفض من مكانه وأجابه بحدة تزامناً مع دنو خطواته من مجلسه :
– الظاهر إنت اللى نسيت أن المتاجرة في الدين وسفك الدماء من غير وجه حق حرام

نهض شقيقه ورفع سبابته قائلاً بإقتناع عجيب :
– كله بحد الله وشرعه ، والكفرة جزاءهم القتل 

رفع حاجبه من ذلك المنطق العقيم ، الذى يجعله يستحل حدود الله فيما غير هو مباح ، فمن نصبه حاكماً وقاضياً ليحكم على هذا بالإيمان ويحكم على الآخر بأنه مرتد عن حدود وشرع الله  

مسح وجهه بكفيه مغمغماً بضيق:
– نفسى أفهم ، عامل نفسك شيخ وعارف الدين وحدود الله وأنك لما تشوف حد مش شبهك تقول عليه كافر ، دا سيدنا محمد اللى هو خير خلق الله معملش اللى بتعملوه ، بالعكس قالهم لكم دينكم ولى دين ، وربنا اللى بيحاسب عباده مش أنتم ، يعنى هو مكنش فى إمكانه إن بعد ما كان مركز قوة أن يقتل اليهود اللى كانوا موجودين وقتها ، بس بالعكس كانت دعوته بالرفق واللين مش بالتشدد والعصبية بتاعتكم ، وخلتكم فاكرين نفسكم أنكم أنتوا بس اللى مسلمين ومؤمنين والدين الإسلامي برئ منكم ومن أمثالكم اللى بتحاول تشوه صورته ، وبتخلوا الناس تحكم على إن المسلم إرهابى بطبعه 

يبدو أن حديثه لن يجدى نفعاً مع ذلك الجالس يدير مسبحته وكأنه لم يستمع لما تفوه به ، فبعد يأسه منه ومن عدم جدوى الحديث معه ، عاد يسأله بضيق :

– شكل الكلام معاك مش هيجيب نتيجة ، فقول أنت عايز إيه منى وخلصنى 

مسد شقيقه على لحيته عدة مرات ، قبل أن يقول بهدوء :
– جايلك علشان جايب عريس لبنتك ياسمين ، شاب على خلق يبقى دراعى اليمين ، وبنتك هتكون فى الحفظ والصون

ما أن أنتهى من قول عبارته ، نظر لشقيقه ببرود وكأن أمر حصوله على موافقته أمر مفروغ منه ، ولكن جاءه رد مستنكر لمطلبه :
– نعم ! بتقول إيه ، أنا اجوز بنتى اللى حيلتى لشاب من طرفك أنت ده مستحيل يحصل أنت فاهم 

صيحته المستنكرة لسبب مجيئه ، جعلته يعلم مدى الجهد الذي سيبذله من أجل الحصول على موافقة شقيقه لزواج ابنته من ذلك الشاب ، والذى يعمل معه كساعده الأيمن 
فعاد ينظر إليه متسلحاً ببروده وهو يقول بثقة :

– وايه سبب رفضك ، بقى ترفض تجوز بنتك لشاب متدين وملتزم وهيصونها ، وأوكدلك أن ياسمين هتبقى سعيدة معاه إن شاء الله

جن جنونه مما قاله ، وكأن بمحاولته أن يوهمه بأن إبنته ستسعد بتلك الزيجة ، سيجعله يوافق مرغماً ، ولكن لن يحدث ذلك طالما هو مازال على قيد الحياة ، فحاول أن يتسلح بالبرود كشقيقه ورد قائلاً متجاهلاً إصراره على موافقته :
– بس بنتى ياسمين خلاص اتخطبت وكمان كتب كتابها قريب

فتلك الكذبة هى أول ما تبادرت إلى ذهنه ، بعدما تذكر ذلك الشاب الجالس الآن فى غرفة المعيشة وجاء طلباً ليدها ، فربما هذا هو الحل الوحيد ، الذى يأمن به أن تظل إبنته فى مأمن ومنأى عن يد عمها والذى يبدو عليه أنه غير مكترث بما قاله 

فوجده ينظر إليه قائلاً بسخرية :
– بتكدب وأنت فى سنك ده يا شيخ يا أبو بلال عيب عليك تكدب ، أنا عرفت إن ياسمين كانت مخطوبة وفسخت الخطوبة بعد الحادثة وأنها كمان دلوقتى عملت العملية ورجعت تشوف تانى ، شوفت بقى إن عارف كل حاجة عنكم 

عقد والد ياسمين ذراعيه أمام صدره قائلاً بتهكم :
– يعنى عرفت كل ده ومعرفتش أن فى شاب قاعد فى أوضة الصالون دلوقتى جاى يخطبها وكنا بنتكلم لما أنت شرفتنا بزيارتك الكريمة ، واحنا خلاص وافقنا وبنتى وافقت ، وخلاص كل حاجة تمت ، وزى ما قولتلك كتب الكتاب قريب ، واظن طالما كده مينفعش إن ابوظ فرحة بنتى ، وكمان لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه

أفحمه بقوله ، إلا أنه بدا غير قنوعاً برفض شقيقه ، فعادت تلك الطباع الكريهة تطفو على سطح وجهه وهو يقول بإصرار :
– بنتك لازم ليها شاب يناسب تدينها وإلتزامها ، وأنا شايف أن الشاب اللى قولتلك عليه أنسب واحد ليها ، متنساش أنا اخوك الكبير ، واكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة ، ومتأكد لما تشوفه وتقعد معاه هترتاح له وتوافق عليه ، علشان كده أنا هبعته ليك كمان يومين علشان تشوفوه وتتكلموا معاه ، واللى فيه الخير يقدمه ربنا ، سلام بقى دلوقتى علشان لازم أمشى 

رحل بهدوء ولا يعلم حجم تلك المخاوف التى ألقاها فى صدر أخيه ، فما أن تأكد من ذهابه ، لم تسعفه قدميه فى العودة لغرفة المعيشة ، بل جلس فى الصالة ووضع رأسه بين كفيه ، ليفكر فى حل يخرجه من ذلك المأزق ، الذى سيضعه به شقيقه ، وما أن طالت جلسته وغيابه عنهم ، خرجت إليه زوجته لتسأله عن سبب عدم عودته إليهم ، أو لما تأخر هكذا فى الحديث مع شقيقه ، فلم يستطع أن يدارى عنها حقيقة الأمر ، وما أن أخبرها بما طلبه من شقيقه ويبدو أنه على إصرار تام لفعله ، دبت زوجته على صدرها بخوف ، وهى تتخيل ذلك المصير ، الذى من الممكن أن تلقاه على يد عمها ، الذى تجرد من كل شعور إنسانى ولم يتبقى لديه إلا ما يخدم مصالحه الشخصية

هزت ذراعه وقالت برجاء :
– أنت لازم تشوف حل للموضوع ده ، أنا بنتى لو جرالها حاجة أنا هموت فيها يا أبو بلال وباين على اخوك أنه أساساً مش هامه حاجة ، ياريتنى كنت بلغت عنه ساعة ما شوفته كنا خلصنا من شره 

توسلته أن يبحث عن حل أو مخرج لكى تفلت ياسمين من بين براثن تلك الزيجة ، التى ستعم عليها بالدمار والخراب ، فلم يجد أمامه سوى ذلك الحل الوحيد الذى رآه الأنسب بذلك الوقت ، فربما الكذبة التى أخبرها لشقيقه لن يجد مفر من أن يجعلها حقيقة ، وأن يزوج إبنته من ذلك الشاب الجالس بالداخل ، وما جعله يشعر بالإطمئنان قليلاً هو محاولاته المستميتة للزواج من ياسمين ، وأنه يفعل المستحيل من أجل الحصول على موافقتهم ، فأخبر زوجته بما ينوى فعله ، ولم يجد منها معارضة ، بل غريزتها كأم جعلتها توافق طالما أن إبنتها لن تلقى مهانة ، كتلك التى يمكن أن تلقاها من خلف زيارة عمها لهم ، وما أن عادا لغرفة المعيشة ، حاول والد ياسمين أن يتجاذب الحديث مع ديفيد مع حرصه على عدم بيان لهفته فى أن يعقد قرانهما فى الغد ، وما أن أفصح ديفيد عن ضرورة إنهاء عقد القران قبل سفره لإيطاليا ، بل أنه ألح بمطلبه وناشدهما بأن يوافقان على مطلبه الذى حمل طابع الرجاء الأقرب للتوسل ، وأنه على إستعداد تام لمنحهم كافة الضمانات اللازمة لأن يطمأنوا أن إبنتهم ستحيا معه في ترف ورغد من العيش ، وافق والديها على مطلبه ، وتعجب بلال من موافقة والديه ، وهما من قالا أنهما يجب عليهما التفكير جيداً ، وأنهما إذا وافقا ستمتد فترة الخطوبة لبضعة أشهر ، حتى يتيقنان من حسن سلوك زوج إبنتهما المستقبلى ، ولكن جاءت موافقتهما السريعة تحمل له الدهشة والتعجب ، فصمت حتى أنصرف ديفيد ومن ثم علم بتلك الظروف القهرية التى جعلت والديه يرضخان للأمر ووافقا على عقد قران شقيقته فى القريب العاجل 
❈-❈-❈
أنتهت جولة أخرى من تلك الجولات التى يقضيها برفقة ولده بين أروقة الشركات المملوكة لتلك العائلة الثرية منذ سنوات عديدة ، وكأن عاصم أراده أن يعلم كل صغيرة وكبيرة عن إرث عائلته ، وكأنه بذلك يمهد لأن يترك له كل الأمور الخاصة بالعمل ، لكى يقضى الأوقات القادمة برفقة زوجته الجميلة ، معللاً أنه قضى أكثر من ثلثى عمره بالعمل ، منذ أن بدأ العمل جنباً إلى جنب مع عمه رياض ، وقد حان الوقت لأخذ عطلة طويلة ستتخطى الأشهر ، حتى مجئ شقيقه الصغير لهذا العالم ، فترقبه لرؤية طفله من معشوقته ، جعله يفكر فى راحتها ودلالها أولاً حتى وإن كان سيتخلى عن عشقه وإدمانه للعمل ، ولكن يكفيه أن يقضى تلك الأوقات برفقتها ، فهى قادرة على أن تنسيه شغفه بالعمل وتستبدل ذلك الشغف بأخر ، وما أن أنتهى عاصم من شرح الخطط المستقبلية لعقد الصفقات المفترض عقدها فى القريب العاجل ، أرخى رابطة عنقه وزفر بإرهاق من كثرة الشرح لأدم ، فالأعباء كثيرة ولكنه وضع كافة أماله على ذكاء ولد الظاهر للعيان ، علاوة على وجود حياء ، التى تعلم كيف تجعل الأمور تسير فى مسارها الصحيح ، وتحرز تقدماً فى إدارة الشركات ، بعدما أكتسبت الخبرة منه ومن والد زوجها ، حتى صارت تنافس رجال أعمال أخرين 

ضحك عاصم بخفوت فجأة لتذكره ذلك الموقف الطريف ، الذى مر بمخيلته ، فإنتبه أدم على ضحكته ، فرمقه متسائلاً بفضول :
– بتضحك على ايه بابا ؟

رفع عاصم وجهه له وإزدادت إبتسامته إتساعاً وهو يقول بدعابة :
– أفتكرت موقف حصل مع حياء ، أول ما بدأت تدير معايا مجموعة شركات النعمانى ، كنا بنعمل صفقة مع شركة تانية وصاحب الشركة افتكرها بنتى وجه طلب إيدها منى ، وكل ما أفتكر شكل وشه لما قولتله إنها تبقى مرات إبن عمى أضحك ، دا لو راسل عرف الموضوع ده هيتجنن

ضحك أدم هو الآخر ما أن قص عليه والده سوء الفهم الذى جعل رجل أخر يظن حياء فتاة غير متزوجة ، فهو لا يلومه ، كون أن من يراها ، لن يستطيع تخيلها سوى فتاة انهت دراستها الجامعية بالأمس ، وهذا ما حدث معه هو أيضاً قبل أن يعلم هويتها الحقيقية عندما رآها أول مرة فى الحفل الغنائى 

إستند أدم بذراعه على حافة مكتب والده ، وراحت أنامله ترسم دوائر وهمية وهو يقول بإعجاب :
– حياء عندها ميزة أنها ممكن تجذب أى حد ليها من غير مجهود ، فيها شئ عجيب ، تخلى أى حد يعرفها أو يشوفها يرتاح معاها فى الكلام ، بجد راسل محظوظ إن عنده زوجة زيها 

إلتماع عيناه أثناء حديثه عنها ، جعل أباه ينظر إليه بدقة ، ومن ثم نقر بالقلم على تلك الأوراق الموضوعة أمامه ، فهنا يأتى دوره فى تنبيه ولده ، من أن ضوابط المجتمع الشرقى ، الذى يعيشون فيه ، يجب عليه أن يكون على علم ودراية بها ، تفادياً لحدوث مشكلات في المستقبل ، فهو مازال متذكراً جنون راسل عندما أطلق عليه الرصاص ، بعد علمه بأنه اختطف حياء ، فما باله إذا تواجه هو وأدم وكانت هى سبب تلك المواجهة ، فعلمه بطباع ابن عمه ، تجعله يتوقع الأسوء دائماً ، كون أن لا احد يستطيع التكهن أو التنبأ بتصرفات وردود أفعال راسل

بعدما أكتفى عاصم من الصمت والنقر بالقلم ، عاد يحدق فى وجه أدم بتمعن ومن ثم قال متسائلاً بصدق وإلحاح :
– قولى يا أدم شعورك ايه تجاه حياء بالظبط ؟ وياريت تجاوبنى بصراحة 

تململ أدم فى جلسته ، وكسا التوتر ملامحه ، فقطب حاجبيه قائلاً وهو يدعى جهله بمقصد والده من سؤاله :

– مش فاهم تقصد ايه بابا ، حياء واحدة من العيلة وأنا ارتحتلها زيكم كلكم ، ويمكن معجب بشخصيتها علشان هى أول واحدة قابلتها منكم ، أنا أول ما شوفتها مكنتش أعرف أنها تبقى مرات عمى راسل 

– بس عجبتك من أول ما شوفتها ، ومش عارف تنسى الاعجاب ده صح

قال عاصم بصراحة متناهية ، وتيقن من صحة تخمينه وظنه ، عندما وجد أدم يزوغ بعيناه عن مرمى بصره ، فزفر بيأس ومن ثم عاد مستطرداً بهدوء :

– أدم فى حاجات كتير لازم تحطها فى اعتبارك طالما ناوى تستقر هنا فى اسكندرية ، لأن هنا يا إبنى مش زى فرنسا ، وإن حظك لما واحدة تعجبك وتطلع بالصدفة مرات عمك ، يبقى لازم تشيل الموضوع من دماغك خالص ، تجنباً للمشاكل ، لأن أنت متعرفش جنان راسل قدى ، تخيل إنت أنه ضربنى مرة برصاصة فى دراعى لمجرد إن حياء قبل ما تكون مراته كانت المساعدة بتاعتى وحصل سوء تفاهم وفى ورق صفقة مهمة اتسرق ، فخليت رجالتى يجيبوها على القصر وضربتها ، مكنش لسه اتجوزها ، جه لجدك رياض وهدده انه هيولع فى القصر كله لو ما اخدهاش ، ولما شافها مضروبة ضربنى انا بالرصاصة واحتمال كمان كان يقتلنى

فغر أدم فاه ما أن أنتهى والده من سرد تلك القصة ، التى بينت له مدى أهمية حياء لدى راسل ،حتى أنه ربما يقدم على إيذاء أحد دون التروى فى التفكير ، ففطن الآن سبب ذلك العداء الذى يجابهه به راسل دوما ما أن تسنح الفرصة لهما ويلتقيان وجها لوجه ، ولم ينسى غضبه العارم يوم ما سمعه يقول لها "مليكتى"  وظن أدم بوقتها أنه يغيظه بأفعاله ليس أكثر ، ولكن ما سمعه من أباه جعله يدرك أن ربما الأمر كان سيؤول للأسوء ، إذا أطلق راسل العنان لغضبه وإستياءه 

إبتلع أدم لعابه وقال بإرتياب :
– معقولة راسل عمل كده معاك ، أن أقصى حاجة فكرت فيها إنه ممكن يتخانق مع اللى مضايق منه ، لكن توصل لضرب الرصاص 

هز عاصم رأسه مراراً كأنه بذلك يحاول ترسيخ تلك المعلومة بذهن ولده ، ولم يكن أدم ذلك الغبى والأحمق ، الذى سيفكر فى إثارة غضب راسل ثانية ، فنهض عن مقعده مذكراً والده بضرورة عودته للمنزل لشعوره بالإرهاق ورغبته فى نيل قسط من الراحة ، فما أن أذن له عاصم بالذهاب ، خرج من غرفة مكتب والده ، ومر أمام غرفة مكتب حياء ، ولكنه لم يفكر فى أن يلج الغرفة ويلقى عليها التحية ، فيكفى ما علمه عن زوجها ، لذلك يجب عليه توخى الحذر ، حتى لا يفقد راسل صوابه ويرديه قتيلاً مثلما كان سيفعل مع أباه من قبل 

عاد للمنزل وأراد البحث عن عماد ليتحدث معه قليلاً ، إلا أنه لم يجده فى غرفته ، أو حول المسبح مثلما هو معتاد أن يجلس هناك ، ولكن دقائق معدودة ووجد سيارة تعبر الحديقة ،حتى وقفت أمام الباب الداخلي للقصر ، وترجلا منها ساندرا وعماد الذى حمل الصغير الغافى بين ذراعيه ، فعبر أدم عن دهشته لإجتماعها سوياً بتقطيبة عميقة حُفرت خطوطها على جبهته بوضوح

ساقته قدميه حيث مازالا واقفان ، فقال بدون تمهيد :
– أنتوا كنتوا فين 

أرتعدا عماد وساندرا إذا لم ينتبها على قدومه ، فأجابه عماد وهو ينظر للصغير :
– كنا فى المستشفى ، ساجد كان تعبان ، فرحت مع ساندرا بيه المستشفى لأن راسل مش هنا 

ختم حديثه بأن وضع الصغير بين ذراعى والدته ، التى رمقته بنظرة إمتنان قائلة بصوت خافت لم يضمر شعورها الطفيف بالخجل :
– شكرًا عماد 

بدت أن عبارة الشكر كافية لأن ترتسم تلك الإبتسامة الجذابة على وجه عماد ، حتى أنه لم يفكر فى النظر لأدم وظل يتابع سيرها وهى تلج للداخل ، حتى فقد أثرها بعدما صعدت الدرج ، ولم يخرج من حالته تلك إلا على يد أدم التى حطت على كتفه وضغط عليه لكى ينظر إليه 

رمقه أدم بنظرة ماكرة ومن ثم قال بدهاء :
– شهم أوى أنت صح ، بس الصراحة هى حلوة

دفعه عماد عنه قليلاً ، لعلمه بأنه سيبدى ملاحظاته حول ما حدث ، ولن يكف عن إزعاجه فرد قائلاً بتبرم :
– بطل إستظراف ، إبنها كان تعبان جدا وكانت محتاجة مساعدة مش أكتر وسيبنى أطلع أخد شاور وأغير هدومى 

تركه وولج للداخل ، ولكن لم يكن أدم أعمى لكى لا ينتبه على ما رآه فى عينىّ صديقه ، لكونه أنه الأقرب له ويعلم طباعه جيداً ، فرغم أن أدم صاحب باع وصيت فى عالم مواعدة الفتيات ، إلا أن عماد كان على النقيض تماماً ، فهو لم يراه يوماً يواعد فتاة ، أو أنه وقع في غرام إحداهن بعد وفاة خطيبته، بل كان دائماً يضع العمل في المقدمة ولا يلتفت إلى أى من تلك الأمور التى كان ينهره عنها أحياناً تفادياً لحدوث مشكلات ، ولكن يبدو أنه فى تلك الأونة ، سيتخلى عن عاداته القديمة ، وتساءل أدم هل كان مشغولاً عنه بالأيام الماضية حتى لا ينتبه لما يحدث معه ؟ فأراد منحه الوقت الكافى قبل أن يبدأ فى فرض أحكام الصداقة التى تجمعهما وتحتم عليه أن يخبره بما يحدث معه ، حتى يستطيع تقديم يد المساعدة والعون له ، مثلما كان يفعل معه هو دائماً ، فهنا يأتى دوره كصديق جمعتهما الصداقة منذ سنوات طوال ، وما أن أنتهى أدم من وضع حيثيات واجبات صداقته لعماد ، ولج للداخل قاصداً غرفته ، ولكن رآى ما جعله يتيقن من أن ربما هناك إثنان سيجمعهما إحدى قصص الغرام ، إذ وجد عماد يقف أمام غرفة ساندرا يتحدثان حول أنها قد غفلت عن أخذ الدواء الخاص بالصغير ، فناولها إياه ومن ثم شكرته ولم تغلق باب غرفتها إلا بعدما رآته يلج غرفته ويغلق الباب خلفه  
❈-❈-❈
أضحى بارعاً فى إدعاه الوهن وأنه مازال ذلك المريض ، الذى بحاجة للراحة التامة ، وأن تعتنى به خير إعتناء وتعمل على تدليله ، حتى يتماثل للشفاء ، ولم تنبع رغبته فى أن تظل تحيطه بإهتمامها ورعايتها ، سوى أنه رآى منها ذلك الجانب الأنثوى الغير متمرد ، بل رآى الجانب الحريص على سلامة زوجها ، فهى لا تتركه يفعل شئ دون أن تقدم له يد المساعدة ، كحالهما الآن بعد خروجه من المرحاض ، وجلست قبالته على الفراش تجفف له وجهه ورأسه بعد إنتهاءه من الإغتسال ، إذ كان يعمل على تشذيب لحيته التى كثفت أكثر مما هو معتاد ، وعملت على تعليق ذراعه بعنقه ، ليلتئم ذلك الجرح بكتفه الناتج عن إصابته ، ولم تنسى جلب فرشاة الشعر ، وصففت له خصيلاته الرطبة ووضعت عطر فاخر على كفيها ومن ثم راحت تمسد بهما على لحيته ، لتكون بذلك أنهت خدمتها له على الوجه الأكمل 

رآها تغادر مكانها لتضع المنشفة بمكانها فى المرحاض ، فسمع رنين هاتفه وأخذه بلهفة واضعاً إياه على أذنه قائلاً بصوت منخفض لكى لا تسمعه ميس :

– أيوة سامعك ، خلاص لقيتوه ، تمام خلى عينيكم عليه وأنا هجيلكم فى أقرب وقت ، مش عايز حد يتصرف من دماغه اعملوا اللى قولتلكم عليه ماشى ، سلام دلوقتى

أسرع بإنهاء المكالمة ما أن رآى ميس تخرج من المرحاض واتجهت صوب تلك المنضدة الصغيرة الموضوع عليها الطعام ويبدو أن الخادمة تركتها أمام باب الغرفة ، فبدأت بجرها لتقربها منه وهو جالساً على الفراش ، وظلت عيناه تتابع حركتها فى الغرفة ، خاصة بتلك المنامة الزرقاء الحريرية ، وخصيلاتها الشقراء لملمتها بمشبك ولكنها تناثرت بفوضوية محببة ، بل جعلتها أكثر جاذبية ، تشبه هؤلاء العارضات ، اللواتى يعملن على الترويج للمنامات أو ثياب المنزل ، شقراء فاتنة بعينان خضراوتان ، تجعله لا يمل من النظر إليها وخطب ودها 

وصلت ميس إليه بالمنضدة المتحركة ، ومن ثم عادت تجلس قبالته ثانية وهى تقول بإبتسامة صافية مشرقة :

– يلا بقى علشان تاكل يا حبيبى وتاخد دواك 

رفعت يدها له بالملعقة ، فجعلها تخفضها ببطئ وحرص حتى لاينسكب محتواها على غطاء الفراش ، فأجابها وعيناه تحملق فى وجهها بشغف :
– مليش نفس أكل دلوقتى ، بس نفسى فى حاجة تانية 

ما أن وضعت الملعقة من يدها ، رفع يده الحرة وإحتضن وجنتها ليجذبها إليه ، فرآت بوادر رغبته فى عناقها ، إلا أنها إستطاعت التملص منه وهى تقول بتوتر :

– يلا يا عمران علشان تاكل وبطل قلة أدب أنت لسه تعبان 

لم يكن إبداء الرفض منها على تلميحه ، سوى حرصاً على سلامته ، تخشى حدوث مضاعفات هما بغنى عنها ، ويكفى ما عاناه بالأيام الماضية ، من شعور بالتوتر والخوف رغم التحسن البادى عليه ، ولكنها كطبيبة فى المقام الأول ، تعلم ما يضره مما يفيده ، كمثل الأمر المُلح الذى أطل من عيناه راغباً فى أسر عيناها ويجعلها طوع بنانه 

بحزم عادت تقرب الملعقة من فمه أمرة إياه بلطف كأم تدلل صغيرها :
– طب كل الأكل ده كله وخد أدويتك وهديك حاجة حلوة 

إبتسم على نحو مفاجئ ، ما أن جنحت أفكاره الخاصة بتلك الحلوى التى سيحصدها نتيجة لإستماعه لمطالبها ، ورغم عدم شعوره بالجوع ، إلا أنه فتح فمه على مضض ليبتلع ذلك الطعام الصحى ، الذى يشبه طعام المرضى ، والذى حاول الهرب منه فى المشفى ، ليجد زوجته توصى الخادمة بإعداده له 

ما أن أنتهى من تناول طبق الحساء الدافئ ، مسح فمه بمحرمة قطنية مرفقة مع صينية الطعام ، ومن ثم قال بحماس :
– يلا أنا خلصت أكل أهو فين الحاجة الحلوة اللى هتديهالى
نهضت ميس من مكانها وأبعدت المنضدة المتحركة ومن ثم جلبت الماء والأقراص الدوائية الخاصة به ، فمدت يدها له بهما وهى تحاول كتم إبتسامتها على تلهفه الواضح :
– لسه أنت ما أخدتش الأدوية بتاعتك بلاش مكر يا إبن الزناتى 

أخذهما منها وسرعان ما أبتلع الدواء ، لعله ينهى حجتها ، التى أوشكت على أن تجعل صبره ينفذ ، وما أن ناولها كوب الماء ، أبتعدت عن الفراش عدة خطوات ووضعت الكوب من يدها ومن ثم أتجهت صوب النافذة الكبيرة لتغلقها ، وكلما رآها تحرص على جعل الغرفة أكثر دفئاً وحميمية ، يزداد حماسه وترقبه أكثر ، حتى دنت منه بخطواتها المدللة ، وأنحنت إليه وجعلته يستلقى على ظهره ومن ثم سحبت غطاء الفراش الخفيف لتدثره به 

أنحنت إليه أكثر ، ومسدت على شعره الذى مازال رطباً وهمست بصوتها الرقيق :
– يلا بقى يا حبيبى نام تصبح على خير 

قبلت جبينه ومن ثم ربتت على صدره ، كأنها تقبل والدها أو جدها ، ففتح عمران فمه بدهشة وتهدلت قسماته قائلاً بإستغراب :
– أصبح على خير إزاى يعنى ، هى دى الحاجة الحلوة بتاعتك ، أنتى كده بتنيمى إبن أختك

ضحكت ميس ما أن إستقامت بوقفتها لعلمها أن ذلك سيكون رد فعله على ما فعلته به ، فتحدثت بحزم وجدية بعدما كفت عن الضحك :

– أنا الدكتورة بتاعتك وبقولك بطل قلة أدب ونام يا عمران ، يلا يا حبيبى نام ربنا يهديك 

تركته وهى بنيتها الخروج من الغرفة لتنادى الخادمة لأخذ أطباق الطعام الفارغة ، إلا أنها ما كادت تبتعد عن الفراش عدة خطوات حتى نفض عنه الغطاء وترك السرير ، بل أنه حل ذلك الرباط حول عنقه وحرر ذراعه المعلق به 

دمدم بغيظ وهو يباغتها بحمله لها قبل أن تبلغ الباب :
– أنا عارف أنك هتتعبينى يا بنت النعمانى والذوق والأدب بتوعى مش نافعين 

صرخت ميس ما أن وجدت نفسها محمولة بين ذراعيه وتذكرت إصابة كتفه التى تلزمه بعدم إستخدامها حتى يلتئم الجرح ، فلبطت الهواء بقدميها وهى تقول بفزع :

– عمران نزلنى أنت مجنون ، أنت مش عارف إن جرح كتفك ممكن يفتح تانى ، نزلنى بقولك 

لم يستمع لما تقوله ، بل حاول السيطرة على حركتها المفرطة ورغبتها فى الفرار من بين ساعديه  

أطل عليها بوجهه باسماً:
– أنتى دماغك ناشفة أوى يا ماسة عمران

أصغت لكل حرف خرج من فمه ، وهى محملقة فى وجهه المشرق بإبتسامته التى أضفت عليه وسامة زادت من خفقات قلبها المشتاق ،وبدت منزوعة القوى والمقاومة ، مبهورة الأنفاس حالمة بعالم الحب الذى لا يعرف حدوداً 

أزدردت لعابها لعلها تحاول صد أشواقها التى على وشك الإنفلات ومن ثم قالت بضعف عذب :
– عمران قولتلك أنت ....

عبارة لن يكتب لها أن تكتمل ، كونه جعلها تبتلع الباقى منها بجوفها ، جرفهما إحساس لا يقاوم ، فتلك الغرفة لم تشهد على عناق كهذا منذ أكثر من عامين ، ولكن عادت جدرانها من جديد تشهد على صخب المشاعر المقدسة بين زوج متفانى فى حب شقراءه الفاتنة وزوجة لم تجد غيره يستطيع أسر مشاعرها بتلك القوة المذهلة التى تجعلها لا تبدى رفضاً أو إعتراضاً 

ولكن يدها التى علقت بكتفه المصاب ، شعرت بسخونة ولزوجة  أسفلها على قميصه القطنى ، مما جعلها تفصل العناق بينهما فنظرت لكتفه المصاب وأتسعت حدقتيها قائلة بفزع :
– عمران أنت جرحك رجع ينزف تانى 

شعر هو بذلك منذ أن حملها ، ولكنه لم يكن يريد إفزاعها ، لعلمه بما يمكن أن تفعله ، فأبتعد قليلاً وهو ينظر لموضع إصابته وإلى بقع الدم التى ظهرت بقميصه الفاتح اللون ، فحاول الظهور بمظهر العادى وهو يقول بهدوء:

– دى حاجة بسيطة يا ميس متخافيش 

أنتفضت من بين يديه وأجلسته فى الفراش وأمرته بإلحاح :
– أقلع التيشيرت أشوف حصلك إيه هو ده أخرة التهور بتاعك

فعل مثلما أمرته فخلع عنه قميصه ورآت الضرر الذى لحق به ومن ثم ذهبت لجلب الإسعافات الأولية اللازمة وعملت على تنظيفه و إيقاف نزيف الدم منه ، وجلبت له قميص نظيف وساعدته فى إرتداءه ، ومن ثم بحثت عن ذلك الرباط الذى تصل به ذراعه لعنقه 

رفعت عيناها إليه وقالت بتأنيب :
– يعنى كويس كده ، تتقدم خطوة ترجع اتنين بسبب سفالتك اللى ملهاش حد 

عض عمران على شفته السفلى ممازحاً:
– أعملك إيه أنتى اللى حلاوتك زيادة عن اللزوم وأنا قلبى  ضعيف

ضحكت على مزحته ، وبعدما تأكدت من أن كل شئ على ما يرام ، أصرت عليه بالخلود للنوم وعدم تكرار ما فعله ، فشعرت بالذنب لكونها نسيت لوهلة أنه مازال بحاجة للراحة وأنجرفت معه فى تيار عواطفه الثائرة والجياشة ، وها هما يحصدان نتائج إندفاعهما بإنفعالهما الذى لم يستطعان السيطرة عليه ، وما أن أستلقى على الفراش نظر إليها ببراءة لكى تغفر له ما حدث منه ، ولم تنبع رغبته فى الاعتذار إلا بعدما رآى فزعها الواضح والبادى على قسمات وجهها وبداخل عينيها اللتان تحاول ردع تلك العبرات بهما ، لشعورها الساحق بالخوف والذنب 

أشار إليها أن تستلقى بجواره واعداً إياها أن يلتزم بوعده لها من أنه لن يعيد الكرة ثانية ، فبحذر إستلقت بجانبه ولكن على طرف الفراش تكاد تسقط منه ، حتى لا تقترب منه ويعود لمغازلتها مرة أخرى ، ظلت تتأمله بعدما داهمه النعاس ، ورفعت يدها اليمنى بحذر تمررها على لحيته ، وربما كان هو واعياً لما تفعله ولكنه فضل أن تظن أنه نائماً ، ولكن كل لمسة وهمسة منها جعلت قلبه ينتفض بين أضلعه ، وعندما كفت عن التمسيد على لحيته ، شعر بدفئها الوشيك منه ، فوجدها تقترب منه وأخذت كف يده الأخر ووضعته أسفل وجهها ومن ثم غفت بنومها ، فأستلقى على جانبه تاركاً كف يده يستقبل حرارة أنفاسها والتى تكفى لإشعال فتيل حرب من الشوق بداخل قلب بلغ به الإنتظار و العشق منتهاهما 
❈-❈-
منذ تلقيها تلك المكالمة الهاتفية التي تفيد بأن إبنة عمها بيرى تعرضت لحادث وتقيم بأحد غرف المشفى الخاص بزوجها ، وهى لم تتردد فى ترك كل أعمالها ، وراحت تلملم أغراضها بعشوائية ، لا تعلم ماذا أخذت أو ماذا تركت ، ولكن يكفى أن تعلم بأن بيرى أصابها مكروه ، فذلك كفيل بجعلها تفقد شئ من عقلها ، خاصة أن إبنة عمها صارت تمثل أهمية قصوى فى حياتها ، خاصة أنها لم يكن لها أخت أو صديقة بصورة فعلية قبل لقاءهما ، لذلك ما أن شعرت بالأمان والطمأنينة لرفقتها ، أضحتا كأنهما شقيقتان 
هرولت حياء فى رواق الشركة ، وظل العاملين ينظرون إليها بدهشة من أنهم يرون ربة عملهم تهرول هكذا ، كأنها تلقت نبأ عن وقوع كارثة . وصلت لسيارتها ومن ثم قادتها بسرعة خلافاً لعادتها الهادئة فى قيادة السيارة ، وظل لسانها ينهج بالدعاء لله أن تكون أمور بيرى الصحية صارت على ما يرام ، حتى أنها لم تنسى أن تهاتف زوجها وتخبره أنها ذاهبة للمشفى المملوكة له ، وأنها لن تنتظره فى منزلهما القديم ، مثلما أخبرته البارحة ،فأخبرها راسل بدوره من أنه سيأتى إليها لكى يطمئن على بيرى ، ويتفقد مشفاه ، الذى تركة منذ بضعة أيام ، رغم أنه جعل أكفأ الأطباء العاملين لديه يشرف على سير العمل داخل أروقة المشفى ، فعدم وجود ميس جعله يسند لأحد غيرهما تلك المهمة 

وصلت حياء للمشفى ومنها لتلك الغرفة التى ترقد بها بيرى ، فولجت ووجدتها تتوسط فراش المشفى بوجه شابه الاصفرار وهناك ضماد أبيض ملتف حول رأسها بأكمله . جذبت مقعد وجلست بجوار الفراش وربتت على يد بيرى لعلها تفيق وتنظر إليها وتخبرها بما حدث ، فقالت بصوت خافت خشية إفزاعها من نومها :

– بيرى ، بيرى يا حبيبتى سمعانى أنا حياء 

فتحت بيرى عيناها وحدقت فى وجهه حياء ومن ثم أجهشت فى بكاء مرير ، جعلها تترك مقعدها وتجلس بجوارها على الفراش وتضمها إليها ، حتى تكف عن بكاءها ، فظلت تربت عليها وتمسد على ذراعها لتجعلها تهدأ ، فهتفت بها بصوتها الحانى :

– إهدى يا حبيبتى وقوليلى حصل ده إزاى وهو فين جوزك لما جيت مشوفتوش 

لا تعلم أين أختفى منذ أن جاءت لهنا وفاقت من إغماءها ، ورآته هو وأسرته يقفون بجوار الفراش ، ولكنها لم تتفوه بكلمة وفضلت إغلاق عينيها لكى لا تراه ، وربما ساهم الطبيب فى إنصرافهم بأن أخبرهم أنها فى حاجة ماسة للراحة ، حتى تستعيد وعيها كاملاً ، إلا أنها من داخلها شعرت برغبة جامحة فى أن تجعل زوجها يتلظى بنيران القلق والخوف ، فحينها ربما سيدرك ما كان سيؤول إليه أمرها من أنها ربما كانت ستفارق الحياة نتيجة لتلك الإصابة برأسها 

أخذت من يد حياء تلك المحرمة الورقية التى قدمتها لها ، ومسحت بها وجهها وأنفها ومن ثم قالت بصوت حزين :
– مش عارفة هو راح فين ، بس أنا مش عايزة أشوفه دلوقتى ، دا لو كنت اتخبطت فى راسى أقوى من كده كان ممكن أكون ميتة دلوقتى 

سكتت بيرى لهنيهة ومن ثم برقت عيناها كأنها طرأ على عقلها حيلة لابد من أن تلتجأ إليها حتى تقتص من أفعال زوجها فى حقها ، فرمقت حياء وقالت بإبتسامة إنتصار :

– حياء أنا عايزة منك خدمة ضرورى وعيزاكى تساعدينى ، لأن أنتى أكتر واحدة قريبة منى ، لأن أنتى مبقتيش بنت عمى بس ، لاء أنتى أختى وحبيبتى

قطبت حياء حاجبيها وتساءلت:
– خير خدمة إيه دى؟ أؤمرينى و أنا عينيا ليكى

جذبت بيرى رأس حياء إليها ومن ثم همست فى أذنها ما تريده منها ، وكل كلمة تتفوه بها تجعلها تفتح عينيها على أتساعهما ،كأنها لا تصدق ما تفكر به وتريد منها أن تشاركها فى إنهاء الأمر على النحو الذى يرضيها 

فبعدما أنتهت من سرد مطلبها ، ضحكت حياء رغماً عنها قائلة بتعجب :
– أنتى شكل مخك طق على الأخر يا بيرى ، بس ماشى هساعدك فى جنانك ده علشان بس بحبك ، بس أنتى واثقة من اللى هتعمليه ده ، يا خوفى لتعملى زى المثل اللى بيقول جه يكحلها عماها 

إستلقت بيرى على ظهرها وضمت كفيها ووضعتهما على بطنها ، وهزت ساقيها قائلة بإستمتاع وإنتشاء :
– متقلقيش يا بنت عمى،  ماهو أنا لازم أوريه أخرة عمايله دى إيه ومبقاش بنت أدريانو إلا لما أخد منه حق دماغى اللى اتفتحت دى وكانت هتبقى كفتة 

ضحكت هى الأخرى رغم شعورها بالألم ، إلا أن خطتها التى وضعتها للإقتصاص من زوجها جعلتها تنسى ألالامها ولا تفكر إلا فى تنفيذ خطواتها ، وكلما تتخيل ما سينتج عنها ، تزداد إبتسامتها إتساعاً وتشعر بإنتشاء من سريان دماءها الحارة المعبأة بمكر ودهاء وكيد النساء 

تركت حياء مكانها ووقفت بجوار الفراش ومسدت على رأسها بحرص وقالت بحنان :
– أنتى أرتاحى شوية ، على ما أروح أشوف راسل فى مكتبه وهرجعلك تانى ، ولو هتفضلى هنا فى المستشفى النهاردة أنا هكون معاكى ومش هسيبك 

حركت بيرى رأسها وهى تبتسم لها بإمتنان ، وقررت أخذ غفوة قصيرة لحين مجئ الطبيب وعودة حياء وذلك المسمى زوجها ، والذى لا تعلم أين ذهب وتركها عديم الشفقة والرحمة ذو القلب الأجوف والعاصى 

ما أن خرجت حياء من غرفة بيرى حتى أتجهت لغرفة مكتب زوجها الواقعة فى الطابق الأول من المشفى ، طرقت الباب بتهذيب وسمعت صوته من الداخل ، ولجت ولكنها لم تستطع التفوه سوى بتحية قصيرة بعدما رآت إجتماعه بأحد الأطباء والذى يبدو عليه أنه يطلعه على تلك الأمور التى حدثت أثناء غيابه عن المشفى 

أشار لها راسل بالجلوس ريثما ينتهيا من حديثهما ، فجلست على تلك الأريكة الجلدية العريضة وفضلت أن تشغل وقتها فى تصفح الانترنت لحين أن ينتهى ، وربما حيلتها تلك أفضل من جلوسها تحملق فى وجهه ويبدو الإشتياق واضحاً على محياها 

فبعد ما لا يزيد عن العشر دقائق سمعته يقول للطبيب بهدوء :
– أتفضل أنت يا دكتور ، وشكراً على تعبك اليومين اللى فاتوا

رد الطبيب قائلاً بتهذيب :
– لا شكر على واجب يا دكتور راسل عن إذنك 

خرج الطبيب من الغرفة ، فترك راسل مقعده خلف مكتبه ، ودار حوله حتى صار يقف أمامها ، فنهضت هى الأخرى ناظرة إليه فى إنتظاره أن يقول شيئاً يبدد به ذلك الصمت والسكون الخانق ، فما كان منه سوى أن مد يده وداعب وجنتها متسائلاً بحنو بالغ :
– عاملة ايه دلوقتى يا روحى ؟ وبيرى عاملة ايه ؟

هزت رأسها علامة على أن كل شئ على ما يرام ، رغم حزنها البادى على قسمات وجهها ، فقالت بألية :
– الحمد لله بيرى دلوقتى كويسة ، وأنا الحمد لله تمام 

لم تكن نبرة صوتها تدل على أن كل شئ على ما يرام ، ولكنه لم يتفاجئ بذلك ، لعلمه بمدى الضغط الهائل الذى مارسته على أعصابها بالأيام الفائتة ، ورغم أنه أتخذ الفراق المؤقت بينهما حلاً لتفكر بروية ، إلا أن ما سمعه منها أثناء مكالمتها الهاتفية وما يراه على وجهها الآن ، جعله يعلم أن إبتعاده عنها لم يفيدها بشئ 

– مش باين عليكى أن فى حاجة تمام أصلاً يا حياء ، دايما أكون السبب فى دموعك ياروح راسل اللى هتفضل بين نارين ، وأنا مبقتش عارف أعمل ايه علشان أنهى الحزن اللى ساكن عينيكى ده

أنهى قوله وهو مازال يمرر إبهامه على وجنتها ، كأنه يخشى تساقط عبراتها ولا تجد ما يمحيها قبل أن تبلل وجهها ، وكأنها كانت بإنتظار قوله وفعلته ، حتى تبرر ما ستفعله من إرتماءها بين ذراعيه والتعلق بعنقه ، كأنها تتشبث بطوق نجاتها قبل أن يعمل طوفان اليأس على إغراقها من جديد

هتفت بصوت خافت مختنق من أثر بكاءها المكتوم :
– مش هبقى بين نارين ولا حاجة ، المهم أنت وسجود عندى بالدنيا وما فيها ، هى بنتى وحبيبتى ، وأنت جوزى حبيبى وحب عمرى اللى فضلت أحلم بيه لحد ما لقيته 

يا الله ، لو تعلم حجم ومدلول حديثها التى تفوهت به ، لأدركت كيف تمزق فؤاده ما أن شعر بإختناقها العائد لعدم تحقيقها لأمنيتها التى تمنتها منه كثيراً ، بل أنها سامحت وغفرت دون النظر لأى إعتبارات أخرى ، ألقت بأعباء مسامحتها على كاهله لكى تثقله بشعور الإمتنان الذى سيظل أسيره مازال قلبه يخفق بين ضلوعه 

شد بذراعه حول كتفها وهو يقول محاولاً سد المعابر أمام سيلان دموعه :
– بسهولة كده يا حياء بتسامحى وبتضحى بأحلامك وأمنياتك 

ربتت على مؤخرة عنقه ، بينما تستند بفكها على كتفه ، فقالت بصدق :
– أمنياتى وأحلامى إن مكنتش هحققهم معاك يبقى مش عيزاها يا راسل 

عندما حاول الحديث لفت ذراعها حول عنقه أكثر تنهره عن قول أى شئ أخر ، فعادت هى معقبة :
– أنت عمرك فكرت فى معنى إسمى ، معنى كلمة حياء ، حتى لو مكنش ده إسمى الحقيقى ، بس كبرت واتربيت عليه ، إزاى أتخيل نفسى مع راجل غيرك ، وإن أبقى معاه زى ما كنت معاك ، وإزاى أديله عواطفى ومشاعرى وهى فى الأساس ملكك ، أنا عمرى ما أقدر أتخيل أن أبقى فى حضن حد غيرك أنت أو أن أكون ليه زوجة ويشوف بس شعرة من راسى ، زى ما حياء إسمى اللى شيلاه ، فأنا شايلة صفته كمان ، أنا ليك أنت وبس ، وهفضل " مدام حياء راسل النعمانى " لأخر نفس ونبضة من نبضات قلبي 

– أنا بعشقك يا حياء ، والعشق شوية عليكى ، أنتى اللى مفيش حاجة تليق بيكى غير العشق 

إبتسمت حياء ما أن تذكرت أنها هى التى كانت تهوى قول تلك العبارة له ، فحمحمت تدعى الجدية :
– أنت بتغش منى كلامى وبتقلهولى 

داعب طرف أنفها هامساً :
– ياريتنى كنت شاعر كنت كتبت فى حبك وعشقك قصايد ، يا أحلى ما فى العمر كله ، أنتى حياتى  

طفق يردد على مسامعها كلمات الحب والعشق ، التى لن يمل من قولها وتكرارها ، وكل إنش فى وجهها حمل طابع من طوابع عشقه المدموغ بلهفته لأن يرسخ فى عقلها ، رؤيته لها من منظور الحب ، الذى لن يجد سبيل غيره ، ليقدم لها اعتذاره عن كل دمعة فرت من عينيها وكان السبب هو فى أن تذرفها حزناً أو قهراً ، فذراعاه الملتفة حولها والمطبقة عليها بدتا كقضبان من الحديد ، كمن يحاول زرعها بين أضلعه ، لعلها تجد مأمن لها ومنأى عن الحزن واليأس 

أتاحت ضمته لها من أن تترك له زمام أمرها ، كعدم ملامسة قدميها للأرض عالمة أنها تستطيع أن تركن إليه بكل وداعة وأنه سيرحب بإلتصاقها به ورفعه لها كأنه يحمل إبنته والتى لم يفرق بينه وبينها إذا تطلب الأمر تدخل معنوياً منه ، فما كان يفعله مع سجود من محاولات فى أن تكف عن البكاء أو إستبدال حزنها ودمعاتها بضحكات وإبتسامات مشرقة ، فعله معها ولكن بإمتيازات أخرى ، كعناق الهوى الذى راح ينثر قبلاته محمولة على نسيم الروح ، ولولا إدراكه أنهما فى غرفة مكتبه وأن من الممكن والمحتمل وربما الأكيد مجئ من يفسد عليهما تلك اللحظات الهادئة والمفعمة بالغرام ، لكان الأمر لن يقتصر على ضمة وعناق ، فما أن أخبرته بنيتها فى المبيت لدى بيرى اليوم إذا ظلت ماكثة فى المشفى ، شعر بالإحباط ، كونها لن يكون بإمكانها العودة معه إلى المنزل ليطفئ لهيب شوقه إليها ، إلا أنه وجدها فرصة سانحة للبدء من جديد ، من حيث طلبت منه قبل عودته ، إذ سيلتقيان فى منزلهما القديم ، والذى إذا سأل جدرانه ، ستنطق بأنها لم ترى دفء عواطف ومشاعر بين إثنان ، كتلك التى كانت بينهما وتم توثيقها بأوقات لا تنسى متمثلة بأيام كان ضجيج العشق والغرام بها يعلو أى ضجيج أخر 
❈-❈-❈
لم يصدق أن الحظ كان حليفه فى أن يفوز بمعشوقته خلال يوم واحد ، وهو من كان سيلح فى طلبه لأبيها بأن يزوجها له قبل أن ينقضى أسبوعان ، ولكن تلك هى الحقيقة ، التى خشى أن تكون نسجاً من خياله العاشق ، فبعد دقائق معدودة ستصبح ياسمين زوجته ، ولم يعد يفكر فى شئ سوى أنه سيظفر بها أخيراً بعد إنتهاء ذلك الحفل العائلى ، والذى أصر والدها على إقامته بمنزل خالها دون الحاجة لإقامة حفل زفاف كبير ، وأن بعد عقد قرانهما سيقضيان وقتاً لطيفاً مع أسرتها ومن ثم سيعود بها إلى الفندق ، قبل أن يسافران بعد غد إلى إيطاليا ، لإنهاء أعماله العالقة ومنها سيقضيان شهر العسل ، ومن الدهشة لم يجد معارضة من والديها أو شقيقها ، بل أخذوا أقتراحه بترحيب ولطافة ، ورغم شكوكه حول وجود شئ مبهم جعلهم يوافقون على زواجه منها ، إلا أنه لم يجعل تلك الشكوك تفسد سعادته ، بأن الليلة هى ليلة زفافه ، وأن ذلك الحلم الذى طال إنتظاره له سيضحى رهن بنانه ، لذلك أوصى العاملين في الفندق ، أن يعملوا على تزيين غرفته من أجل إستقبال حبيبته ومن ستصبح اليوم تحمل كنيته ، وعند هذا تذكر أن اليوم ستقترن بمن يسمى " تميم " ، وعلى الرغم أن سعادته وحماسه لم يخف بتذكره أن الأمر سيتم بالخديعة ، إلا أن وخزة صغيرة راحت توخزه فى قلبه ، ليس على شئ ، سوى أنه لن يسمعها تناديه بإسمه الحقيقى ، فكم يتمنى أن يسمع إسمه منها خاصة من صوتها ذو البحة الخافتة الخلابة

عقد رابطة عنقه ولكن تجهم وجهه ، لتذكره تلك الأمنية التى أخبرته بها حياء ، من أنها هى من ستعقد له رابطة عنق حُلة زفافه ، فزفر قائلاً بيأس :
– سامحينى يا حياء ، لأن لو نفذتى تهديدك ليا وقولتى لياسمين وأهلها على حقيقتى ، كل حاجة هتبوظ

بعد إكتفاءه من تأنيب ذاته أمام المرآة ، أخذ أغراضه الشخصية وخرج من الغرفة ، فأوصى كافة رجاله من أن يأخذوا حذرهم حتى ينتهى عقد قرانه ويعود بعروسه إلى الفندق ، دون الحاجة لإظهار أنفسهم أمام عائلة عروسه حتى لا يثير ريبة أحد منهم 

قاد سيارته حتى وصل لمنزل خال عروسه ، وجد أضواء تزين جدران المنزل ، كأحد مظاهر الفرح ، ولج للداخل وجد باب المنزل مفتوح على مصراعيه ، لإستقبال القادمين من باقى أفراد عائلتها ، وما أن ولج استقبله بلال وأخذه لتلك الغرفة التى جلس بها أبيها وخالها والمأذون وعدة رجال أخرون 

رفع والد ياسمين يده وأشار إليه بالجلوس وهو يقول باسماً:
– أتفضل يا بنى أقعد علشان نكتب الكتاب

ومن ثم نظر لبلال مستطرداً:
– وأنت يا بلال ، خد خالك وادخلوا لياسمين خدوا موافقتها وهتوكل مين 

إبتسم بلال قائلاً بتهذيب :
– أكيد أنت يا بابا هتبقى وكيلها 

هز والده رأسه ومن ثم قال بسماحة وبشاشة :
– لازم تسألها يا بلال وتسمع كلمة الموافقة منها برضا نفس

أماء بلال برأسه ومن ثم أصطحب خاله إلى تلك الغرفة التى تجمعت بها النسوة وجلست ياسمين برفقتهن ، وما أن حصلا على موافقتها التى أدلت بها بصوت خافت خجول ، خرجا من الغرفة وعادا إلى غرفة المعيشة وبدأ المأذون بعقد القران ، وحرص ديفيد على الانصات له جيداً حتى لا يخطئ فى نطق تلك العبارات التى طلب منه المأذون أن يعيدها ، وما أن أنتهى عقد القران راح يزفر براحة عدة مرات ، لينفس عن ذلك الضغط الذى رزح  تحت وطأته من شعوره بالتوتر والإرتباك الناتجان عن خوفه الشديد من أن ينكشف أمره وتفسد الزيجة قبل أن تبدأ 

صاح أحد أقارب العروس قائلاً بلطافة :
– العروسة للعريس والجرى للمتاعيس 

ضحك الجالسين ومن ثم بدأ الإحتفال العائلى ، وبدا أن أقارب العروس من الشباب أرادوا المزاح مع ديفيد ، فراح كل منهم يلمح إلى مدى لهفته لإنتهاء الحفل وأخذه لزوجته ، فإبتسم ديفيد وأطرق برأسه ، لكى لا تفضحه عيناه ، التى ظلت عالقة بباب غرفة المعيشة ، منتظراً قدومها ، فكم من مرة نهر نفسه من أن يكف عن تفكيره المندفع فى أنه يريد الذهاب إليها حيث تجلس ، ولكن ما أن رفع رأسه وجدا تأتى متأبطة ذراع أبيها وهى ترتدى حجاب و ثوب أبيض ،  تشبه فى رقتها ونعومتها وردة بيضاء نبتت فى بستان ظل مقفرًا لسنوات طوال ، ولكن أطلت هى لتضفى ألوان الربيع وتنثر عطرها الفواح 

هب ديفيد واقفاً ، وعيناه تحملق فى وجهها وكل إنش بها ، كأنه لا يصدق أن تلك الحورية صارت زوجة له ، وها هى تأتيه طواعية ، فأقترب منهما ومد يده لها كالمسحور قائلاً بوله وعشق :
– كأن من قبلك ما شوفت جمال ، والورد جمبك يبات حيران ، يسأل نفسه إزاى الياسمين جمع فى رقته عطر الزهور وروعة كل الألوان 

ما أن أنتهى من غزله بها ، حتى صاح الشباب إعجاباً بقوله ، مما أخجلها وجعلها تطرق برأسها هرباً من تلك العيون التى راحت ترصدها بمساكشة لطيفة ، ولكنه كعادته معها دائماً لا يكون رحيماً بغصون خجلها ، إذا راح يقذفها بكلمات ، جعلت من أمر شعورها بأنها تريد الفرار من الغرفة أمراً حتمياً 

ولكن أشفق عليها أبيها بعدما تطلع لوجهها الذى كادت تنفجر منه دماء الخجل ، فربت على ذراع ديفيد مازحاً:

– كفاية كده بقى يا عم روميو كسفتها ولو هى جريت دلوقتى ودخلت جوا مش هعرف أجبهالك تانى ، علشان دى بنتى وأنا عارفها ، عمرى ما أقدر أغصبها على حاجة ، ولا قادر أتخيل أن بعد شوية هتاخدها وتمشى ...

كف والدها عن الحديث ، إذ غص حلقه بالبكاء ، لتيقنه من حقيقة أن طفلته وإبنته ومدللته ستترك المنزل اليوم ، لتبدأ حياة جديدة فى منزل زوجها ، فكم شق عليه أن يجعلها تترك ذراعه لتتأبط ذراع ذلك الذى صار لديه كامل الحق بها بعد عقد القران ، فضمها إليه ولم يمنع دمعاته من التدفق حتى اخضلت لحيته بالدموع ، فتشبثت به ياسمين تبكى لبكاءه ، فهو ليس أبيها فقط بل فارسها الأول ، من لن يستطع أحد منافسته فى تلك المكانة التى يتفرد بها فى قلبها 

فهتفت به بصوت خافت هامس يغص ببكاءها الهادئ :
– خلاص يا حبيبى كفاية ، أنا اللى مش عارفة هسيبك وأسيب  البيت إزاى ، بحبك أوى يا بابا 

ظل الجالسين يتابعون تبادل تلك المشاعر السامية بين الوالد وإبنته ، حتى أن ديفيد أُخذ بجمال تلك المحبة بينهما ، فتذكر والديه وكيف كانا يغدقانه بالحب هو وأشقاءه ، ولكن لم يدم تنعمه بحبهما وقتاً طويلاً ، إذ أنتزعهما الموت وظل من وقتها يعانى الحاجة إلى العطف والحنان حتى وجد شقيقته حياء والتى شعر بتأنيب ضميره لضياع تلك اللحظة من أن يراها تشاطره أفراحه 

خرج من شروده بعد إنتهاءهما من عناق الأب وإبنته ، إذ وضع أبيها يدها فى يده وشدد عليه أن يكون زوجاً صالحاً لها وأن لا يبكيها يوماً ، فوعده ديفيد أنه سيفعل ما فى إستطاعته حتى يأمن سعادتها 

بعد بضعة ساعات أنتهى الحفل العائلى وأخذها معه فى سيارته للذهاب إلى الفندق ، فرمقها بإبتسامة عاشقة وهى تنظر للخارج عبر نافذة السيارة ، فقال بدعابة :

– مش تبوصيلى بقى  ، أنا أحلى على فكرة من أنك تفضلى باصة من شباك العربية 

إبتسمت ياسمين بخجل وأطرقت برأسها قليلاً وغمغمت بخفوت :
– باين عليك واثق من نفسك أوى أو مغرور ، المشكلة مكنش عندى وقت كافى أعرفك كويس 

– قدامك العمر كله تعرفينى فيه يا حبيبتى

نطق بها ديفيد بعدما مد يده وداعب وجنتها بوله ، بل بدا نافذ الصبر لكى يصل إلى الفندق حتى يحصل على عناق منها يروى به روحه الظمأنة لعشقها

هتفت به ياسمين بتحذير :
– أنتبه وأنت سايق العربية ، بلاش تهور 

لم تهتف بعبارتها إلا من أجل أن يرفع يده عن وجهها ، خاصة بعدما أحست برقة أنامله وهى تتفقد قسماتها ، فحاول ممارسة الهدوء وضبط النفس حتى يصلان للفندق ، وما أن وصلا إليه وصعدا لتلك الغرفة التى يسكنها بإستخدام المصعد الكهربائى لوقوعها فى الطابق التاسع ، وقبل أن تطأ الغرفة بقدميها ، أنحنى قليلاً وحملها بين ذراعيه ، حتى سمع صوت شهقتها الخافتة ، دليلاً على أنها لم تكن تعلم أن فى نيته حملها قبل أن تلج للداخل 

بعفوية وضعت يداها حول عنقه ، فنظر إليها قائلاً كالمأخوذ بجمالها ورقتها :
– كنت بحلم باللحظة دى من ساعة ما شوفتك وقلبى حبك يا ياسمين 

لم تدرى ماذا تقول أو تفعل أمام ذلك العشق الضارى ، الذى لا يخجل أن يغرقها بكلماته كلما سنحت له الفرصة ، فولج الغرفة بعدما أخفت وجهها بكتفه ، ولم تكف عن إبتلاع لعابها لعلمها بما يمكن أن يحدث بينهما من ود ووصال ، ورغم محاولتها فى أن تزرع الهدوء فى قلبها المشتت والخجول ، وأن تحاول مسايرته حتى تمر ليلتهما بسلام كما أوصتها والدتها ولعلمها هى أيضاً أنها صارت حق مطلق له ولا يحق لها الاعتراض إذا خطب ودها وأراد وصالها 

حررها من بين ساعديه ما أن وصل بها إلى منتصف الغرفة ، ولم تكد تمر برهة حتى سمعا الطرق على باب الغرفة ويبدو أن العامل قد جلب حقيبة ثيابها التى أتت بها معها ، ورغم إمتعاض ديفيد إلا أنه فتح الباب وأخذ الحقيبة ووضع بعض النقود فى يد العامل لكى ينصرف على الفور حتى يعود بإمكانه أن يبدأ ليلته مع محبوبته التى تأكل عشقها فؤاده ولم يعد بالإمكان السيطرة على تلك الجحافل من المشاعر الجياشة والصاخبة 

– كويس أن الشنطة وصلت 

قالت ياسمين وهى تقترب من حقيبة ثيابها ، إلا أن ديفيد أعترض طريقها لكونه يرى أن لا أهمية للحقيبة الآن ، توترت ياسمين ما أن رآته يقدم على عناقها بنهم غير مراعياً أن تلك هى المرة الأولى لها ، فكونه كان متعدد العلاقات وربما حطم رقماً قياسياً فى إصطحاب الفتيات والنساء وجرهن إلى شباكه المغرية ، جعله ينسى أن تلك التى بين يديه لم تمسها أيادى من قبل ولم يجرأ أحد على الإقتراب منها سواه بعد ذلك الميثاق الغليظ بينهما 

– تميم خلينا حتى نصلى الأول 

حاولت ياسمين دفعه عنها ، لعلها تلتقط أنفاسها بعدما عاث الفوضى بحجابها ولم يرحم كونها فتاة بكر بحاجة لأن يكون هادئ ولين الطباع وليس مندفعاً هكذا ، ولكن حماسه الغير معهود بأنه ظفر بمعشوقته وأنها ربما فتاته البكر والعذراء الأولى فى حياته ، جعل مشاعره الصاخبة تطفو على وجهه وحركة يداه التى لم تكف عن إعاثة الفوضى والإضطراب بها 

فغمغم غير واعياً سوى لحقيقة واحدة أنها الآن صارت له وينهل من نهر عشقها كما يريد ويتمنى :
– أنا إستنيت اللحظة دى من زمان ،  مش عايزك تفكرى فى حاجة غير أن النهاردة أحلى يوم فى عمرنا ، نفسى أسمعها منك وأنتى بتقوليلى بحبك يا ديفيد 

تمتمت ياسمين بدهشة:
– ديفيد

كأنه أدرك حماقة قوله بوقت متأخر ، إذ كانت حازمة فى أن تحل وثاقه عنها وأخذت ترتد بخطواتها للخلف ، ولكنه عاد يقول مازحاً لصرف تفكيرها عن قوله الأحمق :

– معلش أصل كنت متعود من جدتى أنها تحكيلى عن  أخوها وإزاى كانت بتحبه ، واتعودت تناديلى بإسمه من وأنا صغير لحد ما صدقت إن فعلاً إسمى ديفيد

حركت كتفيها دلالة على أنها ربما أقتنعت بكذبته وحجته الواهية ، إلا أنها أرادت منح نفسها الوقت الكافى ، قبل أن يعود إلى عناقها ويفقدها رشدها ، ففتحت حقيبتها وأخذت ثياب لها وهرولت إلى المرحاض 

جلس ديفيد على طرف الفراش ووضع رأسه بين كفيه محاولاً السيطرة على إنفعالاته التى يبدو أنه ستضعه فى مأزق معها ، ولكنه سمع رنين هاتفه ، فأخرجه من جيبه وبعدما علم هوية المتصل ، نظر لباب المرحاض ومن ثم فتح الهاتف قائلاً بجمود :

– ماذا تريد ؟ 

جاءه الرد على الطرف الآخر قائلاً بسخرية فجة وفظاظة وتبجح :
–أردت فقط أن أهنئك ، فلماذا أنت متوتر؟ هل عروسك الجميلة لم تحقق توقعاتك الجامحة؟  أو هل تحتاج مساعدة؟ أخبرني وسآتي إليك على الفور ، فأنا قريب منك ربما على بعد خطوات قليلة ، هيا أخبرني ديفيد ولا تخجل ، مرحبًا بك دائمًا

– كف عن حديثك هذا أيها العاهر وإلا جئت إليك ومزقت عنقك ، وإياك أن تحاول ذكر زوجتى على لسانك القذر ، فعندها سأعمل على إشعال النيران فى جسدك وأنت على قيد الحياة 

سبه ديفيد بصوت خافت حتى لا تسمعه زوجته وظلت المكالمة بينهما قائمة على الشد والجذب فى الحديث الرجالى البحت والذى إذا تطرق للعلاقات الغرامية أخذ منحنى أشد خطورة 

داخل المرحاض ، حاولت ياسمين أكثر من مرة أن تتحلى بالشجاعة وتخرج إليه ، إلا أنها كلما وضعت يدها على مقبض الباب تعود وتسحبها سريعاً ، إلا أن بعد نضال منها أخذت قرارها وفتحت باب المرحاض وخرجت منه بإبتسامة خجولة 

إلا أنها ما أن وطأت الغرفة بقدميها ، حتى صدرت عنها صيحة تعجب مما رآته وأقشعر له بدنها :
– إيه ده
❈-❈-❈
يتبع...!!!!


  •تابع الفصل التالي "رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني2" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent