Ads by Google X

رواية من نبض الوجع عشت غرامي (ج2) الفصل السادس 6 - بقلم فاطيما يوسف

الصفحة الرئيسية

  


 رواية من نبض الوجع عشت غرامي (ج2) الفصل السادس 6 - بقلم فاطيما يوسف


تمضي بنا الأيام ونحن حائرون نقف على مفترق الطرق لانعرف هل نعود أم نتقدم ؟
أراوحنا أُرهقَت ، مشاعرنا ذبُلت ، فقدنا طاقة الشغف في الحياة ، ليس أمامنا غير كلمة “يارب” في كل وقت كي ينعم علينا براحة البال فكلنا متعبون ، كلنا شاردون ، كلنا نمتلئ من الهموم ما يكفي ويفيض كلنا نبحث عن السعادة فهل منكم من حصل على السعادة مطلقاً دون أي شوائب وقتاً فائضاً يتذكره طيلةَ عمرِه ؟
#كلمات_بلسان_أبطالناـــأجمع
#بقلمي_فاطيما_يوسف
عادت سكون الى شقتها منذ البارحة ولكن تشعر بالحزن الشديد لطالما فشلت محاولتها في وجود جنينها داخلها وعرضت حياتها للخطر ، دلف إليها عمران وبيده كوبان من الأعشاب الطبيعية التى أوصت الطبيبة أن تحتسيهم ثم وضعهم على المنضدة الموجودة في الشرفة بعد أن انتهيا من صلاة الفجر فقد أمَّها عمران في الصلاة وهي من طلبت منه ذلك أن يشاركها اليوم صلاة الفجر ،
ناولها الكوب بابتسامة تنم عن مدى راحته في وجودها الآن بجانبه فقد كان يشعر بالوحدة في ابتعادها بشدة :
ــ تعرِفي مكنتش عارف آكل ولا اشرب ولا أعيش من غيرك ياحبيبي طول الأسبوع دي ، وجودك في المكان مهم قوووي ،
واسترسل حديثه بنبرة يملؤها الترجي :
ــ أرجوكي تهدي شوية معايزينش عيال إلا لما تتحسني ومتتهوريش تاني .
التمعت عينيها بغشاوة الدموع وهي تحتضن الكوب الساخن بين يديها الصغيرتين وهي تردد بطاعة مجبرة عليها :
ــ حاضر ياعمران .
شعر بالاختـ.ـناق من رؤيته للمعة الدموع في عينيها وملامحها المنطفئة وشغفها الذي قل ثم تحرك بالكرسي وجلس بجانبها واحتضن وجنتيها بين كفيه وهو يمسح بسبابته دمعة شاردة من عينيها لينطق بعتاب :
ــ طب ليه الدموع ، ليه الحزن ، ليه البكا ؟
والله والله قلبي ما مامتحمل كل الوجع الساكن ضلوعك دي ياسكون ، فين بسمتك ، فين ايمانك الكبير اللي اتعلمته علي يدك ؟
انتِ حركتي جبل جوايا ماكان يهزه الريح بفضل ربنا ووقوفك جمبي ، علمتيني ان معنى السعادة الحقيقي في وجودنا إحنا الاتنين جار بعضنا مرتاحين البال ليه بقى تخلي الموضوع دي بقي شغلك الشاغل ، لا انتِ هتركزي في شغلك ولا هتركزي في الدكتوراة اللي فاضل لك حاجة بسيطة وتنهيها ،
وأكمل مداعبا إياها وهو يغمز لها بكلتا عينيه :
ــ ولا مركزة خالص معاي ووراكي منهج بالكوم كد اكده وانتِ عارفاني عندي ضمير في منهجنا بالقووي وبصراحة بقى أنا قربت أفرقع من بقالك اسبوع بحاله وانتِ بعيدة .
ضحكة خافتة أطلقتها أخيراً من دعابته ثم عقب عليها وهو يجذبها من رأسها مقبلا إياها:
ــ أيوة اكده اضحكي ياشيخة خلى الدنيا تنور ،
ثم سألها كي يطمئن عليها :
ــ طمنيني عليكِ عاملة كيف دلوك لسه جرحك هيوجعك ؟
بللت شفتاها الجافة بلسانها ثم طمأنته :
ــ الحمد لله اتحسنت كتير والعلاج اللي باخده فيه مسكنات وبقيت كويسة.
ربت على ظهرها بحنو ثم هتف بحمد :
ــ الحمد لله ، طب ايه مش نجهز بقي فرح رحمة فاضل عليه أسبوع عايزين نجيب لبس ليكي وليا اني كمان على ذوقك اكده.
تنهدت بعمق وهي تشعر بفقدانها للشغف في الحياة ثم تحدثت بنبرة بائسة أوجعت عمران :
ــ هلبس أي حاجة من عندي في حاجات كَتير جبتها وملبستهاش غير مرة واحدة أو مرتين .
ضيق ملامحه عابثا من نظرتها البائسة :
ــ طب ليه بقى ياسكون بقى اني عايز أخرج معاكي وأخليكي تغيري جو وأحاول أخليكي تفكي شوية وترفضي !
زفرت أنفاسها بثقل ورددت بألم نفسي شديد جراء حالتها المتخبطة :
ــ معلش ياعمران ممكن رحمة تروح معاك علشان أنا مودي مش مظبوط ومش عايزة أشيلك همي وحزني كفاية مشاكل شغلك اللي مهتنتهيش .
رفع حاجبه مستنكراً ما قالت :
ــ وه ! كيف يعني مشيلش همك ، وكيف يعني مشاركيش حزنك ؟
انتِ هتقولي كلام مخربط مهيعجبنيش واصل .
وضعت الكوب من يدها ثم استئذنت منه بفتور وقامت من مكانها متجهة إلى الغرفة ومنه إلى التخت :
ــ معلش حقك علي ، هروح اكمل نوم علشان حاسة بصداع مش مخليني مركزة .
نفخ بضيق وهو يمسح على خصلات شعره من تغير سكون وحزنها الدائم ولم يعرف كيف يتعامل معها ثم نفث همه وأخرج سجائره وبدأ بحـ.ـرقها وهو يجلس على الكرسي مستنداً برأسه وقد أوشكت شمس النهار أن تشرق لتعلن عن ميلاد يوم جديد ،
ظل على حاله هكذا حتى أصبحت الساعة السابعة صباحاً فدخل إلى الحمام وأخذ حماماً بارداً كي يهدأ من ثوران جـ.ـسده الذي تغزوه الحرارة ،
بعد قليل انتهى من ارتداء ملابسه وارتدي زوجا من الأحذية الرياضية البيضاء فذاك اللون أغلب ألوان الأحذية المفضلة لديه ، ثم خطى تجاه سكون وجدها نائمة فأزاح خصلاتها الشاردة من على وجهها وأزعجه كثيراً رؤية ملامحها الباكية مما جعله نفخ بضيق شعرت به من أنفاسه الساخنة التى لفحت وجهها ولكنها مازالت مغمضة العينين فدفن كف يده بين خصلات شعرها هامساً بجانب أذنها بنبرة متعبة :
ــ والله حرام عليكي اللي هتعمليه فينا دي ، اني عارف انك سمعاني ياسكون ، متحاوليش تدخلي روحك في حالة اكتئاب وتوبقى من القانطين لإرادة ربنا ، ارضي ياحبيبي علشان ربنا يرضى عنينا .
ما زالت مغمضة العينين كما هي وهي تعطيه ظهرها ولكن خانتها عينيها بدموعها التى هبطت على وجنتيها حتى استقرت على كف عمران مما أرعبه عليها ولكن مابيده شئ يقدمه لها الآن وما فعل سوى أنه جذبها إلى أحضانه الحانية وخبئها بين ضلوعه وما كان منها إلا أنها تمسكت بأحضانه بشدة وقد زادها هم الحكم عليهم بالفراق فهي أصبحت متيقنة الآن أن زينب لم تتحمل الصبر ولن تصمت ، تود أن تظل داخل أحضانه ،تود أن يأخذها ويعيشا في مكان بعيد لم يعرفهم أحدا فيه كي يستطيعا مدواة بعضهم البعض ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فمن المستحيل أن يترك عمران أبويه وهو ابنهم الوحيد لذلك كلما صال عقلها وجال تزداد الدموع سقوطاً وحقا من يرى عينيها الآن يطلق عليها لقب “مدينة الدموع” ظل في أحضانها وهو يربت على ظهرها بحنو ويحثها بكلماته الراقية الناعمة لها أن تهدأ حتى شعر بانتظام أنفاسها ويبدو أنها غفت من كثرة الدموع التى أشعرتها بالثقل في رأسها فوضعها على الوسادة ودثرها بالغطاء بعناية ثم قبلها من رأسها ومن ثمَّ عينيها المنتفختين بالبكاء ليقول لها بهدوء وهو يتعامل معها كما أنها طفلته الصغيرة التى يخشى عليها من نسمة الهواء أن تصيبها بالبرد :
ــ نامي وارتاحي يابابا ربنا يريح قلبك يارب .
ثم قام من مكانه وهو يحمل أشياؤه وخرج من شقته وهو يشعر بأن هموم الدنيا تكومت فوق رأسه من حالتهم هو وزوجته ولكنها إرادة الله وما إن أراد رب العباد في شؤون عباده فما علينا إلا الحمد والرضا بما قضاه علينا ،
فور نزوله وجد والدته تجلس في بهو المنزل تمسك مسبحتها وبيدها ذاك الكتيب الصغير ويبدو أنها تقرأ اذكار الصباح وما إن شعرت بوجوده الآن ورأته قادما عليها حتى وجدت أنها أتتها الفرصة كي تتحدث معه وحدهم دون وجود زوجته أو أبيه أو حتى إحدى أختيه ، أقدم عمران إليها وقبلها من رأسها وهو يلقي عليها تحية الصباح:
ــ صباح الخير ياحاجة ، كيفك ؟
ربتت على ظهره بحنو وردت صباحه :
ــ صباح الخير يا حبيبي ،
ثم أكملت وقد تبدلت معالم وجهها الباسمة إلى أخرى لائمة إياها :
ــ بس مش زينة خالص ياعمران وزعلانة منك انت ومرتك وشايلة في قلبي منيكم شيلة تَقيلة قوووي ياولدي .
تنهد بثقل وألم نفسي شديد فهو ما كان ينقصه عتاب ولوم والدته الآن فما فيه من تعب وهموم يكفي العالم أجمع ولكن حاول تهدئة حاله ونحى همه على جانب فذاك طبع الرجال في شدتهم أقوياء وعاطفتهم لابد أن يتغلبوا عليها مهما بلغ حزنهم ثم سألها بنبرة تبدو أكثر هدوءاً:
ــ ليه اكده ياحاجة إحنا صدر منينا ايه عاد يزعِلك دي حتى ولا اني ولا مرتي نستجري نعملوها ياست الناس ؟
ــ وه ياولد بطني هتاكل بعقلي حلاوة اياك ! نطقتها زينب بنبرة استنكارية نظرا لما تفوه به واستدعائه الجهل الآن وهو يفهم مقصدها وتابعت بسخط :
ــ إنت عارف اني بتكلم عن ايه بالظبط ما تلفش وتدور على زينب ياعمران انت فاهمني زين يابن بطني ، ليه تحـ.ـرق قلبي عليك وتخليني كل عشية اقعد ادعي ربنا يعجل بالفرح ليك ولمرتك ولقلبي قبليكم وانت هتخبي علي إن مرتك تعبانة ، أمك مصعبتش عليك ياعمران وانت هتبلفها كل يوم والتاني بأي كلام علشان تريح راسك انت والحلوة مرتك ؟!
أخذ نفساً عميقاً وهو ينظر للجهة الأخرى كي لاترى والدته ملامحه الغير المتقبلة لعتابها ، كيف سيلاحق من الهموم الآن التى تأتيه من كل صوب وحدب ؟
لم يعرف أيحزن على حاله هو وزوجته وما قدره الله لهما أم على نفسيتها المدمرة أم على الحـ.ـرب الضارية التي بدأت والدته الآن بشنها عليهم ؟!
ــ دلوك ساكت ومعَرِفش ترد علي ياعمران ولا بتشوف لك اي حجة تهدي بيها أمك … تلك الكلمات الغاضـ.ـبة التي ألقتها زينب في اذناي ولدها وما كان منه إلا أنه ردد بروح منهكة :
ــ الكلام ممنوش فايدة يا حاجة اللي يخص مرتي وتعبها ليها هي وبس مكانتش حابة تشغل بالكم ولا تقلقكم عليها ، وخصوصي اللي فيها دي بيد ربنا سبحانه وتعالى مش بيد عباده فالكلام فيه لاهيقدم ولا هيأخر .
انتفضت زينب وقد أصابها الغضب الشديد من رده اللامبالي عليها وهدرت به :
ــ إنت هتجنني ياواد انت بردودك داي !
اوزن الكلام واعقله قبل ماتقول دي ولية خرفانة هقولها اي هري وخلاص ،
إنت ناسي سنك كام ياعمران ،
واسترسلت حديثها بصوت غليظ وهي تطيل الكلام بلسانها كي تجعله يتذكر عمره الغافل عنه :
ــ إنت عنديك ٣٦ سنة عارف يعني ايه ! يعني فاضل أربع سنين وتدخل الأربعين هتستني ايه تاني يا عمران وياريت حاجة ليها وقت محدد له دي يابني في علم الغيب .
اندهش عمران من نبرة اليأس التي تتحدث بها ثم سألها بتخوف من حديثها :
ــ سيبك من إن كل حاجة بإيد ربنا وإن العبد ملهش يد في اللي مقدره ربنا عليه وأننا مطالبين بالرضا في الاول وبعدين السعي ، اني مطلوب مني ايه أعمله يا أم عمران علشان أرضيكي أو في يدي ايه أعمله ومعملتوش ؟
ــ هو حل واحد مفيش غيرَهْ تتجوز ياعمران … نطقتها زينب بفم متجبر دون أن تراعي وجعه على زوجته وعلى حالتها دون أن تراعي أنه رجل عاشق متيم بغرام امرأة في عينه أما وأبا وابنة وزوجة وأختا في عينيه بنساء العالم كلهم فنطق لسانه هو الآخر برفض قاطع كي يجعلها تفقد الأمل :
ــ لو مهخلفش خالص يا أمي مهتجوزش على سكون ، لو هعيش بطولي اني وهي طول العمر وما أرادش ربنا مهتجوزش ولا هعاشر غيرها ، أصلك مفهماش حاجة عن ولدك كيف كان وكيف صار ؟ مفهماش إنها غير اي ست في الدنيا كلاتها فريحي بالك يستحيل لو اخر يوم في عمر عمران تدخل درة على سكون وأقهرها .
رفعت حاجبها بغيظ شديد ولكن حاولت كظمه وهتفت بحزن عميق لم تستطع تخبئته :
ــ هتعصي امك ياعمران وتقهرني وتمـ.ـوتني ناقصة عمر علشان عايزة اشيل عوضك على يدي ، عايزة أحفاد ليا من صلب ولدي الوحيد ؟
زفر أنفاسه بحنق شديد من إصرار والدته على دمـ.ـاره وزاده عليهم التوقيت ذاته في ذاك الحديث كأنها تريد أن توصل له رسالة واضحة وضوح الشمس في كبد النهار انها لن تتنازل عن حفيد لها فهو الآن يقف بين والدته وبين عشقه الأول والأخير بل والأبدي ثم حاول تهدئة حاله كي لايدخل النقاش منطقة العناد وهو يعلم والدته ومدى إصرارها فهتف محاولا إقناعها :
ــ طب نفترض ياحاجة أن اني بدال…. قبل أن يكمل كلمته التي فهمتها على الفور أشارت بيديها أمام فمه أن يصمت هاتفة بنفي مصاحب للقوة :
ــ متكمَلش افتراضك طالما مش موجود ومدخلهوش في الحوار من أساسَهْ ولو عايز تفترضه ربنا شرع للراجل يتجوَز مرة واتنين وتلاتة طالما قادر واحنا قادرين قوووي الحمد لله وطالما عادل واني سكون هحبها وهعتبرها كيف بناتي وربنا العالم مهسمحلكش تميل بكفتك وهشيلها على راسي من فوق ومهسمحش بإهانتها واصل لحد أخر نفس فيا .
شتتت شمل قوته ودقت عليها بقوة ولكنه سألها :
ــ طب وهي يا أمي ذنبها ايه تتحمَل وجود مرة تانية في حضن جوزها وانتِ ذات نفسك متحملتيش اللي عايزاها تتقبله وهديتي الدنيا وقومتيها مقعدتيهاش ؟
شبكت كفاي يداها في الأخرى وعللت :
ــ اني غير مرتك ، اني مخلفة الولاد والبنات ، ربيت وكبرت وعلمت وسندت وياه كتف بكتف معنديش نقص في أي شئ علشان بوك كان يتجَوَز علي فطبيعي وقتها اني أثور وأقلب الدنيا وارفض اللي أني مستحقهوش .
ــ جبتي القساوة دي كلاتها على سكون منين يا أم العمران ؟ كيف جالك قلب تطلبي مني اكده ؟ طب حطي رحمة مكانها كنتِ هترضي عليها اكده ؟ تلك التساؤلات والافتراضات التي ألقاها على مسامعها بعتاب قلب متعب فلو سمعت سكون ذاك الحديث أو شعرت به ما بقت وعند تلك النقطة التى وصل لها عقله نقطة فراق سكون للعمران هتف بقوة وهو يقوم من مكانه قاصدا إنهاء ذاك الحوار الذي حتماً سيشعل لهـ.ـيباً سيؤدي به وبقلبه وبسكونه إلى نيـ.ـراناً لن يستطيع إخمادها بعد :
ــ طب يا امي دي حياتي واختياراتي وأني بس المسؤول عنيها ، ماهو محدش هيتـ.ـحرق غيري ، محدش هيتوجع غيري ، محدش هيدوق مرار الفراق اللي قلب ولدك ميتحملهوش غيري ، محدش هيجافيه النوم ويهجر لياليه الحرمان من روحه غيري ، عمران ولدك مهتلاقيهوش وقتها هيوبقى جسد بلا روح فمتحاوليش علشان وقتها هتتحسىري علي والراحة مهتدوقيش طعمها واصل وبدل ماللي انتِ بتخططي له علشان يسعدك ومفكِراه هيسعدني هيوبقى غميق عليكِ قبل مايكون علي فكِري في كلامي كويس وهتلاقي ان اللي قلته لك عين العقل والراحة لينا كلاتنا يا أم ولدك الموجوع واللي هتزودي وجعَه أكتر وهتكملي عليه وهتدوسي بيد من حديد ، اني ماشي لشغلي ومتنسيش تطلعي للغلبانة المقهورة اللي فوق داي تطيبي خاطرها .
ألقى كلماته وتحرك من أمامها ويبدو أن القادم سيكن ليس بأفضل على الإطلاق ، يبدو أنه يحتاج إلى قوة وصبر شديد كصبر أولى العزم كي يستطيع الوقوف بجانب سكونه نبض قلبه كي يخرجها من ظلمات الحزن الشديد ثم تصدي والدته وإكبات محاولة التفرقة بينه وبين سكون بزواجه من غيرها ولكن هي والدته ويحفظها عن ظهر قلب ويعلم مدى قوتها انها لن تستكين مهما كان ومهما سيكون ولكن ماذا إن فقدت الأمل في محاولتها معك عمران وحولت جبهة حـ.ـربها مع سكون واستغلت تأثيرها كأم تريد حفيدا لولدها الوحيد على سكون ،
كل تلك الافتراضات التي عصفت بعقل عمران وجعله أمسك رأسه يدلكه وكأنه ينهاه أن يصمت عن فكره المهلك وهو يحدث نفسه وينهرها :
ــ اصمت أيها العقل وكُفَّ عن هرائِك ذاك وتفتك ذرات الصبر داخلي ،
وأنت ياذاك اللسان دافع ولا تسمح للفراقِ ان يهزمك ويُفقدك الأمل ،
وأنت يا ذاك القلب انبض بعشقها وتمسك بقربها وقف وقفة الفرسان في الدفاع عن أمانها ،
كل تلك الكلمات والأفكار التي ظلت تتهاوى بعقله ولكن تعب كلها الحياة فما عجب الا في ازدياد ، فمن منا لم يتألم ومن منا يعيش هانئ البال خالِ الفكر ؟ فكل منا يغنى علي ليلاه .
**********************
في منزل ماهر الريان حيث أتى ظهرا الي المنزل كي يأخذ بعض الأشياء الخاصة به ويطمئن على شمس ويخبرها بالخطوات التي فعلها في موضوعها الخاص أرسل إليها رسالة كي تخرج إليه في الحديقة ومعها كوبا من القهوة لشعوره بالصداع النصفي فامتثلت لطلبه وقامت بصنع كوبان من القهوة وخرجت إليه وما إن وصلت إليه حتى زارت الابتسامة وجهها ثم ألقت السلام :
ــ هاللو يا أبيه ، أنا مبسوطة قووي إنك جيت النهاردة وكمان طلبت مني أعمل لك قهوة .
ابتسم لها برسمية شعرت بها ثم رد سلامها بما أزعجها :
ــ وعليكم السلام ورحمة الله ، دي تحية الإسلام يا أبلة سيبك بقى من شغل الغرب اللي اتعلمتيه هناك وشغل العيال الصغيرة دي انتِ خلاص كبرتي وبقيتي آنسة .
زمت شفتيها للأمام بحزن مصطنع كما الأطفال ثم هتفت وهي تتذكر مامضي منذ أعوام وعينيها تلتمع ببريق الذكريات الجميلة :
ــ بس مهما كبرت هشوفني شمس اللي كانت بتقعد على رجلك وهي في ابتدائي وتشيلها ترفعها للسما وتنزلها وهي كلنا تتشعبط في رجلك ومتسيبكش إلا وأنت مكفيها طيران في السما .
ذكرته بأيام شبابه وأيام جامعته وحياته التي قضاها في منزلهم كصديقٍ لأخيها الذي توفي في عامهم الأخير من الجامعة إثر حادثة سير ،
بالفعل كانت ما إن تراه تركض إليه وبالتحديد عندما كان يناولها الشوكولا المحببة إلى قلبها كي تتركهم ينعمون بوقت مذاكرتهم ثم تذكر معها تلك الأيام :
ــ أه وفاكر كمان لما كنت هرشيكي بالشوكولاتة علشان تحلي عن سماي اني وأخوكي الله يرحمه وتسيبينا نذاكر ، من زمان وانتِ غاوية تعب ليا يا بنت انتِ .
ناولته كوب القهوة وهي تبتسم بحالمية لتذكرها أيام الطفولة وراق لها كلماته ثم تعمقت في الحديث معه :
ــ بس البنت كبرت لحد ما دخلت ثانوي وكنت اتجوزت فرح ودخلتوني معاكم في خناقاتكم اللي كانت مبتنتهيش ،
ثم ذكرته بشئ ما :
ــ بس انت بصراحة كنت غيور قوووي يا أبيه ماهر وكنت بتقف لها على الواحدة وبصراحة بردو اختي كانت منفتحة شوية وجننتوني معاكم وقتها .
تنهد بأنفاس طويلة وهو يشعر بالاستياء لذكر تلك الفرح في الحديث بينهم ثم نهاها :
ــ طب متجيبيش سيرتها الله يرضى عنك علشان مهحبش أتكلم عنيها خالص ، ربنا يرحمها ويسامحها .
هزت رأسها للأمام بموافقة ثم سألته عن رحمة :
ــ طب طمني رحمة هديت ولا لسه ؟
ارتشف القهوة بتلذذ فهي لديها نكهة مميزة بالقهوة منذ صغرها ثم شكرها على صنيعها:
ــ لساتك هتعملي القهوة زينة وسفرك لبرة منسكيش عمايلها .
ابتسمت لشكره لها ثم هتفت بنبرة حماسية :
ــ بجد عجبتك ياماهر ؟
نادته باسمه بتلقائية دون ألقاب فلم يعقب على ذلك ثم أجابها في سؤالها عن رحمة :
ــ كنتِ بتسأليني عن رحمة هي كويسة الحمدلله ، بتسألي ليه بقي المفروض انك تزعلي منها ولا ايه؟
سألها ذاك السؤال بدهاء كي يستشف ماورائها فأجابته :
ــ عادي علشان خاطرك استحمل ، بس ايه اللي عجبك في رحمة دي بالذات حساها مش لايقة عليك بصراحة ومتزعلش مني .
ابتسامة جانبية زينت ثغره لما قالته ثم ردد مدافعاً:
ــ مين قال اكده يعني فرح اللي كانت شبهي !
لو بصيتي من جميع النواحي هتلاقي إن أنا ورحمة شبه بعض قوووي علشان اكده قلوبنا اتقابلت وهي اتحدت الصعاب وكسـ.ـرت حاجز الصد المنيع اللي كنت حاطه على قلبي من عشر سنين ومفيش ست غيرها قدرت تعمل اكده.
ــ ياه ده ايه الحب الكبير قووي ده يامتر .. تلك الجملة التي نطقتها شمس بنبرة أشبه للحسرة وعقبت عليها :
ــ يابختها والله اللي تلاقي راجل يحبها زيك ويتكلم عنها في غيابها كدة ، يابختها بيك يا ماهر.
ابتسم لها ثم أخرج ورقة من جيبه مناولا إياها وهو بتجاهل كلامها :
ــ طب سيبك من الحوارات داي ، خدي الورقة دي فيها عقد إيجار شقة في الكومباوند اهنه على بالليل تكوني جاهزة هوصلك هناك ،
وكويس إن موبايلك القديم اترمي علشان عمك ميقدرش يوصل لك وكمان أنا رفعت قضية إعلام وراثة علشان تشوفي حقك في بيت باباكي ، وشفت لك شغل عند واحد معرفتي هتشتغلي عنده بمؤهلك .
وقبل أن يكمل كلامه وجد الحارس المسؤول عن الفيلا الخاصة به يهرول إليه مرددا :
ــ ماهر بيه ، في واحد برة جاي ومعاه حرس وبيقول إنه مدير مكتب محافظ القاهرة وعايز حضرتك.
نظر اليها ماهر نظرات ثاقبة ثم أعاد بصره إلى ذاك الواقف وطلب منه :
ــ خليه يتفضل .
انصرف الحارس ثم أعاد النظر إليها متسائلاً إياها بشك :
ــ عمك عرف منين ان انتِ اهنه وباعت مدير مكتبه ليه ؟
توترت بشدة من مجئ عمها الى هنا وشعرت بالخوف الذي وصله الآن من رجفة يدها وعيناها الزائغة وأجابته :
ــ ماهو عارف ان مليش حد اروح له غيرك وأكيد دماغه وصلته لهنا علشان كدة باعت مدير مكتبه ،
ثم سألته بتوتر :
ــ هو انت ممكن تسيبني ليه وتتخلى عني علشان أنا عملت لك مشاكل مع رحمة ؟
تنفس بضيق من مجمل الموضوع ولكنه لم يعهد الخوف أبدا لطالما خطواته سليمة وبعيدة كل البعد عن الشبهات ثم طمئنها :
ــ لا مش هسيبك متقلقيش ، بس ملكيش دعوة برحمة نهائي وياريت متشغليش بالك بيها وحاجة كمان مهمة قووي حطيها حلقة في ودنك متشغليش بالك في الدنيا داي كلماتها غير بحالك وبشغلك ونجاحك متبصيش على مشاكل غيرك وتشغلي نفسك بيها وتعطلي وقتك على حد انتِ شاغلة بالك بيه وهو مش بيفكر فيكي أصلا ولا شايفك ، ثانياً ركزي في انك تتقدمي في طريقك ومتبصيش وراكي علشان كل اللي بصوا وراهم فضلوا مكانهم يعني بالمختصر يا شمس نجاحك ثم نجاحك ثم نجاحك انتِ بس .
أراد بتلك الكلمات أن يوصل لها معانٍ عدة ومن أهمها بث الثقة بداخلها وعدم انشغالها بأحد مهما كان ،
قطع حديثهم وصول ذاك الضيف فقام بالترحاب به بكل وقار ثم بعد تعريف الضيف لشخصه نظر إلى شمس قائلا :
ــ سعات الباشا باعتني اخد الآنسة شمس بكل هدوء ومن غير ما نعمل شوشرة .
نظر ماهر إلى شمس متسائلاً إياها:
ــ ايه رأيك يا شمس عايزة تروحي لعمك ولا تفضلي كل حاجة بإرادتك انتِ مش قاصر ومحدش يقدر يغصبك على حاجة واصل .
كان يتحدث معها بقوة جعلت ذاك الجالس يشعر بفشل محاولته ثم رددت شمس بقوة اكتسبتها من كلام ماهر لها :
ــ مش هاجي معاك وقول لعمي بيني وبينه المحاكم في الوصول لحقي ومش هرجع بيتي إلا لما المحكمة تسلمني حقي فيه .
هتف ذلك الشخص بتهديد مغلف بالحكمة فهو في حضرة محامي داهي:
ــ طيب ليه تعملي عداوة ومشاكل بينك وبين عمك وتفتحي طرق مش هتقدري عليها ولا حد في الدنيا هيقدر يسد قصاد الباشا حافظ الهنداوي ومهما كان انتو لحم ودم متدخليش الغريب بينكم .
هنا أجابه ماهر وهو يرجع رأسه بكبرياء للخلف بنفس طريقته :
ــ له متشغلش بالك انت بموضوع حمايتها وبلغ حافظ باشا إن ماهر الريان مبيتهددش وإذا كان هو له مكانة كبيرة في منطقته فاحنا لينا مكانة كبيرة في البلد بحالها وبرة البلد كمان ولو حابب يجرب تمام معِنديش مانع والبقاء للأقوى .
استدرك ذاك الشخص مدى قوته من طريقته في الحديث ثم قام مستئذنا وهو يبلغها مرة أخرى:
ــ تمام يا آنسة شمس طالما ده ردك هبلغ عمك وهو حر في اللي هيعمله معاكي أنا مجرد فاعل خير عن اذنكم .
ودعه ماهر وهو بنفس مكانه دون أن يتحرك فهو قد هددهم بطريقة مخبئة في منزله فلابد أن يتعامل معه بكل حسم لأنه سينقل كل شئ لذاك الحافظ :
ــ مع السلامة يافاعل الخير وبلغ سيادة المحافظ إني هرد له زيارة فاعل الخير داي عن قريب وكل واحد وطريقته بقي في فعل الخير .
ابتسم له الآخر بسماجة ثم غادر المكان وفور خروجه هاتف عمها وأبلغه بما سمعه من ماهر مما جعله يزداد غضبا وهو يتوعد له ولابنة أخيه التي هربت يوم زواجها من ابنه وفضحتهم بفعلتها تلك ،
اما في الداخل تحدث ماهر :
ــ عمك بدأ المشاكل ومش هيسكت فأنا هعرض عليكِ عرض ايه رأيك اشوف لك شغل برة مصر خالص وتبعدي عن هنا لحد الأمور ما تهدى ؟
شعرت بالاختنـ.ـاق من عرضه فهي لاتريد الهجرة أو بالتحديد لاتريد الابتعاد عنه فهي وجدت فيه الرجل القوي الشهم الذي سيتصدى كل الصعاب لأجلها ولكن عقلها ينهرها على تفكير قلبها بتلك السذاجة فهو رجل عاشق لامرأته وما تفعله الآن بالتودد إليه لايسمن ولا يغنى من جوع ولكن ما زالت عقول الفتايات تنسج أوهامها بقصة لاتمت للواقع بصلة وتعيش داخل عالم تلك القصة ،
لاحظ صمتها على عرضه وتبدل ملامحها للحزن فسألها :
ــ مالك قلبتي وشك اكده ليه لو مش حابة السفر خلاص براحتك بس اني قلت اريحك من وجع الدماغ دي خالص لحد ماقضية حقك في بيت باباكي تخلص وكمان تضمني أمانك من جبروت عمك.
على صدرها صعودا من أنفاسها العالية ثم تحدثت بما يؤرق صدرها :
ــ انا مش عايزة اسافر يا أبيه ماهر انا عايزة اقعد في بلدي واستقر فيها واشتغل واعمل كيان لنفسي والاقي الانسان اللي يحبني ويقدرني ووقتها هبيع الدنيا بحالها وهكون ليه احسن زوجه في الدنيا لاني بجد نفسي اكوِّن عيله زهقت من السفر وسن المراهقه اللي انا كنت عايشاه انا عايزه استقر في بلدي فاهمني .
إلي الآن لم يستطيع فهم شخصية تلك الشمس وما ورائها ولكنه سيكمل شهامته معها إلى النهاية ثم هز رأسه للأمام ليقول بتعجل :
ــ تمام زي ما تحبي جهزي نفسك بالليل هعدي عليكي تكوني جهزتي نفسك ، همشي دلوك لأني ورايا مواعيد كتير مش عايز اتاخر عليها .
نظرت اليه بحزن لمفارقته إياها ثم سألته :
ــ طب هو أنا مش هشوفك تاني لما اروح الشقة دي وأستلم الشغل ؟
نظر إلى ساعته باستعجال ثم هتف :
ــ له أكيد هتواصل معاكي وهسأل عنك وقت بعد وقت .
تفهمت كلامه ثم اخفضت بصرها للأسفل مرددة بحزن حقيقي بصوت رقيق :
ــ طب متنسانيش أرجوك علشان انا هنا لوحدي ،
وأكملت بعيناي لامعة :
ــ علشان ماليش غيرك يا ماهر .
اهتز داخله من نبرة الضعف التى تتحدث بها ثم طمئنها :
ــ متقلقيش ياشمس مش هسيبك إلا لما اوصلك لبر الأمان ودي وعد وعدته لك قبل اكده.
انهي كلماته وحمل أشياؤه وتحرك بخطواته ولكنها تحركت بجسدها قليلاً وعلى حين غرة أمسكته من يده وهو يعطيها ظهره مما جعله نفخ بضيق من حركتها تلك فالتفت إليها متسائلاً إياها بنبرة رجولية حادة قليلا وهو ينظر إلى اصابعها المتمسكة بيديه :
ــ في حاجة ياشمس ؟
بنبرة مستكينة راجية وعيناي استقرت بقصد داخل عيناه :
ــ شكراً قووي على كل اللي بتعمله معايا ، ربنا يخليك ليا يا أحن راجل في الدنيا .
سحب يداه من يدها ثم اتكأ على أهدابه بابتسامة باردة فهو الآن بدأ يشعر بأن مشاعرها ليست مجرد احتياج وأنها تتبدل كل حين فضـ.ـرب الخوف برأسه في تعلقها الغير مسؤول عنه ذاك ثم تحرك بخطواته وهو يجزم بأن القادم صعب جدا للغاية لثلاثتهم اما هي فور مغادرته أسندت رأسها على الكرسي وما يدور في عقلها لا يفهمه احدا غيرها .
“**”*****”****”*****””
في غرفة مها تجلس على تختها وهي ممسكة بهاتفها كي تنشر قصتها اليوم التى اعتادت عليها منذ أن أصبحت وحيدة واليوم قررت أن تنشرها بصورة لها قد التقطتها بهيئة جميلة كعادتها 👇👇
ثم دونت على قصتها:
ــ في الوجه هدوء غريب لا أمتثله هل هي الشيخوخة وبعد المسافة، أم حكمة في نهاية المطاف؟
ولكن أحيانا لا اعلم من أكون كل ما اعرفه انه هناك شيئ بداخلي أحبه وأشعر بروعته وهو الهدوء والصمت أجهل السبب لكنهما نجاتي من ضجيج البشرر وازدحام التفاهات.
ثم قامت بنشرها عبر قصتها على الفيسبوك وقامت بإعلانها للعامة كي ترى بعض الآراء فيما دونته وداخلها يشعر به ، أو كي ترى ما إذا كان أحداً يشعر بوجودها أو بأهميتها في الحياة فتلك الصراعات التي يتخبط داخلها بها وبعد قليل حصلت على كثير من التفاعلات ولكن كان أحدهم يغـ.ـلي داخله فقام بمهاتفتها وهو يشعر ببعض الغضب ،
رأت نقش اسمه على الهاتف وتلقائيا نظرت إلى الساعة ووجدت انها لم تتأخر وموعد عملها لم يأتي بعد ولكنها أجابته بصوتها الهادئ الرقيق :
ــ السلام عليكم .
أجابها باقتضاب :
ــ وعليكم السلام ، كيفك ؟
أحست بأن نبرته في الرد عليها فيها بعض الجمود فسألته بتخوف :
ــ زينة الحمد لله ، هو في حاجة يامتر ؟
لم يحبذ المماطلة معها فيما يريد قوله وسلك طريق الصراحة معها لاغيرها هاتفاً بانزعاج :
ــ بصراحة ، أه فيه ،
واسترسل بسرد مايزعجه مما أدهشها :
ــ انتِ ليه بتنزلي صورك علي قصصك دي حاجة مش حلوة وبتضايقني .
ــ بتضايقك ! طب ليه إن شاء الله يامتر ممكن أفهم أكتر ؟ جملة استنكارية نطقتها بتعجب فأجابها هو الآخر بما يشعر به دون تحوير :
ــ علشان خايف عليكِ مش حابب حد يشوف صورك أو متنزليهاش تاني من الاساس .
سألته بعدم فهم لتدخله في أمر خاص بها :
ــ بمناسبة ايه حضرتك خايف عليا أعتقد دي حرية شخصية وشغلي معاك ملهوش علاقة باللي أنزله أو حياتي الخاصة عموماً !
خلل أصابعه بين خصلات شعره الاسود ثم هتف بنبرة حزينة ولكن يغلفها الهدوء حتى لاتشعر بأنه يضغط عليها :
ــ يعني انتِ زعلانة من خوفي عليكِ واني مش حابب حد يحتفظ بصورك عنده ؟
تفهمت حديثه وظل عقلها يتسائل لما يخاف عليها ؟
لم يهتم بأمرها هكذا ؟
لم اهتز فور أن نشرت قصتها وهاتفها على الفور فنطقت بحيرة:
ــ طب الخوف دي نابع من أنهي احساس بالظبط عنديك يامتر ؟
ــ متقوليليش يامتر إلا لما نكون في المكتب ومعانا زملاء قولي لي ياجاسر زي أني مابقول لك يامها ممكن … كلمات راجية طلبها منها مما أثار فضولها فرددت باستفسار:
ــ هو أنا ليه حاسة من أول مقابلة ليا في المكتب بحاجة غريبة ؟
تنهد بأنفاس طويلة فهو لا يريد التسرع في إظهار مشاعره فتلك المرة لابد أن يتأنى فعبر لها عن وجهة نظره :
ــ طب الحاجة الغريبة اللي انتِ حاسة بيها داي مزعجة بالنسبة لك أو مش لطيفة ومحبيتيهاش ؟
ابتسمت لتفهمه وأحبت طريقته في الحديث معها وصراحته وذوقه الراقي في معاملتها فهي لم تقابل رجل مثله يتعامل معها بتلك الرقة دون أن يتغشم معها ثم طمئنته :
ــ له خالص يامتر يعلم ربنا اني مشفتش منيك غير كل ذوق ولطف بتحسسني بحاجات عمري ماحسيتها قبل اكده .
دق قلبه بوتيرة سريعة عقب استماعه لمدحها في شخصه فأحب طريقة الحديث معها وبدايتهم الرائعة فطلب منها :
ــ طب إيه رأيك نوبقى أصحاب لما توبقى في حاجة مضيقاكي تحكي لي وأنا بردو لما توبقى حاجة مضايقاني أحكيها لك .
فركت أصابع يديها بخجل من طلبه فهي لم تصاحب أحدا قبل ذاك ولا رجل ولا امرأة فتحدثت بما تخافه :
ــ مش عارفة أرد بإيه بس أني مكانش عندي أصحاب قبل سابق أو كنت مقفلة على حالى قووي فمش هتستفاد من أرائي بحاجة لأني باختصار مليش تجارب تدل على انك تثق في كلامي .
راق له مشاعرها الصريحة الممتلئة بالرقة والرقي ثم حاول التعمق أكثر داخل عالمها :
ــ طب ماتدي لنفسك فرصة تتعرفي وتتعلمي وتخرجي نفسك من الدوامة المقفولة داي وبالمرة تكسبي ثواب في الغلابة .
قال كلمته الأخيرة بمشاغبة يعشقها معها مما أثار انتباهها وجعلها لم تفهم مقصده وسألته :
ــ يعني ايه بقي جملتك الأخيرة داي عاد يا متر ؟
بنفس طريقته المشاغبة قايضها :
ــ مش هفهمك حاجة إلا لما تبطلي كلمة يامتر داي .
ضحكت برقة جعلته ذاب غراما بها وطاب قلبه بالحديث معها فتابع هو :
ــ أهو بدينا في السـ.ـرقة والخـ.ـطف براحة علينا يا أم الزين اسرقي بالراحة ووحدة واحدة ؟
ضحكت مرة أخرى لغرابته في الحديث ولكنها تفهمه عن ظهر قلب مما جعلها تقول :
ــ لاااا دي انت هتتحدت وياي باللفلفة بتاعت المحامين بقي وتدخلني في دوامة مهفهمهاش .
رفع حاجبه الأيسر وهتف مبتسماً بمكر :
ــ مين قال ده أنا غلبان والعبد لله مفيش أطيب منيه عاد بس انتِ ركزي معاي وانتِ هتعرفي لحالك .
تنفست براحة اغتالت أوصالها من الحديث مع ذاك الجاسر المريح للغاية ثم وجدت أنها اقتربت على موعد المكتب فاستئذنت منه بلطف مصاحب بمشاغبة مماثلة له :
ــ طب مضطرة أقفل عاد علشان متأخِرش على شغلي والمدير بتاعي يرفدني بسبب التأخير أو يغرمني حتى .
ــ على كيفك ياباشا ده المدير بمكتبه بحاله ومحتاله مديكي تصريح تعملي اللي يريحك … نطقها جاسر بمحبة نابعة من قلبه المولع ببداية عشقها مما جعل داخلها يدق بعنف فهي لم تجرب تلك المشاعر قبل ذاك ، لم يلاطفها أحدهم يوما ما لذاتها ، لم تشعر بأنها أنثى مرغوبة ولها قلب يتتوق لمشاعر المحبين وحديثهم وكلامهم ، تجربة جديدة للغاية تمر عليها بعد سنوات العمر الطويل ذاك مما جعلها تبتسم ويطالبها داخلها بهل من مزيد منك ايها الجاسر ؟
ثم شكرته على ذوقه وقبل أن تغلق طلب منها برقى مغلف بالدعابة دون تعنت أو تشبس حتى لاتخف منه :
ــ طب شيلي الصورة بقى أخاف عليك من الحسد ياباشا ولو اتحسدتي هتقعدي في البيت وبعدين شغل المكتب يتعطل علشان القممر اللي بينوره هيغيب عنيه .
ضحكت تلك المرة بشدة مما جعله غازلها :
ـ له يا أم الزين مش من أولها اكده بالشكل دي أني اللي هتعب وهقعد في البيت ومهلاقيش حد يسأل عني اصل أني يتيم أب وأم وكمان وحيد .
وجدت أن الحديث مع ذاك الماكر لن ينتهي فقررت إنهاء المناقشة:
ـ لاااا أني اكده هقفل لأنك سحاب قووي ، مع السلامة يامتر .
أودعها سلامته هو الآخر وأغلقت الهاتف فاستند هو على تخته بانتشاء وهو يشعر أن سعادة العالم أجمع تملأ قلبه ودعا ربه ربي أن قلبي مغلوب فارزقه الانتصار ،
أما هي فكرت في أمر الصورة وترددت كثيراً ولكنها وجدت حالها تحذفها وتستبدلها بصورة من الطبيعة فلأول مرة تشعر أن أحدهم يغار عليها وراق لها كثيراً ذاك الإحساس بل وتمنت المزيد والمزيد ثم ألقت الهاتف على الكومود وبدات بتجهيز حالها للذهاب للمكتب وهي تشعر بحيوية أنثى صغيرة في سنها العشرين .
أما هو ظل مراقباً تلك القصة إلى أن وجدها بدلت تلك الصورة فشعر براحة توغلت أعماقه تجاهها أكثر وأكثر .
*****”****””””*****”
في المشفى وبالتحديد في الساعة الرابعة عصراً كانت فريدة متعصبة بشدة في مكتبها وهي تدور حول نفسها فقد أرسل لها فارس رسالة منذ ساعة جعلتها جن جنونها فكان محتوي تلك الرسالة:
ــ ايه يافوفا وحشتيني يارووحي ووحشني قووي النقار بيني وبينك وانا بقى مزاجي متعكر وعايزك تجي لي مكتبي دلوقتي ندردش مع بعض شوية يا مزتي واوعي متفكريش تيجي علشان هزعل وانتِ مجربتيش زعل الفارس قبل كدة .
ظلت تقرأ رسالته مراراً وتكراراً لكي تفهم معناها ومن طريقة كلامه في الرسالة فهمت انه داخل تلك الحالة التى تنتابه ولكنها الآن في المشفى ومع انه يعلم ذلك وأنهم في مكان عمله إلا أنه من الجائز دلوفه إلى ذلك العالم المنطوي المرعب عندما يبدأ عقله الباطن بتذكر شئ ما سئ حدث له فلم يستطيع وضع كنترول على عقله واختار الدلوف إلى ذلك العالم في ذاك التوقيت والمكان ،
ولكن هم في المشفى والمرة الماضية التي صفعها فيها وفعل ما فعله بها لم تتحملها ومن ستر الله عليها انها كانت أمام زميل لهم واحد فقط فماذا إن تطورت حالته وتطاول باليد أو بأي أسلوب عليها وحينها لم تستطيع الدفاع عن نفسها ، ظلت تفكر كثيراً وكثيراً وعقلها يجوب العقل والمنطق والأسباب إلى أن وصلت إلى حل ستفعله حينما يشتد حصاره عليها ، ولكنها قررت أن تتأخر كثيراً حتى يمر وقتا كافيا من حالته التى دخل بها وبالفعل نفضت عن بالها ومضى تقريبا نصف ساعة ثم سمعت هاتفها يعلن عن وصول رسالة منه وكان محتواها :
ــ تحبي أجيلك أنا يا فوفا لحد عندك ولا حاجة ؟
انتفضت فور استلام رسالته ثم وضعت في كنزتها تلك الزجاجة وخرجت من المكتب بأقدام ثقيلة وهي تتلفت يميناً ويساراً كما السارق وقلبها يدعو خالقه أن ينجيها من براثن ذاك المريض عاجلاً ،
وصلت إلى مكتبه المتنحى في حجرة جانبية ويبدو أنه انتقاه بذاته لغرض ما في نفسه ثم وقفت قليلاً في الشرفة التى أمامه تعبئ داخل صدرها بعضا من الهواء فهي الآن ستدخل مكتب كاتم أنفاسها ،
ظلت حوالي عشر دقائق حتى استمعت إلى صوت أنثوي مضحك فالتفتت على الفور وجدت إحدى الممرضات تخرج من غرفته فانصدمت من هيئتها المبعثرة وهي تعدل بنطالها ومن ثمَّ حجابها التي ترتديه بإهمال ناهيك عن ضحكتها التى كتمتها فور رؤيتها للدكتورة فريدة التى سألتها بعيناي متسعة :
ــ انتِ كنتِ بتعملي اهنه ايه يا هانم وايه منظرك دي ؟
تلعثمت الأخرى في الرد وابتلعت حلقها بصعوبة بالغة ثم نطقت أخيراً:
ــ أممم.. هه ، له ، قصدي يعني كنت بجيب تقارير للدكتور فارس ،
واسترسلت تبريرها وهي تستأذن سريعا من أمامها :
ــ عن اذنك ياداكتورة عندي شغل كَتيير .
هرولت من أمامها سريعاً ووقفت هي الأخرى بذهول لما نسجه عقلها الآن واستجمعه وبات صدرها يعلوا ويهبط من شدة اشمئزازها من هذا القذر وكاد الغثيان أن يصيبها وللأسف لم تستطيع تكملة افكارها حتى استمعت إلى صوت الباب ينفتح وما كان إلا هو حينما استمع الى كلماتها مع الممرضة ،
نظرت إلى هيئته بقميصه المفتوح من الأعلى
وهو يشير إليها بأصبعه أن تدلف بطريقة تعامل كالجارية فعقلها لم يستطيع فهمها غير ذلك ، ولكنها استدعت قوتها ثم شملته بنظرة مذرية فهمها عن ظهر قلب وقبل أن يتحدث أمرته :
ــ اقفل أزرار القميص لو سمحت لو عايزنا نتكلم مع بعض .
ضحك بطريقة مستفزة لها ثم غمز لها بطريقة أخجلتها :
ـ بتتكسفي يامزة ، أمـ.ـوت أنا بقي في الجو ده ،
ثم أغلق أزرار قميصه وأكمل بطريقته تلك التي لم تراها في عمرها بأكمل إلا في الافلام والروايات وظنت أنه عبث منهم في تجسيد المشهد ولكنها رأته الآن :
ــ تعالى يافوفا تعالي ده انتِ مسلية قوووي والظاهر كدة هننبسط مع بعض يابيبي.
خطت باقدام مرتعشة لمصيرها المجهول مع ذاك المصابي وحاولت جاهدة رسم القوة وعدم الظهور بمظهر الضعف أمامه فهي قرأت ذلك في كيفية التعامل معه وفور دلوفها سمعت صوت إغلاق الباب مما جعل كل خلية بداخلها تدق خوفا من فعلة ذاك الفارس ،
كانت تعطيه ظهرها فاقترب منها بضع مسافات ثم همس بجانب أذنها دون أن يلامسها ولكن أنفاسه لفحت عنقها وشعرت بسخونتها من تحت حجابها فبات قلبها يدق سريعا بنبضات متتالية لشئ من الخوف الجديد الكلي على مراحل عمرها بأكمل فأغمضت عينيها وكتمت أنفاسها كي تستمد قوتها من فعلتها تلك حتى استمعت إليه ناطقاً بجانب أذنها :
ــ وحشني لون شعرك الأحمر الناري يابيبي.

يتبع….

google-playkhamsatmostaqltradent