رواية هواها محرم الفصل العشرون 20 - بقلم آية العربي
بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين
الفصل العشرون من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
أقف أمامها كطفلٍ مخطئ برغم أنني من يعاقِب
أُقبلها في كل لحظة آراها برغم أنني أكره القُبل
أحب احتضانها دومًا بينما هم يصفونني بالعابث اللاهي
أنا معها شخصٌ مختلف تمامًا
معها أخشى مالا أخشاه وأغرق رغم عشرتي للمياه
هي تسعى لتستبدل صفاتي وتعيد تشكيلها ولا تعلم أن صفاتي معها صنعت خصيصًا لها
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
استيقظت باكرةً حينما شعرت بركلة طفيفة في رحمها ، على ما يبدو أن صغيرتها قلقة .
فتحت عيناها على هذا الحبيب والطبيب والدواء لذا فهي تبتسم وعيناها تنظر لملامحه النائمة بهدوء .
منذ أن أخبرها بتوليه لأمر أميرة وهي تراه شاردًا كأنه يخفي عنها شيئًا ما ، في الآونة الأخيرة زاد انشغاله وتضاعفت ساعات عمله لذا فهى منذ يومان تسقط في النوم لا إراديًا أثناء انتظارها له فلا تراه إلا في الصباح وهو يجاورها هكذا .
ليته يشاركها أموره ولكنها حينما تسأله يخبرها فقط أن تثق به ، هي بالفعل تثق به ولكنها تريد أن تحمل معه جزءًا من هذا الضيق الذي تلاحظه عليه وبالطبع هذا شيئًا لا يريده ، لن يشاركها صراعاته خاصةً وهي في هذا الوضع .
تنهدت تنهيدة عشقٍ حينما اشتمت رائحته وتناولت كفه بين يديها ثم رفعته إلى فمها تلثم باطنه بنعومة متناهية ثم حركته تضعه على رحمها ليستشعر معها تلك الحركات البسيطة لصغيرتهما .
شعر بقبلتها ففتح عينيه يتماطأ قليلًا فتحركت يده عن بطنها ولكنه أعادها على الفور ونظر إلى عينيها يبتسم ثم تحدث بتحشرج :
– صباح الخير .
– صباح الهنا .
نزل بنظره إلى موقع كفيهما يتحسس بطنها كليًا ثم عاد يطالعها متسائلًا باهتمام :
– في حاجة بتوجعك ؟
هزت رأسها وهي تتعمق به وتجيبه بنعومة :
– لاء بس حسيت بحركة قلت أشاركك معايا .
انفرجت ملامحه ونهض يعتدل ثم دنى يقبل بطنها ويضع أذنه عليها يحاول الاستماع فحاوطت رأسه بيدها تدلكه بحنانٍ وتشعر بانتعاشة السعادة تتوغلها وحينما أعطت له صغيرته إشارة جحظت عيناه ورفع رأسه يقول كطفلٍ صغيرٍ :
– سمعتها .
ضحكت وأومأت له ثم أشارت له بيدها تحثه على العودة لأحضانها فتعجب ولكنه لبى النداء على الفور وعاد يتمدد مجاورًا لها فعادت تتلمس صدغه بكفها ثم تساءلت وعيناها تسافر عبر ملامحه :
– مالك يا صقر ؟
مط شفتيه مع اهتزازة بسيطة بمنكبيه يجيب :
– مالي ؟
تنهدت بعمق ثم تحدثت باهتمام :
– فيك حاجة ، ومش عايز تقولهالي ، وبقيت تغيب في الشغل ، قولي مالك !.
ثوانٍ من الصمت مرت وهو يتساءل كيف سيخبرها بكم هذه الأمور التي يحملها على عاتقه وخاصةً أمر عمر الذي تأكد منه ، كيف سيخبرها بأنها كانت محقة بشأن أميرة وأن ذاك المختل عاطف ما هو إلا مريض نفسي يتحرك بحرية لذا عليه أن يكون حذرًا تمامًا معه ، كيف سيخبرها بعمها الذي يراقبه ويضع عينه الجشعة على شركته ناهيك عن مشاكل الصفقة الأخيرة ، كيف سيخبرها بكل هذا بالرغم من حاجته لمشاركتها ولكنها أرقى من حمل همومه .
هز رأسه وتحدث بملامح باهتة حينما تذكر :
– ولا أي حاجة ، الصفقة الأخيرة بس فيها شوية مشاكل بس هتتحل ماتقلقيش .
بالطبع تعلم أنه يخفي أمورًا عنها لذا لم تقتنع بكلامه فتنهدت وقربت رأسها منه ثم بادرته بقبلة كان بحاجتها تمتص بها القليل من حزنه وصراعاته ، قبلة طالت فكانت كإبرة تسحب بها همومه لتجعله متعطشًا لتناول شيئًا بديلًا يملأ فراغاته لذا حاوط رأسها بكفيه ليعلمها كيف تكون القبل فيبدو أنها قد نسيت .
كان حقًا بحاجة هذا الجموح واشتعلت مواقد مشاعره التي أخمدتها أفكاره لذا نهض يعلوها وقبلاته تعمقت أكثر ليبتعد عن شفتيها ويبدأ في مراضاة ملامحها كاملةً يضع قبلاته وعلاماته نزولًا عند رقبتها فيقضمهم بحرفية ماهرة ثم ابتعد قليلًا يطالعها فوجدها مغمضة العينين متوردة الخدين ولكن بعده عنها هذه الإنشات جعلها تسبل تطالعه فلمح في عينيها نداءًا عاجلًا لباه على الفور وهو يعود لها ليخلع ثوب همومه معها وتسقط أرضًا حبات الصراعات من رأسه مستشعرًا أنها الوحيدة التي تنزع من قلبه قشور الحزن دون عناء ، فقط القليل من الاستسلام ورشة كبيرة من الحب .
❈-❈-❈
تجمد مكانه كما لو كان تمثالاً شيد من رمالٍ آيلاً للسقوط ما إن لمسه أحدهم .
ينظر لها نظرة تجسد فيها الخوف من هوية هذا المنادي .
استشعرت خوفه من نظراته لذا ابتلعت لعابها ومالت قليلًا تنظر لهذا الشخص فأسرع يلتفت ليحجب رؤيتها عنه ويقابله هو .
عرفه على الفور ، عرف هويته وهذا ما جعله يلعن ويسب سرًا ولكنه تظاهر بأبعد درجات ثباته وهو يجيب بلغة عربية اعتمدها :
– عفوًا ؟
تعجب الشخص الإيطالي والذي كان على معرفة مسبقة به وتحدث بنبرة مشككة :
– ألم تعرفني ؟ ، أنا ريستو وري ، ملهى the maze ؟
هز خالد رأسه بلا قائلًا بثبات كاذب يخفي خلف ظهره خديجة التي وقفت ثابتة بترقب :
– مش فاهمك ؟
تأكدت خديجة من ظنونها لذا تحركت من خلفه لتجاوره وشبكت يديها في يده قائلة وهي تناظره بهدوء يخفي في طياته خوفًا تحاول محوه منهما سوياً :
– فيه إيه يا خالد .
نظر لها هذا الرجل نظرة شمولية بشكٍ ثم عاد يتعمق في ملامح ماركو الذي بسبب نظرته لزوجته تحول الخوف في عينيه لوحشية جامحة لذا تحمحم ورفع كفيه يردف معتذرًا بعدما أدرك فعلته :
– حسناً أعتذر منكما ، ظننتك شخصًا آخر .
تحرك الرجل يلتفت ويغادر وهو متأكدٌ من هوية ماركو الذي التفت ينظر إلى خديجة التي تحوم الأسئلة في عينيها فأسرع يسحبها ويخطو نحو فيلتهما مردفًا بأنفاسٍ لاهثة ورعبٍ حقيقي :
– لقد رآكِ ، يجب أن أخفيكي في الحال .
في وقتٍ قياسي وصلا إلى الفيلا حيث كانت خطواته أشبه بالركض حتى أنها لم تستطع مواكبته فكانت تركض بتعجب وصدمة إلى أن وصلا .
دلف يغلق الباب وتركها ثم أسرع إلى الأعلى متجاهلًا نظراتها وأسألتها ثم اقتحم غرفته يبحث عن هاتفه فوجده على الطاولة .
اتجه ينتشله وقام بتشغيله وعلى الفور طلب رقم صقر الذي أجاب بعد وقتٍ فنطق خالد بدون مقدمات :
– لقد رآنا ريستو وري عند الشاطئ ، رأى خديجة ، ماركو يحثني على العودة وقتله ، أوقفني قبل أن أفعلها .
تبدلت ملامح صقر على الفور من الضيق إلى التحفز وتحدث وهو ينظر أمامه بثبات :
– اهدأ ولا تتصرف بتهور ، اجمع أغراضكما وغادرا المكان حالاً وأترك لي التصرف معه ، هيا الآن .
قبض على خصلاته بغضب حاد وهو يصرخ في الهاتف ويتحرك هنا وهناك :
– كيف ستتصرف معه ؟ ، لأقتله قبل أن يخبر أحدًا بعودتي .
زفر صقر يبحث عن حلٍ سريع ووجده في حديثه حين قال :
– بهاء سيحلها ، لا تعيدنا لنقطة الصفر مجددًا ، لا تخاطر بأحبابنا ، الآن غادر مكانك واذهب إلى أي مكانٍ بعيد ثم عد إلى مصر ، ولا تأتي عبر المطار العام ، سأرسل لك طائرة خاصة ، هيا خالد فكر في خديجة .
أغلق معه وأسرع يتناول حقيبة السفر ويفتح الخزانة منتشلًا منها جميع الأغراض بعبث حتى أن بعضها كان يسقط أرضًا .
صعدت إليه خديجة تطالعه بتشوش وتحدثت متسائلة بقلقٍ من حالته :
– خالد ممكن تفهمني حصل إيه ؟ ، الشخص ده يعرفك صح ؟ ، طيب فيه خطر علينا ؟ طمني ؟
لم ينظر لها بل لم يسمعها وظل فقط يجمع الأغراض حتى امتلأت الحقيبة فأغلقها ووقف يطالع خوفها الذي يسكن عيناها .
زفر وتقدم حتى وقف أمامها ثم حاوط وجهها بكفيه يردف بتأكيد وثقة :
– لن أسمح لهم بعودتي ، سأظل جانبكِ ، سنظل بخير .
رفعت كفيها تتمسك بيديه وقالت بقلبٍ منتفض والخوف ينهشه :
– ماذا تعني بعودتك ؟ ، أنت تخيفني ؟
أسرع يسحبها ويضمها بقوة بل بقسوة تلك المرة حتى أنها تألمت وهو يردف بنبرة جنون وتملك وخوف :
– لن يحدث خديجة ، لا تخافي وأنتِ معي ، إياكِ والخوف وأنتِ داخلي .
حاولت أن تهدأ وأومأت له حتى يخفف من قوة عناقه ففعل وأسرع يبتعد لـيخلع بدلة السباحة سريعًا ثم ارتدى بنطالًا وقميصًا في أقل من دقيقة وتحرك يقبض على كفها قائلًا وهو يسحبها إلى الخارج ويحمل الحقيبة في يده الأخرى :
– يجب أن نغادر في الحال .
تحركت معه تحاول إيقافه ولكنه كان كصاروخٍ انطلق وبالفعل خرجا من الفيلا واستقلا السيارة التي استأجرها وانطلق يغادر المكان ويبتعد بقدر الإمكان .
❈-❈-❈
أما صقر الذي يقف في شرفته بعدما أنهى مكالمته مع العقيد بهاء والذي وعده بالتصرف وحل الأمر .
جاءت من خلفه نارة بعدما أخذت حمامها وعانقته من ظهره تضع رأسها عليه فالتفت لها ورفع يده يتلمس ملامحها بتنهيدة فتساءلت بترقب :
– ينفع ماتروحش الشركة النهاردة .
كان حقًا يتمنى ، خاصة وهي التي أعطته قبل قليل مشاعرًا لا مثيل لها ولكن أتى اتصال ماركو ليبعثر الأمور مجددًا لذا تحدث معتذرًا بهدوء :
– مش هينفع يا نارة ، الأيام دي في أمور كتير لازم أحلها ، أوعدك بعدها هاخدك ونبعد شوية أنا وإنتِ بس .
أومأت تبتسم متفهمة ثم تحدثت بهدوء :
– تمام ، طيب ممكن توصلني في طريقك لعند ماما ؟
قالتها نسبةً لشعور الملل الذي يحيطها بدونه هنا ولكنه هز رأسه رافضًا يقول :
– للأسف لاء ، اليومين دول مش هينفع تطلعي من الفيلا ، وماتسألنيش ليه دلوقتي .
تعجبت وعيناها تحمل تساؤلات ولكنها نطقت لتريحه :
– تمام .
دنى يقبل جبينها واحتضنها بلطفٍ ثم ابتعد يقول :
– في أقرب وقت هنقعد وهنتكلم ، بس حاليًا لازم أنزل .
أومأت له فتحرك يتركها ويغادر ووقفت تطالعه وتساؤلاتها تزداد لمعرفة ما به ولمَ رفض ذهابها إلى والدتها ، هل هناك أمرًا يهدد أمنهما ؟
❈-❈-❈
كالعادة يجلس في غرفته وعلى حاسوبه يتابع عمله ونشر أفكاره لمتابعيه غير مبالٍ بكل من حوله .
فقط كل ما يريده هو جمع الأموال ليرحل من هذه البلد إلى بلاد الغرب المتفتحة وليحصل على حريته وراحته هناك .
طرقات على الباب جعلته يزفر بضيق ثم قال بتجهم :
– ادخل .
كان يظنها والدته كالعادة ولكنه تفاجأ من دخول عمه حسن الذي طالعه يقول بابتسامة هادئة :
– سلام عليكم يا طه ، عامل إيه ؟
ضيق عيناها متعجبًا ثم نهض يغلق حاسوبه وتحدث بهدوء برغم ضيقه وتوتره :
– أهلًا يا عمي ، اتفضل .
توجه حسن إلى مقعد مقابل لمكتبه وجلس عليه يطالعه بتمعن ثم تحدث متسائلًا :
– مش بترد عليا ليه يا طه ؟ ، كلمتك كتير أوي وفي الآخر تليفونك اتقفل .
زفر بقوة ثم عاد يجلس ويتحدث دون النظر إلى وجهه :
– ماكنتش سامع الموبايل .
أومأ حسن مراتٍ متتالية وهو يعلم أنه يكذب ولكنه تجاهل هذا وتساءل مترقبًا :
– تمام ، إنت عامل إيه ؟ وشغال فيه إيه دلوقتي ؟
استشعر استجوابًا وبات شبه متأكدًا من سبب وجود عمه هنا لذا تحدث مراوغًا وهو يعيد فتح حاسوبه ويدعي انشغاله به :
– بشتغل في الدعاية والإعلان عن طريق كذا موقع ، يعني شغلى كله هنا على اللابتوب مش محتاج أطلع برا .
أومأ حسن وتحدث وهو يشير بيده :
– حلو يابني بس على الأقل تطلع تتمشى وتشم شوية هوا ، تيجي تزورنا ونتكلم مع بعض ، إنت عارف في الحركة بركة ، ولا إيه ؟
فلتت منه ابتسامة سخرية ثم قال مستفهمًا دون مراوغة :
– عمي هو إنت جاي ليه ؟ ، مش معقول تكون جاي مثلًا تشوفني كدة فجأة .
تنهد حسن يشعر بلومٍ في نبرته لذا قال موضحًا بهدوء يغلفه حزن :
– معاك حق ، للأسف مش إحنا العيلة المترابطة واللي بتقدر صلة الرحم ، بس مهما كان إنت ابن أخويا وتهمني ومصلحتك تهمني .
مال طه برأسه يحثه على إكمال حديثه قائلًا :
– اللي هي ؟
زفر حسن وتحدث باستفاضة ووضوح :
– أمك قالت إنها شافت عندك كتاب عن الإلحاد ، وأنا جيت علشان أعرف منك الحقيقة .
تعجب طه من هدوء عمه في الحديث لقد كان يظن أنه سيجد ردًا أعنف حينما ينكشف أمره ولكنه زفر وتحدث مراوغًا :
– كتاب عن الإلحاد ؟ ، أيوة فين المشكلة ؟ ، هو معنى إن عندي نوع الكتب دي يبقى أنا ملحد مثلًا ؟
تعمق حسن في عينيه يحاول استكشاف أمره ثم قال بهدوء حتى يحصل على أي معلومات منه :
– لا أكيد مش معناه كدة ، بس لازم والدتك تخاف عليك ، ولو شافت حاجة زي دي عندك أكيد مش هتسكت ، إنت واختك أكتر اتنين تهموها في الدنيا .
– وأبويا ؟
نطقها ساخرًا بنوعٍ من القهر والغضب فزفر حسن وتحدث بتروٍ وهدوء :
– ماله أبوك يا طه ؟ ، مهما كان سمير قاسي عمره ما هيتمنى ابنه يمشي في سكة الإلحاد والعياذ بالله ، علشان كدة أنا جاي اتكلم معاك بصراحة وتفهمني إيه صحة الموضوع ده يابني .
ظل ساكنًا لثوانٍ يطالع عمه ويفكر قليلًا ثم ابتسم وتحدث بهدوء وهو يشعر بأنه صاحب العقل المستنير هنا ولن يفهمه أي أحد :
– ماتقلقش يا عمي ، الكلام ده مش حقيقي ، أنا بس بحب أقرأ عن مواضيع كتير وأجمع معلومات ، إنت عارف إن كل ما الواحد يقرأ أكتر هيستفيد أكتر .
– المهم يقرأ الحاجة الصح اللي تفيده ومايدخلش على عقله معلومات مضللة .
هكذا قالها حسن موضحًا فأومأ طه مؤيدًا بخبث :
– طبعًا ، لازم الواحد يدور على كتب تفيده مش خرافات تأثر عليه طول حياته .
طالعه حسن بنظرة متشككة لثوانٍ ثم أومأ يزفر وقال بتأنٍ :
– أهم حاجة واللي أهم من القراءة إنك تتدبر اللي هتقرأه ، أنا أيام الجامعة قابلت دكتور هو اللي أخد بإيدي بعد ما كنت قربت أخلع من توب عيلتي بسبب قسوتهم وظلمهم وخصوصًا جدك الله يرحمه ، لولا رحمة ربنا والدكتور ده أنا كنت ضعت ومشيت في سكة اللي يروح ما يرجعش وده كله لإن اليأس لما بيتملك من الإنسان بيفتح جواه طرق يدخل منها الشيطان ، ولو دخل جوة قلوبنا وعقولنا واتملك منها يبقى عليه العوض ، هيضللك ويوديك في طرق الكبر والتعالي وتشوف نفسك إنك صح وإن كل اللي حواليك غلط .
تحول هدوءه إلى تجهم وأقتمت نظرته من حديث حسن الذي صفع أفكاره وتوترت جلسته بينما تابع حسن بنبرة صارمة وهو ينظر في عينيه :
– مافيش حاجة حوالينا صدفة ومافيش حاجة بتحصل في الدنيا غير بسبب وحكمة ، أوعى تصدق إنك حر نفسك ، أوعى تخلي شيطانك يتملك منك ويجملك أفكارك ، لازم تبقى عارف كويس إنت مين وجاي الدنيا ليه ورايح فين .
– إنت بتقول لي الكلام ده ليه دلوقتي ؟
نطقها بحدة دلت على غضبه فتحدث حسن بهدوء وهو يوضح حسن نيته :
– أنا بحكيلك عن كلام الدكتور ليا ، وفي النهاية إنت كبير وواعي وتقدر تميز بين الصح والغلط .
بات يريد خروجه بأي شكل ، وكأن شيطانه قد حضر ليهاجمه بعدما استمع لكلماته التي يخشاها ويخشى تأثيرها على مطيعه لذا نهض من مكانه يردف بضيق واضح واستفاضة :
– أنا عارف كويس إيه الصح وإيه الغلط ومش محتاج لدكتور ولا محتاج مساعدة من حد ، وياريت يا عمي زي ما إنت من سنين بتهتم بعيلتك وأولادك بس تخليك مكمل في سكتك وتسيبك من دور الأب معايا لإنك مش أبويا ، أنا أبويا واحد اختار كل حاجة في الدنيا يتمتع بيها إلا ابنه ، أنا الوحيد اللي رفض يختارني ، أنا الوحيد اللي شايف إني ماليش لازمة في الحياة ومن الآخر كدة كلامك مش هيفيدني ولا هينفع معايا ، إحنا سككنا مختلفة .
نهض حسن من مقعده ينظر لابن أخيه الضائع بحزنٍ بالغٍ وقلبه يؤلمه على حاله وما آل إليه أمره لذا تنهد وقال قبل أن يغادر :
– محدش بيختار أهله يابني ، بس كل إنسان حر في اختيار مصيره وكل واحد بيشوف الحياة من منظور مختلف ، فيه اللي جواه أمل وثقة في رحمة ربنا ، وفي اللي بييأس منها ، ياريت يابني يكون لسة جواك أمل .
تحرك بعدها يغادر بحزن تجلى على ملامحه وتركه يقف يطالعه وجنود عقله تحتضر فـ كلما حاولت النهوض تأثرًا بتلك الكلمات أتت مدرعات اليأس تسحقها وترفع أعلام الخيبة والدمار داخله .
❈-❈-❈
وصلا إلى مطار خاص كما أخبره صقر وجلسا أمام مدخله في السيارة ينتظران الطائرة التي في طريقها إليهما .
كانت مشتتة والتزمت الصمت بعدما سألته ولكنه لم يجبها بل كان شاردًا يفكر بانزعاج تام .
فقط حديثًا مختصرًا بينه وبين صقر يعرف منه التفاصيل والتي ما زادته إلا قلقًا .
رن هاتفه مجددًا فأجاب على الفور قائلاً بتهجم :
– أسمعك .
تحدث صقر بهدوء :
– الطائرة شارفت على الوصول ، ستعودان إلى مصر ولكن ليس إلى الفيلا ، اذهبا إلى ذلك البيت الذي كنتما تمكثان فيه في جزيرة جوبال إلى أن أتأكد من تأمينكما ، احذر أن تترك أثرًا .
أغلق معه وترجل يردف وهو يتجه للخلف ليجلب الحقيبة :
– هيا خديجة الطائرة على وصول .
أومأت بملامح باهتة وحزينة وترجلت معه فتمسك بكفها يسيران نحو الداخل حيث كان في استقبالهما رجلًا على علمٍ مسبق بمَ سيفعله .
دقائق ووصلت الطائرة وصعدا على متنها وما إن جلسا حتى وجدته يرفع رأسه عاليًا ويغلق عينيه بينما أسنانه تصطك غيظًا لذا تساءلت مجددًا بتوتر :
– ممكن بقى تفهمني إيه اللي بيحصل ؟
كأنها ليست موجودة وكأنه لا يسمعها حيث ظل على حاله حتى بعدما أقلعت الطائرة لذا كادت أن تثور ولكنها تمالكت نفسها بصعوبة إلى أن يصلا ربما الآن هو في قمم غضبه وهذا بالفعل ما يحدث داخله .
يفكر ماذا إن علمت المافيا بوجوده حيًا هو وصديقه ، ماذا إن قرروا الانتقام منه فيها ؟ .
جن جنونه أكتر ورفع كفه يلكم عقله بعنف انتفضت على أثره وهي تطالعه بذهول وخوفٍ تجسد أمامها واحتضنها فباتت ترتعش كليًا وتبتلع لعابها مما يحدث معه ولهذا هو صامتٌ فإن تحدث الآن ربمَا سيبصق كلماتٍ تحزنها .
❈-❈-❈
كانت تجلس في شرفة غرفتها تتأمل المكان من حولها .
الحرس والأشجار والسياج والبوابة الحديدية الضخمة والتي على ما يبدو أنها صممت خصيصًا لتمنعها من الهروب .
تضع وشاحًا حول جسدها وتحتضته بيديها وتفكر فيما كادت أن تفعله بالأمس ، كانت على شفا حفرة من الانتحار .
ربما كانت ستستريح منه ومن رؤيته وهذا ما قادها لذلك الذنب ولكنها نادمة .
تفاجأت من دخول سيارة والدتها التي أتت بعدما أخبرها عاطف بقرب سفرها خارج البلاد لذا أتت لتراها قبل أن تغادر .
برغم كل ما تشعر به تجاه عائلتها إلا أن رؤيتها لوالدتها وهي تدلف من البوابة أشعرتها ببعضٍ من الراحة ظنًا منها أنها أخيرًا أتت لتراها ومن المؤكد علمت بأمر إجهاضها .
نهضت بملامحها الباهتة وتحركت نحو الداخل ومنه إلى الأسفل لتراها .
بعد دقيقة وقفت تستقبلها بصمتٍ وترقب لتبادر انتصار قائلة بنبرة باردة :
– أدخل ولا هفضل واقفة كدة ؟
أحبطت نفسيًا من بداية اللقاء وأفسحت لها المجال لتمر انتصار من جوارها للداخل وتتجه على الفور تجلس واضعةً ساقًا فوق الأخرى بتعالٍ .
التفتت أميرة تطالعها لثوانٍ قبل أن تتجه إليها بخطواتٍ متمهلة ثم جلست أمامها وطالعتها بصمت فاسترسلت الأخرى :
– عاطف قال لي إنكوا هتسافروا ، وإنه هيشتريلك بيت في كندا تعيشي فيه وهو هيبقى بين هنا وهناك ، قلت أجي أشوفك قبل ما تسافري مادام إنتِ قاسية في حق أمك ولا بتسألي ولا بتعبري .
يعني هو بالفعل سيبعدها عن هنا كما قال ، سيرحلها من سجنٍ إلى سجنٍ آخر في بلدٍ آخر ليدوم عذابها .
تساءلت بنبرة يسقط منها حطام روحها قائلة :
– ولو قلتلك إني مش عايزة أسافر ؟ ، وعايزة أطلق منه ؟ ، ممكن تعملي حاجة علشاني ؟
كانت تعلم يقينًا الإجابة التي ستتلقاها ولكنها طرحت سؤالها ليتضاعف داخلها الحق في التخلى عن الماضي تمامًا ولتمضي دون الالتفات للوراء .
جاءها الرد على هيئة نظراتٍ عنيفة ونبرة قاسية تردف بغرور :
– أعمل إيه علشانك ؟ هو إنتِ مدياني فرصة أعمل حاجة ؟ دا إنتِ صداه ورافضة حبه ليكِ من كل ناحية ، عايشة على أوهام الماضي اللي عمرها ما هتتحقق ، دا أنا ساعات بتكسف منه على صبره عليكِ .
ابتسمت بسخرية مؤلمة وهي تومئ لها وتخفي وجهها أرضًا ثم عادت تطالعها قائلة بهدوء مميت :
– ممكن أسألك سؤال ؟
فردت ظهرها على مقعدها تطالعها بثقب وتنتظر سؤالها فتابعت أميرة بشكٍ يراودها دومًا :
– هو أنا فعلًا بنتكوا ؟ ، يعني حقيقي إنتِ أمي اللي ولدتيني وتعبتي فيا زي كل الأمهات ؟ ، ولا أنا بنت ناس تانية أذيتكوا وحبيتوا تنتقموا فيهم مني ؟
زفرت انتصار بملل وعادت تنحني قليلًا نحوها وتردف بجمود وصقيع غلف قلبها :
– لا بنتي ، وتعبت فيكِ وفي تربيتك علشان تكبري تكرهيني وتروحي تحبي شهيرة وأولادها أكتر مننا ، بنتي اللي عارفة كويس شهيرة دي بالنسبالي إيه وبردو اعتبرتها هي اللي أمها وحبت ابنها .
تعالت نظرتها وهي تتابع بتشفٍ مميت :
– بس أول واحدة باعتك هي شهيرة ، وأول واحدة رفضت ارتباط ابنها بيكِ هي شهيرة ، والوحيد اللي حبك بجد وفتح لك قلبه وحارب علشانك هو الراجل اللي إنتِ دلوقتي شيفاه وحش وعايزة تطلقي منه ، وقال إيه مش بنتنا .
لا إراديًا ظهرت غيمة في عينيها وهي تطالع هذه القاسية ثم ابتلعت الغصة المتحجرة بصعوبة وتحدثت وأحشاءها تتلوى حزنًا :
– صح ، أنا المذنبة الوحيدة في الحكاية دي ، كان المفروض أقبل بالضرب والقهر واسكت ، كان المفروض اتجوز واحد مريض نفسي اتجوزني علشان بس ينتقم مني إني حبيت حد غيره ، كل ذنبي إني كنت بهرب من قسوتكم لبيت عمي المكان الوحيد اللي شوفت فيه حنية ، وهتفضل طنط شهيرة هي الست اللي طبطبت عليا وقت زعلي مكان أمي .
تعمدت أن تؤلمها كما تفعل معها وبالفعل تجلى الغيظ والكيد على ملامحها وهي تنتفض وتقول بحدة لاذعة :
– طنط شهيرة ؟ ، تصدقي أنا اللي استاهل كل ده علشان قلت أجي أشوفك قبل ما تسافري ، عمرك ما هتتغيري وأنا زعلانة على عاطف لإن فعلًا حياته معاكِ صعبة .
وقفت تتحرك لتغادر بعدما أشعلتها سيرة زوجة حسن فأوقفتها أميرة تقول بترقب :
– تعرفي إني كنت حامل ، حملت وأجهضت من غير ما أعرف وده ليه .
لفت انتصار وجهها قليلًا بتعجب ولم تكن تعلم عن هذا الحمل فتابعت أميرة بسخرية مؤلمة :
– لإن عاطف اللي حياته صعبة معايا واللي إنتِ زعلانة عليه دخل عليا بواحدة *** بعد ما اتجوزها ولما طلبت الطلاق ضربني وحبسني ، بس ما تشغليش بالك هو كالعادة عرف يراوغ وماجبش على نفسه أي غلط .
وقفت انتصار مكانها تتعجب من عدم إخبار عاطف لها بهذه الأمور وكادت تتحدث متسائلة لولا جملة نطقتها أميرة بغضبٍ :
– ماتجيش هنا تاني .
انتهت وتحركت تصعد للأعلى وتركتها تقف متعجبة ولكن من المؤكد أن ابنتها اخطأت ليصل به الأمر إلى فعل ما قالته .
اندفعت بعدها تغادر من حيث أتت وهي نادمة على مجيئها خاصةً وقلبها مشتعل بالكيد والغيرة منذ أن جاءت سيرة شهيرة زوجة حسن الذي كانت تتمناه يومًا .
❈-❈-❈
بعد ساعة في الطائرة
باتت ملامح خالد باردة لا تستطيع خديجة تفسيرها كصفحة بيضاء خالية من الكلمات .
تجلس أمامه منذ ساعة تنتظر أي كلمة منه ولكن طال انتظارها وصعب عليها التحمل لذا تساءلت بترقب وتوتر سيطر على بنبرتها :
– خالد ، هو الشخص ده تبع المافيا ؟
كان شاردًا يستند بذقنه على يده وينظر من النافذة يفكر دومًا في احتمالية علم المافيا بوجودهما ، كلما حاول طمأنة نفسه أن الأمر سيُحل عاد بذاكرته إلى نظرة ذلك المخنث نحو خديجة وتلك الصدفة التي يريد أن يسحقها وإلا فالحرب قد اندلعت .
لا يهمه ، برغم أنه كان يخطط لحياة مختلفة يعيشها معها ولكن لا يهمه إن اندلعت الحرب والتهمته ، كل ما يهمه أن يؤمنها ولا يسمح لأحدٍ أن يمسها بسوءٍ .
كور فمه يزفر ثم بعد صمتٍ طال تحدث وهو على حاله دون أن يطالعها :
– لا ، ولكن لا أثق بيه .
التفت فجأة يطالعها فوجد الخوف مرتسمًا في عينيها فتابع بنبرة مخيفة وجديدة على مسامعها :
– لن يحدث شيء ، لا تقلقي ، فقط أنا لن أهدأ إلا بموته .
توغلها الفزع ونظرت له كأنها ترى شخصًا آخرًا أمامها وللحظة شعرت أنها وحيدة ومشتتة بين براثن وحش وكأنها كانت قد تناست ماضيه بينما هو عاد يلف وجهه بشرود وتركها تتأمل الوجه الآخر له بأنفاسٍ باتت شبه معدومة .
❈-❈-❈
منذ أن عاد من منزل شقيقه وهو يفكر في كلمات طه ، يبدو أنه محق فهو ابتعد ونجى بنفسه وأسرته الصغيرة عن مشاكل تلك العائلة التي لا تنتهي ولكن كان عليه الحفاظ على أسرته منهم ، تلك العائلة أصيبت بلعنة الفتنة والطمع ومع ذلك هو يشعر بالحزن لما وصل إليه ابن أخيه ويعلم يقينًا أن الحديث مع شقيقه لن يجدي نفعًا .
تذكر أمر تلك الجميلة ابنة شقيقه المتوفي ، هي أكثر من ظلمتها عائلته ، لقد بحث عنها ليعطيها حقها ولكنه منذ أن رآها أول مرة وهو لم يهاتفها سوى مرةً واحدةً فقط ، عليه أن يعوضها عما افتقدته ، عليه أن يكن عمًا جيدًا لها فهي تستحق ذلك .
رفع هاتفه يطلب رقمها فوجدها في مكالمة أخرى حيث كانت تتحدث مع آسيا وما إن لمحت اتصاله حتى استأذنت وفتحت على الفور تجيب بنبرة هادئة مبطنة بالفرحة :
– عمو حسن ! ، أزي حضرتك .
انشرح قلب حسن من سماع صوتها وتحدث بحنانٍ :
– بخير يا غالية ، مادام سمعت صوتك لازم أكون بخير ، طمنيني عنك عاملة إيه وجوزك عامل إيه ؟
تنهدت ثم أجابته بنبرة لطيفة :
– الحمد لله بخير ، حضرتك عامل إيه وطنط وحنان ويوسف ؟
– بخير يا حبيبتي ، مش ناوية تيجي نشوفك وتتغدوا معانا زي ما وعدتونا !
تحمحمت تجيبه بتأنٍ :
– شكرًا بجد يا عمو مالوش لزوم الغدا بس أكيد في أقرب وقت هنتقابل .
تحدث حسن بترقبٍ بعدما رغب في رؤيتها :
– تمام يا حبيبتي ، ولو مش هتقدري تيجي ممكن تشوفي وقت مناسب ونجيلك إحنا .
شعرت بتوتر ولم تعلم ماذا تجيب مراعاة لزوجها فأحس حسن بذلك لذا ردد موضحًا :
– أنا بس نفسي أعوضك ولو عن جزء بسيط من الذنب الكبير اللي عملناه في حقك زمان ، إنتِ معزتك دخلت قلبي وبقيتي زي حنان بالضبط وبعدين إنتِ لسة ليكِ حق عندنا .
حن قلبها له وابتسمت تتحدث بتروٍ :
– أنا نسيت الماضي يا عمو ، ولما جيت أتعرف عليكوا كان لإني حابة ده مش علشان ورث أو ماديات .
– لا إزاي الكلام ده ، ده حقك وأوعي تتنازلي عنه وعمك سمير قال إنه على تواصل مع جوزك دايمًا لحد ما يخلصوا الإجراءات اللازمة .
تعجبت فـ صقر لم يخبرها بأمرٍ كهذا ولكنها تحدثت متجاهلة هذا الأمر :
– أنا في أقرب وقت هشوف معاد مناسب ونتقابل ، سواء عند حضرتك أو عندي المهم نتقابل ونشوف بعض .
أومأ حسن كأنها تراه وتحدث بهدوء :
– تمام يا حبيبتي ، سلميلي على جوزك وهستنى منك اتصال .
أغلقت معه وشردت تفكر فيم قاله من المؤكد هناك خطأ فزوجها لم يخبرها بشأن أي ميراث ، على ما يبدو أن سمير ذاك يتلاعب دومًا بالحقائق ومع ذلك فلتنتظر عودة زوجها وتسأله .
تنهدت بقوة ثم نظرت في ساعة هاتفها لتجد الوقت قارب على وصوله لذا قد نوت إعداد مفاجأة له ، مفاجأة تنتشله قليلًا من ضغط عمله الذي بات يلازمه مؤخرًا .
❈-❈-❈
بعد ساعات من الصمت .
وصلت الطائرة إلى مطار الغردقة .
خرجا من المطار بعد وقتٍ قياسي أنجزه رجال صقر والعقيد بهاء لتسهيل مرورهما .
على الفور ركبا السيارة وانطلقا إلى مرسى اليخوت .
تعجبت من وصولهما إلى هنا وليس عودتهما إلى القاهرة لذا التفتت تتساءله بملامح باهتة :
– خالد هو احنا رايحين على فين ؟ ، وليه منزلناش في مطار القاهرة ؟ ، ممكن تفهمني .
كان يقبض على كفها منشغلًا في الطريق أو هكذا يُظهر ولكنه رفع يدها يلثمها بحنو ينافي جمود وقسوة ملامحه ثم قال وهو يطالعها بنبرة ثابتة :
– نصل أولًا ثم سنتحدث .
برغم قبلته ونبرته إلا أنها تحمل أمرًا لا يجب أن تخالفه لذا التفتت للجهة الأخرى تزفر بضيق وسحبت كفها من يده وتربعت تنتظر أي سبيل يطمئنها فحقًا داخلها غضبًا يتزايد بصمته وتجاهله لها .
بعد وقتٍ وصلا أمام مرسى اليخوت ففتح الباب وترجل يحثها على التحرك فابتلعت لعابها تنظر نحو المكان ثم ترجلت وطالعته وهو يسحب الحقيبة ويمد لها يده فناولته يدها بضيقٍ وتساؤلاتها تتزايد .
نظر إلى السائق قائلًا ببرود :
– هل كل شيء تمام ؟
أومأ السائق يقول بثبات :
– نعم سيدي كل ما طلبته داخل اليخت .
أومأ وتحرك يسرع نحو اليخت معها دون أي حديث .
قفز على متنه أولًا يضع الحقيبة بداخله ثم مد لها يده فناولته يدها بخوف فتركها وتمسك بخصرها يرفعها بسهولة وانتشلها حتى استقرت في اليخت .
حثها على التقدم قائلًا وهو يتجه نحو كابينة القيادة :
– تعالي معي .
دلفا سويًا وأجلسها واتجه يقود على الفور في طريقه إلى تلك الجزيرة .
كانت حركاته سريعة ولكنها منظمة تدل على خبرة مسبقة أخافتها من هذا الجزء منه .
❈-❈-❈
دلف فيلته يخطو بإرهاقٍ واضح بعد الانتهاء من عدة أعمال ومع ذلك لم تنتهِ وما زال هناك الكثير لينهيه .
بحث بعينيه عنها فوجد المكان هادئًا فعلم أنها نامت كالعادة نسبةً لتأخره .
زفر وانتابه الضيق كحاله يوميًا ما إن يعود ويجدها نائمة ثم تحرك نحو الدرج يصعد واتجه إلى غرفته ليأخذ حمامًا دافئًا ويتمدد بجوارها .
ما إن فتح باب غرفته حتى تفاجأ بإضاءة هادئة مصدرها الشموع بالإضافة إلى موسيقى خافتة رومانسية وروائح تضفي على المكان سحرًا خاصًا وطاولة جانبية معدة برقي وعليها أطعمة مغطاة ولكن عيناه تبحث عن هداها لينتعش فيبدو أنها أعدت له مفاجأة من نوعٍ خاص .
لم يجدها برغم السعادة التي تتوغل إليه فاتجه يضع حقيبته جانبًا وخلع جاكيته يلقيه معها ثم تحرك نحو الحمام المغلق ينادي بهدوء وقلبه ينتفض مطالبًا برؤيتها :
– نارة !
فتحت باب الحمام وخرجت منه تلك الحورية الرائعة بثوبها الناعم ولكن نعومته لا تضاهي نعومتها بل أنها تتفوق على كل النواعم .
تقدمت نحوه حتى توقفت أمامه فتمعن في ملامحها الجميلة وخصلاتها النارية المتوهجة فتركته يتمعن ورفعت يديها تسندهما على صدره قائلة بدلال أنثى عاشقة :
– ممكن ترقص معايا ؟
رفع حاجبيه متعجبًا من امرأته ثم رفع يديه إلى خصرها يحاوطها بتملك ويردف بالإيطالية بنبرة مسحورةٍ بها بعدما أنسته كل هموم اليوم :
– هذا من دواعِ سروري جميلتي .
ابتسمت له وبدأت تتمايل معه بحركاتٍ هادئة مدروسة وعيناهما لا تفارقان بعضهما في حديثٍ صامتٍ يخبران بعضهما عن مشاعرهما ويجددان نوبات العشق بينهما .
تناغم وتمايل على ألحان هذه الموسيقى الهادئة دام لبضع دقائق ثم انتهى ووقفا يتطلعان لبعضهما لثوانٍ قبل أن تمد نارة يدها إليه قائلة :
– ممكن موبايلك ؟
تعجب ولكنه أشار برأسه نحو جاكيته فابتسمت وتحركت عدة خطوات تلتقط الجاكيت ثم دست يدها تنتشل هاتفه وقامت بإغلاقه وعادت تضعه ثم أشارت له بأصابعها أن يأتي إليها فتحرك نحوها فتمسكت بكفه قائلة بهمس ناعم :
– من زمان ماسهرناش مع بعض ، وشغلك آخدك مني ، وموبايلك مش بيبطل رن ، إيه رأيك نخلي الليلة مميزة ؟
ابتسم يومئ سريعًا على مقترحها وقال بحبٍ ويده تتحسس وجنتها :
– ياريت نخليها مميزة ، أنا محتاج ده جدًا .
كان صادقًا في قوله لذا أشارت له على طاولة الطعام قائلة :
– تمام يبقى تعالى نتعشى الأول ، عملتلك الملوخية اللي بتحبها .
تجلى الحماس في عينيه وتحدث بالإيطالية وهو يسحب مقعدًا لها فجلست :
– يبدو أنني أكثر الرجال حظًا اليوم .
اتجه يجاورها وبدأت تصب له وتناوله الخبز المحمص وقطعة من اللحم المشوي ثم قالت بقناعة تراودها :
– وأنا أكثر النساء حظًا كل يوم .
تناول كفها ورفعه إلى فمه يلثمه ثم بدآ يتناولان طعامهما سويًا في هذه الأجواء التي حطمت أسوار همومه كأنها لم تكن .
❈-❈-❈
وصل إلى مرسى المنزل البحري المتطرف والذي اشتراه خصيصًا لها ولكنها انقبضت ما إن رأته والتفتت تطالعه بعيون متسعة وتساءلت بضيق :
– إحنا جينا هنا ليه تاني ؟
زفر ثم التفت ينظر إليها قائلًا :
– يجب أن نبتعد عن الأنظار حتى اطمئن أن ذاك المخنث لن يشي بنا ، وهذا أكثر الأماكن أمانًا في الوقت الحالي .
نظرت له ثم التفتت نحو المنزل ثم عادت له تبتلع لعابها وتساءلت بتوتر وخوف :
– هو المكان ده تبعك ؟
أومأ قائلًا وهو يخطو نحو مؤخرة اليخت :
– نعم ، لقد اشتريته من أجلكِ .
هذا ما كانت تخشاه ، من المؤكد اشتراه بتلك الأموال قبل أن يتنازل عنها لذا فهي لن تشعر بالراحة داخله .
رفعت يدها تمسد على رقبتها ووجهها بتوتر ثم تحدثت بتردد وهي تتبعه خاصة وحالته منذ الصباح لا تحتمل مناقشات :
– خالد خلينا هنا بلاش نطلع المكان ده ، أنا مش بحبه .
لم يكن ينقصه اعتراضها الذي تعمد تجاهله وهو يحمل الحقيبة ويقفز على المرسى يضعها ثم عاد لليخت ودلف يحضر منه أكياس الأطعمة التي تم شرائها مسبقًا من قبل رجاله وعاد ثم تحدث وهو يمد يده الفارغة نحوها قائلًا بجمود :
– هيا خديجة أعطني يدكِ واقفزي .
التفتت تطالعه بضيق من تعمده تجاهلها لذا طالعته وتحدث بحدةٍ :
– أنا بكلمك ، بقولك مش هقدر أطلع على المكان ده .
طالعها بنظرة تحذيرية ثاقبة وهو يردد من بين أسنانه بنبرة لا تقبل اعتراض :
– هيا خديجة .
صوتًا أتى من داخلها يحثها على طاعته الآن لذا زفرت بقوة ومدت يدها إليه يسندها إلى أن عبرا معًا ثم تركها والتقط حبل اليخت يلفه حول المرسى ثم تحرك معها نحو المنزل .
توقفت عند المسبح فتركها وترك الأغراض جانبًا ثم تناول هاتفه يهاتف صقر ليطمئن ولكنه وجد هاتفه مغلق .
حاول مرة تلو الأخرى دون جدوي لذا قبض على الهاتف يسب بحدة قائلًا تحت أنظار تلك التي انتفضت على صوته تطالعه بجحوظ :
– كان يجب أن أقتله في الحال بدلًا عن هذا الانتظار المخزي .
لا تعلم كيفية التصرف في هذه اللحظة ولكن كل ما ينتابها هو الشعور بالخوف ، تريد فقط أن تنعم بالسكينة التي كانت تظنها دائمة .
التفت يطالعها بطرف عينيه فلمح خوفها لذا عاد ينظر أمامه ويفكر في حالتها ، عليه أن يهدأ ، هو يخيفها لذا فليتروى قليلًا .
التفت يعود إليها حتى وقف أمامها وقال بنبرة حاول بث الدفء فيها :
– أعلم أنكِ خائفة ولكنني حقًا لا يمكنني الهدوء إلا إذا تم حل هذا الأمر .
تحدثت كأنها كانت تتوق لكلماته قائلة بنبرة هجومية متوترة ودون إخفاء ما تشعر به :
– بس لازم على الأقل تفهمني ، المكان ده أنا مقدرش أقعد فيه ، أكيد إنت كنت شريه بفلوس عيلتك ده غير اللي كان حصل هنا قبل كدة ، حقيقي مش مرتاحة هنا .
مسح على وجه بكفه يستدعي الصبر فليس هذا وقت حديثها أبدًا ولا وقت مناقشاتها الأخلاقية لذا تحدث من بين أسنانه بهدوء مخيف :
– خديجة خذي هذه الأغراض واصعدي وقومي بتحضير وجبة لنا ، هيا حبيبتي اتركي هذا النقاش لوقتٍ آخر .
نظرت له ببلاهة لحظية ثم نفذ صبرها من تجاهله المستمر وغلبها صوت أفكارها حيث تكتفت وتحدثت بحدة وعناد :
– لن أصعد إلى هذا المكان ولا أريد تناول أي شيء هنا .
– خديــــــــــــــجة .
نطقها بصراخ غير متحكمًا في غضبه فأجفلت واهتز جسدها والتفتت تطالعه بعيون ذاهلة تلألأت بالدموع والصدمة فوجدت نظرته ثابتة مخيفة لذا عادت لخوفها وانحنت تلتقط الأكياس ثم تحركت نحو الدرجات القليلة المؤدية للجزء العلوي من المكان وصعدتها حتى توقفت أمام الباب الزجاجي الذي لفت مقبضه ودلفت تتحرك نحو المطبخ بدموعٍ تسقط منها على أرضية المكان .
أما هو فوقف يعيد اتصاله على صقر الذي ظل هاتفه مغلقًا فأغمض عيناه وظل يتنفس بقوة ولأول مرة لا يعلم كيفية التصرف شاعرًا بقيود عشقها تلجمه .
❈-❈-❈
انتفض من نومه حينما هاجمه كابوسًا مزعجًا لا يعلم سببه .
جلس على فراشه قاطبًا جبينه ثم استغفر ونهض ليتناول كوبًا من المياه ثم نظر في ساعة هاتفه ليجدها الواحدة بعد منتصف الليل .
تحرك نحو حمامه ليتوضأ ويؤدي صلاة القيام .
بعد عدة دقائق انتهى وقرر الخروج إلى الحديقة ليستنشق القليل من الهواء .
خرج واتجه يجلس على المقعد ويتذكر ذاك الكابوس المزعج بتعجب .
رفع نظره حيث غرفتها فوجدها مضيئة لذا تناول هاتفه وطلب رقمها فأجابت على الفور بنبرة متجهمة طفولية :
– عايز إيه يا عمر ؟ ، مش نمت وسبتني !.
تحمحم وتحدث بصوتٍ مختنق :
– مايا ، ممكن تنزلي شوية في الجنينة ؟
نهضت من فراشها على الفور حينما استمعت إلى نبرته قائلة وهي تنتشل روبها وترتديه فوق منامتها متناسية حنقها منه :
– تمام هنزلك حالًا .
بالفعل تحركت مسرعة للأسفل وفتحت الباب تخطو نحو المكان الذي يجلس فيه لتجده يجلس واضعًا رأسه بين كفيه على الطاولة فشهقت وتحركت تنزع يده وتطالع وجهه قائلة بقلقٍ وحنين :
– مالك يا عمر ؟
رفع نظراته لها يطالعها لثوانٍ ثم تنهد وتمسك بكفيها يجلسها قائلًا بهدوء منقبض :
– أنا كويس ماتقلقيش ، بس حلمت حلم غريب وقلقت منه .
مدت يدها تتحسس صدغه قائلة بحنين مضاعف وعيون قطة بريئة :
– حلمت إيه يا حبيبي احكي لي ؟
تنهد يطالعها ويفكر أيخبرها حقًا بتفاصيل هذا الكابوس المزعج ولكن لم يدم صمته طويلًا حتى قرر إخبارها قائلًا بضيق يعتلي صدره :
– حلمت براجل لابس جلابية بيضة بس كلها بقع وشكلها مش حلو وبيقرب مني بس ملامحه مش واضحة كأنه مغشي ، فضل يقرب وأنا مفكر إنه جاي يسلم عليا بس فجأة لقيته بيلف إيده حوالين رقبتي وبيخنقني جامد ، حاولت أبعده بس هو كان أقوى مني لدرجة إني صحيت حاسس فعلًا إني بتخنق .
توغلها غضب من هذا المجهول ولو كان أمامها لأصبح في خبرٍ كان ولكنها نهضت تقف أمامه ثم سحبت رأسه إلى صدرها تعانقه وتفرك خصلاته بحنانٍ ونعومة قائلة بنبرة تبث فيه الطمأنينة :
– أكيد الراجل ده اللي اسمه سمير الزفت ، هو اللي بيلبس جلابية ، بس أوعى تقلق لو فكر بس يقرب منك هعمل فيه زي ما عملت في اللي كان باعتهم ، قال يخنقك قال ، ده أنا أكله باسناني .
لم يكن يركز في حديثها بل صب تركيزه في فعلتها ورأسه المتوغل داخلها ويداها التي تتلاعب بخصلاته ليستشعر بخطرٍ قادمٍ من داخله لذا ابتعد برأسه يطالعها بتعجب فوجدها توميء له مؤكدة بنظراتٍ شرسة ولم تلاحظ نظراته :
– أيوة زي ما سمعت ، هاكله بأسناني لو قرب منك .
الآن لاحظ ما ترتديه وكذلك خصلاتها الحمراء المتوهجة لذا نهض يطالعها بصدمة ثم نظر حوله خوفًا من وجود أحدٍ من الحرس وحينما لم يجد عاد يطالعها وتحدث موبخًا بعدما تناسى كل ما حدث معه :
– إنتِ نازلة كدة ليه ، وشعرك ده مش مربوط ليه ؟
نظرت لهيأتها متفحصة ورفعت يدها تتحسس خصلاتها ثم ابتسمت بوداعة وقالت موضحة :
– تصدق نسيت ، لما لقيت صوتك كدة نزلت جري .
التفتت تنظر حولها وهي تتابع بحرية فاردة ذراعيها :
– بس ماتقلقش مافيش حد هنا .
زفر بضيق هو يعلم أن لا أحدًا هنا ولكن ماذا عنه هو ؟ ، لمَ هذه المشاغبة تتجاهل مشاعره بها ، ماذا عن الحرارة التي تتوغله الآن من لمستها وهيئتها لذا أخفض رأسه ليهدأ ثم تحدث وهو يشير لها نحو البيت :
– تمام اطلعي يالا .
دبت قدميها في الأرض غيظًا وتحدث معترضة :
– لا مش هطلع مش كفاية نمت بدري وسبتني ، وعلى فكرة بقى الكابوس ده علشان أنا غضبت عليك .
نظر لها مندهشًا ثم أومأ وتحدث بتأنٍ :
– طيب اطلعي ألبسي أي حاجة تانية وتعالي .
– يوه بقى يا عمر .
نطقتها بتذمر فتحدث بصرامة حنونة :
– يالا يا مايا وإلا هدخل أكمل نوم .
قطبت جبينها تطالعه بغيظ ثم تحركت عائدة لتبدل ملابسها بطاعة ووقف هو يلتقط أنفاسه ويزفر بقوة ليهدء من حرارته .
❈-❈-❈
انتهت من تحضير وجبتين لهما وتحركت تطالعه من خلال الجدار الزجاجي فلم تجده .
تعجبت وتجلى ذلك على ملامحها الحزينة وهي تهمس :
– هو راح فين ؟.
لمحت طيفه يتحرك في اليخت على مرمى بصرها فقررت الذهاب إليه خاصةً بعد تفكير دام لدقائق أثناء تحضيرها للطعام قررت فيهما أن تهدأ وتنتظر حل هذا الأمر ثم يبقى لكل حادثٍ حديث .
كانت قد تخلت عن حجابها ثم تحركت تنزل الدرج وخطت بعدها نحو المرسى بتوترٍ حتى وصلت إلى اليخت ونظرت للمسافة بينه وبين المرسى وحدثت نفسها أنها تستطيع قفزها .
ابتلعت لعابها وتنفست بعمق ثم قفزت بخوفٍ تبخر بعدما وجدت نفسها داخل اليخت .
زفرت براحة ثم تحركت نحوه حيث كان في الطابق العلوي .
صعدت بخُطى متوترة حتى وصلت إليه حيث كان يواليها ظهره فلم ترَ وجهه لذا نادته وهي تفرك كيفيها قائلة بتوتر :
– خالد ؟
تجمد جسده وتصلبت عضلات ظهره أمامها فتعجبت وتحركت خطوتين نحوه لتشهق بفزع مما رأته حيث كان يحمل زجاجة مشروب وكأسًا يتجرع منه دون توقف .
تجمدت تطالعه بصدمة خاصة وملامحه تدل على سكره والهواء يلفح صدره العاري بعدما فك أزرار قميصه حينما شعر بالاختناق .
رفع نظره يطالعها فلمح نفس نظرة الخذلان فيهما فلم يجد ما يعبر به عن ضيقه إلا بالكأس الذي ألقاه أرضًا بعنف فتهشم جوارها فانتفضت على أثره تنظر لتناثر قطع الزجاج من حولها وكم شعرت في تلك اللحظة أنها غبية مراهقة خدعها بحديثه وأفعاله وهي صدقته كالبلهاء وأسرعت راكضة داخل أحضانه ، والدها كان محقًا ، نصيحته التي لم يرَها قلبها كانت سليمة ، هي فقط المخطئة هنا ، رفعت نظرها مجددًا تطالعه بخزي فتحدث بنبرة تائهة صارخًا بها :
– لا تنظري إلي هكذا .
لا تعلم كيف تحركت من أمامه ولا تعلم أين تذهب أو تحتمي فقط أرادت الهروب منه لذا تحركت عائدة للأسفل بدموعٍ تتناثر منها ولكن ما إن وصلت للطابق الأول لليخت حتى وجدته خلفها يقبض على يدها ويمنعها من إكمال طريقها .
التفتت تطالعه بعيون غاضبة لامعة وهي تحاول نزع يدها من يده قائلة بضيق وتجهم :
– ابعد عنـــــــــــــي .
لم يتركها ولم يبتعد بل أراد أن يتبخر غضبه وخوفه الذي لم يزله المشروب فليجرب طريقة أخرى أشد تأثيرًا لذا سحبها إليه يعانقها فحاولت ردعه وهي تشعر الآن بالاشمئزاز منه حيث رائحة المشروب تفوح بشكلٍ جعلها تشعر بأنها ليست خديجة وللا هذا مكانها قائلة وهي تدفعه بكلتا يديها :
– ابعد عنــــــــي يا خالد ، ماتقربليش طول ما بتشرب القرف ده .
لم يبتعد فكلما طلبت بعده اقترب أكثر حتى قيدها وتحرك بها متجهًا نحو الأريكة العريضة المتواجدة هناك .
تحاول دفعه عنها ولكنه ثبتها بيدٍ وبالأخرى ثبت رأسها ثم انحنى على شفتيها يوصمهما بقبلة عنيفة كحال غضبه فحاولت الابتعاد عنه ورفعت يدها من قبضته بصعوبة ولا تعلم كيف رفعتها وصفعته صفعة قوية أوقفته عن تقبيلها لثوانٍ استغلتها وحاولت النهوض لتركض ولكنه قبض مجددًا عليها بقوة فبدأت تبكي قائلة بضيق وتحشرج من غزوه :
– خالد ابعد متعملش حاجة غصب عنـــــي .
كانت يديه تعتصرها بتملك وقال بأنفاسٍ متقطعة وعيون شبه مغلقة وتوسل كمن يسعى لإطفاء نيران اشتعلت في جسده :
– أرجوكِ خديجة ، أنا أحتاجكِ الآن .
– مش هيحصل ، قلتلك ابعد عني .
لم يبتعد فابتعاده الآن يعني أمرًا فاق قدرته فهذه الطريقة التالية للتنفيس عن غضبه بعد العنف ولا يمكنه العودة لأيام العنف لذا … همس مجددًا عند أذنها :
– لن ابتعد ، أنا أحتاجكِ ، أرجوكِ
عاد يقبلها فسكنت بهدوء أمام رجائه وتركت نفسها باستسلام بدأ بدموعٍ منها واشمئزاز من المشروب خاصةً وأنه يؤلمها بقبضته .
وما إن بدأت حدته تتلاشى وأصبح يمارس الحب لا العنف وهمس بالقرب من أذنها :
– لا يمكنني الابتعاد عنكِ ، أنتِ جنتي ، أنتِ النور الوحيد في حياتي ، أنا آسف .
تحول نفورها منه لمطالبة جسدية وقبولٍ مخزٍ من مشاعرها الخائنة التي حطمت جدار قوتها ودفاعاتها ليصبح استسلامها لجموحه تبادلًا راق له واستطاع بعد دقائق امتصاص المتبقي من غضبه ليصبح أكثر حنانًا يعيش معها كل ما يشعر به .
يعيش حزنه وقسوته وغضبه وخوفه وجنونه وحنانه وشغفه وعبثه وكل شيء يريده معها هي فقط .
أما هي فباتت لا إراديًا تبادله بمشاعرها منتشلة غضبه وقلقه ولكنها باتت تعلم جيدًا أنها ستعاني معه ، ستعاني كثيرًا ، على أقل تقدير ستبدأ معانتها بعد قليل مع اللوم والندم وجلد الذات بعد انتهاء جولة العشق والاستسلام المخزي هذا .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية هواها محرم) اسم الرواية