Ads by Google X

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل العشرون 20 - بقلم مريم غريب

الصفحة الرئيسية

    

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل العشرون 20 -  بقلم مريم غريب

كان وقع كلماته عليها أقسى من لسعات سياطٍ لاهبة ..
حتى إنها لم تتحملها حقًا.. انتفضت “فريال” بعنفٍ و هي تشهق بقوة فاغرة فاها و ممسكة بصدرها.. تحديدًا جهة اليسار.. فوق قلبها مباشرةً …
-فريال هانم !! .. صاح “عثمان” بهلعٍ شديد
جمدته “فريال” دافعةً إيّاه في صدره قبل أن يقترب منها أكثر.. كان قلبه يتمزّق عليها و هو يراها مطرقة الرأس.. تكافح لتعبئ الأكسجين إلى رئتيها …
-ماما.. من فضلك ..
لم تستجيب لصوته ذي اللهجة المُعذّبة.. تريّثت قليلًا حتى تمالكت رباطة جأشها نوعًا ما.. ثم رفعت وجهها و حدقت فيه بعينيها الحمراوين الدامعتين ..
لن ينسى “عثمان البحيري” أبدًا تلك النظرة التي رآها بعينيّ أمه.. نظرة كمن تلقّى طعنةً من عزيز قلبٍ.. إنه عزيز قلبها حقًا.. كيف يطعنها إذن ؟
كيف يفرّط بها !؟؟
لم تفه “فريال” معه بكلمةٍ.. رفعت يدها عنه.. لم تحاول مجرد إلقاء نظرة واحدة خلفها.. سارت مهرولة إلى خارج الجناح.. يركض “عثمان” في إثرها من فوره.. تتبعهما نظرات كلًا من “رحمة” و “شمس البحيري” ..
ما إن صارتا منفردتين.. تحدثت “رحمة” بلطفٍ جمّ و هي تضم ابنتها إلى صدرها بقوة تبثها الحماية :
-ماتخافيش يا شمس.. انتي كويسة
أنا هنا جنبك.. محدش يقدر يقرب لك و أنا عايشة على وش الدنيا
محدش يقدر !
و لكن ما لا تعرفه “رحمة” إن “شمس” لم تكن خائفة البتّة ..
مشاعرها كانت أبعد ما تكون عن الخوف …
**
لم يعد بإمكانها السيطرة على نفسها أكثر ..
انهارت “فريال” بمجرد وصولها إلى قمّة الدرج.. أجهشت في بكاءٍ مرير و هي تهبط إلى الأسفل تقريبًا لا ترى شيئًا بسبب الدموع التي غشيت عينيها …
-مامـا ..
تجاهلت هتاف “عثمان” من وراءها.. استنأفت هبوطها مسرعة و هي تتمسك بالدرابزون لكي تتفادى أيّ سقوط عرضي ..
سمعت خطوات “عثمان” تقترب أكثر فأكثر.. انكمشت على نفسها ما إن امتدت يده ليمسك بذراعها بقوةٍ.. كأنما لدغها عقرب.. قفزت “فريال” بمكانها صارخةً فيه :
-إيـااااااااك.. إيـااااااااااك تلمسني ..
رفع “عثمان” يده عنه فورًا و هو يقول مهدئًا إيّاها :
-طيب.. إللي انتي عاوزاه
بس إهدي أرجوكي ..
كل توسلاته لم تفلح معها.. و واصلت الهبوط مضطربة بشدة و منخرطة في موجاتٍ من البكاء غير المتحفّظ.. كان الجميع في تأهبٍ بالفعل.. أسفل الدرج تفاجأ “عثمان البحيري” برؤية صديقه المقرّب “مراد أبو المجد” و عائلته ..
كان ليسعد بشدة و يهرع إليه مرحبًا به كثيرًا إذ يشتاق حقًا له.. لكن الآن لا شيء يشغله سوى أمه.. التي سعى خلفها باستماتةٍ صائحًا :
-فريـال هانـم
من فضلك أقفي اسمعيني.. يا ماما.. انتي رايحة فيـن !؟؟؟
و هذه المرة أعترض طريقها مباشرةً عندما تأكد بأنها متجهة صوب باب المنزل.. وقف بوجهها عابسًا بشدة و قال بصوتٍ أجش :
-سألتك رايحة فين يا فريال هانم ؟
أجبرت “فريال” على التوقف لأنه كان يسدّ الطريق أمامها بجسده الضخم.. نظرت الآن إليه بعينان تنفثان شررًا.. السيدة الرقيقة.. الأرستقراطية الجذّابة.. إنها منكسرة.. لم تشعر هكذا قط.. إلا حين توفى زوجها ..
رغم ذلك.. كان أشدّ قسوة.. لأنه من أخر شخص تخيّلت أن يغدر بها.. ابنها.. حاميها و رجل عمرها.. خانها.. طعنها بظهرها طعنةً نفذت إلى فؤادها …
-إوعى من وشي !! .. هسّت “فريال” من بين أسنانها
لم تتوقف دموعها عن السيلان.. كذا رجفة جسدها الطفيفة ..
رد “عثمان” بصرامةٍ دون أن يحرّك ساكنًا من مكانه :
-مش هاتخرجي من البيت ده يا فريال هانم.. مش هاتخرجي من بيتك.
-مابقـاش بيتـي !!! .. صرخت فيه بضراوةٍ
على مرأى و مسمع من الجميع.. بكت “فريال” بحرارةٍ و هي تستطرد بكل ما يعتمل بداخلها من قهرٍ :
-ده خلاص مابقاش بيتي.. و انت من اللحظة دي يا عثمان مابقتش إبني
إللي يخونّي مش إبنـي ..
تقلّصت ملامح وجهه من شدة الألم الذي تبثه فيه كلماتها و بكائها.. ليرد عاقدًا حاجبيه بأسى :
-عمري.. عمري ما أخونك يا ماما.. ده انتي في كفّة و الدنيا كلها في كفّة
انتي إللي أختارك حتى لو التمن حياتي.. بس أرجوكي أفهميني.. أنا مقدرش أطرد شمس
شمس أختي.. أختي يا فريال هانم زي صفية بالظبط.. يرضيكي أطرد صفية ؟
أو أتخلّى عنها و أسيبها منغير حماية ؟
ماما.. من فضلك إنسي إنها بنت يحيى البحيري.. إنسي غلطة بابا.. أرجوكي انتي طول عمرك عطوفة على الكل.. أنا مش شايفك غير كده ..
اتسعت عيناها بشدة.. و اقتربت منه خطوة واحدة مرددة عبر أنفاسها الملتهبة :
-انت سمحت لها تدخل و أنا مش هنا.. سمحت لبنت السواق.. دخّلتها.. هي و بنتها
لحظة ما سمحت لحاجة زي دي تحصل بإرادتك.. انت خسرتني يا عثمان ..
و ابتعدت ذات الخطوة قائلة بحزمٍ :
-ابعد عن طريقي.. أنا هامشي من البيت ده و أوعدك إني مش هاخطّيه تاني
و انت من اللحظة دي مش ابني.. و أنا مش عايزة أشوفك طول ما أنا حيّة و بتنفس.
نظر إليها غير مصدقًا.. أعتقد بأنها لا تزال مجروحة منه.. لا يود أن يصدق حقًا إنها قد تكرهه إلى هذا الحد كما كرهت أبيه.. لا ..
لا يمكنها أن تفعل …
-فريال هانم ! .. نطق أسمها بثباتٍ بينما نظرته المتضرعة تلتمس عفوها
إلا إنه لم يحصل عليه.. رمقته “فريال” بنظرة أبدًا لم يخطر بباله أن تخصّه بها.. و قالت بجدية تامة :
-لو ماسبتنيش أخرج من هنا دلوقتي حالًا.. هاطلب البوليس
أنا هامشي و مافيش حاجة هاتمنعني إني أمشي حتى لو رجع يحيى البحيري نفسه و قام من الأموات.. سمعتني ؟
حدقا ببعضهما لثوانٍ أُخر.. ثم بدون كلمة أخرى تجاوزته “فريال” ماضية نحو الخارج ..
ظل “عثمان” متسمّرًا بمكانه.. يحدق في إثرها الفارغ حيث كانت للتو.. بينما مرّ “مراد” من جواره هاتفًا :
-أنا رايح وراها !
لم يسمعه جيدًا ..
كان مصدومًا مِمّا حدث.. و لم يتقبّل كلماتها التي لا زالت تتردد بأذنيه كلمة كلمة ..
بالكاد أحس برحيلها.. مترافقًا معه شعور يُتمٍ يجتاحه لأول مرة.. أمه.. أهم امرأة بحياته قد خسرها كما قالت ..
إستدار “عثمان” بحدة ناظرًا صوب باب المنزل المفتوح على مصراعيه.. لم تكن هناك.. أغرورقت عيناه بطبقة بسيطة من الدموع بينما يهمس من شفاهه :
-مامـا !!
**
ليس لديها أيّ فكرة كيف يمكنها أن تجد القوة للمواجهة ..
مواجهته هو بالذات.. لكنها وجدته فوق رأسها.. أحسّت بوجوده بينما هي نصف غافية فوق أريكتها الأثرية المعقوفة.. باعدت بين أجفانها المتثاقلة و تطلّعت إليه مباشرةً ..
كان يجلس قبالتها.. فوق كرسي طاولة الزينة.. قريبًا جدًا منها.. حتى إنها استطاعت استنشاق رائحة عطره الحمضي المميز ..
لم يدم سكونها سوى لحظة واحدة.. ثم انتفضت بعنفٍ فوق الأريكة.. و تراجعت إلى أقصى حدود سمحت لها و هي تحملق فيه بذعرٍ بَيّن …
-ماتخافيش ! .. قالها “نبيل” في الحال بصوتٍ هادئ
بقى جالسًا بثباتٍ مكانه.. ينظر إليها بثقة و هو يستطرد :
-أنا ماحبتش أصحيكي لما شوفتك نايمة.. قلت أستنى شوية لو ماصحتيش من نفسك هامشي.
تسارعت أنفاسها و هي تشد طرفيّ روبها القصير إلى صدرها قائلة بخشونةٍ :
-أنت دخلت هنا إزاي ؟؟
مين سمح لك تدخل ؟؟؟؟
جاوبها ببساطة : أبوكي.. أبوكي سمح لي.
عبست بشدة غير مصدقة.. فأكد لها :
-حسين بيحاول يوسع لي مجال معاكي.. على اعتبار إننا في حكم المخطوبين و مافضلش كتير على فرحنا.
تلاشى العبوس كليًا عن وجهها.. لتردد مفغرة فاها :
-إيه !؟
-زي ما سمعتي.. أنا أصلي حكيت لحسين الحقيقة
أو نص الحقيقة.. قلت له إنك صارحتيني بإن وليد طليقك عمره ما لمسك.. إنك عشتي معاه سنتين في بيت واحد منغير ما يقرب منك.. و بناء عليه عقد الجواز إللي بينكوا باطل طالما مادخلش عليكي.. يعني انتي مالكيش عدة يا مايا ..
صمت لبرهةٍ مقيّمًا ردة فعلها غير المستوعبة حتى الآن.. و أكمل :
-أنا لما طلبتك منه في الأول اتفقنا نصبر على الفرح لما تكملي عدّتك.. لكن بما إن مافيش عدة أصلًا.. قررنا نعمل الفرح علطول بقى ..
و مد جزعه للأمام صوبها و هو يقول بابتسامةٍ جانبية :
-مبروك يا عروسة.. كتب كتابنا الخميس الجاي.. يعني بعد يومين بالظبط !
تنظر إليه و تهز رأسها.. بأعين متّسعة.. تهمس فقط قائلة :
-لأ.. لأ !!!
لم تزد على ذلك و قفزت من فوق الأريكة.. انطلقت راكضة إلى خارج الغرفة يتبعها “نبيل الألفي” على الفور.. و لكن ليس بنفس سرعتها ..
فقد قام من مكانه على مهلٍ.. تنهد و هو يعيد غلق زر سترته الفخمة.. ثم يسير وراء أثرها بإتزانٍ ..
**
-أنا عايزة أطلّق يا صالح !
نفس الجملة التي قالتها له قبيل سفرها منذ أسابيع.. تُعيدها مجددًا على مسامعه ..
عرف “صالح البحيري” إن وجود صغيرتهما هنا الآن لن يكون صائبًا.. لذلك سمح لمربيتها بأخذها إلى غرفة صغيريّ ابن عمه.. و ها هو الآن في اللحظة التي أرادها تمامًا ..
أخيرًا ينفرد بزوجته.. و حب عمره.. المرأة التي لم يحب سواها أبدًا.. إنها تريد الطلاق.. تصرّ عليه حقيقةً و لا زال يجهل أسبابها …
-عرفت ! .. قالها “صالح” بجفافٍ و هو يرمقها بطرف عينه
كانت تجلس على مقربة منه.. و آثر هو الوقوف أمام الشرفة.. مودعًا يديه بجيبيّ بنطاله لكي يخفي أثر انفعالاته عنها ..
أدار وجهه قليلًا لينظر إليها جيدًا و هو يقول :
-أنا سمعت الكلام ده قبل ما تسافري فعلًا.. لكن ماسمعتش أسبابك
عايزة تطلّقي ليه يا صافي ؟
توترت أكثر في جلستها و هي تقول :
-منغير أسباب.. طلّقني !
لم يتمالك “صالح” أعصابه أكثر من ذلك.. استدار نحوها عاصف الوجه.. مد يده و سحبها بعنفٍ من ذراعها صائحًا :
-يعني إيه منغير أسباب ؟؟؟
انتي عارفة بتطلبي إيه ؟ أول مرة تطلبي الطلاق.. حتى في أول جوازنا و كل المشاكل إللي مرّينا بيها.. عمرك ما طلبتيه يا صفيّة.. إيه إللي حصل دلوقتي !؟؟؟
لم تستطع سحب ذراعها من قبضته أبدًا.. لكنها حجمّت اقترابه إليها مواصلة دفعه بصدره بكفّها و هي تقول باضطرابٍ شديد :
-إللي حصل إني مابقتش عايزة أكمل معاك يا صالح.. ليه مش قادر تتقبل ده ؟
ثار بها أشدّ هادرًا :
-انتي هاتجننيني.. يعني مش إيه مش قادرة ؟؟؟
أنا عملت إيه ؟
إيه الغلط إللي حصل مني ؟
عشان رجعت للشرب ؟
أنا قلت لك و وعدتك إني هابطل.. أنا فعلًا كنت مبطل عشان خاطرك.. 12 سنة جواز منغير نقطة خمرة و مع أول زلة بتتخلّي عني.. بدل ما تقفي جنبي و تصبري عليا ..
كانت تهز رأسها متمتمة بتعبيرٍ مرير على وجهها :
-مش ده السبب.. مش ده السبب ..
قطب حاجبيه و سألها :
-أومال إيه السبب ؟
قوليلي.. إيه غيّرك فجأة و قلبك عليا ؟
قابلتي حد ؟
انطقي شوفتي مين و لعب في عقلك ؟؟؟؟
كاد صوته يصمّ أذنيها الآن.. فصرخت به محاولة التخلّص عبثًا :
-انت مجنوون.. ماشوفتش حد و لا حد لعب في عقلي
انت إللي مش عايز تفهم.. خلاص مابقاش ينفع نعيش سوا يا صالح
أنا و انت دلوقتي مش أكتر من قرايب.. أنا عايزة أطلّق و ده قرار نهائي !!!
أقارب !
تقول إنهما ليسا أكثر من مجرد أقارب !؟؟
حتى لا تراه ابن عمها بالمقام الأول.. ألهذه الدرجة لم تعد تريده ؟
هل يُعقل.. لقد ربّاها.. كبرا سويًا.. تحابّا لسنواتٍ و عرفا منذ صغرهما بأنهما مقدّران لبعضهما.. تزوجا و أنجبا طفلة.. عاشا سنوات من الحب و السعادة ..
ماذا حدث ؟
كيف يتحوّل المرء من النقيض إلى النقيض بين ليلةٍ و ضحاها !؟
نظر “صالح البحيري” بعينيّ زوجته.. “صفيّة البحيري”.. ابنة عمه الفاتنة.. صورة أمها في شبابها.. بارعة الجمال مثلها.. و قد قضى له أن تكون هي له.. امرأته.. ملكه وحده ..
لذا لا هي.. و لا غيرها.. و لا أيّ شيء على وجه البسيطة بقادرٍ على التفريق بينهما.. لن يسمح لهذا أن يحدث مطلقًا …
-مافيش طلاق يا صفيّة ! .. قالها “صالح” مزمجرًا
و طوّق ذراعها الآخر بيده الحرّة.. دفع بها تجاه السرير.. سرير طفولتها و شبابها.. ألقاها هناك بالمنتصف بالضبط ..
آنت “صفيّة” على إثر السقطة ..
-عايز مني إيه يا صالح ؟؟ .. هتفت بعصبية
ارتكزت على مرفقيها محدقة فيه بجزعٍ.. بينما يحلّ “صالح” أزرار قميصه ناظرًا إلى عينيها مباشرةً و هو يقول بغضبٍ بارد :
-هكون عايز إيه ؟
واحد مراته بعيدة عنه بالأسابيع.. تفتكري لما يشوفها ممكن يعمل إيه ؟
مجرد الفكرة نفرتها من الأمر برمته.. استهنجت مطالبه الصريحة قائلة :
-لأ انت بتهرج.. أنا قلت لك عايزة أطلّق.. إيه في كلامي مش مفهوم !!؟؟
مواصلتها بالاصرار على هذا أفقدته صوابه على الأخير.. فلم يعد يرى أمامه.. يجب أن يثبت لها من صاحب اليد الطولى هنا ..
إنه زوجها.. إن كانت قد نسيت.. سوف يذكرها جيدًا …
-أطلبي الطلاق تاني يا صافي.. إديني سبب أخير عشان أخليكي تندمي إنك طلبتيه أول مرة !!
و قبل أن تفهم مغزى كلماته تمامًا.. كتمت صرخة حين أمسك بربلة ساقها و شدّها جاثمًا فوقها.. ثم اصطدمت بادراك ما إن شعرت بفمه على فمها و بقبلته تزداد عمقًا و ضراوة.. بأن هذا ..
زوجها.. “صالح البحيري”.. هو ابن عمها.. “رفعت البحيري”.. مغتصب أمها.. الخائن لأبيها و لعائلته قاطبةً ..
تشمئز “صفيّة” من ذلك الاتصال الجسدي بينها و بينه و الذي لطالما تاقت له في السابق.. تحاول دفعه بعيدًا.. تقوم بالضغط على كتفيه.. لكنه لا يتزحزح كأنما هو صخرة تشدّها للقاع الغريق ..
رغم ذلك لم تكف عن المقاومة.. ما أجبره على كسر القبلة مؤقتًا.. لتهتف “صفيّة” بهسترية فورًا :
-مش عايزاك.. أنا مش عايزاك يا صالح.. مش عايزاااك ..
سرى الغضب بشرايينه مسرى الدم.. و كان مقتنعًا الآن و هو يغرز ناظريه بعينيها الشبيهتين بلون العشب النضر بأنها حقًا منجذبة لغيره.. لا تفعل ذلك سوى أنثى تريد رجلًا آخر ..
إستحال “صالح البحيري” الآن لنسخة مطابقة عن أبيه.. حتى لهجته الحادة و يقول مقيّدًا معصميها فوق رأسها في يدٍ واحدة :
-أنا مستنيكي تتكلمي بصراحة و تقولي هو مين.. عشان أقتله قبل ما أقتلك.. بس دلوقتي لو عملتي إيه مش سايبك يا صفيّة.. و لو نسيتي هافكرك.. هاعرفك بجد مين هو صالح البحيري !!!
في حركة سريعة يرفع ثوبها فوق رأسها.. يعرّيها باصرارٍ فتشعر كما لو أنه ليس زوجها.. كما لو إنها لم تفعل ذلك معه مئات المرات ..
حلّ عليها إسقاط حادث اغتصاب أمها على يد عمها.. عاشت “صفيّة” الآن أبشع كابوس و خاضت الوقعة بخسائر غير مبررة ..
لكنها لم تعد تقاوم.. فلا جدوى من هذا.. لم تفعل أيّ شيء طوال الدقائق التالية سوى الاستسلام له !
**
اقتحمت “مايا عزام” غرفة المكتب الخاصة بأبيها.. كان هناك بالفعل.. يباشر أعماله عبر حاسوبه كما جرت العادة مؤخرًا منذ حادث انتحارها الذي باء بالفشل بسبب “مالك” …
-انت إزاي تدي لنفسك أي حق عشان تتحكم في حيـاااتـي !!؟؟؟؟
انتبه “حسين عزام” لصراخ ابنته الجهوري فور ظهورها أمامه بغتةً ..
رفع عينيه عن حاسوبه و نظر إليها عبر عويناته الزجاجية.. قبل أن يزيلها و يضعها فوق مكتبه.. ينضم “نبيل الألفي” إلى المشهد الصاخب الآن ..
جاء من ورائها مباشرةً.. هادئًا.. واثقًا.. كصديقه ..
يقوم “حسين” من مكانه و يدور حول مكتبه بتباطؤ قائلًا :
-مايا.. صحيح إنك في بيتك.. و نبيل في حكم خطيبك
بس أظن مايصحش تظهري قصاده بهدو أوضة النوم دي.. أطلعي يا حبيبتي غيري هدومك و أنا هاستناكي برا في الصالون مع نبيل عشان نشرب القهوة سوا و نتكلم زي ما انتي عايزة.
صاحت “مايا” منفعلة :
-مافيش كلام.. انت سامعني ؟
مافيش كلام.. و ده ..
استدارت مشيرة نحو “نبيل” بسبابتها و هي تقول عبر أسنانها المطبقة بشدة :
-ده مش خطيبي.. أنا مش هاتجوزه لو كان أخر راجل في الدنيا كلها ..
عاودت النظر إليه من جديد و أضافت بحدة :
-انت ماتقدرش تجبرني.. محدش يقدر !!
رد “حسين” بصرامة متخذًا نحوها خطوة مهددة :
-أنا أبوكي.. و كلامي يمشي عليكي
هاتتجوزي نبيل غصب عنك انتي سامعة ؟
توقدت نظراتها بعينيها الغائرتان.. و قالت و رجفة غضبٍ تعتريها :
-انت لسا فاكر ان انا بنتك ؟
انت و لا حاجة بالنسبة لي.. و كلامك ده يمشي عليك انت مش عليا.. أنا مش هاتجوز الراجل د آ ااااااااه …
لم تتاح لها فرصة إتمام الرد.. إلا و هوت كف “حسين عزام” على صدغها.. منتزعة منها صرخة متألمة ..
قبل أن يختلّ توازنها و تسقط فوق أرض مكتبه ..
الصدمة شوّشتها نوعًا ما.. فلم تنتبه إلى “نبيل” الذي انتقل من مكانه بلحظةٍ ليتصدّى لأبيها إذ همّ بتكييل المزيد من العنف إليها ..
أمسك “نبيل” بمعصم صديقه العجوز قائلًا بصرامة :
-مايا تخصّني يا حسين.. إياك تمد إيدك على حاجة تخصّني !!
يحدق “حسين” به للحظة.. ملامحه غير قابلة للقراءة.. لكنه بعد ذلك يومئ له كما لو أنه أدرك أخيرًا …
-الفرح الخميس الجاي زي ما اتفقنا ! .. قالها “حسين عزام” مخاطبًا “نبيل”
كأن وجود “مايا” لا مرئيًا.. أكد عليه عابسًا :
-هاسيب كل حاجة في إيدك بعدها و هامشي أعمل إللي قلت لك عليه.. نبيل.. كل ده من دلوقتي.. بقى مسؤوليتك انت.
أومأ له “نبيل” موافقًا.. بدون كلمة أخرى.. تجاوزه “حسين” و مرّ من جانب ابنته صوب الخارج ..
لا تزال على صدمتها.. راقبت خروج أبيها.. و لم تنتبه لليد التي امتدت لتساعدها على النهوض ..
ارتعدت حين شعرت بلمسته المألوفة جدًا.. لطمت يده على الفور و قامت بمساعدة نفسها.. وجهها المستدير يشعّ حرارة و احمرارًا ناريّ ..
فاتنة ..
حتى في أوهن لحظاتها.. اكتشف “نبيل” بعد كل شيء إن جمالها ليس كله اصطناعيًا.. إنها ليست خارقة الجمال بطبيعة حالها.. لكنها مثيرة.. و لها ملامح ناعمة أيضًا …
-احلم انت و هو !! .. غمغمت بحنقٍ بينما تسيل دمعة على خدّها الأيسر
نظر لها في سكينة.. لتكمل و هي تتراجع بظهرها نحو باب المكتب :
-انت عمرك ما هاتلمس شعرة مني تاني.. سامعني ؟
انت حيوان.. انتوا كلكوا حيوانات.. كلكوا زي بعض.. كلكوا !!!
و استدارت مولية إلى غرفتها من جديد ..
أفرج “نبيل الألفي” عن نهدة حارة من صدره.. حوّل بصره تجاه الشرفة المطلّة على حديقة المنزل.. أمسك بيداه ظهر رقبته و هو يزفر مرددًا :
-عندها حق.. أنا آسف
انا اسف يا حسين
google-playkhamsatmostaqltradent