رواية ضراوة ذئب "زين الحريري" الفصل الثاني والعشرون 22 - بقلم سارة الحلفاوي
الفصل الثاني والعشرون
بدأت يُسر تستوعب، بصِت لـ زين و قطّبت حاجبيها و غمغمت بـ صوت مُرهَق ظهر الإستغراب فيه:
- إنت .. مين!!!!!
إتشالت الفرحة اللي كانت مرسومة على وشُه، الإبتسامة إتمحِت، و لمعة عينيه إنطفت فجأة، مقدرش ينطق، كإن الكلام مبيطلعش، وقف بيبُصلها للحظات و من ثُم قال و عينيه بتتكلم قبل لسانُه:
- مين! .. يعني إيه إنت مين!!!
نبرتُه كانت هادية من الصدمة، إتحول هدوءها لإنفعال رهيب و هو بيقرّب منها ماسك دراعها بعُنف بيصرّخ في وشها بكُل الوجع اللي جواه:
- هـو إيـــه الــلــي إنــت مــيــن!!!
ظهر الذُعر على مِحياها تحاول إبعاد كفُه من على ذراعها بخوف منُه، إنتفض الطبيب يردف بتوتر:
- زين بيه، ممكن تسيبني أسألها شوية أسئلة لو سمحت؟؟
عينيه الغاضبة متشالتش من على عينيها الخايفة منُه، ساب دراعها حاسس بموجة غضب جواه فاكر إنها بتعمل كدا عشان مدّايقة منُه عشان اللي حصل، إفتكر إنها لسه بتعاقبُه، مسح فروة رأسه بأظافرُه بعُنف شديد بيلف حوالين نفسُه في الأوضة هتف الطبيب بهدوء و هو ينظر لها:
- ينفع تقوليلي إسمك ثُلاثي يا فندم؟
عينيها ثابتة على زين بدهشة و ضيق من فعلتُه، رجعت باصة للطبيب لتنفث غضبها به قائلة:
- بتقول إيه إنت كمان!! فاكرني معرفش إسمي!! أنا يُسر .. يُسر جلال الدين!!!
قال الطبيب في محاولة إنه يهديها:
- طيب إهدي يا مدام يُسر أنا آآآ!!
قاطعتُه بحدة هاتفة:
- دي تاني مرة تقولي مدام يُسر!!! أنا مش مدام أنا أنسة يا حضرت!!
لفِلها وشُه بصدمة تتفاقم أكتر، إزدرد الطبيب ريقُه بيبُص لـ زين اللي كان على وشك الفتم بالأوضة بأكملها، فـ همس الطبيب برجاء:
- طيب لو سمحتي إهدي .. تقدري تقوليلي مين ده؟
و شاور على زين اللي كان بيبُصلها بحدة، رجعت يُسر بصتلُه بضيق إختلط بالتوتر من مظهرُه، و قالت مُشيحة أنظارها عنُه:
- معرفش .. أول مرة أشوفُه!!!
سِمع صوت كسرة قلبُه، و أدرك إنها بالفعل فقدت الذاكرة، غمّض عينيه و سند على ترابيزة كانت جنبُه بكلتا كفيه حاسس بكُل قطرة د.م فيه هربت من جسمُه، دوار عنيف بيضرب راسُه كإن حد خبطُه على دماغُه، تنهد الطبيب بحُزن مُدركًا هو الآخر خطورة الموقف، أبعدت يُسر الغطا عن جسمها و قالت و هي بتحاول تقوم من على السرير:
- إبعدوا عني عايزة أروح لـ تيتة .. زمانها قلقانة عليا!!!
هنا خبَط على الترابيزة بكُل قوتُه لدرجة إنها إنتفضت برُعب من صوت الخبطة و من الإحمرار اللي كان على وشُه، و النظرة اللي بصهالها و هو مُعتدل في وقفتُه، وقف الطبيب قُدامه و قال بهدوء:
- زين بيه .. أرجوك عايز أتكلم معاك برا كلمتين!!
مشالش عينُه من عليها، طلع الطبيب و خرج زين وراه رازع الباب بعُنف، وقف الدكتور قُدامُه و قال بقلة حيلة:
- المدام واضحة إن الخبطة أثّرت على ذاكرتها، جالها فُقدان جُزئي في الذاكرة، واقفة عند نُقطة مُعينة، و مش من مصلحتها أبدًا إننا نحاول بالعافية نفكّرها بـ أي حاجة، كل اللي المفروض من حضرتك تعملُه إنك تتعامل معاها بـ صبر تام، تفكّرها بحاجات رئيسية زي إن حضرتك جوزها، مش لازم تفكّرها بالتفاصيل ده قصدي!!
بصلُه من غير أي تعبير على وشُه، جمود تام تلبّس مِحياه، إتنهد الطبيب و إسترسل:
- و ربنا مع حضرتك و معاها، هي كدا بقت كويسة و تقدر تاخدها!!
و سابُه و مشي، غمّض زين عينيه و قعد على الكُرسي حاطت راسُه بين إيديه، فضل كدا ما يُقارب النُص ساعة، لحد ما قام دخل الأوضة لقاها بتحاول تغيّر هدومها و الممرضة بتساعدها، إنتفضت من دخولُه و ضمت الكنزة الطويلة لـ صدرها و شعرها كان مكشوف، صرّخت فيه بغضب عنيف:
- إنت إزاي تدخل بالشكل ده!!! إنت أكيد بني آدم مريض إطلع برا!!!
ضربت الممرضة على صدرها بصدمة مما تفوّهت به، إزداد غضب يُسر لما لاقتُه لسه واقف بيبُصلها بجمود غريب، و لإن مكانش في حاجة ساتراها من فوق غير حمالة الصدر، حاولت تخبي جسمها بالكنزة .. لكن و شعرها؟!! هدرت فيه بحدة لدرحة إن عروقها برزت:
- إطـلـع بـرا بـقـولـك!!!
بَص زين لـ المُمرضة و شاورلها براسُه عشان تخرُج، فعلت الممرضة فورًا مش عايزة تواجه موجة الغضب بتاعتُه أبدًا، بصتلُه يُسر بصدمة و غمغمت و هي بترجع لـ ورا لما لقتُه بياخد خطوات بطيئة نِحيتها:
- إنت .. إنت طلّعتها ليه؟ إنت مين .. و ليه بتتصرف كدا!!
كان بيمشي نِحيتها لحد ما وقف قُصادها لما ضهرها خبط في الحيطة، نزل بعينيه لجسمها و بصلها تاني و هو بيقول بصوت بارد:
- مين سمحلك تخليها تشوفك و إنتِ بتغيّري هدومك؟
- إنت مين!!
قالت بهلع بتضُم الكنزة لصدرها، قال بهدوء لا يُضاهي نيران قلبُه:
- جوزك!!!
ثبتت عينيها بصدمة داخل عينيه، ورجعت إرتعشت بصدمة و هي بتمتم كلمتُه اللي أول مرة تشعر بـ نُطقها على لسانها:
- جوزي!!
إتحولت صدمتها لـ غضب عنيف، لتضرب صدرُه بعُنف بقبضتها اللي مش ماسكة البلوزة، و صرّخت في وشُه:
- كـداب!! إنت كـداب أنا مش متجوزة!!! إنتوا عـايـزيـن تـجـنـنـونـي!!!!
سابها تضرب صدرُه بقبضتها الصُغيرة، و متكلمش، ضرباتها الخفيفة دي مش هتزيد وجع قلبُه اللي بالفعل مقسوم نُصين، إتجاهل عصبيتها و غضبها و مسك بلوزتها شالها من على جسمها و هو بيقول ببرود غريب:
- هاتي!!
شهقت بصدمة و حاولت تخطف منُه البلوزة لكن مقدرتش بسبب سُرعته في إبعادها عن مرمى إيديها، لحد ما غطت جسمها بإيديها بتترعش و هي بتترجاه:
- لو سمحت اللي بتعملُه ده مينفعش، هات البلوزة!!!
إبتسم بسُخرية، و لكن متكلمش، فتح راس البلوزة و دخّل راسها فيها فـ إرتعشت أكتر لـ ملمس كفيه لـ كتفيها، حاولت إبعاد كفيه بهيستيرية و كإنه يتحرّش بها، لحد ما صرّخ في وشها بعُنف فـ إنكمشت برُعب:
- مـا تـهـدي بـقـى!!!!
ثبتت مكانها من شدة خوفها من صوته العالي، لحد ما نزّل البلوزة على جسمها الغض، حاولت تتحاشى عينيه المُرعبة بالنسبالها، لحد ما رفع دقنها ليه بـ حدة طفيفة و بص في عينيها للحظات، و قال بجمود:
- إنتِ مراتي يا يُسر، و لما نروّح هوريكِ قسيمة جوازنا!!
رجعت الحدة لعينيها و هدرت في وشُه:
- كدب!! إنت كداب!! إتجوزتك أمتى أصلًا و ليه!!
- لاء أنا مش كداب، إنتِ دلوقتي مش فاكرة حاجة، لكن قُريب هتفتكري!!
قال بصوتُه الهادي، فـ قالت بشرود:
- مُستحيل أكون متجوزاك، مُستحيل أتجوز حد زيك!!!
إبتسم بسُخرية مريرة، و ميّل عليها مينكرش إن اللي قالتُه وجعُه، إلا إنه إتماسك و همس بابتسامة مافيهاش ذرة مرح:
- لاء متجوزاني، و كُنتي بتنامي كل ليلة في .. حُضني!!
أنفاسُه قُريبة من وشها بتضرب بشرتها الرقيقة، بَص لعينيها المصدومة، لتضرب صدرُه بعُنف بتحاول تبعدُه عنها و هي بتقول بهيستيرية:
- إبعد عني!! أنا عايزة أروح لـ تيتة إبعد!!!
إعتدل في وقفتُه و قرر ميقولهاش عن موت جدتها عشان متتعبش أكتر، مسك إيديها و جذبها خلفُه و هو بيمشي:
- بعدين نبقى نروحلها!!!
حاولت دفع كفُه صارخة به بجنون:
- سيب إيدي بقولك إبعد عني!!!
- وَطـــي صـــوتـــك!!!!
هدر بيها و هو بيلفلها بيناظرها بعصبية، بصتلُه بخضّة، بصِت للأرض بضيق إختلط بالحُزن، و همست بألم:
- عايزة .. ألبس الطرحة!!
إستوعب إن شعرها مكشوف، فـ ساب إيديها عشان تجيب حجابها و تلبسُه، مسح على وشُه بعُنف بيحاول يهدي نفسُه، لحد ما وقفت قُدامه بتترعش و بتقول بصوت باكي:
- أنا .. أنا مش عايزة .. أمشي معاك!!!
بصلها بضيق و مسك كفها بعُنف و شحبها وراه، إستسلمت المرة دي بتحاول تكتم دموعها، خرجوا من المستشفى كُلها و إتجهوا نِحية واحدة من عربياتُه بدل اللي راحت، فتحلها الباب و ساب إيديها و أمرها بخشونة:
- إركبي!!
و سابها و لف فتح باب عربيتُه، و مدخلش إلا لما هي ركبت، دفنت نفسها في الكُرسي و دموعها نزلت غصب عنها فـ ركب جنبها وساق مُتجه نِحية الڤيلا، سمع صوتها المخنوق بالعياط و هي بتقول:
- عايزة أشوف .. تيتة!!
- مرة تانية!!
قال بهدوء و هو بيلف الدريكسيون بإيد واحدة، ضربت فخذيها بـ قبضتيها بإنهيار و هي بتصرّخ فيه من غير ما تبصلُه:
- عـايـزة أشـوفـهـا دلوقتي!!!
داس على الفرامل بعُنف فـ وقفت العربية مرة واحدة مما إدي لـ إنها كانت هتصطدم بالتابلوه لإنها مكانتش لابسة حزام الأمان لولا إنه مسك دراعها قبل م تتخبط و لفّها نِحيتُه، فـ بصتلُه بخوف خصوصًا لما زعّق فيها:
- أنا مبحبش الصوت العالي و خصوصًا لو عِلي عليا!!! مش زين الحريري اللي مَره تعلي صوتها عليه يا يُسر!!!!
كان شادد على دراعها من غير ما يحِس، فـ حطت إيديها على إيدُه بترجوه:
- دراعي طيب!!
ساب دراعها و ساق مرة تانية، ساند دراعه التاني على الشِباك دماغُه هتتفرتك من الصُداع اللي فيها، لاحظ همهماتها الباكية فـ ضرب على المقود مش قادر يتحمِّل صوت عياطها ومياخُدهاش في حُضنه، إفتكرت إنه متعصّب من صوتها فـ كتمت بُكاءها لحد ما إحمر وشها، وصلوا الڤيلا، مسحت يُسر دموعها و بصِت للبناء الكبير ده بصدمة، ضربت ذكريات غريبة راسها مُسببة ليها صُداع قاتل فـ حاوط راسها منزلاها لقُدام بتتآوه بألم:
- آآآه راسي!!!
إتعلّقت عينيه عليها بقلق و هو بيهمس ماسك دراعها برفق:
- في إيه؟
- مـ .. مافيش حاجه!
قالت و هي بتبعد إيدُه بـ بُطء و خوف منُه، للحظة حسِت بلمستُه كإن تيار كهربي مشي في جسمها، مش متعودة على لمس راجل غريب ليها و خاصةً .. هو! نزلت من العربية بتحاول تداري وجع راسها المُفرط، مشيت وراه بـ بُطء، فتح الباب بـ مُفتاحه لقى الڤيلا كُلها ضلمة لإنهم كانوا بعد مُنتصف الليل و أكيد الخدم ناموا، فتح الأنوار فـ بصِت حواليها بذهول من منظر جميل عُمرها ما شافتُه غير عِبر شاشة التليفزيون، مسك إيديها و مشّاها وراه فـ مشيت و طلعوا السلم، ساروا في ممر طويل لحد ما وصلوا للجناح، دخل و دخلت وراه فـ ضربتها ذكريات أقوى، و بتلقائية مسكت دراعُه بإيديها و التانية حطتها على راسها مميِّلة لقُدام تهتف بوجع:
- دماغي .. هتموتني!!
ميّل جنبها و مسح على راسها برفق و هو بيقول بهدوء:
- ده طبيعي .. عشان دخلتي المكان ده قبل كدا، و عِشنا فيه ذكريات .. حلوة جدًا!!
سابت إيدُه و قعدت على الكنبة و رفعت راسها ليه بتقول بسُخرية:
- مُستحيل أكون عِشت معاك إنت ذكريات حلوة!
و تمتمت بغضب:
- بعد إذنك أنا عايزة أشوف القسيمة اللي بتقول عليها!!!
مشي من قُدامها دخل غُرفة جوا الأوضة و طلع بـ ورقة حطها على رجلها و قال بضيق و صوت مُتعب:
- خُدي!!
مسكت الورقة قرأت كُل كلمة فيها بصدمة تامة، مش مُتخيلة ليه إتجوزتُه و إمتى و إزاي! حطتها جنبها و حطت إيديها على راسها اللي الوجع زاد فيها، سمعتُه بيقول بهدوء ظاهري فقط:
- قومي غيّري هدومك و يلا عشان تنامي!
رفعت قدميها أمام صدرها و حاوطتهما مغمغمة بضيق شديد:
- لاء مش هغيّر أنا مرتاحة كدا!!!
إنفلتت أعصابه و هتف بحدة:
- يعني إيه مِرتاحة كدا!!! هتفضلي قاعدة بالحجاب قُدامي يعني ولا إيه!!!
- آه!!
قالت و هي بترفع راسها ليه بعِند غريب، غمّض عينيه و رفع راسُه لفوق للحظات، و رجع بصلها و هو بيحاول يجاريها:
- بس أنا جوزك .. و أديكِ إتأكدتي!
- مش عايزة!!
قالت برفض تام و هي بتبُص قُدامها، سمعت بعدها صوت نفسُه اللي بقى عالي مُبعثر، إنتفضت لما أخد حاجتُه و خرج رازع باب الأوضة وراه و باب الجناح كلُه، فضلت قاعدة للحظات بتستوعب مغادرتُه المُفاجأة، لحد ما سمعت صوت عربيتُه العالي فـ جريت على البلكونة بصتلُه و هو بيتحرك بالعربية بشكل عنيف، إبتسمت ببراءة و همست:
- أحسن .. أحلى حاجة عملتها النهاردة!!
و دخلت الأوضة بصِت حواليها مُتفحصة إياها، و قررت تغيّر هدومها لإنها مكانتش مُريحة أبدًا، إستغربت إنه معندوش دولاب لكن لما دخلت الغُرفة الملحقة بالأوضة إتصدمت من دولاب عملاق جدًا شفاف، فتحت ضرفتُه لقِت هدوم نسائية للخروج و فتحت الذي يجاوره لقِت هدوم نسائية بيتية و فتحت آخر وجدت هدوم مكانتش هدوم، حاجات فاضحة بتظهر أشياء من المُفترض تخفيها! شهقت و قفلت الضرفة و همست لنفسها:
- هو أنا كُنت قليلة الأدب و لا إيه!!
أخدت بيچامة عادية كُم لإنهم في فصل الشتا، دخلت الحمام قفلت كويس على نفسها و غيّرت هدومها بتبعد أثار التعب بـ دُش سُخن، خرجت لافة جسمها بالفوطة و دخلت الغرفة غيّرت، سرّحت شعرها و سابتُه مفرود، فركت عينيها بنعاس و راحت تنام على الكنبة اللي مكانتش مُريحة أبدًا لكن إتحملت عشان متنامش على السرير اللي بالنسبالها مُبهم!
• • • •
صحيت من النوم على أشعة الشمس الدافية، فتحت عينيها و تلقائي دوّرت عليه لكن حمدت ربنا إنه مكانش موجود، قامت قعدت بتقول بصوت فيه آثار النوم:
- أنا .. أنا لازم أروح لـ تيتة!!!
قامت لبست لبس خروج سريعًا و لفِت طرحتها و خرجت من الجناح، نزلت على السلم لكن إعترضت طريقة ست كبيرة الإبتسامة الصافية مرسومة على وشها و قالت بفرحة:
- يُسر!!! يا حبيبتي حمدلله على سلامتك كُلنا كُنا قلقانين عليكي!!
بصتلها يُسر بإستغراب للحظات، لحد ما قالت بـ إرتباك عايزة تلحق تمشي قبل ما ييجي:
- الله يسلمك!!
و سابتها و مشيت خرجت من القصر، رحاب كانت هتسألها رايحة فين لكن مدتهاش فُرصة فـ غمغمت بحيرة لنفسها:
- أستر يارب!!
طلعت تجري في الجنينة و خرجت من البوابة، لكن وقف قُدامها حارس قوي البنية بيقول بتجهُم:
- رايحة فين يا هانم؟
إتخضت من مظهرُه و همست بحلقٍ ناشق:
- ر .. رايحة آآ ...
و لكن إنفجرت فيه بغضب:
- هو إيه اللي رايحة فين؟! دي حاجة أصلًا متخُصكش!!
قال الحارس بضيق:
- يُسر هانم .. البيه مديني أوامر إن حضرتك متطلعيش من القصر من دون عِلمُه!! أنا بنفذ شُغلي!!
- بس أنا لازم أخرُج!!
قالت بعيون راجية، لكنُه أصلًا مكنش بيبُصلها، فـ قال بهدوء:
- حضرتك تقدي تكلميه و تاخدي إذن من الباشا، و لما يإذنلي هخرّج حضرتك!!!
دبدبت في الأرض بقدمها اليُمنى و بِعدت عنُه راجعة لـ جوا بتكتم غيظها في قلبها و هي بتمتم بحدة:
-الباشا و الزفت!! ماشي أنا هوريك تمنعني من إني أخرج إزاي!!! هو أنا مـسـجـونـة!!!
دخلت القصر بتضرب بجزمتها الأرض و طلعت للجناح، غيّرت الفُستان اللي كانت لبساه و لبست بنطلون و بلوزة طويلة عليه، لقِت كاب كان بتاعُه فـ لبستُه فوق حجابها، و نضارة سودا كبيرة لبستها و رجعت نزلت الجنينة و بصِت على السور العالي بتاعها، لقِت سِلم واضح إنه خاص بالجنانيني، خدتُه و شالته بحذر بتقربُه للسور و طلعت عليه، بصِت لقِت الُحراس محاصرين المكان من كُل حتة، لكن لقِت مكان فاضي تقذر تجري منُه .. هي مُتأكدة إنهم هيشوفوها لكن مش هيقدروا يعملولها حاجة!!
نزلت من فوق السور بحذر لكن حسِت بـ الم رجليها أثر القفزة، خدت خطوات بطيئة و فجأة طلعت تجري، قلبها كان هيُقف لما سمعت صوت كَلب بينبح بصوت عالي مُرعب و سامعة خطوات ركضُه وراها و صوت الُحراس صدح في المكان، طلعت تجري بسرعة و خوف و الكلب بيلاحقها بسُرعتُه العالية، للحظة حسِت إن دي نهايتها، إستشهدت و تساقطت دموعها من شدة خوفها و رُعبها و هي مواصلة الجري، شافت عربية بتركِن بعيد عنها بأمتار و بينزل منها .. هو!! جريت عليه بسُرعة و محسِتش بنفسها غير و هي بتترمي في حُضنه بتجهش في البُكاء محاوطة رقبتُه بخوف رهيب، إتصدم زين لكن رفع كلتا يديه محاوطها بحماية بيضُمها لجسمُه أكتر و صرّخ في الحُراس و الكلب واقف بينبح قُصادُه:
- تعالوا يا حمير شيلوه من هنا!!! بتجرُّوا الكلب وراها يا بهايم!!!
هتف أحدهم بإرتجافة أحرُف:
- مكُناش نعرف يا بيه إنها المدام والله إفتكرناها آآ!!
بتر عبارتُه بحدة و هو بيمّشي إيدُه على ضهرها:
- إمشوا من قُدامي!!!!
غادروا المكان، فـ غمّض عينيه بيشدد على حُضنها مُستمتعًا بـ عناق كان عايزُه من ساعة ما فاقت، و اللي نعش قلبه و روحه إنها حاضناه بمزاجها، مسح على حجابها و صوت عياطها بينغز في قلبُه فـ تمتم بحنو:
- ششش إهدي .. خلاص مافيش حاجة!!!
شددت على عنقُه بتبكي أكتر بتقول بنفس مُتقطع و حروف مبعثرة:
- كـ .. كان هيموتني .. والله كُنت .. هموت!!!
غمّض عينيه بيقول و هو بيعتصر جسمها بإشتياق و رفق:
- بعد الشر عليكِ .. دة أنا كُنت قتلتهم واحد واحد!!!
فضل يهديها لحد ما هديت فعلًا و بِعدت، نزّلها على الأرض، فـ مسحت دموعها بتتلاشى عينيه من شدة التوتر، مسك دقنها ورفع وشها ليه بهدوء و قال:
- كُنتِ بتهربي ليه!!!
إرتعش يدنها من لمستُه، و إسكانتها بحُضنه من شوية مالهاش تفسير غير إن جسمها إستجاب ليه بشكل هي نفسها مش بادرة تفسرُه، إزدردت ريقها و بصتلُه و غمغمت بـ إرتجاف:
- عايزة .. أشوف تيتة!!
إتنهد و قال بهدوء:
- مقولتليش ليه؟ أنا كُنت هوّديكي من غير ما تعرّضي نفسك للخطر بالشكل ده!!
فتحلها الباب و قال برفق:
- إركبي يلا!!!
ركبت بسُرعة بتحاول تهدي رجفتها الغير مُبررة بالنسبالها، أهي رجفة خجل أم غضب أم .. شوق!! إبتسمت لما أدركت إنه هيوديها ليها، مشي بالعربية وراح لـ طريق مكنش يشبه أبدًا طريق البيت، فـ غمغمت بخوف:
- بس ده مش طريق البيت!!
- عارف .. و إنتِ هتعرفي كمان شوية!!
قال بهدوء بيحاول يتحمل فكرة قسوة الموقف اللي هتتعرضلُه كمان دقايق، خافت يُسر يكون هيعمل فيها حاجه في مكان مقطوع فـ همست بخوف شديد:
- هو .. هو إنت موديني فين طيب!!
قال بهدوء تام من غير ما يبُصلها:
- دلوقتي تعرفي يا يُسر!
وقف قُدام مقابر فـ إرتجفت مش مترجمة الموقف، و لسه فكرة إنه هيإذيها ثابتة في دماغها، فـ خرجت من العربية بتقول بـ رُعب:
- إنت .. إنت عايز تدفني صح؟
- بلاش هبل بقى!!
قالها بضيق و مسك إيديها بيشدها لباب التُرَب، فتحُه بالمُفتاح و دخلوا، مشيت معاه بخوف لحد ما وقّفها قُدام قبر و وقف في ضهرها محاوط دراعها و بيقول بهدوء:
- جدتك .. كانت بتحبك أوي!
شهقت لما قرأت الإسم المنقوش على القطعة الرُخامية، و إتملت عينيها بالدموع بتغطي فمها بألم من قسوة المنظر، بِعدت عنُه و قرّبت من القبر، رمت نفسها عليه و سندت راسها على مِعصمها مُنهارة في العياط جسمها كلُه بينتفض، وِقف مش عارف يتكلم و لا يعمل حاجه، حاسس بقلبُه بيتعصر عليها، إتكتب عليه يشوف إنهيارها و وجعها على نفس الموقف القاسي مرتين، غمّض عينيه و إداها ضهرُه مش قادؤ يشوفها كدا و مياخُدهاش في حُضنه، سمع صوتها و هي بتتكلم بحُرقة:
- تيتة!!! سبتني ليه لوحدي يا تيتة، روحتي عند بابا و ماما وسبتيني ليه أنا ملحقتش أشبع منك! أنا ماليش حد يا تيتة مكنش ليا غيرك في الحياة دي!!
غمّض عينيه عايز يلِفلها يقولها إنها ليها هو، و محدش يقدر يمسها مدام هو معاها! لكن مقدرش يتكلم، لفِلها و مسك دراعها عشان يقوِمها فـ قامت بجسد مُرتخي تمامًا و مش بتبطل عياط، خدها في حُضنه بيضم راسها لصدرُه بيمسح على كتفها برفق من غير ما يتكلم، مسكت في البلوڤر بتاعُه و شهقت بـ بُكاء خلّاه يغمّض عينيه حاسس بأضعاف الوجع اللي جواها، فضل حاضنها لحد ما هديت شوية و بعدت عنُه و غمغمت بألم:
- هي .. هي ماتت إزاي!
بَص لعينيها الحزينة، رفع أناملُه اليمين مسح دموعها بضهر صوابعُه و قال برفق:
- معرفش .. وقتها جالي تليفون من البواب إنها إتوفت في الشقة!!
إزدادت عِبراتها و إرتعشت شفتيها و هي بتبُص عليها للمرة الأخيرة، و بِعدت عن القبر و عنُه بتحاول تمشي بصعوبة للعربية، دخلت جواها ساندة راسها على النافذة بصمت دموعها فقط بتنزل من غير عياط، رِكب جنبها و سألها برفق:
- نروح فين؟
بثتلُه و همست برجاء:
- معلش .. ينفع أروح بيتنا القديم؟
- ينفع!
قال بعد تنهيدة طويلة و ساق العربية، كانت حاضنة كتفيها و ساندة راسها على الشباك شكلها يصعَب على أي حد، لما وقفوا قُدام البيت القديم بتاعها نزلت يُسر بلهفة حزينة و وقفت قُدام الباب لمستُه بأناملها، خرّج مُفتاح و فتحُه، فـ دخلت و وقفت للحظات عينيها بتتأمل المكان بحنين و وجع، قعدت على كنبة و
مسحت علبها وهي بتقول بصوت مُتقطع مليان عياط مكتوم:
- كانت .. كانت بتُقعد هنا .. و تاخدني في حُضنها و تمسح على شعري!!
سندت راسها على إيد الكنبة و إيديها تحت راسها بتهمس بألم و عيون مُثبتة على الفراغ:
- أنا إتيتمت تاني!!
قفل الباب و أخد كُرسي و قعد قُصادها، رفع أناملُه بهدوء و فكِلها حجابها، معترضتش .. يمكن أصلًا مكانتش مُدركة، عينبها كانت شاردة و عقلها كمان، شال الطرحة من على شعرها و فردُه على ضهرها سند دقنه تحت دراعُه قُدام وشها بالظبط لدرجة إن أنفاسها بقت تدخل رئتيه، و مسح على شعرها برفق شديد مرة ورا مرة لحد ما غمّضت عينيها بإستكانة، و إنتظمت أنفاسها، و شِبه نامت! فضل كدا أكتر من نُص ساعة، طبع قُبلة على جبينها البارد، قام أخد غطاء م الأوضة جوا و نفّضُه كويس و فردُه على جسمها، نزِلها شوية على الكنبة عشان رقبتها متوجعهاش بيسحب خصرها لتحت بـ رفق، و فضل هو قاعد قُدامها ءاند راسه لـ ورا و غمّض عينيه بإرهاق، و ده لإنه مقدرش ينام كويس في العربية، أيوا بات ليلتُه إمبارح في عربيتُه لإنه مكانش يقدر ينام على سريرُه و هي مش فيه!
صحيت يُسر بتفرُك عينيها الوارمة من العياط، بصِت للغطاء المفرود على جسمها و إبتسمت، رفعت عينيها لقِتُه قُدامها نايم على الكُرسي بوضعية مش مُريحة أبدًا، ساند ضهرُه الورا و جسمه الطويل مش مكفي الكُرسي، قامت يُسر و بصتلُه للحظات مُيقنة بإن رغم قسوتُه اللي ظاهرة منُه، إلا إن واضح إن فيه جانب حنين في شخصيتُه، قامت فـ لاحظ إنها إتحركت، صحي و لكن إنكمشت ملامحُه بألم لما لقى رقبتُه واجعاه جدًا، بصتلُه و همست بصوتها الناعس:
- مـ .. مالك؟
- مافيش حاجه!
قال و هو بيحرك رقبتُه يمين و شمال مغمض عينيه مرجّع راسُه لـ ورا، فـ قالت بهدوء:
- طيب قوم نام على السرير جوا، نومة الكُرسي دي متنفعش!
قام فعلًا و قلع البالطو بتاعُه و دخل الأوضة و فرد جسمُه على السرير، إتنهدت يُسر و دخلت وراه بعد دقايق لقتُه نام!! إبتسمت و راحت نِحيتُه غطتُه بغطاء نضيف، و إتجرأت مادّة إيديها لـ شعرُه الناعم و مسحت عليها بأنامل بتترعش خوفًا من إنه يصحى، إنتفضت على صوت رنين الجرس، فـ إستغربت من وجود حد دلوقتي، و مين اصلًا هيبقى عارف إنها هنا، راحت حطت الطرحة على شعرها و فتحت الباب، إتفاجئت بإيد بتشدها على جنب فـ كانت لسه هتصرّخ لكن لاقتها ست لابسة عباية سودا عليها غبار و طرحة سودا من خامة رديئة جدًا، بصتلها يُسر بدهشة و قالت بخضّة من الموقف كلُه:
- إنتِ مين يا ست إنتِ!!
هتفت الأخيرة و علامات الحُزن على وجهها:
- أنا .. أنا أبقى أُم جوزك يا يُسر .. أنا ريّا!!
•تابع الفصل التالي "رواية ضراوة ذئب" زين الحريري " اضغط على اسم الرواية