Ads by Google X

رواية هواها محرم الفصل الثالث و العشرون 23 - بقلم آية العربي

الصفحة الرئيسية

    

رواية هواها محرم الفصل الثالث و العشرون 23 - بقلم آية العربي



نبسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
الفصل الثالث والعشرون من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
أخبرتها نارة بالحقيقة ، أفصحت عمّا تخبؤه منذ أيام لتتجمد آسيا مكانها بصمتٍ استحوذ عليها وهي تحاول استيعاب الأمر .
عيونها تحدق بنارة في تعجب منها مما سمعته ، عمر ابن عم نارة ؟
وأخيرًا تحركت رأس آسيا يمينًا ويسارًا وهي تردد :
– مستحيــــــل ، عمر ابن عمك ، إزااااااي ؟
أومأت نارة وقد وجد الحزن طريقه إلى ملامحها وهي تقول :
– هي دي الحقيقة يا ماما ، علشان كدة أنا مش عارفة آجي عندك ، مستنية لما صقر يعرفه ، بس تفتكري عمر هيعمل إيه لما يعرف حاجة زي دي .
عادت آسيا تهز رأسها وتردف بتيه :
– مش عارفة ، مش عارفة هيتقبل الحقيقة دي إزاي .
تنهدت نارة ثم مدت يدها تتمسك بكف آسيا وتحدثت بروية :
– لازم كلنا نبقى جنبه يا ماما وقتها ، فكرة إن سمير العدلي هو نفسه بابا عمر فكرة صعبة جدًا بالنسباله ، يعني البنت اللي زعلت مايا تبقى أخته والراجل اللي حاول يأذي عمر يبقى هو نفسه باباه ، صعب جدًا .
وضعت أسيا رأسها بين كفيها بأفكارٍ مشتتة وابتلعت لعابها تتمتم بذهول مما سمعته :
– وانتِ بنت عمه ، يعني بينك وبين رابط دم ، ومامته ، إزاي تتخلى عنه ، ازاي فيه حد ممكن يعمل كدة ؟
تتفهم تخبطها جيدًا ، فآسيا تمتلك قلبًا نظيفًا عطوفًا وحنونًا على الجميع لذا لا تتخيل ما سمعته برغم أنها تعلم بهذه الأمور وتراها من حولها إلا أن تقبلها لها شيء يفوق طاقتها .
عادت نارة تسترسل بتروٍ وعطف :
– للأسف مش عايزة أقول إنها ضحية بس الذنب الأكبر هنا على عمي ، عيلة العدلي أخطاءها كبيرة أوي .
نظرت آسيا نحو نارة ثم امتدت يدها تحاوط وجهها وتحدق بها وسبحت بأفكارها لثوانٍ قبل أن تسحبها في عناقٍ تبث به امتنانها وشكرها للقدر الذي أوقعها في طريق هذا الملاك ، تحمد ربها أنهم تخلوا عنها وأن هذه النارية كانت من نصيبها لتصبح ابنتها وروح فؤادها الكبرى .
بادلتها نارة بعاطفة جياشة وهي تشعر بمَ تشعر به آسيا في هذه اللحظة قبل أن تبتعدا وتردف آسيا بهدوء حزين ومطمئن في آنٍ واحد :
– الحمد لله ، عمر لازم قبل ما يعرف يفهم إن لا الراجل ده باباه ولا الست دي أمه ، هما بيلوجياً بس لكن هو مش زيهم بأي شكل ، هو طيب وجدع وشهم ومحترم وده بعيد تمامًا عن العيلة دي .
أومأت نارة مؤيدة حديثها خاصة إذا كان المقصود هو عمها سمير العدلي ثم تحدثت لتحاول تمرير هذا الأمر :
– هو ليه عمر ومايا مايتجوزوش دلوقتي ؟ ، أظن إن عمر مش هيمانع أصلًا موضوع الكلية .
أومأت آسيا وتحدثت موضحة :
– هو ده كان قرار الاتنين اتفقوا عليه ، خصوصًا إن عمر مش حابب يعطل مايا عن دراستها بأي شكل ، بس أنا زيك شايفة إن الأفضل نعمل الفرح ، عمر ومايا محتاجين يفرحوا فعلًا .
أومأت مؤيدة وتحدثت حينما طرأت لها هذه الفكرة :
– طب إيه رأيك يا ماما تتكلمي معاهم ونعمل الفرح قبل ما صقر يقول لعمر ؟
فكرت آسيا قليلًا ثم تحدثت بهدوء :
– معنديش مانع ، أكلمهم أكيد ، الموضوع ده أصلًا مش هيفرق لا معايا ولا مع مايا ، بس عمر لو عرف ممكن يزعل مننا ؟
تحدثت نارة بالقليلٍ من الحيرة :
– ممكن ، بس مايا هتقدر تواسيه ويعدوا الفترة دي سوا ، أنا بجد مش حابة أفكر في ردود أفعاله دلوقتي .
❈-❈-❈
كانت تخطو معه وخلفهما عددًا من رجاله ينتشرون حولهما في المكان .
يبتاعان أغراضًا من هذا المركز التجاري ويجاورها حد الالتصاق ولا يتركها في أي محلٍ ممن دخلتهم .
تشعر بالاختناق وتنتظر اللحظة المناسبة بفارغ الصبر حتى ظنت أنها لن تنجو أبدًا فهذا المريض لن يقدر عليه أحد .
انتهيا من شراء كل لوازمهما وتحركا نحو السيارة واستقلاها .
ملامحها حزينة وخائفة والشحوب ظاهرًا جليًا عليها وهي تطالعه وتردف بترقب :
– هنروّح ؟
كانت تخشى أن يقول نعم لتزفر براحة حينما قال وهو ينظر من نافذته بينما السائق يطالعهما في المرآة :
– هنروح للدكتور .
عاد يلتفت لها ويطالعها بثقب مسترسلًا بنبرة مشككة :
– علشان نعرف هيحصل حمل تاني إمتى ؟
تنفست بصعوبة كأن الأوكسجين قد يتبخر من حولها والآه مكتومة داخلها لا تستطيع الإفصاح عنها وهي تومئ له بينما هو عاد ينظر من نافذته ويديه تقبض على خاصتها بقبضة فولاذية وأفكارٍ تترواح بين ما سيحدث بعد السفر وما يمكن أن تفعله فهو لن يعطيها الآمان أبدًا .
❈-❈-❈
يجلسان في الحديقة يتحدثان بعدما تصالحا .
يحدق بها وهي تتحدث عن شيءٍ ما لا يركز به بل يصب اهتمامه بالنظر إليها وهي تشير بيديها والهواء يأخذ خصلاتها ويعود بهما تحت أنظاره العاشقة .
ملامحها تشع براءة وأنوثة معًا وتتحدث تارة وتقهقه تارة وهي تميل عليه وقد تناست تمامًا ما أحزنها منه .
كان يشعر بانتعاش روحي يتوغله خاصة وأنه إلى الآن لا يصدق أن هذه الحورية الصهباء ملكًا له وحده .
لم يكذب عبد الحليم حينما قال عيناها سبحان المعبود وفمها مرسومٌ كالعنقود ، ما طعم هذا العنقود ياترى ؟
– عمر ؟
أجفل حينما أخرجته بندائها من أفكاره وتحمحم يجيب بتساؤل :
– فيه إيه ؟
تعجبت تقطب جبينها وتحدثت موبخة بحنق لذيذ :
– فيه إيه إيه ؟ ، بقالي ساعة بسألك نعمل الفرح هنا ولا برا ؟
تعجب من نفسه حتى أنه لم يستمع لها لذا زفر يهدئ من سطوة مشاعره وتحدث وعيناه تسافر على خاصتها :
– في المكان اللي إنتِ تختاريه .
ابتسمت له وكادت أن تتحدث ولكن فجأة اعتصرت عيناها حينما لفحها شيئًا ما واتجهت يدها تلقائيًا نحوها تدلكها وتردف :
– آه عيني دخل فيها حاجة ؟
رفع يديه يتفحصها بهدوء ويوقف يدها عن تدلكيها قائلًا :
– استني بس أكيد دخل فيها عفراية .
باتت تقفز كالأطفال فثبتها يقول بصرامة حنونة :
– اهدي يابنتي هطلعهالك .
استكانت وأزاحت يدها وقربت وجهها منه بثقة وهي تردد بدلالٍ مفرط لا تقصده :
– براحة يا عمر بتوجعني أوي .
هز رأسه بيأس على تلك المدللة أتتألم من مجرد ذرة لفحت عيناها ؟
تحدث بطاعةٍ وهو على مقربة منها وأنفاسه تلفح وجهها ويده تمسح جفنها بنعومة متناهية :
– تمام براحة خالص أهو .
استكانت حينما شعرت بلمسته الحنونة فوق جفنها المغلق ولكنه لم يستكِن بل تفاقمت داخله مشاعر قوية هاجمت جسده بسبب قربها المبالغ فيه ولم يستطع ردع عقله عمّا يقوده إليه وكأنه فقد التحكم في جسده ووجهه وشفتيه اللتان اقتربتا من خاصتها بل التصقتا بها ليريح عقله ويذيقه من هذا العنقود .
قبلة صامتة تمامًا وكأنه يخشى عليها من أي هجوم حتى لو كان عشقًا نقيًا ، تبادلها هي بتصنم كأنها قطعة جليد ولم تستوعبها بعد أما هو فكان مغمض العينين بعدما تحركت يداه تستند على المقعد الخشبي للحظات قبل أن يعي أنه قبلها ، لقد قبلها لأول مرة .
ابتعد يطالعها بتعجب من نفسه ولكن صوتًا داخله يحثه على العودة وقضم المزيد والمزيد حتى يرتوي فلم يكد يشعر فقط بملمسها الناعم الشهي .
تمنع بصعوبة عن عودته إلى شفتيها حينما وجدها متجمدة لذا شعر بالتوتر وابتلع لعابه يناديها قائلًا :
– مايا ؟
فتحت عينيها ببطء تطالعه بصدمة ولا تصدق أنه قبلها ، نعم تمنت ذلك كثيرًا ولكنها باتت تتعامل معه وفقًا لشخصيته ولكن من المؤكد أنها إلى الآن لم تكتشف كامل شخصيته لذا رفعت يدها بتمهل تتلمس مكان قبلته وتساءلت بوجنتين تشعان احمرارًا وهمس :
– عمر إنت عملت إيه ؟
طالعها بصمتٍ لثوانٍ ثم سافر إلى ملامحها وهو يقول بانجذاب يأخذه في رحلةٍ إليها :
– المفروض كنت أصبر صح ! ، بس هي جت كدة بقى بسبب العفراية .
توغلتها سعادة قوية هجمت عليها ولم تستطع إخفائها لذا أسرعت تلقي بنفسها داخل أحضانه فبادلها متعجبًا من ردة فعلها ولكنها أرادت أن تخفي خجلها وبعثرة مشاعرها وسعادتها في عناقه ، إما أن تهرب من أمامه أو تعانقه وقد اختارت الأكثر متعةً وشغفًا .
بادلها بسعادة أنبتت زهور الربيع في حياته ، هذه الصغيرة الضئيلة المدللة والمشاكسة كان لها وقعًا قويًا على حياته البور .
يحبها كثيرًا وبات يتمنى اجتماعه بها في أقرب وقت لذا تنهد تنهيدة قوية وتحدث بمَ جال بعقله :
– مايا ، إيه رأيك نعمل الفرح الشهر الجاي .
ابتعدت عنه تطالعه بصدمة مختلطة بالسعادة ثم أومأت مرارًا تبتسم وتقول :
– موافقة طبعًا .
مد يده يعيد خصلاتها خلف أذنها ويتحدث بتروٍ :
– بس أوعديني ماتهمليش جامعتك .
– أوعدك .
أومأ يتنهد براحة ثم عاد ينظر لشفتيها فيبدو أن تذوقهما لمرةٍ لم يرضِه بل أصبح أكثر شراهة وهو المعروف بالقناعة ولكن أيعقل أن يكون للمرء جنة ولا يدخلها .
جاء رنين هاتفه ليقطع سبيل أفكاره لذا زفر بقوة ومد يده يلتقط هاتفه ليتفاجأ بنفس الرقم بعدما نسى وضعه على قائمة الحظر .
تجهمت ملامحها وامتدت يدها على حين غرة تنتشل الهاتف منه بعدما راودها الشك لتجد بالفعل أن المتصل هي نفس الفتاة .
لم تتمالك نفسها إلا وهي تجيب وتردف موبخة :
– خير عايزة إيه ؟ ، وإيه قلة الأدب والذوق اللي عندك دي ؟ ، ابعدي عن جوزي يا بتاعة إنتِ احسنلك .
أغلقت الهاتف ولم تنتظر ردها لتنظر نحو عمر الذي تبدلت نظرته سريعًا وأصبح يطالعها بغضبٍ يجاهد ليلجمه فتابعت بعصبية بعدما تعكر صفوها :
– بتبصلي كدة ليه يا عمر ؟ ، تستاهل كل اللي قولتهولها ، دي إنسانة معندهاش ذوق ولا أدب ، وبعدين ممكن أفهم إنت ليه ماعملتش لرقمها بلوك ؟
لم يجبها وحاول أن يهدأ بينما هي عادت تعبث بالهاتف لتضع رقمها على قائمة الحظر وتتنهد بارتياح ثم ناولته الهاتف قائلة بتملك :
– كدة مش هتعرف توصلك تاني ، عمر إنت حبيبي أنا ، جوزي أنا ، إنت تقبل إن أي شاب يحاول يتكلم معايا ؟
كانت تتحدث بتخبط نسبةً لملامحه التي تجهمت ولكنها ضغطت على نقطةٍ محظورة لذا طالعها بعيون حادة ونطق محذرًا :
– اهدي علشان هتبدئي تلغبطي في الكلام وتاني مرة ماترديش على مكالمة جيالي .
غلف الحزن نظرتها وهي تراه يحتد عليها بسبب غيرتها عليه لتقول بنبرة محبطة حزينة :
– ليه ؟ ، هو مش إحنا واحد ؟ ، يعني لو جه على موبايلي دلوقتى مكالمة من رقم مجهول مش هترد عليه ؟
مسح وجهه ثم تنفس بقوة ليهدأ وعاد يطالعها متحدثًا بنبرة صارمة :
– تصرفاتك غير تصرفاتي ، إنتِ لما تردي عليها معناه إنك بتلغي وجودي لكن أنا لو رديت على شاب بيحاول يكلمك معناها إني بحافظ عليكي وبصونك .
لم تستوعب حديثه بعقلها لذا قالت مدافعة :
– الكلام ده غلط ، إحنا الاتنين بنكمل بعض وزي ما ليك حق ترد على موبايلي أنا كمان ليا حق أرد وأدافع عن أي حاجة ملكي ، خصوصًا لما أحس إن البنت دي بتحاول تقرب منك .
هو لم يعترض على ردها بل على اندفاعها في الحديث وتخبطها ولغيها لوجوده بشكلٍ غير متعمد خاصةً وأنها لا تعلم بخلفية الأمر لذا تنهد بعمق وحاول أن يتروى ثم تحدث بنبرة رخيمة :
– اسمعيني يا مايا علشان نبقى بنحط النقط على الحروف ، أنا جوزك يعني ليا قوامة عليكِ ، والقوامة هنا إنك مسؤولة مني ، راحتك وسعادتك وطلباتك وأمنك كلهم على مسؤولتي وسيبك بقى من مجتمع النسوية والند بالند ومن المجتمع الذكوري اللي القوامة عنده إهانة ومنع وتعدد ، كل الكلام ده مش بتاعي يا بنت الناس أنا عندي طريق معتدل عايزك تمشي معايا فيه ، ماشي يا برتقانة ؟
ابتلعت لعابها وظلت تطالعه لثوانٍ قبل أن تردف بطواعية برغم تذمرها :
– تمام ، أنا بحب الاعتدال أصلًا ، بس بردو أنا مش ندمانة إني رديت عليها يا عمر ، دي إنسانة مستفزة جدًا وماعندهاش ذوق ، بتكلمك ليه أصلًا ؟
كانت متعجبة وهي تبحث عن سببٍ لمكالمتها ولم تجد سوى أنها تسعى لكيدها وانتشال سعادتها والحصول على رجلٍ كـ عمر ولكنه كان يفكر بشكلٍ آخر تمامًا ، لمَ تصمم تلك الفتاة على الاتصال به ؟ ، ماذا الذي حدث يا ترى ؟ ، عليه أن يعلم .
انتبه حينما نادته فنظر لها ليجدها تنتظر رده فزفر ثم أجابها مراوغًا :
– خلاص يا مايا خلينا نقفل ع الموضوع ده ، وأهو ياستي إنتِ بنفسك عملتي لرقمها بلوك ، ويالا قومي اطلعي علشان تنامي الوقت اتأخر .
نظرت له بحنق وتحدثت متذمرة برفضٍ :
– وقت إيه اللي اتأخر يا عمر الساعة لسة ١٠ ، أنا مش طالعة دلوقتي .
كان يحدق بها ويتابع ثرثرتها ودلالها بثقب وحبٍ ثم أجابها محذرًا :
– يابنتي اسمعي كلمتي ومتجادلنيش أحسنلك .
أعجبها تحديه ورفعت حاجبيها تطالعه بتحدٍ متسائلة :
– ولو ماطلعتش ؟
ضيق عينيه لثوانٍ يبحث عن ردٍ مناسب ثم قال وهو يقترب منها أكثر :
– هطلعلك العفراية من عينك .
جحظت وقضمت شفتيها أمامه بخجل ثم تحدثت وهي تلكزه في صدره بدلال :
– عمر بطل بقى رخامة وخليني قاعدة معاك لما مامي ترجع .
ابتسم لها وشعر بالمرونة تزداد بينهما لذا تنفس بعمق وتحدث وهو يلكزها بخفة في رأسها :
– ماشي يا برتقانة .
تجهمت ملامحها وقالت باعتراض على هذا اللقب :
– أنا برتقانة ؟ ، مافيش لقب delicate عن كدة ؟
تحدث بنبرة رخيمة وقطرات العشق تفيض من عينيه التي تسافر على ملامحها :
– زي إيه مثلًا ؟ ، أنا ماليش في الألقاب أوي اختاري وأنا معاكِ .
وضعت عقلة إصبعها على طرف فمها تفكر لثوانٍ ثم عادت تطالعه وقالت بغرور أنثوي :
– إيه رأيك في سنو وايت ؟ ، أو سندريلا ؟ ، أو مثلًا آريال علشان أنا شعري طويل ؟ ، أنا بحب أميرات ديزني أوي .
انكمشت ملامحه وهز رأسه معترضًا يجيبها بصدق مصحوبًا بنبرة مؤثرة :
– لاء أنا شايفك أجمل من سنو وايت وأرق من سندريلا وأعند من آريال ، أنا شايفك مميزة جدًا ، ساعة مسكرة وساعة عصبية وساعة مندفعة وأوقات كتير طيوبة وبتحبي الكل وفنانة وبتعرفي تعملي حاجات كتير ، من الآخر بقى أنا شايفك برتقانة .
أحبت مدحه كثيرًا وباتت في حالة هيام توغلتها كليًا ليقترب منها قليلًا ويردف متسائلًا بترقب :
– وانتِ بقى شيفاني إيه ؟.
ابتسمت له وتحدثت دون مقدمات بعيون عاشقة ونبرة هائمة :
– سوبر مان مايا .
❈-❈-❈
كانت ساكنة بعد أن تركها واتجه لمكتبه .
تحاول تهدأة نفسها وتسعى لتفهم شخصيته ولكن تأتي هيئة والدها وعتابه الصامت لها فيصيباها في منتصف قلبها .
الحال مع والدتها مختلفًا قليلًا ربما لأنها تتفهم الأمور وتتعامل معها بحكمة أكثر وترى أن خالد يتقبلها بعض الشيء .
أما والدها فيغلبه حنينه لابنته وحبه لها وعدم حبه لزوجها وكذلك عدم حب زوجها له .
تردد صدى جملته على عقلها حينما قال ( أعلم أنني سأحزنكِ ولكنني سأحبكِ دومًا ، ستسقط دموعكِ بسببي ولكنني سأحبكِ دومًا )
كان صادقًا حينها ولم يبالغ في حرفٍ واحدٍ ، أخبرها بمستقبلهما بكل شفافية .
السؤال الذي يراودها الآن ، هل ستتحمل تقلباته وشخصيته تلك وتحاول إصلاحها أم لا .
لقد باتت تعلم طريقته في التأثير عليها ، يستعمل مشاعره الذي بات يعلم جيدًا مدى ضعفها واستجابتها لها مستخدمًا هذا السلاح لصالحه ولكنها تلك المرة تغلبت على أي مشاعر حيث كان الغضب هو المسيطر .
ربما تحتمل أفعاله معها ولكنها لن تقبل أن يقلل من احترام أسرتها ، لن تقبل أبدًا لذا فإن أرادها أن تصفح عنه يجب أن يعتذر أولًا لوالدها ووالدتها عن هذا الاستقبال السئ .
أجفلت حينما سمعت صوت تكسير يأتي من مكتبه ، تبدلت ملامحها من الحزن والشرود إلى الصدمة والترقب ثم نهضت تتجه نحو الغرفة ووقفت عند بابها تستمع بتوجس لأي صوتٍ وكادت أن تطرق بابها لولا صوت تكسير آخر تبعه آخر حتى عمت الفوضى المكان فأصبحت تدق على الباب بفزعٍ وعنفٍ وتناديه وهي تحاول فتحه ولكنه يوصده فلم تستطع سوى النداء قائلة بقلبٍ منقبضٍ :
– خالد افتح الباب ، افتح يا خالد وبطل جنانك ده..
تحول حزنها إلى قلقٍ عليه خاصة وهو لم يلبِ طلبها بل بات يكسر ويهشم كل تلك الزجاجات بمَ تحتويه حتى انتشر الزجاج والمشروب في أرضية الغرفة وعمت الفوضى المكان .
باتت تستنجده وتملك منها الخوف والهلع وهي لا تستمع لصوته وتحاول فتح الباب وتدفعه بيأسٍ ولكنه أصبح صامتًا فجأة صمتٍ أثار ريبتها لذا لم تجد بدًا إلا من اللجوء إلى أحد الحرس ليأتي ويكسر الباب .
ما إن التفتت لتخطو حتى وجدته يفتح الباب ويطالعها بجسدٍ صلب يخفي يديه خلف ظهره وعيونه حمراء وملامحه متعرقة كأنه كان داخل حلبة مصارعة .
توقفت تطالعه بصدمة ثم تقدمت منه وعيناها تستكشف ملامحه لتطمئن .
وقفت أمامه ومالت قليلًا تنظر في الغرفة فوجدتها معبأة بقطع الزجاج والبساط الأرضي قد ابتلع الكثير من المشروب .
رفعت أنظارها إليه تسأله دون حديث وداخلها أسئلة عدة فتحدث مبتسمًا بهدوء لا يمت للهدوء بصلة وهو يشير بذقنه نحو الغرفة :
– أرأيتِ خديجة ؟ ، لقد كسرت كل زجاجات المشروب ولم أتناوله كما وعدتك ، أنا أنفذ الوعود التي أستطيع تنفيذها خديجة ، أنا لا أخلف وعودي .
رفع يده متناسيًا جرحها يحذرها بسبابته مردفًا بهمس حذر والدماء تتساقط من كفه أمام عينيها التي اتسعت بصدمة :
– لا يحق لأحدٍ لمسكِ سواي خديجة ، لن أتحمل ذلك وحينها لا وعد لدي ، هذه شخصيتي ويجب أن تتقبليني كما أنا .
لم تنتبه لكلماته هذه بل أسرعت تقبض بكفيها على يده النازفة وتردف بشهقة وجحوظ من كثرة الدماء :
– إنت عملت إيه إيدك بتنزف جامد .
سحب يده من يدها ونفضها لتسقط منها المزيد من الدماء وقال وهو يربت بها على وجنتها التي تلطخت بدمائه :
– أنا بخير لا تقلقي يا شهية .
نظرت له بعيون ذاهلة وهي ترى أمامها شخصية جديدة منفصلة عن شخصيتيه اللتان تعرفهما ، هو الآن هادئًا بطريقة مخيفة ، ولكن تركت صدمتها جانبًا ومدت يدها تتمسك بكفه الآخر وتسحبه معها فتحرك بطواعية حتى وصلا إلي الأريكة فأجلسته وأسرعت الخطى نحو الحمام تحضر علبة الإسعافات الأولية لتضمد جرحه الغائر هذا .
عادت إليه وجلست أرضًا وبدأت تسعفه ولكن الدماء غزيرة فبكت وارتعشت يدها من هول الجرح الذي تسبب به لنفسه ثم رفعت أنظارها إليه وقالت بنبرة ضائعة باكية :
– مش هينفع ، لازم نروح المستشفى ، الجرح كبير وإيدك محتاجة خياطة .
كان يتألم ولكن آلام روحه تطغي على ألم يده لذا زفر بقوة كأنه يحاول استبدال أنفاسه ونظر لجرحه نظرة مهملة قائلًا بنبرة تحمل حزنًا دفينًا :
– اهدئي خديجة لقد اعتدت الجراح الداخلية وهذا ليس بشيء .
حدقت به لثوانٍ ثم تناولت ضمادًا ولفت بيه يده لفاتٍ متتاليةٍ ثم نهضت تقف وهزت رأسها قائلة بتصميم من بين حزنها حيث لم يتوقف نزيفه :
– لا هنروح أقرب مستشفى مش هقف اتفرج عليك كدة وانت بتتصفى .
تحركت تركض نحو الأعلى لترتدي زيًا مناسبًا سريعًا وعادت إليه في وقتٍ قياسي ثم حثته على التحرك معها فأطاعها خاصة بعدما شعر بالدوار من كثرة الدماء التي فقدها .
التقطت مفاتيح سيارته وتحركت به نحو الخارج ثم فتحت الباب الأمامي للسيارة وساعدته والتفتت مسرعة تتولى هي القيادة وانطلقت .
تم الأمر في لحظات فقد كان قلبها متألمًا عليه وقد تناست ما حدث كأنه لم يحدث قط .
❈-❈-❈
يجلسان أمام الطبيبة التي فحصتها وجلست تسألها عدة أسئلة تحت أنظار عاطف المترقب بهدوء ظاهري .
كانت تجيبها بنبرة مستسلمة يائسة ، تنظر حولها تارةً باحثة عن نجدة ثم تعود للطبيبة وترجوها بعينيها أن تساعدها وكأنها فقدت الأمل في الخلاص .
تحدث عاطف إلى الطبيبة متسائلًا باهتمام :
– وممكن يحصل حمل تاني إمتى يا دكتور ؟
دونت الطبيبة شيئًا ما على حاسوبها ثم نظرت له مبتسمة وقالت بعملية :
– الأول خلينا نعمل للمدام Analysis مهمة ، الموظفة برا هتاخد منك عينة دم وهنتتظري بس نص ساعة لحد ما The result تطلع علشان نشوف إيه الخطوة التانية .
نظر عاطف نحو أميرة الشاردة بشحوبٍ واضح لتنتبه له لذا وقفت تطالعه لثوانٍ منتظرة تحركه ليزفر بضيق فهو يكره الانتظار خاصةً وهما الآن في الخارج وعليه أن ينتبه جيدًا .
نهض يردف وهو يطالعها بعيون محذرة :
– تمام يالا تعالي .
تحركت معه نحو الخارج واتجهت إلى الموظفة التي تلقت تعليماتها من الطبيبة ثم ابتسمت لها وأشارت وهي تتحرك معهما :
– اتفضلوا معايا من هنا .
التفتت أميرة تتحرك ولكنها تفاجأت بالحارس الذي يعمل لحساب صقر لذا التقطت نفسًا عميقًا كأنها كانت تغرق وطفت للتو فوق سطح الماء .
أما عاطف فيتحرك معها حتى دلفا الغرفة واتجهت تجلس وتشمر عن ساعدها ولكن رنين هاتف عاطف جاء ليشتت انتباهه .
التقطه يطالعه ليجد اتصالًا من صقر لذا زفر بضيق ونظر لها بثقب ثم نظر للغرفة نظرة سريعة وعاد إليها يقول :
– هرد على المكالمة دي وارجعلك .
قالها محذرًا وخرج يتحرك وهو يشير برأسه للحارس أن ينتبه جيدًا لها وتحرك خارج العيادة يجيب على اتصال صقر الذي كان ينتظرة خاصةً وأن الصفقة التالية تهمه ويلزمه مساعدة صقر فيها نسبةً لسفره إلى كندا بعد غدٍ .
فتح يجيب بترقب وهدوء ينافي داخله :
– محمد باشا بحاول أكلمك من الصبح .
تحدث صقر بثباتٍ ونبرة متقنة :
– لسة حالًا ماسك موبايلي ، كنت في كذا اجتماع ورا بعض وقلت الأفضل أبعد عن الموبايل علشان أركز ، اتفضل سامعك !
تحدث عاطف باستفاضة موضحًا أسبابه :
– أبدًا كنت هكلمك عن بنود الصفقة الجديدة وشروط التوقيع اللي معاده الأسبوع الجاي وزي ما أنت عارف أنا مسافر كندا وهغيب شوية ، فلو ينفع نقدمه ونوقع بكرة قبل ما أسافر ولا عندك مانع ؟
– لا أبدًا مافيش أي مانع ، هشوف جدول مواعيدي وأبلغ العملاء ولو تمام يبقى تتفضل هنا في الشركة ونوقع العقود .
زفر براحة وتحدث بامتنان عملي :
– كويس جدًا ، كنت قلقان بسبب الموضوع ده ، إنت عارف إن الصفقات دي وخصوصًا معاك تهمني جدًا .
– وأكيد تهمني أنا كمان يا عاطف بيه ، استنى مني مكالمة بكرة .
أغلق معه وتحرك عادئًا نحو الداخل ليجد الحارس يقف عند ركنٍ ما وليس بجانب غرفة أخذ العينات فطالعه شزرًا ثم اتجه نحو غرفة الفحص يفتحها دون أي استئذان ليجدها خالية وقبل أن يصيح وصل الحارس عنده يردف بهدوء :
– المدام في الحمام يا عاطف بيه .
تحكم في غضبه وجاهد ليلجم شخصيته ثم تحرك نحو الحمام واقتحمه بهمجية يبحث عنها وما إن دلف حتى صرخت سيدتان كانتا في الداخل وأسرعتا تغادران وهو لم يبالِ بل يبحث عنها بجنون ولكنها اختفت وهذا ما كان يخشاه .
هاج بشكلٍ جنوني وهو يصرخ باسمها بصوتٍ جهوري رج المكان :
– أميــــــــــــــــــــرة .
التفت ليجد الحارس خلفه وقد تجمع بقية الحراس حوله فأسرع يقبض على تلابيبه ويقول بعيون حمراء مرعبة :
– عارف لو ملقتهاش خلال دقيقتين هعمل فيك إيه ؟
طالعه الحارس بهدوء مستفز وتحدث وهو يحاول تجنبه :
– يا عاطف بيه حضرتك كنت واقف عند باب العيادة والمدام قالت رايحة الحمام همنعها إزاي .
لم يستمع له ويرى أن كل هذه تراهات بل أسرع يركض نحو الخارج وخلفه حرسه ويردد بصوتٍ أفزع الموجودين :
– تقلبوا الدنيا وتجيبوها قدامي حالًا .
❈-❈-❈
قادت إلى أقرب مشفى وهو يجاورها صامتًا بعدما فقد الكثير من دمائه .
صفت السيارة وأسرعت تترجل تلتفت له ولكنه سبقها وترجل فجاورته وتحركا نحو الداخل حتى توقفت في الاستقبال تنظر لإحدى الممرضات قائلة بنبرة استنجادية :
– لو سمحتِ محتاجة دكتور حالًا يشوف الجرح ده ، محتاج خياطة .
أسرعت الممرضة تصطحبها إلى غرفة الطواريء حيث استقبلتهما طبيبة تتساءل عمّا حدث فشرحت لها خديجة الأمر على أنه حادث .
جلس ماركو على مقعدٍ واتكأ بيده السليمة التي تساند رأسه الذي يدور بينما المصابة أصبحت في يد الطبيبة تتفحصها وتعالجها وتجاورها خديجة منكمشة الملامح غير قادرة على رؤية الدماء والجرح خاصة حينما أزالت الطبيبة الضماد لتندفع الدماء بشكلٍ أكثر كثافة .
أما هو فأبعد يده عن وجهه ورفع نظره إليها يحدق بها متفحصًا ملامحها بشرود ، لقد تناست ما حدث حتى لو كان على حساب دمائه .
لقد رأى لهفتها عليه وحبها حتى لو تصفّت دمائه بالكامل لن يبالي فهو الآن يشعر بالسعادة والانتصار .
وها هو يحصد طريقة أخرى يستطيع التأثير بها عليها كي لا تخاصمه ألا وهي قلقها عليه .
انشغلت عنه بعد دقائق تتابع حياكة الجرح بقلبٍ منفطر وعقلها يحثها على تجنب رؤية هذا ولكن كأن عيناها تجمدت عليه .
صافرة خرجت من فمه تنبهها لتنظر إليه ففعلت فابتسم لها وتحدث بحب كي يخفف من ذعرها الواضح برغم أنه يتألم بشدة خاصة وأن المخدر المستخدم موضعي فقط :
– لا تقلقي يا شهية هذا دمٌ فاسد .
ابتسمت الطبيبة دون النظر إليه وأكملت عملها بتركيز بينما زفرت خديجة بقوة وزمت شفتيها تطالعه بعتاب فغمز لها مبتسمًا فاتجهت تجاوره على الجهة الأخرى وانحنت قليلًا تتساءل باهتمام وقلبٍ محبٍ منفطر :
– إنتِ كويس بجد ؟ ، أكيد حاسس بحاجة إنت خسرت دم كتير أوي .
أشار لها لتنحني أكثر إليه ففعلت بترقب فاقترب من أذنها وهمس بنبرة عبثية جريئة كي يلهي عقله عن الألم :
– لا تقلقي ، سأعوض تلك الدماء حينما أمتص شفتيكِ وعنقكِ عند العودة إلى المنزل .
توردت وجهها بحُمرة شديدة واعتدلت على الفور ترمقه بعيون محذرة وتشير برأسها نحو الطبيبة فهز منكبيه وانفرجت ملامحه بلا مبالاة ثم التفت ينظر ليده التي تعالجها الطبيبة وقال بتجهم لحظي وجلافة :
– هيا أيتها الطبيبة أسرعي هل تحيكين فستان زفافكِ ؟
شهقت خديجة وتحدثت مستنكرة تعنفه قائلة بعدما اطمأن قلبها على عابثها :
– خالد ميصحش كدة .
نظرت له الطبيبة بهدوء تتفحص ملامحه ثم عادت تنظر للجرح وقالت بعملية ومغزى وهي تكمل :
– الجرح عميق وكان فيه أثر إزاز كثير لازم أطلعه ، دي حياة إنسان مش فستان .
زفر بملل والتفت يطالع خديجة التي توبخه بنظراتها وقال بخبثٍ مستعطفًا إياها :
– أشعر بالدوار خديجة .
كان محقًا ولكنه قالها لتتقدم منه وتعانق رأسه وهذا ما فعلته ، لقد بات يعلمها جيدًا ويعلم كيف ينتشل حنانها له كطفلٍ صغير يتلاعب على أوتار والدته الحساسة .
عانقت رأسه فاندثر بها وأغمض عينيه مستكينًا بالرغم من شعور الألم ولكن أيوازي ألم يده حنين لمستها ؟
بالنسبة له لا فحنين لمستها ذات طغيانٍ وسيطرة عالية عليه .
❈-❈-❈
لم يجدوها في الأرجاء وكأن الأرض انشقت وابتلعتها وهذا سيجعل الحرب على وشك الاندلاع ، ليعود ويطلب فحص كاميرات المراقبة .
كادت الطبيبة أن تعترض ولكن مع حالة الذعر والفوضى اللذان تسبب بهما في المكان قررت عدم الوقوف أمامه لتريه التسجيلات وتهاتف الشرطة لتأتي .
جلس وخلفه حرسه يتفحص التسجيلات ولكنه جُن حينما وجد الكاميرات معطلة وحتى أن الطبيبة ليس لديها علم .
نهض وخرج يقف في منتصف العيادة ويتطلع حوله على الجميع بشكٍ وجنون ، مَن مِن هؤلاء ساعدها وكيف تم ذلك في لمح البصر ، من المؤكد هناك يدًا خفية خططت معها مسبقًا ، ومن المؤكد أيضًا أنها تلك المدعوة نارة .
لو ترك الأمر له ولجنونه لأخرج سلاحه وأفرغه في رأس الجميع الآن ولكن العواقب ستكون وخيمة لذا نظر لرجاله وأشار لهم أن يتبعوه وهو يغادر مقررًا التوجه نحو فيلا صقر ولكن ليهاتفه أولًا فهو شبه متيقن بأن زوجته خلف هروبها هذا .
❈-❈-❈
غادرت والدتها منذ قليل وجلست تقرأ كتابًا عن علم النفس بعدما تجهزت لاستقبال حبيبها الذي وعدها أن يعود باكرًا .
كانت مندمجة في الكتاب بشكلٍ عفوي قبل أن تهجم عليها أصواتًا عالية تأتي من الأسفل .
قطبت جبينها متعجبة ثم نهضت تضع وشاحًا عليها وتحركت نحو الشرفة لترى مصدر هذه الأصوات .
جحظت عيناها وهي ترى صقر يدخل الفيلا في حالة تأهب ويجمع عددًا كبيرًا من رجالة ويتحدث معهم بعلو وكلماتٍ لم تفسرها ولكن ثوانٍ فقط لتجدهم ينتشرون في المكان بشكلٍ منظمٍ وغير ملحوظٍ وآخرون يغادرون بسيارة سوداء .
تحركت تعود للداخل ثم إلى خارج الغرفة لترى ماذا يحدث لتجده يدخل الفيلا ويصعد الدرج مسرعًا لتوقفه وتسأله بقلقٍ جلي على ملامحها :
– فيه إيه يا صقر ؟
تحدث وهو على عجلةٍ من أمره :
– أميرة هربت وعاطف جاي على هنا ، مفكر إنك اللي هربتيها .
تحرك نحو الداخل ثم إلى غرفة الملابس يفتح خزانته ويخرج منها سلاحه المرخص تحت أنظارها الجاحظة بعدما اتجهت خلفه لتسأله بخوفٍ هاجمها وبنبرة متلعثمة حينما رأت السلاح :
– د ده ليه ده ؟ ، وأميرة راحت فين ؟
وقف أمامها يردف بثقة وثبات وابتسامة مطمئنة :
– اهدي خااااالص واقعدي على كنبتك وكملي قراءة كتابك ولا ليكِ دعوة بأي حاجة تحصل حتى لو الحرب قامت تحت ، أميرة في مكان آمن تمامًا بس مش هينفع أبدًا تظهر دلوقتي ، البني آدم المجنون ده محدش يتوقع تصرفاته خصوصًا لما مايلاقيهاش ومايعرفش يوصلها علشان كدة لازم استعدله كويس .
وقفت جاحظة وهي تراه يعود لذكريات سيئة لا تريدها أبدًا ليدرك خوفها فيسحبها إليه سريعًا في عناقٍ يبث به دفئه ثم بدأ يملس على طول ظهرها بهدوء ويردد على مسامعها :
– متخافيش يا نارة ولو فعلًا بتحبي صقر بلاش النظرة دي .
مرت ثوانٍ حتى ابتعد قليلًا يطالعها ليجدها تطالعه بثقة وقلقٍ في آنٍ واحد ، ثقة فيه وقلقٍ مما يمكن أن يحدث ليتابع بتريث :
– البني آدم ده عامل لنفسه تغطية عملية ممتازة بس اللي اكتشفته واللي أكده بهاء الفترة اللي فاتت إنه بدأ يبقى ليه علاقات مع مافيا في كندا وده معناه إن وجوده كدة خطر علينا وعلى الدولة ، يعني أنا وبهاء وأميرة مصلحتنا مشتركة وهي إننا نخلص منه .
لم تشعر بالراحة بل ازداد شعورها بالخوف والضيق يقبض على صدرها لذا تحدثت وهي تهز رأسها رفضًا :
– طب وليه ييجي هنا ؟ ، وليه تتواجه معاه إنت ؟
ابتسم عليها يبدو أنها تناست أن هذا طلبها لذا تحدث ممازحًا ليخرجها من حالتها :
– أميرة يا صقر ، لو حصلها حاجة أنا مش هسامحك .
طالعته بصدمة وندمٍ لأنها أدخلته في هذا الأمر ولكنها لم تكن تدرك أن للمافيا يدًا فيه ليعود ويربت على قلبها بحنان موضحًا :
– إنتِ ملكيش دعوة ، ده شريكي في الشغل وأنا اللي عرفتك عليه وعلى مراته ، بس علشان نبقى في أمان لازم يتقبض عليه ويتحاكم وتطلع كل فضايحه للعلن بعيد عني وعن اسمي الجديد ، الأول بس لازم أخلع منه وبعدين ييجي دور بهاء في القبض عليه .
أومأت له بحركاتٍ متتالية ثم تحدثت وهي تتمسك بكفيه :
– تمام أنا معاك ، بس خد بالك من نفسك أمانة .
حرر يده وحاوط رأسها ثم انحنى يقبل جبينها وعاد يطالعها قائلًا بمرونة :
– يالا اقعدي كملي كتابك .
ابتسمت له فكيف لها أن تجلس باسترخاء وتقرأ وبعد قليل من الممكن أن تحدث حربًا كما قال لذا زفرت قائلة تخفي توترها :
– أنا واثقة فيك
❈-❈-❈
تقود في طريقها عائدان إلى المنزل ويجاورها وهو يستند برأسه على النافذة حيث الدوار يهاجمه .
نظرت له بحنين وقالت معنفة :
– مش فاهمة ليه بتعمل في نفسك كدة ، كان مفروض تاكل أي حاجة علشان الدم اللي خسرته ده .
تحدث بإرهاق وعيناه مغمضتان يقول ويده تتمسك باليد المصابة :
– لما نوصل هناكل سوا .
زفرت وقادت وهي يتملكها الشك منه ومن أفعاله ويتردد داخلها سؤال هل يمكن أن يكون تسبب عمدًا في جرحه هذا ، لقد بدأت تعلم الكثير عن شخصيته خاصةً حينما يبدل اللهجة المصرية بالإيطالية فهو يراوغ ويخفي شيئًا ما .
عاد الضيق يلتهم رئتيها وباتت تفكر كيف يمكنها التعامل معه لذا التفتت تطالعه للحظات لتجده مستكينًا هادئًا يستند ويغلق عيناه .
وصلا إلى فيلتهما بعد وقتٍ ودلفا حيث كانت تسانده حتى وصلا إلى الأريكة فأجلسته عليها فارتد بإرهاق .
تركته وتحركت في طريقها إلى المطبخ وهي تخلع حجابها وتلقي به مع حقيبتها على المقعد واتجهت لتحضر له وجبة .
مضى بعض الوقت وانتهت من تحضيرها وعادت إليه تحمل الصينية وتقدمت تجلس أمامه وتناديه بعدما لاحظت سكونه قائلة بحنانٍ :
– خالد ؟
تمتم حيث كان شبه غافلًا ورفع يده عن وجهه الشاحب ثم نظر للطعام ولها وتساءل بهدوء غير معتاد :
– إيه ده يا خديجة ؟
تناولت الملعقة وبدأت تغمرها في الحساء وترفعها إلى فمه قائلة بهدوء وترقب :
– دي شوربة لسان عصفور ، دوقها هتحبها .
كانت الملعقة عند فمه فتناولها منها وبلعها ثم طالعها بإعجاب وقال ممزاحًا برغم وهنه :
– من أين حصلتِ على لسان العصفور هذه ؟
ابتسمت عليه وهي تنظر إلى الحساء وتملأ الملعقة به ثم طالعته وناولته الأخرى وهي تجيبه بمرحٍ مماثل :
– لميت شوية عصافير من فوق الشجرة اللي برا وقطعت لسانهم ، يالا بقى كمل أكلك علشان هعمل معاك زي ما عملت معاهم .
أعجبته الفكرة كثيرًا وعادت إليه عبثيته وهو يقول بنبرة مثيرة مقربًا نفسه منها :
– ستقطعين لساني أم ستتذوقينه ؟
ابتسمت وعيناها على الطعام ثم عادت تطالعه بعمق وتحدثت بجرأة غير معهودة قائلة :
– إن لم تتوقف وتتناول طعامك سأفعل كلاهما .
اتسعت عيناه متفاجأً من جرأتها وقال بتفاخر وهو يبتسم على شهيته :
– أوووه ، هذا جيد جدًا ، أرى أن تعليمي لكِ لم يذهب سدى ، ممتاز يا شهية .
ضحكت عليه ثم عادت تطعمه وهو يتناول بطاعة حتى انتهت ووقفت قاصدة المطبخ ولكنه سحبها بيده السليمة لتجلس على قدميه وقال وهو يحاوطها وينوي تقبيلها :
– هيا يا شهية أرني كيف ستفعلينها .
أبعدت وجهها عنه للجهة الأخرى وامتدت يدها تضع الصينية على الطاولة فتعجب يبتعد بوجهه قليلًا ويطالعها بعيون متسائلة فعادت تطالعه قائلة بنبرة ونظرة ثابتة :
– لنتحدث أولًا .
ضيق عينيه مستفهمًا يتساءل فتابعت بخبثٍ جاهدت لتتقنه علّ تلك الطريقة تنجح مع شخصيته :
– لنتحدث أولًا خالد .
رفعت يدها تتحسس ملامحه بطريقة مثيرة أسبل جفنيه على أثرها وانسحبت أنفاسه من أمام أنفاسها وهي تتابع بنبرة هامسة :
– بعدها سآخذك في رحلةٍ إلى عالم الأحلام ، سأريك كيف تكون المتعة .
لا تعلم كيف استطاعت قول هذا ولكنها قررت تجربة أمرًا جديدًا معه وهي ملاعبته بنفس أساليبه ، لذا فهي تجرب حظها وترجو أن تنجح في فعلتها وألا تندم .
تحدث متذمرًا كالأطفال :
– ما رأيكِ لو نعكس تنظيم الأمور ، لتأخذيني أولًا إلى رحلتكِ ثم نتحدث بعدها ؟
هزت رأسها تردف بتصميم ثابت :
– لا الحديث أولًا .
قالتها ونهضت تبتعد عنه فجأة وجلست أمامه فزفر متأفأفًا وقال متلهفًا وهو يعتدل في جلسته كأنه يجلس فوق أسلاكٍ شائكة :
– هيا خديجة أسمعكِ .
سحبت نفسًا قويًا ثم طالعته بتركيز وتحدثت بما يعتليه قلبها مستفيضة تقول وهي تعود لذكرى ما حدث :
– بصراحة يا خالد أنا مش هرتاح غير لما علاقتك مع بابا تبقى كويسة ، تحترمه وتتعامل معاه بأسلوب كويس ، بابا يمكن بيتعامل معاك بقسوة شوية بس إنت كمان مش بتحاول تكسبه ، اللي حصل النهاردة منك بجد وجعني أوي ، على الأقل لازم نروح نعتذرلهم على الاستقبال البايخ ده .
تعمق في عينيها بعينيه الماكرتين لثوانٍ وقد عاد إليه تركيزه لذا أومأ قائلًا بملامح جادة :
– حسنًا معكِ حق ، ربما بالغت قليلًا ، أعدكِ سنذهب إليهم في أقرب فرصة ، يجب أن لا تتألم شهيتي .
هل حقًا اقتنع ؟ هكذا كانت نظرتها إليه ، نظرة شك تبعتها متسائلة :
– بجد يا خالد ؟
أومأ لها ثم مد لها يده السليمة لتناوله كفها ففعلت فأسرع ينتشلها لتعاود الجلوس على ساقيه فحاوطها وتحدث بتأثرٍ وهو على بعد أنشٍ منها :
– والآن هيا يا شهية أرني كيف تكون المتعة .
حدقت به بشكٍ للحظات ولكنه لم يمهلها حيث انحنى يقبلها بشغفه وعنفوانه ، أتريد أن تأخذه في رحلةٍ ممتعة ؟، حسنًا ليصبح هو قائد الرحلة والمسؤول عن المتعة لكليهما .
اندمجت معه بل تناست كل شيءٍ سيءٍ منه وكم كان يتقن السيطرة على حواسها ليسقطا في بئرٍ من خمر الحب والمتعة .
فهم عليها جيدًا بل كشف لعبتها بكل سهولة ، نعم هي تلميذة نجيبة انبهر بأدائها الجديد عليها ولكنها لن تتفوق على رئيس قسم العبث والخطط الماكرة .
❈-❈-❈
وصل عاطف إلى فيلا صقر وترجل هو ورجاله يتجهون نحو البوابة التي يقف عليها حارسًا فقط .
نظر عاطف للداخل وتحدث بتعالٍ دون النظر للحارس :
– نادي على البيه بتاعك ، قوله عاطف سليمان وصل .
نظر له الحارس بضيق ثم رفع هاتفه وتحدث عبره ليظهر صقر بعد دقيقة ويتجه نحوه ثم أمر حارسه بفتح البوابة وخطى يقف أمام عاطف يتطلع على رجاله بثقب حتى استقرت عيناه عليه قائلًا بثباتٍ :
– هو إنت فعلًا مفكر إن المدام عندنا ولا إيه ؟
تحدث عاطف بملامح يجاهد لتظل ثابتة :
– احتمال كبير جدًا وعارف إنها لو عندك إنت مش هتقبل بحاجة زي دي .
– أومال ليه جاي وجايب معاك دول ؟
قالها وهو يوزع أنظاره عليهم باستخفاف ليتابع عاطف بهدوء عابر وداخله بركانًا نشطًا :
– يا محمد بيه إحنا حبايب واعتبرنا ضيوف ، الرجالة معايا في أي مكان ، ممكن بس تدخل تتأكد إنها مش عندك جوة أو تسأل نارة هانم على مكانها ، أنا احترمت وجودك وماحبتش أروح بيت حماتك إلا لما أجيلك الأول .
كشر صقر عن أنيابه وتحدث بجمود لينهي هذا النقاش :
– المدام مش هنا ، ونارة هانم ماتعرفش أي حاجة عنها ، الأفضل تدور عليها في أماكن تانية ، عند أهلها مثلًا .
بدأ ينقشع هدوء عاطف ويظهر الوجه الآخر له وهو يقول بغضبٍ متخبطٍ :
– مستحيل تروح عند أهلها ، أنا متأكد إن مراتك هي اللي ساعدتها ، أنا عايز مراتي حالًا .
اقترب منه رجاله ليقفوا حوله في حالة تأهب حينما لاحظوا غضبه تحت أنظار صقر الذي وضع كفيه في جيبي بنطاله وتحدث يكرر ببرود متعمد :
– نقول تاني ، مراتك مش هنا ، ونارة هانم ماتعرفش عنها أي حاجة ، خد رجالتك يا عاطف يا سليمان والحق وقتك وروح دور على مراتك في حتة تانية قبل ما تختفي وماتلاقيهاش تاني .
لأول مرة يشعر عاطف بتهديد صريح من صقر له خاصة مع نظرة الثبات وملامح التحذير المرتسمة على وجهه.
وصل غضبه لحنجرته وود لو تصرف بشكلٍ همجي وحتى أنه لم يتمالك نفسه فأزاح طرف سترته ليستعرض سلاحه بتهديد وأومأ يقول بنظرة تحدي :
– تمام ، هلاقيها أكيد ، ووقتها هحاسب اللي ساعدها تهرب .
تحرك يغادر هو ورجاله ليتحدث صقر بعلوٍ قبل أن يستقل سيارته :
– اعتبر الشراكة بينا ملغية ، والشرط الجزائي أظن إنت اللي هتدفعه بعد اللي حصل ده .
التفت عاطف يطالعه شزرًا ويتمنى لو يخرج مسدسه وينهى الأمر ليخفف من وطأة غضبه ولكنه أسرع يستقل سيارته ويغادر قبل أن يفعلها .
وقف صقر يتتبع أثرهم ثم رفع هاتفه وهاتف حراسه الذين أرسلهم لمنزل آسيا ليبلغهم بالانتباه جيدًا فهذا المجنون لا يمكن توقع أفعاله خاصةً وأنه من المستحيل عثوره على زوجته .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
يستعدان سويًا للذهاب إلى منزل عائلتها بعدما أخبرت خديجة والدتها بذلك صباحًا ، تشعر بالحماس والسعادة خاصة وأنه قرر الاعتذار منهما كما وعدها أمس .
نزلا الدرج سويًا وخطى بها يعانق خصرها ويتقدمان من الباب ولكنه توقف عنده وحاوطها قبل أن يفتحه فطالعته متعجبة وهو يسافر بعينيه على ملامحها ثم استقر عند عينيها يقول بنبرة ثاقبة :
– لنتفق أولًا خديجة .
ضيقت عيناها باستفهام ونطقت متسائلة وهي تهز منكبيها :
– على إيه يا خالد ؟ .
تبدلت نظرته الحانية إلى أخرى قاتمة تحذيرية وهو يقول بثباتٍ وثقبٍ لا يقبلا نقاش :
– لن تعانقي بهجت ، لن تعانقي أحدًا هناك ، يكفي السلام باليد ، وهذا كرمٌ مني ، حسنًا ؟
حدقت به بصدمة ، هل هو جاد ؟ ، هل يسمع ما يتفوه به ؟ ، كيف لها ألاّ تعانق أهلها ؟ ، لقد ظنت أنه سيتراجع عن أفعاله تلك .
حاولت مجادلته فقالت تحاوره خاصة بعدما حدث أمس :
– خالد افهمني ، دول أهلي وإن إنت تغير من استقبالي ليهم أو التعبير عن مشاعري ناحيتهم دي حاجة مش في محلها أبدًا ، لازم تديني مساحة معاهم أنا مقدرش اتعامل معاهم زي أي حد غريب عني .
انتهت من حديثها ونظرت له تنتظر حديثه فوجدت نظرته كما هي وعاود يكرر جملته كأنه لم يسمعها :
– لن تعانقي أحدًا هناك خديجة ، هل نذهب أم نصعد للأعلى مجددًا نتابع فيلمًا رومانسيًا كما أرغب !.
نظرت له بخيبة أمل ووجدت صدرها يضيق باختناق لذا تنهدت بعمق ثم اتجهت يداها تزيحه من أمامها وتردف بتجهم وهي تفتح الباب وتتحرك بحزن أصابها :
– تمام يالا .
لعن تحت أنفاسه فها هي تعود إلى حزنها منه ، لمَ لا تفهم عليه دون أن تتغير تعابير وجهها في عينيه ، لمَ تتجهم ملامحها بعدما كانت بشوشة سعيدة فقط لأنه يغار عليها من أبيها وأمها !. ، يفترض أن تسعد أولم تعتبر الغيرة هي دليل الحب ؟
اتجهت قاصدة مكان القيادة فنداها قائلًا بملامح متعكرة وهو يتجه إليها :
– توقفي خديجة أنا من سيقود .
التفتت تطالعه بتعجب ثم نظرت ليده المضمدة وتساءلت باهتمام برغم حزنها نسبةً لحالته أمس :
– هتقدر ؟
– لا تهتمي .
قالها دون النظر إليها واتجه يستقل مكان القيادة فزفرت واتجهت تجلس في الجهة الأخرى ، تجلس بصمتٍ بدأ من هذه اللحظة وسيستمر طوال الطريق وقد قرر هو أيضًا عدم قطعه فهو الحزين هنا وليست هي .
❈-❈-❈
لم يجدها ، بحث عنها طوال الليل وحتى طلوع الفجر وكأنها تبخرت تمامًا .
يجلس في مكتبه متكئًا على مقعده ويفكر في احتمالات أدناها مرعب .
الشكوك تتعاظم في رأسه والسيناريوهات تتلاعب بفصوص مخه .
لو لم تكن تلك النارة هي المسؤولة عن اختفائها فهل يمكن أن يكون ذاك اليوسف هو من ساعدها ؟ ، هل التقى بها ؟ ، هل هربا سويًا ، هل وهل وهل إلى أن بات على حافة التحول لوحشٍ همجي .
هدوءه مخيف يشبه بحرًا انحدرت مياهه بهدوء لتعود بتوسنامي مدمرًا كل شيء .
❈-❈-❈
وصلا بعد وقتٍ وترجلا أمام الفيلا ، كان قلبها متحمسًا لرؤية والديها وشقيقها خاصة بعدما حدث أمس فهي تتمنى أن يتراضا وتصبح علاقتهما جيدة لترتاح .
تمهلت قليلًا وتحركت معه بعدما ترجل ففتح الباب واستقبلتهما نسرين بوجهٍ بشوشٍ ورحبت بهما وهي تفسح لهما المجال قائلة :
– يادي النور ، أهلًا وسهلًا ، اتفضلوا .
دلفا سويًا فأغلقت الباب واتجهت بأنظارها إلى يد خالد فاتسعت عينيها ونظرت لخديجة مستفهمة ثم عادت تنظر نحو خالد وقالت بنبرة مهتمة حنونة :
– مالها إيدك يا خالد ؟
ابتسم بتكلف ثم تحدث بنظرة عابرة :
– بسيطة ، جرح صغير .
تعجبت من سكون خديجة التي ابتسمت لها بينما الآخر يقبض على يدها بين يده حتى لا يعانقها أحد .
نظرة من عين ابنتها جعلتها تستشف ما يحدث لذا تنهدت تهدئ من صدمتها وقالت وهي تشير لهما بالتحرك :
– طب اتفضلوا بهجت ومازن زمانهم على وصول ، أنا هحضر الغدا لحد ما ييجو .
جلس خالد بينما تحدث خديجة بمَ سيتسبب في إزعاجه ولكن ليحدث مثلما أزعجها :
– استني يا ماما هاجي أساعدك .
كاد أن يعترض ولكنها أسرعت الخطى نحو المطبخ خلف والدتها تحت أنظاره الحانقة وهو يسب بهمس ويتوعد لها بالكثير .
وقفت مع والدتها التي طالعتها بتعجب وتساءلت بعيون متفحصة لملامح ابنتها :
– فيه إيه يا خديجة ؟ ، أنا من امبارح قلقانة جدًا عليكِ .
التقطت نفسًا عميقًا ثم تحدثت بحنين وهي تتمسك بكفي والدتها بحب وقالت باستفاضة :
– أنا كويسة يا ماما بس خالد منعني أحضن أي حد هنا ، إنتِ متخيلة ؟ .
نظرت لابنتها بصدمة ثم بدأت تتلاشى تدريجيًا وتحدثت مطمئنة بنبرة لينة حتى لا تحزنها :
– بيغير عليكي يا خديجة .
تعجبت خديجة من هدوء والدتها التي تابعت بتروٍ :
– خالد محتاج ثقة ودعم مننا ، هو لحد دلوقتي ماعندوش ثقة إننا بنحبه ، بس طمنيني أهم حاجة بيعاملك كويس ؟ ، هو زعلك إمبارح ؟
هزت رأسها تردف بصدق ونبرة هادئة بعد حديث والدتها :
– لا خالص ، بيعاملني كويس جدًا بس أطباعه غريبة يا ماما ، تصرفاته متهورة واللي عايزه بيعرف ينفذه وبيتحايل .
أومأت والدتها بتفهم وتنهدت تتابع بتروٍ وحكمة :
– بصي الأمور دي طبيعية في أول الجواز ، انتوا لسة بتدرسوا طباع بعض ، واحدة واحدة هتتأقلموا على بعض وحتى غيرته عليكِ هتبدأ تقل ، المهم إنتِ متزعليش نفسك وتعرفي تتعاملي معاه لإن إنتِ اللي لازم تسحبيه لشخصيتك مش العكس .
لا تعلم لما توغلها بعض الضيق حينما شعرت أن غيرته عليها ستقل تدريجيًا برغم أنها تشعر بحصاره لذا قالت بتوجس :
– غيرته هتقل إزاي يا ماما ؟ ، يعني حبه ليا هيقل ؟
تساءلت بخوفٍ حقيقي ، فهو أغرقها حبًا وتجربة جديدة على عذريتها وأنوثتها تخشى فقدانها ، إنها تستمتع بكل شيء صادرًا منه تحت مسمى الحب وهي لا تريد أن يقل هذا الشعور أبدًا .
تعترف أنها أحيانًا تتذمر من أفعاله خاصة الهوجاء منها التي تعلم يقينًا بأن التعقل فيها أمرًا شرعيًا ولكنها تحب عشقه المسيطر حتى لو كانت تخفي ذلك عنه .
أجابتها نسرين مطمئنة بنبرة لينة وهي تربت على ذراعها مبتسمة على حال ابنتها :
– لا طبعًا اللي قالك الحب بيقل بعد الجواز ده غلطان ، مش ده اللي الإسلام قال عليه أبدًا ، هيفضل يحبك طبعًا خصوصًا لو بتتعاملي معايا زي ما قلتلك قبل الجواز ، بس غيرته من ناحية أهلك هتقل لما يحس إننا عيلة مع بعض ونقرب منه واحدة واحدة ونحسسه إنه مننا ، متنسيش إن خالد مفتقد جو العيلة وحياته برا كانت بردة وقاسية ، لما يحس بالدفا وسطينا هيقلل غيرته عليكِ مننا ، إنما غيرته عليكِ من اللي برا فدي مش هتقل أبدًا ، المهم تتعاملي معاه بذكاء وحتى لو إنتِ حابة غيرته ليكِ متبينيش ده قدامه .
دققت النظر في عيون والدتها وشردت تفكر ثم تحدثت بقلق تستبدل دفة الحوار وهي تلتفت مستندة بكلتا يديها على حافة المطبخ الرخامية :
– خالد لسة قدامه مشوار طويل أوي يا ماما ، أنا بحاول معاه ونفسي يلتزم ونفسي يقرب من ربنا بس هو فعلًا ميعرفش أي حاجة عن ديننا .
شعرت بالقلق على ابنتها وأدركت خديجة ذلك فأسرعت تقابلها وتتمسك بكفيها لتقول بابتسامة مطمئنة :
– بس هو بيحبني جدًا ، يمكن بزعل منه وتصرفاته بتضايقني ساعات بس بفرح معاه أكتر ، والأهم إنه مش بيحب يشوفني زعلانة أبدًا ، وصدقيني بيحاول بيتغير .
أفلتت يدها من قبضة ابنتها ورفعتها تحتضن وجنتها ثم تحدثت بحنين وتنبيه :
– حلو إنه ميحبش يشوف زعلك بس الأحلى إنه يبقى مش عايز يزعلك ، يبقى كاره يشوف زعلك علشان إحساسك إنتِ مش علشان نفسه ، فهماني ؟
نظرت محدقة لوالدتها وتعمقت في جملتها فأسرعت نسرين تلتفت وتأخذ طبقي المحاشي واللحوم وتناولهما لها كي تمتص أفكارها السلبية قائلة بابتسامة بشوشة :
– يالا خدي ودي على السفرة زمان بهجت ومازن على وصول .
أومأت لها تبتسم وتناولت منها والتفتت لتخطو ولكنها أجفلت حينما وجدته أمامها يردف بتذمر طفولي وهو يطالعها :
– هل سأظل أتحدث مع نفسي كثيرًا ؟ ، كأنني سأجن خديجة ؟
قالها بعدما قرر تركها تختلي بوالدتها عدة دقائق فهو يحب هذه النسرين على عكس زوجها .
التقطت نفسها وابتسمت وهي تتحرك تجاهه ونسرين تطالعه متعجبة بينما تحدثت خديجة بحنانٍ :
– خلاص يا حبيبي جيت أهو .
ها هي تتناسى مجددًا حزنها منه فابتسم لها ونظر لما في يدها قائلًا وهو يقف عند الباب يعيق حركتها نحو الخارج :
– ما هذا ؟
نظرت للطبقين وتحدثت بابتسامة هادئة وهي تشير بعينيها عليهما :
– ده محشي ورق عنب وده بط بالبرتقان .
ارتفع حاجبيه بدهشة خاصة وشكل الطعام يزيد من شهيته ويسيل لعابه لذا مد يده يلتقطهما منها قائلًا :
– تمام هاتي وأنا أحطهم ألى السفرة .
تمسك بهما والتفت يتحرك فتحركت خلفه تحاول إيقافه وهما يمران من بهو الفيلا في لحظة دخول بهجت ومازن فتوقف خالد حاملًا الطعام بين يديه يطالعهما بنظرات ثابتة وترقب وخلفه خديجة تبتسم لهما بينما نسرين تقف على حافة الباب متعجبة من زوج ابنتها العبثي هذا .
تحدث خالد كأنه صاحب منزل قائلًا باستفاضة وهو ينوي التحرك بالأطباق :
– هيا لا تحدقان هكذا الطعام الشهي هذا سيبرد .
تحرك خطوة ولكنه تجمد حينما وجد مازن يصرخ بسعادة وهو يسرع الخطى نحو شقيقته ويلتصق بها دون مقدمات في عناقٍ أخوي مردفًا باشتياق :
– وحشتيني يا ديجا .
❈-❈-❈
توقفت بسيارتها أمام الفيلا تنظر للافتة المعلقة لتتأكد أنها الفيلا المنشودة .
زفرت بعمق وتوتر وابتلعت لعابها ولكن ليس أمامها حلًا آخر ، أصبحت تخاطر بكل شيء لهذا أتت لتجرب حظها .
التفتت تنظر نحو الكيس الورقي ثم التقطته وفتحته تتطلع على الكنزة الصوفية التابعة له لثوانٍ ثم أعادتها مكانها وحملت الكيس تترجل من السيارة ثم خطت نحو البوابة لتجد عددًا من الحراس أثاروا ريبتها ولكنها ابتلعت لعابها تردف بتوتر :
– ممكن أقابل عُمر ؟
 

google-playkhamsatmostaqltradent