Ads by Google X

رواية هواها محرم الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم آية العربي

الصفحة الرئيسية

    

رواية هواها محرم الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم آية العربي



 بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
الفصل الرابع والعشرون من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
أنا هربت من عالمي الفوضوي جميعه إلى غرفة مظلمة تمامًا إلا من نورٍ يأتي من فوهةٍ أحدثتها لأطل منها على الحياة وهذا النور هو ما أحدق به دومًا ، وهذا النور هو أنتٍ وصورتكِ فقط ، أنا لا أريد شيئًا آخر .
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
منذ أمس وهي جالسة تستريح على الأريكة في هذا البيت الساحلي ولكن عن أي راحة نتحدث ؟
جُل ما بها مُنهكٌ ومهموم ، الآن فقط يمكنها الانهيار .
أي جبلٍ هذا الذي يمكنه الشموخ بعدما تكالبت عليه الحمم والبراكين وتعاونت معها الزلازل والعواصف .
يقولون أن جيش المرء أهله وخاصة أمه ولكنها كانت امرأة بجيشٍ من الثعابين ما إن ثارت نهشوها ودسوا سمومهم فيها دون رحمة .
تجلس منذ أمس لم تستطع أن تغفو من شدة خوفها الذي يحوم حولها كذئبٍ جائع ، صحيحٌ أن صقر صدق وعده لها ووعدها بالأمان ولكنهم هدموا جدران الأمان من حولها منذ زمنٍ .
الأفكار في رأسها كالمطارق تطرقها بلا رحمة ولا هوادة فتصيبها بصداعٍ لا مثيل له .
ماذا بعد الهرب ؟ ، هل حقًا تخلصت منه ؟
من كثرة أصفاده وقيوده حولها باتت تظن أن النجاة خدعة والزورق الذي اتخذته منقذًا لتبتعد ما هو إلا وسيلة لتعيدها إلى جزيرته السامة من جديد .
نظرت على مد بصرها لترى أكياس الطعام موضوعة أمامها يجاورهما هاتفًا ناوله لها رجال صقر الذين جاؤوا بها إلى هنا وانصرفوا لا تعلم إلى أين .
عادت تقلب عيناها وتتكئ بيديها لتنهض تتحرك بخطى مبعثرة كحالها فشعرت بدوار لتسرع تستند على ظهر الأريكة وتتنفس بقوة تحاول التحامل وتحركت نحو الغرفة الوحيدة هنا .
دلفت تتطلع حولها بعيون مرهقة لتجد سريرًا رتيبًا وكومود وخزانة وبابًا يبدو أنه حمام .
كل شيء مرتب ونظيف على ما يبدو أنه أعده مسبقًا لذا فهي ممتنة لهذا الرجل وزوجته اللذان كانا أكثر رحمةً من عائلتها ، تحركت نحو النافذة وأزاحت ستائرها وفتحتها بقبضة مرتعشة لتجد موجات الهواء تلفح بشرتها وكأنها تتعمد مداعبتها فوقفت تتطلع نحو الخارج حيث البحر أمامها والأمواج تتلاطم كأفكارها .
ابتسمت بألم حتى أنها لا تعلم أين هي الآن ، تساقطت عبراتها بشكلٍ متتالٍ لتصبح تحشرجات ثم بدأت تنتحب بصوتٍ مسموع ولو كان باستطاعة الأمواج أن تواسيها لتجسدت تغسل وجهها من هذا العويل الحزين ولكنها اكتفت ببث خاطرةٍ داخلها
توقفي أيتها الأميرة فرمالي لا تمتص الآهات
هزت رأسها برفضٍ ولم تستطع أن تتوقف بل أرادت أن تعبر عمّا بها ، أرادت أن تنهار بعد صمتٍ وصمودٍ طالا لتبدأ في إصدار ما بها من آهات ، آهات أشبه بالصرخات فهذه فرصتها المناسبة حيث لا مخلوقًا هنا سوى الطبيعة .
تخرج ما بها من قهرٍ وضعفٍ وعجزٍ عانت منهم لسنوات ، تبكي لعلها تخطو خطوةً تعبر بها داخل عبّارة الأمل فتودع الحزن واليأس للأبد .
❈-❈-❈
سألت عنه ووقفت ترى الحارس وهو يتحرك نحو الداخل ليناديه .
لأول مرة تشعر بنبضاتها متخبطة ، لأول مرة تتجرد من جرأتها المعهودة .
نعم تمتلك جزءًا من صفات والدها في التبجح والرياء ولكنها من المؤكد تحمل صفة الامتنان من والدتها حيث تشعر بأنه يجب عليها ألا ترد ما فعله معها بشكلٍ سئٍ حتى لو كانت تسعى للانتقام من تلك المايا .
عاد الحارس ومعه عمر يظهر عليه التعجب وما إن لمحها حتى انعقد حاجبيه يطالعها بذهول وتباطأت خطواته من قوة صدمته وتوقف عن التفكير للحظات قبل أن تنفجر داخل عقله مجرات القلق من رؤية مايا لها لذا بات يسرع حتى وصل إليها وفتح البوابة سريعًا يقف مقابلًا لها فيخفي هيأتها تمامًا بجسده ويتحدث ذاهلًا :
– إنتِ إيه اللي جابك هنا ؟
التهمها وحش التوتر وظهر ذلك في عينيها ثم تحدثت متلعثمة وهي تمد له الكيس الورقي :
– جيت أجبلك البلوفر بتاعك و ، و .
– و إيه ؟
نطقها بنفاذ صبر فتنفست بقوة أتخبره ليساعدها أم ترحل فوقفت حائرة بين نارين كلاهما احتراق ولكنها عزمت أمرها وقالت بنبرة منكسرة تظهر بها للمرةِ الأولى :
– أنا محتاجة مساعدتك ، الكلب اللي اسمه أيمن طلع مصورني وأنا داخلة معاه الشقة وبيهددني وطالب مبلغ كبير أوي يا إما هيبعت الصور لأبويا وينشرها واتفضح .
زفرت كأنها كانت تركض ثم وقفت متأهبة تنتظر أي رد منه ليقف هو الآخر يطالعها بصمتٍ والأفكار المتناقضة تهاجمه ، كيف يساعدها دون أن يأذي مشاعر حبيبته ؟ ، ولكن لمَ يساعدها من الأساس ؟
تحدث بنوعٍ من التملص :
– يابنت الناس أنا اللي قدرت عليه عملته وبعد كدة ماينفعش ادخل .
تحدثت بلهفة تخبره باستفاضة وتوجس :
– بس إنت لازم تتدخل ، لإنه صورنا واحنا طالعين مع بعض من عمارتك وطلب مني ابعت الصور لمايا .
تدلى فكه واتسعت عيناه بصدمة وفكر سريعًا كيف التقط لهما صورًا وهو قد أغلق عليه ، هل يمكن أن تتلاعب به هذه البنت أم ماذا ؟
وكأنها أدركت شكه لتسرع قائلة بصدق :
– وقف في الشباك وصورنا ولو انت مش مصدقني شوف الصور أهي .
قالتها وهي تدس يدها في حقيبتها لتلتقط الهاتف وتتلاعب به تحت أنظاره ثم عرضت عليه الصورة لينتشل منها الهاتف ويتحقق جيدًا ليجد بالفعل الصورة قد التقطت من الأعلى لذا من المؤكد هي صادقة .
ناولها الهاتف وتكتف يطالعها بضيق ينهشه ووقف حائرًا بين ضميره وحبه لذا نطق بحلٍ محايد :
– تمام أنا ممكن اساعدك بس لازم مايا تعرف الموضوع من أوله .
جحظت وأسرعت تتمسك بكفه فأبعده سريعًا ولكنها انحنت قليلًا تردف بتوسل ويرفض كبريائها الخضوع لهذا الأمر :
– لاء مستحيل مايا لاء ، بلاش مايا تعرف أبوس إيديك .
عاد يتلاطم فوق أمواج الحيرة ولا يدري أي مرسى يتخذ ، إن لم يخبر مايا بمَ حدث فمن المؤكد سيحدث بينهما خلافًا خاصة وأنه أصبح طرفًا بعدما كان منقذًا وإن قرر عدم مساعدتها سيؤنبه ضميره بالإضافة إلى احتمالية تورطه أيضًا .
هز رأسه وحكم عقله قائلًا بصرامة أمام توسلاتها :
– الموضوع دلوقتي مش اختيار قدامك ، مايا مراتي وبمَ إن الكلب ده جر رجلي لحكاية ماليش فيها يبقى لازم تعرف ، وإنتِ لازم تقدمي تنازلات لإنك غلطتي وأنا شايف إن ده أبسط تنازل ممكن تقدميه ، مايا لازم تعرف .
– عمر ؟
تجمدت عضلاته حينما سمع صوتها من خلفه فالتفت مسرعًا يطالعها ليجدها متسمرة تطالعه بوجهٍ تخلى عن تورده وعيون انفجرت بهما لآلئ الشك والصدمة وهي تسترسل متسائلة :
– إيه هو اللي لازم أعرفه ؟
زفر يستغفر سرًا ثم تقدم منها يمد يده إليها قائلًا بنبرة هادئة مترقبة :
– تعالي يا مايا .
ناولته يدها وتقدمت معه نحو إيمان بالرغم من بركة المشاعر السلبية التي غرقت فيها حتى توقفت أمامها تطالعها شزرًا والأخرى تبادلها حقدًا بعدما تجردت من ضعفها وحزنها وارتدت ثوب التعالي أمامها ووقفت ترسم على ثغرها شبح ابتسامة متعمد وكأنها ليست هنا لتستعطفه لحل مصيبتها بل وكأنها بالفعل على علاقة معه .
زفر عمر ونظر إلى إيمان وهو يجاور مايا ويتمسك بكفها بقوة :
– ها يا إيمان تحبي تشرحي الموضوع بنفسك لمايا ولا احكيلها أنا ؟
للحظات كادت أن تتخلى عن قناعاتها وتنتقم من هذه الشمطاء وتدعي بعلاقة بينها وبين عمر ولكنها برغم جودتها التمثيلية إلا أنها من المؤكد ستخسره لذا عادت تتنفس بقوة ثم طالعته بعيون لامعة وتحدثت بنبرة منكسرة :
– عمر لو سمحت بلاش تحطني في موقف زي ده ، أنا فعلًا كنت محتاجالك ، خد البلوفر بتاعك وخليني امشي دلوقتي أحسن ، وشكرًا على كل حاجة عملتها معايا .
ناولته الكيس وتحركت مسرعة نحو سيارتها تغادر بملامح متشفية برغم يأسها من إيجاد حل بعدما كاد أن يساعدها .
غادرت وتركت خلفها حريقًا بدأ من نظرات ليندلع بألسنة لهبٍ حار تأكل كل ما يقابلها حيث امتدت يدها تنتزع الكيس من قبضة عمر الذي وقف يزفر ويطرق رأسه استعدادًا لمواجهة تلك النيران .
فتحت الكيس وانتشلت الكنزة ترفعها إلى أنفها وتشمها بعنف لتتسع نظراتها وهي تقول بصدمة :
– دي ريحتك فيها ؟ ، عمر إنت عملت إيه ؟
قالتها بصراخ لاغية أي عقلٍ لديها وكيف تهدأ وكل ما حولها يؤكد لها أن تلك الفتاة بينها وبين زوجها أمرًا غامضًا يخفيه عنها .
نظر حوله ليجد الحارس يتطلع نحوهما لذا تمسك بكفها وسحبها للداخل خلفه حتى ابتعدا ثم توقف في مكانهما الدائم وتحدث محذرًا بعنياه :
– مايا اهدي وهفهمك كل حاجة .
( كل حاجة ؟ كل حاجة ؟)
تلك الجملة ترددت على عقلها بدون رحمة لتؤكد لها أن هناك أمرًا ، هناك أمرًا أخفاه عنها عمر لتأتي تلك السليطة وتكيدها وتعطيه كنزته بكل تبجح وهي تقف كالأطرش في الزفة .
ردت بمَ يجول في عقلها :
– اهدى ؟ ، مستحيل اهدى ، اهدى ازاي بعد ما البنت دي جت وقفت قدامي وجيبالك البلوفر بتاعك ، كان بيعمل إيه البلوفر بتاعك عندها يا عمر ؟
مسح على وجه بكفيه يستغفر فهذه المجنونة تشبه العاصفة الهوجاء وعليه أن ينتظر إلى أن تمر دون اقتلاع شيئًا من علاقتهما في طريقها لذا تكتف ووقف أمامها يطالعها ببرود فثارت أكثر وصرخت قائلة :
– اتكلم يا عمر ماتجنننيش .
خرجت آسيا على صوتها تتجه إليهما ثم تساءلت وهي تطالعهما بتعجب :
– فيه إيه يا مايا صوتك عالي ليه كدة ؟ ، مالها يا عمر .
تنهد عمر بضيق ثم اعتدل باحترام يطالع آسيا وقال وهو يتجنب النظر نحو تلك الهائجة :
– موضوع بسيط يا آسيا هانم متقلقيش .
اتسعت مقلتيها وهي تراه هادئًا رشيدًا لتقول باندفاع وهي تلوح بيدها وتشعر بنغزات وطلقات تستهدف قلبها غيرةً وقهرًا :
– لاء مش بسيط يا عمر ، بسيط ازاي ؟
التفتت تنظر نحو آسيا وتحدثت باستفاضة وباندفاع :
– لما البنت اللي اسمها إيمان العدلي دي يا مامي تيجي لحد هنا وجايبة معاها بلوفر عمر وواقفة تتكلم معاه وتقوله شكرًا على كل حاجة عملتها علشاني ؟ ، أزعل ولا لاء يا مامي ؟
قالتها بحزن تجلى فوق ملامحها ودموعها وجدت طريقها إلى عينيها ليزفر بضيق ووقف صامتًا في موقف يحسد عليه لتتجمد آسيا لثوانٍ تطالع ابنتها وكأنها تترجم ما قالته ثم رددت بصدمة :
– إيمان العدلي ؟ ، بنت سمير العدلي ؟
أومأت مايا وارتفعت يدها تجفف دمعتها وتنفضها وهي تتابع موضحة :
– أيوة هي ، أنا بقى عايزة أعرف حالًا إيه هو اللي عملته علشانها والبلوفر بتاعك كان بيعمل إيه معاها ؟
زفر بضيق وشعر بأنه بين قبضتي استجواب من صراخ مايا ونظرات آسيا التي تدل على … صدمتها!
تحدث بالقليل من الحدة والتحذير نسبةً لفوضويتها وصياحها :
– مايا قلتلك اهدي وهنتكلم ، كل اللي بتعمليه ده مالوش لزمة .
نظرت آسيا نحو عمر وباتت هي من تنتظر كلماته بفارغ الصبر وما علاقته بتلك الفتاة التي من المؤكد لا تعلم عن هويته الحقيقة شيئًا ، أيعقل أن تكون قد أحبته ؟ ، لا مستحيل .
لم تفكر بها بل نطقتها بصوتٍ مسموع لذا نظرت مايا إليها وتساءلت من بين غضبها وحزنها بنبرة هادئة نوعًا ما :
– هو إيه يا ماما اللي مستحيل ؟
تعمقت آسيا فيها ثم الفتت تنظر لعمر ولأول مرة تردف بحدة نوعية :
– ماتقول يا عمر في إيه ؟
ابتلع لعابه ووقف يلتقط أنفاسه ثم تحدث بترقب حينما شعر أن الأعين والآذان حولهم :
– طيب ممكن ندخل نتكلم جوة أحسن .
أومأت له وتحركوا ثلاثتهم نحو الداخل ومايا تخطو على مضدد وضيق حتى جلسوا في بهو الفيلا تنتظران تفسيره لهما لذا رفع نظره نحو آسيا متجاهلًا عيون مايا وقال بتريث برغم شعوره بالضيق والضغط :
– من فترة لما روحت شقتي أجيب أوراقها ـــــــ.
بدأ يقص لهما ما حدث تحت نظرات مايا وانتباهها لحديثه جيدًا .
❈-❈-❈
أسرع مازن إليها يضمها باشتياق وسعادة فبادلته بحالة مماثلةٍ وتناست للحظات تحذيراته مستمتعة بعناق شقيقها الذي اشتاقت له .
ومن وسط باقة مشاعرها الأخوية وحينما وقعت عيناها عليه ويدها تربت على ظهر شقيقها الذي بدوره يربت على ظهرها حتى تجمدت تمامًا وباتت نظرتها مثبتة عليه وهو يحمل بين يديه طبقي الطعام ويطالعهما بعيون قاتمة حادة متجمدًا مكانه .
تحمحمت تبتعد وأردفت وعيناها منكبة على خالد بتوتر أصابها خوفًا من انقلابه أمامه أهلها :
– وانت كمان يا مازن وحشتني أوي .
ابتعد مازن يبتسم بسعادة ثم نظر نحو خالد فوجده يطالعهما كأنه على وشك اقتناصهما بسلاح كلاشينكوف ولكنه لم يلاحظ ذلك لذا أسرع إليه يربت على كتفه قائلًا بود وملامح بشوشة :
– أزيك يا خالد عامل إيه .
لم يجبه بل ظل يطالع خديجة التي تترجاه بنظراتها أن يمرر ما حدث لأجل خاطرها .
أسرعت نسرين إلى زوجها تردف كي تلطف الأجواء برغم ضيقها من هذا الخالد بعدما لاحظت نظراته المبالغ فيها على ابنتها :
– حمدالله على السلامة ، يالا الأكل جاهز يا بهجت يالا يا خالد .
نظر بهجت إلى خالد وتحدث بنبرة هادئة خاصة بعد حديث زوجته له أمس وبعد مجيئه اليوم والذي يدل على اعتذاره عما سبق حتى لو لم ينطقها :
– تاعب نفسك ليه يابني ، هات عنك .
قالها بعدما وصل إليه ومد يده يتناول منه الطعام فتركه خالد فتحرك به بهجت للداخل بينما تحرك مازن نحو الحمام ليغسل يداه متعجبًا من أمره وصمته أما نسرين فربتت على كتف خالد تبتسم له وتبعت زوجها كي تساعده في تنظيم المائدة ووقف هو يطالع خديجة كأنهما داخل محكمة قضائية هو القاضي وهي المتهمة .
بالرغم من أنها لم تخطئ ولكنها وجدت قلبها ينبض بعنف ليس خوفًا منه وإنما خشية من انفلات الأمور أمام عائلتها لذا لم تجد متنفسًا سوى لمعان خافت لتغيم عيناها فجأة أمامه .
وجدت نفسها مذنبة وهي لم ترتكب أي ذنب ، ضاق صدرها وباتت لا تعرف كيفية التصرف في هذا الموقف اللحظي فإن صاحت ستلاحظ أسرتها لذا فهي تبحث داخلها عن التغاضي ولكن عيناه توترها .
كان يقف يطالعها ويبحث داخله عن الهدوء كمن يبحث عن إبرة داخل قومة قش ، ربما ليست البادئة ولكنها رحبت بعناق شقيقها بل وبادلته وحركت يدها على ظهره وأغمضت عيناها مستمتعة بعناق أخيها الذي سيكون ملجئًا لها منه إن أرادت ذلك ، ولكن هل سيسبح بأفكاره التي تدور في عقله هذا ؟ ، لا يعلم ماذا يحدث معه حينما تأمن في عناق فردًا من عائلتها ، يشعر بنيران تشتعل فجأة من أسفل عروقه فتغلي دماؤه في جسده محدثةً فورانًا يكاد يذيب كل من أمامه ، لا يريدها أن تشعر بالأمان سوى معه فقط .
عادت والدتها تطالعهما فوجدتهما كما هما فزفرت بضيق وتحدثت :
– يالا يا ولاد وقفين كدة ليه ؟
تحمحم خالد أخيرًا وقرر التحرك نحو الغرفة دون التفوه ببنت شفة فتقدمت نسرين من ابنتها تردف بنبرة لينة معاتبة :
– إيه يا ديجا اتجمدتي كدة ليه ؟ ، مينفعش كدة يا حبيبتي إنتِ مغلتطيش اتعاملي عادي ولو خالد اتكلم امتصي غضبه بكلمتين حلوين بس لازم يفهم إن ده أخوكي وطبيعي يستقبلك كدة بعد غيابك ، لو كان ينفع كنت اتكلمت معاه بس أنا مش عايزة اتدخل بينكوا ، يالا يا حبيبتي روحي واتعاملي عادي زي ما قلتلك .
زفرت بقوة كأنها حبست أنفاسها أمامه ونظرت لوالدتها بتوترٍ بينما عاد بهجت نحوهما وابتسم لابنته يربت على كتفها قائلًا بحنو بعدما لاحظ شحوب ملامحها :
– مالك يا حبيبتي ؟ ، هو زعلك ؟
أومأت بالسلب وابتسمت لوالدها وكادت أن تطمئنه عليها ولكن أطل خالد برأسه من غرفة الطعام يقول بنبرة واضحة المعنى لها :
– يالا يا خديجة الأكل برد .
انتبهت له بينما حثتها نسرين على التحرك قائلة :
– يالا يا حبيبتي روحي اقعدي مع جوزك وأنا وبابا هنجيب باقي الأكل .
أومأت وتحركت نحو الغرفة ودلفت فوجدته يسحب المقعد المجاور له بصمتٍ تام فاتجهت تجلس عليه وتنفست بقوة ثم نظرت له فوجدته يلتقط إحدى أصابع الملفوف وتناولها يلوكها في فمه ثم مد يده بإصبع آخر وناولها إياه دون أن يطالعها فهزت رأسها وتحدثت رافضة بنبرة هادئة دلت على ضيقها :
– لا شكرًا مني ليك .
مال قليلًا عليها يردف بهمس وهو يتطلع أمامه :
– خديجة أنا أكره عدم تنفيذ رغباتي .
أتبع جملته وهو يعاود تقريبه من فمها فتناولته منه تقضمه بهدوء وقد فهمت مغزى حديثه ولكن أصابها الصمت فلم ترد مناقشته هنا لذا فلتنتظر حين يعودان ، أما هو فبدأت حرارته تتباطأ خاصة وأنه لاحظ شحوبها بالإضافة إلى طعم الملفوف اللذيذ الذي هدأ من نيرانه .
جاء بهجت وتبعه مازن ونسرين وأخيرًا تجمعوا يتناولون الطعام حيث جلس بهجت أمام ابنته مباشرةً وجوار زوجته بينما جلس مازن ملتصقًا في مقعد خديجة .
كان قد بدأ ينشغل مستمتعًا بهذه الأطعمة التي يتذوقها لأول مرة في حياته وظهر ذلك بوضوح عليه وهو يتناول بشهية كل ما تضعه نسرين له تحت نظراتهم المتعجبة خاصةً من بهجت الذي شعر أن زوجته تهتم به وتترك ابنتها الهادئة لذا نهض يحمل الأطباق من أمامه ويقربها من ابنته قائلًا بحب وعاطفة :
– كلي يا حبيبة أبوكِ مابتكليش ليه .
رفعت نظراتها لوالدها الذي يتفحص ملامحها لذا ابتسمت وتحدثت بامتنان وهي تتناول منه :
– ماتتعبش نفسك يا بابا أنا باكل أهو وكل حاجة قدامي .
تحدث مازن وهو يلكزها في يدها بخفة وقال مشاغبًا :
– مش بتاكلي ، خالد اللي بياكل .
أصر بهجت على أن يناولها الحمام المحمر الذي تحبه لذا مد يده يلتقط واحدة ونهض يناولها إياها ولكن دون عمدٍ اهتز صحن الحساء المرتكز أمامها وانسكب على ساقها لتشهق منتفضة وتقف على الفور تتمسك بتنورتها وتحاول إبعادها عن جسدها حيث كان الحساء ساخنًا لينتفض هذا الذي طفح كيله ووصل غضبه لذروته وهو يردف بغضبٍ ظاهري وصوت حاد موزعًا أنظاره إلى بهجت ومازن :
– اللعنة عليكما حرقتما ساق زوجتي .
أسرع يسحبها من معصمها خارج المقعد ويجلس القرفصاء أمامها ليتفحص ساقها باهتمام وهو يحاول رفع تنوراتها فأوقفته بحرجٍ حيث نهض بهجت إليها شاعرًا بالذنب وكذلك أسرعت نسرين تطمئن ومازن يتبعهم .
وقفوا حولها يحاولون تفحص ساقها ووقفت هي حائرة بينهم جميعًا وبرغم التوهج والألم في ساقها إلا أنها تائهة بينهم تشعر بالحرج وتحاول إبعاد يد خالد التي تتفحصها .
أما هو فشعر كما لو كان محاطًا بأصفاد وقبضاتٍ تخنقه وهو المعروف بحريته ونفش أجنحته لذا زفر بقوة وضيقٍ واضحين ثم نهض وانحنى قليلًا يثبت يدًا أسفل ركبيتها ويدًا في منتصف ظهرها وحملها من بينهم يبتعد بها وهو يسألها ويتحرك بها خارجًا تحت دهشتهم :
– أتؤلمكِ ؟
لا تعلم أتفرح أم تحزن أم تخجل ولكنها تعلقت برقبته بيديها وهزت رأسها تتحدث مترجية :
– خالد بسيطة يا خالد نزلني وأنا هاغسلها وأدهنها مرطب .
تحرك بها نحو الحمام كأنها لم تتحدث ودلف يجلسها على رخامة الحوض كالطفلة الصغيرة ثم رفع تنورتها ليتفحص الجرح الذي أسفر عن بقعةٍ حمراء ملتهبة جعلته يلعن ضاغطًا على أعصابه وعروقه ثم انتزع عدة محارم ورقية وبللها تحت صنبور المياة وعاد إليها يمسح برفقٍ متناهٍ فوق الالتهاب ثم نظر لها متسائلًا بترقب :
– هل يؤلم ؟
أحبت حنانه واهتمامه بها لذا لم تجبه بل اكتفت بابتسامة هادئة ولكنه انحنى يطبع قبلة ناعمة على جرحها لتظل شفاهه على بشرتها وكأنه يضخ من خلالها مرطبًا للحروق فانسحبت أنفاسها وباتت تشعر بدغدغات لذا أسرعت تسحبه قائلة بترجٍ :
– خالد خلاص علشان خاطري أنا كويسة جدًا ، تعالى نخرج يقولوا عننا إيه ؟
نهض يطالعها ثم تحولت نظرته الحنونة لأخرى قاتمة مظلمة وهو يقول :
– خديجة أقسم أن احتراق قلبي يساوي أضعافًا مضاعفةً لهذا الحرق ، لا تتوددي معهما أمامي ، ها هو والدكِ الذي تحبينه قد سكب عليكِ الحساء .
اتسعت عيناها لثوانٍ قبل أن تهز رأسها وتجيبه :
– لاء طبعًا ده من غير قصده .
مسح على وجهه بعنف يسعى للبحث عن الهدوء وكاد يتحدث لولا طرقات نسرين على باب الحمام فزفر واتجه يفتح لها ليجدها تناوله كريمًا مرطبًا وتقول بابتسامة بشوشة خاصةً بعدما رأت قوة حبه لها :
– خد يا خالد ادهن لخديجة من ده ، حلو أوي هيبرد الجرح ، وخليها تغير الچِب وأنا هجبلها حاجة تانية تلبسها .
ابتسم لها ابتسامة صادقة وتناول منها العبوة فتحركت عائدة بينما هو أغلق الباب وفتح العبوة يضغط عليها ويضع منها القليل على أصابعه ثم عاد إلى خديجة ومد يده نحو الجرح يدلكه برفقٍ ويوزع عليه المرطب بلمسة ناعمة تمامًا تحت أنظارها التي تعلقت عليه وعلى مايفعله هذا الرجل معها .
كلما حاولت اتخاذ موقفًا معه يأتي هو بموقفٍ آخرٍ يهدم كل حصون قراراتها الصارمة .
أما في الخارج فجلس بهجت على المقعد وقد فقد شهيته بعد ما حدث منه دون عمدٍ خاصةً وأنه لم يعد لديه الحق في الاطمئنان على ابنته ومعرفة ما بها بنفسه كما في السابق .
كان مازن يطالعه ويعلم ما يشعر به لذا أراد أن يهون على والده فقال بتريث :
– خالد ده فيه برج من دماغه طاير ، ده تقريبًا لعننا كلنا .
التفت بهجت يطالع ابنه بثقب وتذكر لعنة خالد لهم لذا عقد حاجبيه مردفًا بتجهم :
– بني آدم قليل ذوق ، شال البنت فجأة وكسفها قدامنا .
ابتسم مازن على غيرة والده فهو يدرك مدى حبه لشقيقته لذا تحدث برتابة تسبق سنه :
– بيحبها يا بابا ، اتصرف بعفوية بس من قلقه عليها ، وماتنساش إن دي طرقته اللي متعود عليها ، ماتزعلش .
زفر بهجت بقوة وأومأ يتكتف وشرد ينتظرهما ويفكر في حديث ابنه ، لقد رأى لهفته عليها بنفسه وأمام عينه حتى لو كانت تصرفاته اندفاعية هجومية ولكن هذا مؤشرًا يجعله يشعر بالقليل من الراحة .
❈-❈-❈
قص عليهما عمر ما حدث لتصدم آسيا واضعة أصابعها على فمها بشرودٍ تفكر هل أنقذ شقيقته من مصيبةٍ كادت أن تقع بها دون أن يعلم أنها شقيقته ؟، ما هذا الترتيب يا إلهي ؟
أما مايا فانتفضت تطالعه بذهول وغضب لم يزل وأردفت بغيرة مشتعلة :
– يبقى حبتك ، البنت دي حطت عينها عليك ، وإزاي يا عمر تخبي عني حاجة زي دي .
زفر يتحكم في انفعالاته خاصةً أمام آسيا ولكنها حقًا تتصرف بطفولية وتهور لذا قال بهدوء يحمل تحذيرًا واضحًا :
– مايا اهدي بقى واوزني الكلام كويس ، ماقولتش علشان دي سمعة بنت ، والكلام الخايب ده بتاع حبتك وماحبتكش أنتِ عارفة كويس إني ماليش فيه .
لم تهدأ بل تفاقهمت داخلها شرارات الغيرة وهي تفكر أن تلك الإيمان دلفت شقته ولبست ثوبه وأنقذها ومن المؤكد تفكر فيه بطريقةٍ أخرى وتريد أخذه منها ، تعلم جيدًا أين تتجه مشاعر عمر ولكنها تعلم أيضًا أن تلك الفتاة ستحرص على خلق المشاكل بينهما لذا تحدثت وهي تشير بيدها :
– مش ههدى يا عمر ، البنت دي كذابة وتلاقيها رجعت تتفق تاني مع الزفت ده علشان يبتزوك ، دي ماتستاهلش مساعدتك ليها وهتعملنا مشاكل ، ليه أصلًا تساعد واحدة مش محترمة زي دي .
شعر بعدم تقبله لحديثها بالرغم من أنها محقة ولكنها تعبر بشكلٍ خاطئٍ لذا نهض وتحدث بنفاذ صبر :
– مادام مش هتهدي يبقى أنا أمشي دلوقتي أحسن .
تحرك يغادر على الفور وتركها تقف تنتفض وتفور وتطالع أثره بغيظ كالوحش ودت لو تحرر وذهب لتلك الإيمان يفتك بها .
أما آسيا ظلت كما هي تفكر وتركتهما يتجادلان وقد قررت الاتصال بصقر .
يجب أن يعلم عمر الحقيقة في أقرب وقت فبرغم اندفاع ابنتها في الحديث إلا أن تلك العائلة يمكنها إصابته بالأذى حقًا .
نهضت تترك ابنتها المتعجبة والغاضبة واتجهت تدلف غرفتها وتتناول هاتفها لتتحدث إلى صقر .
بينما كان عمر قد وصل إلى خارج الفيلا وتحرك نحو الطريق ثم أشار إلى سيارة أجرة فتوقفت فاستقلها وغادر وهو في ذروة حيرته وتناقضاته ، هناك إحساسًا داخله يحثه على مساعدتها وهناك آخرًا يجبره ليبتعد ولكنه لا يعلم سبب الأول ولا يرضخ لإجبار الثاني .
❈-❈-❈
أنهى صقر مكالمته مع آسيا ووقف لثوانٍ ينظر من نافذته ويتنفس شاردًا في كيفية إخبار عمر بالحقيقة ؟
زفر والتفت يعود لمكتبه حيث يجلس يوسف الذي إلى الآن لا يعلم سبب هذا الاستدعاء حيث هاتفه صقر صباحًا يطلب رؤيته بشكلٍ فوري .
تحمحم صقر وجلس يفرد ظهره على مقعده ويطالع يوسف بثقب فتعجب يوسف وقطب جبينه متسائلًا :
– ممكن بقى أعرف سبب المقابلة دي إيه يا محمد بيه ؟
– أميرة .
نطقها صقر بعيونه المتفحصة لتتوتر نظرة يوسف ويتوتر جسده كليًا ولكنه تساءل بنبرة ثابتة ظاهريًا ولكنها تحمل لهفة لم تخفَ عن صقر :
– مالها أميرة ؟.
سؤاله ولهفته وتغيير وضعية جلوسه يثبتون لصقر أنه بالفعل .
أطرق صقر نظراته ثم عاد إليه يشير بيديه قائلًا بخبث يليق به :
– طبعًا أنا ماليش دعوة بيها بس بمَا إن جوزها بيتهم مراتي إنها ساعدتها تهرب يبقى لازم أجيبك وأسألك مش يمكن إنت اللي ساعدتها ؟
– تهرب ؟ ، أميرة هربت ؟
نطقها بملامح مصدومة ولم يهتم لبقية الحديث ليعود الحب النائم داخله ليستيقظ ويتابع بلهفة :
– ليه ؟ عمل فيها إيه ؟
هب واقفًا بعدها يطالع صقر الذي يجلس باردًا متفحصًا ردود أفعاله ليتابع يوسف بأفكار مبعثرة :
– أذاها ؟ أكيد أذاها .
لاحظ صقر تشنج عضلاته وتجهم ملامحه ليزفر قائلًا بهدوء وهو يمط شفتيه كأنه يشك في الأمر :
– سمعت إن بينهم مشاكل بس آخر حاجة أعرفها إنه اتجوز عليها ولما طلبت الطلاق ضربها وحبسها وبسبب كدة هي أجهضت ، الكلام ده أميرة اللي قالته لنارة بس عاطف بيقول حاجة تانية .
وقف يطالع ملامح صقر وهو يخبره بمَا حدث إليها ليشعر أن كلمات صقر ما هي إلا رصاصات تستهدف قلبه ، هاجمه وحش الذنب المفترس لينهشه كليًا وهو يردد داخله أنه تخلى عنها .
ارتد على المقعد مجددًا بخيبة وقهر وأطرق رأسه بخزي ليعود صقر متسائلًا باهتمام ظاهري :
– أنا كنت مفكر إن إنت اللي هربتها ، بس يظهر إنك ماتعرفش حاجة عن الموضوع .
هز رأسه رفضًا وظل صامتًا يواجه جنود عقله في معركة الحب الشرسة ويتلقى منهم ضربات مؤلمة بعدما تخلى عنها ومضى قدمًا دون الالتفات لها .
ليفاجئه صقر بسؤالٍ سقط عليه ساحقًا جنوده :
– فيه حاجة بينك وبين أميرة .
جحظت عيناه وهو يطالع صقر وأخيرًا أدرك موقفه من وسط كلمات صقر التي أصابته بالتيه وتحدث بملامح صارمة نافيًا تمامًا هذا الاتهام عنها :
– لا طبعًا ، ولا أي حاجة ولا بأي شكل من الأشكال .
– بس اللي عرفته غير كدة .
كان صقر يجسد شكوكه التي راودته ليصمت يوسف لثوانٍ بعدما تيقن أنها من المؤكد قد سردت لنارة قصتهما ثم بدأ يسرد هو الآخر بتريث :
– الكلام ده كان زمان ، أميرة قطعت علاقتها بينا من بعد جوازها علطول ، بعدت تمامًا عننا .
– بس إنت لسة بتحبها .
نطقها صقر نتيجة استجوابه وتفحصه ليطالعه يوسف بملامح تجلى فيها الحزن وهاجمتها الذكريات وأردف بلوعة :
– تفتكر ده ذنب أو جريمة اتعاقب عليها ؟ ، تفتكر ممكن يحاسبوا إنسان على الهوا اللي بيتنفسه ؟
التمعت عيناه فأسرع يهز رأسه ووقف يسترسل بتصميم وهو يطرق بقبضته على المكتب :
– أميرة مش عندي بس لازم ألاقيها .
زفر صقر وغير وضعية جلسته ليصبح مرتكزًا بساعديه على المكتب ثم قال بهدوء دون النظر إلى يوسف :
– اقعد يا يوسف لازم تسمعني .
طالعه يوسف لثوانٍ فرفع صقر عيناه يبادله نظراتٍ ثاقبة جعلت الأول يتساءل بشكٍ وهو يميل قليلًا برأسه :
– إنت تعرف مكان أميرة ، صح؟
ابتسم صقر ابتسامة خبيثة كانت إجابة تأكيدية إلى يوسف ثم سحب نفسه فتضخمت عضلاته وتكتف وقال بثقة يشير برأسه نحو المقعد :
– اقعد يا يوسف .
❈-❈-❈
خرج معها من الحمام يخطو بملامح حانقة حيث كان يريد المغادرة ولكنها ترجته أن ينتظر قليلًا فهما قد أتيا للتو .
كانت تداري ملامحها وتتجنب النظر لعائلتها خجلًا مما فعله خالد ولكن بهجت نهض حينما رآها وتساءل بلهفة وحرج :
– حصلك حاجة يا خديجة ؟ ، حقك عليا يا بنتي وقعتها عليكِ من غير قصدي .
لمحت نظرة والدها حينما طالعته بعدما استمعت لنبرته الآسفة لذا تحركت نحوه تختبر صبر هذا الحبيب وهي تربت على يده بحنو وتطالعه بحب وقالت مبتسمة :
– عارفة طبعًا يا بابا أنا كويسة جدًا ، يالا علشان نكمل أكل .
زفر خالد بضيق وهو يطالع بهجت بتجهم وغيظ حيث أنه تسبب في حرق جزء من ساق زوجته فآلمها والتهب ، تلك الجدباء التي سامحته على الفور .
بعد وقتٍ انتهوا وتجمعوا في بهو الفيلا يتناولون القهوة والحلوى بينما خالد يشعر بالتخمة من كثرة ما تناوله ومع ذلك لم يتوقف عن تناول الكنافة بالمانجو التي أعدتها نسرين حيث بات ضعيفًا تجاه هذه الأكلات التي أخبرته نسرين عنها بحب .
وها هو يعترف داخله أنه أحب هذه النسرين كثيرًا فهي الوحيدة هنا التي تتقبله بصدرٍ رحب ، ربما هذه الأجواء والحالة جديدة عليه تثير تساؤلاته ولكنه يخفي ذلك ببراعة ، هي تحبه كما هو ، تبتسم في وجهه ، تناوله كل ما لذ وطاب وتتحدث معه بعفوية ، لذا فإنها باتت مفضلة لديه من بعد خديجة .
كانت خديجة تتحدث مع مازن الذي يسترق الحديث معها حينما ينشغل خالد مع نسرين حيث لاحظ غيرته عليها وتعامل على هذا الأساس ، انتهت ونظرت لزوجها الذي يبدو أنه لم يستمع لحديثهما بل كان منشغلًا في طبق الحلوى خاصته وحين انتهى وضعه جانبًا ثم نظر لنسرين وابتسم قائلًا بهدوء وهو يدلك معدته التي انتفخت قليلًا على غير العادة :
– تسلم إيدك يا هماتي ، الأكل تهفة .
التفت إلى خديجة وأضاف وهو ينهض :
– يالا يا خديجة .
تعجبت من سرعته فقد جلسوا للتو وتحدثت مستنكرة وهى ترفع أنظارها إليه :
– طب نقعد شوية يا خالد لسة بدري .
طالعها بنظرة ترجمت مايود قوله ، لقد أخبرها منذ قليل أنه يكره عدم تنفيذ رغباته لذا تركت صحنها جانبًا ونهضت تبتسم بتكلف لعائلتها وتقول بهدوء :
– طب عن اذنكوا .
كاد بهجت أن يتحدث ولكن نسرين منعته بعينيها فنهض يودعهما بضيق وتكدر ولكنه يحاول تقبل حقيقة الأمور وأن ابنته أصبحت على ذمة رجلٍ له قوامة عليها حتى لو كان هذا الخالد المزعج .
وقف خالد يراها وهي تودعهم وما إن انتهت حتى نظر نحو بهجت وأجبر نفسه على الحديث فقط من أجلها قائلًا :
– شكرًا ألى الأُزومة يا أستاذ بهجت .
زفر بهجت وأومأ بهدوء يجبر نفسه هو الآخر على الحديث قائلًا بنبرة لينة حينما لمح وجه ابنته يبتسم :
– العفو يابني ، انت بقيت واحد مننا وتيجي في أي وقت ، بس خد بالك من خديجة .
نظر لها ليراها تنظر لوالدها بعينين لامعتين تنطلق منهما سهام الحب والحنان فأسرع يتمسك بكفها ويخطو معها نحو الخارج بغيظ من أفعالها ونظراتها وتصرفاتها بشكلٍ عام .
❈-❈-❈
منذ أن غادر عمر وهي تجلس على الأريكة في بهو الفيلا تبكي بتحشرج وتتمسك بكنزته الصوفية واضعة إياها عند أنفها وقابضة عليها بقوة .
حاولت آسيا تهدأتها ونصحها برغم صدمة آسيا وذهولها لما حدث ولكن مايا لم تتقبل أي حديث ، كل ما يتردد على عقلها أن تلك الفتاة أحبت زوجها ، ارتدت ملابسه وفكرت فيه وربمَا تخيلته حبيبًا لها لذا فكلما حاولت أن تهدأ هاجمتها نيران الغيرة الساعرة .
تعلم أنه طيب وشهم وحنون ويساعد أي إنسان ولكن أيضًا لا تتقبل فكرة مساعدته لتلك الإيمان خاصةً بعدما فعلته بهما وبعد أن تعرض للأذى على يد والدها ، ماذا إن دبرا له مكروهًا ؟ .
رأسها بات يشبه حلبة المصارعة من كثرة هجوم الأفكار عليها وبكاءها لم يتوقف خاصة وأنه غادر الفيلا وتركها تعاني من الغيرة والخوف بمفردها .
هل بالغت في حدتها معه ؟ ، ولكن كيف لها أن تهدأ ؟
أما هو فكان يجلس مع السيدة لبنى بعدما أخبرها بكل ما حدث معه .
يحتاجها الآن ، يحتاج لشخصٍ رشيد هادئ يسمعه ليست تلك المجنونة العنيدة .
فبرغم قوة عشقه لها وحبه لمشاكستها وحنانها وطفولتها إلا أنه يكره ذلك الجزء الجنوني بها .
قص على لبنى ما حدث فهو يثق فيها كل الثقة لذا تنهدت تجيبه بتريث بعدما ارتشفت القليل من الشاي الساخن :
– أنت عملت الصح ، ماكانش ينفع تشوف حاجة زي دي بتحصل قدامك وتسكت ، بس إنك تساعدها بعد كدة لاء ، هنا بقى تبقى مايا معاها حق حتى لو بتعبر عن الحق ده بطريقة غلط .
ارتشف هو أيضًا من كوبه وزفر يتنهد قائلًا بشرود وضيق :
– وبالنسبة للي صورنا ده وبيهدد ؟ .
تحدثت لبنى بثقة وتأكيد :
– مش إنت حكيت لمايا وآسيا ، يبقى خلاص مابقاش فيه حاجة تخاف منها ، ولو على البنت ممكن تنصحها تبلغ عنه لو هي خايفة من أهلها ، أو تهدده ، إنما إنت ابعد عنهم خالص يا عمر ، الراجل ده مؤذي وأديك قلت إنه فعلًا حاول يأذيك قبل كدة ، إنسان ماعندوش ذمة ولا ضمير وواضح كدة إن بنته للأسف اتربت في وسط سئ .
تنهد يومئ لها ببعض الضيق فامتدت يدها تربت على ساقه بحنو وتتابع بمغزى :
– وماتزعلش مايا ، كل اللي عملته ده وزعيقها علشان غارت عليك وإنت عارف إنها لسة صغيرة وقلبها بيغلب عقلها ، إنت رمانة الميزان في العلاقة دي وإنت اللي لازم تحتوي الأمور دايمًا يا عمر ، البنت طيبة وبتحبك وبتسمع كلامك بس هي شايفة إن فيه واحدة تانية بتحاول تاخدك منها وخصوصًا لو الواحدة دي عاملة معاها مشكلة قبل كدة .
أومأ مؤيدًا لحديث لبنى بعدما انقشعت سحابة غضبه وعاد بذاكرته لحبيبته وحنانها وتلبيتها لطلباته ليهدأ ويصفو سطحه لذا عاد يرتشف القليل من الشاي ثم تطلع على لبنى وابتسم قائلًا :
– بجيلك هنا كلي هموم بمشي من عندك كلي راحة نفسية ، ربنا يخليكي ليا يا أمي ياست الكل .
ابتسمت حتى أشرقت ونظرت له بمحبة خالصة بعدما أرضى غريزتها الأمومية وتحدثت بحنانٍ بالغٍ :
– ويخليك ليا يا عمر ، إنت فعلًا حتة من روحي .
مد يده يسحب رأسها إليه ويقبل جبينها بصدقٍ وامتنان لهذه اللبنى الجميلة التي لولاها لكان مصيره غير معلوم .
❈-❈-❈
غادرا بسيارتهما عائدان إلى الفيلا وفي طريقهما توقف خالد عند إحدى الصيدليات وترجل يبتاع كريمًا مرطبًا لزوجته .
وصلا إلى الفيلا وترجلت معه إلى الداخل وتحركا سويًا نحو غرفتهما .
بعد دقائق أبدلا ثيابهما واتجه هو يتمدد على فراشه بينما دلفت خديجة الحمام لتتوضأ ثم عادت تطالعه بترقب وتنهدت بعمق واتجهت تحضر إسدالها وترتديه لتشرع في صلاة العصر في ركنٍ من الغرفة تحت أنظاره .
إلى الآن تتعمد استخدام طريقتها الفعلية دون أوامر مباشرةً له فقد باتت تعلم عنه الكثير وتعلم جيدًا أنه شخصٌ لا ينفذ أمرًا مباشرًا لذا فها هي تقف تؤدي صلاتها تحت أنظاره حيث ترك هاتفه الذي كان يعبث به وظل فقط يحدق بها ، يعلم أنها تتألم من ساقها حيث كانت ترفع بيدها تنورتها عن جسدها طوال الوقت حتى لا يلتصق القماش بالجلد الملتهب ، ولكنها لم تنسى فرضها أو تهمله بل على الفور تؤديه أمامه ليلاحظ بعد انتهائها البشاشة والسطوع ازدادا فوق ملامحها .
وهي تتعمد ذلك ، تتعمد دومًا الصلاة أمامه ويتساءل عن التزامها المقدس هذا كيف لها أن تداوم يوميًا على خمسة فروض في نفس الوقت دون كلل أو ملل أو تكاسل أو تغافل ، طوال حياته لم يتبع روتينًا أبدًا ، حياته عبثية لا تنظيم فيها فقط لهو ومتاعٍ وهي عكسه تمامًا .
ترتب أمورها بطريقةٍ تثير فضوله في معرفة كيف تفعلها وبماذا ستستفيد مما تفعله .
وجد نفسه يفكر فيها ويسمع صوتها الهامس وهي تتلو آياتٍ من القرآن بصوتٍ يصل إليه بصعوبة ولكنه يعشقه ويحب سماعه كأن روحه تهتدي إليه .
حتى أنه منذ يومان وقبل عودتهما وحينما كانت تقرأ القرآن ليلًا وجد نفسه يسبح شاردًا في ملامحها وصوتها ولم ينتبه إلا بعدما انتهت وصدقت برغم أنه لا يفهم معظم تلك الكلمات .
سجدت وأطالت سجودها أمامه فعلم أنها تدعي ربها بمَ تريده ، لقد أخبرته بهذا مسبقًا حينما أطالت سجودها وناداها قلقًا فأخبرته بعدها أنها تطلب من الله كل ما تريده وقد فعلتها مسبقًا وطلبت من الله أن يجمعها به في الحلال وها قد حدث .
انتهت بعد وقتٍ ونهضت تخلع إسدالها ثم نظرت له فوجدته يطالعها بعمق فتساءلت بتجاهل متعمد وهي تعلم أنه يتساءل :
– مالك يا خالد بتبصلي كدة ليه ؟
تحمحم وعاود يلتقط هاتفه ويعبث به ثم قال ليغير دفة الحديث وليواجهها بضيقه منها الذي عاد للتو يقتحم رأسه :
– بماذا تحدثنا خديجة قبل أن نذهب إلى عائلتكِ ؟
زفرت مطولًا واستعدت لمجادلته فتحركت تجلس أمامه وتحدثت بهدوءٍ وتروٍ تفكر وتدرس كلمات والدتها :
– يا خالد يا حبيبي اللي انت بتطلبه مني صعب ، إحنا كنا مسافرين سوا وهما متعودين على وجودي بينهم وأول مرة أبعد عنهم الفترة دي ، وبعدين مازن أنا بعتبره ابني مش أخويا بس ، كنت عايزني ابعده عني يعني ؟
توقعت أن يفهمها قليلًا ولكنه خالفها قائلًا :
– أجل خديجة يجب أن توقفيه لأنني أحترق .
قطبت جبينها متعجبة فتابع وهو يشرح لها ما يحدث معه باستفاضة ويداه تشير إلى صدره :
– جسدي يحترق حينما يلمسكِ أحدهم ، لا أتقبل تلك الفكرة مهما حاولتِ ، لا أتقبل أن تحبي أحدهم أكثر مني ، أو تضحكي مع غيري أو تتحدثي معهم وتتركيني ، لا أحب أن تلجئي لأحدٍ سواي ، لا أحب خديجة ، أحترق ، هل تريديني أن أحترق ؟.
ذهلت من تصريحه القاسي والمبالغ فيه كثيرًا ولمح ذلك عليها فأطرق للحظاتٍ ثم عاد يحدق بها ويتابع علها تفهم عليه :
– اسمعيني خديجة ، أنا تخلصت من عالمي ومن عائلتي جميعها ، جميعهم سيؤون وحياتي بينهم كانت أكثر سوءًا للحد الذي لا تتخيلينه .
أسرع يلتقط كفيها بين كفيه ويسترسل بعيون متسعة ونبرة أقوى يؤكد على كلماته :
– أنا هربت من عالمي الفوضوي جميعه إلى غرفة مظلمة تمامًا إلا من نورٍ يأتي من فوهةٍ أحدثتها لأطل منها على الحياة وهذا النور هو ما أحدق به دومًا ، وهذا النور هو أنتٍ وصورتكِ فقط ، أنا لا أريد شيئًا آخر .
تعمقت فيه لثوانٍ لترى أمامها شخصًا خائفًا ، شخصًا يعاني ، شخصًا يبحث عن الاطمئنان والثقة وفي ذات الوقت يرفضهما ، لا يريد شيئًا من عالمه سواها ويريد ألا ترى أيضًا سواه ولكن كيف ؟
تنفست بعمق ثم تحدثت بخوفٍ انتابها من تملكه هذا برغم يقينها بحبه الشديد لها :
– حسنًا ولكنهم عائلتي خالد ، من أنجبوني وكبرت بينهم ، كيف تريدني أن أتعامل معهم بهذا الحذر ؟ ، إن أمرت أن تطاع فأمر بالمستطاع ، وأنا لا أستطيع التعامل معهم كالغرباء .
أومأ يؤكد بصرامة تامة وعيناه لا تفارق عيناها :
– تستطيعين خديجة ، تستطيعين فعلها ، تستطيعين مراعاة مشاعري خديجة .
– وماذا عن مشاعري خالد ؟
هكذا أجابته وهي تراه يرتدي ثوب الأنانية والتملك فأجابها وهو يترك كفيها ويفرد ذراعيه :
– ها هي حياتي أمامكِ شكليها كما تريدين .
أماءت بالسلب تجيبه باعتراف صريح وهي تشعر بقيوده تلتف حول عنقها :
– الأمر ليس بتلك السهولة كما كنت أعتقد ، أنت مشاغب ومتلاعب تحصل على ما تريده بطريقة تجعلني أتعجب كيف تفعلها ، أنا بت أخاف منك خالد ، حقاً بتّ أخاف .
سقطت عبرة من عينيها أمامه فأسرعت تلتقطها بكفها وتلف وجهها عنه تتنفس وتحاول أن تهدأ فأسرع يزفر بضيق مسدلًا ذراعيه ويلف وجهه هو الآخر ثم عاد إليها يردف بتجهم وقلبه يعتصر عصرًا من مجرد رؤيته لدموعها :
– تبكين وتخافين مني ؟، هل أنا سيئًا لتلك الدرجة خديجة ؟ ، لم لا تفهميني ؟
مسحت على وجهها مستغفرة وعاد حديث والدتها يقتحم رأسها مجددًا لتزفر بقوة ثم عادت تطالعه بعمقٍ وشرود وتحدثت الأعين ، تحبه نعم تعترف أنها تحبه كثيرًا برغم كثرة عيوبه ليصبح كأنه طفلها المشاغب الذي لا تستطيع الابتعاد عنه أو التوقف عن حبه .
يعلم جيدًا أنها أحن وأرق من أخذ موقف صارم بحقه لذا أكمل استعطافه يقول بتدلل طفولي :
– حسنًا ربما إن متّ ترتاحين .
نظرت له باستنكار وفهمت ما ينويه فزفرت قائلة مثله :
– لا أصابك مكروها خالد بل لأموت أنا بدلًا عنك .
لم يتوقع أن تجابهه بنفس أسلوبه لذا أحكم كفيه حول رأسها يردف محذرًا بنبرة حادة وعيون ثابتة :
– لا تنطقيها مجددًا خديجة ، لن تموتي وتتركيني في ظلامي هذا ، فهمتِ ؟
رفعت كفيها تحتضن كفيه ثم أومأت وتناولت كفيه بحنو بين راحتيها ثم انحنت تقبلهما بحركةٍ لطيفة حنونة فسحبها مسرعًا إليه يعانقها فاستقرت في حضنه وكنفه تستمتع بالدفء قليلًا وتفكر في أمره وكيفية ترويضه .
إلى الآن لم تحقق معه أي إنجاز سوى التوقف عن المشروب والتنازل عن أمواله ويظل طريق إصلاحه طويلًا مليئًا بالعقبات .
تفكر هل تستغل هذا القرب وتتحدث معه عن الصلاة وتلزمه بها كما يحثها عقلها أم تتبع قلبها الذي يود لو تساءل هو خاصة وأنها كلما توجهت لأداء فرض تشعر بالقهر والحزن لأنه لم يتبعها .
وكأنه قرأ أفكارها وأراد أن يريحها قليلًا خاصةً وهو يعتصرها شاعرًا بالأمان وهي بين يديه وتبادله ، ابتعد عنها قليلًا ونظر لوجهها وعيناها ثم تحدث مغيرًا دفة الحديث الذي يزعجها ليتساءل عن أمرٍ يعلم أنها تحبه :
– خديجة هل يمكنكِ إخباري ما الفائدة التي تعم على حياتكِ حينما تتبعين روتينًا تعبديًا كل يومٍ سواء في الصلاة أو قراءة القرآن ؟ ، أعنى أنكِ لو لم تفعلين ذلك هل سيحدث شيء .
لو يعلم كم أسعدها سؤاله هذا لما توقف يومًا عن إلقاء هذه الأسئلة ، هو يسأل ليستكشف وهذا جُل ما تسعى إليه .
لهذا فيجب عليها أن تكون حذرةً في إجابتها كي تقنعه وهي تعلم جيدًا أن نسبة إقناعه ضئيلة لذا تحدثت بنبرة لينة حنونة وهي تعاود التمسك بكفيه والقبض عليهما ومن ثم التحديق به لتزيد الوصال :
– تلك صلتي بربي خالد ، إن لم أفعلها سأسير في الدنيا بغير هدى ، كما يغذى الجسد بالرياضة أنا أغذي روحي بالتعبد ، إن لم يكن بيني وبين ربي صلةً سأصبح كمن لا سقف له ، خلقني وسترني ورزقني وتكفل بي وبقلبي في مرضي وضعفي وحزني ووحدتي وحقق أمنياتي وذرع حبي في قلبك وحبك في قلبي ، أفلا أكون عبدًا شكورًا ؟ .
تأثر قلبه بحديثها خاصة وأنها تتحدث بالقرب منه ، قلبه ينبض بصخب وهي تلقى بكلماتها عليه كأنها تمتلك سحرًا معينًا يجعله مطالبًا بالمزيد وها هي تتحرك نحوه وترتكز في أحضانه واضعة رأسها عند قلبه وقد احتضنت يداه وتمتمت له أنها تسمعه فتحدث بتركيزٍ يتساءل برغم تأثره من قربها ولكنه حقًا أراد أن يعلم :
– وماذا عن أولئك الذين لم يتكفل بهم وتركهم في الظلام ؟ ، ماذا عمّن فتحوا أعينهم فوجدوا أنفسهم في نفقٍ من الفوضى والقسوة لا نهاية له ؟ ، هل يترك الرب أمر عبدٍ ويتولى أمر عبدٍ آخر وفي النهاية يعذب أحدهم ويكافئ الآخر ؟ ، أنتِ محظوظة خديجة حقًا كنتِ محظوظة ويجب أن تشكريه كما قلتِ ولكنني لستُ كذلك .
– حسنًا ماذا إن أضاء لك طريقًا تتبعه من وسط ظلام ذلك النفق ؟ ، أوَ لا يستحق الشكر ؟
هكذا سألته بهدوءٍ تام وهي تتمسك به وتهمس أمام قلبه الذي أيقنت أنه يعاني من اليأس فتحدث بنوعٍ من التكبر والتخبط :
– من أضاء لي الطريق هو أنا ، من أخرج نفسه من النفقِ هو أنا خديجة ، فعلت ذلك بنفسي لأنني رغبت في الانتقام من تلك العائلة وتلك الحياة الساقطة ، أنا وربما ساعدني صقر ولكنه من دوني لم يكن يستطيع القضاء على موراكو ، من وصل إليكِ وتزوج بكِ رغم أنف أبيكِ هو أنا .
رفعت وجهها تقبل فكه بثغرها قبلة هادئة ولكن تأثيرها عليه عظيم وقالت بنفس وتيرته بل أشد تأثيرًا وهي تستجمع كامل طاقتها الإيجابية وهدوءها لتؤثر عليه :
– نعم أنت حقًا تمتلك عقلًا مدبرًا أحسدك عليه ، تمتلك من الخبث والدهاء والذكاء ما يجعلك تحصل على ما تريد ، حقاً أتساءل كيف خُلق هذا العقل العبثي بهذه البراعة، سبحان الله .
فهم إلام تلقي كلماتها وبرغم ذلك فقد نجحت في جعله يفكر هل حقًا أنجاه الرب بتدابيره ؟
أضافت لتطرق على الحديد الساخن :
– تعلم شيئًا خالد ، أنت أيضًا محظوظًا جدًا ، من بين كل أفراد عائلتك كتب الله لك النجاة لتحظى بفرصة جديدة للحياة .
رفعت وجهها تقابل عينيه وأضافت بإمعان متعمد :
– يجب أن تستغلها جيدًا .
تعمق في عينيها ووجد نفسه يميل وينجذب لكلماتها وشيئًا ما يناديه لسماع وتمعن وطرح المزيد من الأسئلة ولكن عاندته نفسه المتكبرة فأسرع ينحنى ويقتنص شفتيها كي يلهي عقله العابث عن التفكير في هذه الأمور التي يراها معقدة وكثيرة عليه اليوم .
تفاجأت من قبلته ولكنها استسلمت بحبٍ له كالعادة وطوقت بذراعيها رقبته فاشتدت ذراعيه أحدهما حول خصرها والآخر يغوض في خصلاتها ليتحكم أكثر في قبلته التي فصلها ليهمس مسحورًا ومطالبًا بها برغبة قاتلة :
– أخبريني أيتها الشهية ماذا تفعلين بي ؟ ، أي سلطة تلك التي تمتلكينها على قلبي وجسدي وعقلي فتسلبيهم مني وتجعليني كالبركان كلما لامستكِ .
لم تكن ستجيبه بعد تلك الحالة التي أصبحت عليها ولكن اِفتر ثغرها فأسرع يعاود التهامه في قبلة عاصفة ويداه تسافر على منحنياتها بأريحية .
عاود يفصل قبلته وهمس مجددًا يعبر لها عن حالته باستفاضة :
– سيجن عقلي بكِ يومًا ، أنتِ تثيرين جنوني برقتك هذه .
وكالعادة أصبحت مخدرة بمشاعرٍ تجعلها في حاجةٍ ماسةٍ لتناول المزيد منه ولم يكن هو ذلك الرجل البخيل في مشاعره بل يغرقها بعشقه الفائض ويغرق معها في دوامة مشاعر لم تنتهِ مراعيًا حرقها الملتهب بل حتى أنه دبر له جزءًا من هذه المشاعر .
❈-❈-❈
حل المساء وها هو يمر اليوم أيضًا دون أن يجدها .
يجلس على مواقدٍ من نار ويوزع رجاله في البحث عنها دون جدوى .
يجلس حوله والدته وشقيقتها انتصار وزوجها رضا وولدهما ياسين .
جميعهم في حالة من الغضب والغيظ والتجهم ولكنه أشدهم .
جلس ياسين يعتصر كفيه ويردف بغلٍ ينسدل من بين أسنانه :
– أنا عايز أعرف هربت ليـــــــــه ؟ ، إيه اللي يخليها تهرب ؟
نظر لوالدته بشكٍ فأخرسته بنظراتها خاصةً وأن عاطف لا يحتمل اشتعالًا ولكنه لم يتوقف بل أكمل بقسوة وهو يفرد ذراعه مشيرًا إلى ما حوله :
– عايشة في أحسن فيلا وبتلبس أحسن لبس ولو طلبت إيه هيجيلها ، معاها راجل أي ست تتنماه ، تهرب ليه إلا إذا كانت ـــــ .
– اسكت يا ياسين .
هكذا نطقتها انتصار بغضب فكظم غيظه يطالعها بجحوظ وهو على وشك الانفجار بينما يجلس رضا واضعًا رأسه بين كفيه دون حديث وكلمات ابنه تزيده عجزًا فوق عجزه .
نظرت انتصار نحو عاطف وتحدثت بهدوء برغم نبرة الاعتراض في صوتها :
– يمكن حصل حاجة بسبب اللي اسمها چيچي دي ، ماتنساش إنها اجهضت قريب ويمكن حالتها النفسية مش تمام .
التفتت لها شقيقتها وتحدثت موبخة باندفاع :
– جرا إيه يا انتصار إنتِ هتبرري هروبها ولا إيه ؟ .
تحدثت انتصار باندفاع مماثل دون اكتراث لأحدٍ :
– ولا ببرر ولا زفت أنا بقول إن جواز عاطف حتى لو كانت تمثيلية فهو غلط واديكوا شفتوا إن بسبب اللي حصل بنتي نزلت ابنها ودي الحاجة الوحيدة اللي كلنا كنا بنتمناها علشان علاقتهم تقوى وتكمل .
نظر ياسين لوالدته ولم يكن يعلم بتلك التصريحات لذا ابتلع لعابه وتحدث متسائلًا :
– هو عاطف اتجوز فعلًا ؟
أومأت له والدته بملل وهي تمط شفتيها موضحة :
– أيوة اتجوز علشان يخلي أختك تغير عليه ، والفكرة العظيمة دي كانت فكرة خالتك بس أهي جابت نتيجة عكسية وجت فوق دماغنا كلنا واختك منعت الأكل وأجهضت اللي في بطنها من غير ما تعرف إنها حامل .
نظر نحو عاطف الصامت بشكلٍ مخيف لذا عاد ينظر لوالدته وتحدث بتساهل وتجبر :
– وتمنع الأكل ليه وتعمل الهبل ده كله ليه ؟ ، حقه وشرع ربنا إنه يتجوز بدل الواحدة اتنين وتلاتة واربعة .
أومأت له خالته مؤيدة بينما نظرت له انتصار بغيظ ثم التفتت تنظر نحو عاطف وتساءلت بنبرة حانقة :
– المهم هنعمل إيه دلوقتي وهنلاقيها فين يا عاطف ؟ ، أنا شاكة في البنت اللي اسمها نارة دي ، أكيد ليها يد في هروبها مهي بنت كافرة وهروب واحدة من جوزها عندهم عادي وحرية .
بعد وقتٍ طال رفع رأسه يطالعها بعيون تشبه كاسات الدم وتحدث بصلابة تجلت في نبرته وملامحه :
– لو ليها يد هتتحاسب ، ألاقيها بس هي واللي ساعدها تهرب وهخليهم يتمنوا الموت .
رفع رضا رأسه بعد طول انتظار وتحدث ببرود كأنهم يتحدثون عن نتيجة مباراة :
– اهدى بس يا عاطف ، نلاقيها الأول ونطمن عليها ونبقى نشوف بعد كدة إيه اللي هيحصل .
نظرت له انتصار باستخفاف وقلبت عينيها عنه وثبتتها على ياسين تحذره بألا يصب البنزين فوق النيران التي هي بالأساس مندلعة .
ليصبحوا جميعهم كلوحةٍ حزينة لغزالٍ مدمي وملقى أرضًا بعدما تم اصطياده من قِبل الكواسر التي تنهش وتغرز أنيابها في لحمه مقطعةً إياه إربًا لترضي غريزتها وجوعها وتتركه رفاتًا متهالكًا .
❈-❈-❈
يجلس في غرفة المعيشة متمددًا على الأريكة بأريحية ويتمسك بجهاز التحكم عن بعد يقلب في قنوات التلفاز وينادي بعلوٍ وحماس :
– هيا خديجة تعالي .
كانت في المطبخ تحضر بعض المقرمشات والمشروب الساخن وتحدثت وهي تضع التسالي على الصينية :
– جيت أهو يا حبيبي .
كان يبحث عن فيلمٍ أو شيئٍ يناسب جلستهما ولكن توقفت يداه حينما رأى مشهدًا تمثيليًا لممثلٍ يجلس متقلبًا بعبث يرتدي عباءة بيضاء ويتمايل مع امرأته التي ترتدي عباءة نسائية خليعة وتتمايل عليه ومعه على أنغام الموسيقى الصاخبة .
تسلطت عينيه على هذا المشهد وبات يبتسم كأنه حصل على لعبةٍ جديدة وصب كامل تركيزه معه حتى أنه لم ينتبه إلى خديجة وهي تخطو نحوه ثم انحنت تضع الصينية أمامهما ونظرت له وجدته شاردًا في التلفاز فتتبعت بنظرها لما يعرض ثم زفرت بضيق فهي من كارهي تلك المشاهد خاصةً وأن ممثلوها يفترض أنهم مسلمون ولكن ما أسهل أن تكون متأسلمًا وما أصعب أن تكون مسلمًا .
جلست تجاوره وتحدثت بنبرة ممتعضة وهي تحاول التقاط الجهاز من يده ولكنه أبعدها :
– ماذا تشاهد بحق الله .
نظر لها نظرة جانبية ثم أشار لها برأسه نحو الشاشة قائلًا بإعجاب جلي على ملامحه :
– أشاهد الرقص الشرقي
زفرت بتجهم وتحدثت برجاء هادئ :
– هل يمكن أن تغير تلك القناة ؟ ، لا أحب هذه المشاهد ولا هذا العمل الدرامي .
ضيق عيناه متعجبًا يطالعها ثم تساءل وعينه تعود لهذا المشهد الذي أعجبه :
– لمَ خديجة ، أراهُ رائعًا .
انتابها الضيق خاصة مع فكرة هذا المسلسل الذي تكرهه ( الزوجة الرابعة ) وتحدثت وهي تلتقط من يده جهاز التحكم فجأة وتبدل القناة قائلة دون مراوغة :
– لأن فكرته خاطئة تمامًا وتقلل من قيمة الأنثى مستغلين في ذلك جزءًا من الدين يوظفونه حسب أهواءهم .
انتابه بعض الضيق وزفر بيأس قائلًا بملامح متجهمة :
– أوه خديجة أنتِ تبالغين في كل شيء حقًا ، الأمر فقط ممتعًا .
زفرت وحاولت شرح الأمر له قائلة بتروٍ :
– حسنًا ربما يبدو لك كذلك ولكن بالنسبة لي فأنا أرى أن الفن رسالة ، هذا الممثل تزوج من ثلاث نساء أساسيات وترك المكان الرابع يبدل فيه الزوجات حسب حاجته وكلما شعر بالملل أو أعجب بغيرها طلقها وتزوج بأخرى جديدة وهكذا .
قطب جبينه بعدما أثارت انتباهه قصة المسلسل وتساءل باستفهام محدقًا بها :
– تزوج ثلاث أساسيات وواحدة يستبدلها ؟ ، أوه الفكرة رائعة .
جحظت عيناها بصدمة وانسحب قلبها في لحظة وهي تقول باستنكار وشراسة :
– نعـــــــــم .
أومأ يردف مؤكدًا يقول :
– نعم خديجة الفكرة رائعة ولكن أراها بطريقةٍ أخرى .
تملكها الغضب الأنثوي فورًا بل شعرت بأنها على وشك الثوران قائلة بترقب :
– إزاي ؟
تعمق في عينيها وتحدث يعبر عن فكرته بصدق بعدما تلاعب بأعصابها متعمدًا :
– لو أنني أستطيع استنساخ أربع نسخٍ منكِ فلستُ بحاجة إلى شيءٍ آخرٍ في الحياة ، نسخةً معي الآن ونسخةً تكن معي حينما أعود للعمل مع صقر ونسخةً تشاركني مغامراتي دون خوف أو تردد ونسخةً تأتي معي إلى الحمام لنعبث سويًا ، يكفي ألا تفارقينني أبدًا .
التقطت أنفاس الراحة أخيرًا ثم ابتسمت عليه ولكزته تردف بنبرة لومٍ برغم سعادتها :
– الحمام يا خالد ؟ ، مالقتش مكان رابع غير ده .
سحبها إليه يعانقها وقبل وجنتها بعمق فتأوهت مبتسمة فتابع بالقرب من أذنها بنبرة ساحرة :
– من ذا الذي يتزوجكِ ويفكر في غيركِ يا شهية ، إن فعلتها فلتحل علي اللعنة ، أنتِ وكفى يا صاحبة الأربعة قلوب .
أرضى أنوثتها بل وأغرقها حبًا وطمأنينة بعدما كادت أن تجن من تصريحه .
عاد يهمس عند أذنها بتحشرج ورغبة :
– أخبريني كيف هو الحرق ؟ ، هل طاب أم يحتاج إلى جرعة مكثفة من قبلاتي ؟
ابتعدت عنه تبتسم وتعض على شفتيها وهي تتذكر قبلاته على جرحها ثم انحنت نحو الطاولة تلتقط طبق الفشار ثم عادت تضعه بين يديه وتردف بصرامة كاذبة كمعلمة توبخ تلميذًا نجيبًا تحبه :
– امسك ده وكُل واقعد عشر دقايق بس من غير بوس وقلة أدب ، زهقتني ، يالا خلينا نتفرج على حاجة كويسة .
تمسك بالطبق بين يديه ولكنه اقترب يقضم أذنها بأسنانه فتألمت تتأوه فهمس مستمتعًا :
– إن لم يكن هناك قُبلًا فسيكون هناك قضمات عنيفة وأنتِ المسؤولة . الاختيار لكِ .
ابتعد عنها ونظر إلى التلفاز وهو يلتقط الفشار يضعه في فمه ويلوكه ثم ينظر لها بطرف عينه غامزًا بينما هي تهز رأسها بقلة حيلة عليه وعلى أفعاله التي تحبها ، نعم تحبها حتى وإن أظهرت حنقها ولكنها عاشقة لهذا الرجل بكل ما فيه .
❈-❈-❈
دلف عمر فيلا آسيا بعدما أبلغه صقر بأنه يود رؤيته .
طوال الطريق وهو يفكر هل علم صقر ؟ ، هل تدخل في هذا الأمر ؟
ربما هاتفته آسيا نسبةً لقلقها حينما ذكر اسم تلك العائلة ولكن الأمر لا يستدعي ذلك .
طرق باب الفيلا ففتحت له آسيا تبتسم له وترحب به فاسحةً له المجال ليمر .
دلف واتجه يرحب بصقر ولكنه تفاجأ بوجود نارة التي لم تأتِ منذ أسابيع لذا رحب بها بحفاوة وجلس يبحث بعينيه عنها فلم تكن بينهم .
اتجهت آسيا تجاوره بترقب فبدأ يستشف أمرًا ما يجهله ولكنه التفت حينما سمع صوت مايا تنزل فنظر لها فوجدها تطالعه بعيون متفحصة قلقة وقد رأته من الخارج وجاءت لتطمئن عليه خاصة وأن صقر ونارة أخبراها أن هناك أمرًا هامًا يجب أن يعلمه عمر .
وصلت ووقفت أمامه تطالعه ثم تساءلت بنبرة هادئة بعدما استكانت قليلًا حينما لجأت للصلاة :
– روحت فين يا عمر ؟
تنهد يبتلع لعابه ويطالعها بعيون محبة ثم تحدث بهدوء وهو يبعد أنظاره ويتكئ بساعديه على ساقيه :
– كنت عند أمي .
توغلتها عاطفة وشعرت بالندم نسبةً لنبرته وحالته لذا جلست ملتصقة به فتحمحم بتوتر وأسرع يردف ليخفي حنينه لها :
– خير يا صقر عايزني في إيه ؟
نظر صقر نحو آسيا التي بدورها لا تعلم ماذا تفعل وللحظة شعر صقر أن الهواء ينفذ من حوله وهذا يحدث معه للمرة الأولى ، يشعر ببرودة في أطرافه كأنه هو صاحب الأمر وأصابه الثقل في لسانه فلم يستطع النطق فورًا وأصبح في وضعٍ غريبٍ عليه لذا أسرعت نارة تتمسك بكفه لتدعمه وتأخذ منه الدعم خاصةً وأن نبضات قلبها متلاحقة كأنها تركض في ماراثون .
توتر عمر من هذا الصمت وكذلك مايا التي تلاحظ شحوب الملامح لذا نطق الأول متسائلًا بقلقٍ :
– فيه إيه يا جماعة قلقتوني ، اتكلم يا صقر ؟
تنفس صقر مجددًا بقوة ثم دقق النظر فيه وتحدث يلقي مافي جوفه كأنها جمرات يريد التخلص منها :
– أنا عرفت مين هو أبوك يا عمر .
أصيب عمر بالبلاهة التي تجلت على ملامحه وهو ينظر نحو صقر كأنه لم يفهم ما قاله ليتنفس صقر بقوة ويلفظ آخر تلك الجمرات وأشدهم فتكًا :
– إنت ابن سمير العدلي .

google-playkhamsatmostaqltradent