رواية ميثاق الحرب و الغفران الفصل السابع والعشرون 27 - بقلم ندى محمود
بعتذر على الغياب أنا النت عندي فيه مشكلة وعشان كدا مقدرتش افتح وابلغكم بدري أو أنزل اقتباس إذا كان في فصل ولا لا + الفصل قد يكون صغير شوية عن المعتاد بس ده اللي قدرت اكتبه وأنا صممت اني انزل الفصل لاني كنت وعدتكم أن في بارت يوم الثلاثاء ورغم أني معايا كلية بكرا بس قضيت اليوم كله عليه عشان اخلصه وانزله ليكم زي ما وعدت ❤️
منتظرة رأيكم وريڤيوهاتكم طبعًا على البارت وقراءة ممتعة❤️❤️🥰
(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل السابع والعشرون_
كان جلال بطريقه لغرفته بالأعلى يصعد الدرج بخطوات هادئة لكنه تسمر عندما استقرت عيناه على ذلك المشهد، وفور سماعه لصوت صرخة فريال وهي تنزلق قدماها اسرع وبلحظة كانت تطولها يداه تسندها قبل أن تسقط، وبعدها اقترب منها وحاوطها جيدًا بذراعيه وهو يضمها من الخلف هامسًا لها بفزع ملحوظ:
_فريال حصلك حاچة!
كانت الذهول والرعب يستحوذ على معالم فريال التي تفغر عينيها وشفتيها مصدومة ويدها فوق بطنها تضغط عليها بقوة من فرط الهلع الذي داهمها للحظة عندما ظنت نفسها ستسقط من فوق الدرج وتفقد طفلها، اعتدلت في وقفتها وهي تستند على زوجها ثم ألقت نظرة نارية على منيرة التي تقف تتصنع الدهشة والزعر وتقول ببراءة مزيفة أمام جلال:
_مش تاخدي بالك يافريال.. أنا غلطانة مكنش ينفع اخليكي نتكلم جمب السلم إكده بس حاولت امسكها ملحقتش.. زين إنك لحقتها ياچلال
كانت يدين جلال مازالت تحاوط خصر فريال وهو ينقل نظره المخيف بينهم، ولسوء حظه أنه لم يرى المشهد منذ بدايته فقط وصل باللحظة الأخيرة ونقذ فريال من السقوط، نزعت فريال يديه عن خصرها واندفعت نحو منيرة كالثور الهائج لتدفعها بيدها في دفعة عنيفة جعلتها تصطدم بالجدار خلفها وهي تصرخ بها بشراسة جديدة عليها:
_كنتي عاوزة تقتليني يامنيرة وتزقيني من فوق السلم.. بتعملي روحك بريئة قصاده ليه ما تقولي اللي كنتي بتقولهولي وأنتي بتزقيني ناحية السلم عشان اقع.. نچوم السما اقربلك ياخطافة الرچالة لو فاكرة إنك هتقدري تأذيني وتخلصي مني
تقدم جلال نحوهم وأبعد فريال عنها بهدوء متمتمًا في لهجة دبت الرعب في قلب منيرة من القادم:
_فريال ارچعي على اوضتك خلاص
رمقته فريال بنارية وصاحت بعصبية:
_ارچع ده إيه.. بقولك كانت عاوزة تقتلني وأنت مقولتش كلمة واحدة ليها وتقولي ارچعي اوضتك
رمق فريال بنظرة قوية وقال في لهجة صارمة لا تقبل النقاش:
_فريال سمعتي قولت إيه.. روحي وأنا چاي وراكي
ابتسمت بسخرية في وجهه وقالت بغضب:
_طبعًا خايف على زعل السنيورة مش قادر تقولها حاچة قصادي
كان يلوى فمه بضيق من كلماتها الفظة لكنه التزم الصمت ولن يوضح لها سبب رغبته بأن تذهب لغرفتها حتى يتثى له عقاب زوجته الثانية كما يجب.. لكن ليس بمنتصف المنزل هكذا ليرى الجميع شجارهم ويستيقظوا على أصواتهم المرتفعة.
فور انصراف فريال استقرت في عين جلال نظرة مميتة لمنيرة التي قبض على ذراعها وجذبها معه نحو غرفتهم دون أن يتفوه بكلمة واحدة.. فقط كانت قبضته القاسية ومعالمه المظلمة تتحدث عن الطوفان القادم.
دفعها لداخل الغرفة ودخل خلفها، رأته يغلق الباب فتراجعت للخلف بخوف بسيط وقالت بتوتر:
_چلال أنا معملتهاش حاچة!
استدار بجسده نحوه ورمقها بنظرات قاتلة فزداد ارتيعادها الضعف منه.. أما هو فتقدم منها بتريث دون أن يرفع عينيه الثاقبة عنها وعندما وقف أمامها همس بنبحة رجولية غريبة:
_هو مين قالك إني هطلق فريال عشان تكيديها وتقوليلها قريب هفرح لما يطلقك
فرت دماء وجهها وتلون باللون الأصفر من الخوف بعدما أدركت أن لا مجال لها للدفاع عن نفسها أو حتى الكذب فيبدو أنه سمع بأذنيه ما قالته، ابتلعت ريقها بتوتر وتنظر لها بنظرة زائغة لا تجرؤ على النظر بعينيه في ثقة، واللحظة التالية كانت إطلاق سراح الأسد حيث انقض عليها يقبض على ذراعها بيد والأخرى يقبض على فكها يصرخ بها بصوت جهوري جعلها تنتفض بين يديه:
_غلطاتك كترت قوي وأنا صبري ليه حدود يامنيرة، لولا إني لحقت فريال كان إيه هيچرالها.. فريال اوعاكي تقربي منها واصل
تلألأت العبرات في مقلتيها وهي تحدقه بضعف وألم من قبضته على فكها وذراعها ولم يكتفي بذلك بل تابع بنفس نبرته السابقة لكن بلهجة تحذيرية:
_خليكي بعيدة عنها وملكيش صالح بيها.. كيف ما هي مبتقربش منك أنتي كمان متوجهيش ليها الكلام حتى فاهمة ولا لا.. ويارب اللي حصل دلوك يحُصل تاني وقتها أنا هبقى عداني العيب في اللي هعمله.. أول وآخر تحذير ليكي
أفلت يديه عنه وتركها ليبتعد عنها ويتركها ويرحل.. ظلت هي بأرضها تبكي بصمت ونظراتها كلها غل وغيظ وسط دموعها التي تنهمر بغزارة فوق وجنتيها....
***
كانت عيناها عالقة على الباب وفور سماعها لصوته ينفتح أشاحت بوجهها للجهة الأخرى تأبى النظر لوجهه، بينما هو فدخل وأغلب الباب بهدوء ثم تقدم نحوها بخطواته المتريثة حتى جلس بجوارها على الفراش وهمس وهو يمد يده يهم بمسك كفها:
_فريالي
سحبت يدها بسرعة قبل أن يلمسها ورمقته بنارية تهتف منذرة إياه باستياء:
_بعد يدك عني.. حبيت على راسها وقولتلها متعمليش إكده تاني ودلوك جيتلي ولا إيه بظبط
ضيق عينيه بتعب من مقاومتها المستمرة له دون توقف، ليتنهد بحرارة ويرد عليها بحزم:
_مفيش مخلوق يفكر يأذيكي وأنا اسكتله.. اطمني هي عرفت غلطها زين ومن إهنه ورايح لسانها مش هيخاطب لسانك واصل
ضحكت مستنكرة كلماته وكانت يدها فوق بطنها وعيناها ملتهبة من فرط الغضب والارتيعاد الذي مازال يستحوذها حتى الآن.. وباللحظة التالية كانت تقول بنبرة مرتفعة وحرقة:
_كتر خيرك والله هتريحني من صوتها ومش هسمع حسها معايا تاني.. چلال أنت واعي للي كان هيچرالي لو كنت وقعت مكنتش وحدي اللي هتأذي كنت هتخسر ااااا.....
بترت عبارتها بمنتصفها وتوقفت عن الحديث قبل أن تكمل بعدما أدركت ماهي مقبلة على الأفصاح به، بينما هو فضيق عينيه بعدم فهم وسألها بجدية وترقب:
_كنت هخسر إيه؟!!
دام صمتها لثواني وهي ترمقه باضطراب بسيط وحيرة كيف تجيب عليه لكن بالنهاية أثرت الصمت حيث رفعت كفها ومسحت على وجهها وهي تتأفف ثم مالت بوجهها للجهة الأخرى وهي تمتم بجفاء:
_أنا تعبانة وعاوزة أنام ياچلال هملني لحالي
سمعت صوته الغليظ وهو يقول بضيق:
_بتتهربي من إيه يافريال.. أنتي من وقت ما رچعتي فيكي حاچة مش طبيعية ومعرفش هي إيه!
طالعته بقوة وقالت في غضب:
_واحدة رچعت بيتها اللي بقت تعيش فيه ضرتها معاها.. عاوزها تكون طبيعية كيف
مال بوجهه عليها وهمس أمام ثغرها ونظراته ثابتة على عيناها يتمتم بمرارة وثبات رغم دماره الداخلي:
_النهاردة أول مرة أكون في محنة ومهموم واطلب منك تفضلي چاري ومتهملنيش لحالي وأنتي ترفضي وتديني ضهرك.. للدرچادي معدش ليا خاطر حتى عندك
طالت نظرتها المشفقة له وهي ترى ضياعه وانهياره فامتلأت عينيها بالدموع وهمست له بأسى:
_لا بس معدش في بينا حاچة أصلًا.. أنا رچعت عشان عيالي ولولاهم مكنتش هرچع
ابتسمت بحزن وتمتم ساخرًا:
_كل اللي بينا مسحتيه في يوم وليلة.. أنا بقيت حاسس أني شايف واحدة معرفهاش.. تايه وبدور عليكي وأنتي قصاد عيوني.. بزيادة هجر وبُعد أبوس يدك ياحبيبتي
سالت دموعها فوق وجنتيها لا إراديًا ثم أجابته بنبرة مبحوحة:
_أنت السبب واللي خلتني إكده.. أنت لو كنت چيت واخدتني من يدي غصب من بيت أبويا ورچعتني بيتي مكنتش هعترض وهسامحك وهنسى كل اللي حُصل بينا حتى من غير ما أعرف إنك معملتش حاچة لأخويا حتى.. لكن أنت عملت إيه سمعت كلام أمك واتچوزت عليا عشان تنتقم مني
مد يديه وأمسك يكفيها يحتضنهم برفق وهو يهتف بتأييد ورجاء:
_أنتي عندك حق أنا غبي واستاهل عقابك ليا بس عشان خاطر العيال حتى مش هقولك عشاني.. مش طالب منك غير إنك تديني فرصة تاني أصلح غلطي ونرچع كيف ما كنا مش لازم تسامحي دلوك كفاية فرصة على الأقل
سحبت يدها من قبضته وهتفت بسخط وعصبية:
_چلال أنت بتطلب مني فرصة ومرتك قاعدة في الأوضة اللي فوقينا!!!
علت ملامح وجهه لكنه رد بحزم وبهجة رجولية جادة:
_منيرة مش هتفضل مرتي طول العمر يافريال.. أنا غلطت ومش قادر أقرب منها ولا اتقبلها ومش حق ربنا إني أسيبها إكده واظلمها.. تعدي فترة زينة بس على الچواز وهطلقها
طالت نظرتها الجامدة له دون أن تظهر أي ردة فعل على اعترافه بنوياه في الانفصال عن زوجته الثانية، كانت ممزقة بسببه لدرجة أن حتى خبر كهذا لم يسعدها وردت عليه بقسوة وقهر:
_اللي عملته ملوش غفران ولا فرص ياچلال.. حتى لو طلقتها عمر المايه ما ترچع لمجاريها من تاني
أنهت عباراتها وتمددت فوق الفراش بجسدها وهي توليه ظهرها.. رغم عبوس وجهه ويأسه إلا أنه حاول خلق الأمل في روحه الضائعة وانحنى عليها من الخلف يلثم كتفها يبث الطمأنينة لنفسه قبلها وهو يهمس:
_هترچع صدقيني.. أنتي بس طلعي الطلاق ده من دماغك
ابتعدت عنه بسرعة ورمقته شزرًا في غيظ بسبب قبلته لها فلوى فمه بخنق ورفع كفيه مستسلمًا وهو يتراجع مبتعدًا عنها احترامًا لرغبتها، مع العلم أنه لا يرى شيء سوى النفور الذي يمزقه لأشلاء ولكنه يحاول التماسك والصمود حتى لا ينهار تمامًا.. فلم يكفيه هم زوجته وزاد الهم ضعفين براءة شقيقته ومرض جده وأفعال ابنة عمه الدنيئة....
***
داخل المستشفى.....
كانت خلود ممددة فوق الفراش الأبيض الصغير ولا تتوقف عن البكاء.. عيناها تحولت للون الأحمر وتورمت وجسدها كلها يؤلمها وكأن شاحنة ضخمة صدمتها ودمرت عظامها، وجهها متورم وبه بقع زرقاء من عنف الضرب الذي تلقته من أبيها وشقيقها وجدها قبل أن تفقد وعيها وطفلها.
التفتت حولها وكانت تبحث بنظراتها المزعورة عن أي هاتف حتى تتصل بعشقيها لكي ينقذها من بين براثن أهلها ويأخذها، لكن بتلك اللحظة انفتح الباب وظهر والدها وشقيقها فانتفضت برعب وانكمشت في الفراش وهي تضم جسدها للحائط وكأنها تحتمي به من نظراتهم القاتلة.
تقدم نحوها منصور ووجهه مكفهر من فرط الغضب وفجأة صفعها على وجهها.. لا تدري كم عدد الصفعات التي تلقتها منهم الليلة لكن وجهها لم يعد يتحمل لمسة واحدة أخرى، بعد الصفعة صعدت يده وقبض على شعرها بهمجية كادت أن تقلعه من جذوره فصرخت هي ببكاء مرتفع وخوف وهي تسمع صوت أبيها بنبرة وبهجة تسمعها للوهلة الأولى:
_أنتي يا***** تجيبلي العار وتحطي راسنا في الطين.. وكمان اتبليتي على بت عمك واتاريكي طلعتي أنتي الفاجرة و****.. أنا معرفتش اربيكي وعيارك فلت لغاية ما چبتيلنا العار وچيالنا حبلة كمان.. هقتلك واغسل عاري بيدي
أنهى عبارته بصفعة جديدة وكانت أقوى وأعنف صارخًا بها وهو يشتمها ويلعنها على أفعالها الشنيعة، كان علي يتابع ما يفعله أبيه ودمائه تغلي في عروقه من فرط سخطه وللحظة كان يرغب في أن يقبض على رقبتها ويخنقها.. بالأخص عندما تذكر شكه بها وتحدثها هاتفيًا بوقت متأخر من الليل وبكل مرة كانت تخلق حجة مختلفة له وكان يصدقها بسذاجة ولكن شكه كان بمحله.. ربنا لو تصرف منذ البداية واتخذ موقف حاسم لم يكن الوضع سيصل لهذه النقطة.
أبعد والده عنها وغار عليها يقبض على فكها وهو يصرخ بها بصوت جعلها تنتفض بقوة من الرعب:
_مين ***** اللي عملتي عملتك ***** معاه
ردت بصوت مرتجف وهي تبكي بعنف:
_اسـ..مه سـ..ميـ..ر
صرخ بصوت جهوري زاد من رعبها الضعفين:
_مطرحه ومرزوع وين وليه ناس ولا من الشارع كمان.. أنا مالي باسمه
من فرط خوفها وارتجافها وبسبب تعبها وأنها للتو فاقت من تأثير المخدر بعد العملية لم تقوي على الرد عليه وفقدت القدرة على النطق فقط استمرت في البكاء الهستيري فصرخ بها منصور:
_ما تنطقي
ارتشعت بعنف واستمرت في البكاء دون الرد فجذب علي ورقة وقلم من فوق المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش والقاهم بوجهها وهو يهتف بغيظ:
_اكتبي العنوان يلا
مسكت القلم بيد مرتجفة وراحت تخط به فوق الورقة بخط غير متزن ومرتجف بسبب يدها التي تقبض على القلم بصعوبة وفور انتهائها جذب الورقة منها والقى عليها نظرة وضيعة كلها قرف ثم بصق في وجهها واندفع لخارج الغرفة لكن أوقفه صوت منصور وهو يقول:
_متروحش لحالك ياعلي خد چلال معاك
لم يكترث لعبارة والده وأكمل طريقه للخارج منظفعًا كالطوفان الذي سيدمر كل شيء يقف بطريقه بينما منصور فالقى عليها نظرة مميتة لا تحمل من الرحمة أو الشفقة شيء على ابنته وقال:
_لولا أني في المستشفى كنت قتلتك فى مطرحك دلوك
رمقت والدها برعب واستمرت في بكائها دون التحدث بكلمة واحدة.. فقط تبكي بنجيب مسموع وجسدها كله يرتجف رعبًا وخوفًا من القادم وما سيفعلوه بها.....
***
في القاهرة بصباح اليوم التالي......
التفتت برأسها نحوه عندما وجدت السيارة توقفت وسألته:
_وصلنا؟
رأته يهز رأسه بالإيجاب فألقت نظرة بعيناها من زجاج السيارة تتفقد الأبنية الضخمة والطويلة بذلك الشارع والحي الراقي، ثم فتحت الباب ونزلت فرأته يفتح حقيبة السيارة من الخلف ويخرج حقائبهم، لم تهتم له كثيرًا ودارت بنظرها حولها تتفحص المكان بنظرات إعجاب وابتسامة ناعمة فوق ثغره وعندما رأته يحمل الحقائب ويعبر الشارع للجهة الأخرى حيث البناية الضخمة المكونة من عشر طوابق فلحقت به وهي تتمعن تلك البناية الكلاسيكية التي رغم مرور السنين عليها لكنها محتفظة برونقها.
توقف عمران عندما اسرع نحوه حارس البناية يرحب به بحرارة:
_يا ألف مرحب يامعلم عمران نورت العمارة كلها والله حمدالله على السلامة
ابتسم له عمران بود وهتف:
_الله يسلمك يا نجاتي
نظر الحارس لآسيا التي كانت تقف بجوار زوجها وتتفحص ذلك الرجل بنظرها.. لكنه ابتسم لها بود واكتفى بإماءة رأسه لها في ترحيب صامت وبسرعة التفت نحو عمران وانحنى عليه يحمل عنه بعض الحقائب ليخفف من الحمل عليه هاتفًا:
_عنك يامعلم هساعدك لغاية الشقة فوق
ناوله عمران الحقيبة وهو يتمتم بامتنان:
_تسلم يانجاتي
سبقهم الحارس في خطواته نحو المصعد الكهربائي بينما آسيا فلحقت بعمران وهمست له في تساءل:
_هي الشقة في الدور الكام ياعمران؟
رد عليها بهدوء وقسمات وجه مرهقة:
_السادس
شهقت بصدمة وقلق بسيط فهي تخشي الأدوار المرتفعة ولا تحبها لكن سارت خلفه باستسلام دون أن تتفوه ببنت شفة وعندما استقلوا بالمصعد الكهربائي وكانت هي تقف بجواره بمجرد تخطي المصعد الطابق الثالث مدت يدها وقبضت على ذراعه تحتضنه بقوة لتحتمي به من خوفها البسيط فنظر لها وابتسم وما جعله يتصرف ببرود هو وجود ذلك الحارس معهم فاكتفى بأنه ربت على كفها بحنو وتركها متشبثة به حتى توقف المصعد أخيرًا فخرج الحارس أولًا وخلفه عمران ثم آسيا، كان يوجد بالطابق شقتين وبمجرد ما أن ترك الحارس الحقائب وانصرف تشبثت هي بذراع عمران مجددًا متمتمة في صوت خافت:
_دوخت من الاسانسير قوي
لف ذراعه حول كتفيها وضمها إليه وباليد الأخرى أخرج المفتاح ووضعه بالقفل ثم اداره لينفتح الباب وقبل أن يتركها همس لها بدفء يسألها:
_لساتك دايخة؟
ابتعدت عنه ببطء وهزت رأسها بالتفي بعدما شعرت بالتحسن.. فوجدته ينحني ليحمل الحقائب ويدخلها ساعدته وحملت عنه حقيبة ودخلت خلفة وعيناها راحت تتجول حولها تتفحص ذلك المنزل الكبير بإعجاب ثم التفتت له وسألته:
_أنت كنت بتاچي كتير؟
عمران بالنفي وبجدية:
_لا لما يكون في شغل بس باچي ولو أبويا ولا بشار سافر القاهرة إهنه كانوا بياچوا يقعدوا فيها
اماءت له بتفهم ثم تحركت بخطواتها للداخل وهي تبتسم باتساع وسكينة تظهر فوق صفحة وجهها بوضوح.. فابتسم هو عليها واقترب منها ببطء حتى وقف خلفها مباشرة ثم انحنى عليها بجانب أذنها وهمس:
_إيه رأيك.. عچبتك؟
التفتت له برأسها وابتسمت في رقة تجيبه بضحكة جذابة:
_قوي.. وبيني وبينك عاوزة اقعد إهنه علطول ومرچعش البلد ولا بيت العيلة تاني
ضحك بخفة ورد عليها مداعبًا:
_خلاص نقعد إهنه وأهمل اشغالي وكل حاچة هناك عاد
زمت شفتيها بعبوس ويأس لتجده يجيبها بحنو:
_طالما عچبتك إكده كل ما أكون فاضي هاخدك وناچي نقعد اسبوعين ولا حاچة.. كملي واتفرچي على باقيها يلا وأنا هروح أغير هدومي
اماءت له بالموافقة وهي تبتسم بحب ثم تابعته بنظراتها وهو يتجه نحو أحد الغرف ويتواري داخلها.. فتلفتت برأسها حولها تتفحص تفاصيل الصالة وفور سقوط نظرها على الشرفة قادها الفضول لكي ترى الشارع والعالم من ذلك الارتفاع فأسرعت نحوها، فور دخولها صفعتها نسمة هواء باردة انعشت جسدها وجعلتها تبتسم بتلقائية في سعادة.. ثم تقدمت من السور واستندت عليه بيديها ثم أخرجت رأسها تنظر للأسفل لكن بسرعة عادت برأسها للخلف شاهقة بخوف عندما رأت الأرض من ذلك الارتفاع الشاهق.. وبلحظتها صابها دوار خفيف فاستدارت ودخلت ثم أغلقت الباب وهي تتنفس بيأس وضيق، وبعد دقائق معدودة تحركت وأكملت تجولها بالمنزل وكانت وجهتها الثانية هي المطبخ.
دقائق طويلة نسبيًا مرت وهي تتفحص كل تفصيلة بالمنزل، وعندما التفتت تجاه الغرفة ضيقت عيناها بقلق فهو لم يخرج منها منذ دخوله، تقدمت نحوها وفتحت الباب ببطء وهي تهمس بخفوت خشية من أن يكون في وضع غير مناسب ومازال لم يرتدي ملابسه:
_عمران أنت خلصت؟!
انتظرت سماع رده أو صوته لكن الصمت كان هو الجواب فغضنت حاجبيها وفتحت الباب على آخره ودخلت، وجدته متسطح فوق الفراش ونائم بعشوائية في عمق لا يشعر بأي شيء حوله من فرط الإرهاق والتعب، فابتسمت وهي تتمعنه بحنان ثم اقتربت من الخزانة وفتحتها لتجذب منها غطاء وتعود له لتدثره به حتى منتصف جسده، انحنت عليه تتأمل ملامحه الرجولية بغرام ثم رفعت أناملها تمسح فوق شعره الغزير نزولًا لوجنته ولحيته دون قلق أو اضطراب بسبب تيقنها أنه غارق بسبات عميق ولن يستيقظ بفعل لمساتها الرقيقة أبدًا.
ابتعدت عنه وغادرت الغرفة متجهة للحمام بعدما أخرجت ملابس منزلية لها من الحقيبة، وتوالت بالحمام لكي تبدأ ملابسها وتأخذ حمام دافيء سريع.
***
داخل منزل خليل صفوان.....
طرق چلال الباب برفق لكنه لم يسمع صوت يسمع له بالدخول ففتح الباب ببطء وألقى نظره للداخل فوجدها قابعة بأحد الأركان فوق المقعد وتبكي بصمت، تنهد بضيق ثم أطلق زفيرًا قوي ودخل قبل أن يغلق الباب ويتقدم نحوها فيجلس أمام مقعدها على حرف الفراش ويمد يده يحتضن كفها بين كفه الضخم متمتمًا:
_بزيادة عاد ياما اللي بتعمليه في روحك ده ضغطك هيعلى وهتتعبي
تطلعت جليلة في وجهه وقالت بصوت راجي:
_عاوزة بتي ياچلال هات اختك ورچعهالنا ياولدي
ظهر العبوس والأسى فوق معالم وجهه قبل أن يجيب على أمه بندم:
_آسيا مش هترچع ياما بقت في عصمة راچل دلوك واحنا بيدنا اللي چوزناها وسلمناها ليه.. لو هنعمل حاچة دلوك فهي أننا نحاول تخليها تسامحنا
اتسعت عيني چليلة بدهشة وردت على ابنها بلهجة اعتراض:
_مش هترچع كيف يعني أنت هتسيب أختك تقعد وسطهم هناك
قال بندم ونظرة تحمل الانزعاج والخنق من نفسه:
_سبق وسبتها ياما ومصدقتهاش ولو چبرتها تاني دلوك على حاچة هي مش عاوزاها عمرها ما هتسامحنا، سبيها على راحتها مش وقته الكلام في حديت چوازها ورچعتها ده
قالت بجدية وتلهف وهي تهم بالوقوف:
_طيب خدني عندها عاوزة أشوفها واتكلم معاها
امسك بها واعادها لمقعدها مرة أخرى هاتفًا بعبوس وضيق:
_اقعدي بس ياما اخدك وين هي مش في البيت أصلًا
ضيقت عيناها وسألته بقلق واهتمام:
_مش في البيت كيف يعني أمال وينها؟!!
مسح على وجهه وهو يزفر بخنق ويتمتم بصوته الغليظ:
_فريال قالتلي أنها سافرت مصر مع عمران امبارح الفچر وهترچع بعد اسبوعين
اتسعت عيني جليلة بدهشة وسرعان ما قالت بغضب وقهر:
_اسبوعين ده إيه وهو واخد بتي مصر ليه وهيعملوا إيه هناك
حاول تهدأتها وهو يمسح فوق ذراعها بلطف متمتمًا في حنو:
_كل تأخيرة وفيها خير ياما.. اصبري لغاية ما ترچع يمكن هي كمان تهدى شوية وتسمع منك وتصفالك.. متقلقيش عليها فريال بتكلمها علطول وبتقولي أخبارها
هبت جليلة واقفة وهزت رأسها بالرفض وهي تقول بغضب وإصرار:
_أنا مش هسيب بتي بعيدة عني تاني بزيادة اللي چرا فيها بسبب خلود ال**** دي واللي عملناه فيها، مش ههملها لحالها في بيت ابراهيم ومع ولده.. الله اعلم بيعمل فيها إيه ولا بيعاملها كيف
استقام واقفًا وقال بانزعاج وخنق من ذلك النقاش وإصرار أمه على انتزاع شقيقته من زوجها بعدما سلموها له بكامل إرادتهم وهدده بالقتل وأجبروه على الزواج منها:
_لما ترچع أن شاء الله نبقى نشوف ونتكلم ياما المهم هدى روحك دلوك أنتي بزيادك عاد ملوش لازمة اللي بتعمليه ده اللي چرا چرا خلاص
أنهى عبارته واندفع لخارج الغرفة يتركها ساكنة مكانها تحدق في الفراغ بضياع وحزن امتزج بغضبها وإصرارها على استعادة ابنتها.....
***
داخل المستشفى بعد مرور ساعات طويلة نسبيًا......
كان چلال يجلس فوق مقعد بجوار فراش الجد حمزة المريض والصمت يهيمن على الاجواء بينهم حتى قطعه صوت حمزة المختنق:
_عملتوا إيه في الفاچرة دي؟
رد عليه باقتضاب وغضب:
_عملت العملية وسقطت العيل اللي بطنها
أطلق حمزة ألفاظ نابية وهو يشتم حفيدته بغضب وعصبية فهتف چلال بجدية وبهجة حازمة:
_اهدى ياچدي الدكتور قال العصبية دي مش كويسة
نظر له حمزة بغيظ وسأله:
_منصور وينه؟
تنهد بقوة ورد على جده بخشونة:
_معاها في الأوضة
حمزة براحة بسيطة:
_زين خليه چارها دي عاملة ويمكن تهرب بدل ما تبقى مصيبة تبقى مصيبتين.. وعلي لسا معرفش حاچة عن ال**** اللي مرمخت راسنا في الطين معاه
مسح على وجهه وهو يتأفف بغيظ ويتمتم:
_قاعد عند شقته مستنيه مرچعش ليها من امبارح
_ متسيبش ولد عمك لحاله الله اعلم ال**** ده يعمل فيه إيه!
اماءت لها بالإيجار وهو يردف بلهجة صارمة:
_اطمن أنا منبه عليه أول ما يوصل يتصل بيا وميتحركش لحاله
سكن حمزة وراح يحدق في الفراغ بشرود محاولًا عدم الانزعاج أكثر من ذلك حفاظًا على صحته لكن وجهه عبس فجأة عندما تذكر آسيا فالتفت نحو جلال وقال بعينان تلمع بوميض الندم والحزن:
_متكملتش مع أختك لغاية دلوك؟!
هز رأسها بالنفي متمتمًا بقلة حيلة:
_ملحقتش ياچدي سافرت مصر مع عمران من ليلة امبارح.. مقصدناش حل غير أني استنى لما ترجع واتكلم معاها
لمعت عين حمزة وتلألأت بعبرات القهر والأسى وهو يتمتم:
_ولدي سابلي بته أمانة ومقدرتش احافظ عليها وضيعتها ورميتها لابراهيم الصاوي وولده من غير ما أسأل فيها
تمتم چلال بصوت مكتوم:
_كلنا غلطنا في حقها ياچدي مش أنت لوحدك
رفع حمزة يده التي تبدو عليها تقدم العمر والشيخوخة وجفف بأنامله دموع عينيه ثم ابعد يده وراح يضعها فوق كتف چلال يربت عليه بدفء مرسلًا بعيناه إشارات كلها ثقة أنها ستسامحهم....
***
في القاهرة بتمام الساعة الثامنة مساءًا........
كان عمران يجلس على الأريكة الكبيرة بالصالة ويشاهد شاشة التلفاز أمامه على أحد المسلسلات المصرية الكلاسيكية.. خرجت هي من غرفتها واقتربت منه لتجلس بجواره وتثب نظرها على الشاشة تشاهد بملل، مرت دقائق طويلة نسبيًا حتى التفتت له وكادت أن تتحدث لكن أوقفها صوت رنين هاتفه فالتقطه هو وأجاب على المتصل بجدية يتحدث بأمور تخص العمل، فالتزمت الصمت وعادت برأسها نحو الشاشة تشاهد مرة أخرى وهي تنتنظره حتى ينتهي من مكالمته.
فور انتهائه التفتت له وقالت مبتسمة:
_عمران
نظر لها يوليها اهتمامه منتظرًا أن يسمع ما تريد قوله فاقتربت هي منه أكثر في حيلة ذكية لكي تحصل على مبتغاها بالنهاية ولكن هيهات:
_الصبح وأنت نايم خبط البواب اللي اسمه نچاتي ده وكان چايب شوية طلبات قالي أنك طلبتهم منه، وبالصدفة بعد ما مشي الشقة اللي قصادنا بابها اتفتح ولقيت واحدة صحبتي من أيام الكلية هي اللي ساكنة فيها.. فسلمت عليها واتكلمنا شوية وبعدين دخلت
ضيق عينيه بعدم فهم لكنه قال بهدوء:
_طيب زين.. أنتي بتحكيلي التفاصيل دي ليه يعني؟!
تنحنحت برقة وقالت مبتسمة بخفوت:
_كنت عاوزة أسألك وأشوف رأيك.. أنت جاي إهنه عشان الشغل وأغلب الوقت هتكون برا طبعًا وأنا هقعد لحالي وهزهق لاني مش متعودة على الوحدة دي
قاطعها وهو يقول بإيجاز في نفاذ صبر:
_ادخلي في الموضوع طوالي يا آسيا عاوزة إيه؟
ابتسمت له وهمست بنعومة تسأله في لطافة:
_عاوزة أخد اذنك يعني لما تكون برا مثلا وأكون أنا وحدي وزهقانة اروح اقعد معاها شوية أو هي تاچي تقعد معايا.. هي صحبتي قوي بس من وقت ما هي نقلت لمصر إهنه بعدنا عن بعض بسبب المسافة
تقوست ملامح وجهه بحدة وأجابها برفض تام دون تفكير:
_هي عاوزة تاچي تقعد معاكي إهنه أهلًا وسهلًا لكن أنتي لا
عبست وردت عليه بإلحاح محاولة إقناعه:
_لا ليه هي قاعدة لحالها في البيت معهاش غير أخوها وهو طول اليوم برا البيت كيفك يعني
تحولت ملامح وجهها وتجهمت بشكل مريب وهو يردد رافعًا حاجبه:
_امممم أخوها!!!
التزمت الصمت كرد بالتأكيد على ما قاله بينما هو فأشاح بوجهه عنها وثبته على شاشة التلفاز يتجاهلها حتى لا ينفعل عليها لكنها لم تسكت وسألته مجددًا بترقب:
_هاا قولت إيه؟
نظر لها وهتف بنبرة مرتفعة نسبيًا ومنفعلة:
_قولت لا ومتفتحيش الموضوع ده تاني، مش هعيد وازيد في كلامي
غضنت حاجبيها باستغراب من انفعاله وحدته معها فاستاءت وصاحت به بغيظ:
_أنت بتزعقلي ليه؟!
رمقها بحدة وقال بلهجة منذرة:
_حسك ميعلاش عليا.. أنتي لو بتقولي حچات تتعقل مش هتعصب عليكي
صاحت بامزعاج وخنق:
_أنا مقولتش حاچة.. أنت اللي روحك في مناخيرك ومش حامل مني كلمة
قال بلهجة جافة ونظرات مخيفة:
_طالما أنا روحي في مناخيري قومي من چاري بدل ما اتنرفز عليكي اكتر من إكده
رمقته شزرًا وبلحظة هبت واقفة وهي تلقي عليه نظرة متوعدة ومغتاظة ثم تركته ورحلت تدخل للغرفة وتصفع الباب خلفها بعنف بينما هو بالخارج فمسح على وجهه ثم ألقى بهاتفه الذي بيده على الأريكة بجواره متمتمًا بغضب:
_تقول أخوها قاعد معاها ومش عاجبها كمان لما قولت لا واتعصبت عليها.. هي سفرية باينة من أولها!
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا اغلق التلفاز واستقام واقفًا يقود خطواته تجاه الغرفة، توقف أمامها ومد يده للمقبض يحاول فتحه لكنه كان مقفل فضيق عيناه بتعجب وطرق على الباب بقوة يهتف:
_آسيا!!!
سمع صوتها المتمرد من الداخل وهي تقول ببرود:
_متحاولش قافلة بالمفتاح.. البيت فيه أوض كتير احنا مش في بيت ابراهيم الصاوي يعني روح نام في أي أوضة تاني الليلة طالما أنت مش طايقني چارك
اتسعت عيناه بدهشة وبلحظة تقوس وجهه بشكل مخيف وهو يصيح عليها من الخارج بعصبية:
_افتحي الباب ده بالذوق يا آسيا وخلي ليلتك تعدي على خير
اقتربت من الباب ووقفت خلفه مباشرة ثم ردت عليه بابتسامة مستفزة ونبرة خبيثة:
_مش هفتح يامعلم.. عاوزة أنام لحالي النهاردة وآخد راحتي يعني أنا اللي مش عاوزاك چاري
انتفضت بفزع عندما سمعت صرخته الجهورية من الخارج:
_ آسـيـا
حاربت توترها منه وردت عليه بعناد ولامبالاة:
_قولتلك مش هفتح
صور على أسنانه بغيظ وضم على قبضته بقوة محاولًا تمالك انفعالاته ثم رد عليها بنبرة مربكة:
_طيب يابت خليل الصباح رباح وحسابي معاكي الصبح
ابتسمت بنصر عندما سمعت عبارته وبعدها بلحظات سمعت صوت خطواته وهي تبتعد عن الغرفة.. فازدادت بسمتها اللئيمة اتساعًا ثم توجهت نحو الفراش ونزعت عنها عباءتها فبقت بقميص نوم قصير وبحمالات رفيعة ثم القت بجسدها فوق الفراش تنام بحرية وتضحك بتشفي عليه.
***
كانت فريال بالطابق الثالث بعدما خرجت من غرفة أولادها وكانت بطريقها لغرفتها بالطابق الثاني لكنها توقفت عندما لمحت باب غرفة منيرة وكان الباب مواربًا وعندما اخترق نظرها للداخل رأتها ترتدي قميص نوم أحمر مثير وتترك العنان لشعرها ينسدل فوق ظهرها العاري وتقوم بوضع مساحيق التجميل فوق وجهها.
تسمرت فريال بأرضها وهي تتمعنها بنظراتها الملتهبة بنيران الغيرة، ولسوء الحظ أن منيرة عندما التفتت وانتبهت للباب كانت ستهم وتغلقه لكنها توقفت عندما رأت فريال فابتسمت بخبث واقتربت من الباب لتفتح جزء بسيط منه وتقف تنظر لفريال بخبث وتردف بغنج:
_خير يافريال في حاچة ولا إيه.. كيف ما أنتي شايفة بچهز روحي لچوزي أصله الليلة عندي.. عن أذنك عاد
انهت عبارتها وصفعت الباب في وجهها فظلت فريال مكانها تحدق بالباب وهي تشتعل من الغيظ، نظراتها كانت حارقة بإمكانها أن تحرق أي شيء أمامها.. وبلحظة كانت تندفع نحو الدرج تنزل لغرفتها وهي تشتمها بغيظ وتتوعد لها.
توقفت قبل أن تدخل غرفتها عندما سمعت صوت خطوات تصعد الدرج فأسرعت والقت نظرة من الأعلى فوجدته زوجها.. ابتسمت بلؤم وبسرعة ابتعدت عن الدرج بضع خطوات ثم ألقت بنفسها على الأرض تتصنع فقدان الوعي، ثواني معدودة وكان جلال وصل وينوي الصعود للطابق الثالث لكنه تصلب عندما رأها ملقية فوق الأرض هكذا، وبظرف ثانية كان يهرول نحوها ويجثي أمامها على الأرض يحاول إفاقتها:
_فريال ردي عليا أنتي سمعاني.. فريال
لأول مرة بحياتها تتبع تلك الأساليب الخبيثة لكنها لم تجد حل سوى أن تتقمص شخصية آسيا وإلا لن تتمكن من الفوز بمعركتها مع تلك الأفعى، رغم أنها المرة الأولى لكنها كانت تجسد المشهد التمثيلي بمهارة أمامه ولم يشك بها للحظة حيث حملها بين ذراعيه وسار بها تجاه غرفتهم ووضعها فوق الفراش ثم مد يده وجذب زجاجة العطر ونثر منها فوق كفه ثم قربه من أنفها، انقلبت معدتها رأسًا على عقب فور استنشاقها لرائحة العطر القوية وبسرعة فتحت عيناها وثبت جالسة وهي تكتم فمها بيدها ثم نهضت من الفراش وركضت نحو الحمام تفرغ ما بمعدتها كله.
رمش جلال بعيناه عدة مرات غير مستوعبًا ما حدث للتو أمامه، كيف وثبت هكذا بلحظة وفتحت عيناها وركضت نحو الحمام وكأنها لم تفقد الوعي للتو ولماذا تستفرغ من رائحة العطر!!...
توقف ولحق بها نحو الحمام فوجدها توقفت عن التقيؤ وكانت تغسل وجهها.. ثم التقطت المنشفة تجفف وجهها وعندما سقط نظرها عليه ورأته كيف يتطلع إليها أدركت أن حيلتها انكشفت وربما شك بأمرها أيضًا فيما يخص الحمل، اضطربت وابتلعت ريقها بتوتر لكنها استمرت في حيلتها تحاول إنقاذ الموقف قدر الإمكان:
_شكلي أخدت برد في معدتي ومن شوية دوخت ومحسيتش بروحي فوقعت واغمى عليا
تجاهل نقطة استفراغها رغم أنه يشعر أنها تخفي عنه شيء وربما يكون ما يعتقده صحيح، وانتقل لنقطة تمثيلها فقدان الوعي ومحاولاتها الفاشلة في الكذب والتصرف بمكر وشيطانية وهي لا تنجح بتلك الأمور أبدًا فابتسم لها باتساع دون أن يرد.
تأكدت أن لا فرصة لها بالكذب مرة أخرى فهو أدرك حيلتها الفاشلة وانتهى أمرها، دفعته من أمامها وخرجت من الحمام وهي تتأفف بخنق بينما هو فضحك ورد بخبث مداعبًا إياها:
_بس أشهدلك أداءك كويس في التمثيل حتى لو لساتك مبتعرفيش تكذبي بس أنا صدقت تمثيلك
ردت عليه بضيق وهي توليه ظهرها:
_أنا مكنتش بمثل
قهقه بقوة ثم غمز لها وتمتم بفرحة داخلية تظهر في نبرته المرحة:
_مكنش له لزمة الفيلم ده يافريالي.. لو غيرانة ومش عاوزاني اطلع عندها كنتي تقوليلي وطوالي تلاقيني چارك وفي حضنك
التفتت له ورمقته بغيظ تقول بحدة ولهجة ساخرة:
_أنا غيرانة وهنام في حضنك وأقولك تاچيلي!!.. صحيح الچعان يحلم بسوق العيش
وجدته يقهقه بصوته الرجولي في قوة فلوت فمها باستنكار وولته ظهرها ثم اتجهت نحو الفراش. وتمددت بجسدها فوقه بينما هو فاقترب منه ومال على أذنها فوق الفراش يتمتم بمكر:
_بعد اللي عملتيه ده اطمني مش هضيع مجهودك على الفاضي الليلة أنا معاكي ياحبيبتي
مال ثغرها للجانب ببسمة نصر أنها نجحت ببقائه معها الليلة رغم فشل خطتها، وكانت عيناها تلمع بوميض التشفي وهي تتخيل منيرة كيف سيكون وضعها وهي تجلس الليل كله منتظرة قدومه لها....
***
عودة للقاهرة.......
بتمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، انتفضت آسيا بفزع من نومها بعدما راودها حلم مزعج ومخيف.. فانتصبت جالسة وهي تتنفس بصعوبة ونبضات قلبها سريعة، استمرت على تلك الحالة دقائق طويلة حتى هدأت سرعة أنفاسها فحاولت وضع رأسها على الوسادة مرة أخرى لتنام لكنها فشلت والخوف كان استحوذ عليها بالأخص وهي تنام بالغرفة بمفردها وبمنزل جديد عليها لم تدخله من قبل ولم تعتاد على الغرفة ولا الفراش حتى.
ظلت مستيقظة لنصف ساعة دون نوم رغم خمولها ورغبتها في النوم لكنها لا تستطيع من خوفها، استقامت جالسة مجددًا وهي تفكر به.. بعد ما فعلته معه منذ ساعات كيف تطلب منه أن يبقى معها الآن حتى تنام براحة ولابد من أنه نائم الآن.
ظلت لوقت طويل تفكر بحل وبالأخير قررت أن تذهب له وتنام بجواره دون أن توقظه وبالصباح تجد ذريعة تفسر بها فعلتها.. نهضت من الفراش وغادرت الفراش ونست تمامًا أنها ترتدي قميص النوم الأسود هذا حتى أنها خرجت من الغرفة وبحثت عنه ببقية الغرف لم تجده.. كانت وجهتها الأخير بالصالة فوجدته نائم فوق الأريكة، زمت شفتيها بيأس واقتربت منه ثم جثت على ركبتيها أمام الأريكة على الأرض وهي تتمعن النظر به رغم الظلام الذي كان يملأ الصالة لكنها كانت تحدق به وبالأريكة في عبوس.. فقد ظنته ينام فوق الفراش بأحدى الغرف لكن فوق تلك الأريكة الضيقة التي بالكاد تتسع له كيف ستنام بجواره.
بعفوية تامة فتح عيناه أثناء نومه وكان سيهم بالنوم على الجهة الأخرى لكن عندما رآها أمامه وكان لا يرى ملامح وجهها من الظلام.. فقط يرى جسد أسود أمامه دون ملامح، ظنها شبح وبلحظة كان ينتفض مفزوعًا وهو يعتدل جالسًا يقول:
_اعوذ بالله من الشيطان الرجيم!
......... نهاية الفصل .........
•تابع الفصل التالي "رواية ميثاق الحرب و الغفران" اضغط على اسم الرواية