رواية ميثاق الحرب و الغفران الفصل الثاني 2 - بقلم ندى محمود
(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل الثاني _
انفتح الباب بقوة وظهرت من خلفه آسيا وهي تقف بكل هيبة وجبروت هاتفة أمام حشد الرجال هذا من العائلتين :
_ الصلح ده مش هيتم
أظلمت العيون والتهبت النظرات من رجال عائلتها أما الدهشة فكانت من نصيب عائلة ابراهيم الذين كانوا يحدقون بآسيا في ذهول باستثناء عمران الذي كان يتأمل هيأتها القوية وعلى ثغره شبه ابتسامة مستهزئة منها ! .
تابعت آسيا بغضب غير مكترثة لنظراتهم لها :
_ عاوزين تقتلوا القتيل وبعدين تيچوا تمشوا في چنازته
تلونت عين حمزة وجلال بالأحمر القاتم وكأن بداخلهم بركان انفجر للتو .. انتصب حمزة في جلسته وضرب بعصاه الأرض في صوت عنيف دوى في آذان الجميع ونظراته المرعبة ثابتة على حفيدته .. أما جلال فقد تأهب واقفًا كالثور الهائج واندفع نحو شقيقته ثم قبض على ذراعها بعنف ليجذبها معه خارج المجلس بأكمله ، يجرها خلفه بعصبية بينما هي تحاول إفلات ذراعها من قبضته العنيفة صائحة به :
_سيب يدي ياچلال
لم تسمع رد منه وفقط كان مستمر في جرها خلفه وهو يصعد الدرج قاصدًا غرفتها بالأعلى ومع الآسف لم تسكت بعد بل تابعت بحرقة :
_ كيف وافقت على الصلح ده .. أنت مش فارق معاك حق أبوك ولا إيه
حصلت أخيرًا على صرخة جهورية منه نفضتها :
_ اقفلي خشمك مسمعش حسك واصل
لم يمهلها الفرصة لتجيب عليه حيث وصل بها لباب غرفتها وفتحه ثم دفعها للداخل بعنف صارخًا بها :
_ طالعة قدام الرچالة دي كلها تتكلمي .. لتكوني فاكرة أن ده شچاعة لا ده اسمه فُجر
ردت على أخيها بغضب وقوة :
_ انا مهسكتش عن حق أبويا ياچلال
صرخ بها بصوته الرجولي المخيف :
_حق ابوكي في رچالة عارفة زين كيف تاخده مش الحريم .. الهيبة والاحترام اللي بتاخديهم من أكبر لاصغر واحد في العيلة اوعاكي تنسيكي إنك حرمة وحسك ميطلعش في وچود الرچالة فاهمة ولا لا
اشتعلت غيظًا ولم تشعر بذلة لسانها التي تحدثت دون تفكير :
_ هي فين الرچالة دي !! .. الرچالة اللي نست حقه وحطت يدها في يد قتالين القُتلة دول
أظلمت عيني جلال ورمقها بنظرة قاتلة ، لوهلة خشيته وكانت تعرف أن ما سيتبع تلك النظرة ليس خيرًا أبدًا وبالفعل وجدت كفه يرتفع ويهوى به فوق وجنتها بقوة ، رفعت يدها تتحسس موضع صفعته تحدقه مندهشة ثم بحركة مفاجأة جذبها من ذراعها هاتفًا بنبرة تقذف الرعب في البدن :
_ من إهنه ورايح هيكون في معاملة تاني يا آسيا ، إنتي مينفعش معاكي غير إكده
ظلت تحدقه بصدمة وقد تجمعت العبارات في عينيها البنية ، لا تصدق أن من صفعها الآن هو شقيقها الحبيب .
دفعها جلال بعد أن ترك ذراعها ثم رفع سبابته في وجهها محذرًا بلهجة تحمل الوعيد :
_ على الله رچلك تعتب برا عتبة الأوضة دي
كان جليلة تتابع شجار ولديها من الخارج وتنظر لابنتها في ضيق ، وفور رحيل ابنها دخلت لها تتطلعها بنظرات عتاب متمتمة :
_ اخوكي عنده حق .. مكنش ينفع تردي على أخوكي بالكلام ده متخليش غضبك يسيرك
اشاحت بوجهها للجانب الآخر بعيدًا عن أمها وردت بصوت محتقن بالدموع :
_ همليني لحالي ياما
تنهدت جليلة بخنق من ابنتها وطالعتها بنظرة قوية قبل أن تستدير وانصرف تتركها بمفردها تتخبط في غيظها وألمها .......
***
بقت ساكنة بمضجعها تحدق امامها في الفراغ بعينان تطلقان شرارات الثأر والجحود .. رغم شراسة نظراتها إلا أن تلك العينان لم تتوقف عن ذرف الدموع الحارقة في صمت ، قلبها ينسحق أسفل ستار الخزي بعد الصفعة التي تلقتها على يد أخيها .. لكنها تقسم بعدم ترك ثأر أبيها يضيع هباءًا حتى لو بقى الأمر عليها هي لتفعله ، طالما الرجال لا يستطيعون فعلها .
ليست نادمة على ما فعلته بمجلس الرجال بالأسفل ولو توجب عليها فعله ثانية ستفعله ، لكنها تعترف لنفسها بأنها أخطأت وتسرعت في التصرف ، كان يجب عليها أن تتريث وتتصرف وفقًا لخطط متقنة .. فالتصرف الذي صدر منها هو غباء وستتحمل عواقبه الوخيمة الآن .
لم تنتبه للوقت الذي مر وفاقت على أثر صوت باب المنزل الحديدي بالأسفل وهو ينفتح ، فاستقامت واقفة وكفكفت دموعها بكل قوة ثم سارت نحو شرفتها تقف مستندة بكفيها فوق السور الحديدي للشرفة ونظراتها الحاقدة تتابع عائلة إبراهيم الصاوي وهم يغادرون منزلها ، بعضهم تفرق لطرق مختلفة والبقية أكملوا طريقهم لنهاية الشارع ثم انحرفوا للشارع الخلفي حيث يقطن منزلهم .
كانت على وشك الدخول مجددًا لكن عيناها التقطت عمران وهو يقف بالأسفل يتحدث مع أخيها ومن خلال بعض الكلمات المتقطعة التي وصلت لأذنها كان عمران يطمئن على أحوال شقيقته وجلال بدوره رد عليه بكل برود ونظرات تضمر بعض الضغينة في ثناياها ولم يكن حال عمران يختلف عنه كثيرًا .
ظلت عيناها النارية ثابتة على عمران وبعقلها تدور ألف فكرة شيطانية ستشبع روحها المتضورة للثأر ، رأته يبتعد عن أخيها ويسير باتجاه سيارته المصطفة على بعد عشر أمتار من منزلهم ، فتح باب السيارة وقبل أن يستقل بها ارتفعت عيناه بعفوية بحتة للأعلى فاستقرت على شرفتها حيث تقف تلك بردائها الأسود وحجابها الذي صنعا منها مظهرًا اشبه بساحرة شريرة ، لم ترمش عيناها لمرة واحدة وهي تحدق به بكامل الجبروت ورأسها مرفوع لأعلى بشموخ يليق بها .
لم يعيرها ادنى اهتمام حتى أنه تجاهل نظراتها الحاقدة وقابلها بابتسامة جانبية ساخرة مع نظرة مرعبة يرسل من خلالها إشارات تحذيرية لها وكأنه اخترق عقلها وفهم ما يجول به .
لم تهتز لنظرته شعرة واحدة بل زادتها تصميمًا وبقت كما هي حتى رأته يتحرك بسيارته ويغادر ، دخلت إلي غرفتها ووجهها خالي تمامًا من التعابير وإذا بها تجد جدها يقتحم عليها الغرفة بغضب هادر ويصيح بها :
_ عال والله يابت خليل ، هي دي التربية اللي أنا وابوكي ربنهالك
ابتلعت غصة مريرة في حلقها على أثر سماعها لاسم ابيها وطريقة جدها الجافة معها :
_ إنت وابوي علمتوني مسبش حقي ياچدي
ضرب بعصاه الغليظة الأرض محدثة صوتًا مدويًا وهتف بعصبية :
_ مفيش عندنا حريم بتتدخل في كلام الرچالة ، والحديت ده ملكيش صالح بيه .. مفضلش غير الحريم كمان اللي تقول للرچالة يعملوا إيه وميعملوش إيه ، ولدي مات وحقه احنا عارفين كيف هناخده
لم تقوي على رفع نظرها بجدها وبقت مطرقة أرضًا احترامًا وتقديرًا له رغم أن العبارات عادت تتجمع بعيناها مجددًا لتسمعه يكمل بلهجته المحذرة :
_ هعتبر اللي حصل ده غلطة بسبب إن قلبك محروق على ابوكي ، عشان أنا عارف زين أن بتي آسيا مبيطلعش منها الغلط ، لكن لو الغلط ده اتكرر تاني وقتها متلوميش غير نفسك يا آسيا
اماءت رأسها له بالموافقة هامسة بصوت يحمل بحة انثوية رقيقة ومختلفة كليًا عن حقيقتها المتجبرة التي تظهر بها أمام الجميع :
_ حاضر ياچدي .. حقك عليا أنا آسفة غلطة وما هتتكررش
تمتم حمزة بنبرة قوية بعد أن هدأت عصبيته قليلًا :
_ زين إنك عارفة غلطك
رفعت نظرها له وابتسمت بدفء ثم تقدمت نحوه بخطا ثابتة وانحنت على كف يده تقبل ظاهرها في اعتذار للمرة الثانية ينبع من صميمها ، لطالما كان جدها يحتل بقلبها نفس منزلة حبها وتعلقها بأبيها :
_ متزعلش مني ياجدي .. سامحني أنا زي ما قولت قلبي محروق على ابويا ومش قادرة انسى أنه اتقتل غدر قصاد عيني
ربت على رأسها بحنو متمتمًا في لهجة رجولية قوية يطمئنها :
_ حق ولدي هيرجع وهناخد عزاه ، اللي ابتدي الحرب معانا بالدم هننهيها بالدم ، والغدر ملوش غفران في عرفنا يابتي
لا تنكر أن كلمات جدها اسعدتها واشعرتها بقليل من الراحة ، فارتمت عليه بين ذراعيه تعانقه بحب هامسة :
_ ربنا يخليك لينا ياچدي ويباركلنا فيك ، احنا معدش لينا سند ولا ضهر غيرك من بعد ابوي
ابتسم حمزة بحنو وتمتم في جدية :
_ أنتي وأخوكي وعيال عمك حتة من قلبي ، وبالأخص أنتي مكانك في قلبي مختلف ياست البنات كلهم
انفرج ثغرها ببسمة اكثر اتساعًا وسعادة بحنو جدها وحبه لها ، وكأن ما افسده أخيها بصفعته لها اصلحها جدها الحنون ! .
***
داخل جدران المطبخ تجلس كل من خلود ( ابنة منصور ) وأمها حول الطاولة المستديرة على المقاعد الخشبية وينّمون معًا بكل شماتة في الحادثة الأخيرة وما طال آسيا جراء فعلتها الوقحة ! .
مالت خلود على أمها تهمس لها في شماتة تلمع بعيناها وهي تضحك :
_ چلال ضربها بالقلم فوق ياما ولو كانت كترت معاه اكتر كان قصلها لسانها اللي فرحانة بيه ده
شهقت إنصاف بصدمة وهتفت بعدم تصديق :
_ كيف عرفتي يابت ؟!
لمعت عيناه بخبث وغمزت لأمها وهي تهمس :
_ اتصنت عليهم من غير ما ياخدوا بالهم وسمعت كل حاجة وصوت القلم في الآخر رن في وداني رن ، تستاهل بت چليلة الحرباية دي .. البيت كله مفيش على لسانه غير ست البنات آسيا راحت آسيا جات ، اتفرجوا عاد على آسيا بتاعتكم وفضايحها
التفتت بعفوية تجاه الباب فرأت جليلة تقف تنظر لهم بشكل مخيف ، صابها السعال الشديد فجأة نتيجة لدهشتها المصحوبة بخوفها ، فربتت إنصاف على ظهر ابنتها برفق وناولتها كأس المياه لترتشف منه الأخرى بتوتر وهي ترى جليلة تتحرك بخطواتها الواثقة وهيبتها الطاغية ، حتى وقفت أمام المبرد واخرجت زجاجة مياه باردة والتقطت كأسًا طويلًا تسكب فيه الماء بهدوء مريب .
خرج صوتها المرعب أخيرًا وهي تقول لإنصاف منذرة :
_ ربي بتك زين يا إنصاف .. أو لو مش عارفة تربيها سيبهالنا نربيها احنا بطريقتنا
استقرت نظرة نارية ومغتاظة من إنصاف على جليلة دون أن تجيب عليه بسبب عدم جرأتها ، أما جليلة فقد حملت كأس المياه بين يدها الذي يبدو أنها تأخذه لأحد بالخارج وسارت بجوارهم ثم توقف أمامهم مباشرة وقالت بنظرة ترهب البدن :
_ بتي ست البنات وهتفضل ست البنات ، وست البيت كله كمان واللي مش عاچبه يشرب من البحر
ابتلعتا إنصاف وخلود الإهانة وهم يشتعلون عيظًا من تلك المرأة المتجبرة كأبنتها ، وظلوا يتابعوها وهي تغادر وكلاهما يتوعدان لها هي وابنتها .....
***
بتمام الساعة الثامنة مساءًا ....
أمام منزل إبراهيم الصاوي يجلس كل من بشار وعمران فوق مقعدين خشبين يتبادلون الأحاديث المختلفة بجدية .. ليصدح صوت بشار وهو يتساءل بحيرة :
_ لغاية دلوك وأنا مش فاهم سبب إصرار عمي إبراهيم على الصلح ده !
طال صمت عمران وهو يحدق في الفراغ أمامه حتى خرج صوته الرجولي الغليظ يقول :
_ ابوي في حاچة بتدور في دماغه .. لكن إي هي الله اعلم ، ومسير المستخبي يبان
بشار بوجه عابس :
_ إن چيت للحق أنا مش مطمئن للصلح ده ياواد عمي ، وحاسس أن الغدر هيكون منهم المرة دي
التهبت نظرات عمران بغضب ورد بحدة :
_ واحنا مغدرناش اولاني عشان يغدروا هما المرادي يا بشار ، الغدر والخيانة كانوا منهم من البداية واحنا مقتلناش حد ورغم إكده بدأنا بالصلح ، ولو حصل غدر منهم تاني المرادي وحاولوا يأّذوا حد منينا مش هتكفيني عيلتهم كلها
تنهد بشار الصعداء وقال بخنق :
_ ربنا يستر .. بعد اللي عملته آسيا في الصلح الصبح الوضع ميطمنش
اختفت الشراسة من ملامحه وراحت ضحكته الرجولية تصدح وهو يجيب على ابن عمه مستهزءًا :
_ جرالك إيه يا واد عمي ، هتخاف من حرمة ولا إيه .. البت دي باين عليها عايزة تتربى زين ، وأنا توقعت أن چلال هيريبها ويكسرلها رچلها عشان الفضيحة اللي عملتها قصاد الرچالة بس باينله نخ ومعرفش يعمل حاچة معاها
عقد بشار حاجبيه باستغراب وسأله :
_ وأنت عرفت كيف أنه معملهاش حاچة ؟!
عمران بصوت أجشَّ وقوي دون أن ينظر لبشار :
_ كانت واقفة في البلكونة واحنا ماشين
التزم بشار الصمت بعد رده لدقائق كل منهم شارد بعقله في شيء مختلف ليستقيم بشار بالنهاية هاتفًا بصوت مرهق :
_ أنا هدخل عاد انام واريح چتتي ( جسمي ) شوية لأحسن أنا من صباحية ربنا واقف على رچليا في المصنع
عمران بإيجاب في صوت طبيعي :
_ تمام روح ريح يابشار
_ عايز حاچة مني قبل ما امشي ؟
ابتسم له عمران بامتنان وهز رأسه بالنفي ليستدير الآخر وينصرف فيتركه حبيس أفكاره من جديد ، ما بين محاولته لفهم أبيه وما يدور بعقله وبين أمور العمل المعقدة التي تقع مهمة حلها على عاتقه هو ! ......
***
عقله يسبح في آفاق لا نهاية لها ، يشعر نفسه محاصر بين شقين احدهم جهنم والآخر النعيم ، وهو يريد الآثنين .. يريد الجحيم الذي سيداوي جروحه ومن جهة أخرى روحه المتخبطة تخشى من خسارة نعيمها في سبيل جحيم واقعه ! .
يعلم أنه بالنهاية سيأثر جحيمه وسيتوجب عليه الحفاظ على نعيمه ، فهو لا يستطيع التغاضي عن انين روحه المعذبة ، التي لن تهدأ إلا إذا أخذ العدل مجراه .
لم ينتبه للعيون التي كانت تتابعه منذ دقائق اثناء خلوته مع نفسه في الظلام .. سمع صوت الخطوات التي تقترب منه فلم يلتفت وظنها ببادئ الأمر زوجته ، لكن حين جلست بجواره والتقطت عيناه ظلام هيأتها رغم ظلام الغرفة أدرك أنها أمه ، كانت تحدقه مطولًا بإشفاق على همه وحزنه الملازم له منذ وفاة والده .. فخرج صوتها المتوسل :
_ وافق ياولدي على اللي قولتلك إيه .. أنت مش شايف كيف بقيت مهموم علطول
التفت لها جلال بنظرة مستفهمة وقال :
_ أوافق على إيه ياما ؟!
ابتسمت جليلة وتمتمت بنظرة ماكرة :
_ امبارح كنت عند سميرة مرات حسين الچزار .. كانت تعبانة وروحت اخد ثواب في زيارة المريض .. قدمتلي العصير بتها ، البت كيف فلقة القمر ياولدي .. چمال وأدب وأخلاق انا متوكدة إنك لو شفتها هتغير رأيك
مسح على وجهه متأففًا بصوت مرتفع وقال بنبرة منزعجة :
_ لساتك مطلعيش الموضوع اللي ملوش لزمة ده من دماغك ياما
جليلة بنظرة قوية تليق بامرأة مثلها :
_ عشان عايزاك مبسوط ياولدي .. شكلها بت إبراهيم الصاوي معدتش عارفة تسعدك .. والهم اللي أنت فيه ده معايزش غير بت قمر ومدلعة إكده تدلعك وتنسيك همك
احتقن وجهه بدماء الغضب وهتف لأمه بحدة رجولية مخيفة :
_ ياحچة چليلة ده أنتي ست عارفة ربنا ، اللي إنتي بتعمليه ده اسمه خراب بيوت .. أنا بحب مرتي ومبسوط معاها ومفيش ست تملي عيني ولا تدخل قلبي غيرها ، بزيادكِ عاد ياما الله يهديكي بلاش تخلي غضبك على عيلة إبراهيم الصاوي يعمي عينك
لمعت عين جليلة بالدموع جراء صدمتها على ما تفوه به ابنها وقالت :
_ أنا خرابة بيوت ياچلال !
استغفر ربه بضيق وراح يوضح مقصده لها بندم :
_ مقصدش ياما والله و.....
اوقفته عن استرسال حديث بإجابتها الحزينة وهي تهب واقفة :
_ تقصد ولا متقصدش أنا فهمت زين ياولدي قصدك .. ومعدتش هفتح معاك الحديت ده تاني ، أنا غلطانة إني كان قلبي عليك وعايزة سعادتك
استدارت وهمت بالانصراف فحاول هو إيقافها هاتفًا باعتذار منها :
_ ياما استني حقك عليا والله ما اقصد
لم يتمكن من إيقافها ليزفر الصعداء بخنق وعدم حيلة ، ثم عاد يجلس على مقعده من جديد دافنًا وجهه بين راحتي يديه ! .......
***
لم يزر الطعام معدتها منذ الصباح وبقت فقط تطفأ روحها المشتعلة بالمياه التي بجوارها .. لم تغادر غرفتها وظلت حبيسة بها رغم أن ذلك الضعف الظاهر للجميع ليس من شيمها أبدًا .. لكنه لم يكن بالحقيقة ضعف بل كانت ترغب في البقاء بمفردها لبعض الوقت ، ترتب أفكارها جيدًا وتخطط لما ستفعله بالأيام القادمة ، حتى لا ترتكب مزيدًا من الأخطاء كما فعلت بمجلس الرجال .
تمسك بيدها صورة لأبيها وتستمر في التمعن بها بين آن والآخر ودموعها تنهمر بانسيابية فوق وجنتيها .. هي منحت نفسها اليوم حريتها لبضع سعات فقط لكي تفرغ بهم كل ثقل وضيق يخنقها ويجلس على قلبها ، ستبكي حتى تكتفي اليوم وسيكون هو آخر أيام عجزها ، القادم لا مجال فيه للبكاء ، ستصبح الساحرة الشريرة كما وصفها والتي تسحق كل من يقف بطريقها دون هوادة أو رحمة .. لن تشفق عليهم كما لم يفعلوا هم ! .
انتفضت على أثر صوت طرق الباب واسرعت بوضع صورة أبيها أسفل وسادتها ثم جففت دموعها بسرعة دون أن تسمح لوجود أي أثر لتلك الحالة المزرية التي كانت تنخرط بها ، وخرج صوتها الثابت :
_ مين ؟
انفتح الباب ببطء حتى ظهرت من خلفة فريال وهي تحمل فوق ذراعيها صينية فوقها صحون ممتلئة بانواع مختلفة من الطعام ودخلت ثم أغلقت الباب خلفها ، تقدمت من آسيا وهي تهتف لها بود وإشفاق :
_ كنت بعمل أكل لنفسي وعملتلك معايا إنتي مكلتيش حاجة من الصبح
تابعتها آسيا بنظراتها الجامدة وهي تضع الصينية فوق فراشها ثم قالت باستنكار :
_ إنتي چواكي إيه بظبط يافريال ، چيبالي الأكل وإنتي عارفة زين إننا مطيقينش بعض وخصوصًا أنا
فريال بهدوء جميل :
_ لا يا آسيا أنا مبكرهكيش
استقامت واقفة وهدرت بغضب وصلابة :
_ إنتي چاية عشان تشمتي عشان اللي قولتهولك في المطبخ وبعد اللي چلال عمله معايا الصبح
لوت فريال ثغرها بيأس ثم ردت :
_ لو چاية اشمت فيكي مكنتش چبتلك أكل ، أنا مقدرة حزنك على عمي خليل وأن قلبك محروق وعشان إكدا مش بلومك على اللي بتعمليه معايا ، إنتي كنتي طول عمرك چدعة معايا وكنا أصحاب لكن بعد اللي حصل اتغيرتي ، وأنا عذراكي أنت مفكرة إن عمران وابويا هما اللي قتلوا ابوكي بس مسيرك تعرفي إنك غلطانة
لم تتمكن من حجب ضحكتها على آخر كلماتها حيث انطلقت منها بقوة وهي تجيبه :
_ لا أنا مش مفكرة يا فريال أنا متوكدة وعارفة زين إن اخوكي وابوكي قتالين قتلة وعاملين فيها ملايكة ، وللأسف انتي مخدوعة فيهم بس هتعرفي حقيقتهم قريب متقلقيش أتمنى بس ميكنش فات الآوان وقتها
تنهدت فريال الصعداء مغلوبة وقالت لآسيا بنفاذ صبر :
_ الحديت الكتير ملوش لزوم معاكي يا آسيا ، زي ما قولتلك مسير الزمن يثبتلك إنك غلطانة ، المهم دلوك تاكلي وتريحي نفسك باين عليكي تعبانة
هزت آسيا رأسها بسخرية واشاحت بوجهها بعيدًا عن فريال في خنق ، لتتنهد الأخرى مطولًا وتستدير متجهة نحو الباب لكن قبل انصرافها سمعت صوتها تهتف على مضض كأن أحد اجبرها على قول ذلك :
_ شكرًا يا فريال !
ابتسمت لها بعذوبة وهمست :
_ العفو .. تصبحي على خير
***
بصباح اليوم التالي داخل غرفة جلال وفريال .......
تسللت آشعة الشمس لعيناه من الشرفة المفتوحة ، فتململ في فراشه بانزعاج محاولًا ابعاد وجهه عن الضوء لكن بلا جدوى فتأفف بغضب بسيط وفتح عيناه ينوى توبيخ زوجته بعنف ، لكن غضبه كله تبدد بلحظة ولمعت عيناه بإعجاب حين سقطت على فريال التي تقف أمام الخزانة تقوم بترتيب الملابس .. مرتدية قميص من الستان لونه فيروزي يصل لما فوق ركبتيها ومن الخلف ظهرها بأكمله عاري لكن خصلات شعرها الناعمة تغطي معظمة لسوء الحظ ، ولم يدم تأمله في مظهرها المثير كثيرًا حيث سمعها تهتف عليه دون أن تلتفت برأسها :
_ چلال اصحى عاد الساعة بقت 10
اغمض عيناه سريعًا يتصنع النوم بينما هي فاستدرات بجسدها للخلف تتطلع عليه بنفاذ صبر .. ثم تقدمت نحوه وانحنت عليه تهزه برقة في كتفه هامسة :
_ چلال اصحى !
لم يجيبها ولم يبدي أي ردة فعل فعادت تهزه من جديد ورفعت نبرة صوتها :
_ يلا عاد قوم !! .. إيه النوم التقيل ده
وكانت الإجابة نفسها بلا رد أو حتى حركة كأنه جثة هامدة فضيقت عيناها باستغراب ، بالطبيعي هو من أقل همسة أو صوت بجانبه يستيقظ ومحاولاتها القوية في إيقاظه دون نتيجة منه صابتها بالقلق والرعب فراحت تهزه بعنف بصوت مرتعد :
_ چلال رد عليا .. چــلال
نبرتها المفزوعة والمرتشعة اضحكته رغمًا عنه ففتح عيناه وهو يضحك وبحركة مفاجأة منه رفع جسده المسطح قليلًا وحاوطها من خصرها ثم جذبها لتسقط بجواره فوق الفراش ، ثم وجدته يشرف عليها بجسده القوة يحاصرها من الجهتين بذراعيه ووجهه بالكاد تفصله بضع سنتي مترات عن وجهها فتلكزه في صدره بغيظ توبخه برقة :
_ إيه الهزار ده ياچلال
ضحك بتلذذ ثم همس ببحة رجولية تذيب العقل وهو يتطلع بعيناه :
_ خوفتي أكون موت ! .. لو كنت موت صُح كنتي إيه هتعملي؟
كتمت على فمه بغضب وقالت في حدة :
_ إيه الكلام الماسخ ده .. متقولش إكده تاني ، أنا مقدرش أعيش من غيرك يوم واحد .. ربنا يخليك ليا ويخليك لولادك
فاضت عيناه السوداء بالعشق ولاحت لمعة السعادة بها .. ليكمل ببسمة ماكرة متعمدًا إثارة غيظها :
_ كلام ماسخ ليه .. الموت علينا حق وكلنا لينا يوم
صاحت به بضيق حقيقي وغضب :
_ چــلال بزيادة متتكلمش عن الموت قصادي
لاحظ ان عيناها تلألأت بالعبارات فغضن حاجبيه بدهشة واتسعت ابتسامته بحب وهو يدنو إليها يقبل ارنبة أنفها هامسًا :
_ خلاص حقك عليا مش هقول إكده تاني .. متزعليش عاد واضحكي أنا لساتي عايش مموتش يعني
ابتسمت له بنعومة وبنظرة مغرمة فوجدته هو يدنو منها مجددًا يلثم أجزاء متفرقة من وجهها ، أغلقت عيناها تسمح لروحها العاشقة التلذذ بفيض مشاعره ورقة قبلاته .
بعد دقائق طويلة نسبيًا همست هي بوداعة :
_ چلال أنا عايزة اروح النهارده اشوف ابويا وامي واطمن عليهم
رفع وجهه قليلًا عنها وهتف :
_ عايزة تاخدي النهار عندهم يعني
هزت رأسها بالإيجاب له .. فتنهد مطولًا وأجابها بالموافقة وهو يغمز بلؤم :
_ ماشي روحي .. بس أما نخلص كلامنا الأول
ضحكت بخجل بسيط ولم تبدي أي اعتراض بل انغمست معه بسعادة يقضون لحظات خاصة تحفها مشاعر العشق الجيَّاشة .........
***
في تمام الساعة الثانية ظهرًا بمنزل ابراهيم الصاوي تحديدًا بالطابق الثالث والأخير من المنزل حيث يحتوى على الكثير من الغرف لكن هناك غرفة مميزة ، خاصة بجلسات الشباب وبالأخص عمران الذي يقضي معظم وقته بالمنزل بها .
الغرف تحتوى على اربعة ارائك من التصميمات الكلاسيكية القديمة مصنوعة من الخشب يطلق عليها ( كنب بلدي ) .. كل اريكة تحتل ركن من أركان الحوائط الأربعة ، وبالمنتصف توجد طاولة خشبية عريضة وعالية نسبيًا .. مغطاة بمفرش أبيض طويل صنع يدوي .. وايضًا بها نافذة كبيرة تطل على الأرض الزراعية التي أمامها .
فتح بلال باب الغرفة والقى نظرة على أخيه الذي يتحدث بالهاتف في جدية .. ثم دخل بهدوء واغلق الباب ليتقدم نحوه ويجلس بجواره منتظر انهائه لمكالمته الهاتفية .. استمرت مكالمة عمران لخمس دقائق تقريبًا وبعد انتهائه ، تطلع بأخيه وابتسم له بدفء هاتفًا :
_ كيفك يابلال ؟
بلال بهدوء :
_ زين الحمدلله ياخوي
ردد خلفه ( الحمدلله ) مبتسمًا ، ليتنفس بلال الصعداء مطولًا ثم يتمتم بتردد :
_ أنا في موضوع إكده كنت عايز اخد رأيك فيه
غضن عمران حاجبيه بحيرة وهتف يحثه على متابعة حديثه :
_ موضوع إيه ده ؟
اخذ بلال نفسًا عميقًا وتابع بنبرة رجولية :
_ أنا في واحدة معچب بيها في الچامعة معايا .. من بدري قوي والحقيقة محبتش آخد خطوة ولا افاتح حد في الموضوع غير لما أكون متوكد من مشاعري
طال جمود وجه عمران حتى لاحت ابتسامته الحانية على ثغره وهو يجيبه بثقة :
_ وإنت طبعًا چاي تقولي الكلام ده لإنك اتوكدت خلاص من مشاعرك وعايز تتقدملها
هز بلال رأسه بالإيجاب في نظرة ثابتة .. بينما عمران فاصدر تنهيدة طويلة مبتسمًا على أخيه الصغير وقال بحكمة :
_ وأنا موافق معنديش مشكلة نسأل عنها زين ومين ناسها .. ولو عيلتها ناس محترمين ليك عليا أتكلم أنا مع أبوك واقنعه بالموضوع ونروح نطلب يدها .. بس هما هيوافقوا عليك على أساس أي يا واد ابوي ؟
تجهم وجهه وأجابه بانزعاج بسيط وصلابة :
_ كيف يعني ؟!!
ربت عمران على فخذ أخيه بحنو ثم أكمل برزانة :
_ يعني إنت لسا مخلصتش چامعتك ولا روحت چيشك ولا حتى معاك شغل أو وظيفة ثابتة .. هيدولك بتهم ويطمنوا عليها كيف .. أنا مش بقولك إنك وحش يابلال بس ده العرف ومحدش بيرمي بته والسلام
اطرق رأسه أرضًا بيأس وعبوس يستحوذ على وجهه ليسمع صوت أخيه يهتف :
_ إيه ساكت ليه .. إنت مفكرتش في ده ؟!
أجاب بلال بقنوط :
_ فكرت طبعًا ياعمران وعارف ده زين .. بس أعمل إيه أنا خايف اصبر تضيع من يدي والاقيها اتخطبت
عمران بنبرة رجولية :
_ إنت في آخر سنة ومش فاضلك غير شهرين وتتخرچ .. واللي باقي بعد إكده ساهل .. ومتقلقش لو هي ليك ومن نصيبك لو قعدت عشر سنين هتلاقيها مستنياك .. بس أهم حاچة تكون إنت چاهز للچواز لأنه مش لعب عيال ده مسئولية وولاد وبيت .. ولو إنت بتحبها هتكون عايزها تعيش مبسوطة معاك ومتخلهاش لا هي ولا عيالك ناقصهم حاچة .. عشان إكده أنا بقولك اصبر لغاية ما تكون اسست نفسك زين وبعدها اتوكل على الله وروح اطلب يدها
هم بأن يجيبه لكن قطع حديثهم دخول عفاف ( زوجة إبراهيم الثانية ووالدة بلال ) التي هتفت محدثة ابنها بجدية :
_ بلال تعالى ياولدي عايزك في موضوع مهم
بلال بإيجاب :
_ حاضر ياما روحي وأنا جاي وراكي
التفتت نحو عمران وارسلت له بسمة متكلفة متمتمة :
_ كيفك ياعمران ؟
أجابها بنبرة طبيعية رغم أنه لاحظ بسمتها المتكلفة :
_ بخير الحمدلله يا حچة
استدرات وانصرفت بعد اجابته ليتوقف بلال ويبتسم لأخيه بامتنان هاتفًا :
_ تسلم ياعمران .. ربنا ما يحرمني منك ياخوي
ربت عمران على كتف بلال بحب أخوي صادق ونقي وقبل مغادرة بلال اقتحمت فريال عليهم الغرفة وهي تبتسم برقتها المعتادة .. تقدمت نحو أخيها الصغير وعانقته بشوق ليضمها هو بدوره ويهتف مداعبًا :
_ عاش من شافك .. ده أنا قولت أنتي نستينا
لكزته في كتفه بخفة هاتفة بعتاب ناعم :
_ اخص عليك يابلولتي هو أنا اقدر
قهقه عاليًا والتفت برأسه تجاه أخيه يهتف :
_ شايف كل مرة تاجي تثبتنا بكام كلمة إكده وأنا بتثبت مع الأسف
ضحك عمران بخفة ليتمتم بلال بحنو :
_ أنا هسيبك عاد تثبتي عمران لغاية ما اشوف امي عايزاني في إيه وهرجعلك
اماءت له بالموافقة وفور رحيله تقدمت هي نحو عمران وارتمت بين ذراعيه تعانقه بحب لتسمع نبرته الدافئة وهو يهمس :
_ اتوحشتك يافريال إيه الغيبة دي كلها ياحبيبة اخوكي
ابتعدت عنه وهمست برقة تعتذر عن غيبتها عنهم :
_ انشغلت في البيت ومع مذاكرة معاذ وعمار عشان امتحاناتهم ومعرفتش آجي والله ياعمران
_ امال فينهم العيال مجوش معاكي ولا إيه ؟
_ لا جم تحت بيلعبوا
هز رأسه بتفهم .. ثم طال صمته وهو يحدق بها مطولًا كأنه يطمئن عليها بنظراته ويتأكد أنه لا يوجد ما يزعجها أو يحزنها ، اما هي فرمقته مستغربة من نظرته وهي تبتسم لتسمعه بعد ذلك يتمتم في اهتمام وحزم :
_ في حد بيضايقك في البيت هناك يافريال ؟
تعجبت سؤاله لكنها هزت رأسها بالنفي هامسة :
_ لا چلال عمره ما ضايقني بحاچة إنت عارف زين هو بيحبني كيف
عمران بجدية ولهجة قوية :
_ أنا مقصدش چلال .. أنا بقولك في البيت عمومًا .. انا مسمحش لحد واصل أنه يضايقك ولا يزعلك
ابتسمت له بحب شديد وشعور بالآمان والسعادة هيمن عليها لتعود وتعانقه مجددًا هاتفة :
_ ربنا يخليك ليا ياخويا وميحرمنيش منك ولا من حنانك وخوفك عليا
ملس على رأسها بحنو وهو يبتسم ثم قبَّل شعرها من فوق حجابها الذي يغطيه .........
***
داخل منزل خليل صفوان ......
العائلة بأكملها مجتمعة حول طاولة الطعام يتناولون طعام الغذاء .. والصمت يستحوذ عليهم الجميع يأكل بصمت دون حديث ، لكن خلود كانت نظراتها النارية عالقة على آسيا التي تجلس أمامها مباشرة وتأكل بكل برود وتغطرس كأنها لم تسبب فضيحة للعائلة بالأمس في مجلس الرجال .. وما أثار جنونها وغيرتها أكثر أن الجميع يعاملها بكل احترام ولا يقلل من هيبتها ووضعها رغم ما فعلته ! .
كانت آسيا تلاحظ النظرات الحاقدة التي تستقر عليها من عيني ابنة عمها ولكنها لم تعيرها اهتمام ، لكنها فجأة سمعت صوت خلود وهي تقول بتشفي ونظرة حاقدة كلها خبث :
_ غريب يعني يا آسيا أنا قولت من هتورينا وشك لأسبوع قدام كمان بعد اللي عملتيه امبارح واللي عمله معاكي چلال وچدي
التزمت آسيا الصمت ورمقته بثبات انفعالي مريب مع نظرات تدب الرعب في القلوب لكن سرعان ما ابتسمت يثقة وقوة حين رأت عمها يجيب على ابنته بحدة :
_ خلود كلي وإنتي ساكتة الأكل ليه حرمته
اغتاظت بشدة من أبيها ولكن ردت عليه ببرود مزيف :
_ أنا مقولتش حاچة يابوي .. أنا استغربت بس أنها نزلت تاكل معانا عشان إكده اتكلمت
كان الرد هذه المرة من حمزة الذي تحدث بلهجة صارمة لا تقبل النقاش :
_ متتكلميش واصل .. واللي حصل امبارح خلاص خلص ومحدش يچيب سيرته تاني ، واتكلمي مع بنت عمك الكبيرة زين يا خلود
تأججت نيران غيرتها في صدرها .. وعيناها تحولت للون الأحمر من فرط الغيظ واخذت تصر على أسنانها محاولة السيطرة على انفعالاتها بعد التوبيخ الذي نالته على لسان ابيها وجدها بسبب آسيا .. وحين التفتت برأسها نحو آسيا رأتها تبتسم باتساع في نظرات كلها تباه وجبروت متشفية بها ، وكأن نظراتها ارادت أن تقول لها ( لا تحاولي الدخول في حرب ضدي لأنك حتمًا ستخسرين ) .
توعدت لها ألف مرة خلال نظرة مشتعلة أرسلتها لها .. اقسمت بداخلها أنها ستجعل النصر من نصيبها بالنهاية وستكون تلك الساحرة هي الخاسرة ، ستكون الحرب لها من بدايتها لنهايتها .
اجفلت عيناها وراحت تكمل طعامها شبه مجبرة بسبب غضبها من ما تعرضت له من إهانة للتو بسببها .. بينما آسيا فكانت بين آن وآن تطالعها مبتسمة ببرود متعمدة إثارة غيرتها أكثر !!! ..........
***
بتمام الساعة السابعة مساءًا .........
كان عمران بطريق عودته للمنزل ولم يتبقى سوى شارعين فقط على الوصول إلي منزله وبجانبه كان يسير ابن شقيقته الصغير ( عمار ) بعدما رآه وهو يخرج وأصر على أن يذهب مع خاله فلم يتمكن من رفض رجائه ووافق على أخذه معه .
وبينما كان الصغير يسير بجانب خاله وبيده كيس مقرمشات يأكل منه بتلذذ ، استقرت عيناه بالصدفة على آسيا التي كانت تسير في طريق المنزل وتحمل بيدها أكياسًا بها مستلزمات قامت بشرائها فتوقفت على أثر صيحة ابن أخيها بها وهو يقول بلهفة طفولية :
_ عمتي
ابتعد عن خاله وركض باتجاه عمته يعبر الشارع غير منتبهًا للسيارة التي تتجه نحوه بسرعة .. بينما آسيا فشهقت برعب حين رأت السيارة تسير تجاه ابن اخيها الصغير ولم تتمكن من التحكم بأعصابها حيث وجدت يدها تترك الاكياس لتسقط فوق الأرض .............
_ يتبع ...........
•تابع الفصل التالي "رواية ميثاق الحرب و الغفران" اضغط على اسم الرواية