رواية ضروب العشق الفصل الحادي والثلاثون 31 - بقلم ندى محمود توفيق
(( ضروب العشق ))
_ الفصل الواحد والثلاثون _
رأت ملامح وجهه التي تغيرت واصبحت حادة بعد أن كان هادىًا ومرحًا معها ، وفي ظرف لحظة رأته يقف ويقول لها بنبرة مريبة :
_ خليكي هنا ياشفق ومتطلعيش ورايا مفهووم
أماءت له بالموافقة ثم قالت بقلق بالغ :
_ حاضر بس في إيه ؟
لم يجبها واندفع إلى الخارج واغلق باب المنزل خلفه فهبت هي واقفة وهرولت باتجاه النافذة تنظر له من خلال فرأته يتجه ناحية الباب الرئيسي وإذا بها تجد عمها وابنه يظهران من خلف الباب فاظهرت شهقة منصدمة امتزجت بالهلع وهمست في نبرة مرتعدة :
_ عمي بيعمل إيه هنا !!
استدارت وهرولت إلى الغرفة لكي ترتدي شيئًا يستر جسدها جيدًا وتخرج لهم لتحاول انقاذ مايمكن انقاذه في هذا الوضع المريب ، فبالتأكيد "كرم" لن يصمد أمام جموحه كثيرًا ....
وقف كرم أمامهم يطالعهم بأعين تقذف شرارات اشتعال القنبلة وخرج صوته رجولي ومريب :
_ مش كنت اديتني خبر حتى الأول ياكمال بيه عشان استقبلكم استقبال يليق بيكم
كان كمال جامدًا تمامًا أمام نظرته ونبرته حتى أجابه بكامل الثقة والثبات :
_ جاي أخد بنت اخويا اللي اتجوزتها من غير مانعرف .. والأفضل ليك إنك متعترضش
اطلق ابتسامة متغطرسة على شفتيه وهو يجيبه بنظرة أكثر رعبًا من السابقة :
_ بنت أخوك اللي هي مراتي !! .. اممم وياترى هتاخدها إزاي بقى
هنا تحدث جاسر بغضب عارم وقوة :
_ هناخدها سواء بلزوق أو بالعافية ياكرم
طالت نظرة كرم إلى ذلك " الجاسر " وهو يبتسم بأعين لا تبشر بالخير وقال بعد لحظات من الصمت القاتل :
_ إنت بقى جاسر .. سيف حكالي عنك كتير
ثم اقترب منه وهمس بالقرب من أذنه بصوت اشبه بفحيح الأفعى وبه لمسة الشر :
_ بس أنا مش سيف اللي هيكتفي بأنه يعمل مشكلة ويقاطعم .. وبما إنك جيتلي برجيلك فاللي عملته مش هعديه بالساهل ، ودلوقتي اطلع إنت من الموضوع ده احسلك وإلا مش هخليك تشوف نور الشمس تاني
صاح كمال منفعلًا في كرم :
_ وأنا قولت هناخدها يابن العمايري وورينا هتمعننا إزاي
_ إنت عارف كويس أوي أنا همنعكم إزاي .. وإنت جربتني قبل كدا وشوفت أنا أقدر اعمل إيه ، خليك إنت وابنك بعاد عن مراتي وإلا أنا مش مسئول عن اللي هعمله
أجابه ساخرًا بسخط :
_ هتعمل إيه اكتر من اللي عملوه اخواتك !
ابتسم بشراسة وغمغم بوعيد حقيقي :
_ زين وحسن معملوش حاجة قصاد اللي هعمله ، عيلة العمايري كلها عندها رحمة بس أنا لا
هرولت شفق إليهم ووقفت خلف زوجها توجه حديثها لعمها باستياء :
_ إنت إيه اللي جايبك ياعمي ؟!
_ جاي أخدك شكلك نسيتي إنك ليكي عم ورايحة تتجوزي من ورانا زي البنات الــ .....
خرج صوت كرم الذي نفضهم وأولهم شفق عندما وجدته يصرخ يقاطع عمها ومن الواضح أنه بالفعل بدأ يخرج عن قوقعة صموده :
_ لغاية هنا وكفاية خد ابنك القذر ده واطلعوا من بيتي بالذوق !
انحنى جاسر ناحية شفق يجذبها من ذراعها من خلفه هاتفًا :
_ مش قبل ماناخدها معانا
طفحت حممه البركانية إلى حد الجنون عندما رآه يلمسها وتحول إلى وحش كاسر ، اغار عليه يلكمه بعنف صارخًا :
_ شكلكم مش بتفهموا بالأدب
كبلته شفق تحاول ردعه وإبعاده هاتفة تتوسله قبل أن يفقد أعصابه أكثر من ذلك ويسوء الوضع بشدة :
_ كرم خلاص ابوس إيدك سيبه .. عشان خاطري !
اسند كمال ابنه ونظر لكرم نظرة نارية كلها حقد وغضب هاتفًا بنبرة تحمل الوعيد الشيطاني :
_ هنمشي بس افتكر إن إنت اللي بدأت الحرب بينا
لم يعيرهم اهتمام وحدجهم شزرًا ومازالت شفق ممسكة به تمنعه عن التحرك ، فهو لديه غضب مخيف واعمى ولم تنسى ما فعله عندما اختطفت .. ظلت ممسكة به حتى رحلوا تمامًا ليبعدها هو عنه ويقول بعصبية :
_ أنا مش قولتلك متطلعيش ورايا
تمتمت بعدم خوف أو توتر :
_ وكنت عايزني اسيبك وحدك عشان تفقد اعصابك وتعمل مصيبة
هدأت ثورته قليلًا وأجابها بامتعاض :
_ طيب ادخلي جوا يلا
_ وإنت ؟!
اردف بنبرة عادية ولكن مازالت تحمل القليل من السخط :
_ هبقى آجي وراكي
لم ترغب في مجادلته كثيرًا فتنهدت بضيق وفعلت كما طلب ، اتجهت عائدة لداخل المنزل وهي تحمد ربها بأن لم تحدث مشكلة وتدعو ربها أن يحفظهم من شر عمها !! ......
***
انتظرته بالغرفة لدقائق طويلة ومرت نصف ساعة كاملة وهو لم يعد .. لا تراه في الحديقة الخارجية ولا تفهم إلى أين ذهب في ذلك الوقت ! ، فوقفت أمام النافذة تنظر تترقب عودته .. وأخيرًا بعد وقت طويل من الانتظار فُتح الباب ودخل هو فاستدارت بكامل جسدها ناحيته تهتف متذمرة :
_ كنت فين ياكرم ؟!
_ كنت قاعد في الجنينة من ورا بريح راسي شوية
رأت العبوس والخنق يعتل معالمه فتنهدت بإشفاق واقتربت منه تحتضن كفه بين كفيها هامسة بحب :
_ متعصبش نفسك ممكن !
ظهرت بشائر الابتسامة الحانية على شفتيه ثم هتف بضجر وقد تلاشت الابتسامة :
_ متعصبش إزاي يعني ياشفق إنتي مشوفتيش اللي حصل .. وليهم عين ياجوا لغاية بيتي وبذات ابن عمك الحيوان ده
أجابته برقة ولطافة تذيب القلب :
_ ميهمنيش اللي حصل الأهم إنك بخير ومحصلتش مشكلة وإن شاء الله متحصلش .. يكفيني وجودك ، وأنا هكون مطمنة ومرتاحة طول ما إنت جنبي
صعدت الابتسامة تزين ثغره وحدجها بأعين دافئة ومغرمة ثم احتضن وجهها وانحنى إليها يطبع قبلة عميقة على وجنتها هامسًا :
_ أنا دايمًا جمبك يا أميرتي
عيناها تتحدث بدلًا عن لسانها وتخبر بالكثير من سعادة وعشق وسكينة وهو يستطيع فهمها جيدًا ، وقع نظره على ملابسها التي بدلتها ولم تعد ترتدي الرداء الذي قام بشرائه لها.. لتتسع ابتسامته ويغمغم بخبث :
_مش مزاجنا بس اللي اتعكر لا كمان الليلة باظت .. يلا مش مشكلة تتعوض
ارتبكت عند ذكره ليلتهم وتذكرت ماحدث قبل أن يرن هاتفه فازداد توترها وتوردت وجنتيها لتتمتم بصوت مضطرب :
_ أنا هروح أنام تصبح على خير
وبلحظة واحدة ولته ظهرها وذهبت للفراش وتدثرت جيدًا أسفل الغطاء وصدرها يعلو ويهبط بقوة ، لحظات وشعرت به يرفع الغطاء وينضم إليها ثم يقترب منها ويلف ذراعه حول خصرها يضمها إليه من الخلف ويهمس بجانب أذنها في مداعبة ماكرة :
_ حظك كان حلو المرة دي بس المرة الجاية مفيش مفر مني ، لإني مش هسمحلك أصلًا
انفاسه الدافئة التي لفحت رقبتها جمدتها وسرت على أثرها قشعريرة في جسدها فالتزمت الصمت وسمعته يكمل بنفس النبرة :
_ أنا مدرك توترك وكسوفك وعامل حساب ده فهستني لغاية ماتحسي نفسك جاهزة بس موعدكيش إني هقدر اصبر كتير
حبس انفاسها بآخر جملة قالها ثم استرسل ينهي الكلام هامسًا بعد أن لثم رقبتها بقبلتين :
_ تصبحي على خير ياحياتي
ردت متلعثمة ومرتبكة بصوت يكاد لا يسمع :
_ وإنت من أهله
اغمضت عيناها تحاول الهرب من خجلها ومن وضعهم عن طريق النوم .. أما هو فظل مستيقظًا يتطلع إلى السقف وسرعان ماعبس وجهه من جديد ورسم الحدة والوعيد على محياه ، فإن حاول ذلك الرجل سواء هو أو ابنه مجرد الاقتراب منها فقط ، يقسم بأنه سيجعلهم يذوقوا العذاب أشكالًا والوانًا ......
***
اشرقت شمس يوم جديد ...
داخل مقر شركة طاهر العمايري بأمريكا .
كانت يسر تتحدث مع أبيها في الهاتف كالآتي .......
_ أنا كويسة يابابا متقلقش
هتف طاهر مقتضبًا بحزم :
_ كلمت حسن إمبارح وقالي إنه عايز يصلح كل حاجة بينكم .. لو إنتي مش عايز ترجعي وتقعدي معاه يابنتي قوليلي وأنا مستحيل اخليكي تكملي وإنتي مش عايزاه
تنهدت بأسى لتجيبه بخفوت :
_ اطمن يابابا أساسًا هو ميقدرش يجبرني على حاجة .. وأنا لسا عند قرار الطلاق ووافقت اقعد معاه اليومين دول بشرط إنه يبدأ في اجراءات الطلاق واتفقنا .. متخفش عليا أنا بخير
سأل طاهر بترقب :
_ وهو وافق على الطلاق !!!
سمع همهمتها بأجل ليعقد حاجبيه باستغراب ثم رجح بأنه قد يكون اقنعها بموافقته فقط حتى يهيأ لها أنه ذعن لرغبتها في الطلاق . تمتم طاهر بنبرة حكيمة :
_ ماشي يابنتي طالما إنتي عايزة كدا .. خلي بالك من نفسك ولو حصل أي حاجة اتصلي بيا
_ حاصر يابابا مع السلامة
انهت معه الاتصال ووضعت الهاتف على سطح المكتب وهي تزفر بعدم حيلة ، باتت لا تعرف مالذي يجب عليها فعله .. هل تسمع لقلبها الذي لا زال يعشقه ويلح عليها في طلب واحد وهو اعطائه فرصة لعله يكون صادقًا حقًا ، أما تستمع لواقعها الذي يخبرها بأن لا طريق للنجاة وقد وصلوا إلى نهاية الطريق وكلاهما سيسلك طريقًا مختلفًا قريبًا .. وضعت كفها على بطنها تملس عليها برفق تسترجع بذاكرتها يوم معرفته بحملها ومالذي فعله لكي يتخلص منها هي وطفلها ، فقويت مشاعر البغض عليه وزاد إصرارها على الطلاق هامسة لنفسها وهي تنظر لبطنها :
_ إزاي منتظر مني السماح بعد كل اللي عمله .. هل هو متوقع إني هرجع اطمن على نفسي مع واحد مكنتش فارقة معاه أساسًا وكان عايزة يدخلني عملية إجهاض من غير مايفكر فيا أو اللي ممكن يحصلي .. كان عايز يقتل ابنه عشان هو مني بس ، مفكرش في يوم يعاملني كويس ومعاملة طيبة وأنا كنت بستحمل عشان حبي ليه .. ودلوقتي جاي بيطلب السماح !!
لمعت عيناه بوميض مرعب وهي تقول بوعيد :
_ متخفش ياحبيبي مش هسمحله يأذيك أو ياخدك مني أبدًا .. هخليه يشرب من نفس الكاس المر اللي كان بيشربني منه
في هذه اللحظة فتح هو الباب ودخل ثم اغلقه خلفه واقترب يجلس على المقعد المقابل للمكتب يجاهد في تمالك غضبه متمتمًا بهدوء مزيف :
_ طلعتي من غير ماتقوليلي ليه ؟
هدىت ببرود أعصاب واستهزاء :
_ بصفتك مين عشان أقولك !
بدأ غضبه يتفاقم ولحسن الحظ أنه مازال يتحكم به حيث قال وهو يصر على أسنانه :
_ جوزك ومن حقي امنعك من الخروج كمان لو عايز
_ بنسبالك بس ، لكن أنا عمري ماهشوفك زوج ليا لأن حسن بنسبالي مات من زمان وملوش وجود
ابتلع قسوتها في الحديث معه وهتف شبه منفعلًا :
_ مش عايز اشوفك مع راسل نهائي يايسر مفهوم ولا لا
قهقهت ساخرة تجيبه :
_ ماشاء الله من أول يوم مش بتلتزم باتفاقنا .. طيب أنا هفكرك تاني ، ملكش دعوة بيا أقعد مع مين ولا اطلع مع مين .. إنت مش هتمشي كلمتك عليا ياحسن باشا
انتفضت جالسة عندما رأته يضرب بكف يده في عنف على سطح المكتب صارخًا :
_ هتمشي يامدام .. أنا مستحمل كل طلباتك ومش برفضلك طلب واللي عايزاه هنفذه ، بس لغاية هنا وكفاية عشان متشوفيش حسن القديم .. تلتزمي حدودك مع أي راجل مش راسل بس ، وأنا حذرتك أهو اللهم إني بلغت اللهم فاشهد .. لو شفتك معاه تاني يايسر مش هكون مسئول عن اللي هعمله
لم يهمها أي شيء قاله سوى جملة " حسن القديم " لقد كانت للتو تفكر في اعطائه فرصة وتخوض صراع مع قلبها وعقلها ، وهو يقول بأنه قد يجعلها ترى الشخص الذي بغضته مجددًا ، هل هذا هو ندمه واعتذاره ورغبته في إصلاح ما افسده بعلاقتهم .
استقامت تصيح باندفاع واستياء :
_ لا اثبتلي ندمك فعلًا وإنك فعلًا عايزني اسامحك ، إنت أساسًا متغيرتش عشان توريني حسن القديم .. إنت لسا زي ما إنت ومش هتتغير ، فمتحاولش تضحك عليا بكلمتين لإني كل ما بقول ده بدأ يتغير فعلًا بتثبتلي العكس ، بكرهك ياحسن صدقني بكرهك وبكره انانيتك .. انت من بداية جوازنا مكنتش عايزاني واتجوزتني كتسلية مش اكتر لكن متقولش اني هددتك والكلام الفارغ ده لأنك لو كنت عايز تتصرف معايا كنت اتصرفت ، فمتقوليش دلوقتي إنك عايزاني بجد
ادرك فداحة الخطأ الذي ارتكبه فهو لم يكن يقصد قول هذا ، فقد قاده غضبه وغيرته لطرق مظلمة فحجب رؤيته عن الخطأ والصح ووجد نفسه يتفوه بكلمات لا يدري خطورتها !! .
استقام هو الآخر وتمتم بنظرات هدأت حدتها وحملت الأسف :
_ يسر أااا.......
صرخت بصوتها المرتفع وهي تشير بسبابتها على الباب :
_ اطلع برا مش عايزة اشوفك .. مش طايقة اسمع صوتك حتى ، بــــرا ياحــســن
لم يتحرك وظل بأرضه يطالعها بأعين تعتذر عن ماصدر منه فوجدها تبتعد وتندفع نحوه تدفعه بعنف وتضربه على صدره وكتفه وهي تصرخ بهستريا وأعين تلمع بالدموع :
_ اطـــلـــــع بـــــرا
رفع كفيه لأعلى وهو يتراجع للخلف متمتمًا باستسلام وبعض الدهشة من انفعالها البالغ :
_ تمام تمام هطلع خلاص اهدى
ظل يتراجع حتى وصل للباب وفتحه ليليقى عليها نظرة حزينة وأخيرة قبل أن يستدر وينصرف تاركًا إياها بين دموعها التي انسابت على وجنتيها !! .....
***
كانت تجوب بالغرفة إيابًا وذهابًا تنتظر خروجه من الحمام وهي تستشيط غيظًا .. لا تفهم سبب تصرفه بالأمس ولما يتدخل ويمنعها من استكمال دراستها ، ألم تسرد له كل شيء كما حدث واوضحت له أنها بريئة ولم تفعل شيء عن إرادة ولن تفعل حتى لو عاد بها الزمن ؟ .. ولكنه لا يصدقها رغم كل ماقالته ، ويراها فتاة فاسقة بإمكانها أن تفعل أي شيء يخل باسمه واسم العائلة !! .
وأخيرًا خرج من الحمام وهو يلف حول رقبته المنشفة المتوسطة فاندفعت نحوه غاضبة هاتفة :
_ أنا عايزة افهم إنت بتعمل كدا ليه ؟!
رفع حاجبه وسألها بعدم فهم حقيقي :
_ بعمل إيه ؟!!
_ ليه رافض اروح الكلية ياعلاء واكمل دراستي
ابتعد من أمامها وسار باتجاه المرآة يقف أمامها ويجفف شعره متمتمًا بجفاء وعدم اكتراث مزيف :
_ بتسألي اسئلة إنتي عارفة اجابتها كويس أوي ، وأظن الإجابة بسيطة جدًا وهي إني مش واثق فيكي وللأسف إنتي مراتي دلوقتي وأي حاجة هتعمليها هتمسني أنا
صاحت منفعلة باستياء :
_ أنا حكتلك كل حاجة وفهمتك وإنت مش واثق فيا لسا .. أنا يمكن غلطت في حجات كتير بس مستحيل اخونك ، ثم إن دلوقتي أنا أهم حاجة بنسبالي دراستي ومش هروح الكلية عشان اكوّن صدقات أو علاقات ، أنا رايحة ادرس
ابتسم مستنكرًا يتمتم بعدم ثقة :
_ وأنا إيه اللي يضمني إنك متعمليش حاجة !
أصدرت زفيرًا مرتفعًا وقالت بنفاذ صبر محاولة اقناعه :
_ إنت وديني الكلية وخدني منها عشان تتأكد بنفسك إني مش بعمل حاجة ولا بقعد مع حد .. حلو كدا ؟!
طال نظراته الجامدة وهو يفكر بالإذعان لها حتى وجدها تهتف راجية :
_ ارجوك ياعلاء وافق .. أنا بجد محتاجة جدًا أكمل دراستي ، مش عايزة اخسر دي كمان
استسلم أخيرًا وقال بصرامة وهو يلقي الأوامر والتعليمات :
_ طيب بس هيكون في قواعد وتعليمات لو كسرتي حاجة واحدة منهم مش هيعدي الموضوع من غير عقاب
هزت رأسها بالموافقة عدة مرات متتالية وهي تضحك بوجه عادت اشراقته :
_ تمام اؤمر باللي إنت عايزه معنديش مشكلة
بدأ يملي عليها التعليمات في حدة ونبرة حازمة لا تحمل التهاون :
_ هتجيبي هدوم جديدة وواسعة غير اللي معاكي لإن اللي معاكي مش عجباني ، جدول محاضراتك هبقى عارفه كله هتدخلي امتي المحاضرة وتطلعي امتي ، ممنوع الخروج من البيت من غير أذني .. مش هتتصاحبي على حد هناك تمامًا
قالت مندهشة بعفوية :
_ حتى البنات !!
رأت عيناه اظلمت وقال بصوت مرعب :
_ ليه وهو سيادتك كنتي ناوية تتصاحبي على رجالة كمان !
هتفت مسرعة تتلافى خطأها باعتذار :
_ لا لا مش قصدي .. أنا آسفة كمل متخفش هكون في حالي ومش هتكلم مع حد نهائي
هدأت نبرته ونظرته وتحدث هذه المرة بخفوت ولين قليلًا :
_ وأخيرًا بما إنك مش عايزة تخسري دراستك ومهتمة أوي بيها كدا ، يبقى مش عايز اشوف أي تقصير في المذاكرة لأن التقصير هيكون بعقاب أكيد
وجهها يبتسم ببشاشة بالغة وسعادة وهي توميء له بالموافقة على كل تعليماته الصارمة ، ليحدجها بنظرة فاحصة ودقيقة على فرحتها المفرطة ثم يستدير ويسير لخارج الغرفة ولكنها استوقفته هاتفة :
_ علاء
توقف والتفت لها برأسه فهمست هي مترددة بخوف بسيط :
_ ينفع صديقة واحدة ؟!
تقوسا حاجبيه وظهر الغيظ عليه لتتراجع هي فورًا تجيب بدلًا عنه بالإجابة التي قالها بشكل غير مباشر عن طريق معالمه :
_ لا مش كدا ! .. تمام خلاص أنا أساسًا مش عايزة اصاحب حد كنت بقول كدا بس
كانت تهتف بكلماتها هذه في امتعاض وضيق واضح كمن يقنع نفسه بأنه لا يريد الشيء حتى لا يحزن أكثر ، تنهد مغلوب على أمره وإذا بها تراه يرفع سبابته يقول من خلال حركته هذه " واحدة فقط " !
كانت على وشك الوثب قفزًا من فرط سعادتها فتمالكت نفسها وسيطرت عليها حتى رحل وانطلقت هي تصدر اصوات فرحة من بين شفتيها وحركات طفولية !!!
***
_ مــــلاذ
سمعت صوته من الخارج فاعتدلت في جلستها وغادرت غرفتها لتتجه له فتجده جالسًا على الأريكة هادىًا تمامًا .. اقتربت تجلس بجواره مهمهمة :
_ نعم يازين ؟!
انتصب في جلسته وطالعها مبتسمًا يهتف :
_ أنا حجزت الطيارة على بليل هنرجع القاهرة
ضيقت عيناها بدهشة وهدرت مستغربة :
_ بليل !! .. ليه ؟
لا يستطيع اخبارها بما ينوي فعله بمجرد رجوعه وهو تصحيح الخطأ الذي ارتكبه منذ عشر سنوات ، وأيضًا لا يستطيع الكذب ولا يحبه !! .
تمتم بتنهيد حار دون أن يكذب:
_ في كام حاجة عايز اعملها وكمان كفاية عشان ارجع اشوف الشغل والشركة
هزت رأسها بالموافقة بعبوس بسيط مغمغمة :
_ طيب مع إني كان نفسي نقعد شوية أكتر المكان هنا عجبني أوي
مد كفه وملس بانامله على وجنتها في لطف هامسًا بحنو :
_ معلش ياحبيبتي اعمل إيه بس .. أنا لو عليا مش عايز ارجع خالص بس مضطر ، إن شاء الله ربنا يسهل وقريب أوي نعوضها
ابتسمت بحب وتمتمت :
_ إن شاء الله
انحنى ناحيتها يطبع قبلة ناعمة على وجنتها ثم جذبها لصدره فاستقرت هي بين ذراعيه لدقيقتين حتى قالت باسمة باهتمام :
_ إنت متعشيتش اعملك أكل تاكل ياحبيبي
نفي بهدوء وتشدق يبادلها ابتسامتها :
_ لا مش جعان .. وأنا عايز اقعد معاكي شوية وندردش مع بعض
_ ندردش في إيه ؟!
_ إيه حاجة ياملاذي !
_ مفيش حاجة نــ....
توقفت عن الكلام فجأة عند تذكرها لبعض الأحداث فقالت مرحة بإشراقة وجه :
_ لا استني صح افتكرت حاجة حصلت معايا امبارح مسخرة
بدأت تسرد له موقفها المضحك الذي حدث معها وتضحك وهو يبادلها الضحك ولكن بقوة أقل ، فاستمرت جلستهم المرحة والدافئة لدقائق طويلة ما بين الحديث المعسول والمزاح والجدية .........
***
يسير باتجاه المطبخ وهو يفرك عيناه ليزيح عنهم آثار الخمول .. بعد أن سمع صوت طفيف من دندنتها مع نفسها في المطبخ ، وصل ووقف على الباب يتفحصها بتدقيق من اعلاها لأسفلها وهو يبتسم ، فكانت ترتدي منامة قطنية قصيرة بعض الشيء وترفع شعرها بعشوائية تثبته بمشبك للشعر وتتمايل يمينًا ويسارًا رقصًا على الحان الاغنية التي تتندنها .. استند بكتفيه على جانب الباب وعقد ذراعيه أمام صدره يتابعها بإعجاب وهي توليه ظهرها غير منتبهة لوجوده ، التفتت بجسدها للخلف على اطمئنان وهي لا تتوقف عن التمايل وإذا بها تطلق شهقة مفزوعة منتفضة في أرضها ، لتضع يدها على قلبها هامسة بزعر :
_ بسم الله
لم يتحرك من مكانه وبقى كما هو على وضعه يرمقها مبتسمًا بساحرية ، فضيقت عيناها وقالت بريبة :
_ كرم !! .. واقف كدا ليه ؟!
أخذ شهيقًا طويلًا وتحرك ناحيتها يقف مباشرًا أمامها وهو يقول غامزًا :
_ أصلي لقيت فراشة حلوة في المطبخ عمالة ترقص فقولت أما اتفرج عليها
اخفت خجلها بصعوبة وقالت مبتسمة بدفء :
_ صباح الخير
_ صباح الفل والياسمين
عادت توليه ظهرها لتكمل ما كانت تفعله وهي تتمتم برقة :
_ الحمدلله واضح إن مزاجك رايق شوية عن امبارح أو مش شوية ده كتير أوي
خطا خطوة إليها ليقف بجانبها متشدقًا بنبرة بدت لها غريبة :
_ وميبقاش رايق ليه ما أنا عارف كويس أوي هعمل إيه مع عمك ده
تركت مابيدها ونظرت له مختنقة وهتفت بنفاذ صبر :
_ كرم ابوس ايدك ماتعمل حاجة .. أنا أساسًا طبيعي قلقانة عليك ومش حمل عمي يأذيك لقدر الله
احتضن وجهها بين كفيه يقربه من شفتيه ليلثم وجنتها بقبلة قوية بعض الشيء كأنه يأكل خدها متمتمًا بنبرة متلذذة من قبلته :
_ متخافيش يا أميرتي مش هتحصل حاجة بإذن الله
صعدت الحمرة لوجنتيها من قبلته التي تكاد تكون عنيفة واشاحت بوجهها تثبته على الطعام الذي تحضره ثم قالت بترقب :
_ إنت رايح الشغل صح ؟!
_ أكيد
عادت بنظرها له تقول بأعين راجية :
_ خليك معايا النهردا متروحش
غضن حاحبيه وقال باستغراب :
_ ليه ؟!!
تمتمت برقة وعبث :
_ زهقانة ومش عايزة اقعد وحدي
طالت نظرته للحظات طويلة حتى رأته يميل بوجهه للجانب يصدر لها وجنته ، ففهمت أن القبلة مقابل بقائه لتتنهد بيأس وتقول منذرة إياه بارتباك :
_ ماشي بس إياك تعمل حركة كدا ولا كدا
رمقها بطرف عينه هامسًا بخبث دفين :
_ وهو أنا بتاع الكلام ده برضوا !!
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقترب منه مترددة وخجلة كانت على وشك أن تطبعها ولكنها تراجعت وثم عادت مجددًا وتراجعت مرة أخرى فقال هو بتذمر ونفاذ صبر :
_ إنتي هتتعبيني ليه !! ، والله اروح البس وامشي واسيبك وحدك
_ خلاص خلاص
قالتها مسرعة بتوتر ثم رفعت اطراف اصابعها لتصل لمستواه وخطفت قبلة سريعة وابتعدت فورًا عندما وجدته يتلفت بوجهه لشفتيها ، ضربته على كتفه مغتاظة هاتفة :
_ كنت عارفة إنك لئيم ونيتك مش سليمة
أجابها ضاحكًا باستمتاع وهو يشير لوجنته الأخرى هاتفًا :
_ طيب واحدة هنا كمان عشان أنا محستش بيها دي
ضحكت ساخرة وهي تقول بتشفي :
_ هاهاها ليه وهو أنا هبلة عشان اصدقك تاني
جلجلت ضحكته الأرجاء وقال غامزًا بنظرات خبيثة :
_ طيب هسيبك دلوقتي بمزاجي بس ولما آجي هنشوف الموضوع ده
استشاطت بالنيران الملتهبة تصيح به مستاءة :
_ يعني إنت اخدت البوسة وبرضوا هتمشي !!
همهم بخفوت جميل وحنو ليهدأ من انفعالها قليلًا :
_ لا والله بس معايا اجتماع مهم جدًا جدًا ومينفعش الغيه أو آجله فهخلصه وارجعلك علطول صدقيني .. أنا كان معايا شغل تاني بس مش مشكلة هأجله عشانك
هدأت ثورتها وأجابت بضجر :
_ وهياخد قد إيه الاجتماع ده ؟!
_ يعني ساعة أو ساعتين بالكتير
أماءت له بالموافقة وقد ارتاحت كثيرًا ثم هتفت بنبرة عادية :
_ طيب روح البس ولغاية متلبس هكون أنا حضرت الفطار
خطف قبلة من على كتفها وابتعد عائدًا للغرفة لكي يأخذ حمامه الصباحي ويستعد للخروج ...........
***
ظل يجوب بالغرفة إيابًا وذهابًا وهو يترنح من فرط العصبية وأبيه يجلس على الأريكة المتوسطة يعلق نظره عليه وعقله يفكر بحل لهذه المعضلة ، وإذا به يهدر بابنه منفعلًا :
_ ماتهدى ياجاسر زاولتني
صاح الآخر ساخطًا :
_ اهدى إيه يابابا ، وآخرة الموضوع ده هنسيبله شفق مثلًا
كمال بنبرة شيطانية ونظرات تحمل الحقد :
_ أكيد لا ، بنت اخويا هاخدها واطمن هطلقها منه وهتتجوزها
_ وهتعمل ده إزاي بقى ؟!
قال بأعين شرانية لا تبشر بالخير أبدًا :
_ هنجرب معاه بالذوق الأول .. نفع يبقى زي الفل منفعش يبقى هو اللي جنى علي نفسه
تمتم جاسر بغل غير مباليًا بمخططات أبيه الشريرة :
_ أنا المهم عندي شفق إنها ترجعلي في الآخر
رمقه أبيه بابتسامة خبيثة يرتب أفكار عقله جيدًا حتى يحسن تنفيذ خططه في أخذ ابنة أخيه !! .........
***
ارتفع ضوء القمر في السماء وظهرت النجوم الساهرة لتعطي لوحة مسائية جميلة ابدعها الخالق عز وجل .
كانت يسر أمام التلفاز تشاهد إحدى المسلسلات الأجنبية وبيدها صحن الفشار الكبير نسبيًا تلتقط كل لحظة حبة وتلقيها في فمها وعيناها معلقة على شاشة التلفاز ، ولكن صك سمعها رنين الباب فدارت رأسها ناحية الباب وتأففت بخنق عندما توقعت من الطارق فليس هناك أحد غيرهم بالمنزل ، وضعت الصحن بجانبها على الأريكة واستقامت تتجه إلى الباب وامسكت بالمقبض تديره للأسفل وتجذب الباب إليها وكما توقعت كان هو ، انتظرت منه التحدث وهي تطالعه بمضض ولكنه امعن النظر بها وبهيئتها اللطيفة حيث كانت ترفع شعرها وتتركه ينسدل ذيل حصان من الخلف ومن الأمام تترك بعض الخصلات متحررة على وجهها ، نزل بنظره إلى ملابسها ليحدق بالبيجامة المنزلية التي ترتديها وعلى منطقة البطن تمامًا رسمة طفل صغير !! ، انتبهت لنظراته فارتبكت ولعنت نفسها ألف مرة أنها فتحت له بملابس المنزل لتعقد ذراعيها أما صدرها تحاول إخفاء الرسمة بقدر الإمكان هاتفة باقتضاب :
_ خير ؟!
تجاهل الرسمة وارتباكها وعاد بنظره لها يقول بلطف :
_ ممكن نتكلم شوية ؟
" سيعتذر عن خطأ لا يحسب أمام اخطاء لا تغتفر له ! " قالتها لنفسها مستنكرة ، وهذه المرة لم ترفضه بل داهمها الفضول بشدة لرؤيته وهو يعتذر منها على خطأ آخر اقترفه .. استدارت وعادت للداخل كدليل على موافقتها في التحدث فدخل هو واغلق الباب يلحق بها ، حتى وقفا بالصالة وقال هو باعتذار صادق وأسف :
_ أنا آسف مكنش قصدي اقول كدا الصبح والله بس اتعصبت وفقدت اعصابي
ابتسمت باستهزاء تجيبه بجفاء وبعض التشفي من أنها تعيد كرامتها المهدورة بالتدرج وهي تراه يركض خلفها ويخشى عليها من أي شيء قد يضايقها :
_ وتعتذر ليه !! إنت مقولتش حاجة أساسًا وزي ما قولتلك الصبح أنا لسا شيفاك الشخص الاناني والمغرور والقاسي وعديم القلب ، ومعتقدش إن نظرتي ممكن تتغير في يوم من الأيام حتى بعد طلاقنا
رأت في عيناه وميض بائس وحزين ولمعة الدموع السابحة بهم ، تمتم متوسلًا إياها وهو يقترب منها أكثر :
_ يسر كفاية .. ابوس إيدك كفاية أنا مش قادر استحمل بعدك عني اكتر من كدا ، متقسيش قلبك واسمحي لينا بفرصة تانية ، اوعدك إنك مش هتندمي لانك ادتيني فرصة .. تراجعي عن الطلاق ده وعاقبيني براحتك بس خليكي معايا .. اسمحيلي اكون حسن اللي كنتي بتتمنيه مش الشخص اللي كنتي بتتكلمي عليه دلوقتي
غامت عيناها بالعبارات هي الأخرى وانهمرت دموعها على وجنتيها تجيبه بحرقة وألم :
_ إنت اللي كفاية .. أنا تعبت وإنت معندكش أي فكرة إزاي أنا بحاول استعيد ذاتي اللي دمرتها ، وارجع كرامتي اللي بغبائي أنا اهدرتها .. مبقيش عندي طاقة للمعافرة وحتى الفرص كلها ضيعتها في محاولاتي معاك إنك تحس بيا وبحبي ليك وتتغير ، بس إنت ندمت وادركت غلطك بعد فوات الآوان .. بعد ما أنا خلاص معدش يفرق معايا وجودك من عدمك
فرت من عيناه دمعة حارة وهم بأن يعانقها فتراجعت هي للخلف ورفعت كفها مردفة بتحذير وصوت مبحوح :
_ خليك بعيد متقربش مني
لم يهتم لتحذيرها وجذبها يعانقها ويدفن وجهه بين ثنايا رقبتها هامسًا بصوت باكي ورجاء :
_ بس أنا فارق معايا وجودك ومش هستحمل اعيش من غيرك .. متسبنيش يايسر
احست بتراخي أعصابها وبدأت الرؤية تتشوش لديها وكذلك حاسة السمع فاغمضت عيناها تدريجيًا أما هو فأكمل بمشاعر جياشة :
_ أنا بحبك والله
ولسوء حظه أنها لم تدرك ماقاله واستسلمت لتراخي اعصابها ففقدت وعيها ، ابعدها عنه وكانت ملقية بين ذراعيه فزعر وأخذ يهز بوجهها هاتفًا بفزع :
_ يسر ردي عليا إنتي سمعاني
حملها واتجه بها للغرفة ليضعها على الفراش ثم عاد للمطبخ يجلب كوب ماء ورجع لها ثم بدأ ينثر الماء برفق على وجهها حتى فتحت عيناها بالتدرج وحين ادركت الوضع ولقربه الشديد منها ، دخلت في انفها رائحة عطره الرجولي واحست برغبتها في التقيأ فوثبت واقفة وركضت باتجاه الحمام واغلقت الباب فهرول خلفها ووقف يطرق الباب هاتفًا مهتمًا وقلقًا :
_ يسر إنتي كويسة ؟!
سمع صوتها الضعيف وهي لا تتوقف عن التقيأ :
_ حسن امشي ريحتك مش مستحملاها
غضن حاجبيه بدهشة ونظر لملابسه ثم رفع قميصه لأنفه يشتم رائحته بعد أن شك بأنه قد يكون به رائحة قذرة قليلًا ولكنه ملابسه كلها رائحة عطر ونثر على ملابسه كلها العطر ، فمن أين أتت الرائحة التي لا تتحملها هذه ؟!!! .
أجابها بشك وحيرة :
_ إنتي مش مستحمل ريحة البرفان ؟!
اخيرًا هدأت معدتها وتوقفت عن التقيأ فغسلت وجهها بالماء جيدًا وجففته ثم فتحت الباب وخرجت محاولة السيطرة على نفسها حتى لا تتقيأ مجددًا وتجعله يشك بأمرها .. نظرت له وقالت بتقزز من رائحة عطره :
_ أنا كويسة .. امشي بقى
طالت نظرته المريبة والدقيقة لها وهو لا يتحرك فدفعته بيديها هادرة بضجر :
_ يــــلا
تنهد بعمق وهتف بأعين ثاقبة كالصقر بعد أن احس بأن وضعها ليس طبيعيًا :
_ طيب همشي ، ولو احتجتي حاجة اتصلي بيا وأنا هطلعلك
لم تجيب واكتفت بنظرتها الجامدة تنتظره حتى ينصرف وبمجرد رحيلة اندفعت نحو الشرفة تفتحها وكذلك المروحة حتي يطردوا رائحة عطره التي تخنقها وترغبها في التقيأ مرة أخرى ، وأخيرًا غادرت الغرفة تمامًا وذهبت للغرفة الأخرى إلى حين أن تختفي الرائحة وتعود لغرفتها مجددًا !! ............
***
كان علاء يجلس على الأريكة بغرفته وأمامه حاسوبه النقال ينهي بعض الأعمال ، ففتحت هي الباب ودخلت حاملة على يدها صينية صغيرة فوقها طعام ، اقتربت منه ووضعتها بجانبه على الأريكة هامسة برقة :
_ إنت متعشيتش ، كُل
نظرت للطعام ثم لها وأخيرًا رجع بنظره للحاسوب متمتمًا بعدم مبالاة :
_ مش عايز شليه
تأففت بيأس وهدرت بنبرة خافتة :
_ شكرًا لإنك وافقت أو بالأحرى شكرًا لتفهمك اهمية دراستي بالنسبالي لما اتكلمت معاك
_ اتمنى تعرفي قيمتها المرة دي وتركزي على الدراسة بس لأن ااا.....
قالت مقاطعة إياه بجدية :
_ متقلقش أنا عن وعدي وزي مش وعدتك مش هختلط بحد وهيبقى كل وقتي لدراستي عشان اتخرج بتقدير كويس
تمتم بنبرة عادية ليس بها أي ضجر أو خنق :
_ لما نشوف
صمتت لدقائق قليلة حتى سألت بتردد وبؤس :
_ علاء هو أنت بتروح عند نينا ؟
فهم سبب سؤالها فأجابها بخفوت دون أن يرفع نظره :
_ مش كتير
تشدقت بصوت يغلبه البكاء :
_ وحشتني أوي وهي حتى مش بتديني فرصة احكيلها الحقيقة
رفع نظره رمقها بسكون لبرهة من الوقت ثم همهم بصوت أجش :
_ أنا هتكلم معاها في مرة وافهمها كل حاجة
دهشت وتهللت أسايريها لتجيبه بذهول وسعادة :
_ بجد ؟!!!!
هتف بحزم وجفاء بعد أن رأى نظرتها الفرحة وخشى أن تفهم هذا كنوع من استسلامه لها :
_ ده مش عشانك ده عشانها هي لأنها حالتها وحشة من وقت ماعرفت اللي حصل معاكي وشافت صورك ومن وقت جوازنا كمان ، فيمكن لما تعرف إن الموضوع كان شبه محاولة اعتداء ترتاح وتسامحك
_ بجد ياعلاء أنا مش عارفة اقولك إيه .. شكرًا جدًا !
رأته يعود بنظره للحاسوب مجددًا دون أن يجيب عليها فاستعجبت من حالاته المتغيرة والعجيبة ، بلحظة يكون لطيفًا وطيبًا وبلحظة أخرى يكون فظًا وجافًا ، باتت لا تفهم أهو يبغضها أم مشاعره تجاهها عادية لا هي بالبغض ولا بالاستلطاف !! ، ولكن مايهم الآن أنه سيساعدها في تحسين علاقتها مع جدتها مرة أخرى وهذا الشيء يكفيها لكي تكون سعيدة لاسبوع كامل وليس يوم أو يومين فقط ! .........
***
وضعت أمامه القهوة التي طلبها منها وجذب مقعد لتشاركه في جلسته وتهتف في فرحة غامرة :
_ أخيرًا سمعت كلامي وقررت تاخد الخطوة دي ياحبيبي
تمتم إسلام بعبوس :
_ أنا متردد أساسًا ياماما وخايف متوافقش .. بس قولت هجرب ولما ياجي زين هقوله
ملست على كتفه بحنو امومي وغمغمت بنظرة تبعث الأمل في نفسه :
_ هتوافق متقلقش أنا واثقة
_ بس متجبيش سيرة لحد حتى ملاذ لغاية ما اكلم زين
_ حاضر متخفش مش هقول لحد ، والله إنت مش متخيل فرحتي إزاي من وقت ماقولتلي على الخبر ده
ابتسم بدفء والتقط كفها يقبل ظاهره بلطف مردفًا بعبث :
_ ادعيلي إنتي بس ربنا يسهل الأمور وكل حاجة هتبقى زي الفل صدقيني
مدت كفها الآخر وملست على وجنته تهتف بمشاعر صادقة ، تدعو له من صميم فؤادها :
_ ربنا يسعدك وينولك مرادك ياحبيبي
أخذ نفسًا طويلًا وحملق قي اللاشيء امامه بشرود .. ربما تكون هذه المرة الأولى التي تجرأ فيها ليطلب فتاة للزواج وسيجرب هل سينصفه حظه أم يخذله ، هل عجز قدمه سيقف حاجز بينه وبين الفتاة التي يريدها أم لا ؟! ...........
***
وضع زين المفتاح في قفل الباب ودخل هو اولًا ثم هي ، حمل الحقائب ووضعها بجانب الباب ثم اغلقه أما هي فدارت بنظرها في ارجاء المنزل بابتسامة عريضة .. التفتت له برأسها وقالت :
_ البيت وحشني أوي والله
هدر باسمًا بعذوبة :
_ ما أنا مكنتش مرتاح أوي هناك عشان كدا قولت نرجع
اقتربت منه ولفت ذراعها حول رقبتها هاتفة باحتجاج :
_ بس إنت مفسحتنيش كتير لا في مرسى ولا الرياض .. وكنت حابسني في البيت علطول
قهقه بخفة ثم لف ذراعه حول خصرها يجذبها إليه أكثر ويهمس غامزًا بلؤم :
_ ما احنا مكناش فاضيين ياحبيبتي وكان ورانا اجتماعات عمل مهمة
مالت شفتيها لليسار مبتسمة باستحياء من تلمحياته الجريئة .. ولكنها هتفت بتذمر وهي تلقي عليه اوامر :
_ مليش دعوة هتفضي نفسك مخصوص وتفسحني هنا
_ بس كدا .. إنت تأمر ياجميل ، هظبط نفسي ونخرج نتفسح
ابتعدت عنه وقالت برقة :
_ أنا هدخل اغير هدومي واخد دش عشان بعدين احضر العشا وإنت كمان روح غير هدومك يلا
هز رأسه لها بالموافقة وعندما تورات عن انظاره عبس وجهه من جديد عند تذكره لإسلام فأخرج هاتفه واجرى اتصال بكرم الذي اجابه بعد وقت من الرنين :
_ ايوة يازين إنت رجعت القاهرة ولا إيه ؟!
تشدق بصلابة :
_ ايوة رجعت .. تعالى ياكرم على الشركة عايز اتكلم معاك في موضوع
رفع كرم حاجبه وهتف بتساءل :
_ موضوع يخص الشغل يعني ؟!
_ لا ملوش دعوة بالشغل .. تعالى بس يلا أنا هطلع دلوقتي وهستناك هناك
اجاب عليه بريبة من نبرة صوته الغريبة ورغبته في الالتلقاء والتحدث معه بهذه الساعة :
_ طيب هلبس واجيلك
***
غادر كرم المنزل منذ مايقارب العشر دقائق وبقيت هي بمفردها تشاهد التلفاز ومندمجة مع الفيلم ، ولكن تجمدت ملامح وجهها عندما سمعت صوت رنين الباب .. تساءلت بتعجب " هل كرم اتي بهذه السرعة ؟! " هبت واقفة واتجهت ناحية الباب بحيرة ، فحتى لو اتي لما يرن جرس الباب وهو لديه المفتاح ، هل نساه وذهب بدونه ؟!! .
وقفت خلف الباب وقالت بخوف بسيط :
_ مين ؟
_ أنا ياشفق افتحي
تراجعت للخلف حين ميزت الصوت وعرفت فورًا بأنها ابنة عمها .. فهمست لنفسها باستغراب ودهشة من قدومها لها وبهذه الساعة :
_ ريماس !!! .. ودي إيه اللي جابها دلوقتي ؟!
........... نهاية الفصل ...........
•تابع الفصل التالي "رواية ضروب العشق" اضغط على اسم الرواية