Ads by Google X

رواية هواها محرم الفصل الحادي و الثلاثون 31 - بقلم آية العربي

الصفحة الرئيسية

      

رواية هواها محرم الفصل الحادي و الثلاثون 31 - بقلم آية العربي

بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .
اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء
الفصل الواحد و الثلاثين من ( هواها محرمٌ )
( ثري العشق والقسوة 2)
أشعر بتناثر أجزاءٍ مني تهاجر كالسرب والألم يهاجمني من كل حدبٍ وصوب
ولم يعد باستطاعتي إصلاح ما أفسدته بل بت مجبرًا أجني حصاد ما زرعته
يا إلهي أنا اليتيم بدونها أَعِدْها تنير دروبي وسأستقيم ، أَعِدْها بنظراتها ولمساتها أَعِدْها لحياتي فحبها بقلبي عظيم.
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
لا الحزن يدوم ولا السعادة أبدية ، كلها مقادير وضعت بكميات مناسبة لإكمال الحياة ولكلٍ منّا طاقته في التحمل ولكن أحيانًا نفقد طاقتنا ونكون بحاجة شخصٍ نشاركه مشاعرنا ولحظاتنا الحزينة كانت أو الهنية .
يتمدد على الفراش ويعانقها بعدما أشبع فضولها وأخبرها بمَ حدث معه وكيف كان لقاءه مع والدته وكيف تأرجحت مشاعره حينما رآها ، كان يظن أنه يعاملها بجفاء ولن يحن لها ما حيى ولكن حدث معه العكس حينما رآها ورآى لهفتها عليه .
تحدثت وأصابعها تتلاعب بصدره ورأسها ترتكز على قلبه :
– وهتروح لها تاني فعلًا يا عمر ؟
ابتلع لعابه ثم تنفس بقوة وتحدث وهو يملس كتفها العاري بشرود :
– مش عارف يا مايا ، برغم إني قلتلها كدة بس بجد مش عارف ، لكن فيه حاجة تانية عايز اعملها .
توقفت عن العبث بصدره وتساءلت بترقب :
– إيه هي ؟
سبح بأفكاره في شقيقته التي فقدها منذ أشهر وقبل أن يعرفها بنفسه ، لقد حزن كثيرًا لأجلها وكم شعر بالذنب نحوها ولولا مساندة مايا له لكان حقًا ألقى باللوم على نفسه ولكن في النهاية هناك شخصًا واحدًا هو من حطم وفكك أفئدتهم ألا وهو سمير العدلي لذا فعليه فعل شيءٍ ما حتى لا يندم مجددًا إذا فات الأوان ليجيبها بنبرة عميقة :
– عايز أشوف طه ، اللي المفروض إنه أخويا ، اللي اتقالي عنه من صقر يخليني عايز أقابله .
انتفضت تجلس وتطالعه بذهول ثم تحدثت معترضة بقلق :
– لاء يا عمر ، مش إنت قولت إن الست دي راحت لمرات سمير العدلي وحكتلها عنك ، المفروض بعد كدة هما اللي يطلبوا يشوفوك ، ابعد عنهم يا عمر بدل ما يفكروا إنك فعلًٕا عايز منهم حاجة ويجرحوك بالكلام ، وبعدين أكيد أخوك ده نسخة من سمير العدلي ، بليز يا عمر بلاش تتعرف على حد منهم شوف أصلًا عملوا في نارة وفيك إيه زمان ، دول ناس ماعندهومش ضمير ، كفاية إنك اتعرفت على مامتك .
ربما هي محقة ولكن هي لا تعلم ما علمه من صقر الذي تفحص أخبار طه وأخبره أنه هرب بعدما تم رفع دعوة قضائية ضده بتهمة ازدراء الأديان وحينها قام بفتح صفحته عبر موقع الفيس بوك لينصدم مما رآه ، أخاهُ ملحد يشجع الشباب على الإلحاد من خلال نشر أكاذيب وشبهات كلها ضد دين الحق والسلام الإسلام .
لقد قرر آنذاك أن ينأى بنفسه للبعيد ولكن كيف يفعل ذلك وهو عمر صاحب الضمير المتكلم دومًا والذي يحثه على رؤيته ومحاولة التحدث معه ربما أفلح في شيء .
– مش عارف يا مايا ، خايف أبعد عنه أندم زي ما حصل مع إيمان .
هكذا قال بوجوم كأنه يفكر بصوتٍ عالٍ لذا تحدثت بتروٍ على غير عادة :
– بس إنت عملت الصح مع إيمان ياعمر واللي حصل بعد كدة قضاء وقدر ، ايوة صعب طبعًا اللي حصلها بس الحمد لله إن الزفت اللي اسمه سمير ده راح في داهية إن شاء الله يارب ما يخرج تاني أبدًا ، إنما إنت هتساعد طه ده إزاي ؟ ، عمر إنت مسؤول عني وعن نفسك بس ، ملناش دعوة علشان خاطري .
تنهد بعمق ثم مد يده يعيدها إلى عناقه وقبل رأسها بحبٍ وراحة دومًا تتحقق في وجودها بعدما قرر بصمتٍ ألا يحاول تجاهل حديثها .
❈-❈-❈
أمّا طه فبعد أن أغلق كتاب تفسير آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بحث عن حقوق الأبناء في الإسلام .
تلك الحقوق التي دومًا ما حرم منها بل تم دعسه أسفل أقدام العنف والقسوة بحجة البر والطاعة تجاه والده باسم الدين ، فإن كان للوالدين حقوق فمن المؤكد أن له حقًا في الحياة لم يحصل عليه ، يريد أن يؤكد إحساسه وأن ما أوصله للإلحاد لم يكن له صلة بالإسلام أبدًا .
ليجد أن للأبناء حقٌ عظيمٌ على والديهما ، في التربية والتعليم والرعاية كما جاء في الآية الكريمة في قوله ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) لقمان: ١٤
كما أن الإسلام حثنا على أن نشجع أبناءنا على الرزق والكسب الحلال كما في قوله تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ أليم) التوبة: ٣٤
حثنا الإسلام أيضًا على العدل والمساواة بين الأبناء والآن تفهّم جيدًا معنى الآية الكريمة ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) ولم يكن تفسيرها ظالمًا للأنثى كما فسرها بعض المششكين ولكن لها ضوابط ومعايير أخرى تعمق فيها وفهمها جيدًا وكلما استوقفته آية كانت محور شكٍ بحث عنها وتأكد من تفسيرها بشكلٍ أشبع عقله .
استوقفه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال ( رحم الله والدًا أعان والده على بره )
قرأ الحديث وتجمعت دموعه حزنًا على ما عاشه ، لا رحمه الله ولا عفا عنه فهو لم يعنه على بره بل كان سببًا في عناده وكفره بكل تلك الآيات ، لا رحمه الله أبدًا فهو تسبب بدمار وخراب قلبه بالكفر ولولا فضل الله لكان الآن في ذلك الضلال .
❈-❈-❈
يقود سيارته ويمددها في الخلف دون حركة ، ساكنة تمامًا والدماء تغمرها إلا من حركة نابعة من قيادته السريعة .
لا يعلم كيف حملها وخطا بها نحو سيارته بعدما غرقت ملابسه بدمائها وغرقت روحه بنزيف قلبه ، يقنع عقله أنها ستستيقظ بعد قليل ويسحق تمامًا أي صوتٍ يخبره أنها ستتركه .
ملامح وجهها ملطخة باللون الأحمر وملامح وجهه ملطخة بالعجز والقهر والندم ، آهٍ لو يعود به الزمن لبضعة دقائق فقط ، يقسم سيصلح كل شيء ، هو على استعداد أن يحضر تلك الأموال ويفرمها أمامها ورقة ورقة ولتكن بخير ، على استعداد أن يسكب كل زجاجات الخمر في نهر السين ولتكن بخير ، على استعداد أن يحرق جلده الموشوم أو يقطعه إربٕا ولتكن بخير .
أنفاسه محاصرة ولكن كل ما يهمه هو الوصول بأسرع وقت شاعرًا بآماله تنهار من حوله كأنه يغادر من بين ركام قلعته الآمنة ولكنه يصارع الوقت .
❈-❈-❈
انتهوا من صلاة العشاء ونهضت نسرين تشعر بثقل لا تعلم مصدره ، هجومًا مفاجئًا جعلها تنظر لزوجها وابنها مازن ثم تحدثت بنبرة متلهفة :
– تيجوا نروح نشوف خديجة ؟
تعجب مازن من قرارها المفاجئ لذا تحدث مستفهمًا :
– دلوقتي يا ماما ؟ ، اشمعنى ؟
حاولت التنهّد لتنعش انقباضة صدرها ثم نظرت نحو بهجت الذي يطالعها بتفحص وتحدثت :
– يعني نسهر معاها شوية ، إنتوا عارفين إنها الفترة دي حزينة دايمًا فبقول لو نعملها مفاجأة ونروحلها .
هو اشتاق لرؤيتها كثيرًا ، هو أيضًا هاجمه شعورًا بلقائها الآن وكأن قلبه يريد أن يطمئن لذا تحدث بانزعاج :
– وخالد مش هيضايق ؟
تحدثت نسرين معترضة وهي تنهض :
– لا مش هيضايق يا بهجت ، هيفرح لما يلاقي خديجة فرحانة يالا قوم ، يالا يا مازن .
تحمحم مازن وتحدث بحرج :
– معلش يا ماما بلاش أنا ، أبقى أشوفها واطمن عليها لما تيجي .
باغتته بنظرة حادة على غير عادة ثم تحدثت بنبرة آمرة :
– لاء يا مازن هتيجي معانا لاختك ، يالا بسرعة .
تنهد يومئ بطاعة ثم تحرك نحو غرفته ليستعد وتحرك بهجت كذلك ووقفت هي تضع يدها على صدرها وتدلكه قائلة بهمس وهي تتحرك خلفهم :
– يارب سترك يارب .
ذهبت إلى غرفتها وحينما دلف بهجت الحمام التقطت هاتفها فلم تنتظر حتى تذهب لتطمئن عليها لذا حاولت الاتصال بها ولكنها تفاجأت بهاتفها مغلقًا بل تعجبت من ذلك فخديجة لم تعتد إغلاق هاتفها لذا عاد القلق يخدش قلبها وقررت أن تسرع .
❈-❈-❈
وصل إلى المشفى وتوقف بشكلٍ مفاجئٍ عنيف مما أحدث صوتًا عاليًا نتيجة احتكاك العجلات في الأسفلت .
ترجل باندفاع يفتح الباب الخلفي ويحملها بين يديه وهي هامدة الجسد يتحرك معه بطواعية وعلى الفور أسرع إليه المسعفين حينما رؤوه ليساعدوه في حملها فلم يعد قادرًا على ذلك بالرغم من خفة وزنها .
أدخلوها الطواريء وهو يتبعها بملامح جامدة وجسدٍ خائر أشبه بعجوزٍ بائس .
وقف يطالعها وهم يفحصونها ويرددون كلماتٍ سريعة ويتحركون بعبثية ولكن ما أنزل قطرات من السكينة على قلبه هو أنفاسها حيث سمع الطبيب يقول بأن تنفسها بطيء جدًا ، ولكنها حية وستكون بخير ، ستستيقظ بعد قليل ، وهذه آماله .
وقف يستند على الجدار بعدما ارتطم به وعيناه لا تفارقها ، يتحركون من حولها وهو فقط ينظر لوجهها وكأن الوقت توقف هنا والندم بدأ يلتهمه من بداية عقله إلى أخمص قدميه .
❈-❈-❈
وصل صقر إلى المشفى ومعه نارة يسرعان إليهما بعدما تركا الصغيرة في رعاية آسيا التي حزنت وبكت لأجل خديجة وما حدث معها .
كان الأطباء في حالة أسفٍ خاصةً وأن الجنين قد مات ولكن الأهم بالنسبة لهم الآن هو إنقاذ حياة الأم التي باتت على المحك خاصة مع جرح رأسها القوي و كسور أضلعها .
أشار أحد الأطباء لزميله في نظرة تعني أن يُخرِج هذا الذي يقف يطالعها بتيه وفوضية وملابسه ملخطة بدمائها .
تحرك الطبيب الآخر نحوه وربت على كتفه إذ رأف لحالته وتحدث بهدوء :
– الأفضل تطلع برا وأنا بنفسي هخرج أطمنك بس كدة إنت بتأذيها ، ماينفعش تفضل واقف هنا .
لم يسمعه ، حقًا لم يترجم عقله ما قاله بل لف يطالعه ويسأله بنبرة مترجية واهنة كأن ماركو قد انسلخ وظهر منه إنسانًا آخر أكثر بؤسًا وضعفًا واحتياجًا :
– هل ستكون بخير ؟ ، متى ستفتح عينيها ؟
تحدث الطبيب بروية برغم تعجبه من لغته :
– سنفعل كل ما بوسعنا لتظل بخير ، ولكنها للأسف فقدت الجنين .
حدق به لثوانٍ مرت عليه كعمرٍ طويل وقد تحجرت دموعه داخل مقلتيه وهو يردد كلمات الطبيب على عقله ، فقد صغيره ، صغيره الذي كان ينتظر مجيئه بفارغ الصبر ليريه كيف تكون الأبوة بعدما عانا منها ، صغيره الذي طبع اسمه على شريانه ليأتي ويخبره أنه الحياة بالنسبة له ، ليت ما يعيشه الآن كابوسًا ، ليته يعود بالزمن لما قبل ساعتين فقط ، ساعتين يصلح بهما كل شيء ، الآن هو يواجه كابوسًا بشعًا ويُحاسب على فاتورة أفعاله حسابًا باهظًا للغاية .
ابتلع غصته المتحجرة ولكنها سقطت على روحه كجمرة ملتهبة وتحدث يصارع السقوط وأحشاؤه تتلوى داخله :
– أنقذوها فحسب ، لتبقى هي لي إذًا .
ربت الطبيب على كتفه وحزن لأجله وأومأ له ثم تحدث وهو يحاول سحبه للخارج :
– أعدك سنفعل كل ما بوسعنا ولكن حقًا وقوفك هنا يضرها .
تحرك معه بطواعية يحسد عليها فلم يعد هو نفسه ماركو ليجادل ويعترض ، وبالفعل خرج ليجد صقر أمامه يسأله بعينيه ونارة تجاوره وتحدثت بلهفة ودموع حينما رأته :
– خديجة عاملة ايه ؟
نظر لها ثم نظر إلى صقر ولم يتفوه بل عجز لسانه عن الكلام وهو يقف متأرجحًا صامتًا مشتتًا ينتظر مصيره .
نظرت نارة نحو صقر الذي أومأ لها بملامح حزينة وهو الأكثر إدراكًا بحالته ، هو لم يرَ ماركو على هذه الحالة طيلة حياته ولكنه يعلم جيدًا كيف يحب زوجته .
تنهدت نارة ووقفت تنتظر أخبارًا مطمئنة تأتي من الداخل فعلى ما يبدو أن الأمور معقدة .
❈-❈-❈
علم بعودتها واستطاع التسلل من الحرس الذين يلتفون حول المبنى وصعد لها ، لا تعلم من أين حصل على نسخة مفاتيح ليفتح بابها ويدخل كاللصوص .
دلف بحذرٍ وتوعدٍ على الشر ، لقد كان ينتظر عودتها ليعاقبها على هروبها وعلى ما فعلته به وبالعائلة بعدما كثرت خلفها الأقاويل .
بحث عن غرفتها وتسلل إليها ليجدها ممددة على السرير تنام ، ابتسم ساخرًا عليها وعلى الراحة التي تنام بها ، ألا تشعر بمجيئه ؟ ، ألا تشعر بمَ ينوي فعله بها ؟
سحب بيده سكينًا حادًا وتسحب نحوها ثم نظر لها نظرة تملؤها الأحقاد ورفع يده لينزل فجأة على أحشائها .
انتفضت بذعر تصرخ وتنظر حولها بتشتتٍ وهستيريةٍ لتدرك أنه كان مجرد كابوس هجم عليها من كثرة تفكيرها وخوفها من المواجهة .
أنفاسها متلاحقة سريعة تحاول تنظيمها وتمسح على وجهها الذي تشبح بالخوف ثم استعاذت بالله من الشيطان ونهضت تخطو نحو الحمام لتغسل وجهها وتعود .
دقيقتين وعادت تجلس على الفراش وتحاول أن تهدأ ولكن تفاصيل منامها كانت سيئة وقاسية وهي ترى شقيقها الذي يفترض أن يكون مأمنها هو بيده يقـ.تلها ، بأي ذنبٍ أخطأت يا أخي ؟
شعرت أنها بحاجة إلى مكالمة مع المعالجة النفسية ولكن حينما نظرت إلى هاتفها وجدت الوقت قد تأخر على إجراء جلسة خاصةً إذا كانت جلسة إلكترونية إضافية .
ظلت تأخذ شهيقًا قويًا من أنفها وتزفره من فمها لتضبط أنفاسها وتتحلى بالهدوء ولكنها تفاجأت من هاتفها يعلن عن اتصالًا من أحدهم .
نظرت له لتجده يوسف ، يا إلهي هل شعر بها ؟
لم تفكر كثيرًا وفتحت الهاتف تجيبه بنبرة هادئة تحمل الاحتياج :
– أزيك يا يوسف ، إنت لسة صاحي ؟
تحدث وهو يقف في شرفته يفكر بها قبل وبعد وأثناء المكالمة :
– أيوة لسة ، حسيت إني عايز أكلمك واطمن عليكِ ،إنتِ نمتي ولا إيه ؟ .
تنهدت بعمق ثم أجابته بصدقٍ دون مراوغة لتخبره عما بها :
– كنت نمت أيوة بس حلمت حلم وصحيت مفزوعة منه .
نهش القلق قلبه العاشق وتحدث بحنين يجذبه إليها وليت الجذب يأخذه ويرطمه في حضنها :
– خير يا حبيبتي حلمتي بإيه ؟
تناست حلمها وشردت في كلمته ، حبيبته؟ ، تشعر أنهما ينساقان خلف مشاعر خاطئة خاصة وأنها لم توثق بشكلٍ رسمي ولكن ماذا عساها أن تفعل ، كيف ستوثقها وهي ليست على استعداد الآن ، وكيف ستمنعها وهي بحاجة ماسة إليها خاصةً وأن محيطها كله هو ، لا أخ ولا أم ولا أب ولا عائلة سوى يوسف ، ولكن ما تفعلينه ذنب وخطأ يا أميرة .
هكذا حدثت نفسها لتتنفس بعمق ثم تحدثت تحاول التوضيح له :
– يوسف ممكن أطلب منك طلب .
أدرك مطلبها قبل أن تقوله لذا تحدث موضحًا :
– عارف يا أميرة ، هي كلمة خرجت من قلبي بس لو مش حابة تسمعيها ماعنديش مشكلة ، هفضل كاتمها ياستي لما تحني عليا .
زفرت بقوة وتناست الكابوس وتحدثت في شأنهما توضح :
– صدقني يا يوسف المشكلة عندي أنا ، أنا لسة بحاول أتعافى من اللي شوفته ، ومش عايزة أبدأ في طريق جديد وأنا في الحالة دي ، أخاف أظلمك معايا ، أنا أهو لحد دلوقتي لسة بحلم بكوابيس .
اختتمت حديثها متذكرة ليحاول انتشال الضيق منها لذا استند على السياج الحديدي وقال بمرحٍ وغزلٍ متعمد :
– تظلميني إيه بس يا أميرتي ؟ ، دانا قربت أعنس بسببك ، ده أمي أكلت دماغي علشان أتجوز وأنا أبدًا مافيش على لساني غير ميرو وبس والباقي لفت وخس .
ابتسمت وانشرح فؤادها من كلماته التي تروي فؤادها وتزرعه بالحب مجددًا ليزهر دون خوفٍ لذا تنهدت وقالت بنبرة لينة مبطنة بالحب والغيرة الخفية :
– يعني مافيش أي واحدة كدة ولا كدة ؟
– ولا كدة ولا كدة ولا الهوا ، هو قلبي مافيهوش غير واحدة بس وهفضل مستني اللحظة اللي تقولي فيها بحبك يا يوسف وموافقة اتجوزك ، ياااااااه ، دي كدة تبقى جبرت حتى لو هموت بعدها .
– بعد الشر عليك أوعى تقول كدة تاني .
نطقتها بلهفة حقيقية ليبتسم عليها ثم اعتدل في وقفته والتفت يتحرك للداخل ثم إلى سريره يتمدد عليه ويردف بحب :
– لو تعرفي إن النهاردة هعتبره أسعد يوم في حياتي لحد ما ييجي اليوم السعيد بجد وتبقي ليا يا ميرو ، ساعتها هعاقبك على كل لحظة بعدتيها عني .
توترت كليًا وذاد شعورها بالذنب نحو تلك المكالمة لذا أسرعت تتحدث :
– يوسف يالا نقفل ، المفروض نصحى بدري علشان ماينفعش نروح أول يوم الشغل متأخر .
زفر بقوة ثم وافقها حتى يرفع الحرج من عليها قائلًا بحب ومغزى :
– ماشي يا ميرو يالا تصبحي على خير وأحلام سعيدة وأي أحلام تانية ارميها من الشباك وماتخافيش أبدًا أنا معاكي .
التمعت عينيها بدموع السكينة وتحدثت بامتنان كبير :
– شكرًا يا يوسف ، شكرًا على كل حاجة بتعملها علشاني .
أراد معاقبتها على شكره لذا تحدث بغيظ متعمد :
– لا يا روحي وفري الشكر أنا ليا مقابل هاخده بس مش دلوقتي .
تصبغت بالخجل وأسرعت تغلق متعجبة من تصريحاته التي باتت جريئة .
حتى هو يتعجب من نفسه ، هو يحب الالتزام ولا يفضل هذه الأمور ولكن معها يقع لا إراديًا في الذنب لذا عليه أن يقنعها بالارتباط به في أسرع وقت ، يجب أن تقبل يكفيهما ما ضاع منهما .
❈-❈-❈
بعد دقائق لم تمر على ماركو كدقائق بل باتت كقرون .
خرجت ممرضة تطالعهم وتردف بعجالة :
– المريضة محتاجة نقل دم حالًا فصيلتها -O أخذنا من بنك الدم اللي موجود بس لسة محتاجين زيادة لإنها خسرت دم كتير .
قبل أن تكمل حديثها كان يشمر عن ذراعه ويردف بلهفة حينما رأى عجلة الممرضة :
– هيا هيا هيا فصيلتنا واحدة .
تحدثت الممرضة وهي تنظر نحو ذراعه الذي شمره وتساءلت بترقب وهي تحدق بوشمه :
– الوشم ده معمول قريب مش كدة ؟ .
رفع نظره يحدق بها بغضبٍ أعمى فهى تعطل إنقاذ زوجته في أسئلة لا داعي لها فتوترت وتابعت موضحة :
– الوشم شكله لسة جديد وللأسف في الحالة دي مش هينفع ناخد منك دم للمريضة .
كشر عن أنيابه ومد يده يلكزها بقسوة في كتفها فترنحت تحت أنظار صقر الذي هجم عليه يقيده ولكنه صرخ بها وهو يدفع صقر عنه قائلًا بجنون وعيناه اتسعت برهبة :
– هل أنتِ مجنونة ؟ ، هيا خذي دمائي وأنقذيها أيتها العاهرة .
كان في حالة تأهب قصوى حتى أن صقر يحاول ردعه بصعوبة ولكن لحسن الحظ هي لغته التي ساعدته في عدم فهم الممرضة لها لتتحدث نارة مسرعة وهي تسحب الممرضة معها للبعيد بعدما غمز لها صقر :
– تعالي معايا أنا هتصرف حالًا وأجبلك دم .
التفتت الممرضة تطالعها بتوتر وصدمة ثم أومأ لها وتحركت معها بينما وقف صقر يدفعه نحو الحائط حيث أراد الذهاب خلف الممرضة وتحطيم وجهها ولكنها اختفت مع نارة التي لا تعلم كيف ستوفر الدم ولكن ربما النقود تسهل الأمر .
لينتفض من بين يدي صقر ويطالعه بغضبٍ وعيون حمراء ثم دفعه بكلتا يديه وتحدث باندفاع أهوج وغضبٍ حاد وهو يلقي باللوم عليه قائلًا :
– أنت السبب ، أنت السبب فيما يحدث .
قطب صقر جبينه متعجبًا فعاد يقترب منه ويدفعه متابعًا :
– أنت قلت لي سأتركك للندم يأكلك مثلي ، أنت تركتني أحتفظ بتلك النقود اللعينة ، هل أنت راضٍ الآن ؟ ، ابني مات وزوجتي تموت ، كان يجب أن تمنعني ، كان يجب عليك لأجل صداقتنا أن توقفني بأي شكلٍ حتى لو قتلتني لن أتألم مثلما أتألم الآاااااان .
توقف صقر يطالعه بنظراتٍ ثاقبة وثباتٍ يخفي تأثره حيث يتفهم ما يمر به جيدًا لذا زفر وحاول أن يتحدث قائلًا :
– اهدأ خالد ، زوجتك ستكون بخير .
لم يهدأ بل زادت حدته وغضبه وعم صراخه المشفى وهو يتابع :
– لن اهدأ ، أنت كنت تعلم جيدًا ما سيحدث معي ، تركتني ، أنت تخليت عني ، كنت أنانيًا واخترت حياتك بعد كل ما فعلته من أجلك ، بسببك أنت فقدت ابني وسأفقد زوجتي ، لن أسامحك أبدًا ، لن أسامحك صقر .
طفح الكيل لديه ليندفع الآخر نحوه ويبدأ هو في لكمه في كتفيه بقوة قائلًا بنبرة توبيخية حادة ليحاول بث الوعي فيه :
– وماذا عن تلك المسكينة في الداخل ؟ ، ألم تحاول معك ؟ ألم تسعى منذ أشهر لإصلاحك ؟ ، لا تلقي باللوم علي لأنك غارقٌ في أفعالك .
تجمد مكانه يطالع صقر بعيون حادة وعقله يصارع وحشًا فتاكًا الآن ، يريد أن يقتل الجميع ، بداخله طاقة مضاعفة ستطول الجميع إن لم يغادر لذا اندفع يتحرك ويغادر المكان تحت أنظار صقر الذي ظل يتابعه بحزن على ما أصابه وفي داخله ندمًا يأكله وهو يشعر أن كلمات ماركو صحيحة فهو لم يكن رفيقًا جيدًا معه كما كان هو .
وصل ماركو إلى حديقة المشفى وهو يتنفس بقوة عالية واتجه عند شجرةٍ وبات يركلها بعنف وصراخ ويخرج بها ما يعتليه من ألمٍ ولكن هيهات ، وكأن الألم تعهد ألا يتركه أبدًا .
رفع رأسه عاليًا وبكى وهو يحدث ربه قائلًا بترجي :
– أتركها لي ، أتركها لي وأعدك سأصلح كل شيء ، لن أستطيع بدونها .
خر أرضًا في حالة مزرية تمامًا وكل ما به يتألم وهو يتحشرج ويبكي مرددًا كطفلٍ بائس :
– لن أستطيع بدونها ، لقد خسرت صغيري لكني لن أحتمل خسارتها .
كان جسده يهتز بقوة ليجد على مرمى بصره فروعًا خشبية صغيرة مبعثرة لذا التقط أحدهم وكشف عن يده نحو الوشوم وبدأ يجز سن الفرع في جلده الموشوم بقسوة ليجرح نفسه عن عمدٍ وليشوه هذا الوشم بألمٍ لا يوازي آلام روحه وهو يردد :
– هي تكره الوشوم ، أنا أحزنتها ، أنا سيءٌ للغاية ، ولكني لا أستطيع بدونها .
جرح يده واندفعت الدماء من ساعده ليراه أحد المارة ويسرع إليه قائلًا :
– إيدك يابني إنت بتعمل إيه ؟
رفع نظره إليه فوجد الجحيم في عينيه لذا تحرك الرجل يغادر من أمامه ويتجه نحو المشفى ليبلغهم بمَ يفعله هذا المجنون متجنبًا الحديث معه بعدما رأى هيأته ولكنه توقف حينما نطق ماركو بأحرفٍ تحمل الترجي والألم :
– فصيلتك -O؟
تعجب الرجل والتفت يطالعه ثم أدرك أنه يبحث عن دماءٍ فقال متأسفًا :
– لا يابني للأسف .
نهض بعدها غير عابئ بنزيف يده ولا بآلامه بل بات يتحرك باحثًا عن فصيلتها بين المارة كالفاقد لعقله .
❈-❈-❈
أغلق طه صفحات حقوق الأبناء ليتجه لقسم حقوق المرأة في الإسلام ، والتي تم الإنفاق عليها ببذخٍ من قبل الغرب كي يشوهوا ويتلاعبوا بحقوق المرأة في الإسلام مستخدمين آياتٍ لو الإنسان تعمق فيها قليلًا واجتهد في تفسيرها لوجد أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي نصر المرأة وحفظها .
آياتٍ روجوا لها على مدار سنوات بالعنف والاضطهاد نحو المرأة كي ينزعوا منا الإيمان والفطرة واستطاعوا نشر النسوية في المجتمع مستغلين جهل البشر في معرفة الحقيقة .
فلو تدبروا القرآن لوجدوا أنه كرم المرأة في كل شيء ، لقد جاء الإسلام حينما كان بعض البشر ينكرون إنسانية المرأة ، وآخرون يرتابون منها وغيرهم يعترف بإنسانيتها ولكنهم يعتبرونها مخلوقًا خلق لخدمة الرجل فقط ، فجاء الإسلام ليكرمها ويعطيها الحق في التكليف والمسؤولية والجزاء ودخول الجنة واعتبرها إنسانًا كريمًا له كل ما للرجل من حقوق إنسانية كما جاء في الآية الكريمة ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ( إنما النساء شقائق الرجال )
الإسلام أعطى للمرأة حقوقها كاملة في المساواة بينها وبين الرجل في التكليف والتدين والعبادة يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
أعطاها حقها في التكاليف الدينية الاجتماعية الأساسية .
وفي قصة سيدنا آدم توجه التكليف الإلهي إليه وإلى زوجته على حد سواء بل أنه تاب على آدم وحده وهذا يعني أن زوجته كانت تابعة له في الذنب ولم تشجعه عليه كما يقول البعض .
وفي الحقوق المالية للمرأة فقد أبطل الإسلام ما كان عليه الكثير من الأمم _ عربًا وعجمًا _ من حرمان النساء من التملك والميراث او التضييق عليهن في التصرف فيما يملكن، واستبداد الأزواج بأموال من يتزوجهن، فأثبت لهن حق التملك بأنواعه وفروعه ، وحق التصرف بأنواعه المشروعة ، فشرع الوصية والإرث لهن كالرجال ، وأعطاهن حق البيع والشراء، والإجارة والهبة والإعارة والوقف والصدقة والكفالة والحوالة والرهن وغير ذلك من العقود والأعمال ، ويتبع ذلك حقها في الدفاع عن مالها .
كما كرم الإسلام المرأة باعتبارها أمًّا ولا يعرف التاريخ دينًا كرم الأم وأعطاها مكانتها كما فعل الإسلام وفي القرآن الكريم آياتٍ كثيرة دالة على ذلك، فبرها أعظم العبادات وحقها أعلى مكانة من حق الأب نفسه .
وحتى أن القرآن الكريم وضع أمام المسلمين والمسلمات أمثلة وقدوة حسنة لنا كأم موسى وأم السيدة مريم، ومريم ابنة عمران والدة السيد المسيح جعلها القرآن آية في الطهر والقنوت إلى الله والتصديق بكلماته .
كرمها باعتبارها ابنة فقد كان العرب في الجاهلية يتشاءمون من ولادة الأنثى ويضيقون به، حتى قال أحد الآباء ـ وقد بشر بأنَّ زوجه ولدت أنثى ـ: واللهِ ما هي بنعم الولد، نصرُها بكاءٌ، وبرُّها سرقةٌ. يريد أنها لا تستطيعُ أن تنصر أباها وأهلها إلاّ بالصراخِ والبكاءِ، لا بالقتال والسلاح، ولا أنْ تبرَّهم إلا بأن تأخذ من مالِ زوجها لأهلها.
وكانت بعضُ الشرائع القديمة تعطي الأبَ الحق في بيع ابنته إذا شاء، وبعضها الآخر ـ كشريعة حمورابي ـ تجيزُ له أن يسلمَها إلى رجلٍ آخر ليقتلها.
جاء الإسلامُ فاعتبر البنتَ كالابن ـ هبة من الله ونعمة ـ يهبها لمن يشاء من عباده، قال تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ۝ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾[الشورى: 49 ـ 50].
وأخيرًا كرم الإسلام المرأة باعتبارها زوجة
كانت بعض الديانات والمذاهب تعتبِرُ المرأةَ رجساً من عمل الشيطان، يجب الفرار منه، واللجوء إلى حياة التبتل والرهبنة، وبعضُها الآخر كان يعتبر الزوجة مجرّد آلة لمتاع الرجل، أو طاهٍ لطعامه، أو خادم لمنزله، فجاء الإسلام يعلِنُ بطلان الرهبانية، وينهى عن التبتل، ويحثّ على الزواج، ويعتبر الزوجية آية من آيات الله في الكون، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
وأول هذه الحقوق: الصداق: الذي أوجبه الله للمرأة على الرجل إشعاراً منه برغبته فيه .
فأينَ هذا من المرأةِ التي نجدُها في مدنيات أخرى، فتدفع هي للرجل بعض مالها، مع أنَّ فطرة الله جعلت المرأةَ مطلوبةً لا طالبة؟
وثاني هذه الحقوق: النفقة، فالرجل مكلّفٌ بتوفير المأكل والملبس والمسكن بالمعروف .
وثالث الحقوق: المعاشرة بالمعروف، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19].
وفي مقابل هذه الحقوق أوجبَ عليها طاعةَ الزوج في غير معصيةٍ، والمحافظة على ماله، فلا تنفِقُ منه إلا بإذنه، وعلى بيته، فلا تدخِلُ فيه أحداً إلا برضاه، ولو كان من أهلها.
كما أمر الإسلام المرأة بالمحافظة على أنوثتها :
الإسلامُ يحافظ على أنوثة المرأة، حتى تظلَّ ينبوعاً لعواطف الحنان والرقة والجمال، ولهذا أحلّ لها بعضَ ما حُرِّم على الرجال، بما تقتضيه طبيعة الأنثى ووظيفتها، كالتحلّي بالذهب، ولبس الحرير الخالص، قال رسول الله ﷺ: «إنّ هذين حرامٌ على ذكور أمتي، حل لإناثهم».
كما أنّه حرّم عليها كل ما يجافي هذه الأنوثة، من التشبه بالرجال في الزي والحركة والسلوك وغيرها، قال رسول الله ﷺ: «ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة، ولا ينظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المترجلةُ، والدّيوثُ».
والإسلامُ يحافِظُ على خُلُقها وحيائها، ويحرص على سمعتها وكرامتها، ويصون عفافها من خواطر السوء، وألسنة السوء؛ فضلاً عن أيدي السوء أن تمتدَّ إليها: ولهذا يوجِبُ الإسلام عليها .
الغضُّ من بصرها والمحافظة على عفتها ونظافتها:
الاحتشام والتستر في لباسها وزينتها دون إعناتٍ لها، ولا تضييقٍ عليها .
ألا تبدي زينتها الخفية ـ كالشعر والعنق والنحر والذراعين والساقين ـ إلا لزوجها ومحارمها الذين يشقُّ عليها أن تستر منهم استتارها من الأجانب .
وأن تتوقر في مشيها وكلامها .
أن تتجنب كل ما يجذب الانتباه إليها، ويغري بها، من تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة .
أن تمتنع عن الخلوة بأي رجلٍ ليس زوجها ولا محرْماً لها:
صوناً لنفسها ونفسه من هواجس الإثم، ولسمعتها من ألسنة السوء، قال رسول الله ﷺ: «لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم».
ألا تختلط بمجتمع الرجال الأجانب إلا لحاجة داعية، ومصلحة معتبرة، وبالقدر اللازم .
إنَّ الإسلامَ بهذه الأحكام يحمي أنوثةَ المرأة من أنياب المفترسين من ناحية، ويحفظ عليها حياءها وعفافها بالبعد عن عوامل الانحراف والتضليل من ناحية ثانية، ويصونُ عرضها من ألسنة المفترين والمرجفين من ناحية ثالثة، وهو ـ مع هذا كله ـ يحافِظُ على نفسها وأعصابها من التوتر والقلق، ومن الهزّات والاضطرابات، نتيجة لجموح الخيال، وانشغال القلب، وتوزع عواطفه بين شتى المثيرات والمهيّجات وهو أيضاً ـ بهذا الأحكام والتشريعات ـ يحمي الرجل من عوامل الانحراف والقلق، ويحمي المجتمع كلّه من عوامل السقوط والانحلال.
وهذه هي حقوق المرأة في الإسلام والتي سكتت عنها والدته بل استحلت الضعف والهوان مع ذلك الشخص الذي أدرك الآن أنه أبعد ما يكون عن الإسلام ، ليجد أنه هو الفاسد الحقيقي وأن الدين منه بريء .
لم يعلم طه ماذا يفعل بعد أن أغلق كتبه سوى البكاء مجددًا ، لقد ظن أنه الأكثر ذكاءًا وهو كان مغلفًا بالغباء بعينه .
لم يعد باستطاعته الصمت ، عليه العودة ومحاولة إصلاح ما أفسده في أسرع وقت ربما غفر الله له ولكن هل سيغفر هو لنفسه …
❈-❈-❈
توقفت أمام المشفى سيارة بهجت الذي ترجل هو وزوجته وابنه يركضون بهلع نحو الداخل ليروا ماذا حدث مع ابنتهم بعدما أخبرهم صقر قبل أن يصلوا إلى فيلا ابنتهم بدقائق .
بهجت يهرول وقلبه يتخبط بين قدميه ، لم يحتمل ما سمعه عندما أبلغه صقر بضرورة مجيئهم إلى المشفى لأن خديجة صدمتها سيارة ، ابنته وقرة عينه تواجه الموت في الداخل ، هل يختبر الله قوة إيمانه في غاليته ، أنه صعب للغاية يارب ، صعب للغاية هذا الاختبار يا إلهي ، أرجوك نجها .
تجاوره زوجته الباكية والمناجية لربها مرارًا وتكرارًا.، لقد شعرت بشعورٍ سيءٍ وها هو يحدث ، خديجتها الغالية وابنتها الخلوقة الجميلة والمطيعة والهادئة ، ابنتها ست البنات وسيدة الصبايا ، ابنتها اللطيفة اللينة الحنونة .
ومازن لم يستطع ردع دموعه فكيف يفعل ومن في الداخل هي شقيقته ونصفه الثاني ، يدعون ربهم فألم فقدانها سيكون جسيمًا حقًا .
وصلوا إلى صقر الذي أغلق للتو بعد استطاعته تأمين أمر الدماء التي تحتاجها خديجة ووقف ينظر لهم بأسف وهم يتقدمون منه متلهفين لسماعِ أي خبر سار عن ابنتهم ، اقتربت منهم نارة تعانق نسرين وتحاول مساندتها فقالت الأخرى بدموعٍ فائضة وصوتٍ متقطعٍ بنشيج :
– بنتي ، قالكوا عنها أي حاجة ؟ هي كويسة ؟ .
توقف بهجت أمام صقر يطالعه ويخشى السؤال بل ينتظر أن يتحدث هو ليتنفس صقر ويتحدث بأسفٍ وهو يطالع بهجت ومازن :
– للأسف الجنين مات .
زاد نحيب نسرين وباتت تردد بآهٍ مكلومة :
– لا إله إلا الله ، بنتي يــــــــــارب .
بينما بهجت يردد ويومئ برضا يكفيه أن تخرج ابنته سالمة :
– إنا لله وإنا إليه راجعون .
– إنا لله وإنا إليه راجعون .
نطقها مازن بحزنٍ بليغٍ من خلفه ليقفوا في حالة حزنٍ مصاحبة للإيمان والرضا ولكن مصابهم جلل وروحهم تقطن في الداخل بين الحياة والموت .
❈-❈-❈
استغرق الأمر معه عدة دقائق بعدما أحضر رجلًا يحمل نفس فصيلتها لم يعطِه نقودًا خوفًا من تدنيسها بل أعطاه ساعة يده التي أهدتها له ولكن الرجل كان كريمـا ورفض أخذ مقابل خاصةً بعدما رآى حالته لذا تقدم معه داخل المشفى ليتبرع بدمه فأسرع ماركو يسحبه ويركض نحوهم وهو يبحث وينظر نحو نارة متسائلًا بعينين يغطيهما الاحمرار وهيئة مزرية وأنفاسٍ حادة :
– أين هي تلك الممرضة اللعينة ، ها هو متبرع بالدماء .
– الدماء أتت ولم يعد هناك داعٍ .
قالها صقر وهو ينظر نحو ماركو فباغته الآخر بنظرة غاضبة وزاد عجزه وقهره وزادت آلامه لينطق بحدة :
– ليس لك شأن ، أنا من يجب أن يؤمنها.
زفر صقر بملامح متجهمة من حماقة صديقه الذي يحاول تفهمها بينما نظر له بهجت ولملامحه ولحالته ثم اتجه يقف أمامه ولم يستطع منع نفسه من قول :
– بنتي حصلها إيه ؟ ، عملت حادثة إزاي وإنت طالع سليم ؟ ، اللي حصل معاها ده حصل إزااااااي .
حدق فيه ولم يجبه ، نظر له بصمتٍ وكأنه خذله حينما وعده آنذاك أنه سيحافظ عليها ، كيف يخبره أن ما حدث مع خديجة هو المتسبب به ؟
بكى بهجت وهو يسترسل متوسلًا إياه فلم يعد يعرف من يسأل :
– قولي يابني حصل إزاااااي ، حادثة بسيطة صح ؟ ، إنت كنت معاه مش كدة ؟ ، يعني طالما إنت كويس تبقى بسيطة ؟ ، مش كدة ؟
لم يحرك ساكنًا ، لا بل لم يعد يعرف للسكينة دربًا ووقف عاجزًا عن النطق وكأنه فقد لسانه ولكنهم التفتوا جميعًا حينما سمعوا باب العمليات يفتح ويظهر منه الطبيب وعلى وجهه ترتسم معالم الأسف وهو يقول :
– للأسف المريضة دخلت في غيبوبة .

google-playkhamsatmostaqltradent