Ads by Google X

رواية ضروب العشق الفصل الثاني والثلاثون 32 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

 رواية ضروب العشق الفصل الثاني والثلاثون 32 - بقلم ندى محمود توفيق 

(( ضروب العشق ))

_ الفصل الثاني والثلاثون _ 

اصابته الصدمة فبقى ساكنًا يحدق بأخيه غير مستوعبًا ما سمعه منه للتو ، هل هو يمزح أم يقول الحقيقة ؟ ، لا يعرف !! .
هتف كرم منذهلًا : 
_ زين إنت متأكد إنه إسلام ؟!!! 

اجابه زين بشجن وأسى :
_ كل الأدلة اللي قدامي بتقول إنه هو ياكرم ، عمل حادث في نفس اليوم ونفس المكان ورجله مش بيمشي عليها بسبب الحادث ، أنا هتجن من وقت ماعرفت ومش عارف أعمل إيه ولا اتصرف إزاي .. وبقيت مش قادر ابص في عيون ملاذ 

أصدر كرم زفيرًا حارًا ومسح على وجهه بحيرة وضيق ثم عاد بنظره لأخيه وسأل بترقب : 
_ إنت لسا مقولتش ليها إنك كنت ....

قاطعه وهو يهز رأسه بالنفي ويدفن وجهه بين راحتي يديه متمتمًا بصوت مهموم : 
_ كل ما اقول هقولها اتراجع وملاقيش الجراءة .. مش قادر اقولها إني كنت مدمن ودخلت مصحة اتعالج ، وبفكر في نظرتها ليا هتكون ازاي لما تعرف وردة فعلها 

كرم برزانة امتزجت بالحزم : 
_ دي حاجة وعدي عليها سنين واكيد هي مش هتاخد منك موقف على موضوع كان وخلص من سنين .. لكن مينفعش تخبي عليها يازين لازم تقولها ، شوف الوقت المناسب واتكلم معاها فيه بهدوء وفهمها كل حاجة وأنا متأكد إنها هتتفهم ومش هتزعل أوي لأنك خبيت عنها طول المدة اللي فاتت بالأخص لما تفهمها اسبابك اللي خلتك متقولهاش 

رفع وجهها ونظر لكرم مبتسمًا بمرارة وتشدق : 
_ طيب ده موضوع وخلص زي ما بتقول من زمان .. لكن إسلام هقولها إزاي أنا السبب في اللي اخوكي فيه وعذابه طول السنين دي 

تنهد الصعداء بحيرة ويأس ثم قال بخفوت وحكمة : 
_ أنا برأي إسلام متقولهاش دلوقتي واصبر شوية لغاية مانشوف حل مناسب 

 _ أنا فكرت في حاجة .. هجرب واشوفها بس يارب تنفع أهو على الأقل ارتاح شوية من عذاب ضميري 

                              ***
فتحت شفق لها الباب ووقفت تحدقها بأعين ثابتة ومتفحصة لتهمس ريماس بارتباك : 
_ أنا جيت اتكلم معاكي شوية .. ممكن 

تنفست شفق الصعداء ثم افسحت لها الطريق لتعبر واخرجت رأسها من الباب تلقي نظرة فاحصة على الخارج لتتأكد من أنها لم تجلب أي من أبيها أو أخيها معها ، ثم دخلت واغلقته واشارت لها بيدها أن تشير مباشرة إلى الداخل حيث الصالة .. فسارت ريماس بخطواط متوترة حيثما اشارت لها وجلست على الأريكة لترمق شفق بعذوبة وتسأل : 
_ كرم موجود ؟ 

هزت رأسها بالنفي ثم جلست بجوارها وتطالعها بنظرات مقتضبة تنتظر منها أن تبدأ فيما تريد قوله لها والذي أتي بها إليها في هذه الساعة ، لتلتزم ريماس الصمت لبرهة من الوقت تنظم بداية حديثها معها ثم تحدثت أخيرًا بنبرة لا تحمل أي غل أو خبث : 
_ شفق إنتي يمكن عارفة إني مش بكرهك أبدًا ومكنتش موافقة على أي حاجة بيعملها بابا أو جاسر ومازالت مش موافقة ، ومش جاية هنا عشان اقولك إنك غلطانة وكان لازم تقولي لبابا قبل ماتتجوزي 

رسمت شفق الابتسامة الساخرة واجابتها بها : 
_ امال جاية ليه ؟! 

استكملت حديثها بنفس نبرتها السابقة : 
_ إنتي عندك حق بابا وجاسر بعد االي عملوه معاكم إنتي وسيف ومرات عمي الله يرحمهم يديكي الحق تمسحيهم من حياتك كلها ، بس أنا جاية اطلب منك طلب صغير واتمني تفهميني

حدقتها بفضول عندما ذكرت طلب واهتمت أكثر لحديثها لتعرف .. ماهو الطلب ؟ ، لتجدها تقول ببعض الرجاء : 
_ بابا وجاسر مش هيسكتوا وكذلك كرم وإنتي أكيد مش هتكوني حابة جوزك يدخل في مشاكل وأنا كذلك .. فأنا كل اللي عايزاه منك إنك تحاولي تقنعي كرم إنه يلاقي حل وسط بدل المحاربة والعداء وأنا هعمل كدا برضوا مع بابا وهحاول اهديه واخليه يتراجع عن غضبه 

هدرت شفق بانفعال وسخط : 
_ أنا اساسًا بعتبركم مش موجودين ياريماس من وقت اللي عمله اخوكي لما سيف رفض يجوزني ليه .. حاول يأذيه هو شخصيًا ويأذيه في شغله عشان يخسره كنوع من الانتقام ، اخوكي مريض وعايز يتعالج 

_ هو بيعمل ده كله لأنه بيعشقك بجنون والله صدقيني 

صاحت شفق بغضب عارم ونبرة مرتفعة : 
_ مفيش مبرر للي عمله واللي بيعمله هو وعمي .. متحاوليش تدافعي عنه ياريماس 

_ أنا مش بدافع عنه بالعكس أنها عارفة ومعاكي جدًا إنه غلطان وحيوان كمان ، بس صدقيني حتى انا تعبت من المشاكل دي مش إنتي بس وعايزة نلاقي حل وسط نصلح بيه الكل ويرضينا كلنا 

تأففت شفق باختناق وهي تلوي فمها ممتعضة تفكر فيما قالته منذ قليل ثم اجابتها بنبرة شرسة وقوية تحمل التهديد : 
_ تمام هحاول مع كرم واعمل زي ما قولتي وده مش عشانكم لا ده عشان أنا خايفة على جوزي ومش مستعدة اخسره لإني مليش غيره ، بس اقسم بالله ياريماس لو ابوكي واخوكي حاولوا يأذوا كرم لاوديهم ورا الشمس ومش هسكت زي ماسكت يوم سيف بعد اللي عملوه معاه لأن وقتها أنا اللي هديت سيف برضوا عشان المشاكل متزيدش بس المرادي أنا اللي مش هرحمهم 

اماءت لها بتفهم ونظرات هادئة بها القليل من اليأس ثم وقفت وسارت باتجاه باب المنزل وعندما امسكت بالمقبض وادارته للأسفل ثم جذبت الباب إليها ، فقابلت كرم بوجهها والمفتاح بيده كان على وشك أن يضعه في القفل ليفتح ويدخل ولكنه تصلب بأرضه وهو يطالعها بريبة .. التفتت ريماس برأسها ناحية شفق ثم القت نظرة اخيرة على كرم وانصرفت فورًا ، لينظر هو لزوجته باستفهام ويدخل هاتفًا باستغراب : 
_ مين دي ؟! 

اغلقت الباب خلفه وقالت بنبرة عادية : 
_ ريماس بنت عمي 

أجاب بغلظة صوت بعد أن اشتدت قسمات وجهه : 
_ ودي جاية ليكي ليه ؟! 

شفق بخفوت : 
_ جات تتكلم معايا وأنا رديت عليها باللازم .. متشغلش بالك مفيش حاجة ، إنت ليه طلعت فجأة كدا وكنت مستعجل ؟!

نزع سترته عنه وتمتم وهو يتجه إلى الداخل : 
_ زين كان عايزني في موضوع ضروري ورحتله 

ثم التفت برأسه لها وقال بحدة يلقى نتبيهات صارمة عليها : 
_ لما أكون مش موجود متفتحيش لحد نهائي مفهوم

همست بإذعان لأوامره دون أي ضيق من طريقته : 
_ حاضر مش هفتح 

لحقت به إلى الغرفة مهرولة واغلقت الباب بلطف ثم اقتربت منه ووقفت أمامه تبعد يده عن القميص الذي يفك ازراره لينزعه وتولت هي المهمة هامسة بنعومة : 
_ مالك ؟ 

_ مليش مرهق شوية وعايز انام بس 

قالت بذكاء انوثي وهي تشغل نفسها بفك الأزرار في رقة : 
_ يعني زين مقالكش حاجة ضايقتك 

ابتسم بحب على محاولاتها اللطيفة لأخذ الكلام منه دون أن يشعر وهي تتصنع البراءة ، انحنى بجزعة إليها مغمغمًا بعد أن طبع قبلة حميمية على وجنتها : 
_ اطمني كله زي الفل .. أنا زي ماقولتلك تعبان بس وعايز ارتاح 

انتهت من فك الأزرار وتركته مفتوحًا دون أن تنزعه عنه ، لترفع اطرافها حتى تصل لمستواه وتخطف قبلة من جبينه أيضًا مهمهة بدلال أنوثي مثير : 
_ طيب ياحبيبي تصبح على خير أنا هروح اعمل حاجة بسرعة وهاجي كمان انام 

غمز لها بمداعبة ماكرة باسمًا : 
_ متتأخريش على حبيبك بس هااا 

انطلقت على شفتيها ابتسامة مستحية ورمقته بطرف عينها في اضطراب بسيط ، لتغادر الغرفة فورًا وتتركه يبتسم ويقول بعدم حيلة من خجلها : 
_ وأخرة الكسوف ده يعني .. ما أنا زهقت طيب وخلاص طاقة الصبر خلصت عندي 

 أما هي في الخارج فرسمت الابتسامة اللئيمة على ثغرها هامسة لنفسها باستمتاع وتلذذ " إنه دورك لتتعلم القليل من الصبر الذي عملتني إياه وأنا أحاول الولوج لقلبك !! "  .

                                   ***      
في صباح اليوم التالي داخل مبني شركة طاهر العمايري بأمريكا ........
كان حسن بطريقه لمكتب يسر لكي يعرض عليها شيء خاص بالعمل وهم بأن بقبض على مقبض الباب ليفتحه ولكنه سمعها تتحدث في الهاتف بالانجليزي عن موعد مع طبيبة وتقول بأنها ستأتي الآن للكشف .. غضن حاجبيه بحيرة وتساءل " طبيبة ماذا ، وما سبب ذهابها لطبيبة ؟!! " سمعها تلملم اشيائها وتخطو باتجاه الباب لتغادر فاسرع واختبأ بالجانب حتى لا تراه وتابعها وهي تسير ناحية الباب الرئيسي ، هو منذ الأمس يشعر بأن بها شيء غريب والآن شكه يتفاقم ، هرول ودخل مكتبها ووضع على سطح المكتب الأوراق ثم لحق بها دون أن تلاحظه واستقل بسيارته يقود خلف خطا السيارة التي استقلت بها .
توقف أمام عيادة الطبيبة وترجلت هي من السيارة وسارت لداخل العيادة ، فرفع عيناه يقرأ لافتة تعريف الطبيبة .. ليضيق عيناه بتفكير عندما رأى أنها طبيبة امراض نساء ، فجالت بذهنه لحظات فقدانها للوعى المستمر ، وبالأمس عندما لم تحتمل رائحة عطره بالرغم من أنه يعرف جيدًا أنها تحب روائح العطور .. استغرق من الوقت دقائق وهو يفكر في الشيء الوحيد الذي يدور بذهنه الآن ولكنه نفض رأسه للجانبين هاتفًا بسخرية : 
_ لا طبعًا مستحيل هي قالتلي إنها اجهضته 

  استمر باقناع نفسه كالاتي " أنا فقط اتوهم واوهم نفسي بأشياء ساذجة !! " ، بقى ينتظرها إلى مايقارب الساعة حتى خرجت واستقلت بنفس السيارة فقاد سيارته خلفها يتابعها ، لينتهي به المطاف أمام منزل خالتها رآها تطرق الباب وتفتح لها الخالة تستقبلها بترحيب شديد ثم دخلوا واغلقوا الباب ، فتنهد هو بخنق وانطلق بالسيارة عائدًا إلى مقر الشركة ......

                          ***
 تسللت ملاذ من خلفه برقة حتى عانقته من الخلف بينما هو فكان يعقد ربطة عنقه .. نظر لانعكاسها في المرآة وهي خلفه وهمس بتعجب : 
_ في إيه ؟! 

_ رايح الشركة ؟ 

_ آه بس هعدي الأول على المطعم 

رمشت بعيناها عدة مرات في لطافة وقالت بنعومة : 
_ طيب أنا ليا طلبين ! 

لم يرد وصمته كان كدليل على أنه ينتظر منها التحدث فغمغمت بخفوت : 
_ إنت مش قولتلي لما نرجع هشوف رفيف عشان نروح واحفظ قراءن 

سكت لبرهة تقارب الدقيقة حتى التفت لها بكامل جسده وتمتم بعذوبة وحب :
_ وإيه رأيك نحط تغير صغنن في الخطة واحفظك أنا واديكي أحكام التجويد 

صاحت بفرحة غامرة ووجه اشرق نوره : 
_ بتتكلم جد 

هز رأسه بالإيجاب لتستكمل هي بعبث : 
_ بس إنت معاك شغلك كل يوم ومش هتبقى فاضيلي

 _ وإيه يعني شغلي كل يوم لما ارجع من الشغل ناخد ساعة أو ساعتين نخصصهم لوقت الحفظ والقراءن ونحفظ فيها وأهو فرصة أنا كمان اراجع على القراءن لإني نسيت حجات كتيرة للأسف 

ارتفعت لمستواه وقبلته من جانب ثغره بعاطفة وغنج هامسة : 
_ ربنا يخليك ليا يازينو 

استرسلت حديثها بنفس اللطف : 
_ الطلب التاني بقى .. إنت أكيد فاكر طنط احلام صديقة ماما اللي كانت في فرحنا .. هي جات من السفر وراحت لماما ونفسها تشوفني جدًا قبل ما تمشي ، أنا طبيعي كنت هروح لماما بس كنت هروحلها بكرا أو بعده لكن للأسف كدا أنا مضطرة اروح النهردا .. فلو معندكش مانع وموافق تستناني البس في عشر دقايق بس وتاخدني معاك في طريقك 

لم يعارض كما توقعت حيث همهم بنبرة عادية تمامًا : 
_ طيب بس بسرعة عشان أنا مستعجل 

هتفت بمرح طفولي جميل : 
_ عد على صوابعك لغاية عشرة هتلاقيني خلصت 

وفورًا اندفعت إلى الحمام لترتدي ملابسها في عجالة ودون تأخير ، واكمل هو استعداده للخروج .. يرتدي سترته والحذاء وويضع عطره  ........

                            ***
يقف كرم بالشرفة ويتحدث في الهاتف بجدية تامة ، وكان جاهز تمامًا للمغادرة والذهاب للعمل .. وبينما هو منشغل بحديثه في الهاتف لمحها وهي تخرج من الحمام وترتدي بنطال قصير واعلاه تنورة منزلية ضيقة وبحمالات عريضة قليلًا ، وتقف تجفف شعرها بالمنشفة وتلقى برأسها يمينًا ويسارًا فيتطاير شعرها معه ويتناثر منه الماء .. تصلب بأرضه وهو يتابعها بهيام غير منتبهًا لصوت الرجل الذي يحدثه بالهاتف ، فعاد لوعيه وانهى الحديث سريعًا في الهاتف ثم دخل لها واغلق باب الشرفة ، اقترب بخطوات هادئة ولف ذراعه حول خصرها يجذبها إليه ليهمس غامزًا بلؤم بعد أن خطف قبلته من وجنتها : 
_ طيب إيه هنفضل كدا كتير ! 

في باديء الأمر لم تفهم قصده ولكن حين ادركت نظرته وابتسامته فهمته جيدًا وتصعنت عدم الفهم لتقول ببراءة مزيفة : 
_ مش فاهمة ؟! 

هتف يوضح لها قصده بوضوح وجراءة أكثر : 
_ يعني أنا قولتلك موعدكيش إني هصبر كتير ، والصراحة أنا شايف إنه كفاية كدا .. فخلينا نركن الكسوف ده على جنب وموضوعه سهل وهيتحل في يوم وليلة 

ابدت عن ضيقها المزيف وصاحت بغضب فشلت في تمثيله ، فقد كان هدفها هو التهرب منه .. ولكن حيلتها الفاشلة لم تجدي بنفع معه ! : 
_ إيه يوم وليلة دي .. هو أنا واحدة جايبها من الشارع ياكرم ، ابعد كدا لو سمحت 

ازاحته من أمامه برفق وهمت بالابتعاد فجذبها من ذراعها هادرًا بضحك : 
_ خدي هنا إنتي هتتلككي ، عايزة تلاقي أي حاجة عشان تهربي مني 

زمت شفتيها بخنق وتضمر في ثناياها التلذذ وهي تراه يتحرق شوقًا إليها .. رأته يقترب منه مجددًا ويتمتم بلطافتة وابتسامته الساحرة كالمعتاد : 
_ جهزيلنا عشا رومانسي وحلو النهردا وأنا هظبط شغلي عشان مروحش الشركة بكرا ونقضي السهرة الليلة دي صباحي 

لم تتمكن من اضمار الابتسامة التي انطلقت على شفتيها ، وكانت فعلتها القادمة بمثابة صدمة له حيث وجدها تتعلق برقبته وتهمس بدلال وغنج انوثي مثير أمام وجهه مباشرة :
_ تحب اعملك إيه في العشا بقى ياكوكو 

رفع حاجبه باستنكار من فعلتها ، على أساس أنها خجلة منه !! .. ولكنه لم يعقب طالما أخيرًا رحمته من عذاب الانتظار وستجعل ليلتهم كما يريد تمامًا ، تمتم بغرام بعد أن التقط كفها وطبع قبلة على ظاهره : 
_ أي حاجة بتعملها الأيد الحلوة دي بتطلع جميلة 

تخلت عن توترها البسيط واستحيائها منه لتقترب وتخطف قبلة من جبينه هامسة بنظرات عاشقة ونبرة ليست مريحة : 
_ متقلقش ياحبيبي هتاجي بليل هتنبهر 

زاد تعجبه من أمرها الغريب وتصرفاتها المختلفة ولكنه تجاهل وهتف بتمنى وعدم اطمئنان : 
_ يارب !! .. أنا همشي عشان متأخرش 

_ مع السلامة 

قالتها بابتسامة صافية وعاطفية ، وانتظرت حتى رحيله لتضحك بعاطفة كلما تتخيل ردة رفله حين يعود مساءًا ويرى العشاء والتجهيزات التي اعدتها لليلتهم ! .......... 

                                 ***
بمدينة نيويورك بأمريكا .....
بقى حسن جالسًا أمام النافذة في منزله بعد أن عاد من العمل ورغم أنه مرت ساعات طويلة نسبيًا لم تعُد حتى الآن !! .. لا يزال عقله عالقًا بذهابها لطبيبة النساء وما شهده من تصرفات غريبة صدرت منها في الفترة الماضية ، ولكنه يأبي الاستماع لأي من أفكار ذهنه الساذجة في رأيه ! .
وصلت إلى المنزل أخيرًا فوثب هو واقفًا واتجه إلى باب الشقة ليفتحه ويهتف مناديًا عليها قبل أن تصعد لشقتها : 
_ استني يايسر

وقفت والتفتت بجسدها إليه تهتف ببساطة : 
_ خير 

تحرك نحوها حتى اصبح بمقابلتها مباشرة وسأل بنظرات حادة ودقيقة : 
_ إنتي كنتي فين ؟ 

اربكها سؤاله وتسارعت دقات قلبها وأول شيء خطر في ذهنها " هل كشف ما أخفيه عنه وعن الجميع ؟ " ثم عادت تجيب على نفسها أيضًا " بالتأكيد لا وإلا لماذا سيسأل إذا كان يعرف بالفعل ! " .
يسر بترقب واضطراب ملحوظ : 
_ بتسأل ليه ؟ 

تمتم بأعين ثاقبة ونبرة رجولية خشنة :
_ شوفتك إنتي وطالعة من الشركة ولما اتأخرتي ومرجعتيش قلقت عليكي 

اطلقت زفيرًا طويلًا بارتياح بعدما سمعت رده واقنعها هو بهذا الكلام أنه لا يعرف بشيء ولا يشك بأمرها حتى ! ، لم تجيب عليه بمضض كالعادة بل غمغمت بنبرة عادية : 
_ روحت عند خالتو اقعد معاها شوية لما خلصت الشغل اللي ورايا 

كما توقع تمامًا ستكذب وتخفي الأمر ولذلك هو تعمد سؤالها وكأنه لا يعرف شيء ولكنها بكذبها لم تنقذ نفسها بل زادت من شكه وتأكيده بأنها تخفي عنه شيء خطير ، هتف حسن بتأكيد كأنه يعطيها الفرصة لكي تقول الحقيقة وتمحي شكوكه بها : 
_ خالتك بس يعني ؟!!! 

عاد اضطرابها من جديد لتجيبه بتوتر وصوت ليس طبيعيًا وقويًا كعادتها : 
_ أيوة خالتو بس ياحسن 

همت بالاستدارة والانصراف فأوقفها بقبضته على ذراعها وهو يردف بلطف ونظرات تبدلت من الحدة للحنو : 
_ أنا مجهزلك مفاجأة حلوة بليل ممكن مترفضيش وتطلعي معايا 

رمقته بنظرات فاحصة لمعالم وجهه المتشوقة لسماع موافقتها ، وكانت ستخضع له ولكنها أبت وسحبت ذراعها هادرة بحزم : 
_ لا مش موافقة وخليك بعيد عني زي ما اتفقنا 

اوشكت على الرحيل مرة أخرى فاعترى طريقها وهتف برجاء وصوت دافيء : 
_ احنا محتاجين نتكلم كويس مع بعض ودي هتبقى فرصة كويسة صدقيني 

يسر بقسوة وهي تحاول إبعاده لكي ترحل : 
_ كل حاجة بينا اتكلمنا فيها ومفيش حاجة لسا هنتكلم فيها 

_ في وبالعكس أهم حاجة كمان .. لو سمحتي وافقي يايسر ، وأنا واثق جدًا إن المفاجأة هتعجبك 

انتابها الفضول حول المفاجأة التي يتحدث عنها ولكن لم يكن هذا هو الجزء الأهم ، بل شعورها بالسعادة الداخلية أنه جهز لها مفاجأة خاصة ولأول مرة ، مما سبب لها مشاعر متضاربة ما بين الفضول والفرحة وبعض العاطفة .. تمكنت بصعوبة من إخفاء سعادتها واجابته باقتضاب وتصنع عدم الاكتراث لما جهزه من أجلها : 
_ طيب بس أعمل حسابك إنها أول وآخر مرة هتكون 

كانت نظرته المشرقة تكفي للرد على السخافة التي تفوهت بها بأنها الأخيرة ، بينما هي فاندفعت لشقتها بالأعلى ومالت شفتيها قليلًا للجانب بعد أن فشلت في حجم ابتسامتها أكثر من ذلك !! ........

                            ***
كل من إسلام وزين بالمطعم يجلسون على طاولة متوسطة وأمامهم القهوة الخاصة بكل منهم .. الصمت يعم بينهم حتى اخترقه إسلام بقوله : 
_ خلاص الأسبوع الجاي هنعمل الافتتاح احنا كنا مستنينك ترجع عشان لازم تكون موجود 

ارتشف زين من كوبه وغمغم بإعجاب وهو يجول بنظره بين زوايا المطعم : 
_ ما شاء الله الشغل جميل .. اثبتلي إنك كفاءة زي ما كنت متوقع 

ابتسم وقال بعذوبة :
_ والله الحق يتقال هي الأنسة رفيف كانت شايلة اغلبية الشغل وأنا كنت براجع وبشرف وبساعدها في حجات بسيطة بس 

أماء بالإيجاب في تفهم ليهيمن السكوت بينهم مرة أخرى وهذه المرة كان زين يعلق نظره عليه يفكر في كيفية البدء فيما يريد التحدث معه بشأنه ، ولكنه حسم قراره وهتف باهتمام وخفوت يسأله لكي يسمع التفاصيل منه التي ستؤكد له شكوكه : 
_ إنت حصل معاك الحادث إزاي يا إسلام ؟

استغرب سؤاله في البداية ثم تمتم ببساطة يشرح له التفاصيل : 
_ كان في شارع ... وفي الوقت ده أنا كنت جاي من فرح واحد صاحبي ومكنش فيه مواصلات بسبب الوقت المتأخر فاخدتها مشي في الشارع ومرة واحدة لقيت عربية سريعة جاية عليه ومحلقتش اتدارك الموقف حتى عشان ابعد وخبطتني  ، اللي فاكره إن اللي كان في العربية نزل بص عليا وحتى محاولش يسعفني لا ركب عربيته تاني وهرب 

هل كان دنيء لهذه الدرجة التي تجعله يترك جريح على الأرض هو من قام بأذيته ويهرب ..  " لقد استحقيت كل ماحدث لي عندما ذقت أصناف العذاب في المصحة وكنت على عتبة الموت بعد حادث السيارة الذي كنت السبب فيه أيضًا  " تحدث لنفسه كالآتي واحس بأنه يبغضها ، يستحقرها .. كيف يخبره ويقول أن ذلك الرجل الدنيء الذي تركك جريح على الأرض بعد أن صدمك هو أنا ! .
عبس وجهه وظهر عليه الخزي من نفسه والأسى ثم تنهد الصعداء وتمتم بنبرة جادة : 
_ أنا دورت ليك وعرفت دكتور كويس جدًا بس مش في مصر وقالي إن نسبة نجاح العملية كبيرة جدًا وهترجع تمشي أكيد زي الأول إن شاء الله .. أنت فكر وخد قرارك وخلينا نسافر ونشوف عشان نبدأ نمشي في اجراءات العملية 

اندهش قليلًا ثم قال برزانة : 
_ ماشي يازين بس أنا عارف كويس أوي إن العملية دي هتكلف مبلغ ضخم مش مجرد كام ألف

_  أنا اللي جايبلك الدكتور وبقولك هتسافر وملكش دعوة بالباقي بقى

إسلام برفض قاطع وصلابة : 
_ لا طبعًا مستحيل أقبل إنك تدفعلي مبلغ كبير بالمنظر ده 

زين بحكمة وابتسامة صافية : 
_ يابني احنا مش اخوات ، اعتبره دين حتى وابقى سده براحتك بعدين .. متعاندش بس واسمع الكلام خلينا نسافر لأن الدكتور قالي إن كل ما الوقت يعدي والسنين تمر الحالة هتزيد أكتر معاك أوي  

هز رأسه بالنفي وهتف باصرار وخشونة : 
_ متحاولش معايا في أمر مفروغ منه .. ده مفهوش اختيار بين آه ولا ، أنا حاليًا معيش نص المبلغ حتى عشان نقول إنك تساعدني في الباقي واسدهولك بعدين ، عارف إنك عايز تساعدني يازين وربنا يعلم إني بعتبرك أخ ليا فعلًا بس برضوا مقدرش اكلفك بمبلغ زي ده ، سيبه لما ياجي وقته وأنا هقولك عشان تسافر معايا للدكتور ده 

زفر زين بعدم حيلة وخنق ثم رتب على كتفه هاتفًا بنفس نقية : 
_ برضوا فكر في كلامي ومتتسرعش الدكتور ده فرصة والله يعلم ممكن يحصل إيه لو صبرت زي مابتقول .. فكر كويس وأنا كام يوم وهكلمك تاني 

طالت نظرات إسلام إليه في سكون يحرك افكاره في ذهنه ويحسب حديثه جيدًا .. هو بالتأكيد أكثر من يرغب في أن يعود كطبيعته مجددًا ولكنه أيضًا لا يملك المبلغ ! ........

                             ***
توقفت السيارة أمام مقر شركة العمايري وفتحت هي الباب ثم نزلت فسمعت صوت السائق الخاص وهو يهتف برسمية : 
_ استنى حضرتك ياميار هانم ؟

_ لا امشي أنا هرجع مع علاء

 ثم قادت خطواتها للداخل وهي تسير بثقة تعرف وجهتها جيدًا وأين يوجد مكتبه ، وبعد لحظات من السير داخل الشركة وقفت أخيرًا أمام باب مكتبه ثم أخذت نفسًا عميقًا وامسكت بالمقبض وفتحت فرأته يثبت نظره على أوراق أمامه وتارة ينظر للحاسوب وتارة للورق ، دخلت واغلقت الباب خلفها ثم تنحنحت واقفة ، فرفع هو نظره إليها وعندما وقع نظره عليها لجمته الدهشة من رؤيته المفاجأة لها بمقر الشركة وهي لم تخبره بأنها ستأتي !! .
علاء بغلظة ونظرات صارمة : 
_ إنني مش قولتيلي هتروحي مع رفيف عشان تشتري الهدوم !!

تنفست الصعداء وتحركت نحوه لتجلس على المقعد المقابل له وتهمس بخفوت وهدوء تام : 
_ لا ما أنا الصراحة لما فكرت قولت إن الأفضل تروح إنت معايا 

هي ليست بحمقاء أو ساذجة .. فكل خطوة تفعلها تكون بحساب ، وليس هناك شك بأنها رغبت بمجيئه هو معها حتى تثبت له حسن نيتها وتنشب بعض الثقة بينهما ، ولكي تجعله يطمئن لها وأنها لن تفعل شيئًا يضر باسم العائلة ابدًا .
أشار بسبابته إلى نفسه مغمغمًا باستنكار واستعجاب : 
_ اروح أنا معاكي !!!!

أماءت برأسها عدة مرات وقالت بلسان حلو ورقة : 
_ آه إنت .. بما إنك حاطط شروط إن الهدوم كلها تكون واسعة ومناسبة وحجات كدا كتير ، فأنا خايفة اشتري حاجة وفي الآخر متعجبكش ، فعشان متعترضش خالص بعدين ، طتاجي وتنقي معايا الهدوم 

ضحك بخفة ساخرًا من ثقتها وطموحاتها العالية ليجيبها بعدم استيعاب : 
_ انقي كمان !! .. إنتي هبلة ياميار ؟! ، متوقعة إني هسيب شغلي وهروح معاكي اشتري هدوم ونفضل نلف والكلام الفارغ ده ، ثم إن ده مش في مصلحتك أنا لو روحت معاكي واتخنقت وده اكيد اللي حيحصل لإن خلقي ديق ممكن اقولك مش هتروحي الكلية أصلًا واغير رأى

منعت ضحكتها من الخروج وقالت بثقة تامة وابتسامة صفراء : 
_ هتروح ياعلاء ومتقلقش مش هنلف كتير ، وإذا كان على الشغل فأنا عندي استعداد أقعد معاك هنا لغاية ماتخلص وبعدين نطلع 

_ قولت مش هروح أنا معنديش خلق اخرج واشتري هدوم وكمان مع بنت .. ياتتصلي برفيف ياتروحي البيت 

رفضت بنظراتها الثابتة وهي لا تجيب عليه ليهتف وهو يجذب هاتفه : 
_ تمام يبقى هتصل بناجي ياجي ياخدك يوديكي البيت 

همست ببرود أعصاب وابتسامة متكلفة : 
_ هو وصلني ومشيته قولتله إني هرجع معاك 

حدجها مغتاظًا وصاح منفعلًا : 
_ استغفر الله العظيم .. يعني إنتي مصممة تعصبيني ، مش كفاية طالعة من البيت وجاية هنا من غير ماتقوليلي 

نهضت من على المقعد واتجهت إلى الأريكة الصغيرة وجلست بإريايحية عليها متمتمة بنبرة عادية تمامًا وابتسامة مستفزة وكأنه لم يكن يصيح بها للتو : 
_ خلص شغلك يلا وأنا مستنياك 

استفزته بشدة وود لو يقبض عليها ويخنقها من الغيظ ولكنه تمالك أعصابه ومسح على وجهه متأففٌا ومستغفرًا ربه وعاد يكمل عمله حتى يهدأ من مزاجه الذي عكرته ببرودها ! .. أما هي فاشاحت بوجهها للجهة الأخرى بعيدًا عنه واطلقت ضحكة صامتة مستمتعة باستفزازه وأنه ذعن لها بالأخير !!! ..........

                            ***
مع غروب الشمس كانت يسر قد انتهت من ارتداء ملابسها وغادرت المنزل ثم نزلت الدرج بهدوء وحذر كما اعتادت منذ حملها خشية أن تنزلق قدمها دون وعي وتسقط .
وجدته ينتظرها بالسيارة فتحركت باتجاهه وكانت ستستقل بالمقعد الخلفي ولكنها رأته يشير لها بعيناه في لطف أن تاتي بجواره ، وبالرغم من ذلك لم تستمع له وفعلت ما ترغب به ليزفر هو بخنق وعدم حيلة من عنادها .
انطلق بالسيارة يشق بها الطرق وهو يلقى عليها نظرة كل لحظة في المرآة العلوية التي تعكس وجهها في الخلف ، تارة يراها تتابع الطريق بصمت وتارة تنظر له فتتلاقي اعينهم لثواني ملحوظة قبل أن تشيح بنظرها فورًا عنه ، وأخيرًا اخترقت فقاعة الصمت هاتفة : 
_ إنت رايح بيا فين ؟! 

_ هتعرفي دلوقتي متستعجليش 

قالت بقسوة دون مرعاة لكل محاولاته لكي يسعدها ويثبت لها ندمه ، حتى لو لم تكن محاولات كما تريد ولكن يكفي أنه يحاول من أجلها :
_ أنا مش مستعجلة أنا لو عليا أساسًا مش عايزة أكون معاك في مكان واحد نهائي ، بس لما فكرت في كلامك لقيت إننا فعلًا محتاجين نتكلم عشان تبقى آخر مرة 

ابدى عن حزنه الشديد وتمتم بأسى : 
_ عارف يايسر ، بس ممكن منتكلمش في أي حاجة لغاية مانوصل وهناك قولي اللي تحبيه 

التزمت الصمت ورأت أن أفضل حل الآن بالفعل حتى لا يتجادلوا بالسيارة ! .. وبعد دقائق طويلة نسبيًا توقفت السيارة ونزل هو أولًا ثم فتح لها الباب لكي تنزل فغعلت وتجولت بنظرها في الأرجاء يمينًا ويسارًا وهي ترى الناس يدخلون جميعًا إلى باب كبير وواسع ، فرفعت نظرها تحدق بالمبنى الضخم وإذا بها يلجمها الذهول وتهتف بصدمة : 
_ ده الاوبرا !! 

انحنى على أذنها وهمس بحب : 
_ عارف إنك بتحبيه جدًا وكان نفسك أوي تروحيه 

أماءت برأسها بإيجاب وهي تقول بابتسامة عريضة وعيناها مازالت معلقة عليه : 
_ فعلًا 

_ طيب يلا عشان العرض ميفوتناش 

همت بأن تسير ولكن رأته يضم ذراعه بالجانب  يحسها على وضع ذراعها بذراعه حتى يسيروا معًا .. ضحكت هي مستهزئة من طلبه السخيف وكأنها ستوافق أن تشابك ذراعها بذراعه !! ، وجدته يجول بنظره بين العامة يشير لها بأن تنظر ، فرأت أن جميع الرجال الذين جاءت معهم امرأة يسير معها كذلك كنوع من الرقى والرمانسية .. عادت بنظرها له ورمقته باقتضاب وفعلت كالجميع وهي تلقى عليه نظرات مشتعلة ، وبمجرد ما أن وضعت ذراعها ضمه جيدًا بين ذراعه وسارا نحو الداخل ، حتى وصلا إلى مقاعدهم الذي قام بحجزها في المقصورة فجلست هي أولًا ومن ثم هو بجوارها ، وبعد وقت ليست بطويل بدأ العرض وكان هو يتابع ملامح وجهها السعيدة والمبتسمة وهي تشاهد باستمتاع ، فاقترب على أذنها وهمس بعاطفة وصوت ينسدل كالحرير ناعمًا : 
_ مبسوطة ؟

بعفوية شديدة وكأنها نست كل شيء من سعادتها ، نظرت له وهتفت بتلقائية ونظرات لا تحمل البغض والغضب بل كانت صافية بها مشاعر الحب الذي كان يبحث عنها منذ أن تركته وكانت تحاول اقناعه أنها لم تعد تحبه : 
_ جدًا فوق ماتتخيل ، شكرًا ياحسن 

طالت نظراته الهائمة بها وهو يتأملها بدهشة وعشق ، وقد صعدت ابتسامته العريضة لشفتيه يشاركها السعادة لأنه احس ببريق أمل يلمع بعد نظرتها الصافية والمحبة له التي كان فَقَدَ الأمل في أن يراها بعيناها مرة أخرى .
انتبهت لنظراته لها فارتبكت وادركت خطأها وبظرف ثانية ابعدت نظرها عنه وهمست لنفسها باغتياظ " حمقاء يايسر .. ماذا فعلتِ الآن !! ، هل بعرض اوبرا سيتمكن من العثور على مسامحتك ولطفك بكل هذه السهولة ! ، بالتأكيد لن اجعله يحصل عليها إلا بعد عذاب ! " .

                              ***
 في تمام الساعة الثامنة مساءًا .......
فتح كرم الباب ثم دخل واغلقه خلفه ، ترقب بسمعه الحركة في المنزل والسكون فكان هادئًا تمامًا ، ظن أنها تنتظره بالغرفة ولهذا المنزل يعم به السكون ! .. نزع حذائه عنه وتحرك إلى الداخل وأول شيء وقع نظره عليها مائدة العطام المتوسطة والموضوع فوقها صحون الطعام بانتظام وقامت بتزينها بشكل رومانسي كما طلب منها ، ابتسم بحب وحماسه وصل لمستوى مرتفع واصبح لا يطيق الانتظار لرؤيتها هي أيضًا ، فاندفع نحو غرفتهم وفتح الباب وهو يقول بإشراق وجهه متحمس : 
_ شفق يا.......

تسمر مكانه وقد تلاشت ابتسامته تدريجيًا حين رآها بالفراش ونائمة ، استطاعت فورًا أن تطيح بحماسه لليلتهم الأولى في الأرض .. فاقترب منها وجلس على حافة الفراش بجوارها متمتمًا بخفوت وهو يهزها بلطف : 
_ شفق إنتي نمتي !!! 

فتحت جزء صغير من عيناها وهي تقول : 
_ كرم ! 

اعتدلت في نومتها وغمغمت وهي تفرك عيناها :
_ لا منمتش أنا كنت مغمضة عيني بس 

_ طيب قومي يلا عشان نتعشي مع بعض وأنا هروح اخد دش واجيلك 

أماءت له برأسها بالموافقة لينحني هو بشفتيه إلى وجنتها ويخطف قبلة قبل أن ينهض ويذهب للحمام .. لتبتسم هي بعبث وتهب واقفة تنظر لنفسها في المرآة تهندم من مظهرها وتجدد مكياجها .. كانت ترتدي منامة تصل إلى الركبة بحمالات رفيعة وبفتحة ظهر واسعة وكبيرة وضيق بعض الشيء على جسدها يظهر منحنياتها بشكل مثير مما اعطاها لمسة أنوثية مغرية ، التقطت " الروب " وارتدته فوقه ثم غادرت الغرفة وذهبت لطاولة الطعام تضع اللمسات الأخيرة عليها  ، وبعد دقائق ليست بطويلة اتى وكان يرتدي بيجامة منزلية من اللون الأسود فجلس على مقدمة الطاولة وهي بجواره ، القي عليها نظرة مغرمة ووضع أول لقمة في فمه وهي كذلك فعلت ، لتسمعه يهمس بعد لحظات قصيرة :
_ تسلم إيدك ياحبيبتي 

لاحت الابتسامة الخجلة والعذبة على شفتيها وهي تجيبه :
_ بالهنا والشفا

اكملوا عشائهم لدقائق قليلة ومن ثم نهضت هي وبدأت في نقل الصحون للمطبخ وهو كذلك يساعدها .. وبعد انتهائها هيأ لها أنها سمعت صوت رنين هاتفها ، فذهبت للغرفة لتنظر له فلم تجد أي اتصال من أحد .. تسلل هو خلفها واغلق باب الغرفة ، وإذا بها تشعر به يحتضنها من الخلف .. انحبست انفاسها وتسارعت دقات قلبها واصابتها قشعريرة حين شعرت بشفتيه تطبع على كتفها ويهمس بهيام : 
_ بحبك يا أميرتي !

التوتر والخجل استحوذوا عليها فلم تتمكن حتى من الفرح كما يجب بهذه الكلمة الذي نطقها لأول مرة ، احست بيديه تلتف حول خصرها ويمدهم لربطة الروب ليفكها وينزعه ، فاخذت نفسًا والتفتت له بجسدها تقول برقة وحماس :
_ كرم في فيلم جميل جدًا شوفت أعلانه وهيبدأ دلوقتي ، ماتيجي نسمعه نفسي أوى اتفرج عليه 

رفع حاجبه يجيبها بستنكار لطلبها الذي في الوقت الخطأ تمامًا  : 
_ فيلم ودلوقتي !!! 

هزت بالإيجاب وتمتمت برجاء : 
_ أيوة ارجوك يلا 

ابتسم بحب وهدر بحنو :
_ الفيلم بياخد تلات سعات او ساعتين ونص على التلفزيون ياحبيبتي .. مش وقته خالص دلوقتي الصراحة ، بكرا أنا موجود معاكي اليوم كله هنشغله على اللاب ونسمع براحتنا 

عقدت ذراعيها أمام صدرها واجفلت نظرها أرضًا تزم شفتيها للأمام بعبس طفولي ، ليتأفف هو مغلوب على أمره وقال : 
_ طيب خلاص يلا هنسمعه 

عاد وجهها يشرق بالابتسامة من جديد واسرعت للخارج تقوم بتشغيل التلفاز وتجلس على الأريكة تشاهد الفيلم الذي يبدو أنه بدأ منذ دقائق قليلة وشاركها هو الجلوس بجانبها يعلق نظره على شاشة التلفاز مجبرًا وباقتضاب ..فقط لرغبتها ، أما هي فلا تفهم سبب خجلها منه .. لم تكن تخجل هكذا منه في بداية زواجهم ، ربما لأنها شهدت على جانب جديد منه فلذلك تخجل وتتوتر ، والآن تحاول التركيز على الفيلم لكي يمحو توترها .
مرت ساعة ونص وهم مازالوا يشاهدون ذلك الفيلم ، اندمجت هي بشدة في المشاهدة وكانت تشاهد باستمتاع .. غير منتبهة لذلك الذي سينفجر من الغيظ والانتظار ، تارة يمسح على وجهه متأففًا ولا يثبت في جلسته يتحرك يمينًا ويسارًا ، فلقد سئم من الجلوس هكذا واستنفذ كل طاقة الصبر لديه .. التصق بها وهمس بلطف : 
_ مش كفاية بقى ولا إيه ياحبيبتي ، الفيلم لسا مطول وأنا زهقت ! 

نظرت له وقال متوسلة : 
_ لا بليز خلينا نكمله عجبني أوي وممتع والله 

زفر بخنق واعتدل في جلسته يعود لوضعه الطبيعي ولكن هذه المرة عيناه كانت معلقة على ساعة الحائط تارة ينظر للتلفاز وتارة للساعة وكلما تمر الدقائق يستاء أكثر من الانتظار الممل والذي افقده أعصابه .. هتف شبه منفعلًا بضجر : 
_ وبعدين ياشفق مش معقول كدا ، هنفضل بالمنظر ده كتير يعني .. عدت ساعتين دلوقتي 

ادركت أنها ضايقته ، ولكن ليس بيدها كانت متوترة بشدة ومشاهدة الفيلم نفعتها وهدأت من توترها قليلًا ، انزوت نظرها عنه بعبوس ليصدر هو تنهيدة حارة وهدأ ضجره عندما فهم توترها وخجلها .. اقترب منها وطبع قبلة على جبهتها هامسًا بمداعبة لطيفة مقصودة لكي يطمئنها ويهدأ من روعها : 
_ كل الكسوف ده من الكوكو بتاعك !!! 

ضحكت بخفة عند نطقه للاسم الذي تطلقه عليه وبالرغم من أنه لا يحبه ولكنها فهمت أنه يقوله متعمدًا لكي تضحك .. عادت الابتسامة لوجهه وهو يقول مشاكسًا : 
_ ضحكت يعني قلبها مال خلاص 

وجدته يهب واقفًا وينحني ليحملها على ذراعيه ويسير بها باتجاه الغرفة متمتمًا يسترسل مزاحه ومشاكسته : 
_ تقريبًا الناس كلهم عندهم مشكلة مع اسمي كنت في الحضانة وكانت في مُدرسة بتقولي ياتوتي معرفش إيه جاب كرم لتوتي !! .. كرهتني في اسمي يلا بقى ربنا يسامحها 

اطلقت شفق ضحكة أنوثية متأججة جلجلت  في أرجاء المنزل ، لتتسع ابتسامته العريضة لأنه نجح في إزالة توترها وخجلها .. ثم دخل الغرفة واغلق الباب لتبدأ ليلتهم الأولى والرومانسية معًا .......

                              ***
التقطت ملاذ هاتفها بعد أن سمعت صوت رنينه واجابت بهدوء : 
_ أيوة يازين 

اتاها صوته العادي وهو يتمتم : 
_ أنا جاي في الطريق ياملاذ اجهزي يلا 

_ تمام ياحبيبي أنا جاهزة ، وكمان بابا وماما عايزين يسلموا عليك 

_ أنا خلاص قربت مسافة الطريق بإذن الله 

انهت الاتصال معه ونظرت لأمها تقول لها مبتسمة : 
_ جاي في الطريق ياماما 

_ طيب ياحبيبتي ياجي بالسلامة أنا هروح اقول لابوكي عشان كان مستنيه وعايز يشوفه 

أماءت لها بالموافقة وهتفت أحلام مبتسمة بصفاء : 
_ يارب بقى الحق اشوفه أنا كمان واسلم عليه 

ملاذ بعذوبة ورقة تسألها عن ابنها : 
_ لا إن شاء الله هتلحقي هو أيمن قالك جاي في الطريق كمان ؟

هزت لها بالإيجاب فابتسمت ملاذ ووقفت حتى تغادر إلى حديقة المنزل الصغيرة تنتظر زوجها ، ولكن بمجرد ما أن وقفت داهمها دوار مفاجيء فوضعت كفها على جبهتها واطرقت رأسها أرضًا ، وثبت أحلام واقفة وامسكت بها تقول بفزع : 
_ مالك يابنتي 

ملاذ بصوت هاديء بعد أن احست بأنها عادت لطبيعتها : 
_ مفيش حاجة ياطنط دوخت بس شوية متقلقيش .. أنا هطلع استني زين برا

ابتعدت عنها وسارت إلى الحديقة ببطء وعادت تشعر بالدوار مرة أخرى ولكنها تحاملت على نفسها وأكملت سيرها ، ولسوء الحظ أن أيمن وصل أولًا ونزل من سيارته فرآها تقف وهي تمسك برأسها ولا تقوي على الاتزان في وقفتها وكأنها على وشك السقوط ، فهرول ركضًا إليها ولحق بها قبل أن يهوي جسدها على الأرض .
في تلك اللحظة تحديدة وصل زين وترجل من السيارة ........

.........

  •تابع الفصل التالي "رواية ضروب العشق" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent