Ads by Google X

رواية ميثاق الحرب و الغفران الفصل الثاني والثلاثون 32 - بقلم ندى محمود

الصفحة الرئيسية

 رواية ميثاق الحرب و الغفران الفصل الثاني والثلاثون 32 - بقلم ندى محمود 

((ميثاق الحرب والغفران))
_الفصل الثاني والثلاثون_

لمعت عينيها بعبارات القهر ونظراتها كانت ثابتة عليه، تحدقه بذهول وعدم تصديق كأنها تبحث عن ردة فعله التي ستثبت عكس ما قالته زوجته، لكنه طعنها بقسوة في يسارها عندما وجدته يتفادى النظر إليها في وجه تعلوه علامات الندم والأسف ليس لديه الجرأة لينظر داخل عينيها، فور رؤيتها له وهو على هذه الحالة المخزية تأكدت من حقيقة كلامها.
حجبت دموعها ومنعتهم من السقوط رغم انهيارها المؤلم الذي يظهر بوضوح على صفحة وجهها، نقلت نظرها على منيرة للمرة الأخيرة فرأت الشماتة والنصر يلمع على وجهها، وبالواقع يحق لها السعادة فهذه المرة كانت المبارة لصالحها هي وخرجت هي الخسارة والمقهورة، لم ترفع نظرها له مجددًا وعلى العكس تمامًا سارت بكل هدوء نحوه دون النظر إليه وعبرت من جانبه بسكون غريب ثم صعدت الدرج بخطواتها البطيئة دون أن تتفوه ببنت شفة.
تابعها بعين دامعة وهو يدرك جيدًا أن ما فعله كان نقطة النهاية في حياتهم.. لن تسامحه مهما فعل، ستمسحه ولن تترك له أثر بقلبها أو حياتها حتى، فقدها وفقد معها قطعة من فؤاده.
استدار بعد لحظات وصعد للأعلى يلحق بها، فلم يتحمل تركها وحيدة وهي بهذه الحالة، سيحاول شرح موقفه لها علها تفهم أنه لم يكن واعيًا لما يفعله، لكن فور وصوله ودخوله لغرفتهم وجدها جالسة كجسد بلا روح تحدق في الفراغ بضياع حتى عيناها لا تذرف الدموع، صابته نغزة مميتة في قلبه عندما رآها هكذا وسقطت دمعة حارقة على وجنته ثم تقدم نحوها بتريث وراح يجلس القرفصاء أمام قدميها على الأرض ممسكًا بيدها يهمس بصوت مبحوح:
_فــريـال 
كما هي دون حركة أو أي ردة فعل فقط سحبت يديها من قبضته بكل نفور وابعدتهم عنه وهي تنظر للجهة الأخرى بعيدًا، سكونها كان يخيفه ويقلقه أكثر.. كان ينتظر ردة فعل جنونية منها وأن تصرخ به وتعاتبه، لكن تعاملها مع الموقف بهدوء يثبت لها مخاوفه حول كرهها له الذي أصبح حقيقي.
هتف يتوسلها بعين دامعة وصوت موجوع:
_متفضليش ساكتة إكده أبوس يدك.. اصرخي وزعقي وقولي كل اللي عاوزاه حتى لو هتقوليلي إنك بتكرهيني سكوتك مخوفني اكتر يافريال، اقسم بالله أنا مكنتش حاسس بروحي.. قلبي عمره ما خانك، متدوريش وشك مني قلبي بيتقطع
دموعها كانت على وشك الانهمار لكنها شدت على محابسهم، وبظرف لحظة كانت تهب واقفة وتتركه متجهة نحو الحمام دون أن تنظر بوجهه لثانية واحدة.
كان سيهم باللحاق بها لكنه تسمر على أثر صراخ أمه المرتفع وهي تصرخ بهسيتريا:
_بـــتــي.. چــــلال 
وثب واقفًا وركض مزعورًا للخارج نحو غرفة أمه، بينما فريال ففور سماعها لصوت صفع الباب بعد رحيله خرجت من الحمام وتجمدت بأرضها لدقيقة وهي تحدق في الباب وفجأة انهارت باكية وهي تصرخ وتبكي بحرقة وراحت تلقي بكل شيء أمامهما تطوله يدها وسط صراخها المتألم ثم جلست على الأرض تكمل نوبة انهيارها. 
                                      ***
داخل المستشفى بالقاهرة.......
كان يقف عمران مع الطبيب خارج الغرفة يتحدث معه بوجه عابس رغم جدية نبرته الرجولية ويسأله:
_ممكن ياخد قد إيه يادكتور؟ 
أجابه الطبيب بهدوء ونبرة رزينة:
_قد إيه بظبط مقدرش أقولك.. بس اطمن الموضوع بسيط جدًا الأصابة والعملية أثرت بشكل طفيف عليها وهي هتواجه صعوبة ومش هقدر تتحرك خلال فترة العلاج ومع الجلسات والالتزام على علاجها هترجع زي الأول واحسن كمان، أهم حاجة بس الحالة النفسية لأنها عاملة أساسي في تحسن حالتها
أماء له بتفهم ثم شكره بلهجة مهذبة وفور رحيله رفع يده يمسح على شعره ووجهه وهو يتأفف بخنق وحزن، اقتربت منه إخلاص وسألته بنظرة دقيقة:
_هي فاقت ياعمران؟! 
نظر لأمه وقال بخفوت وقسمات وجه تعلوها الهم:
_فاقت بس محدش يدخلها دلوك ياما أنا هدخل اقعد معاها واكلمها
لم تعترض واكتفت بهز رأسها بالموافقة على أوامره ثم تابعته وهو يدخل للغرفة ويغلق الباب خلفه.
علقت نظرات آسيا عليه عندما رأته، كان يظهر الشجن عليه لكنه يحاول إخفائه أمامها ويبتسم لها بحنو، حتى أنه جلس بجوارها على الفراش ومد يده يحتضن كفها الناعم بين قبضتيه الواسعة، رمقته هي بعين غارقة في الدموع وراحت تسأله بخوف:
_قالك إيه الدكتور ياعمران؟! 
مازال يحتفظ بابتسامته المتصنعة ويحدقها صامتًا يفكر في طريقة ليخبرها بها ويحاول تهدأتها، فعادت تسأله مرة أخرى لكنه كان سؤال تأكيدي يحمل يأسها والمها:
_قالك مش همشي تاني صُح؟
ضغط على يدها بدفء ورمقها بحب محاولًا الصمود أمامها حتى لا ينهار وهو يرى الوجع والانكسار في نبرتها وصوتها، فصاحت هي به هذه المرة باكية:
_عمران رد عليا
حاول إخراج صوته طبيعيًا قدر الإمكان وهتف وهو ينظر داخل عيناها باحتواء يبث القوة والطمأنينة إليها:
_هترچعي كيف الأول واحسن كمان ياغالية، ده فترة مؤقتة بس ومع العلاچ هتبقى كيف الحصان متخافيش أنا چارك وهنعدي الفترة دي سوا 
ظهور الجمود الغريب عليها فجأة وسرعان ما راحت تبتسم بسخرية وكأنها تستنكر ما قاله ولا تصدقه، لا يمكنه خداعها وهي ترى نفسها لا تستطيع التحرك حتى من مكانها.
استمرت في الضحك بمرارة ودموعها تنهمر بغزارة فوق وجنتيها ثم سحبت يديها من قبضته بسرعة وضمتهم لصدرها تنظر له بعجز لأول مرة يراه في عيناها وهي تقول بألم وصوت قوى رغم بحته:
_أنت بتضحك على عيلة قصادك وتقولها فترة مؤقتة.. وبتبصلي بشفقة إكده ليه! 
ضيق عيناه بتعجب من عبارتها بينما هي فتابعت بحرقة:
_هو أنت فرحان فيا مش إكده.. بعد ما حاولت اقتلك مرتين ربنا خدلك حقي مني أهو.. مش بعيد الكل يبقى فرحان فيا دلوك كمان، وأهي جاتلك الفرصة عشان تطلقني وتهملني أصلًا إيه اللي هيقعدك مع واحدة مشلولة 
تقوست ملامحه من الهدوء للانزعاج الحقيقي من سخافة عباراتها وأصبح يرمقها بغضب ثم هتف في نبرة رجولية حادة:
_إيه اللي بتقوليه ده!.. طلاق وشلل إيه.. رغم كل اللي مرينا بيه وعشناه شكلك لساتك معرفتنيش لأنك لو عرفتيني عمرك ما كنتي هتقوليلي الكلام ده
ارتجفت نبرتها وراحت تصيح به في ضعف:
_أنا صُح معرفكش لأنك مبتدنيش الفرصة دي أساسًا، أنت چاري دايمًا وفي ضهري بس مش بقلبك وأنا مهما حاولت أزيح الغبار اللي بينا مبقدرش، أنا على السرير ده دلوقتي بسبب أملي في حجات كتير.. ومش عاوزاني افكر إنك فرحان فيا وأنا عارفة زين إنك مبتحبنيش.. وأن مكنتش شمتان يبقى أكيد شعورك مجرد شعور شفقة على حالي بس، فمتمثلش الحزن قصادي ياعمران و......
أظلمت عيناه واحتقن وجهه من فرط جموحه، فقد كان داخله ثورة جامحة بين صدمته وبين غيظه الشديد منها، ولم يحتمل سماع المزيد من تراهاتها والعبث التي تتفوه به هذا فهتف بنبرة رجولية مخيفة وهو يسكتها بصوته الغاضب:
_ولا كلمة تاني.. أنتي اعصابك تعبانة وأنا مش هاخد على اللي بتقوليه بس لو كملتي كلمة كمان هكسر قلبك صُح.. أنا هطلع واسيبك ترتاحي وتريحي أعصابك شوية يمكن تفوقي وتدركي اللي قولتيه
استقام واقفًا واستدار متجهًا لخارج الغرفة ويتركها بمفردها بين عبثية أفكارها وتشتت عقلها المرهق، فهي لم تهضم حقيقة شللها ولا تتمكن من البقاء صامدة وهي ترى نفسها طريحة الفراش لا يمكنها الحركة.
                                      ***
استعادت فريال قوتها مرة أخرى بصعوبة بعد وقت طويل وخرجت من غرفتها مسرعة للتصل بأخيها وتطمئن عليه هو وآسيا، لكن لم تحصل على رد منه وكان الحل الثاني الاتصال بأمها التي ردت عليه وأخبرتها بكل شيء، حاولت فريال التحدث مع آسيا والاطمئنان عليها ومواساتها لكنها لم تستطع بسبب تعليمات عمران بعدم دخول أحد لها حاليًا وأن يتركوها ترتاح.
أنتهت من حديثها مع أمها وكانت بطريقها لغرفتها لكن بمنتصف الطريق داهمها ألم مميت في بطنها جعلها تطلق أهاتها العالية، انحنت لأمام وهي ممسكة ببطنها تتألم بشدة وعيناها امتلأت بالعبرات من عدم قدرتها على تحمل الألم، فقامت خطواتها البطيئة نحو غرفتها ظنًا منها أنها إذا ارتحت جسدها على الفراش قد يغادرها ذلك الألم لكنه كان يزداد أكثر وأكثر وتأوهاتها تزداد، وبينما كانت تتحانل على قدميها الضعيفة لغرفتها توقفت عندما سمعت منيرة داخل إحدى الغرف الصغيرة تتحدث في الهاتف وتقول:
_أنا حطيتلها في الوكل اللي ادتهوني وعملت كيف ما قولتيلي بظبط، أنتي متأكدة أنه هيچيب نتيچة وهيقطع خلفها واصل ومش هتچيب عيال تاني
اتسعت عيني فريال بصدمة بعد اختراق أذنيها تلك العبارات الشيطانية، وراحت تضع يدها على بطنها تتحسس على طفلها الذي مازال لم ينمو حتى داخلها وهي تبكي بقوة من فرط الألم والخوف، ثم تابعت نحو خطواتها وهي تبكي وتردد برجاء داعية ربها:
_يارب انصرني وما تحرق قلبي على ولدي واحفظني واحفظه.. يارب أنا مليش غيرك أنك على كل شيء قدير 
وراحت تطلق آهًا خرجت من أحشائها كلها ألم وقهر وبتلك اللحظة كانت قد وصلت لغرفتها ودون تفكير راحت تمسك هاتفها وتتصل بأخيها الصغير، الجميع بالقاهرة ولا يوجد غيره يمكنه إنقاذه.
بعد رنات طويلة أجابها بلال أخيرًا وهو يهتف:
_الو يافريال كيفك ياغالية 
ردت عليه بصوتها الباكي والمتوجع:
_بلال الحقني بسرعة 
هتف مزعورًا:
_مالك يافريال! 
فريال متوسلة إياه وسط بكائها وأهاتها التي تمزق القلب:
_مش قادرة اتكلم تعالى على البيت عندي بسرعة أبوس يدك 
القت بالهاتف على الفراش وسقطت على الأرض وهي تتألم وتبكي بشدة ممسكة ببطنها ومنكمشة تتلوى بجسدها وسط صراخها ولسانها الذي لا يتوقف عن تكرار الأدعية تسأل من ربها أن يحفظ طفلها لها.
                                  ***
داخل المستشفى.....
وقفت منى أمام غرفة آسيا وراحت تتلفت حولها تتأكد من عدم وجود أحد وبالأخص عمران، وعندما وجدت الساحة فارغة لها ابتسمت بخبث وفتحت الباب ودخلت بسرعة، فرأت آسيا متسطحة فوق الفراش وتنظر للسقف بشروط ووجه عابس.
ضحكت بصمت وتقدمت نحوها بتريث هامسة في شماتة تظهر في نبرتها:
_الف سلامة عليكي كان نفسي أقولك ربنا يقومك بالسلامة بس بالشكل مظنش إنك هتقومي تاني من أساسه 
استقرت نظرات آسيا النارية عليه وراحت تصرخ به منفعلة:
_أنتي بتعملي إيه إهنه.. اطلعي غوري برا احسن.....
ضحكت منى مستهزئة ثم اقتربت أكثر ووقفت بجوار فراشها بالضبط تنحنى عليها وتهتف بتأثر مزيف:
_حتى وأنتي راقدة في السرير ومش قادرة تتحركي بتهدديني.. مسكينة لسا الچلالة والهيبة واخداكي 
لمعت عيني آسيا بوميض مرعب وأصبحت كالأسد الذي على وشك التهام فريسته، ودون إهدار أي لحظة راحت تقبض على ذراع منى بأظرافها حتى كادت تقطع لحمها بين يدها والأخرى راحت تصرخ بألم بينما آسيا فثبتت نظرها في عيناها وهي تحدقها بجبروتها المعتاد ونظراتها القاتلة:
_أنا صُح دلوك مش هقدر اتحرك ولا أعملك حاچة بس قريب قوي راچعة كيف ما كنت وأقوى والمرة دي مش هرحم حد وأولهم أنتي.. اوعاكي تفتكري إني نسيت اللي قولتيه ليا في التلفون كله مضاف لحسابك وأنتي دفترك تقل أوي يا****.. هخليكي تحلمي بالساحرة الشريرة كل ليلة وتنامي وتصحي وأنتي بتفكري ياترى آسيا لما ترچع هتعمل فيا إيه ومهما تتوقعي مش هتتخيلي اللي هعمله، في قبلك كتير وقف قصادي وفضوله خلاه يلعب بالنار وهو بيخاف منها فحرقته وأكبر مثال عندك خلود شوفي حالها كيف دلوك وأنتي تخافي على روحك صُح مني
رغم الرعب الذي استحوذ على معالم منى بالفعل من مجرد كلمات تحمل الإنذار والذي فشلت في إخفائه لكنها أيضًا أبت الخضوع أمام تلك الساحرة ودفعت قبضتها عن ذراعها وانتصرت واقفة تقول لها بحقد شديد:
_يمكن أخاف صُح لو كنتي راچعة من تاني لكن بعد اللي قولته لناسك انسي إنك تفضلي في بيت ابراهيم الصاوي تاني ولا تفضلي على ذمة عمران 
التهبت نظرات آسيا واحتقن وجهها بالغضب وكانت على وشك الانفجار بها مجددًا لكن سكنت تمامًا عندما سمعت صوت خطوات تقترب من غرفتها وميزتها جيدًا أنها لزوجها، فنظرت لمنى بشيطانية وابتسمت داخلها في خبث ثم راحت تسألها بغضب متصنع تجرها للاعتراف بكل شيء:
_قولتيلهم إيه؟!
ابتسمت منى بنصر وتشفي ثم هتفت لها في شجاعة تتعمد إثارة جنونها أكثر ربما ستفقدها بعد قليل:
_قولت لأمك أن جوزك رماكي طعم بداله ومقدرش حتى يحميكي وسابك تاخدي أنتي الطلقة وأن أنا لو مكانهم آخد بتي واطلقها ومسبهاش على ذمته للحظة واحدة.. معلوم جايز ياخدوكي منهم واصل ونرتاح منك كيف ماخدوا أبوكي منهم، وزمانهم دلوك جايين والحرب هتقوم ومش هيمشوا غير وأنتي في يدهم
رغم نيران صدرها وغيظها من اعترافها وأنها تمنت لو تستطيع أن تنهض وتقبض على رقبتها وتخنقها لكن معرفتها بأن عمران سمع كل شيء جعلها تبتسم تلقائيًا في نصر ومكر وتصرفات بكل برود على عكس ثورانها لتقول لمنى وهي تضحك وتشير نحو الباب بعين تتحدث عن بداية انتقامها:
_كل مرة بتثبتيلي مدى غبائك أنا لو مكانك مكنتش اتكلمت واصل وفضحت روحي، بس يفيد بإيه الندم بعد فوات الآوان
ثم ألقت عيناها على الباب الذي بدأ ينفتح وقالت لها مبتسمة:
_بصي إكده على الباب واعتبري ده بس بداية اللي كنت بحكيله عنك من شوية 
التفتت منى تجاه الباب ورأت عمران وهو يفتح الباب ويدخل، سقط قلبها بين قدميها بتلك اللحظة وأنفاسها انحبست فشعرت كأنها لا تستطيع التنفس من فرط خوفها منه، بينما آسيا فكانت تتابع تعبيرات وجه منى المرتعدة وهي تبتسم بتشفي لكن رغم كل ما فعلته لم تهدأ وقررت إثارة جنون عمران أكثر حيث تابعت وهي تنقل نظرها بين عمران وبينها هاتفة:
_ربنا وقعك في شر أعمالك وأنتي بنفسك فضحتي نفسك، مالك خايفة إكده ليه ده أنا لسا مقولتش إنتي قولتيلي إيه في التلفون، مش أنا برضوا اللي احمد ربنا أن عمران وافق يتچوزني ويتستر عليا وأنه مش واخدني برضاه ولا بيحبني عشان انا كسر بنات
اتسعت عيني منى بذهول وراحت بسرعة تهتف محاولة الدفاع عن نفسها بتكذيب آسيا:
_لا أنا مقولتش إكده يا عمران دي كذابة
كان آسيا تحدق في وجه زوجها الذي كالبركان الملتهب وتفوح حممه النارية على سطح الانفجار وهي تبتسم بفخر وتشفي، فلن يطفيء النيران الذي بصدرها سوى عقاب عمران لها وهي تعلم جيدًا أنه لن يشفق عليها هذه المرة وسيثأر لها ولكرامتها.
 تقهقهرت منى عندما رأت عمران يقترب منها وبلحظة صرخ بنبرة جمهورية نفضتها بأرضها:
_اتصلتي بيهم من إمتى؟ 
لمعت عيناها بالدموع وراحت تقول بخوف:
_أنا مليش صالح والله ياعمران دي مرت خالي هي اللي قالتلي اتصل بيهم واقولهم إكده
كور قبضة يده محاولًا التحكم بانفعالاته وقال بصوت محتقن وهو يصر على أسنانه:
_أمي قالتلك قوليلهم أن ولدي رمي مرته طعم وأنه معرفش يحميها!!.. وأن احنا اللي قتلنا خليل صفوان وهنقتل بته كمان
هزت رأسها بالنفي تبحث عن عذر تدافع به عن نفسها لم تجد فاكتفت بالنفي الصامت وهي تبكي ليصرخ بها مرة أخرى:
_ماتنطقي ولا القط كل لسانك دلوك
انتفضت وأخذت تبكي وتقول بأسف:
_حقك عليا ياعمران أنا آسفة
أخذ يصرخ بها بعصبية ترهب البدن:
_الشجاعة خدتك قوي ووصل بيكي إنك بتغلطي فيا وفي شرف مرتي، وأنا كنت ساكت من البداية وعامل حساب بس لعمتي
دخلت إخلاص مزعورة على أثر صراخ ابنها وهرولت نحوه تهتف له بعدم فهم:
_مالك ياولدي في إيه؟ 
رمق أمه بغضب وصاح منفعلًا وهو يلقي بأوامره القطعية:
_من إهنه ورايح منى ملهاش قعدة في البيت، عمتي على عيني وعلى راسي بس بتها ملهاش مكان في بيتنا وبشار هياخدها من إهنه ويرچع بيها على البلد عند عمتي
فغرت إخلاص شفتيها بصدمة وراحت تنقل نظرها بين منى المنهارة وآسيا التي تبتسم بنصر، أما عمران فتابع:
_ومن إهنه ورايح تبعدي عن آسيا واصل فاهمة ولا لا يامنى المرة دي الكلام كان بينا بس المرة الچاية هيكون ليا تصرف تاني 
هما منى بالاندفاع لخارج الغرفة وهي تبكي لكنه استوقفها بعبارته الحازمة:
_رايحة وين.. مش لما تعتذري الأول من مرتي اللي بتقولي عليها كسر البنات وانتي متطوليش ضفرها 
رمقت آسيا عمران بفخر وعشق ثم اعتدلت في نومتها وهي تبتسم بشموخ وقوة تليق بها حتى سمعت منى التي تعتذر منها وتقول بصوت مقتضب:
_حقك عليا يا آسيا أنا آسفة 
ثم اندفعت لخارج الغرفة ركضًا.. تذكرت آسيا اليوم الذي جعلها تعتذر من منى بسبب أفعالها الشيطانية والآن بنفس الطريقة جعل منى تعتذر منها وطردها من المنزل بأكمله.
ركضت إخلاص خلف منى بالخارج وعمران غادر بعدهم وترك تلك الجالسة فوق فراشها تتلوى سرورًا وتشفي وغرور بعد نصرها المُشرف.
                                        ***
وصل بلال لمنزل خليل صفوان وأخذ يطرق على الباب بهمجية وقوة من فرط اتيعاده على أخته ففتحت له منيرة الباب وهي تقول بخنق:
_في إيه هو احنا واقفين على الباب!!! 
رمقها بلال باشمئزاز وراح يسألها بقلق ظاهر على معالمه:
_فريال وين؟ 
لوت منيرة فمها بقرف وردت وهي تشير بعيناها للأعلى:
_فوق في أوضتها هتكون وين يعني
هم بأن يدخل لكنه توقف وسألها بنبرة مهذبة رغم اشمئزازه منها:
_عاوز اطلعها في أي حريم في البيت ولا ادخل!! 
ردت منيرة مقتضبة:
_مفيش حد اطلعلها
اندفع للداخل ركضًا وهو يصعد الدرج وفور وصوله لغرفتها أخذ يطرق على الباب وهو يهتف:
_فريال أنتي چوا
عندما لم يسمع رد منها فتح الباب ودخل فوجدها ملقية على الأرض وتأن بصوت مكتوم وهي تبكي وعلى ساقها نقاط دماء، صابه الزعر واسرع نحوه يجثى أمامها ممسكًا برأسها يهتف:
_فريال إيه اللي چرالك أنتي سمعاني
ردت عليه بصوت ضعيف وسط أنينها:
_وديني المستشفى بسرعة يابلال
كانت أنفاسه السريعة والحارة تلفح وجهها وبظرف لحظة حملها فوق ذراعيها واسرع بها للخارج ركضًا وسط نظرات منيرة المندهشة لا تفهم ماذا حدث لها.
بعد ساعات طويلة منذ وصولهم للمستشفى كان بلال يجلس بالخارج بانتظار خروج الطبيب حتى يطمئن عليها، وفور رؤيته للطبيب اسرع نحوه وسأله بقلق:
_مالها يادكتور إيه اللي حصل؟ 
أجابه الطبيب يشرح له حالتها ببساطة:
_اتعرضت لنزيف والحمدلله لحقناها في الوقت المناسب وانقذنا الجنين وهي بخير كمان بس لازم تفضل النهاردة في المستشفى عشان في فحوصات وتحاليل لازم نعملها وكمان اهم حاچة ترتاح في السرير تمامًا الفترة الجاية لأن ممكن يحصل نزيف تاني في اقل مجهود ووقتها للأسف ممكن نفقد الجنين 
 تجمد بلال مكانه بعد دهشته من معرفته بحمل أخته الذي لم تخبر به أحد، واكتفى بإماءة رأسه للطبيب كشكر ثم جلس على أحد المقاعد وهو يمسح على رأسه لا يعرف هل يفرح أم يحزن على خبر كهذا.
 وبعد تقريبًا نصف ساعة تم نقلها لغرفة عادية ودخل بلال لها ثم جلس بجوارها وهو يمسح بكفه على يده بلطف هاتفًا:
_حمدلله على السلامة ياحبيبتي 
ردت فريال بوجه مزعور وهي تسأله:
_بلال الدكتور قالك أن ابني عايش صُح؟ 
ابتسم لها ورتبت على ذراعها بحنو يطمئنها:
_متخافيش عايش وكويس الحمدلله.. أنتي كنتي عارفة من بدري إنك حامل؟ 
أجفلت نظرها عنه وهزت رأسها بالإيجاب فضيق عينيه وهتف في غضب بسيط:
_ومقولتيش لحد ليه يافريال.. ده شكله حتى چوزك ميعرفش! 
أسرعت وقبضت على يده تتوسله بجدية:
_بلال أوعاك تچيب سيرة لحد عشان خاطري ياخويا أبوس يدك 
انفعل وقال لها بحدة غير مستوعبًا ما تطلبه منه:
_مقولش لحد كيف يعني يافريال أنتي اتخبلتي في نافوخك هو دور برد عشان تداريه، ده حمل ومسير الكل يعرف
اطرقت رأسها أرضًا وقالت بمرارة وألم:
_لو قولت لأمي الكل هيعرف وأولهم چلال،وچلال لو عرف إني حامل مستحيل يوافق يطلقني وهتحصل مشاكل كبيرة كفاية اللي أنا فيه، أنا مستنية بس الوقت المناسب وهقول للكل
رمق أخته باستياء وقال في لهجة رجولية قوية:
_هيطلقك ورچله فوق رقبته، أنا مش قادر افهم إنتي إيه اللي مقعدك لغاية دلوك معاه ومع مرته في نفس البيت
سكتت فريال وتذكرت منيرة وهي تتحدث في الهاتف فلمعت عيناها بوميض الشر والثأر وراحت تقول لأخيها بوعيد:
_چلال انتهى بنسبالي خلاص وقريب قوي هسيبه وامشي بس الأول اطلع الشيطانة دي من البيت مش هسيبلها بيت عيالي عشان تملاه بـ*****، وقتها بس لما اكشفها على حقيقتها ويطلقها أنا آخد عيالي وامشي وأنا مرتاحة إني اخدت حقي وانتقمت منه وهو يفضل لوحده عشان احرق قلبه كيف ما دمرني
صاح بلال بعصبية:
_فريال انتي لساتك عاوزة تقعدي تاني، انتقامك الوحيد هو طلاقك مش أنك تكشفي مرته أنتي مالك بيها
احتضن يده بين كفيه ونظرت في عينيه تترجاه برقتها العفوية:
_بلال أنت اكتر واحد بتفهمني زين يمكن اكتر من عمران كمان.. عشان خاطري بلاش تعارضني المرة دي وسيبني على راحتي ومتقولش لحد على حملي، لو بتحبني وغالية عندك صُح اعمل كيف مابقولك 
سحب كفه من بين يديها وهو يقول بعدم اقتناع وانزعاج حقيقي:
_فريال انتي بتغلطي قوي وهتندمي بعدين.. هو ميستاهلش أي حاچة وحتى حبك خسارة فيه بعد اللي عمله وانتي لساتك عاوزة تكملي معاه.. متضحكيش على نفسك وتقولي هطلق وهسيبه بس الاول اعمل معرفش إيه دي كلها حچچ فارغة عشان تفضلي چاره، وأنا وأنتي عارفين زين إنك مش هتقدري تهمليه وإنك لسا بتحبيه
تلألأت العبرات في عيناها لا إراديًا بينما بلال فهب واقفًا وقال باقتضاب وصوت مكتوم:
_اعملي اللي يريحك مش هقدر اقولك حاچة كل اللي اتمناه إنك متندميش على قراراتك دي بعدين، عمومًا الدكتور قال هتاخدي اليوم إهنه عشان في تحاليل وفحوصات هتتعمل أنا هطلع اچبلك حاچة تاكليها والعلاچ وراچع
أماءت له بالموافقة وتابعته وهو يغادر وعيناها بدأت في ذرف الدموع الحارقة؛ كلما تتذكر منيرة وهي تخبرها عن ليلتها الأولى مع زوجها، تشتعل النيران في صدرها ويتمزق قلبها قهرًا وهي تتخيله كيف كان بين ذراعيها ويلمسها بعدما كان يخبرها بأنه أبدًا لن يشم زهرة سواها حتى مماته ولكنه فعل وخنث بوعده.
                                     ***
توقف بشار بالسيارة أمام أحد المخازن الضخمة والمعروفة لبيع الأسماك الخاصة بسلاّم المرواني، فتح عمران أولًا باب السيارة ونزل منها وهو يتطلع بنظراته الثاقبة على المبني الأرضي المجهز بأحدث المباني العصرية ثم وقف بجواره بشار الذي سأله بنبرة مريبة:
_دلوك ولا هنصبر شوية ياولد العم 
رد عمران بخفوت مخيف:
_زمانه چاي دلوك.. خليها لما ياچي احسن 
هز بشار رأسه بالموافقة وظلوا مكانهم بانتظار وصول سلاّم الذي وصل بعد نصف ساعة تقريبًا وفور رؤيته لعمران ابتسم باتساع وراح يتقدم نحوه يضحك بسخرية ويقول في ثقة:
_معقول المعلم عمران الصاوي بنفسه عندي، ده شرف كبير ليا.. أكيد بقى جاي عشان نفضي حسابنا مش كدا
لم يظهر أي تعابير وجه على ملامح أي من بشار أو عمران الذي رد عليه بنظرة مظلمة:
_هنفضه متقلقش هنفضه كله
ضحك ورد ببرود مستفز ولؤم:
_طيب كويس، ولا اقولك زي ما بتقولوا في الصعيد عندكم زين زين قوي، صحيح ألف سلامة على المدام أخبارها إيه دلوقتي؟
كان هاديء ويتحكم بأعصابه جيدًا لكن فور ذكره لزوجته  وهو يسخر منه وكأنه نجح بالإمساك به من نقطة ضعفه ، احتقن وجهه بالدماء وعيناه تلونت بالأحمر فأصبحت ملامحه كالشبح الذي عاد ليثأر لروحه المتألمة وبظرف لحظة كان يقبض على رقبته وهو يوجه له الضربات المتتالية، اسرعوا رجاله نحوه وبظرف لحظة كانوا يشهروا أسلحتهم بوجه بشار وعمران الذي أخفض نظره لسلاّم الذي بين قبضة يديه وقال مبتسمًا بسخرية وبلهجته الصعيدية:
_إيه هتخوفنا بشوية الحريم اللي جيبهم والمسدسات اللعبة اللي في يدهم دي، احنا صعايدة مش هنخاف ونرچع لورا كيف الحريم لما تهددنا بحتة سلاح
كان بشار يقف صامدًا دون أن يرف له جفن وعيناه كانت ثابتة على رجالهم الخاصة وهم يتقدمون بتربص من الخلف حاملين البنادق وثواني وكانوا خلف رجال سلاّم يرفعون بنادقهم عند رؤوسهم ويهتفون لهم بغضب:
_نزلوا سلاحكم بدل ما نفرغ البندقية في نفوخكم
ظهر الزعر على وجوههم وبثواني كانت يداهم للأسف وأسلحتهم على الأرض فضحك عمران ونظر له يقول مستهزءًا:
_شوفت الفرق بينا وبين شوية ال**** اللي جايبهم.. أنت تجرأت على حرمة بيتي واحنا حدانا مفيش رچالة بتصفي حسابها مع حريم إلا لو كانت حاچة تاني أنت أكيد عارفها، ولو حصل وحد **** كيفك إكده فكر ويده طالت حريمنا بنقطعها ونرميها لكلاب السكك
ظهر الرعب على وجه سلاّم الذي قال له بخوف يحاول إخفائه:
_أنا مكنش في نيتي مراتك بس هي جات فيها 
_من سوء حظك 
باللحظة التالية كان المخزن يشتعل بالنيران بعدما قام أحد رجال عمران بإشعال النيران به، فالتفت سلاّم وهو يفغر عيناه بصدمة وراح يترجى عمران:
_ابوس يدك يامعلم بلاش تعمل كدا خليهم يطفوا النار وأنا هنفذ كل طلباتك واللي أنت عاوزه هعمله
عمران بنظرة رجولية تحمل الاستنكار:
_وه راح وين سلاّم اللي كان نافش ريشه علينا وفاتح صدره الواسع وبيهددني في التلفون بكل شجاعة، قلبت حرمة! 
رتب على كتفه بعنف وهو يقول بوعيد مبتسمًا:
_أنا هتسلى عليك وبعد إكده هرميك في السچون لغاية ما تعفن بس كفاية عليك المخزن وبكرا نبدأ الچولة التانية 
ثم دفعه بيده فسقط على الأرض ثم ألقى نظرة على بشار الذي ابتسم له ورتب على كتفه يطلب منه أن يستقل بالسيارة وهو سيلحق به، فرفع بشار يده يشير لأحد رجالهم بأن يقترب وعندما وقف أمامه قبض على كتفه يضغط عليه ويقول بجدية:
_كيف ما قولتلك ونبهت عليك ياصابر وخلى بالك زين احسن يهرب منك
رد عليه الرجل بثقة تامة:
_اطمن يامعلم بشار عيني مش هتغفل عنه لحظة واحدة
رتب فوق كتفه بقوة مرددًا:
_عفارم عليك ياصابر يلا خده
استدار بشار والتف حول سيارته ليستقل بمقعده المخصص للقيادة وينطلق بها مع عمران في طريق عودتهم للمستشفى.
                                    ***
الهموم تجمعت كلها على صفحة وجهه، بات صدره يضيق عليه وأنفاسه تنقطع وكأنها على أن وشك أن تخنقه من فرط الحزن والتعب، فلم يعد لديه ملجأ آمنًا ومريحًا يلوذ به من شرور الحياة.. ملاذه الوحيد أصبح موطنًا لعذابه المميت.
توقف أمام غرفتها وهو يتنفس الصعداء بعبوس ثم فتح الباب ببطء شديد ودخل، توقف عند الباب بعد دخوله وراح يتجول بنظره في أرجاء الغرفة بحثًا عنها لكن الهدوء المريب كان يغمر الغرفة بأكملها، فضيق عينيه باستغراب وبسرعة اندفع نحو الحمام علها تكون بالداخل لكنه أيضًا كان فارغ، تسمر مكانه لبرهة من الوقت وهو يفكر بشكوكه المرعبة، هو ليس لديه القدرة الكافية لتحمل فراقها مرة أخرى.
باللحظة التالية فورًا كان يصيح مناديًا عليها بزعر:
_فــريــال 
اندفع لخارج غرفتهم وكانت وجهته الأولى غرفة أولاده، وصدمته الكبرى عندما وجد الغرفة أيضًا فارغة ولا أثر لهم، لوهلة شعر بأنه على وشك فقدان عقله وأصابته نغزة قاتلة في قلبه خشية من أن تكون حققت مخاوفه وهجرته هي وأولاده، فأخذ يبحث عنهم بالمنزل وهو يصرخ بغضب امتزج بصوته الموجوع:
_فــريال.. معاذ.. عمار
انتفض مفزوعًا من نومه، هو لا يعرف كيف ومتى غاص بنومه وهم كانوا مازالوا بطريقهم للقاهرة وبذلك الوقت كان هو بجوار أمه بالمقعد الخلفي وعلي مكانه على مقعد القيادة بعدما تناوب عنه عندما رآى التعب يظهر عليه بوضوح.
مسح جلال على وجهه وهو يتأفف بخنق ثم نظر لعلي وسأله بصوت غليظ:
_الساعة كام دلوك ياعلي؟ 
أجابه علي بخفوت:
_الساعة 12 أن شاء الله على الفچر نكون في القاهرة
تحدث منصور بخنق وانفعال:
_ولد ابراهيم مش بيرد علينا وآسيا كمان، بس فريال اتصلت وطمنتنا بتقول هي كلمتهم وآسيا كويسة 
تنهد جلال الصعداء براحة داخلة وفرحة متمتمًا:
_الحمدلله
التفت جلال بنظره نحو أمه النائمة بجواره.. فقد قضت النهار بأكمله لا تتوقف عن البكاء والنحيب على ابنتها حتى أرهقت نفسها ولم تتمكن من الصمود أكثر أمام النوم.
أخرج هاتفه وراح يتمعن بها شاردًا وهو يفكر بكابوسه الذي رواده للتو، لا يعرف لماذا حدثه قلبه بأنه قد يكون حقيقي وتركته ورحلت بالفعل، فراح يتصل على زوجة عمه فلا يوجد سواها يمكنه الاتصال بها ليسألها عن زوجته وأولاده ليطمئن عليهم.
أجابت إنصاف عليه هاتفة بفضول:
_الو ياچلال إيه وصلتوا ولا لسا وآسيا كيفها
جلال بصوت هاديء لكنه يحمل القلق في أعماقه:
_آسيا كويسة يامرت عمي الحمدلله احنا لسا موصلناش.. هي فريال نامت ولا لساتها صاحية 
ردت عليه بجهل وهي تزم شفتيها:
_انا مشوفتهاش شكلها مطلعتش من اوضتها من وقت ما مشيتوا بس العيال نايمين في اوضتهم 
أطلق زفيرًا طويلًا بارتياح يحمد ربه أن كابوسه لم يتحقق، ثم أنهى الاتصال مع إنصاف وعاد يضع هاتفه في جيبه مرة أخرى وانشغل عقله من جديد بشقيقته يفكر في حالها ومن الذي حاول قتلها.
                                       ***
فتح عمران باب غرفة آسيا ودخل ثم أغلق الباب خلفه واقترب منها بعدما وجدها نائمة بعمق في فراشها، جذب مقعد وجلس بجوارها تحديدًا عند رأسها وراح يتأملها بدفء، كلما يتذكر سهومها المسمومة التي القتها على مسامعه بصباح اليوم ينزعج منها بشدة ولكنه لا يستطيع لومها فهي لم تشهد منه سوى على البرود وتحجر قلبه فيما يخص مشاعره، هو يعلم جيدًا أنها تعلقت به وربما سقطت في بحور عشقه منذ زمن ورغم ذلك كان يبخل في الإسخاء عليها من مشاعره وحنانه.
ليتها رأت حاله عندما كانت داخل غرفة العمليات وبعد خروجها، ليت لقلبه صوت لكي تسمعه وهو يصرخ من أعماقه متوجعًا عليها وهو يراها فقدت قدرتها على الحركة، لو كانت رأت وسمعت لم تكن لتقول أنه سعيد بوضعها المزري أبدًا، ليتها هي أعطته الفرصة ليزيح عن صدرها الهم ويضمها بين ذراعيه مخففًا عنها وجعها ويخبرها بكل حنان أنه لن يتركها مهما حدث وسيظل ملاذها وحصنها المنيع دومًا.
انحنى عليها ببطء ثم لثم جبهتها بدفء هامسًا:
_طول ما أنا چارك مفيش حد هيتجرأ ويأذيكي واللي يفكر همحيه من على وش الدنيا.. النهاردة خدتلك حقك ولسا كمان
ثم ابتسم ورفع أنامله يبعث بخصلات شعرها في حنو هاتفًا بضحكة ملغوبة:
_حتى وأنتي بالحالة دي لساتك جبروت ومحدش قادر عليكي، مبتسمحيش لحاچة تكسرك واصل، ياريتك تفهمي بس أن مش أنا اللي اسيبك لحالك ولو الخلق كلها جرحتك أنا اداويكي ياغزالي 
امسك بكفها هذه المرة وراح يطبع قبلات متتالية عليه في رقة وظل بجوارها الليل كله على هذا المقعد حتى أنه نام دون أن يشعر ولم يفتح عينيه سوى على أصواتهم المرتفعة خارج الغرفة، حتى آسيا استيقظت ونظرت لعمران بنعاس تسأله في خمول:
_في إيه؟! 
فرك عينيه من أثر النعاس وهب واقفًا يهم بالخروج ليفهم ما الذي يحدث بالخارج لكنه توقف عندما رأى منصور يقتحم الغرفة، وبنفس اللحظة كانت آسيا تعتدل في نومتها شبه جالسة وتذكرت منى وهي تخبرها بأن عائلتها قادمة لأخذها، لا إراديًا مدت ذراعها وامسكت بذراع عمران تحتمي به وكأنها تقول لهم تجرأوا وحاولوا أخذي أن استطعتم......

........... نهاية الفصل..........

  •تابع الفصل التالي "رواية ميثاق الحرب و الغفران" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent