Ads by Google X

رواية صرخات انثى الفصل السادس والثلاثون 36 - بقلم ايه محمد رفعت

الصفحة الرئيسية

 رواية صرخات انثى الفصل السادس والثلاثون 36 - بقلم ايه محمد رفعت


(إهداء الفصل للقارئات الغاليات "إيمان أحمد"،"آية مجدي"،"إسراء عادل"    ، شكرًا جزيلًا على دعمكم المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنكم..بحبكم في الله...قراءة ممتعة 💙)

حملت الهاتف بين يدها وهرولت للخارج بعدما طرحت حجابها على رأسها بعشوائيةٍ، هبطت "زينب" للأسفل تبحث عن مغيثها بمكتبه السفلي، وحينما لم تجده خرجت تلهث بتوترٍ كاد أن يصيبها في مقتلٍ، وكأنها فقدت عقلها وكل زمام أمورها. 

ولج "عمران" للداخل بعدما مرر مفتاحه بباب المنزل الداخلي، فلفت انتباهه حالتها المذرية، شملها بنظرة خاطفة ودنى إليها يسألها بقلقٍ: 
_أيه اللي مسهرك لحد دلوقتي يا زينب موركيش جامعة الصبح ولا أيه؟ 

أسرعت إليه تسأله بلهفةٍ التمسها عمران: 
_علي.. عايزة علي. 

بالرغم من عدم تنساق جملتها وحالتها الغامضة الا أنه أجابها بهدوء: 
_بيوصل واحد صاحبنا وزمانه راجع. 

وسألها باهتمامٍ بالغ: 
_في حاجة ولا أيه.. قلقتيني! 

ارتعشت أصابعها المُمسكة للهاتف حتى كاد بالسقوط عن يدها، فرفعت يدها إليه وهي تردد بتوترٍ وارتباك: 
_رجع... يمان رجع.. هيقتلني هو وعدني إني لو هربت هيقتلني! 

تحفزت معالمه وانصاع لكلماتها المهاترة، فالتقط عنها الهاتف وهو يشير لها: 
_اهدي بس وفهميني مين يمان ده؟  وهيقتلك ازاي الدنيا سايبه بروح أمه!!! 

أضاءت شاشة هاتفها من أمامه ليتفاجئ من رسالته الاخيرة يتبعها رسالة أخرى وصلت للتو
«فاكرة انك هتعرفي تهربي مني، انتي لو في أخر الدنيا هجيبك وهعاقبك يا زينب!» 

حرر عُمران زر التسجيل وصاح بعنفوانٍ قاطعٍ: 
_عقاب أيه يابن ال** لو دكر اظهر وشوف هعمل فيك أيه؟  وإبقى اتعب نفسك وإسأل عن عمران سالم الغرباوي كويس وتأكد إن أبويا مات قبل ما يربيني فلو باقي على روح سبايدرمان اللي جواك دي اظهرلي وأنا أوريك مين فينا اللي في وضع يسمحله بالتهديد يا و***. 

أبعد الهاتف وهو يراقب وصولها إليه، فتأكد من سماعه لرسالته وانتظر أن يجيبه وحينما لم يجيب عاد عُمران يسجل له تحت نظرات زينب المصعوقة من تحوله المفاجئ لشخصٍ أخافها هي شخصيًا وانطلق يستكمل: 
_أيه يا دكر صوتك راح فين!!   كويس إنك قلبت دكر بط كبيرك يزغطوك في بوقك، بس عشان أنا راجل وقد كلمتي هبعتلك عنوان بيتي اللي عايشة فيه زينب لو حسيت إن كلمة دكر بط هانتك ومست رجولتك تعالالي نتفاهم. 

وقدم لها الهاتف مضيفًا: 
_لو بعتلك حاجة تاني مع إني أشك ناديلي أنا مريح فوق. 

التقطت منه الهاتف بفمٍ مفتوحٍ، واكتفت بهزة رأسها بخفة وهي تتابعه يغادر للأعلى مطلقًا صفيرًا متراقصًا بينما يده تلهو بمفاتيحه باستمتاعٍ. 

دقائق استغرقتها واقفة جامدة محلها هكذا لتفق على صوت "علي" القادم من خلفها: 
_زينب بتعملي أيه هنا بالوقت ده؟ 

انتفضت بوقفتها بفزعٍ وأشارت له بعدم اتزان كلماتها: 
_يمان عرف مكاني وبعت هددني وعمران آ... 

ابتلعت باقي كلماتها بحرجٍ دفع علي يتساءل بخوف من اندفاع أخيه: 
_عمل أيه عمران! 

قدمت له الهاتف ليتمكن من ايجاد الاجابة المناسبة لسؤاله المحرج، قرأ علي مضمون رسائله، واستمع لفويسات أخيه ببسمة جعلته يشعر بالانتشاء، فقدم لها الهاتف قائلًا: 
_عُمران مخلاش كلام يتقال من بعده.. اطمني يا زينب ومتقلقيش مش هيمس شعرة منك زي ما وعدتك... يالا اطلعي نامي عشان تقومي لجامعتك فايقة. 

هزت رأسها باسمة وغادرت للأعلى، بينما ردد علي ساخرًا: 
_مربي بلطجي أنا!!! 
                            *******
تسلل عُمران للداخل على أطراف أصابعه حاملًا بين يده جاكيته وحذائه الفاخر، فتحرر ضوء الغرفة بمكبس ريموت تحمله مايا بيدها قائلة بسخرية: 
_مفيش داعي تتسحب يا حبيبي أنا صاحية. 

ألقى ما بيده مزعنًا ثباته المخادع، فتهدلت شفتيه مبتسمة رغمًا عن جمود معالمه، واقترب يردد: 
_حبيب قلب جوزه مش جايله نوم من غيره يا ناس!! 

زمت شفتيها ساخطة على محاولته الواضحة للضحك على عقلها: 
_متحاولش يا عمران أنا زعلانه منك.. النهاردة قولت إنك مش نازل الشركة فخمنت إنك حابب تقضي اليوم معايا ودلوقتي رجعالي وش الصبح! 

حاوط وجهها بيده ورماديته تحتضنها رغمًا عن تباعد جسدها عنه، فاستند بجبهته على جبهتها يهمس لها: 
_حقك عليا يا بيبي أنا مقصر معاكِ عارف.. النهاردة كان كتب كتاب أيوب على البنت اللي حكتلك عنها وانشغلت معاه وكنت أتمنى أعوضك بكره بس هكون مع جمال بالمستشفى عشان عملية والدته بعدها على طول هكون ملكك لوحدك أي مكان هتشاوري عليه هأخدك ليه وإنتي بين أحضاني... ها مرضي يا حبيب قلب عمران؟ 

زار ثغرها ابتسامة عذباء وهزت رأسها إليه فضمها بكل قوته مرددًا بنبرة صادقة: 
_كله يهون الا زعلك يا حبيب قلبي! 

تعلقت به وهي تميل على عنقه دافنة ذاتها داخله، فاستغل فرصة بقائها داخله ليهاتفها بنبرة الغرام فتفاجئ بها تبتعد عنه وهي تشير إليه بخجل: 
_لأ.. أنا من ساعة اللي حصل أخر مرة وأنا مرعوبة.. خليك بعيد أفضل. 

زوى حاجبيه بدهشةٍ وجذبها إليه مجددًا يخبرها: 
_نعمان غار في داهية وبكره واحنا في الشركة هنوقعله العقود وبعدها هنبه عليه معتش يورينا وشه تاني.. وبعدين أنا مش عايزك تبعدي عن حضني بالشكل ده تاني يا مايا.. معقول تكوني خايفة وانا معاكِ وانتي بين ايديا!! 

رفعت ذراعيها لتحتضنه فوجدته يبتعد عن الفراش بضيقٍ من تصرفاتها، واتجه لخزانته يبدل ملابسه بصمتٍ. 

نهضت عن الفراش ولحقت به تناديه بدلالٍ: 
_عُمران. 

سدد لها نظرة محتقنة من رماديته ونزع عنه قميصه يتجاهل وجودها مما عزز غضبها فجذبته بقوة إليها مرددة بغيظٍ: 
_بناديلك يا بارد!! 

تغاضى عن كلماتها الأخيرة قاصدًا الانتقام منها، فغمز لها بمكرٍ: 
_غريبة الكلمة دي متقالتليش من أي ست غيرك! 

احتقن وجهها بغيرة ظاهرة مما أرضى غروره فانطلقت ضحكاته الرجولية تجلجل على احتقان معالمها لسوء فهمها لجملته وهذا ما راق له. 

اندفعت إليه مايا بكل غيظها تضرب صدره بقوةٍ وتسدد له لكمات تحيط بصدره الصلب،  انفصلت عنه ضحكاته وتبلدت معالمه مما دفعها للاستغراب، فسحبت يدها وراقبت ملامحه بدهشة. 

رفع عمران يديه يحاوط جانب وجهها ومازالت الجدية تنحر ملامح وجهه المنحوت، ليخبرها بثباتٍ شعرت بأنه يجاهد به أمامها: 
_مايا أوعي تمد إيدك عليا تاني لا بهزار ولا جد أنا مش عايز أذيكِ! 

رمشت بعينيها بتوترٍ وخوف، فضمها إليه وهو يخبرها بحنان: 
_حبيبتي الهزار لو بدأناه بالضرب والاهانة هيكون ده مفهوم حياتنا الطبيعي، أنا زي ما بحترمك وعمري ما مديت إيدي عليكِ إنتِ كمان لازم تحترميني يا مايا.. أوعديني متعملهاش تاني. 

هزت رأسها من بين أحضانه وهتفت بخجل من تصرفها الذي ضايقه لحدًا لم تتوقعه: 
_أنا أسفة. 

دفنها داخله وهو يهمس لها:
_وأنا كمان آسف لو كلامي ضايقك يا حبيب قلبي.. وأدي رأسك أهي. 

وطبع قبلة عميقة على جبينها جعلتها تبتسم إليه بحبٍ، فانحنى يحملها إليه وهو يردد بخبث: 
_حبيب قلب جوزه قلبه قسى عليه وشكله كده لسه زعلان منه! 

أشارت له نافية الا أنها عاد بها للداخل يجذبها للاندماج برفقته بدوامة عشقهما التي سحبتهما بخوفها بترحابٍ. 
                          *********
ولج "علي" لغرفته فوجدها تجلس على الأريكة مندمجة بقراءة أحد الكتب بتركيزٍ تام، وما أن تخلل لها رائحة البرفيوم خاصته حتى أغلقت عينيها تسحب نفسًا بعبقه الخاص هامسة بعشقٍ: 
_علي! 

فتحت عينيها فوجدته يستند على الكومود، مربعًا يديه أمام صدره، يتطلع لها بحنينٍ عاشق، راق له شعورها به وتسلل رائحته التي بات يدمنها لأجل تعلقها وحبها الشديد لها، فما أن نطقت إسمه حتى تبسم بجاذبيته الخاطفة، ودنى يستند على المكتب مرددًا بصوته الرخيم: 
_مش قولنا ممنوع السهر يا فاطيما هانم!  ولا الكتاب ده عمل اللي مقدرتش أعمله وخلاكي منجذبة ليه كل الوقت ده!  

وانتصب بوقفته يسترسل بحزنٍ مصطنع: 
_أنا شكلي كده هغير من الثقافة والكتب وأي شيء يلفت نظرك! 

نهضت تلحق به وهي تغلق الكتاب قائلة بصوتها الهادئ: 
_مش هقرأ تاني لو ده هيزعلك يا علي. 

التفت لها ومازال محتفظ بأثر ابتسامته: 
_لأ يا حبيبتي اعملي اللي يخليكِ مرتاحة وتأكدي إن ده هيسعدني. 

ابتسمت واتجهت لطرف الفراش تنتظره لحين أن ينتهي من حمامه الدافئ، فخرج يجفف خصلات شعره الطويل لرقبته وهو يتفحص انعكاسها بالمرآة، فاتجه ليحتل مكانه قائلًا بنظرة دافئة:
_عايزة تقوليلي أيه وربكك بالشكل ده! 

وكأنها كانت تنتظره أن يشعر بتوترها كالمعتاد منه، فقالت: 
_أنا خايفة يا علي.. مش حاسة إني هقدر أنزل مع عمران ومايا بكره الشركة.. خايفة يحصل شيء يحطني أنا وعمران في موقف محرج. 

وزمت شفتيها بتيهةٍ: 
_انت فهمني! 

فرق ذراعيه وضمها إليه يخبرها بحنانٍ رزين: 
_مفيش حد في الكون ده كله فهمك أدي يا فاطيما.. بس أنا عايزك تتأكدي ان الخطوة دي مهمة ليكي، لازم تختلطي بالعالم الخارجي يا فاطمة مينفعش عالمك يتوقف عليا أنا بس.. اندمجي مع مايسان وعمران وخليكِ متأكدة إنهم أهل ثقة وأكيد عمران هيقدر حالتك وهيأخد احتياطاته. 

مالت برأسها على صدره وتعلقت به، اعتدل بمنامته وضمها إليه هامسًا بحبٍ: 
_نامي يا حبيبتي بكره مستنيكِ يوم مهم.. ومتقلقيش أنا جنبك ومعاكِ.. مش هسيبك أبدًا يا فاطمة! 

أغلقت عينيها باسترخاء وسرعان ما غفت بين ذراعيه فطبع قبلة على رأسها وأغلق عينيه هو الأخر باستسلامٍ. 
                               ******
رفعها عنه ووضعها على الوسادة بحذرٍ، ثم جذب التيشرت الخاص به يرتديه، سحب عُمران هاتفه وخرج لشرفة غرفته يحرر زر الاتصال ويرفع سماعته لاذنيه بترقب لسماع صوت المتصل به، فأتاه بعد دقيقة يجيبه بنعاسٍ مرهقٍ: 
_عمران!!   خير في أيه!  

أجابه بسخطٍ وهو يميل للسور الحديدي: 
_أخبارك يا عريس... أمورك تمام؟ 

اتاه صوته المتعصب: 
_متصل بيا الساعة تلاتة الفجر تقولي أخبارك!!  عمران انت عايز أيه أنا تعبان ومرهق ولازم أكون عند استاذ ممدوح الساعة 8الصبح! 

واسترسل أيوب قبل أن يأتيه رد عمران الوقح: 
_اطمن أنا نايم في أوضة لوحدي ومحصلش حاجة لإني ببساطة عمري ما هعملها ونفسي تصدق ده!!  الشباب كلهم مصدقيني وانت الوحيد اللي مصمم على اللي في دماغك معرفش ليه؟! 

استدار عمران يولي السور ظهره وهو يراقب زوجته الغافلة على فراشها بنظرة عاشقة، فاضت بنبرته الهامسة لأيوب: 
_لآن محدش شايف النظرة اللي بتداريها جوه عيونك غيري، بتحاول تقنع نفسك إنك مبتحبهاش وبتنفر منها بس في شيء جواك بيثور عليك كل مرة وبيقولك إنها مالكة جزء منك إنت متعرفهوش، جواك شيء بينبهك بالعاصفة اللي جايلك تحاربك بكل قوتها وهتبان قدامها ضعفك وفقدان سيطرتك على قلبك ونفسك!  

_ببساطة فاهمك لإني خضت نفس التجربة قبل كده بس الفرق البسيط إن الانسانه اللي كنت بحارب نفسي عشان مكنش معاها كانت تستاهل وتستاهل أخوض علشانها معارك وحروب، لكن إنت معركتك خسرانه يا أيوب.. صدقني يا ابن الشيخ مهران مينفعش!! 

تعمد تذكيره للمرة المائة والثلاثون بكناية أبيه ليعود عما سيختلق داخله، فهتف أيوب بجدية تامة: 
_مفيش شيء جوايا ليها أكتر من إني بصون وعدي يا عُمران.. أرجوك إفهمني أنا عمري ما حبيت قبل كده حتى بنت عمي اللي المفروض في حكم المخطوبين عمري ما رفعت عيني وبصتلها مجرد بصة هتخليني مخنوق وأنا شايل الذنب ده بين ضلوعي، مستني اللحظة اللي تكون فيها حلالي بس كُلي ثقة إنها الانسانة المناسبة تكونلي زوجة تحافظ على عرضي وشرفي وأولادي فحتى لو قلبي مال لآديرا في يوم من الايام فمش دي الإنسانه اللي أمنها على حتة مني يا عمران فتأكد إني كأيوب هكون غيرك في حربك لإني مش هطلع منها خسران أنا بقدر أسيطر على نفسي ومشاعري كويس.. إتربيت كده وعيشت كده وهموت كده! 

ابتسامة مريحة شقت على شفتيه، فتنهد براحة غمرته وقال: 
_ريحتني.. روح نام عشان تكون فايقلي بكره أصل بصراحة مش هعديلك اللي عملته على خير، عشان تبقى تشيلها بعد كده بضمير يا عريس الغفلة! 

وتابع بسخرية: 
_متنساش قبل ما تتخمد تعقم نفسك كويس وبالذات ايدك ورقبتك اللي كانت لفة دراعاتها حوليها....وحسابنا يجمع  بكره  يا ابن الشيخ مهران!! 

وأغلق بهاتفه دون أن يودعه ومن ثم ولج لغرفته متوعدًا للأخر لحين رؤيته بالغد! 
                             *******
غردت الشمس بفستانها الذهبي تستقبل يومها الجديد بمحبةٍ ودفءٍ، اجتمعت العائلة صباحًا على مائدة الافطار، فاستغلت "فريدة" اجتماعهم وقالت: 
_ابتدوا لموا الحاجات المهمة اللي هتحتاجوها لإننا هننقل بكره. 

ردت عليها مايا وهي تلهو بشوكتها بطبقها: 
_أنا جهزت هدومي امبارح بالشنط لما حضرتك قولتيلي باقي حاجات عمران وده مش عارفة هننقلها ازاي محتاجين تريلا!! 

توقف عن مضغ طعامه وصاح متعصبًا: 
_محدش يقرب من لبسي وساعاتي وجزمي أنا دافع فيهم نص ثروتي.. عزلوا انتوا على بركة الله وسبيوني هنا مع خزنتي أنا عنيت لحد ما صممتها بالنظام اللي يريحني ويريح تنسيق لبسي!! 

ضحك أحمد حتى ظهرت غمازات وجهه وصاح بتهكم ساخر: 
_وماله يا بشمهندس البيت هناك واسع ويكفي كل اللي يخصك ولو زعلان أوي على تصميم الخزنة بتاعتك تقدر تختار الجناح اللي يناسبك وصمم لنفسك مكان لهدومك زي ما تحب محدش هيمانع! 

زم شفتيه بسخطٍ: 
_هو أنا فاضي يا عمي!!  أنا ورايا مشروع ضخم داخل فيه أنا وجمال هيحتاج كل وقتي وطاقتي كلها. 

ابتسم بحبورٍ ومحبة عظيمة: 
_المول التجاري اللي بقى حديث كل شركات المعمار.. حقيقي أنا فخور بيك يا عمران ومتحمس أشوفه بشكله النهائي. 

منحه ايتسامة ممتنة لدعمه المتواصل إليه، بالرغم من أن نعمان الغرباوي من العائلة الا أنه يواجه نجاحه بكل حقد يمتلكه بينما بالمقابل يأتي عمه الحنون ويدعمه قلبًا وقالبًا. 

قاطعتهما فريدة غاضبة بنبرتها المتعصبة: 
_يعني أيه يا عمران!! هنفضل في البيت ده علشان حضرتك خايف على لبسك وجزمك وساعاتك الغالية لتتبهدل!!  

وأزاحت منديلها الورقي عن تنورتها وهي تصيح بضيقٍ شديد: 
_أنا مش طايقة أقعد في البيت ده استحملت طول الفترة اللي فاتت لحد ما نلاقي البيت المناسب وخلاص أحمد لاقاه وفاضل اننا نمشي من هنا وللأسف مش هقدر أطلع من هنا لوحدي لازم كلكم تكونوا معايا!
 
نهض علي مسرعًا إليها يقبل يدها بحنانٍ: 
_اهدي يا حبيبتي عمران ما يقصدش حاجة احنا معاكي مكان ما تكوني، ومعندناش مشكلة نعيش في بيت تاني.. ولو على حاجة عمران الغالية يقدر يأخد شوية هدوم ليه بشنطة صغيرة ويسيب باقي حاجته هنا لحد ما يفضى ويعمل غرفة مجهزة لحاجته زي اللي هنا ويبقى وقتها ينقل حاجته..الموضوع بسيط ومحلول  مش كده ولا أيه يا عم الوقح؟ 

ترك الخبز عن يده وأسرع تجاهها بضيق من ذاته لما قاله، وردد بنبرة رخيمة هادئة: 
_مقصدتش والله يا فريدة هانم..لو عايزانا ننقل حالًا معنديش مانع مدام ده هيريح حضرتك. 

لانت معالمها ورفع يديه تحيط باليمني خد عمران وباليسري خد علي مرددة بصوتٍ محتقن بالدموع: 
_ربنا ما يحرمني منكم أبدًا.
وضمت كتفيهم بعناق ثلاثي جعل الفتيات يبتسمن بحبٍ، فاندفع احمد إليهم يبعدهما للخلف ويضم فريدة بتملكٍ مضحك، هاتفًا بمرحٍ: 
_ايدك يالا منك ليه.. مش كفايا السنين اللي اتعذبتها وهي في حضن غيري جايين تكملوا على اللي فاضل جوايا من صبر!! 

تعالت ضحكاتهما الرجولية، وخاصة حينما ردد عمران بنزقٍ: 
_شوف الراجل اللي دبرنا خطط وعملنا اجتماعات عشان نجوزهاله! 

وتابع بغمزة ماكرة:
_ماشي الله يسهلو يا عم.. 
وأشار لفاطمة ومايا: 
_يلا نتحرك احنا علشان منتأخرش. 

ابتعدت فريدة عن أحمد متسائلة باستغراب: 
_واخد فاطمة على فين يا عمران؟ 

ضمت مايا فاطمة لها وأجابتها: 
_هتنزل معانا الشغل من النهاردة يا فريدة هانم. 

ابتسمت بفرحة لتأكدها بأن ما يفعله ابنها الصغير سيأتي بثماره لحالة فاطمة، ان تولت هي العمل بشركات زوجها بعد وفاته واكتسبت تلك القوة والرزانة من المؤكد بأنها ستحمل نفس الصفات التي هي بحاجة لها، أجلت حنجرتها قائلة بتمني: 
_ربنا يوفقك يا حبيبتي، روحوا انتوا وأنا هأخد زينب وشمس ونلم الحاجات المهمة عشان بكره الصبح هنتحرك على طول. 

وعلى ذكر ابنتها التفتت من حولها تتساءل باستغراب؛ 
_هي فين شمس؟ 

اجابتها وهي تهبط للاسفل بابتسامة شاحبة: 
_أنا هنا يا مامي... صباح الخير. 

اجابوها بودٍ فاتجهت لمقعدها وجذبت طبق الطعام تتناوله بآليةٍ، جذب علي المقعد المجاور لها ومنحها نظرة متفحصة قبل  أن يردد بخبث: 
_بمناسبة اللمة الحلوة دي في خبر يخص شمس ولازم تعرفوه. 

انتبهت له شمس باهتمامٍ حتى الجميع، فكانت زينب أول من تسائلت باهتمام: 
_خبر أيه؟  انتي امتحنتي يا شمس والنتيجة ظهرت ولا أيه؟ 

نفت ذلك قائلة: 
_أنا لسه مش امتحنت أصلًا. 

ارتشف علي من كوب قهوته بهدوء جعل عمران يردد بضيق وهو يتفحص ساعة يده: 
_ما تنجز يا دكتور مش فاضيلك! 

ترك الكوب وتطلع تجاه عمه ووالدته وقال: 
_آدهم نازل مصر الاسبوع اللي جاي وطلب مني آنه يكتب الكتاب بعد بكره ويأخد شمس معاه تتعرف على والده وعيلته، وعايز الفرح بعد امتحانات شمس على طول يعني بعد شهرين.. أنا قولتله هبلغ فريدة هانم وهرد عليك. 

تلون وجهها بالأحمر القاني، واخفضت عينيها أرضًا تخفي توترها الشديد، وتابعت رد والدتها وعمها، فكان أحمد أول من قال: 
_والله الولد ده راجل وبصراحه ابن اصول متربي على قيم مبقتش موجودة في شباب اليومين دول، أنا عن نفسي معنديش مانع طالما شمس بتحبه وهو بيحبها هنعوز أيه أكتر من كده؟! 

واستدار لزوجته يتساءل بلطفٍ: 
_ولا أيه رأيك يا فريدة؟ 

سحبت نفسًا مطولًا تمنع به دموعها، ابنتها الوحيدة ستغادرها بعد فترة زمنية محددة وبدايتها الزواج، ولكنها ستكون مع من أحبت وهي تعلم جيدًا فراق علاقة كانت تنعم بالحب بينهما، لذا قالت ببسمةٍ صغيرة: 
_لو ده هيخليها تكون سعيدة فأوكي معنديش مانع. 

اتسعت ابتسامة شمس بفرحةٍ، على الرغم من حزنها الشديد منه ولكنه فجأها حينما طلب من عائلته أن تسافر برفقته للقاهرة، كانت حزينة لإنها بعيدة عنه وهو بنفس الدولة وما يزيد حزنها سفره لدولة أخرى فإن كان يصعب عليها رؤيته هنا فكيف ستتمكن من رؤيته وهو بعيدًا عنها. 

اتجهت إليها فاطمة تضمها قائلة ببسمة جذابة: 
_مبروك يا شمس.. ألف مبروك يا حبيبتي. 

ضمتها بكل ود لصدرها وردت عليها: 
_الله يبارك فيكي يا فاطيما تسلميلي يا جميلة. 

لفت مايا ذراعها حول كتفيها قائلة بمشاكسة: 
_مبروك يا شموسة.. كان نفسك تنزلي مصر أهو حضرة الظابط هيخطفك مننا وهيحقق أمنيتك. 

اخفت وجهها بكتفيها بخجل وهمست لها: 
_ميرسي يا مايا. 

ابتسمت لها زينب وقالت بفرحة صادقة: 
_مبروك يا شمس ربنا يهنيكِ يا حبيبتي. 

ابتعدت عن مايا وأحاطتها بسعادة: 
_الله يبارك فيكي يا زوزو عقبالك يارب. 

ابتسم عمران وقال بمكر: 
_عريسها موجود ومتقدم ومنتظر الرد. 

اسبلت فاطمة بعينيه مندهشة: 
_ مين ده يا عمران؟ 

رد عليها وهو يتابع زينب المنكمشة بخجل: 
_دكتور سيف أخو دكتور يوسف صاحبي، معاها في نفس الجامعة وفي اخر سنة وبصراحة ولد راجل ويوسف مربيه تلاتين مرة وأنا كعمران صعب أرفضه بس نقول أيه لدكتور علي الديمُقراطي قالك الرأي رأيها وأدينا مستنين! 

رددت فريدة بلباقة: 
_سيف شاب محترم جدًا بس ده ميمنعش إن زينب بنوتة زي العسل ومكسب ليه مش العكس يا حامي اصدقائك ونافش ريشهم جنب ريشك!! 

تعالت الضحكات فيما بينهم، فأشار عمران للفتيات: 
_نكمل كلامنا بعدين يا فريدة هانم المهم ننجز علشان مش فاضي ورايا كذه حاجة لازم أخلصها قبل ما أروح لجمال المستشفى والدته هتعمل الجراحة النهاردة. 

قالت بتمنى: 
_ربنا يقومها بالسلامة... هبقى أروح معاك زيارة ليها بعد ما ترجع البيت. 

هز رأسه بتفهمٍ والابتسامة الممتنة تجوب على وجهه، فانطلق برفقة مايا وفاطمة لسيارته قاصدًا شركته. 
                             ********
تركت فريدة ابنتها برفقة زينب يجمعون الأغراض الهامة بجناحها واتجهت لغرفة علي، وجدته يضع شهاداته التقديرية ودروعًا حصد عليها بمراحله التعليمية بكرتونٍ متين، واستكمل وضع كتبه وأغراضه الشخصية حتى ملابس فاطمة وما يخصها، وما أن شعر بأنفاسٍ على قرب منه حتى استقام بقامته واستدار للخلف فوجدها تقف أمامه مرتبكة للغاية، أشار لها ببسمته الجذابة: 
_فريدة هانم.. اتفضلي. 

منحته ابتسامة خافتة وولجت تغلق باب غرفته من خلفها، متجهة لطرف الفراش القريب من مكتبته حيث يحزم كتبه وأغراضه. 

عادت تفرك أصابعها بتوترٍ تسلل لنبرتها المهتزة: 
_عايزة نبدأ من النهاردة ينفع؟ 

جذب المقعد الخشبي ووضعه قبالتها بحماسٍ: 
_طبعًا... اتكلمي باللي حابه تقوليه. 

استندت على عمود الفراش الخارجي وربعت يدها أمام صدرها تحيل بها ذكريات الطفولة، وبدأت بتحرر صوتها الرقيق: 
_من لما كنت طفلة وأنا مكنتش لوحدي، كان حوليا أخويا وأختي الله يرحمها بس مكنش ده اللي مخليني محسش بالوحدة، السر كان في وجود أحمد جنبي، كنت بحس إنه بيكملني، كأننا روح واحدة في جسمين.. مفيش حلم حلمته مكنش هو فيه، حتى حلم شكلي بفستان الفرح زي أي بنت كنت بتمناه بس وجنبي أحمد.

اتسعت ابتسامتها وهي تستطرد: 
_أحمد مكنش بس ابن عمي وحبيبي.. كان صديقي اللي محرم عليا يكونلي صديق.. كان أبويا اللي بيخاف عليا وقت ما برجع متأخر أو بلبس لبس عريان... أمي الحنينه اللي بتنصحني أحافظ على نفسي ازاي وأهون على نفسي وقت زعلي حتى وقت مرضي.. كان أختي اللي قادرة تفهم وتصون أسراري بدون ما تتعصب عليا وتقولي هبلغ ماما باللي عملتيه.. كان حبيبي اللي بيوعدني إنه هيكون جنبي لأخر العمر وفجأة قطع وعده وسبني وحيدة. 

مجرد تذكر ما خاضته جعل عينيها تدمعان مستكملة: 
_حسيت إني كنت في دفا وفجأة بقيت بين التلج وجسمي بيتجمد وعاجز يحس بأي شيء.. احساس آنه اتخلى عني وبإرادته كان أبشع من كابوس قومت منه، كل اللي اتبقالي من حبيبي ساعة وبرفيوم خاص بيه وقت ما بشتقاله بضمهم ليا وبعدها بكره ضعفي اللي خلاني ألجئ ليهم وبحس إني أقذر ست.. ست خاينة بتخون جوزها وبتحن للماضي اللي كان حقها في يوم من الأيام... عشت في معاناة كل ما بفتكرها قلبي بيتلف حوليه شوك.

وتمعنت برمادية عينيه اللامعة بدمع رافض سقوطه وقالت بابتسامة: 
_لحد ما جيت انت يا علي، كأنك كنت بتهون عليا كل اللي أنا عايشاه لوحدي.. من أول ما شيلتك بين ايديا وأنا واثقة إنك هتكون ليا العوض عن كل ده، اتمنيت اسميك أحمد بس خوفت سالم يحس باللي كان بيني وبينه، خوفت أكرهك بسببه لإني مكنتش لسه أعرف الحقيقة.

وشردت بالفراغ وقد احتل وجهها كتلة من الجمود: 
_طول عمري عايشة دور الست القوية اللي قادرة تتغلب على كل ظرف تتعرضله لحد ما اكتشفت اني كنت ضعيفة وساذجة لدرجة إن الانسان اللي عشت عمري كله في تأنيب ضمير علشانه طلع هو الأمهر في التمثيل... كان الشيطان اللي كان بيوسوس ليا إني بخونه لمجرد تفكيري في اللي فات.. وجعني وداس على قلبي وكأنه كان بيملك الحق على حياتي ونفسي!  

وتعمقت بالتطلع إليه وهي تردد بنفور:
_أنا بكرهه ومش مسامحاه يا علي... كان نفسي يكون عايش ويشوفني مع أحمد.. كان نفسي يتأكد إنه منجحش يبعدنا عن بعض حتى لما كنت معاه كان قلبي مع أخوه.. لما كنت بديله حقوقه الشرعية كنت بتكوي بالنار وأوقات كنت بوهم نفسي إني مش معاه مع أحمد! 

أزاحت تلك الدمعة المتمردة على خدها وقالت وهي تتجه هاربة منه: 
_هروح أشوف زينب وشمس خلصوا ولا لسه.. ونكمل بعدين. 

نهض خلفها يناديها: 
_ماما! 

توقفت عن الخطى وبقيت جامدة محلها دون الاستدارة له، فدنى قائلًا: 
_مكنتيش خاينة كنتِ إنسانة عظيمة قدرت تضحي طول السنين دي كلها علشان أولادها.. إنسانة بالرغم من عشقها الكبير لشخص اتمنتت تعيش معاه الا أنها حاربت وصمدت وافترقت عنه علشان تكون مع أولادها... صدقيني اللي فات ده مهما كان صعب ومؤلم بس قواكي وقوى علاقتك بينا لدرجة خلتنا مؤهلين لجوازك من عمي وإنكم بعد كل العوائق دي اتجمعتوا. 

استدارت إليه باكية وهرولت لأحضانه كالطفلة الصغيرة التي تتخفى داخل حضن أبيها، طوفها علي ودموعه تهوى على خديه، يعلم بأنها مازالت تكبت الكثير بداخلها ولكن كونها قالت تلك الكلمات القليلة سيأتي البقية بعدها وستخبره بكل شيء. 

ربت بحنان على ظهرها حتى ابتعدت عنه تمنحه ابتسامة صغيرة، وتركته وغادرت لجناحها تنفرد بذاتها قليلًا وتستجمع قوتها لتواجهه بباقي ما بداخلها ولكن أولًا ستعاون الفتيات لترحل من هذا المكان الذي يضيق عليها كلما استعابت ما فعله زوجها بها. 
                             ******
اتبعتهما فاطمة للداخل، فأشارت لها مايا للمكتب الذي يقابلها متسائلة بحماسٍ: 
_ها أيه رأيك بقى؟ 

سلطت نظراتها على المكتب الفخم المقابل لها، لونه الأبيض زاد من راحتها، كان يحوي على حاسوب ولجواره هاتف أرضي، اتجهت للمقعد تحتله بابتسامة صغيرة، وأخذت تتفقد سلة الأقلام بانبهارٍ. 

أحاط عمران كتف مايا التي تراقبها بفرحةٍ، وضمها لاحضانه مستغلًا انشغال فاطمة بتأمل مكتبها، وهمس لها:
_خلي بالك منها يا مايا وأكدي على حسام محدش يدخل المكتب هنا ولا يزعجها بأي شكل من الأشكال لحد ما على الأقل تأخد على المكان. 

هزت رأسها بتفهمٍ وهمست له: 
_متقلقش يا حبيبي هبلغه وهشدد عليه.. وأنا كمان هكون معاها ومش هسيبها. 

طبع قبلة على جبينها وهو يردد بحبٍ: 
_حبيب قلب حبيبك إنتِ! 

وابتعد عنها يتحنح بخشونة ليلفت انتباه فاطمة: 
_أنا هنا في مكتبي يا فاطمة لو عوزتي أي حاجة مايا موجودة وأنا هنا جنبكم لو احتاجتي حاجة متتردديش. 

رددت بابتسامة مشرقة: 
_حاضر.. 

غادر عمران لمكتبه فوجد المحامي ونعمان بانتظاره، منح نعمان نظرة منفرة واتجه يحتل مكتبه بكبرياءٍ، ليجد الأخر يقابله بغلظة: 
_ما بدري يا ابن فريدة مش عارف إن في معاد بينا ولا بتستهبل! 

وضع قدمًا فوق الأخرى بتعالي وعدم مبالاة بحديثه، ووجه حديثه للمحامي متجاهلًا وجوده: 
_جهزت الأوراق كلها يا مسعد؟ 

أكد له باحترامٍ: 
_أيوه يا باشا.

تابع وهو يجذب حاسوبه يراقب مقابلاته لليوم: 
_حطيت فيه الشرط اللي قولتلك عليه؟ 

أكد له مجددًا: 
_أيوه.. وتقدر حضرتك تتأكد بنفسك. 

حمل عنه الملف يراقب ذاك البند المشروط بالعقد بينما يتابعهما نعمان بدهشة لحقت سؤاله: 
_شرط أيه ده؟! 

رفع رماديته المحتقنة يقابله بها وصاح بحزمٍ: 
_بند من بنود العقد اللي هتوقع عليه بيقيدك عن بيع الشركة لأي شخص غريب، في حالة إنك عايز تبيع الشركة مسموحلك بشرط يكون الشخص ده من جوه عيلة الغرباوي.

وتابع بقوة صارمة: 
_مهو أنا مش بعد كل التعب ده أقدملك الشركة على طبق من دهب وتأخدها إنت وتديها للي لفة عليك زي الحية علشان توصل لهدفها. 

انتفض بوقفته يصرخ بعصبية وجنون لمجرد تخيله بأنه انكشف أمره أمامه: 
_تقصد أيه بكلامك القذر ده يا ابن فريدة! 

بقى محله على مقعده يراقبه ببرودٍ: 
_يا خال متخلنيش أشك في ذكائك!  أنا من على الكرسي ده قادر أعرف كل كبيرة وصغيرة عن بلاويك السودة، بس اللي عايزك تعرفه إنك مش أول واحد هيلينا ترسم عليه دور الحب أبو أجنحه وردية، سبق وعملتها على تلات رجال أعمال معروفين وأخدت اللي وراهم واللي قدامهم وإنت ما شاء الله مبقاش وراك اللي يتأخد منك غير الحنجرة والخيلة الكدابة اللي واهم نفسك بيهم. 

صرخ بانفعالٍ يخفي به تدهور موقفه أمام المحامي الذي يشهد اهانته بوضوح الشمس: 
_اخرس قطع لسانك عيل قليل الرباية. 

اتسعت ابتسامة عمران وحذره بمكر: 
_أبويا الله يرحمه بقى مات وسبني أمانه في رقبتك وإنت اللي معرفتش تربيني يا خال كنت مشغول مع الراقصات. 

واستطرد بغمزة وقحة: 
_لو فاكر إن هيلينا هترجعلك شقاوة زمان تبقى غلطان دي هتأخدك لحم وترميك عضم يا خال ووقتها متجيش هنا تعيط زي النسوان لإن وقتها هتشوف وش تالت لعمران الغرباوي مصدفش ليك إنك اتقابلت فيه. 

جذب العقد من يده ووقع عليه، ثم دفعه تجاهه يشير له: 
_موافق على شرطك إمضي وخليني أغور من وشك. 

سحب القلم يوقع وهو يهتف ساخرًا: 
_وأنا اللي واقع في دباديبك أوي... إنت تلزق أي مكان تكون فيه يا خال... فلتصحبك السلامة في أي مكان تغور ليه! 

وحمل العقد لمايا وقعته وعاد به يلقيه إليه مشيرًا لباب مكتبه: 
_مش عايز أشوفك ولو صدفة.. لما يتقرص ودنك وتخسر وقتها افتكر اني حذرتك ونبهتك. 

منحه نظرة حاقدة وهتف له بوعيدٍ: 
_هتدفع التمن غالي يا عمران... وديني لأندمك على معاملتك وطريقتك معايا وساعتها هنشوف مين اللي هيبوس رجل مين. 

منحه قبلة بالهواء وغمز له: 
_مستنيك يا خال.. ربنا يديك طولة العمر!! 

وفتح الباب يشير له: 
_مع السلامة يا نعمان! 
                                *******
ارتدى مريال المطبخ على خصره وشرع بجلي الأطباق، ومن ثم اتجه ليقلب القهوة على نيران هادئة، وانحنى يجذب الملابس من المغسلة ومن ثم خرج للشرفة يقوم بفردها على الحبال الداخلية، وولج يضع الشطائر التي صنعها على الصينية ووضع القهوة، ثم اتجه لغرفة شقيقه يهزه برفقٍ: 
_سيف... قوم يالا  إنت مش مأكد على ليلى إنك وراك محاضرة مهمة! 

جذب الغطاء على صدره العاري يخفي وجهه من أسفله وهو يهتف بانزعاجٍ: 
_يووه يا يوسف بقى انت كل يوم الصبح تقلق منامي! 

جذب الغطاء عنه وشمله بنظرة خاطفة جعلته يزوى حاجبيه: 
_إنت نايم كده ليه مش خايف تأخد برد! 

تطلع للغطاء الذي أصبح بيد أخيه فنهض على الفور يرتدي بنطاله بحرجٍ: 
_أيه يا يوسف الله.. مش عارف أخد راحتي في أوضتي كمان ما تعتقني لوجه الله!! 

ضحك ساخرًا من ذاك الذي يسرع بارتداء ملابسه باحراجٍ، وردد: 
_الله يرحم لما كنت بتعملها على روحك وأنا اللي كنت بحميك وآ.. 
كبت سيف فمه بصدمة مما تفوه به وترجاه بدهشة: 
_آدهم هنا لو سمعك هيقول أيه، عايز تفضح أخوك يا يوسف!! 

ارتفع صوت ضحكاته وأخبره مازحًا: 
_خلاص يا دكتور سيفو متزعلش.. وبعدين ما أنت اللي صاحي تتدلع وأنا ورايا حالة ولادة عايز أروح المستشفى انجز قبل ما أروح لجمال! 

جذب المنشفة واتجه لحمام الغرفة: 
_اعتبرني لبست وجهزت... انزل انت. 

لحق به مستندًا على باب المرحاض، وابتسم له وهو يناديه: 
_سيف. 

مرر فرشاة الاسنان لينظفها وهمهم له: 
_مممم

ربع ذراعيه أمام صدره وقال: 
_هتبقى عم قريب... ليلى حامل. 

بصق المعجون من فمه واستدار له بابتسامةٍ واسعة وصاح: 
_بجد يا يوسف؟ 

هز رأسه بتأكيدٍ فاحتضنه بقوة وهو يردد بفرحة: 
_مبروك يا حبيبي ألف مبروك... ربنا يكملها على خير ويرزقك بولد صالح بار بيك وبيها. 

ضمه بحبٍ وطبع قبلة على كتفه بحنان، وفجأة دفعه للخلف وهو يتأمل قميصه بصدمة: 
_بهدلت القميص الله يخربيت معرفتك..هنزل المستشفى ازاي دلوقتي يا حيوان!! 

انفجر ضاحكًا وهو يتأمل بقايا معجون الاسنان على قميص يوسف الابيض، وقال بصعوبة بالحديث: 
_خدلك قميص تاني من عندي. 

رفع احد حاجبيه بنزقٍ، فحك سيف لحيته النابتة بتفكير: 
_صحيح انك أعرض من فوق شوية عني بس إن شاء الله نلاقيلك حاجة تناسبك. . أول ممكن نستعير من آدهم واحد هو هوجان في نفسه زيك كده. 

قال من بين اصطكاك أسنانه: 
_ادخل كمل اللي بتعمله وكُل واشرب قهوتك وانزل جامعتك بمنتهى الهدوء. 

ووضع يده بجيبه يجذب مبلغ من المال يضعه بيده بقوة وكأنه يصفع يده قائلًا: 
_اتفضل مصروفك..
واتجه للمغادرة وهو يحذره بشراسة: 
_مش عايز ألمح خلقتك النهاردة... القميص جديد وبالتكت بتاعه يا حيوان. 

فور مغادرته ضحك سيف وهتف يناديه: 
_هتقاطع اخوك عشان الفميص يا جو!!! 
                             ******
فتح الباب الحديدي وولج يبحث عنه بمقلتيه المحتقنة إلى أن وجده يتفنن بأحد التصميمات ولجواره يجلس الاستاذ ممدوح يراقبه ببسمة هادئة، فما أن رأى من يقترب منهما حتى تساءل بدهشة: 
_خير يا عمران؟ 

انتبه أيوب لنطق إسم رفيقه فاستدار للخلف فوجده يضع يديه بجيب سرواله الرمادي، ويمنحه نظرة النمر الواشك على افتراس فريسته. 

ابتلع ريقه بخوفٍ غريبٍ يداهمه لمرته الأولى، فحتى مكانة أبيه لم تجعله خائفًا مثل الآن، اقترب منه عمران يستند على اللوح ويتأمل ما صنعه مبديًا عدم اعجابه بما فعله: 
_مش بطال! 

واستقام بوقفته وهو يخطو بين الرفوف الضخمة متمعنًا بها بنظرة غير مرضية، أتت بقوله: 
_هو الأرشيف ده متنضفش من أمته يا أستاذ ممدوح التراب مالي الدنيا بشكل غير طبيعي! 

سيطر الكهل المتحاذق على ابتسامته فهو يعلم ماذا يحاول تلميذه الأول بصنعه خاصة بعد أن قص له أيوب تفاصيل ما حدث بالأمس، فقال: 
_مش فاكر والله يا بشمهندس.. بس بتسأل ليه؟ 

قال وقد استقرت عينيه على أيوب المتأهب لما سيفعله ليعاقبه كما وعده: 
_بقول إن ميصحش البشمهندس يشتغل وسط التراب والفوضي دي عشان كده لازم ينضف مكانه بنفسه لاننا مش بنسمح لأي حد يدخل أرشيف وسجلات الشركة ولا أيه يا أيوب؟ 

عبس بعينيه بضجرٍ، فلم يترك له عمران فرصة المناص بل جذب المجلدات الضخمة ووضعها بيده ومن ثم الأخر فالأخر حتى اختفى أيوب خلف طابق كامل من المجلدات جعلته يصيح بلهاثٍ: 
_كفايا يا عمران مش قادر أشيل كل ده! 

أتاه رده الساخر: 
_شيل يا عريس والا إنت مبتقدرش تشيل غير الحتت الطرية!! 

ضحك ممدوح بعدم تصديق لما يحدث أمام عينيه، فتحرك أيوب ليضع ما بيده جانبًا ويعود لعمران يناوله المتبقي من المجلدات، وحينما انتهى قال وهو يطعنه بنظرة اخيرة:
_امسح الرفوف ورجعهم مكانهم زي الشاطر كده... ولما تخلص اطلع فوق لحسام هيفهمك هتعمل أيه لانك هتكون بدالي النهاردة طول اليوم.

كاد بالرحيل فجذبه أيوب بعدم استيعاب: 
_مكانك فين!!  عمران أنا شاب جامعي وبتعلم لسه فبالله هكون مكانك ازاي متهزرش!! 

أخفض رماديته ليد أيوب الممتدة لجاكيته الباهظ فسحبها أيوب وهو يدمس شفتيه بغيظٍ، فأجابه الاخير ببرودٍ: 
_استاذ ممدوح معاك هيساعدك. 

وتركه واتجه للمغادرة فأوقفه تلك المرة بمسكة يده وهو يخبره: 
_طيب وجمال أنا عايز أكون موجود معاه في يوم زي ده.

منحه بسمة باردة وصاح؛ 
_واجبك وصل يا عريس... ركز في المطلوب منك وبس. 

وتركه وغادر وهو يشير للممدوح بتتابعه فما أن خرج خلفه حتى أغلق باب المكتب على أيوب ومال عليه يهمس له: 
_استاذ ممدوح أنا عايزك تتوصى بأيوب، تفرمه من الشغل لدرجة إنه يرجع ميحلمش غير بسريره وبس ميجيش في دماغه شيء غير إنه يريح جسمه ويرجع هنا تاني... حضرتك فاهمني؟ 

ضحك ممدوح وهز رأسه: 
_وصلت... بس خد بالك الولد معندوش نية إنه يقرب منها وأنا شايف الصدق في عنيه. 

رد عليه بخوف صادق: 
_الشيطان شاطر يا استاذ ممدوح ولو حصل هتبقى كارثة لو البنت دي حملت منه... أرجوك ساعدني أنا خايف عليه.. عصرت دماغي عشان ألقى حل مش لاقي غير إنها تأسلم وده مستحيل. 

ربت على يده بحنان: 
_مفيش مستحيل على ربنا يا ابني.. عمومًا اطمن أيوب بقى زي ابني وجوه عيني متقلقش. 

ودعه بابتسامة صغيرة وغادر على الفور فعاد ممدوح للداخل فوجد أيوب يقف على الدرج الخشبي ينظف الرفوف وما أن رآه حتى قال متهكمًا: 
_كان بيوصيك عليا مش كده!! 

ضحك وهو يهز رأسه فمال على الدرج يستند عليه بتعبٍ: 
_والله ما أنا عارف بيعمل كده ليه.. ده أنا لو عند أخ أكبر مني مش هخاف منه بالشكل ده! 

                            ******
بالاعلى. 

تابعت مايا عمل فاطيما باهتمامٍ، عاونتها على تنسيق الملفات بشكلٍ اكثر احترافية، وحينما قدمت ملفها الأول قالت بإعجاب: 
_الله عليكِ يا طمطم هو ده الشغل ولا بلاش. 

ابتسمت لها بمحبة وقالت:
_بفضل الله ثم تواجهيهاتك يا بشمهندسة. 

مالت تقبل جبهتها بحب: 
_حبيبتي يا فاطمة والله أنا مبسوطة من وجود معايا أوي... كنت بحس إن هنا لوحدي وماليش حد ولما عمران قال إن صبا ممكن تنزل معايا فرحت بس الهبلة اتحججت بتعب الحمل وكنسلت الموضوع وأهو ربنا عوضني بسلفتي وأختي القمراية. 

اختبرت فاطمة أحاسيس غريبة من ضمة مايا لها، فأحاطتها بابتسامة مشرقة وقالت: 
_انتي اللي زي القمر وتتحبي يا مايسان ربنا يسعدك ويفرح قلبك الأبيض. 

أغلقت مايا الحاسوب وقالت بحماس: 
_حيث كده بقى فكك من الشغل وتعالي ننزل نتغدى في أي مطعم... في مكان هنا جنب الشركة بيعملوا بيتزا إنما أيه عجب... بينا؟ 

التقطت حقيبتها مشيرة لها بنفس مصطلحها:
_بينا يا ريسة! 

تعالت ضحكاتها وشاركتها الاخرى ومن ثم هبطوا معًا للأسفل. 
                             *******
أوصل حسام الضيف الزائر للأسفل بعد أن هاتفه عُمران وأوصاه أن يُوصله للأرشيف بنفسه، فشكره بتهذبٍ: 
_شكرًا يا بشمهندس. 

رد عليه حسام باستحسان: 
_أنا في خدمتك يا باشا. 

وتركه وغادر بينما أكمل الضيف طريقه للأسفل حتى وصل للباب الحديدي، دفعه وأخذ يتطلع لذاك العالق على الدرج الخشبي بكتلة مجلدات ضخمة يرصها بانتظامٍ ويبدو الانهاك يشكل خرائطه على وجهه، فناداه بخفوتٍ: 
_أيوب! 

أطل من فوق المجلد يتأمل من يناديه، فابتسم وهو يناديه بلهفة: 
_آدهم!!!! 

وهبط إليه مبتسمًا ومتسائلًا: 
_بتعمل أيه هنا؟! 

أجابه وهو يتفحص ملابسه المتسخة باستغرابٍ: 
_جاي علشانك.

وسأله وهو ينفض الأتربة عن قميص بذلته: 
_إنت أيه اللي بهدلك بالشكل ده؟! 

أمسك أيوب يده ودفعه ليجلس قبالته على الطاولة الخشبية المتهالكة، قائلًا بتوسل:
_أبوس إيدك خلصني من عمران.. من ساعة ما شافني نازل إمبارح شايل آديرا وهو اتجنن، هالكني في الشغل وفاهم إنه كده بينتقم مني. 

تمردت ضحكة رجولية على شفتيه جعلت الاخير يرتاب لامره متسائلًا بحيرة: 
_بتضحك على أيه يا آدهم؟ 

استعاد اتزانه رغم احتفاظه ببسمته الجذابة وقال: 
_مش بينتقم منك يابو قلب طيب بيهدك عشان لما ترجع بيتك ميكنش عندك أي نية شيطانية غير النوم والاسترخاء... فهمت حاجة؟ 

فرك أنفه بحرجٍ طفيف وهمس له: 
_طيب وليه كل ده والله ما عندي نية لحاجة يا جدعان!!!  

رفع يديه بغمزة مرحة: 
_مصدقك يا عم الشيخ بس الطاووس الوقح عنده وجهة نظر محتلفة.. حظك! 

ضم شفتيه معًا بقوة وصمت قليلًا ومن ثم قال: 
_طيب ما تلين انت دماغه وتخليه يخف عني! 

استند على الطاولة وهتف له متصنعًا الحزن: 
_كنت أتمنى يا أيوب والله بس كتب كتابي بعد بكره على أخته فلو أنا اللي اتدخلت هيسيبك ويستلمني أنا! 

اعتدل بوقفته بابتسامة واسعة: 
_بجد.. هتتجوز يا آدهم؟ 

صحح له بابتسامة هادئة: 
_كتب كتاب بس والفرح بعد امتحانتها ان شاء الله. 

وضع يده على كتفه بسرورٍ: 
_مبروووك يا عمهم.. أهي دي الاخبار اللي تفرح وسط الجو المترب ده. 

رفع آدهم يده يشدد على كتفه مثلما فعل وقال: 
_عقبالك بس مع اللي تستاهلك. 

ابتسم وهو يجمع شمل الحديث، فتابع آدهم بجدية: 
_نستني كنت جايلك ليه. 

وأخرج من جيب بنطاله ساعو رجالية فخمة، قدمها له مشددًا على حروفه: 
_إلبسها ومتقلعهاش أبدًا يا أيوب على الأقل لحد ما ترجع مصر. 

تناولها منه وتفحصها باستغرابٍ: 
_ليه؟ 

نزع ادهم عنه ساعته ووضعها جانبًا، ثم وضع الاخرى بمعصمه قائلًا: 
_انت بتقول انك بتعزني معزة كبيرة فوجود الساعة دي في ايدك هتأكدلي كلامك خصوصًا اني مسافر القاهرة الاسبوع الجاي. 

انقبضت ملامح أيوب وفاضت بالحزن، فأمسك يده وقال برجاءٍ صغيرًا في عهده الثاني: 
_مينفعش تخليك هنا معانا. 

ابتسم وهو يراقب مسكة يده وقال: 
_والدي راجل قعيد ومن بعد وفاة والدتي مبقاش ليه غيري.. كل فترة بيكلمني وبيترجاني أرجع والمرادي مصمم إني أرجعله وشكله مريض فعلًا.. أنا وعدته ومقدرش أتراجع.. خايف يجراله حاجة فذنبه يكون في رقبتي. 

هز رأسه متفهمًا وردد بنبرة متحشرجة من الحزن:
_ربنا يشفيه ويباركلك فيه. 

أحاط كتفه بذراعه وقال بابتسامة جذابة: 
_هنتقابل تاني يابن الشيخ مهران... وعد لما تنزل مصر هتلاقيني أنا اللي بستقبلك في المطار.. هما كلهم تلات شهور هيعدوا بسرعة البرق.. وبعدين الموبيل اخترعوه ليه؟ 

اتسعت ابتسامة ايوب وضمه إليه، فاحتواه آدهم ومازالت تعابيره مندهشة من الحب الاخوي الغريب المتبادل بينهما، لوهلة تمناه أن يكون ذاك الأخ الذي تمنى أن يمتلكه، كان دومًا حزينًا يتساءل لماذا ابقاه والديه وحيدًا دون شقيق أو شقيقة وحينما اشتد عوده علم بأمر تعب والدته وعدم قدرتها على الانجاب فتقبل الأمر واعتاد عليه... ودعه آدهم واتجه للمحامي يرتب أوراق عقد القران بعد أن تحدث علي إليه وزف له موافقة عمه ووالدته. 
                             *****
بالمشفى. 
وقف جمال جوار والدته يحبس دموعه بتمكنٍ، ولجواره تقف زوجته عاجزة عن الحديث إليه أو حتى تهدئته، تعود الحاجة أشرقت لحديثها الباكي فتزيد من وجعه: 
_وصيتي أخواتك يا جمال، لو جرالي حاجة حطهم في عينك يا ابني.. أنا عارفة اننا تقلنا عليك وشيلناك فوق طاقتك.. مصاريف علاجي وتعليم اخواتك وجوازتهم وعمرك مرة ما اشتكيت ولا قولت مش قادر... طول عمرك اللي في ايدك مش ليك يا حبيبي.. عشان كده لو جرالي حاجه هموت وأنا راضية عنك يا ضنايا. 

انحنى تجاهها يقبل يدها الممتلئة بالمحاليل والأجهزة وردد برعشة باكية:
_متقوليش كده عشان خاطري يامه... هتخرجي والله وهتبقي زي الفل.

ربتت على خصلات شعره الفحمي بيدها الاخرى وقالت: 
_ربنا يراضيك ويسعدك زي ما انت سبب سعادتي... ربنا يجبر بخاطرك زي ما انت جابر بخاطري أنا واخواتك يا حبيبي. 

لم يحتمل سماع المزيد فبكى على يدها وهو يترجاها: 
_كفايا عشان خاطري متوجعيش قلبي يامه. 

طرقات باب الغرفة ومن ثم ولج ذاك البشوش بالورود، ليقترب منها يسيطر على حزنه لرؤيته انهيار رفيقه بحرافية، فهتف بمرح: 
_مساءو فل على أجمل ست اتخلقت في الكون كله... شوفتي المرادي جبتلك ورد أحمر علشان تعرفي إن علاقتنا اتطورت من حب وتسبيل لمرحلة مينفعش فيها الحبيب! 

ضحكت أشرقت بكل ما فيها وقالت بتعبٍ: 
_اخص عليك يا عمران يا ابني مش هتبطل بكش أبدًا. 

أبعد جمال عنها واحتل مقعده، مال لها يخبرها: 
_قومي يا شوشوو وفكك من رقدة السرير دي، بالك انتي لو غمزتلك غمزة بعيني الاجنبية دي هتقومي تجري زي الفرسة. 

انفجرت ضاحكة بشكل جعل جمال يبتسم وهو يتطلع له بامتنان لقدومه باكرًا قبل ولوجها للجراحة، وفجأة انقلبت ضحكتها لبكاء وقالت: 
_كويس انك جيت دلوقتي عشان أوصيك على جمال... انا وصيته على اخواته وماليش حد أوصيه عليه غيرك يا ابني.. أنا عارفة انك ابن اصول وصاحب صاحبك.. جمال دايما بيكلمنا عنك وعن اللي بتعمله معاه.. بالله عليك لو جرالي حاجه قوله ميزعلش وآ.. 

أمسك يدها وباحتقان صوته المعافر لبكاء صريح قال: 
_بتوصيني على ابنك ده محتاج اللي يوصيه عليا.. ابنك يا حاجة كيف الطور الهايج اللي مالوش ماسكة... ده مسكني امبارح في مكتبه مسبش حاجة الا وكسرها فوق دماغي لدرجة اني جالي ارتجاج في المخ. 

جحظت عينيها بصدمة وتطلعت لجمال بغضب لتدفعه بلوم:
_كده يا جمال.. اخص عليك اخص!! 

راقص عمران حاجبيه لجمال المنصدم من انقلاب ما حدث ليدفع كفة الميزان إليه، فعاد عمران يجذب يدها قائلًا: 
_فكك منه.. المهم يا أشرقت يا حبيبتي إنتي عارفة ايه اللي هيحصل دلوقتي؟ 

ابتسمت وهي تتساءل:
_لا والله يا ابني! 

ضحك وقال مشاكسة: 
_والدتك الله يرحمها وهي بتولدك ألقت عليكي تعويذة غريبة، إنك تستحوذي على قلوب رجالة مصر والعالم العربي كله.. قوم أيه الحاج اتضايق وكلم جمال وقاله يتصرف قبل ما البيت يتخرب مهو الراجل معزور بردو مش عارف يلم خطابك يا هانم.. 

انفجرت ضاحكة فاستطرد هو: 
_فكان لازم جمال يتصرف فاتفقنا مع دكتور شاطر هيأخد قلبك الجميل ده يفك من عليه التعويذة ويرجعهولك تاني بحيث تعيشي مع الحاج الكام يوم اللي فضلين ليه بسلام ولما يتكل على الله نجدد التعويذة ونختار على مزاج بقى.. بس أنا في أول القايمة ها؟؟ 

أحمر وجهها من فرط الضحك لدرجة جعلت صبا وجمال يبتسمان بفرحة، حتى ذاك الطبيب الذي ولج يردد: 
_جيد أن نفسيتها لم تتأثر للسوء... نحن مستعدون فلنتحرك الآن. 

كانت أصعب لحظة مرت عليهم، التحف جمال برداء القوة حتى ولجت للداخل فألقاه بمرمى الحجر وعاد للغرفة يجلس على فراشها يضم سبحتها وقرآنها ببكاء متأثر، حاولت صبا الدخول إليه ولكنها توقفت حينما وجدت عمران بالداخل فاتجهت للجلوس على الاريكة الخارجية. 

وضع عمران يده على كتف جمال وقال بخشونة: 
_أيه يالا هتعيط زي النسوان!!!  قوم اقف كده واجمد مراتك بره يا عبيط هتقول عليك أيه!! 

رفع عينه المحتقنة بالدموع إليه وقال: 
_أمي يا عمران لو حصلها حاجة هموت وراها. 

لكزه بغضب: 
_متفولش عليها والله هتخرج وهتبقى زي الفل... قوم معايا بره. 

هز رأسه نافيًا، فجلس جواره لدقائق ثم قال: 
_تحب أنزل أجبلك قهوة؟ 

هز رأسه نافيًا، فقال مرة اخرى: 
_طيب عايز دوا للصداع ولا أي حاجة؟ 

هز رأسه نافيًا، فعاد يبتسم بخفوت ويتساءل: 
_طب عايز حضن طيب؟ 

منحه نظرة غامضة فدفعه عمران بتهكمٍ: 
_انت حر.. هروح أشوف يوسف والشباب وصلوا ولا أيه؟ 

كاد بالخروج ولكنه توقف على صوت جمال الهامس: 
_عُمران. 

استدار له فقال الاخير ببكاء: 
_عايز الحضن!! 

دنى إليه وضمه بين ذراعيه فبكى جمال بخوفٍ، بينما ادمعت رمادية عمران وهمس يمازحه: 
_شوفت عمران الغرباوي اتخلى عن برستيجه وحضنك مع إن لو حد دخل علينا واحنا في الوضع ده هتضيع الهيبة وخصوصا اننا وسط الاجانب اللي ممنوع فيها سلام الرجال.. خدت بالك انا بجازف بأيه عشانك يالا!! 

ضحك حتى ادمعت عينيه فشاركه عمران الضحك حتى ولج الشباب فأسرع سيف إليه يسأله بغلظة: 
_أيوب فين يا عمران!.. 
..... 
****___******

  •تابع الفصل التالي "رواية صرخات انثى" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent