رواية الملعونة الفصل الثالث 3 - بقلم هنا عادل
فعلا ابتديت افتح الشنطة واطلع الجوابات القديمة اللى كانت بينا، كان عندي جوابات كتير جدا، اه احنا مش من زمان اوي لدرجة ان الجوابات هي اللى تبقى وسيلة المراسلة بينا لكن انا بحب الكتابة، وعلشان كده كنت بحب دايما لما اكون عايزة اقول حاجة لحد ويفضل فاكرها اكتبهاله، وكل اصحابي كمان كانوا عارفين كده وعلشان كده معايا جوابات كتير جدا، من اصحابي فى المدرسة لحد ناس من قرايبي، غير خالد طبعا، ابتديت اقرأ واضحك على الكلام بتاع طفولتنا وتفكير ايام المراهقة لحد ما وصلت لجوابات خالد، ابتديت افتح جواب ورا التاني واتحسر واندم على اني ضيعت حد كان متيم بيا بالشكل ده، لقيت واحد من الجوابات اللى كتبهولي يوم وفاة مامته، وبرغم اني كنت معاه على التليفون فى اليوم ده وهو معاها فى المستشفى، الا انه كل اللى حس بيه فى اليوم ده قرر يكتبهولي، ولقيته واصفلي كل حاجة بالتفصيل، حتى عياطه وصوته اللى كان يقطع القلب وكأنه طفل صغير لما كلمني وقاللي:
– هيام…امي بتموت، بتطلع فى الروح، انا مش عارف اعمل ايه؟
كنت فى شغلي الوقت ده ومكنتش عارفة المفروض اعمل ايه، فكرة انه بيعيط بقهرة واحساسه بالعجز وهو شايف لحظات احتضار اغلى شخص فى حياته كانت من اصعب المواقف اللى عيشتها معاه، لما افتكرت الموقف ده شوفت قدامي يوم وفاة حمايا لما وقف كريم بمنتهى الثبات خلص كل الاجراءات ولحد اخر اليوم حتى مشوفتش دمعة من عنيه، ساب مامته تبات فى البيت ورجع هو على بيتنا وطبعا كان لازم ياخدني معاه، دخل وفتح التليفزيون وحضرتله العشا واكل وشرب عصير وقهوة وكان فى منتهى الهدوء، وارد ان يبقى الشخص مش بيحب يكون ضعيف ولا حتى يظهر ده لحد، لكن مين اغلى من الام والاب؟ خاصة لما يكون اب زى حمايا…راجل طوب الارض بيحبه الله يرحمه، وحتى لو مش كويس بس ده اب، هبان ضعيفة امتى لو مش هيبان ضعفي فى وقت فراق امي او ابويا، مش عيب ده احساس، ده وجع، ده حزن مش بينفع يستخبى، لكن كريم كان قادر جدا، سواء يوم الوفاة او حتى بعدها، لما قررت اني اطبطب عليه واواسيه لما رجعنا بيتنا وانا بقول لنفسي من جوايا:
– هو اكيد مستكبر يبين حزنه علشان ميبانش انه ضعيف، لازم انا احاول احسسه اني حاسة بيه.
قربت منه وقعدت جنبه مسكت ايديه وبقوله:
– ده امر ربنا يا حبيبي، بلاش تكتم زعلك علشان….
قاطعني وهو مبتسم ابتسامة استهزاء:
– هيام اتوكلي على الله شوفي رايحة فين، ايه الهطل اللى انتي فيه ده؟ اكبري بقى ولا انتي كبيرة سن بس مش عقل.
اتكسفت بس حاولت اتعامل عادي مراعاة للظرف اللى هو فيه:
– يا كريم يا حبيبي انا عارفة انك مش بتحب تبان ضعيف، بس مش عيب والله ده ابوك مستحيل متحسش بالعضف فى موته، ده حزن وكسرة مينفعش تكتمهم علشان متتعبش.
لقيته سحب ايديه من ايديا وزقني فى كتفي وهو بيقولي مع نظرة اشمئزاز وكأن ريحتي وحشة مثلا:
– غوري من خلقتي، انا عارف الموت تايه عنك فين، ما تغوري بقى انتي كمان مأبدة ليه فى ام الدنيا.
سيبته وطلعت من الاوضة وكلامه بيرن فى ودني، مردتش عليه فى لحظتها وانا من جوايا شايفة انه مش وقت مناسب اني اتخانق فيه، لكن الحقيقة بعد ما قعدت مع نفسي وراجعت الكلام اللى قاله فى دماغي لقيت انه ميتساهلش اراعي ظروفه، رجعت وقفتله على الباب وانا بقوله:
– هو انت ليه عايزني اموت؟ طيب ما انت لو عايز تخلص مني طلقني، هو انا بجبرك تعيش معايا؟ سيبني لحال سبيلي وارتاح وريحني.
قلب القناة وانا بتكلم وتجاهل الرد عليا، مخنوقة ومن خنقتي دموعي نزلت وقولتله:
– انا تعبت والضغط ده فعلا هيموتني، هتستفيد ايه لما يجرالي حاجة، طلقني وخلينا نخلص بالادب.
رد عليا وهو باصص فى التليفزيون:
– عايزة تطلقي اخلعيني، انا مش بطلق، لو معاكي فلوس تصرفي روحي اصرفي يلا، ومش هتاخدي قشاية من الشقة….
قاطعته وقولتله:
– بص طلقني وانا مش عايزة اي حاجة والله ومش هطالبك بحاجة، لكن انا لا بتاعت محاكم ولا هعرف اعمل ده….
ضحك وقاللي:
– ولا اهلك هيسمحولك بده، يبقى تعيشي بقى وتحمدي ربك على العيشة اللى انتي فيها، عملتلك بيت، وغوري فى داهية بقى ولا روحي باتي عند امك ولا اي زفت.
اه دي كانت طريقته معايا، انا مش ببرر خيانة، مش بدي اسباب، انا بحتقر نفسي اني استحملت كل ده، بحتقر اهلي انهم سمحولي اكمل واعيش فى الاهانات دي كلها، سيبته ودخلت اوضة تانية وقعدت اعيط لحد ما نمت وهو ولا شغل باله بيا، رجعت تاني للجواب اللى معايا واللى كان كاتبلي فيه خالد:
– هيام مكنتش محتاج حد جنبي فى اصعب لحظات مرت عليا من يوم ما اتولدت غيرك، كان نفسي ايديك هي اللى تطبطب عليا وتمسح دموعي وعارف ان انتي الوحيدة اللى هتحسي بوجعي، برغم ان صوتك كان مش مفارقني لكن كنت تايه من غير امي وحاسس ان انتي اللى هترجعيني لعنواني من تاني.
ابتسمت ابتسامة حسرة وقفلت الجواب اللى فكرني بحاجات خلتني اعيط، فتحت واحد تاني وشوفت هو ازاي بيتكلم عن تفاصيلي…الفاكهة اللى بحبها، عنيا، ضحكتي، عصبيتي، زعلي وحتى هزاري وفرحتي…كلها حاجات مفتقداها وخلتني اقول لنفسي:
– ماهو لما تضيعي حد زي ده من ايديكي يبقى لازم تقعي فى واحد زى كريم ده.
فضلت على الحال ده شوية وقت براجع فيه ذكريات كتير، ضحكت وعيطت وحسيت بالحنين، ندمت، خلصت الجوابات اللى كانت فى الشنطة ورنيت على كريم اللى رد عليا بسرعة وهو بيقول:
– التليفون بيرقص.
ضحكت وانا بقوله:
– عرفت منين اني انا؟
كريم:
– حسيت يابنتي، انتي ناسية ولا ايه؟
قولتله وانا بضحك ومن جوايا بندم:
– لا مش ناسية، طول عمرك بتعرف ان انا اللى بكلمك حتى لو من رقم غريب، انت مخاوي يابني ولا ايه؟
كريم بيضحك:
– لاء يابنتي مش مخاوي، ده الاحساس يا هانم، تسمعي عنه ولا ايه؟؟؟
رديت وانا بحاول مبينش الحسرة اللى جوايا:
– طبعا، هو انا لو مش بحس كنت حسيت اني عايزة اطمن عليك؟
لقيت رد صدمني لما قاللي:
– لاء يا هيام، انتي كلمتيني بسبب اللى انتي فيه، حسيتي بأنك خسرتيني، حسيتي بأنك جيتي عليا وظلمتيني، انتي افتكرتيني لما عرفتي انك اختارتي غلط، اجبرتيني اني ادور على غيرك علشان اتخلص من وجع قلبي بسببك، دلوقتي موجوعة انتي يا هيام.
كنت ساكتة، ساكتة ومش قادرة ارد، دموعي نازلة ولو اتكلمت هنهار من العياط، بس هو قاللي:
– عادي يا هيام انا مسامحك، عيطي بلاش تكتمي زعلك جواكي، طلعي كل حزنك وانا هسمعك ومعاكي لحد الاخر، ولما تهدي احكيلي انا من زمان بتمنى اسمعك.
بعد اخر كلمة قالها عيطت جامد وكأن بقالي سنين حابسة دموعي واخيرا افرجت عنها، بقيت بعيط بانهيار وقهرة موقفهاش غير صوت موبايلي وقبضة قلبي لما شوفت اسم كريم على التليفون، رميت سماعة التليفون من ايدي وحسيت انه شايفني وانا بتكلم، رديت بسرعة:
– ايوة ياكريم.
كريم:
– انا هتغدا برة وهاجي متأخر، قولتلك علشان متتصليش تسألي، مشوفش رنة منك على تليفوني النهاردة.
قبل ما ارد ولا اقول حرف واحد كان قفل الخط اصلا، لحظات قعدت باصة للتليفون وافتكرت خالد اللى رميته على التليفون من غير ما استأذنه حتى، مسكت سماعة التليفون وانا بقوله:
– اسفة يا خالد..
ابتسمت وحسيت بأن اللى بعمله مش غلط فى حق كريم لأنه يستاهله وقولت وانا بمسح دموعي اللى كانت مغرقة وشي:
– عايزة اشوفك.
خالد:
– كدابة يا هيام.
رديت:
– هو ايه اللى كدابة؟ بقولك عايزة اشوفك؟
خالد:
– كدابة والله، انتي مش هتشوفيني، ومش هتقدري تقابليني، انتي تخافي تعملي كده ومش طبيعتك انك تكوني مع حد وتقابلي غيره، انتي بس علشان متغاظة من جوزك بتعملي….
قاطعته وانا بقوله:
– صح، هو انت جايب اللى بتقوله ده منين؟ تعرف منين انت علاقتي بجوزي؟
خالد:
– انا عارف عنك كل حاجة، انا فضلت كذة سنة بعد ما انتي اتجوزتي مستني انك تطلقي يمكن نرجع لأني عارف انك مش مرتاحة، لكن لقيتك استقريتي واتأقلمتي…
قاطعته تاني:
– ايوة، عارف منين؟
خالد بيضحك:
– من جوزك…ههههههههههههه.
برقت وتنحت وانا بقوله:
– من جوزي!! من كريم؟ ازاي يعني مش فاهمة؟ انت تعرف كريم منين؟
خالد بيضحك ضحك متواصل لأكتر من نص دقيقة مثلا، وانا هموت من الرعب والاستغراب، سألته تاني بحدة:
– ما تتكلم يا خالد، انت تعرف كريم منين؟ وايه اللى يخليه يحكيلك اصلا عن علاقته بيا؟
خالد وهو لسه بيضحك اتكلم:
– ما هو انتي متعرفيش ان جوزك صاحبي، ده انا وهو نعرف بعض من سنين، ده حتى النهاردة هيتأخر علشان هيكون معايا.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية الملعونة) اسم الرواية