رواية ضروب العشق الفصل الثالث 3 - بقلم ندى محمود توفيق
(( ضروب العشق ))
_ الفصل الثالث _
داخل أحد النوادي التي تجمع بين الطبقة المتوسطة والغنية . كانت الأضواء مزعجة بعض الشيء وعلى كل طاولة مجموعة أصدقاء أو عائلة جاءوا لقضاء وقت جماعي وممتع باستثناء طاولة ! .
حيث تجلس فتاة عليها وتقوم بمذاكرة أحد دروسها الجامعية استعدادًا لامتحان غدًا ، غير مكترثة لأصوات الثرثرة والأزعاج من حولها وعندما شعرت بالصداع يتمكن منها فقررت أن تنهض وتطلب كوب قهوة لها حتى تكمل آخر درس وترحل قبل تأخر الوقت ، وبينما هي في طريق عودتها لطاولتها وهي بيدها كوب القهوة وباليد الأخرى هاتفها تتفحصه بتركيز شديد ، اصطدمت بأحدهم وشهقت بفزع عندما وجدت جزء من القهوة سكب على قميصه الأبيض ، رفعت نظرها له وقالت باعتذار ونظرة قلقة ومرتبكة من ردة فعله التي ربما تحتمل الغضب :
_ أنا آسفة أوي أوي
نظر هو لقميصه الأبيض الذي تلطخ جزء منه بالقهوة وكتم غيظه ثم عاد ينظر لها وقال بنبرة محترمة وبابتسامة راقية :
_ ولا يهمك يا آنسة حصل خير
دققت رفيف النظر به جيدًا ثم هتفت فورًا بعفوية :
_ إنت إسلام ابن طنط منى واخو ملاذ ؟
قطب حاجبيه باستغراب لمعرفتها اسمه وعائلته الصغيرة ، وخرج صوته مستفهمًا :
_ أيوة أنا ! .. إنتي تعرفيني من فين ؟
_ أنا أخت زين .. " رفيف "
بدا طبيعيًا جدًا ولم يبدى أي اندهاش فقط مد يده ليصافحها هاتفًا بابتسامة عذبة :
_ آهااا أهلًا وسهلًا تشرفت بمعرفتك .. اعذريني لو مش فاكرك
بادلته الابتسامة ولكنها كانت ابتسامة رقيقة وقالت باعتذار جديد :
_ لا عادي .. آسفة مرة تاني مخدتش بالي والله ، هتعمل إيه في القميص؟
نظر للقميص زامًا شفتيه بعدم حيلة وشيء من الخنق ثم عاد يرسم الابتسامة على وجهه وهو يقول :
_ في واحد صاحبي جايني دلوقتي هقوله يجبلي قميص معاه
أماءت له بالإيجاب ثم اعتذرت بذوق وانسحبت وهو كذلك قاد خطواته على عكازه إلى طاولته التي كانت على الجانب المقابل لها وأخرج هاتفه يتصل بصديقه ويخبره بأمر القميص .. وبقى لدقائق في انتظاره يحتسي كوب الكاكاو الخاص به وينقل نظره بين الجالسين والمارين وأحيانًا يقع نظره عليها وهي مندمجة في استذكار دروسها ، فتعجب أنه كيف لها أن تدرس في وسط كل هذا الأزعاج ! .
ماهي إلا نصف ساعة وحتى انضم صديقه لجلسته وهو يهتف بعد أن وضع الكيس الذي يحتوى علي القميص أمامه :
_ إيه ماله قميصك ياباشا ؟!
نظر لرفيف حتى يتأكد أنها لا تراه وقرب رأسه قليلًا من صديقه هامسًا حتى لا تسمعه :
_ البنت اللي هناك دي خبطت فيا بالغلط وقهوتها اتكبت على القميص
نقل نظره إلى ما يشير له بعينه فوقع عيناه عليها وظل للحظات يتفحص ملامح وجهه ثم عاد بنظره مجددًا لصديقه وهمس مشاكسًا :
_ يارتني أنا ياخي !
ضحك بخفة ثم هب واقفًا وجذب عكازه والقميص مغمغمًا :
_ هروح أغير القميص في الحمام ولغاية ما آجي اطلب لينا سندوشات أي حاجة لإني جعان وكنت مستنيك
قال مستنكرًا ضاحكًا :
_ هو إنت من إمتى مكنتش جعان أصلًا ، إنت 24 ساعة جعان يامعلم
انحنى قليلًا وهو يهمس محذرًا مانعًا ضحكته :
_ احنا في مكان عام فمتخليش لساني يغلط بالالفاظ
قهقه الآخر بقوة واستدار هو متجهًا إلى الحمام فنظرت هي له عندما مر من جانبها ولاحظت عكازه ولكنها لم تكترث لهذا كثيرًا ولفت رأسها ناحية طاولته فرأت صديقه ينظر لها وعندما التقت عيناهم ابتسم لها فخفضت نظرها في الكتاب فورًا بتوتر وخجل ولم تكف عن لعن نفسها وغبائها الذي وضعها في هذا الموقف المحرج ، وقررت أن تنسحب بهدوء قبل وقوع مصائب أكبر ، ثم استقامت ولملمت أشيائها وغادرت بسرعة البرق ، وعندما عاد هو بعد دقائق لاحظ فراغ الطاولة منها فنظر إلى صديقه بنظرة فضولية فيجيبه هو ضاحكًا :
_ بعد ما أنت قمت هي بصت عليا فأنا ابتسمت وبعديها علطول لمت حاجتها ومشيت شكلها اتكسفت !
نظر اسلام لصديقه بغيظ وهتف بغضب :
_ إنت متخلف يابني بتضحكلها ليه .. ماطبيعي تتكسف وتمشي
استمر في ضحكة بينما هو فتأفف وجلس على المقعد واكمل احتساء كوبه الذي تركه ناقصًا.
***
خرج حسن من المنزل واستقل بسيارته ثم انطلق بها وأشارت هي لسائق التاكسي أن يلحق به ، وبعد دقائق توقفت سيارته أمام المكان المقصود ، وترجلت من السيارة ثم اختبئت بمهارة حتى لا يراها ، أما هو فقاد خطواته نحو الداخل والذي كان عبارة عن ملهى ليلي لا يضم سوى أصحاب الطبقات الراقية ! .
توقفت من الخارج تنظر له خلف الزجاج وهو ينضم لإحدى فتيات الليل ويجلس بجوارها ثم يبدأ في طلب كأس الڤودكا خاصته ، وكانت الفتاة تتلفت حولها باحثة عن أحدهم حتى وقع نظرها على يسر من خلف الزجاج وأشارت لها يسر بأن تبدأ ، فأماءت بالموافقة والتفتت ناحية حسن ثم اقتربت منه بطريقة مغرية والتصقت به وكشفت على ساقها من الرداء الليلي الذي ترتديه حتى تسير الخطة كما يجب ، وكانت يسر من الخارج تلتقطت الصور بزاويات تعبر عن وضعهم الغير لائق واستغلت الفرصة عندما وجدتها تطبع قبلتها بجانب شفتيه ، والتقطت الصورة فورًا ، ثم وجدتها تنظر لها كأنها تسألها هل يكفي هذا فأماءت لها بالموافقة وأشارت بيدها على شيء أمامهم ففهمت هي مقصدها وشرعت في تنفيذه ، بينما هو كان غير مكترث لها تمامًا فقط يقلب نظره بين الفتيات بنظرات وقحة ، مما زاد إصرار يسر على معاقبته فهذا الفاسق يحتاج لشيء يعيده لرشده .. كانت تحترق غيرة وهي ترى هذه العاهرة تجلس بجانبه وتلمسه بإثارة وهو لم يبدى أي اعتراض ، ياله من وقح وفاسق .. ولكنها اقسمت أنها ستخرجه من هذه القذرات قريبًا ! .
بالداخل ........
تحدثت الفتاة له بنبرة وضيعة :
_ ألا قولي ياحسن بيه ، هي مش يسر العمايري بنت عمك !؟
نظر لها عند ذكرها ليسر وقال بتعجب :
_ آه إنتي تعرفيها من فين ؟!
_ كانت معرفة قديمة !
ابتسم بسخرية وقال بوقاحة دون أي اعتبار أن هذه الفتاة ابنة عمه وسمعتها من سمعته :
_ لا ده أنا بعد كدا هغير وجهتي مدام بنت عمي تعرفك مش بعيد تكون زيك ، ليه أدور برا ! .. قال معرفة قديمة قال !!
قالت بتصنع الضيق :
_ أخس عليك ياحسن بيه ، إيه زيك دي إنت بتغلط فيا كدا !!
أطلق ضحكة مرتفعة ومستهزئة وقال بنظرة شياطنية وجريئة :
_ احنا هنستعبط يابت !! ، هتعمليلي فيها شريفة ولا إيه ، تحبي أفكرك بالليلة إياها !
أطلقت ضحكة أنوثية مرتفعة ومثيرة ، فرأتها يسر من الخارج وهي تضحك هكذا وهو يبتسم فبصقت عليهم باشمئزاز وهمست بتقرف وتوعد :
_ بسببك بتعامل مع الأشكال ال***** دي وبتفق معاها كمان ، صبرك عليا بس دي لسا البداية
لحظات قليلة ووجدتها تنهض من جانبه وتنسحب من أمامه للخارج دون أن يلاحظها وتقابل يسر في الخارج التي جذبت من يدها التسجيل الصوتي وقالت بشراسة :
_ عملتي اللي قولتلك عليه ؟
قالت الفتاة بثقة ونظرة وقحة :
_ طبعًا ياهانم اطمني ده قطع فيكي جوا .....
قاطعتها بحدة وهي تصيح بها بغضب :
_ إنتي هتنسي نفسك ولا إيه يابت عملتي اللي قولتلك عليه وأهي فلوسك ، وقسمًا بالله لو سمعت إنه عرف إني كنت هنا لاكون محياكي من على الوش الدنيا كلها
تقهقرت الفتاة بخوف وهتفت بتوتر وهي تجذب دفعتها من النقود منها :
_ مش هيعرف حاجة متقلقيش
رمقتها بنظرة احتقارية أخيرة قبل أن ترحل وهتفت بسخط :
_ جاتك القرف إنتي وهو !!
ثم استدارت واستقلت بالسيارة الذي أتت بها إلى هنا ، وستأخذها للمنزل مجددًا .
***
مر يومان دون أحداث جديدة في اليوم بالنسبة للكل .. زين ينشغل بعمله كالعادة وملاذ لا تزال تحسم قرارها النهائي حتى تخبرهم بقرارها .. أما حسن فكما هو في عالمه الخاص والقذر ويسر تنتظر الوقت المناسب لتطلق السهم عليه .. أما شفق فتواصلت مع أخيها هي وأمها مرة واحدة منذ ذهابه وكرم مازال يبحث عن قاتل زوجته ولا يتوقف ليوم واحد عن محاولة جمع أي معلومات عنه .
أما اليوم فسيكون يوم المفاجآت العالمية بالنسبة للكل ، وقد تكون فجائع للبعض وليست مفاجآت ! .
فتحت هاتفها عندما سمعت صوت أشعار ينبه بقدوم رسالة لها على تطبيق الواتس آب ، ووثبت واقفة عندما رأت صورها مرسلة من رقم مجهول ، وكانت صورها التي التقطتها لها زينب بملابسها الجديدة ، ظلت متسمرة بأرضها تتطلع في الصور بذهول وقد شعرت بارتعاشة جسدها ورعبها الذي استحوذ عليها ، بالأخص عندما وجدت هذا الرقم يتصل فأجابت فورًا صائحة به بغضب ممتزج بالارتباك :
_ إنت مين وجبت الصور دي منين ؟!
أتاها صوته الهادئ والخبيث :
_ اهدى ياقمر .. من غير عصبية كدا إنتي كنتي عجباني وزاد اعجابي بعد الصور الجامدة دي ، فإنتي هتجيني على المكان اللي هقولك عليه بالذوق ومن غير شوشرة وإلا أنا مش محتاج أشرح اللي هعمله بصورك دي
ابتلعت ريقها برعب حقيقي عندما سمعته يطلب منها القدوم لمقابلته ، ولكنها استجمعت قوتها وصاحت :
_ إنت تعرفني من فين أصلًا !
_ أعرفك كويس أوي يامزة ولما تاجي هنتعرف أكتر كمان ، هبعتلك العنوان بالتفصيل في رسالة بالوقت اللي هنتقابل فيه بليل وتاجي وإلا إنتي عارفة
_ آجي فين إنت مجنون ، وهتمسح الصور دي بالذوق وإلا والله هوديك في ستين داهية أنا أخويا ظابط
قالت جملتها الأخيرة بتهديد بريء ، بل كان تهديدها كله تهديد طفلة لشخص راشد ، تهدده وهي خائفة ومرتشعة دون أن تملك الثقة في نفسها مطلقًا .
أصدر هو ضحكة متأججة وأجابها ساخرًا :
_ أنا قولتلك اللي عندي وميهمنيش أخوكي ظابط ولا غيره ، لو مجيتيش بليل هتلاقي صورك منشورة على كل مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة جوجل نفسها وابقي ووريني حضرة الظابط هيعرف يلم الفضيحة إزاي بقى ، فأنتي لو ناصحة متجيبيش سيرة لحد وتخلينا نستمتع مع بعض في هدوء من غير ما نعمل مشاكل ، هستناكي ياقطة بفارغ الصبر
ثم انهى الاتصال معها وبقت هي كالآلية مكانها لا تصدر صوت ولا حركة ولا أي شيء ، حتى سمعت صوت هاتفها يهتز معلنًا عن وصول رسالة جديدة ففتحتها فورًا لتجد العنوان الذي كان في منطقة مهجورة ومشبوهة ولا يجوز ملطقًا لفتاة بأن تدخلها بمفردها وبالأخص بالليل . فالقت الهاتف على الفراش وجثت على الأرض هامسة بذهول وأعين سابحة بهم الدموع :
_ هعمل إيه في المصيبة اللي أنا فيها دي .. وحتى سيف مش موجود ، أنا مستحيل أروح أقابل واحد غريب في منطقة زي دي .. يارب ساعدني يارب
***
فتحت الباب بعد أن سمح لها بالدخول ، وسارت نحوه وهي تحمل بيدها كوب القهوة الخاصة به ثم وضعته أمامه على مكتبه المتوسط وجلست على الفراش موجهة حديثها إليه برزانة :
_ مش ناوي بقى ياكرم تبعد عن موضوع اللي قتل أروى ده وتسيب البوليس يشوف شغله معاه
ليس من عادته أن يرفع نبرة صوته على والدته ، بل لم يفعلها منذ صغره وهو يحاول منع انفعالاته أمامها الآن حيث قال بنبرة واضح عليها الاستياء :
_أنا مش فاضي يا أمي !
استقامت واقتربت من مقعده جالسة في وضع الاستعداد وهي تستند بيدها على حافة المقعد وتطالعه بدموع امتزجت بنبرتها المتوسلة :
_ ابوس إيدك يابني ، أنا مقدرش أشوف فيك ضرر إنت وأخواتك ولو حصلك حاجة لقدر الله من ورا المجرم ده هموت فيها
فر استيائه وحل محله الحنان والرقة التي تذيب قلب أي امرأة حتى أمه ، وأمسك بيدها هامسًا بنعومة :
_ بعد الشر عليكي ياست الكل ، وبعدين هيحصلي إيه يعني ، أساسًا ميقدرش يعمل حاجة معايا ده واحد قاتل وهربان من الحكومة
هبت واقفة وصاحت به بانفعال أمومي خائف :
_ اديك قولت قاتل .. معنى كدا أنه مش هيتردد لحظة في إنه يقتلك كمان ، ولو معملكش حاجة إنت مش هتسيبه سليم وهتخش فيه السجن وفي كلتا الحالتين هخسرك ، ليه هتضيع نفسك يابني عشان واحد قذر زي ده .. فكرك إن اروى مبسوطة كدا وهي شيفاك بتقضي على حياتك وحتى الجواز رافضه بتاتًا
عادت نظراته للحدة مجددًا وهو يجيبها بشراسة :
_ أيوة هي فعلًا مش مبسوطة .. مش مبسوطة لإني مخدتلهاش حقها ، ده مش واحد قتلها بعربية ولا مسدس ولا سكين ، ده مسألة شرف وأنا يستحيل أسيب حق مراتي يضيع كدا ، هاخد حقها حتى لو على موتي .. وانتقامي منه هيكون مختلف زي طريقة قتله ليها ، وأنا معنديش حاجة أخاف عليها لا زوجة ولا عيال وإنتي ورفيف الحمدلله زين وحسن موجودين يعني غيابي مش هيأثر عليكم
صدمها رده الذي لا يحمل أي مسئولية ، وكأنه مراهق متهور لا يعرف الخطأ من الصح ويسير إينما تلقى به الرياح حتى وإن كان طريق كله الغام .. فكان الرد منها صادم أيضًا بالنسبة له حيث قالت بصرامة وجدية تامة :
_ إنت عايز تنقطني ياواد ، إيه الجنان اللي بتقوله ده إنت أكيد مش واعي للي بتقوله ! .. أنا مش بقولك متخدش حقها لا طبعًا خد حقها وانتقملها بس بالقانون مش بالبلطجة ، واسمع بقى ياكرم والله العظيم لو أذيت الواد ده وعملت فيه زي مابتقول اتأكد إنك خسرتني للأبد وهغضب عليك لآخر نفس فيا .. وابقى لما تلاقيه اختار ياتاخد حق مراتك بالقتل وتحرق قلبي عليك يإما تاخد رضايا عليك اللي هينفعك في دنيتك وآخرتك ، وأنا قولتلك أهو وحذرتك
هب واقفًا ثائرًا وهو يهتف بضجر شديد :
_ إنتي ليه مش عايزة تفهمي اللي جوايا ، أنا جوايا نار بتاكل فيا وبتزيد كل ما افتكر واتخيل اللي حصلها ، دي مراتي يا أمي وكانت أسبوع بس و هتبقى في بيتي ومعايا ، محدش فاهم وجعي ولا المي ، من جهة إني خسرتها قبل ما احصل عليها أصلًا ومن جهة الطريقة اللي ماتت بيها ومن جهة شوقي ليها ، وصورتها اللي مبتفارقش أحلامي من ساعة ما ماتت .. واللي واجعني اكتر إنها كانت حبيبتي مش مراتي بس وكنت مستني اللحظة اللي نجتمع فيها مع بعض في بيت واحد واتحرمت من ده كله ، بسبب ال******** اللي بتقوليلي لو أذيته هغضب عليك ، عايزاني انسى اللي حصل واقول يلا مش مشكلة ماهي ماتت والحي ابقى من الميت وهو مسيره ياخد جزائه .. أنا آسف يا أمي سامحيني ارجوكي بس مش هقدر أعمل اللي بتطلبيه مني ، لإني لو مخدتش حقها ناري اللي جوايا هتقتلني وتحرقني أنا
ثم انصرف من أمامها ومن الغرفة بأكلمها ، وتركها في نازلتها التي سيترتب عليها خسارتها لأحد ابنائها وزهرة قلبها ، فما كان عساها شيء سوى البكاء بحرقة وهي تندب حظها وتنوح بصوت خفيض كأنها في عزاء أحدهم .. فقد خسرت زوجها جراء لحادث أليم وكانت ستفقد معه ابنها الذي هو كان رافض الزواج ايضًا بسبب ماضيه الذي لا يرحل عن باله واقنعته بصعوبة أخيرًا بالزواج ، وحسن الذي لا يحمل مسئولية شيء مطلقًا ويعيش لنفسه فقط ، وكرم الذي سيقضى على نفسه بسبب غضبه وتهوره وحزنه على زوجته .. ماذا عساها أن تفعل مع ثلاث رجال كهؤلاء سوى الدعاء لهم بالهداية ! . احست بانفاسها تضيق وإنها لا تقوى على الوقوف فسقطت فاقدة للوعى جراء مرضها بالقلب ! .
***
داخل أحدي المستشفيات ...
كان يسير إيابًا وذهابًا في الطرقة أمام الغرفة الكامنة فيها أمه ، ويلعن نفسه في اللحظة ألف مرة لأنه السبب في كل هذا ، وشقيقته تجلس على أحد المقاعد ولا تتوقف عن البكاء ، اقترب منها وانضم لها على مقعد مجاور لها وضمها لصدره هامسًا :
_ خلاص يارفيف ، كفاية عياط إن شاء الله هتبقى بخير .. ادعيلها ربنا يقومها بالسلامة
لم تجيبه واكتفت ببكائها بين ذراعيه ، أما هو فانتبه لحسن الذي يتجه نحوهم راكضًا وثواني حتى وقف أمامهم وقال بصوت لاهث ووجه مذعور :
_ حصل إيه ياكرم ماما مالها ؟
_ لسا الدكتور مطلعش من عندها ، قولت لزين ؟
هز رأسه نافيًا وأجاب برزانة :
_ لا لما يطمنا الدكتور عليها هتصل بيه بلاش نقلقه من دلوقتي ، فهموني حصل إزاي ده ؟
تحدثت رفيف بصوت مبحوح ونبرة واضح عليها البكاء العنيف :
_ كانت بتتكلم مع كرم وأنا سمعت صوتها بتزعق معاه وبعدين هو طلع وسابها وأنا طلعت أشوفها لقيتها واقعة على الأرض
تأفف حسن بعنف بعدما توقع سبب شجارهم ونظر إلى أخيه شزرًا هاتفًا بغضب هادر :
_ إنت مش عارف إن أمك عندها القلب يعني ! ، ولا هو عشان تاخد حق مراتك هتخسر أمك بسبب عنادك ياكرم
أشار إلى رقبته وأجابه بوجه محتقن بالدماء :
_ حسن أنا واصلة معايا لهنا ، متتكلمش معايا نهائي
أماء بحدة وغيظ وتمتم وهو غير واعي لما يخرج منه فمه :
_ آه ما أنت أهم حاجة عندك مراتك ، مش مهم أمك يحصلها حاجة ولا تموت ، ابقى خلي انتقامك لمراتك ينفعك لما أمك تحصلها بسببك
وثب واقف ورفع سبابته في وجهه محذرًا إياه بنظرة مميتة :
_ آخر مرة هقولهالك ، اتجنبني خالص ياحسن ، وموضوع مراتي محدش ليه دعوة بيه ، متشغلوش بالكم بيا بس ومحدش هيحصله حاجة
ثم انصرق وترك أخيه يتابعه وهو يغادر مندهشًا ، ثم عاد بنظره إلي شقيقته وقال :
_ شايفة بيقول إيه !! ، لا ده اتجن على الآخر
_ سيبه ياحسن متتغطش عليه ، هو كمان معذور حط نفسك مكانه وهتفهمه ، وعلى فكرة هو قلقان على ماما أكتر مننا
صاح حسن في انفعال :
_ ياعم أنا مقولتش إني مش فاهمه ولا إن هو مش قلقان على ماما ، بس يعمل حساب إن أمه مريضة ومش بتستحمل ويمسك أعصابه قدامها ، كلنا بنحاول نبعد عنها الضيق عشان متتعبش وهو مجرد ما حد يفتح معاه موضوع اروى بيتحول
قطع حدوثهم خروج الطبيب من الغرفة فركضت رفيف أولًا له تنتظر منه أن يخبرهم بوضع والدتهم ، وكان حديثه أعاد لهم الحياة من جديد حيث قال :
_ اطمنوا الحمدلله هي كويسة بس ياريت تتجنبوا إنها تتعرض لمواقف تزعلها أو تعصبها ، هي دلوقتي فاقت وزي الفل تقدروا تدخلوا ليها
_ تمام شكرًا يادكتور
قالها حسن ممتنًا بإبتسامة واسعة ، أما رفيف فلم تنتظر شيء حيث هرولت إلى داخل الغرفة وعانقت والدتها بقوة وهي تهتف بسعادة ممزوجة بالدموع :
_ حمدلله على سلامتك ياماما ، ليه كدا تضايقي نفسك إنتي مش عارفة وضعك يعني ياماما
غمغمت بصوت متعب ومنخفض :
_ الحمدلله ياحبيبتي
رأت حسن الذي انضم لهم للتو واقترب من فراش والدته ثم انحني وطبع قبلة رقيقة على جبهتها مغمغمًا بابتسامة مداعبة :
_ طاب ما إنتي زي الحصان أهو يادود ، أمال عايزة تقلقينا بس وخلاص عليكي
نظرت هدى إلى ابنتها وقالت بتصنع الضيق مازحة :
_ إيه اللي جاب الواد ده هنا
ضحكت رفيف بقوة وانطلقت هو منه ضحكة رجولية متأججة وأجابها معاتبًا :
_ اخص عليكي ده جزاتي يعني ياست الكل
نقلت نظرها بين أركان الغرفة ثم قالت باستغراب وقلق :
_ كرم فين ؟
تمتمت رفيف وهي تنظر لحسن بلوم :
_ اتخانق مع حسن قبل ما يطلع الدكتور من عندك وشكله طلع يقعد برا ، هروح انده وأقوله إنك فوقتي
ثم استقامت وغادرت ، بينما حسن فكان يخطف نظرات إلى والدته التي تطالعه باستياء وعتاب شديد ، وقبل أن ترمي عليه عتابها وغضبها قال :
_ متبصليش كدا ، هو غلطان !
_ لا مش غلطان .. إنت عارف أخوك عمره ما على صوته عليا ، أنا اللي حصلي ده بسبب خوفي عليه ليعمل حاجة في نفسه بسبب عنده .. وإياك ياحسن تكلم أخوك وتشد معاه تاني ، ده بيني وبينه ملكمش دعوة إنت وزين
جلس على حافة الفراش وقال ساخرًا بابتسامة :
_ حاضر مش هنقرب من ابنك حبيب قلبك ، بس أنا بقى مش هتدخله في أي حاجة
أظهرت عن وجهه الغاضب وقالت :
_ أهو إنت اللي هتتعبني .. هتتدخل ياحسن إنت وعدتني وإلا ....
قال ضاحكًا بمشاكسة :
_ من غير وإلا ياعم ، بهزر معاكي أكيد مش هسيبه يودي نفسه في داهية المتخلف ده
عادت الراحة لقسمات وجهها وقالت باسمة بحب أمومي :
_ ربنا يكرمك ياحبيبي ، أيوة كدا خليك ورا أخوك ومتسبهوش
قطع حديثهم دخوله الغرفة فرأى حسن أمه تشير له بعيناها إلى الباب ، ففهم مقصدها ووقف وغادر تاركًا إياهم بمفردهم ، وظل كرم متصلبًا بأرضه مطرقًا أرضًا ، يخجل من ان يرفع نظره في وجه والدته بعد أن فعله في الصباح معها ، حتى أتاه صوتها الناعم والحاني وهي تطلب منه الجلوس بجانبها ، فلبي طلبها وجلس بجوارها والتقط كفها يلثم إياه برقة ورفع نظره لها فرأت الدموع المتجمعة في عيناه وهو يهمس لها بندم وخجل :
_ أنا آسف يا أمي سامحيني والله ما أقصد اضايقك ، أنا مش عارف إزاي اتعصبت كدا عليكي
ثم دفن وجهه بين كفها وانفجر باكيًا كطفل صغير ، فانفطر قلبها عليه وملست بكفها الآخر على شعره الناعم هامسة بصوت يغالبه البكاء :
_ أنا مش زعلانة منك ياكرم والله ، وعذراك ياحبيبي ، أنا كل اللي بعمله ده بسبب خوفي عليك
رفع وجهه عن كفها وغمغم بخفوت :
_ غضب عني بعمل كل ده والله ، حاولت كتير إني اشيل من دماغي الأفكار دي وأخد حقها بالقانون بس رجولتي وكرامتي مش بتسمحلي ، أنا متأكد إنك حاسة بيا وباللي جوايا وعشان كدا مش بتزعلي مني ، بس من هنا ورايح هعمل اللي يريحك ويرضيكي
لاحت ابتسامة ساحرة على وجهها ، كلها رضا وحب لفريدها الذي أنعم الله عليها به ، ثم مدت يدها ووضعتها على وجنته هاتفة بثقة تامة وابتسامة دافئة :
_ إنت فاكر إني خايفة إنك تقتله لا أنا خوفي الحقيقي عليك منه ، لكن إنت متعرفش تأذي حد ياكرم حتى لو كان واحد قاتل ومجرم ، إنت بتقول هقتله بس أنا جوايا واثقة مية في المية إنك مش هتقدر تعملها ، ابني اللي ربيته مبيعرفش يأذي نملة بقى معقول هيأذي إنسان ويقتله مستحيييل ، عارف لو كان حسن أو زين أقولك أخاف فعلًا إنهم ممكن يقتلوه لكن إنت مخفش إنك تقتله أنا خايفة عليك .. خايفة يلبسك تهمة ويدخلك السجن أو يأذيك
أطرق رأسه في خنق واستياء من نفسه وهو يجيبها ينفى حديثها :
_للأسف في دي أنا مش هكون ابنك اللي ربتيه ومقدرش اوعدك بحاجة أنا عارف إني مش هقدر اوفى بيها
غمغمت هدى برزانة وصوت رخيم :
_ عشان كدا بقولك خد حقها بالقانون ، هي مستحيل تبقى مبسوطة لما تتأذي بسببها ، لكن لما تاخدلها حقها من غير ما تأذي نفسك هتفرح وهترتاح
تمتم باستسلام مؤقت وخضوع تام لها :
_ حاضر هشوف يا أمي إن شاء الله هعمل إيه ، يرجع بس سيف من المأمؤرية دي وهكلمه
قبضت على كفه في حنو أمومي وغمغمت بدفء :
_ ربنا يحميك يابني ويريحك زي ما ريحتني
طالعها بابتسامة بسيطة فبادلته بابتسامة محبة وحانية ...
***
هل يمكن أن ينمو عشق نشأ من الكذب والخداع ! .
كانت تقول دائمًا أن العشق ثقة وهي الآن ستقبل بالزواج من رجل ، وقبل أن تأخذ هذا القرار دمرت مبدأ العشق لديها ، فهي هدمت الثقة بينهم قبل أن تبدأ ! .
ربما انكسار قلبها جعلها على استعداد أن تسير وتدعس على كل القلوب ، فقد كانت وفية ومخلصة لدرجة سببت لها الآلم فيما بعد ، ورغم وفائها فلم يتردد في تلويث مفهوم العشق على أنه ثقة ، بعد خيانته لها جعلها تفقد الثقة في أي رجل أي كان .. فقدت الثقة ولكن مازالت تحبه وهذا هو سبب زواجها !! .
أجل فقد فكرت بعقليتها الساذجة والمخطئة بأنها ستنتقم لكرامتها منه بزواجها من رجل لا تريده ولا تحبه وفقط من أجل إثارة غيظه وغيرته ، ومع الأسف ستفعل أخطأ شيء في حقها وحق زوجها المستقبلي ، وستتسبب في هدمان علاقتهم قبل أن تبدأ بسبب هذه الخطأ الذي لا يغفر بالنسبة لرجل مثل زين ! .
انفتح الباب ودخلت أمها وهي تحمل على يديها ملابسها المغسولة ووضعتها على السرير أمامها ، وقبل أن ترحل أوقفها صوت ابنتها وهي تنده عليها فالتفتت وقالت :
_ ايه ياملاذ مالك ؟!
_ هي طنط هدى مردتش عليكي ولا حاجة ؟
ابتسمت الأم بسعادة وعادت فورًا لتجلس بجانبها وتهتف بتلهف وحماس :
_ ردت كلمتني الصبح بدري وقالتلي إن زين موافق وصلى استخارة ومرتاح الحمدلله ، وبعدين ميوافقش إزاي ده انبهر لما شافك هو حد يشوف القمر ده ويرفض بس .. ما علينا إنتي موافقة صح ؟
أصدرت تنهيدة حارة قبل أن تجيبها كالمجبورة على شيء :
_ موافقة ياماما ، بس مش عايزة أعمل خطوبة ياريت نخليها كتب كتاب علطول أو فرح
اختفت ابتسامة والدتها فورًا وطالعتها بريبة شديدة واندهاش ثم قالت :
_ فرح إيه ده اللي علطول .. إيه اللي انتي بتقوليه ده ياملاذ ؟
هتفت بحدة بسيطة ونبرة تحمل الألم :
_ زي ما سمعتي ياماما ، أنا خلاص كرهت حاجة اسمها خطوبة .. يانكتب كتب الكتاب وبعديها ناخد فترة قليلة لغاية ما نعمل الفرح يانعمله علطول وأنا كدا كدا مش ناقصني غير حجات بسيطة جدًا في جهازي وابقى أكملها بعدين
صاحت بها أمها مغتاظة :
_ إنتي هبلة يابت يعني هروح أقول للراجل مثلًا بنتي مش عايزة خطوبة وعايزة جواز علطول ليه ارملة ولا مطلقة
_ مش يمكن يكون هو كمان عايز كدا خصوصًا إن كان باين عليه التدين والاحترام
اكملت الأم صياحها وكان هذه المرة بغضب عارم :
_ اكتمي يابت أنا هكلم هدى وأقولها إنك موافقة عشان ياجوا ويتقدموا رسمي قدام أخوكي وأبوكي وهنعمل خطوبة على الأقل شهر أو شهرين حتى
ثم هبت واقفة وانصرفت غاضبة دون أن تسمح لها بمجادلة قرارها أما ملاذ فظلت في فراشها تتأفف بغيظ !! .
***
في مساء ذلك اليوم ......
ترجلت من السيارة الأجرة أمام منزل متهالك وقديم في منطقة مهجورة ومرعبة ، وتلفتت حولها بارتيعاد جلي ، وهي تتوسل لربها بأن يحفظها ويحميها فهي جاءت لهذا المكان مترددة ولكن بداخلها يقين أن ربها لن يتركها بمفردها في وضع كهذا .
بدأت أصوات نباح الكلاب تتعالى ومع كل صوت يصدر ، جسدها ينتفض برعب ، ثم أخذت تقدم قدم وتأخر الأخرى بخوف حقيقي من الذي ينتظرها بالداخل ، بالرغم من انها أخذت احتياطتها ولكنها لا تأمن شرور هذا الحقير الذي ابتزها بصورها ، وأخيرًا تقدمت نحو الباب وطرقت الباب ولحظات قصيرة وجدت شابًا يبدو أن في بداية الثلاثينات يفتح لها وقسمات وجهه صارمة ومرعبة بالإضافة إلى ندبات وجهه البسيطة بالسكين جراء شجارات وبلطجة معروفة بين هؤلاء النوع من البشر وبمجرد رؤيته لها ابتسم بخبث فازداد يقينها أنه هو الحقير الذي يخفي صورها ، وهتفت فورًا بغصب عارم :
_ إنت عايز مني إيه !؟
_ ادخلي طيب يامزة ونتكلم جوا على رواق
تلفتت حولها بنظرات مرتعدة ثم عادت بنظرها إليه وقالت بحدة لا تليق ببراءتها ولطافتها التي تظهر أمام جميع الرجال عن طريق قسمات وجهها :
_ لا أنا مش هدخل قول إنت عايز إيه عشان تمسح الصور بتاعتي
_ عايزك
قالها بفظاظة وجراءة شديدة فتقهقرت هي للخلف في رعب حقيقي وفي هذه اللحظة أدركت أنها أخطأت أكبر خطأ في حياتها بالمجئ له بمفردها ، ولكن ارتفاع صوت ضحكته الرجولية والمستفزة وهو يجيبها لم تهدأها بل اخافتها أكثر :
_ إنتي فهمتي إيه ، لا أنا مبحبش العنف والشغل ده .. أنا عايز نبقى صحاب وحبايب مؤقتًا يعني وبعدين نشوف هنعمل إيه ، ولعلمك ده مش اختياري ده إجباري
لا زالت قلقة وخائفة ففضلت الانسحاب فورًا وعندما حاولت الهرب قبض على ذراعها وقال مبتسمًا بلؤم :
_ رايحة فين بس هو دخول الحمام زي خروجه ، تعالي ادخلي هنتكلم شوية ونتعرف على بعض
سحبت يدها من بين براثن يده وقالت بصوت مرتعش :
_ لا أنا اتأخرت وماما قاعدة في البيت وحدها مينفعش أسيبها كتير وحدها
_ ماشي يامزة هصبر عليكي ، معلش تتعوض بس خايكي فاكرة الصور يعني عشان متفكريش تتجاهلي اتصالاتي أو كدا
لم تجيبه وفقط هرولت إلى الخارج تستقل بسيارة الأجرة الذي أتت بها إلى هنا وهي تحاول التفكر في حل لهذه المعضلة فأخيها من المحتمل أن يتأخر في عمله ولن يعود خلال الأيام القادمة ، ماذا ستفعل !!؟ ، لا يمكنها محادثة هذا الحقير ومقابلته ! ، يجب عليها أن تفكر في حل بأسرع وقت ! .. كانت هذه هي الأفكار التي تجول بعقلها طوال الطريق .
***
في صباح اليوم التالي ....
التقطت الهاتف وعندما دققت النظر في شاشة الهاتف واستطاعت قراءة اسم المتصل بعد عناء بسبب ضعف نظرها ، أجابت فورًا مبتسمة بعذوبة :
_ ازيك ياكرم يابني عامل إيه ؟
أتاها صوته المهذب به لمسة ابتسامة بسيطة :
_ الحمدلله يا أمي أنا بخير ، أنا أتصلت أطمن عليكم لو عاوزين حاجة ، بما إن سيف مش هيعرف يكلمكم تاني لغاية مايرجع بسبب شغله فأنا زيه بظبط
علت الابتسامة الامومية المحبة وجهها لهذا الشاب الذي في نظرها مثال للشاب المهذب والمحترم وكل شيء .. ولم تستعجب من منادته لها بأمه فهو دومًا يقولها لها :
_ طبعًا ياكرم إنت زي سيف بظبط والله عندي يابني ربنا يبارك فيك يارب ، احنا كويسين الحمدلله أطمن ولو عوزنا أي حاجة هتصل بيك أكيد
هم بأن يجيب عليها ولكن صوت طرق الباب جعلها تهتف في لطف :
_ استني ياكرم الباب بيخبط خليك معايا على الخط يابني
أجابها بالموافقة أما هي فارتدت حجابها واتجهت للباب ثم فتحته واندهشت برؤيتها لعساكر وعلى مقدمتهم ضابط من رتبة رائد فنقلت نظرها بينهم وشعرت بانقباض قلبها فورًا ثم قالت بترقب :
_ خير في حاجة ياحضرة الظابط ؟
على الجانب الآخر تجمدت عروق كرم وشعر بأنه سيفقد الوعي وهو يسمع من الهاتف الظابط وهو يخبر المرأة العجوز بوفاة ابنها والتي انطلقت منها صرخة مدوية رشقت في قلبه قبل أذنه ، وكانت الصدمة تحتل جميع معلامه ويحاول تكذيب ما سمعه فلا يمكن لصديقه الحميم أن يتركه ويرحل هكذا في غمضة عين ، فقد أعطاه وعد أنه لن يرحل قبل أن يودعه وداع يليق بصداقتهم وهو رحل دون أن يودعه الوداع الأخير حتى . لم يشعر بنفسه إلا وهو يترك كل شيء وينطلق كالصاروخ بالسيارة نحو منزل صديقه أو منزل فقيده العزيز الذي لا يعرف كيف ستمر أيامه بدونه ! .
_ يتبع ......
•تابع الفصل التالي "رواية ضروب العشق" اضغط على اسم الرواية