رواية ميثاق الحرب و الغفران الفصل الثامن و الاربعون 48 - بقلم ندى محمود
(( ميثاق الحرب والغفران ))
_الفصل الثامن والأربعون_
اتسعت عيني إخلاص وراحت تحدق في آسيا شزرًا من فرط غيظها ونقمها لها، لم تتمكن من التحكم بأنفعالاتها فاندفعت نحوها تصرخ بها بعصبية:
_إيه بتشكيني لولدي كمان، مهو ده اللي ناقص ياعقربة
ارتفع صوت عمران الغاضب هاتفًا:
_أما أنتي عملتي إكده صُح؟
التفتت إخلاص نحو ابنها وصاحت بوجهه في شجاعة:
_أيوة عملت وهعمل تاني معاوزاش الحية دي تفضل في بيتي تاني بعد ما أخوها وناسها قتلوا چوزي
رفع حاجبه بنظرة ثاقبة لأمه بعد عباراتها المهينة لزوجته فتقدم نحوها وهو يقول بصوت رجولي غليظ:
_الحية دي مرتي وليها في البيت ده كيف ما ليا مش إكده ولا إيه ياما
نظرت إخلاص في عين ابنها بشراسة وصاحت منفعلة وبغل:
_لا ملهاش حاچة وأنت هتطلقها ياعمران
اشتدت حدة نظراته وتقوس وجهه بشكل مخيف حتى خرج عن طور ثباته المزيف وصاح بعصبية في نبرته الرجولية:
_أنا اللي اقرر الكلام ده مش انتوا ومفيش حد بيمشي كلمته عليا ياما.. واللي أنتي عملتيه قصاد الخلق هنتيني وقللتي مني أنا مش منها، أنتي حتى في عز الحزن والموت واللي احنا فيه مش عاوزة تريحيني من المشاكل وبتزودي الهم عليا
سكتت إخلاص باستسلام أمام جموحه المخيف وعيناها امتلأت بالدموع قهرًا وحزنًا على حالهم وفراق زوجها لها، بينما عمران فاستدار وتركهم مندفعًا نحو الدرج يقصد غرفته بالأعلى وظلت آسيا مكانها تراقب تعبيرات إخلاص المنهارة بابتسامة متشفية حتى سمعت صيحته الجهورية والمرعبة من الأعلى يقول:
_آســيــا
انتفضت مفزوعة ثم أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تستدير وتلحق به في خطواتها البطيئة والمتوترة قليلًا، أما فريال فقد اقتربت من أمها وضمتها لصدرها وهي تهمس لها بصوت مبحوح:
_متزعليش من عمران ياما هو كمان مضغوط وحالته صعبة، كتر خيره
أجابت إخلاص وسط بكائها الشديد:
_أخوكي مبقيش شايف غير مرته الحرباية دي ومعوزش حد يقرب منها كأنها ملاك ومهتعرفش تاخد حقها، لا وبيتعصب عليا عشانها ومعملش حساب للي أنا فيه من امبارح
تنهدت فريال الصعداء وهي تحاول الصمود حتى لا تنهار مع والدتها وهي تتذكر والدها لتجيبها برزانة:
_مهو الصراحة أنتي غلطانة ياما مكنش ينفع تعملي إكده معاها على الأقل عشان عمران
ابتعدت إخلاص عنها ونظرت لها ساخطة وهي تهتف:
_وأنتي هتدافعي عنها كمان قصادي
فريال بهدوء تام وهي تمسح فوق ذراع أمها لتهدأها:
_أنا مش بدافع ياما أنا بقول الحق
ابتسمت إخلاص ساخرة وهي تشيح بوجهها بعيدًا عن ابنتها غير مقتنعة بما تقوله، ثم التفتت لها مجددًا بعينان نارية وهي تسألها:
_اوعاكي تقوليلي كمان أنك ناوية ترچعي لچوزك ده تاني بعد ما قتل أبوكي
اطرقت فريال رأسها أرضًا في أسى فور ذكرها لزوجها، ففسرت إخلاص صمتها كردًا بالإيجاب على سؤالها مما جعلها تثور عليها وتصرخ:
_معدش ليكي رچوع تاني يافريال وعيالك هياچوا يعيشوا إهنه في بيت چدهم وهتطلقي منه
مالت فريال برأسها للجهة الأخرى بعيدًا عن أنظار أمها وقد امتلأت عيناها بالعبرات الحارقة حتى انهمروا فوق وجنتيها بغزارة حزنًا على والدها وعلى زوجها، باتت في حيرة من أمرها ولا تعرف على أيهما تتألم، بدلًا من أن يكون الآن بجوارها ويواسيها في محنتها ويخفف عنها الوجع تجلس هي بمفردها تعاني عذاب الفراق على كل شيء.
***
دخلت آسيا الغرفة خلفه وأغلقت الباب ببطء ولم تلبث حتى تستدير له فانتفضت على أثر صرخته المرعبة بها:
_لما كل ده حُصل مقولتيش من الصبح ليه!
التفتت له ببطء في ارتباك بسيط وطالعته باستغراب لتجيب بصوت خافت:
_هقولك كيف يعني ياعمران وأنت كنت وسط الرچالة في العزا
كانت عيناه ملتهبة وحمراء بشكل مخيف مما جعلها تغضن حاجبها بحيرة من أمره، رغم أنها أخبرته بأنها لما تخرج من تلقاء نفسها وكان السبب أمه إلا أن غضبه لم يزول، رأته يتقدم نحوها مكملًا بلهجة رجولية مريبة:
_وإيه اللي رچعك بيت أبوكي ولا مرة واحدة إكده نسيتي اللي عملوه فيكي وسامحتيهم لما حققوا اللي كنتي بتسعيله وبتتمنيه
اختفى التوتر من على ملامحها ووقفت أمامه بكل ثبات وهي تقول بقوة تليق بها دون أن يرف لها جفن أمام رجولته الطاغية:
_إيوة ياعمران كانت بتمنى حق أبوي يرچع كيف ما أنت دلوك عاوز تاخد حق أبوك من عمي سواء بالقتل أو بالسچن، التار ده مكنش هيخلص غير بالدم كيف ما بدأ وأنت أبوك عمل حچات كتير وأذى الكل حتى حريمه مسلموش منه
أظلمت عيناه وهو يبتسم لها بقسمات وجه مرعبة ويجيبها بنبرة تثير الرهبة:
_آه يعني هو كان حلال فيه القتل والموت
آسيا بكل ثبات انفعالي وصلابة:
_أبوك خد جزاء أفعاله
رغم الهياج والثوران الذي يهدم كل شيء داخله بالأخص بعد عباراتها الأخيرة وهو يتذكر مشهد والده وهو غارق بالدماء إلا أنه كان شامخًا أمامها كالجبال ومازالت تعابير وجه مفعمة بالشدة.
تقدم خطوة أخرى منها حتى أصبح أمامها مباشرة ونظر في وجهها بقسوة غريبة وأعين لا تحمل الشفقة متمتمًا:
_الكل هيدفع تمن أفعاله متقلقيش، وأنتي متفكريش أنك عشان خلاص سامحتي ناسك تبقي هترچعيلهم من تاني ولا هطلقك، أنتي مفيش مهرب ليكي مني وحتى لو بنسبالك العيشة إهنه چحيم هتعيشي فيها غصب عنك
صمتت وربما الاستسلام في مثل هذه المواقف ليس مألوفًا عليها لكنها على العكس تمامًا كانت هادئة تمامًا وهي تستمع لتهديداته القاسية ولم تبدي أي ردة فعل مغايرة، بل سكنت وتابعته وهو يبتعد عنها لينزع عنه العباءة البنية ويتجه نحو الأريكة ليجلس فوقها ويرچع بظهره للخلف رافعًا كفه لرأسه يفرك جبينه ويمسح على وجهه متأففًا والهم يحتل مقعده فوق تعابيره، فرمقته بأشفاق وسط بسمة ثغرها الساخرة.
تحركت بخطواتها الناعمة تجاهه حتى جلست بجواره على الأريكة والتصقت به، ثم رفعت يدها ومسحت فوق كتفه وذراعه بحنو وهي تتطلعه بمحبة متمتمة في صوت خافت:
_حتى لو سامحتهم عمري ما أرچعلهم واهملك، مقدرش ابعد عنك وبنسبالي الچحيم چنة طول ما أنت چاري
كان يستمع لها بهدوء دون أن يلتفت بوجهه لها فتابعت هي بنفس نبرتها السابقة:
_صحيح أنا يمكن أكون چبارة وقاسية شوية بس مش ناكرة للچميل عشان اهملك واسيبك في الحالة دي وحدك حتى لو كان اللي ميت ده أبوك اللي هو قتل أبوي، أنت فضلت ماسك يدي ومسبتنيش في أصعب الأوقات وحتى لما كنت بكون غلطانة كنت بلاقيك چاري وفي ضهري فلو هملتك واديتك ضهري دلوك ابقى مش أصيلة ومستحقش حبك ليا
سكتت وهي تأخذ نفسًا عميقًا ثم انحنت عليه واستندت بذقنها فوق كتفه وهي تحدقه من الجانب بنظرات مغرمة هامسة بآخر عباراتها التي كانت نقطة النهاية لجدالهم كله منذ البداية:
_احنا اللي چمعنا مع بعض الموت يعني الدم والتار عمره ما هيقدر يفرقنا
مال عمران برأسه للجانب نحوها وقد لمع وميض الهوى في عيناه بعدما كانت ممتلئة بالقسوة، مترددًا كلمتها ببسمة بسيطة خرجت بصعوبة منه بسبب الحزن المستحوذ عليه:
_الموت؟!!
هزت رأسها بالإيجاب هاتفة بدفيء وهي تشرح له مقصظها بوضوح أكثر:
_كان هيبقى دم تاني وكانوا هيقتلوني وحتى أنت كنت هتتأذي واللي نقذنا كان چوازنا يعني يمكن لو مكنش في موت مكناش اتچمعنا، وأنا حبيتك رغم أني عارفة من البداية أن أبوك هو اللي قتل وأنت حبيتني رغم أني حاولت اقتلك، وكل ده حُصل وفضلنا مع بعض فمش هياچي التار دلوك وهو اللي يفرقنا.. أنا مش هسمح، ألا لو أنت عاد كان ليك كلام تاني!
وجهه أصبح يشع بحرارة العشق والحنان ونظراته كلها احتواء ودفء فحرك ذراعه بلطف وابعدت هي ذقنها عن كتفه لوحده بذراعه يضمها لصدره هامسًا:
_معدش عندي حاچة اقولها بعد اللي قولتيه ياغزال، كلامك غالي عندي قوي وعمري ما هنساه، ولو هقولك حاچة دلوك فهي أني بحبك قوي
ابتسمت بحب وسعادة داخلية وهي تتمتم مجيبة عليها بمشاعر جيَّاشة:
_وأنا كمان بحبك ياعمران
انحنى على رأسها يلثم شعرها بعدة قبلات متتالية ثم يتنهد الصعداء بقوة ويعود برأسه للخلف يسندها على ظهر الأريكة مغلقًا عيناه ليغرق في همومه مرة أخرى وهو يتذكر والده، حتى لو لم يكن يظهر ضعفه لكنه في الحقيقة منهار.
فتحت آسيا عيناها المغلقة عندما شعرت بسكونه المفاجيء والغريب ثم ابتعدت عن صدره وطالعته بحزن عندما رأته انغمس في الكآبة مجددًا وبتلقائية تامة اقتربت منه وضمته هي هذه المرة لصدرها تمسح فوق شعره بحنو تحاول التخفيف عنه، سقطت دمعة حارقة رغمًا عنه من عينيه فوق صدرها، خانته دموعه بالنهاية وفضحت انهياره الداخلي، لم تتحدث آسيا رغم شعورها بدموعه وظلت تمسح على شعره وظهره وهي تقبّل رأسه بحنو، وبعد دقائق طويلة نسبيًا عندما شعر بالراحة قليلًا ابتعد عنه واستقامة واقفًا ليتجه نحو الحمام ويتركها تتابعه بنظرات مشفقة، لا تحزن على شيء سوى على حالته فقط فهي تراه هكذا لأول مرة ولا يتحمل قلبها منظره المزري.
***
داخل منزل خليل صفوان.......
كان جلال يجلس على الأريكة بالصالون شاردًا الذهن يفكر في زوجته وحالهم، قلبه يسحق تحت الألم والأسى من فراقهم، وبات لا يفهم لماذا علاقتهم لا تسير بشكل جيد كما كانت، وكلما يخطو خطوة تجاه بعضهم تدفعهم الظروف بعواصفها العنيفة للخلف مجددًا، يشتاق للراحة والسعادة التي كانت تغمر حياتهم ورغم كل شيء كانوا متمسكين ببعضهم، لكن الآن كل منهم أصبح في وادي آخر، يؤسفه القول بأنه لم يعد لديه أمل بأن علاقتهم قد تعود كالسابق وأصبح يعتقد أن زواجهم ربما ينتهي قريبًا حتى لو يكن يريد ذلك لكن استمرارهم على هذا الوضع لا يحتمل ولن يستطيعوا الاستمرار وهم كالقطبين المتنافرين هكذا، سئم المحاولة وحده في حين أنها لا تحاول من أجله كما يفعل، الآن هو يريد أن يشعر بمحاولاتها هي من أجله.
انتشله من عمق أفكاره الكئيبة صوت ابنه الأكبر بعدما جلس بجواره هاتفًا:
_أبوي
التفت جلال بنظره نحوه يعيره اهتمامه فأكمل معاذ بنظرة متعجبة:
_هي أما مش هتاچي النهاردة البيت بردك
تنهد جلال ثم مد يده يمسح على شعر ابنه وربت فوق ظهره بلطف متمتمًا:
_لا أمك هتقعد في بيت چدك شوية مع چدتك، بكرا بعد المدرسة روح أنت وأخوك واقعدوا معاها
قال معاذ في نبرة جادة:
_نبيت هناك في بيت چدي
جلال بصوت هاديء تمامًا:
_براحتك ياولدي عاوزين تقعدوا چار أنكم اقعدوا
رد معاذ بصوت عابس ووجه حزين:
_أمي زعلانة قوي على چدي وأحنا كمان زعلانين هيوحشنا قوي
طالع جلال ابنه بطرف عيناه في وجه خالي من التعابير ثم أخذ نفسًا عميقًا ومسح على ظهره بلطف هاتفًا في نبرة جادة:
_طيب يلا قوم نام مع أخوك الوقت أتاخر
هز رأسه بالموافقة لوالده ثم استقام واقفًا واتجه نحو الدرج يقصد غرفته بالأعلى وبينما كان في طريقه على الدرج قابل چدته وهي تنزل فابتسمت له بحنو ومسحت على شعره ليكمل هو صعوده وتنزل هي لابنها بالأسفل.
اقتربت جليلة من جلال بخطوات بطيئة حتى جلست بجواره وهتفت بنبرة منزعجة:
_هملت أختك تمشي مع عمران ليه!
أردف جلال بحزم دون أن يلتفت لأمه:
_چوزها ياما وهي بنفسها اللي عاوزة ترچع معاه هغصبها تتطلق منه وتقعد چارنا يعني وهو معملهاش حاچة ولا أذاها
قالت جليلة بعصبية وحقد:
_أيوة تغصبها بعد قتل ابراهيم احنا إيه عرفنا يعمل معاها إيه هو وناسه، أنا مطمنش على بتي وهي وسطيهم
التفت لها جلال ورمقها بنفاذ صبر وهو يقول ساخطًا:
_لو كان عاوز يعمل فيها حاچة كان عمل من أول ما اتچوزها ياما، اطمني آسيا زينة ومحدش يقدر يقربلها، أنتي دلوك احمدي ربك بس أنها سامحتنا ورچعت لينا من تاني، هي بتحب عمران ولو حاولتي تفرقيها عنه هتخسريها تاني
ضيقت جليلة نظرها باستغراب من انفعاله الشديد وقالت له غاضبة:
_وه وأنت محموق قوي ومتعصب إكده عليا ليه.. ولا ده بسبب ست الحسن مرتك
حدقها جلال بنظرة نارية تحمل الإنذار والخنق ثم هتف:
_أما ملكيش صالح بفريال.. أنتي آسيا رچعلتك بس هتخسريني أنا لو كملتي في اللي بتعمليه ده، فريال مرتي وأم عيالي وأنتي سواء شأتي أم أبيتي هتتقلبيها وترضي بالأمر الواقع، لو صح هامك مصلحتي وعاوزة سعادتي بدل ما أنتي بتعملي كل حاچة عشان تحرضيني على مرتي وتفرقينا هتحاولي تصلحي بينا وتچمعينا تاني عشاني وعشان عيال ولدك، ولو مش هتعرفي تعملي إكده يبقى تخليكي بعيدة واصل ياما
تجمدت جليلة بمقعدها وهي تستمع لكلمات ابنها القاسية وتهديده الصريح لها بأنها ستفقده إذا استمرت في محاولاتها لتفريقهم، ولم يترك لها الفرصة للرد والاعتراض عليه حيث انهي حديثه واستقام واقفًا يتجه لغرفته بالأعلى يتركها شاردة فيما قاله تفكر بوجه عابس.
***
بصباح اليوم التالي.......
داخل غرفة الجلوس الكبيرة منزل ابراهيم كانوا مجتمعين ويتحدثون عن ما الذي سيفعلونه مع منصور وكيف سيثأرون لابراهيم منه.
بينما عمران فكان جالسًا فوق أحد المقاعد يتابع حديثهم بصمت تام، وجهه خالي من التعابير لكن نظراته ثاقبة ومريبة، هو لم يذق النوم ليلة أمس أبدًا وظل مستيقظًا الليل كله يفكر بعقله لا بعواطفه حتى حسم قراره الأخير، والآن هو يستمع لقراراتهم التي لا تعجبه وسمع عمه وهو يقول بغل:
_حق أخوي مش هسيبه
هنا خرج عن إطار صمته وهتف عمران بكلمات جعلت الجميع في حالة ذهول:
_الحق هناخده بالقانون ياعمي بزيادة دم لغاية إكده
قال عبد العزيز بصدمة امتزجت بسخطه:
_إيه اللي بتقوله ده.. أنت هتسيب حق أبوك ياعمران!
عمران بهدوء غريب لكنه لا يبشر بالخير:
_أنا مقولتش هسيب حقه قولت هناخده بس بالقانون.. هنفضل لغاية ميتا نقتل في بعض إكده وأبوي من البداية هو اللي فتح طاقة چنهم دي وقتل
بدا على بلال وكأنه ليس موافق على رأي أخيه الكبير فهتف بلهجة رجولية خشنة:
_عـمـران
اختفي السكون المزيف وانفجر بهم صائحًا بغضب:
_الحكومة برا في كل مكان ومش هتمشي غير لما تلاقي منصور، أنا معاوزش اشوف منظر كيف منظر أبوي تاني وهو غرقان في دمه لو كملنا في التار ده هيخلص علينا كلنا، وكمان معاوزاش عيالي اللي هياچوا يبقوا شايلين كفنهم على يدهم بسببي وبسبب چدودهم
هتف عبد العزيز بسخرية وغيظ:
_قول عاد أن أنت خايف ياعمران ومقدرش تاخد حقه
أظلمت عيني عمران وأصبحت تعابير وجهه مخيفة وهو ينحني للأمام في جلسته لينظر لعمه بنارية متمتمًا:
_أنت عارف زين أني مبخفش من حد ولو عايز اچيب منصور الليلة قبل بكرا هچيبه واقتله قصاد الكل.. لكن أنا بفكر في بعدين وبفكر بالمنطق.. ومتنساش أن أبوي هو اللي بدأ التار ده لما قتل خليل فلو قتلنا منصور دلوك مسمناش بناخد تار اسمنا بنقتل في بعض من غير سبب.. يعني التار خلص ياعمي ومنصور الحكومة هتچيبه
كانت فريال خارج الغرفة تقف خلف الباب تستمع لحديثهم وعندما سمعت اسم منصور اتسعت عيناها بدهشة وعدم استيعاب وبسرعة ابتعدت عن الباب لتتجه نحو أمها الجالسة على الأريكة بسكون تام تحدق في الفراغ بنظرات تائهة، جلست بجوارها وسألتها:
_أما هو منصور اللي قتل أبوي صُح؟!
امتلأت عيني إخلاص بالدموع فور ذكر ابنتها لقتل والدها واكتفت بهز رأسها لها بالإيجاب ودموعها تنهتر فوق وجنتيها بغزارة، بينما فريال فتمتمت بصوت منخفض ومندهش:
_يعني مش چلال
***
بتمام الساعة الثانية ظهرًا......
وصلت فريال لمنزل زوجها وقادت خطواتها البطيئة باتجاه الدرج تقصد غرفة أولادها لكي تأخذ لهم ملابس تكفيهم خلال اليومين الذي سيقضونه معها في منزل جدهم، لحسن الحظ أن جليلة لم تكن موجودة فهي ليست في مزاج للنقاش معها أبدًا.
دخلت الغرفة وبدأت في إخراج ملابسهم من الخزانة ووضعها في حقيبة صغيرة، دقائق طويلة نسبيًا حتى انتهت وانحنت على الحقيبة تغلقها ثم تحملها بيدها وتسير بها للخارج، وقبل أن تغادر التفتت برأسها نحو غرفتها وتذكرت ما سمعته صباح اليوم من رجال عائلتها ثم ما قالته لزوجها وهي تتهمه بالكذب وأنه قاتل والدها، ظهر العبوس على ملامحها واطرقت رأسها أرضًا في خزي.
بعد لحظات تحركت واقتربت بخطواتها من الغرفة لكن توقفت أمام الباب مترددة، تفكر ماذا ستقول له وكيف ستنظر في وجهه، هو أخبرها صراحة أنه لن يسامحها، ازداد شعور النفور من نفسها ولم تجد الجرأة لمواجهته فقررت الانصراف وعندما استدارت قبل أن ترفع قدمها لتبتعد انفتح الباب وكان يتحدث في الهاتف بجدية متمتمًا:
_أيوة چهز البضاعة وافرزها وأنا چايلك في الطريق
تسمر مكانه عندما رأى زوجته أمامه فانهى اتصاله وانزل الهاتف من فوق أذنه ببطء ليصعه بجيب جلبابه بينما فريال فكانت لا تقوي على النظر في عيناه مباشرة من خجلها لكن حاولت التحدث معه بلطف وسألته:
_دي بضاعة تبع المعرض ولا إيه؟
حدقها مطولًا بصمت دون رد وكانت نظراته جافة كتعابير وجهه بالضبط حتى قال في عدم مبالاة:
_خير يافريال!
رمقته بأسى ووجه عابس ثم ردت عليه في خفوت تام:
_چيت آخد شوية هدوم للعيال عشان ملهمش هدوم في بيت أبوي
جلال بثبات وبرود غريب:
_ليه هما هيقعدوا قد إيه معاكي؟!
أجابته بنبرة رقيقة:
_يعني يومين
حدقها لثواني بجمود قبل أن يستدير ويهم بالانصراف لكنها أوقفته بصوتها الحزين:
_مش هتسألني أنا هقعد لغاية ميتا ولا هتقولي أرجع امتى!!
التفت لها برأسه وأجاب بقسوة مزقت قلبها:
_اقعدي زي ما تحبي يافريال براحتك.. مش فارق معايا أصلًا
اتسعت عيناها بدهشة بعد عبارته الأخيرة وبسرعة اقتربت منه لتديره بجسده نحوها وهي تسأله في عينان دامعة:
_مش فارق معاك كيف يعني!
نظر في عيناها الدامعة بثبات دون أن يرف له جفن وقال بسخرية مريرة:
_كيف ما أنتي مش فارق معاكي
صعقها برده القاسي وبتلك اللحظة فقط أدركت جدية الأمر وأنه حقًا لن يسامحها، بينما هو فـ للمرة الثانية يستدير وكان سيذهب ويتركها لكنها قبضت على ذراعه وتمتمت بصوت مبحوح:
_لو مكنتش فارق معايا مكنتش رچعتلك ووقفت قصادك اكلمك
مسح على وجهه وهو يزفر بخنق ثم نظر لها بغضب أخيرًا هاتفًا:
_هتكلميني في إيه يا فريال ما أنتي قولتي اللي عاوزاه وزيادة امبارح، وراچعة ليه مش أنا اللي قتلت أبوكي
أطرقت رأسها أرضًا وبدأت عيناها تذرف الدموع في غزارة وهي تجيبه بصوت منخفض ويحمل بحة تضعف القلوب:
_لا مش أنت.. عمك
رغم أن منظرها اضعفه لكنه أبي الخنوع وإظهار ذلك حيث تابع بنفس قسوته وهو يبتسم ساخرًا يجيبها:
_وراچعة دلوك طبعًا بعد ما عرفتي أني مش أنا اللي قتلت، عشان تصلحي اللي عملتيه وتعتذري
سالت عبراتها بقوة أكثر وبدأ صوت بكائها يرتفع فتابع هو بصلابة مزيفة، فهو يحارب حبه ومشاعره التي تلح عليه بأن يسامحها وينسى ما قالته أو حتى يلتمس لها العذر، لكنه رفض الاستماع لذلك الصوت فهو التمس العذر لها في كل شيء وسامحها وهي لم تفعل لمرة واحدة حتى، حان دورها الآن لتبذل القليل من الجهد لأجله:
_أنا قولتلك يافريال إنك لما ترچعي هيكون فات الآوان وخسرتيني، فمتنتظريش مني غفران
رفعت رأسها عن الأرض ونظرت لها بوجهها الغارق بدموعها لتقبض على كف يده تحتضنه وهي تهتف بأسف وقهر:
_لا مخسرتكش.. أنا آسفة ياچلال سامحني أنا مكنتش حاسة بروحي وكان موت أبوي حارق قلبي وواچعني قوي، متهملنيش وتديني ضهرك في اكتر وقت محتچاك فيه چاري
توسلها وقلة حيلتها وعجزها وهي تتعلق به معبرة عن احتياجها له دمر حصون قلبه القاسية، مهما يحدث بينهم هو ضعيف أمامها ولا يستطيع رؤيتها بهذه الحالة، ومهما حاول إظهار القسوة مثلها يفشل فروحه العاشقة والمعلقة بها لا تتحمل.
للحظة أخرى وكان سينهي كل شيء لكنه صمد حتى لو داخله غفر عنها ونظراته تحتضنها بدلًا من ذراعيه، لكن استحوذ عليه الانزعاج منها فجعله يظهر برود المشاعر وهو يجيبها بصوت غريب يثبت صراعاته الداخلية:
_أنا معايا شغل يافريال
سكنت تمامًا وتوقفت عيناها عن ذرف الدموع مندهشة من رده الغير متكرث بأمرها رغم توسلها له بأن يظل معها ولا يتركها، أخذت تحدق في الفراغ أمامها بضياع ووجهها كله ممتليء بدموعها وجسدها ارتخى حتى قدرتها على البكاء فقدتها، ووجدت قدماها تقودها دون وعي نحو الغرفة للداخل وأكملت طريقها حتى الفراش ثم تسطحت بجسدها فوقه وهي تحدق في ضوء الشمس المتسلل من النافذة بسكون مريب وعيناها تذرف الدموع مجددًا لكن دون أن يصدر منها أي صوت فقد كانت كالجثة الهامدة التي بلا روح.
***
خرجت حور من بوابة الجامعة وكانت بطريقها لموقف السيارات حتى تستقل بسيارة أجرة تأخذها حتى منزلها، لكنها لمحت سيارة بلال تقف بجانب الرصيف، ضيقت عيناها بدهشة وهي تتساءل ما الذي جاء به للجامعة ووالده لم يمر على وفاته ثلاث أيام حتى، هي ظنت أنها ربما لن تراه لفترة طويلة وستكتفي فقط بمحادثته الهاتفية والاطمئنان عليه كل يوم.
أسرعت نحوه بخطواتها المتلهفة وفتحت باب السيارة واستقلت بجواره، رمقته مطولًا بصمت عندما رأت حالته الساكنة والغريبة حتى ملامح وجهه تبدلت خلال اليومين وأصبح الهم والحزن يعتلي وجهه، وعيناه ذابلة ومرهقة مما يثبت أنه لا ينام.
ظلت تتأمله بإشفاق وحزن شديد حتى سألته برقة واهتمام:
_بلال أنت كويس؟
كانت عيناها ثابتة على الطريق أمامه لا ينظر لها وعندما سمع سؤالها هز رأسه بالنفي وبعد ثواني التفت لها يطالعها بضياع هامسًا:
_چيت عشانك وكنت مستنيكي إهنه لغاية ما تطلعي، أول مرة في حياتي احس الأحساس ده.. احساس الاحتياچ وكنت محتچاك أنتي ياحور فچيت اشوفك يمكن شوفتك تخفف عني شوية
لمعت عيناها بالعبرات حبًا وحزنًا عليه، ليتها تستطيع الآن أن تضمه وتعانقه حتى تحمل عنه بعض همومه، لكنها لا يسعها فعل شيء سوى البقاء بجواره محاولة التخفيف عنه بكلماتها المحبة له حتى لو أنها تدرك جيدًا أن ذلك لن يجدي بنفع معه ومهما تقول لن يخفف عن ألمه.
حور بصوت يحمل بحة مميزة:
_أنا جمبك دايمًا يا بلال.. ادعيله ربنا يرحمه ويغفرله
أجابها بنبرة غريبة تثبت انهياره:
_منظره وهو بين يدي وغرقان في دمه بعد ما روحه طلعت مش عاوز يطلع من نافوخي ياحور
سالت دمعة وجع من عيناها ليس على والده ولكن قهرًا على حاله هو وسألته بجدية:
_البوليس مسك اللي عمل كدا ولا لسا؟
هز رأسه بالنفي وهتف بحقد وغضب:
_لسا بس احنا عاوزين ناخد حقه وعمران رافض
اتسعت عيني حور بصدمة وبسرعة راحت تستفسر أكثر بخوف:
_حقه ازاي يعني.. قصدك بالقتل والتار زي ما بيحصل في الصعيد هنا؟
لم يجيبها وكان صمته ردًا بالإيجاب على سؤالها فانتفض قلبها رعبًا وهتفت بحدة وصوت مرتعد:
_لا يا بلال عشان خاطري اوعى تفكر في كدا.. البوليس هياخد حق باباك واللي عمل كدا هياخد جزائه ويتسجن لكن القتل ده هيدمر الكل وأولهم أنت.. أخوك أكيد عنده حق وهو صح في قراره
التفت لها ورأت في عيناه العبرات متجمعة وهو يهتف بألم وغضب:
_ماهي المشكلة أني عارف أنه على حق وصح وأن أبوي هو اللي بدأ كل ده من البداية بس مش قادر انسى منظره قولتلك
اعتدلت في جلستها وقالت وهي تحاول إقناعه برزانة رغم أن دموعها تسيل فوق وجنتيها من فرط الخوف:
_لا هتقدر.. أنت بس متفكرش في الحل ده في مليون حل تاني وأولهم السجن، فكر في نفسك وفيا.. أنت أول حاجة هتخسرها هي أنا واحنا حتى لسا ملحقناش نتنهي ببعض ولا نتجوز ونفرح وأنا مش هقدر اخسرك.. طلع الأفكار دي من دماغك عشان خاطري يابلال
عندما وجدته صامت لا يجيب ويستمع لها بجمود هتفت برجاء وهي تنظر في عيناه بعاطفة:
_اوعدني أنك مش هتعمل حاجة وهتسيب القانون هو اللي يتصرف زي ما عمران هيعمل
اشاح بوجهه بعيدًا عنها وقال بصوت غليظ:
_مقدرش اوعدك بحاچة زي دي ياحور
ظهرت الصرامة والقوة على معالمها وهي تقول بقهر:
_يبقى اعتبر نفسك خسرتني من دلوقتي يا بلال أنا مش هسيبك تدمر نفسك ولو مصمم على كدا فأنا كمان مش مضطرة اكمل معاك وأنت مش بتفكر لا في نفسك ولا فيا، مش مضطرة اكمل مع واحد ممكن في أي لحظة يجيلي خبر أنه اتسجن أو حصله حاجة
أنهت عباراتها وفتحت باب السيارة لتنزل وتقود خطواتها الغاضبة باتجاه موقف السيارات وهي تحاول عدم البكاء في الشارع بينما هو فظل يتابعها من داخل السيارة بنظرات تائهة وعينان دامعة، تركته بمفترق الطرق حيث يجب عليه اختيار طريق واحد ليسلكه أما هي أو والده.
***
في تمام الساعة التاسعة مساءًا داخل منزل ابراهيم تحديدا بغرفة عمران.....
اعتدلت في جلستها بسرعة عندما وجدت الباب ينفتح، علقت نظرها تنتظر دخوله وفور رؤيتها له ابتسمت بحب ثم استقامت واقفة من الفراش، بينما هو فكان على حاله ساكن ووجهه خالي من التعابير، أغلق الباب واتجه نحو الخزانة ليقف أمامها ويرفع يديه يهم بنزع عبائته عنه لكن سبقته هي بيديها الناعمة وهي ترفعها لكتفيه من الخلف تنزع عنه العباءة بكل رقة، فالتفت لها وحدقها بدفء ليتركها تتولى مهمة نزع ملابسه عنه كما تريد، بعدما نزعت عنه العباءة التفتت بجسدها حتى وقفت أمامه مباشرة وسألته بوجه مشرق:
_اتعشيت؟
عمران بصوت خافت وملامح وجه عابسة:
_لا مليش نفس
انطفأ ضوء وجهها وراحت تقول بضيق حقيقي:
_مينفعش إكده ياعمران أنت ليك يومين مبتاكلش زين، أنا هنزل احضر الوكل وأجيبه عشان نتعشى أنا وأنت
تنهد الصعداء بقوة ثم أصدر زفيرًا حارًا وهو يجيبها بخنق:
_قولتلك مش جعان يا آسيا ومليش نفس للوكل
رسمت تعابيرها الاستعطافية باحتراف وهي تترجاه بدلال أنثوي ونعومة جميلة:
_عشان خاطري كُل لقمتين بس حتى.. أنت لو مكلتش أنا كمان مش هاكل يرضيك أنام من غير عشا وچعانة
رفع حاجبه اليسار مندهشًا من تحولها المريب وكأن المرأة التي أمامه غريبة عنه وليست زوجته، لا إراديًا منه كان ثغره يميل للجانب في شبه ابتسامته وهو يتمتم:
_مالك يا آسيا أنتي فيكي حاچة ولا إيه اصلك مش طبيعية
ابتسمت له بدلال وقالت وهي تنظر في عيناه بحب:
_اقولك مالي ولا تزعلش!!
مازال ثغره محتفظ ببسمته وهو يراقب تعبيرات وجهها الجديدة، تلك المرأة ستفقده عقله مع الوقت فهي لا تتوقف عن ابهاره كل يوم بشيء مختلف، بالأمس أثارت دهشته بكلماتها العميقة والرزينة والآن تصبح أنثى رقيقة وناعمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أليس لها حد معين لتتوقف عنده؟.
تابعت آسيا بعدما حصلت على الرد منه بالصمت وقالت عابسة:
_مش هاين عليا اشوفك إكده ومش متعودة عليك في الحالة دي يامعلم.. بنسبالي خناقنا احسن من حالتك دي.. يعني دلوقتي لو أنت مسكت في خناقي أنا هتبسط
اتسعت بسمته الساخرة وهو يسألها بجدية:
_إيه يعني ده تصريح منك عشان نتخاق.. متخنقناش امبارح هنمسك في بعض الليلة
قالت مسرعة بالنفي:
_لا طبعًا ده تعبير مجازي أنا قصدي أني مش حابة اشوفك في الحالة دي وأني بزعل يمكن اكتر منك
أخذ نفسًا عميقًا وهو بجيبها بصوت مهموم وعابس:
_مهما حُصل ومهما عمل هيفضل أبوي يا آسيا والفراق صعب، وغير ده في مليون حاچة تاني فوق راسي يعني مش عارف الأحق على إيه ولا الاقيها من وين
لمعت عيناها بوميض الأسى والحزن عليه، ثم اقتربت منه أكثر ولفت ذراعيها حول خصره لتميل برأسها على صدره تحتضنه بحميمية وهي تهمس في صوت يغمره الحنو والغرام:
_متكتمش چواك وتشيل كل ده لوحدك.. ارمي همومك عليا وخفف عن حمولك.. احكيلي ياعمران وخليني اشاركك في حملك وهمك
ابتسم لها بحب ثم انحنى على رأسها يقبل شعرها بعدة قبلات متتالية وهو يهمس ببحة رجولية تذيب القلب:
_كغاية أنك چاري وفي حضني إكده ياغزال.. ده وحده بيخفف عني ومتقلقيش أنا لو في حاچة وكنت حاسس أني محتاچ اتكلم أول حد هيكون أنتي
رفعت رأسها عن صدره وهي تحدقه بهيام وتقول بعد تنهيدة طويلة:
_طيب اروح احضرلك العشا أظن هتاكل خلاص صُح؟
ضحك بصمت رغمًا عنه واكتفى بهز رأسه لها بالإيجاب فمالت علبه بسرعة تلثم وجنته في سعادة وابتعدت لتتحرك نحو باب الغرفة وتغادر متجهة للمطبخ.
***
داخل منزل خليل صفوان....
وصل جلال للمنزل وفور دخوله من باب المنزل رأى أولاده وهم يجلسون يشاهدون التلفاز على أحد برامج الكرتون للأطفال، فضيق عيناه وهو يقول لهم باستغراب:
_أنتوا مرحتوش عند أمكم ليه؟
أجاب عمار بهدوء تام:
_أما قاعدة فوق أصلًا لسا مراحتش بيت چدي
هتف جلال مندهشًا بعدم فهم:
_قاعدة فوق كيف يعني!.. وليه مراحتش
اكمل عمار وهو يزم شفتيه بجهل:
_معرفش احنا فضلنا نخبط عليها وقالتلنا نهملها لوحدها ولما طلعنا تاني فضلنا نخبط على الباب مردتش علينا
تسلل الشك لصدر جلال والقلق استحوذ عليه أن يكون صابها مكروه من فرط الحزن وهي حامل فاندفع مسرعًا نحو الدرج يصعده شبه ركضًا حتى وصل للطابق الثاني أمام غرفته، فتح الباب ودخل فوجدها فوق الفراش ونائمة بالعرض، لم تكن في وضع طبيعي للنوم وليس من عادتها مما جعله يتأكد أن شيء ما صابها فأسرع نحوها متلهفًا وجلس بجوارها وهي يهزها من كتفها هاتفًا بصوت مزعور:
_فريال.. فريال ردي عليا
لم تجيبه فعاد يكرر نفس المحاولة مجددًا وهذه المرة يهزها بقوة أكثر حتى فتحت عيناها أخيرًا، وفور رؤيته لها تفتح عيناها أطلق زفيرًا حارًا براحة وهو يشكر ربه، بينما هي فاعتدلت في نومتها وكانت ستهم بالنهوض لكنها تألمت قليلًا وشعرت بوخزة بسيطة في بطنها التي بدأ حجمها يظهر وترتفع، دون تفكير وضع كفه فوق بطنها وذراعه الآخر على ظهرها ليساعدها على الجلوس، وعندما جلست رفعت كفها تمسك رأسها وهي تتأوه بألم:
_آه صداع في راسي
طالت نظرته لها ولم تكن دافئة مثلما كانت عليه منذ قليل بل عادت لسابقها قاسية ومتبلدة المشاعر وهو يسألها:
_ممشتيش ليه على بيت أبوكي؟
رغم أن عبارته انغرزت كسكين حاد في قلبها، فبعدما كان هو يترجاها لتبقى معه الآن يسألها لماذا لم تذهب، حاولت الثبات أمامه وعدم التخلي عن رغبتها فنظرت في عينيه الثاقبة وقالت بإصرار حقيقي:
_مش همشي غير لما تسامحني ياچلال
..........نهاية الفصل.........
•تابع الفصل التالي "رواية ميثاق الحرب و الغفران" اضغط على اسم الرواية