Ads by Google X

رواية عشق الغرام الفصل الرابع 4 - بقلم ندى ممدوح

الصفحة الرئيسية

  

 رواية عشق الغرام الفصل الرابع 4 -  بقلم ندى ممدوح 

_أغيب يومين وأرجع ألاقيكِ بتكلمي ولا*د؟ وص*ور إيه اللي عايزة تبعتيها ليه؟! عايزة تبعتي صور*ك يا غرام للشباب؟!
نطق بالعبارة عبد السلام بهدوء شديد أرجف جسد غرام التي شرعت تهز رأسها نافية والدموع تسح من مآقيها في صمتٍ، وفي تأن راقبت أبيها وهو يغلق الباب في هدوء أشد من هدوء ملامحها، وتناهى لها صوته يقول في همس:
_الحمد لله إني رجعت في الوقت ده عشان أشوف بنتي وهي بتستغفلني!
وجعل يقترب منها بأعين تطلق شرارًا من أتون متوقد، وأرتجف جسد غرام، وأنتفض فؤادها برعدة، وحاولت أن تبرر فعلتها لكنها أحست بلسانها قد عُقد، وأصابتها رعدة شديدة أرعدت جسدها الذي أخذ في الارتعاش، وهمست بصوت متهدج:
_اسمعني يا بابا.
وأجابها والدها بلطمة قوية فوق وجهها، وهو يهتف:
_اسكتي مش عايز اسمع صوتك..
وانهال عليها لطمًا وهو يضيف:
_بتغفليني يا غرام، عشان كدا ابن عمك سابك؟ وأنا اللي فكرته ظلمك واتخنقت مع اخويا بسببك وقطعنا بعض؟! أتريكِ مغفلة ابوكي، وموطية رأسي يا بت ال****
سقطت غرام أرضًا من شدة الضرب، وانحبست صرختها من الألم، وأبيها بات كوحشٍ أنقض على فريسته بضراوة وهو لا يبغي تركها إلا جثة.
وسمع أبيها صوتها وهي تقول بوهن، وتلعثم:
_حرام عليك يا بابا.
فصاح وهو يجذبها من شعرها لتقف:
_حرام عليَّ أنا؟! أنتِ لسه مشفتيش حاجه.
جاهدت غرام لتفلت خصلات شعرها من يد والدها، لكن براثنه أصبحت منيعة أمام ضعفها، وشعرت بخصلاتها تنخلع في اصابعه، وكان الألم يفتك بها، فصرخت تستنجد بجدتها:
_يا تيتا الحقيني، تيتا….
فكتم والدها فمها بكفه، وهدر في جنون:
_اخرسي مش عايز صوتك يوصل للناس اللي تحت.
ثم دفعها نحو الفراش، وهو يجأر بوحشية:
_لولا إن في ضيوف تحت مكنتش هسيبك إلا مي*تة، قومي اغسلي وشك وانزلي قدمي واجب الضيافة للناس.
ورمقها بنظرة مرعبة أصابتها بالرهبة والرعب وذهب وهو يتوعدها بالموت، ثم خرج صافقًا الباب وراءه، وأرتكز بكفه على الجدار وهو يحني ظهره كأن الهم قد أصابه فوق عمره أعمارًا، وهمس بدموع تلتمع في عينيه:
_ليه كدا يا غرام يا بنتي؟ كدا تخوني ثقتي فيكِ؟!
ثم تنهد تنهدًا عميقًا، واستجمع رباطة جأشة، وهبط السلالم وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة لا توحي بما يمور في صدره.
هل الابتسامة تصبح ميتة في بعض الأحيان؟
نعم، حين يكون القلب ينوء ببكاءٍ صامت، عندما يخسر نبضة من نبضاته، عندما يضطر ليواجه الحياة وهو يطوِ على أشجانه.
جلس بجوار صديقه الذي سأله متعجبًا:
_امال غرام فين يا عبد السلام؟
فتبسم عبد السلام بسمة متوترة، وازدرد لعابه وهو يقول متحاشيًا النظر إليه:
_نازلة حالًا هي تقدر متنزلش تسلم عليك!
في أوان ذلك كان وقع أقدام تهبط الدرج في تؤدة، فالتفت الجميع نحو الدرج، وهتف مختار في بهجة:
_اللهم بارك بنتك قمر يا عبد السلام، كبرت إمتى وبقيت عروسة البت دي!
فرد عبد السلام في بساطة:
_البنات كبارة يا مختارة.
وحدج غرام بنظرة صارمة، سرَت في جسدها كما تسري النار في الهشيم، وتوجهت نحو مختار لتسلم عليه بملامح جامدة، بينما عانقت غادة في ود، واومأت برأسها نحو يمان فبادلها إيماءتها بأخرى مرحبة، ولمحت زكريا بنظرة سريعة خاطفة وكان هو يزدرد لعابه وتتسع حدقتاه بنظرة ماكرة، وهمس:
_الظاهر إني هحب المكان هنا، والفسحة مش هتكون ببلاش.
وارتسمت ابتسامة عريضة فوق شفتيه.
[اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد]
سارت غرام برفقة غادة في الأراضي الذراعية قبيل المغرب بينما الشمس تغرب بلونٍ مريحٌ للعين والجو يملؤه هواءً منعش جميل، كان الهَم جاثم في مقلتيها، فوالدها قاطعها.
كف عن محادثاتها إلا أمام الضيوف..
كان الحزن يعتصر فؤادها، والقلق داهمها، والخوف يمزق أعماقها، كانت خجلى… تخجل أن ترآه وأن تتقابل عينيها بعيناه، كانت نظرة الخذلان في عيناه تعقر قلبها.
ما أقسى من وجعٍ يعقر الفؤاد بنصلٍ حاد ويذروه ينزف دمًا.
ولوهلة رفعت بصرها نحو السماء الذي غشاها لون الشفق الرائع، وخطر لها خاطر…
نعم تذكرت ربها!
ربها الذي نست إنه رقيبٌ بصيرٌ سميع.
يعلم ما تخفي الصدور..
إنها تخجل من ابيها هذا أكيد، ولكن ماذا عن ربها؟!
كيف سيقبلها بهذا الإثم الذي لم تتوب منه توبة نصوح؟!
هل يقبل الله عبدًا ذهب إليه راجيًا المغفرة؟!
ومن عساه يقبل أن لم يقبل هو؟
إنه يقبل التوبة إن كانت صادقة لا شية فيها، بل ويفرح بها..
لم تلاحظ الدموع التي أخذت تتحدر من حدقتيها مع هذا الخاطر؟! كيف وصلت لتلك الحالة؟ كيف آل بها الموقف إلى هذا السلوك السيء!
يا ويح فؤادها أن ظلت على ذنبها دون أن تجثو أمام باب الرحمن لا تبرح حتى تبلغ ما أتت إليه.
يا حسرتا على دنيا تنتهي بها إلى النار!
وتأملت حالها آنفًا حين كانت تتوضئ قبل الأذان في لهفة إلى لقاء الله، فتجلس على مصليتها تناجي ربها حينًا وتقرأ القرآن حينًا آخر حتى يخترق الأذان سمعها فتنصت إليه بقلبٍ متلهف تردد مع المؤذن بصوتٍ شجي، وتهب في لهفة للقاء خالقها!
كيف باتت بتلك الحالة من الضياع التي أطاحت بإيمانها؟
متى أصبحت بذلك السوء والشتات؟!
تنبهت من شرودها، وبؤرة أفكارها، على صوت غادة، وهي تهتف:
_غرام أنتِ كويسة؟! بتعيطي ليه؟!
فالتفتت إليها بنظرة تائهة ضائعة، وهمت أن تقول شيئًا لكن أحست أن الكلمات تفر من حلقها فلاذت بالصمت، وكفكفت أدمعها وتابعت سيرها في هدوء، وهي تقول بصوتٍ شارد يقطر حزنًا:
_أنا كويسه الحمد لله، بس أحيانًا الإنسان منا بيبكي على حاله مع ربه!
فطالعتها غادة بغرابة ولم تنبس ببنتِ شَفة، وأن راحت تسير بجوارها في سكونٍ تام، تنبهت غرام إلى امرأتين عجوزتين كانت تقوم براعية إحدهما لإنها وحيدة بطيبة قلب، أخذت تلمزها بالقول مع الأخرى، ولم يخف عنها الحديث لا ريب إن الجميع لا يزل يتقول على البنت التي طلقها ابن عمها قبل موعد زفافهما، وأحست بغضبٍ هائل يصيب الشغاف من قلبها، فطلبت من غادة أن تعودا، وبينما هما في طريق العودة، قابلهما زكريا الذي دنا منهما وهو يقول بنبرة ذات مغزى ونظره معلق على غرام التي لم تنتبه له:
_البلد هنا جميلة أوي، وشكلي هآجي هنا كتير، حبيت المكان جدًا واللي فيه.
وسأل غرام في اهتمام وهو يمعن النظر فيها:
_أنتِ مخلصة كلية إيه يا آنسة غرام، مش أنسة برضو؟
فرفعت غرام نظرها إليه متفاجئة، وحدقت فيه لثوانٍ بدا بتفكير، ثم قالت سريعًا:
_أنا مطلقة مش أنسة!
وتسمر زكريا مكانه بفمٍ مزمزم، وغمغم في نفسه:
_إيه القرف ده القمر دي مطلقة إزاي؟ دا مين الأعمى ده!
توجهت غرام إلى حجرتها بعدما وقفت غادة برفقة أخيها يمان، وجذبت هاتفها ودخلت على صفحة كاتبتها المفضلة (ندى ممدوح) كانت تهوى كتاباتها التي تذكر فيها قصص الصحابة التي أضحت مغرمة بها، وقرأت آخر منشور كان على الصفحة.
(حادثة الإفك.
كان النبي ﷺ عندما يخرج إلى غزوة من الغزوات يأخذ زوجة من زوجاته، وفي غزوة بني المصطلق كان الخروج من نصيب السيدة عائشة رضي الله عنها، وخلال العودة من هذه الغزوة إلى المدينة، فقدت سيدتنا عائشة عقدًا لها، فأخذت تبحث عنه وغفلت عن الجيش الذي شرع يتهادى في طريقه، وأقبل الرهط الذين كانوا يحملون هودجها فحملوه وهم عنها غافلين ويحسبون إنها فيه.
وكانت النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلهن اللحم، فلم يستنكروا خفة الهودج حين رفعوه، ووضعوه فوق الجمل، واستمر الجيش في المسير، والسيدة عائشة تبحث عن عقدها حتى وجدته، فتفاجآت بأنها وحيدة فجلست في مكمنها وظنت إنهم سيفتقدونها فيرجعون إليها ويأخذوها.
فبينما هي جالسة غلبها النوم فنامت.
وقتئذٍ كان صفوان بن المعطل في أكثر الغزوات في المؤخرة، استطلاعًا وتفقدًا.. فأدلج عند منزلها الذي تنام فيه، فهاله رؤية إنسان نائم، فدنا فعرف أنها السيدة عائشة، وقد كانت كاشفة الوجه فردد في ذعر:
_إن لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله!
فهبت السيدة عائشة من نومها فزعة على صوته، كانت وحيدة وسط صحراءً يعمها الظلام، فأسرعتْ بتغطية وجهها وقد كانت هذه الغزوة بعد نزول آيات الحجاب.
فأناخ لها راحلته، فركبت، وانطلق يقود الراحلة دون أن يكلمها كلمة، حتى بلغا الجيش.. واستمر في المسير حتى المدينة…
لم تدرك السيدة عائشة لمدة شهر أن عبد الله بن أبي ابن سلول قد خاض في عرضها بين المنافقين، وبَث الأمر بين الناس وأخذوا يتقولون عليها بأنها تأخرت عن الجيش عمدًا حتى تلتقي بصفوان، وبين ليلةً وضحاها بات عرض رسول الله ﷺ تتناقله الألسن، وكان الرسول يعلم ما يتقولونه عنها منذُ اللحظة الأولى لكنه أسر الأمر في نفسه ولم يبدهِ لها.
علمت عائشة بالأمر حينما خرجت مع أم مسطح لقضاء الحاجة، فتعثرت المرأة وسبَّتْ ابنها مسطح من شدة غضبها منه، فدافعت عائشة عنه وزجرتها من أن تغتابه، وتعجبتْ أم مسطح عجبًا شديدًا من أن تدافع عائشة عن شخصًا كان يتحدث عنها بسوء، ويغتابها.. وقصت عليها كل شيء.
وتلقت عائشة الخبر الذي نزل على فؤادها كصاعقة عاتيه هبت هبوب الرياح الهوجاء ففطرت قلبها، فانهارت، وعادت إلى بيتها مصدومة ودت لو تسال النبي في الأمر لكنها فطنت إنه لن يقول شيئًا فستأذنت منه في زيارة أبويها فأذن لها، وذهبت وسألت أمها فيما يقول الناس عنها وعلمت مايتقولونه؛ فمكثت يومها ذلك لا ترقأ لها دمعة، ولم تكتحل بنوم… لم تدرك عائشة إن الله تعالى مبرئها من فوق سبع سنوات، بقرآن يتلى إلى يوم القيامة.
لم تكن تعلم هذا الجزاء العظيم الذي ستناله.
وإن جزاء الصابرون المحتسبون الفرج من الله.
إليكِ يا من تظنين إنكِ في مأمن من ألسنة الناس، من منا أسلم من الألسنة؟!
من منا رحمته الناس؟!
من منا لم يخوضوا في عرضه، ويغتابوه؟!
تظنين إنك وحدك التي تقولو عليها؟!
لا يا عزيزتي فقبلك كانت أم المؤمنين وزوجة النبي عائشة رضي الله عنها، هي لم تسلم لتسلمي أنتِ؟!
لكن لا يجب ان يكون ذلك نهاية المطاف، نهاية حياتك، نهاية سعادتك، فعائشة فوضت امرها إلى الله فرفع الله ذكرها في العالمين، احتسبي واصبري وتقوي بربك، فإن الله ناصر المظلوم.
المرء حين يهمه أمر قد يبتعد عن الله ويصبح كنود، قوي الإيمان فقط هو من يفقه إن الابتلاء لنزداد لا لنبتعد، لنقترب لا لنفر، لنتوب من ذنوبان تكبل استجابة الدعوة، لنطهر أرواحنا من أدناس الحياة كي ننال مغفرة رب العباد.
اي شرفٍ وفخر نالته عائشة إذًا؟
عائشة ظلت شهرًا لا تدري ما يقال عنها من وراءها، لا تعلم أنهم يخوضوا في عرضها، كان الرسول حريص ألا يصل لها الخبر، ألا يحزن فؤادها، كان متيقن من برائتها، لم تعلم عائشة إن الله هو من سيبرئها حتى تخرص كل الألسنة، لم تعلم معنى أن يتذكرها الناس بآياتًا تتلى إلى يوم القيامة، بل من العظمة أن أبا بكرٍ أبيها كان ينفق على عبد الله بن سلول لفقره ولقرابته فانقطع عن النفقة بسبب ما تقوله عبد الله على ابنته حتى أنزل الله عز وجل { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[سُورَةُ النُّورِ: ٢٢]
وكان أبى بكر يحب أن يعفو عنه الله، وأن يصفح له يوم القيامة، وأدرك إن نفقته لله وليس لأحدٍ من البشر، فتراجع عن قوله، واستمر في النفقة.
هكذا هم الصالحون مهما ابتلاو من بلايا تراهم آمنين، منفقين، متصدقين يدركون إن الله معهم.)
فرغت غرام من قراءة المنشور، وأخذها الحنين إلى قصة (كعب بن مالك التائب الصادق) كي تتعلم التوبة النصوح، والتجرد من الذنب، فالروح إن لم لم تتجرد من ذنوبها هلكت، فالتقطت رواية (والتقينا) لكاتبتها المفضلة ندى ممدوح وجآت بالفصل التي تضم بين جنباتها قصة كعب وأخذت تقرؤها بعينين تفيضان دمعًا أليم، ثم تركت الكتاب جانبًا عندما ارتفع أذان الفجر، فنهضت ووقفت أمام نافذة حجرتها تتأمل الليل الذي أخذ يغشى السماء بأعين حزينة يطل منها الحزن جليًا، في اوان ذلك كان يمان يتحدث في الهاتف ورفع رأسه تلقائيًا لأعلى فرآها..
كان يأسره الحزن في عينيها..
يود أن يعلم سره؟
لما تلك العينين الجميلتين حزنتين؟!
وأسر ذلك في نفسه ثم خفض جفنيه وسار مبتعدًا عن أسفل نافذتها.
[اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد]
«مالك يا عبد السلام، ليه شايفك مهموم؟ من يوم ما رجعنا وأنت سرحان وكأنك شايل هم العالم فوق كتفاك؟»
وربت على ركبته، وقال:
_هون عليك يا حبيبي، وشاركني همك من إمتى وإحنا بنخبي على بعض؟!
فتنهد عبد السلام بثقلٍ، وزفر في ضيق، وشردت نظراته في الفراغ، وأردف:
_أقول إيه بس يا مختار؟! في حاجات ع*ار إنها تتقال؟!
فتحير مختار، وقال في دهشة:
_دا الموضوع شكله كبير، فضفض طب معايا يمكن لما أشوف انا الموضوع من زاويتي ميكونش بالصعوبة اللي أنت شايفها دي!
ألتقط عبد السلام نفسًا عميقًا، وتطلع إليه، وقد حسم أمره في إفضاء ما في جعبته، وأخذ يقص عليه ما يعتمل صدره وكيف عرف أن غرام ابنته على علاقة بأحد الشباب، وعلى شكه في إن ابن عمها تركها لذلك السبب.
فهز مختار رأسه عندما انتهى عبد السلام، وقال بتفكير:
_حاسس إنك ظالم بنتك يا عبد السلام، وإن ابن عمها مسبهاش لنفس السبب ده، بل أشك إن غرام لأول مرة تعمل كدا بسبب اللي حصل لها؟!
فصاح عبد السلام مندفعًا:
_وهي كل واحدة تطلق تعمل كدا يا مختار؟!
قال مختار في هدوء، وحكمة:
_يا عبد السلام متستهونش باللي حصل، متبصش للموضوع من ناحيتك أنت! طب فكر بعد اللي حصل تقعد مع بنتك وتفهم منها إيه اللي هي حاسة بيه؟! إيه اللي عاشته! متستهونش بالضغوط النفسية النفس متاهة ممكن تخلي الانسان يعمل اي حاجه بدون وعي.
وسكت بينما عبد السلام يتفكر في كلامه، واسترسل مختار قائلًا:
_ومتنساش إن ذنوب الآباء أوقات بتدفع تمنها الأبناء؟! دور في حياتك اللي مضت وشوف نفسك إيه الذنب اللي دفعت بنتك تمنه.
وفي هلع كان عبد السلام يحملق في مختار مبهوتًا، والآخر يضيف في صرامة:
_روح خد بنتك في حضنك وصدقني طول ما أنت قريب من بنتك وصديق ليها بنتك مش هتبص لبره أبدًا ولا هتفكر في كدا.
وحثه قائلًا ببسمة:
_يلا روح وأنا مستنيك هنا.
واومأ عبد السلام برأسه موافقًا، وتوجه مباشرةً إلى حجرة غرام وتوقف أمامها حائرًا يفكر فيما قد يقوله لها، ثم طرق على الباب ببطء فلم يأتيه رد فقطب جبينه وفتح الباب بتأنٍ وهو يطل برأسه للداخل، هنالك رآها ساجدة وصوت بكاؤها يعلو يفطر قلبه، وسمع صوت استغفارها فأغمض عينيه، ودخل الغرفة وأغلق الباب وراءه، وانتظرها حتى تنتهي، فما كادت أن تسلم من صلاتها حتى ألتفتت إليه وتهدج قلبها، ونهضت وهي تطوي سجادتها، همت أن تعتذر منه لكنه أقترب واحتواها بين ذراعيه بصمت فبكت كما لم تبكي قبلًا حتى هدأت، فأجلسها والدها، وقال:
_زمان لما كنت كدا في عمرك، كان معايا صحاب بيعرفوا بنا*ت، فطلبت مني نفسي الأمارة بالسوء إني اعمل زيهم؟ ااصل فيها ايه يعني طالما كله بيعمل كدا، ونسيت إن الذنب ذنب حتى لو العالم كله بيعمله، فطلبت منهم يشوفوا لي بنت أكلمها، وبالفعل جابولي رقم واحدة وفضلنا نتكلم لأيام والأيام جابت شهور كنت بتسلى بس البت تعلقت بيا وحبتني فعلاً للأسف وكنت بوعدها وعود زايفة اني هتجوزها ويشهد الله اني وعودي كانت زائفة وأني كنت بحتقره*ا في نفسي، الراجل عمره ما يأمن بيته ونفسه لوحدة خانت ثقة والدها، مهما وعدها بكل وعود العالم وحلف لها بأغلظ الأيمان وقالها كلمة بحبك مستحيل يتجوزها في الآخر، مستحيل يخليها أم لعياله، وسكن لبيته.
سكت عبد السلام وغارت عيناه بالدمع لذكرى شقيقته الراحلة، وأتبع يقول:
_مفيش حاجه فوقتني وقتها غير عمتك ليلى، لما عرفت اني على علاقة بالبنت دي، فسألتني لو هي مكانها هل كنت هرضى بكدا؟ وهنا فوقت.
ادركت إني كنت على خطأ، لم تصورت إن ممكن شاب يتسلى بيها وإن ذنبي يترد فيها فوقت لنفسي وبطلت أكلم البت دي.
وسكت لحظة، ثم تابع:
_أوقات كتير بينسى الآباء إن كل أفعالهم بتترد في أبناءهم، وبينسوا الإخوات إن كل افعالهم بتترد في شقيقاتهم برضو الدنيا سلف ودين وكما تدين تدان وربك ليس بظلامٍ للعبيد، ياريت الكل يعرف كدا.
سلَّمت غرام رأسها إلى صدره، وضمته بذراعيه بأعين تذرف الدمع، ثم راحت تبثُ شجونها إليه بصوتٍ متهدج، وصدرٍ مختلج:
_لما طارق طلقني يا بابا وتاني يوم خطب حسيت إني وحشة أوي، إني متحبش، اني فيَّ حاجه ناقص*ة، أني مش جميلة حسيت اني مشوه*ة، كل ما بخرج من البيت الناس بتتكلم عليَّ بالباطل، بيقولوا إنه اكيد عرف إني غلط مع حد عشان كدا سابني، نظراتهم ليا كانت وحشة أوي، حسيت إني محتاجة حد يقولي أنتِ حلوة وجميلة وتتحبي، حد ميقولش عليَّ كلام وحش في وشي، فلما لقيت طلب الصداقة من الواد الغريب ده قبلته، بس انا مش وحشه يا بابا دي كانت اول مرة
اول غلطة
اكبر ذنب اعمله
انا اسفة اني خونت ثقتك فيا، أسفة إني زعلتك، أنا والله بتمنى اموت يا بابا
ربت عبد السلام على ظهرها، وهو يهمس:
_متقوليش كدا يا حبيبتي انا خلاص سامحتك.
ورفع ذقنها لينظر إلى عينيها، وقال:
_مش هكدب عليكِ وهقولك إني هنسى بسهولة زلتك لأ، بس أنا متاكد إنك مستحيل تعملي كدا تاني مش عشاني ولا عشانك عشان ربنا عشان فوقتي لنفسك.. وعرفتي إن الدنيا مش دايمة وأنك كان ممكن تموتي وأنتِ بتكلمي الواد ده وتتحاسبي وتقفي قدام ربنا مكسوفة مش قادرة تبرري.
ومحى عبراتها بإبهاميه، وأستطرد:
_مش عايزك تخبي عني حاجه تاني حتى أفكارك اللي بتروح وتيجي في دماغك، واياكِ تخافي مني أبوكِ لو حتى وحش فمعاكي مش هيكون وحش، تعالي حطي راسك على صدري واشكي همك وهسمعك وهنصحك وهقف جنبك.
وقبل جبهتها واستوى واقفًا، وقال وهو يضحك بهدوء:
_ويلا قومي اغسلي وشك خلينا ننزل نعمل لقمة للناس اللي تحت دي وتاخدي جدتك عشان طفشت الواد يمان، وشكلي كدا هجوزهاله وريح.
وضحكت غرام بخفة وهي تنفذ ما قاله لها أبيها.
وتوجهت بعد ذاك لتحضر طعام العشاء، فوجدت غادة تدخل إليها وهي تقول:
_حاسة إن في حاجه متغيرة!
فأستدارت غرام، وقالت ببسمة:
_متغيرة إزاي؟
فعقدت غادة ساعديها أمام صدرها، وقالت:
_زي مثلا إنك مبسوطة حبتين، حساكِ مرتاحة جواكِ رضى غريب!
فتنهدت غرام في ارتياح، وقالت:
_يمكن عشان لقيت نفسي، تعالي نحطلهم الأكل ونطلع إحنا فوق ناكل براحتنا.
وتعاونتا على وضع الطعام للرجال، وبينما غرم تتناول طعامها برفقة غادة، إذ قالت لها وهي تستشف شيئًا ما:
_غرام، قوليلي إيه رأيك في زكريا ابن خالي؟
فمضعت غرام ما بفمها، وتطلعت إليها ذاهلة لم تكن تعلم شيء عن زكريا ابن صديق أبيها!
ولا تذكر حتى ملامحه فإنها لم تهتم به أو برؤيته.
فهزت كتفيها وهي تقول في دهشة:
_رأيي فيه إزاي يعني؟
فأبتلعت غادة ما بفمها، وقالت في بساطة:
_يعني مثلًا جميل؟ ملامحه حلوة ولا إيه؟ شايفة انه حد كويس ولا لأ؟!
واسئلت غادة كانت لطلب من زكريا الذي لمح لها إنه يكن إعجابًا نحو غرام.
غمغمت غرام في جمود:
_وأنا مالي هو كويس ولا لأ؟! أنا اصلا معرفش عنه حاجة.. وغالبًا مخدتش بالي منه أبدًا من لما جه.
ثم تنبهت إلى بعض الندوب المنتشرة فوق ذراعي غادة، فسألتها باهتمام:
_أنتِ محرو*قة في إيه؟
فحدقت غادة إلى حروق يدها بنظرة فزع مع تذكرها لما كاد أن يصيبها من خطيبها السابق، ثم حوَّلت بصرها جهة غرام، وهمست بصوتٍ خفيض:
_دي حر*وق بسبب خطيبي!.
فقطبت غرام حاجبيها مندهشة، وقالت في صدمة:
_خطيبك حرق*ك إزاي يعني؟!
ازدردت غادة لعابها، وافصحت في هدوء:
_اصل يمان اخويا اكتشف عنه حاجه مش كويسة فنفصلنا، فاتجن غالبًا وكان هيكب مي*ة نا*ر على وشي بس ربنا ستر وجت على قد كدا والحمد لله.
فرفعت غرام حاجبها، وقالت في إشفاق:
_لا إله إلا الله، هو في حد بيفكر كدا؟!
رمشت غادة بأجفانها، ثم سألتها وهي تنظر إليها بطرفٍ خفي:
_وأنتِ اطلقتي ليه؟
زفرت غرام في توتر، وقالت:
_كان ابن عمي وكتبنا الكتاب وفجأة حصلت ظروف واطلقنا.
وتفهمت غادة فهزت رأسها ولاذت بالصمت عندما أحست ان الأمر يؤلم غرام.
بينما في الأسفل كان مختار يسأل عبد السلام وهو يتناول طعامه:
_بكره فرح ابن اخوك طارق، واكيد هتحضر وكفاية خصام كدا.
فهتف عبد السلام بأنفعال:
_هروح إزاي يا مختار بس؟ العروسة اللي بكرا دي كان المفروض بنتي مكانها!
فربت مختار على كتفه، وقال:
_بس اخوك ملهوش ذنب يا عبد السلام، والراجل جه لحد عندك كذا مرة يستسمحك ويطلب منك تيجي الفرح لإنك الكبير وإلا مش هيحضر.
ورمق يمان في اهتمام الرجلين وهو ينصت في اهتمام ليربط حزن غرام بطلاقها من ابن عمها الذي سيزف غدًا على أخرى كان يجب أن تكون هي مكانها، وتسلل إلى أذنيه صوت خاله وهو يقول بصدقٍ:
_انتوا اخوات يا عبد السلام والدنيا مش دايمة متخليش الشيطان يفرق ما بينكم في آخر أعماركم كدا، الدنيا مش مستاهلة يا صاحبي، ولو أنت عايز الصح فالمفروض تاخد بنتك غرام بكرا معاك ونروح كلنا.
فهب عبد السلام واقفًا وهو يخبط المائدة بكفه في غضبٍ، وصرخ:
_أنت اتج*نيت ولا إيه؟ آخد بنتي على فرح طليقها؟!

يتبع….

 
google-playkhamsatmostaqltradent