Ads by Google X

رواية صرخات انثى الفصل الحادي و الخمسون 51 - بقلم ايه محمد رفعت

الصفحة الرئيسية

 

  رواية صرخات انثى الفصل الحادي و الخمسون 51 - بقلم ايه محمد رفعت

ما أبشع أن يختبر المرء مرارة فقدان الثقة، وبالأخص حينما تمنحها لأكثر إنسانًا لم تتوقع منه الغدر، وها هو الآن قد أُصيب في مقتلٍ حينما طعنته زوجته بكل ما أوتيت من قوةٍ، في كل مرة كانت تضربه بكفها على قلبه النابض وتلك المرةٍ لم تكن رحيمة فانهت أمره بخنجرٍ تركته معلقًا بصدره، لا ينتهي عذابه بزجه للداخل ولا بسحبه للخارج!
ربما تختبر قلة من النساء أحاسيس الغيرة والحقد حينما يتحدث زوجها عن امرأة أخرى في وجودها،ولكن الذي اختبره كان نادرًا ومخيفًا لدرجة تحدت رجولته! زوجته الفاضلة تقف قبالته تخبره بكل جراءة عن مميزات صديقه وقوام جسده العضلي الممشوق!! أي وجعًا يضاهيه الإن.


صف جمال سيارته قبالة المركز الطبي الخاص ب”علي الغرباوي”، ومال للأمام بجسده يعتصره جفونه بقوةٍ عنيفة، لم يكن يومًا ذلك الشاب المرفه، ترعرع بأسرة متوسطة الحال، حيث كد أبيه عناءًا ليدخله الثانوية العامة، بينما أتى دور والدته العظيمة فقامت ببيبع ذهبها بأكمله لتحقق حُلم ابنها بالسفر إلى انجلترا ومتابعة الدراسة في آحدى الجامعات الانجليزية.
يتذكر بوضوح انها كانت ترسل له من مال ميراثها الذي حرمه أبيه أن يُصرف بمنزله، فاحتفظت به بحسابٍ بنكي، وحينما احتاج ابنها للمال لم تتردد أبدًا بتحويل الاموال له شهريًا، لذا حينما تخرج من الكليةٍ لم ينسى جميلها عليه فيعمل بجدٍ واجتهادًا ليرسل لها كل شهرٍ مبلغ كبير يساهم في تعليم أشقائه وزواج شقيقاته، حتى وإن اضطر أن يُقصر بمصروفاته الشخصية ولكنه لم يبالي.


وفوق كل ذلك أضاف لذاته حملًا بسرعة زواجه ممن أحبها واختارها قلبه، وبعدها عاد للندن للعمل لأجلها، فلقد ازدادت مسؤولياته بشكل عجزه كليًا، فأتت تزيد وجعه وتطالبه بالسفر إليه بإلحاحٍ شديد، لذا رضخ لها وأمن لها مسكنًا يليق بها ورتب أمره.
اتبعه أمر مرض والدته وغيرها من العوائق التي أثرت على شكله بطريقة جذرية، ربما أهمل ذاته وسط همومه وما يتحمله على عاتقه، إنما هو شابًا قد تغلب عليه العمر لمشقته فبدى شاحبًا كمن يجاهد لأخر أنفاسه وفوق كل ذلك ضربته بمقتلٍ جعله ينهار وهو يشعر بأنه لن يستطيع أن يحتمل أكثر من ذلك.


ألقى جمال هاتفه بتبلو السيارة بعدما وصل عدد رنين مكالماتها للحادي والأربعون، وهبط من السيارة يصعد لغرفة والدته، فلقد تعمد أن يأتي متأخرًا حتى تكون قد غفت، لا يريدها أن تشعر بما يعانيه، يكفيها مرضها فلن يزيد فوق تعبها تعبًا.
ولج للداخل فتفاجئ بوجودها بالداخل، تركض إليه بأعينٍ منتفخة وصوتًا مبحوح:
_جمال أنا آسفة حقك عليا أنا آ…
رفع كفه أمام وجهها وعينيه تتابع والدته النائمة بسلامٍ، فسحبها لخارج الغرفة وصرخ بها:
_أيه اللي جابك هنا؟
قالت ببكاءٍ وهي تتمسك بذراعيه:
_بكلمك مش بترد عليا ولحد دلوقتي مرجعتش البيت، أنا غلطانه أرجوك سامحني أنا آ..
قاطعها بعصبية بالغة:
_مش عايز أسمع حاجة، ولا عايز أشوف وشك، ارجعي الشقة ويفضل متورنيش وشك خالص، تجاهليني قد ما تقدري.
وتابع بقسوةٍ استحقتها بكل جدارة:
_أمي خارجه بكره من المستسفى الاسبوع اللي هتقعده معاكي في البيت لو حست بحاجة هخلي عيشتك كلها سواد، ابقي اعملي ما بدالك لما ترجع مصر وزي ما قولتلك أول ما تولدي هننفصل وكل واحد يروح لطريقه.
كانت تظنه نطقها لمرته الاولى لشدة عصبيته، والآن يكرر لها نفس الجملة باصرارٍ زاد من بكائها وحسرتها، فقالت بعويل:


_أنا آسفة.. متعملش فيا كده يا جمال أنا عارفة اني آ…
سحب كفه من يدها صارخًا بشراسةٍ:
_إنك أيـــه!! إنتِ أجبرتيني أمد إيدي عليكي ولولا اللي في بطنك كنت هدفنك مكانك!! هستنى أيه تاني لما اعملها فعلًا المرة الجاية!!
أمسكت يده مجددًا بعدما سحبه منها، ورددت بهمسٍ تابع لبحة نبرتها:
_سامحني عشان خاطري، أنا كنت بستفزك عشان تهتم بنفسك وبيا أكتر من كده.
ابتسم بوجعٍ وردد بكرهٍ شديد:
_عارفة كل ما بتبرري وتتكلمي بكرهك أكتر، أمي قايمة من عملية موت وأبويا في مصر مش قادر على مصاريف اخواتي، وأنا مطلوب مني أجهز أختي في أقل من أربع شهور، غير مصاريف ولادتك وايجار الشقة ومسؤوليات ملهاش أول من أخر وانتي عايزاني اسيب كل ده وأنزل أشتري لبس وأتشيك واللي يموت يموت ومفكرش فيكي وفي اللي في بطنك وأهلي!
وتردد صوته المتعصب بجنون:
_إنتي كل مرة بتثبتيلي إنك أسوء اختيار أنا اختارته في حياتي، غلطة ومحتاج أصلحها عشان كده إنتي من اللحظة دي بره حياتي.
وبكل جمودٍ قال:
_إنتي طالـــق يا صبا… طـــالق!
هزت رأسها ترفض ما يقول وكأنه حلمًا سيئًا لا تود استكماله، فابتسم بوجعٍ مردفًا:
_بحررك من ارتباطك بشخص أناني مش حاسس بمشاعرك ولا قادر يملى عينك، يمكن ربنا يعوضك بشخص ابن ناس معاه فلوس ويقدر يكونلك بالشكل اللي تحبيه.


واتجه للخروج أمام عينيها قاصدًا سيارته، بينما جلست هي على أقرب مقعد انتظار قابلها، تتطلع للباب الذي خرج منه بعدم تصديق، لقد خسرته بالفعل! خسرت من أحبته ولم يشهد منها سوى الغلظة وعدم الرضا لابسط ما يفعله لأجلها، حررت عنها للدموع بانكسارٍ ومسدت على بطنها المنتفخ بقلة حيلة، وكأنها تطالب جنينها بأن يسامحها لأنها فرقت عائلته من قبل حتى أن يُخلق!
*****
وجد ذاته أمام عمارة شقته القديمة التي اشتراها هو وعُمران ويوسف أيام الجامعة، ويسكنها الآن سيف، صعد للأعلى وطرق الباب حتى فتحه سيف يتطلع له بدهشةٍ، ويوزع نظراته بينه وبين ساعة يده قائلًا بصوتٍ متحشرج من آثار النوم:
_جمال! أيه اللي جابك بالوقت المتأخر ده!
ولج للداخل ينزع عنه جاكيته ورابطة عنقه:
_مفيش يا سيف هبات هنا النهارده لو مش هزعجك.
رفع احد حاجبيه بذهولٍ:
_تزعجني أيه دي شقتك ولا نسيت!
منحه ابتسامة هادئة وإتبع طريقه لغرفته، فتمدد على الفراش بارهاقٍ تام.
وقف سيف بالخارج حائرًا، لا يعلم أيهاتف أخيه يخبره بأمر صديقه الذي يبدو بأنه ليس على ما يرام أم يدخل هو إليه يعلم ما أصابه.
وبالفعل ولج لغرفته يطرق على الباب المفتوح على مصرعيه، ففتح جمال عينيه وأشار:
_تعالى يا سيف.
دخل يقترب من السرير وبتوترٍ قال:
_إنت كويس؟ شكلك تعبان ومرهق.. تحب أتصل بيوسف؟
استند على مرفقه وقال:
_مفيش داعي أنا كويس بس عايز أنام.
منحه ابتسامة جذابة وعرض عليه:
_طيب أيه رأيك أعملك عشا سريع؟
قدر لطف عرضه وقال باحترام:
_تسلم يا دكتور أنا أكلت من بدري.
هز كتفيه بقلةٍ حيلة من تقديم شيئًا له
_طيب أسيبك تنام.. تصبح على خير.
وإتجه سيف لغرفته يكظم أفكاره السوداوية، هو يعلم بأن جمال لا يأتي إلى هنا الا وبينه وبين زوجته مشكلة جادة، لذا حزم أمره وجذب هاتفه يهاتف الاولى والأحق بعلمه، فأتاه صوته الناعس:
_دكتور سيڤو حقنة بيتصل بيا يا ولاد!!!
_بقى أنا طالع عيني في المذاكرة عشان أكون دكتور محترم تيجي إنت وتتريق عليا على أخر الزمن!
ضحك عُمران وهتف ساخرًا:
_متزعلش يا دكتور يا محترم حقك عليا، خلينا بقى في المهم إنت عمرك ما كلمتني بالموبيل غير مرتين تلاته وكانوا اعلان لمصايب فقولي بقى أي مصيبة أتت بك للوقح!
سيطر على انفعالاته بصعوبة وقال:
_صاحبك هنا وشكله المرادي اتخاتق بضمير، جاي منظره مش طبيعي خالص.
_مين؟ تقصد جمال؟
_بالظبط مهو أكيد مش يوسف يعني، مع إني حاسس إنه هيعملها قريب بسبب اللي دكتورة ليلى بتعمله فيه، تخيل بيغسل المواعين ليل نهار وقايم بشغل البيت قبل وبعد العيادة
_أووف.. انا كنت شاكك في جمال من البداية، أما يوسف فيستاهل بصراحه خليه يجرب يتعامل بقى بدل ما هو ناصف الستات علينا وخلاهم يتدلعوا!
ضحك سيف وردد بشماتة:
_البشمهندسة مايا شكلها قايمة بواجبها معاك!
ردد ببرود:
_قايمة طبعًا وزي ما أنا بردو هقوم بواجبي معاك وهقولك حالًا معندناش بنات للجواز.
_حبيبي إنت لو عايزني أعرم نفسي عند أخويا وأوسخ كل الأطباق عنيا متأخرش عنك أبدًا يابو نسب.
_عجبني إنك خوفت واحترمت لسانك، روح نام والصبح نشوف حوار جيمس ده… تصبح على خير يا سيفو!
اغلق سيف الهاتف واتجه لفراشه هامسًا بضيقٍ:
_طاووس وقح بصحيح!!
********
جفى النوم عين آيوب، فكان يراقب يونس بنظراتٍ حنونة، يخشى أن يتقلب بفراشه فيزعج الأخر بمنامته، فما أن ارتمى يُونس على فراشه استعوذ النوم عليه بسلطانٍ مسيطر، وكأنه لم يحظى به منذ قرونٍ!
انتفض آيوب فزعًا على صوت جرس الباب الذي إنطلق كالمدفع دون فاصل، وبذات الوقت تصطحبه صوت طرقات على باب المنزل، لوهلةٍ شعر بأن الطارق المختل ذلك سيحطم الباب من قوة دفعته، خمن بأنهم الشرطة فلا طارق بتلك الطريقة الا شرطيًا يود الاعتكاف بمجرمه قبل الفرار، ولكن تخمينًا أخر احتلج رأسه، بالطبع سيكون المصارع الضخم ومن غيره!
أسرع آيوب لباب المنزل يحرره قبل أن يستيقظ يونس، ليندفع في وجه الاخير بنزقٍ:
_أيـــــــــه ما صدقت تمرن إيدك ورجلك فملقتش غير باب بيتنا!!!
أزاحه “إيثان” عن طريقه واندفع للداخل يردد بصوتٍ مبحوح من فرط الفرحة والبكاء وعدم التصديق:
_الشيخ مهران قالي إن يُونس طلع… هو فيـــــــن؟
أغلق آيوب الباب من خلفه وصاح بعصبية وهو يفرك ذراعه من قوة قبضة إيثان القوية:
_يا أخي خد نفسك وراعي فرق الاحجام بينك وبين مخاليق ربنا… إنت مكانك مش وسطنا في الحارة مكانك في الادغال!
جذبه من تلباب ملابسه بعنفٍ:
_لو مش عايز تسافرها حالًا تقولي هو في إنهي أوضة؟؟
_أنا هنا يا إيثان!
قالها من يغلق أزرار قميصه بحرصٍ من الا يرى أحدٌ جروحه، فاستدار إيثان تجاه صوته وهرع إليه يحتضنه ببكاء وعويل طفلًا لا يتخطى الخمسة أعوام، مرددًا بانهيارٍ:
_ياااه يا يونس.. فقدت الأمل إنك هترجع تقف قدامي من تاني، أنا كنت من غيرك تايه ومش لاقيك في أي حد من اللي حواليا حتى أهلي يا يونس حتى أهلي!!!!!
مرر يده على ظهره بحنانٍ وشوق، وقال بحزنٍ:
_وإنت كمان وحشتني أوي يا إيثان، وكنت مفتقدك جدًا، حتى لما ظهرلي آدهم باشا وشوفت طيبته وجدعنته جيت في بالي على طول.
استقام قبالته ليتمعن من ملامحه بوضوحٍ، فتقهقهرت سعادته فور أن لاحظ جروحه الغائرة، فلمس خده الأيسر وتساءل بغضب:
_هما اللي عملوا فيك كده؟
أبعد يونس يده برفقٍ وحافظ على ابتسامته التي كادت بالتلاشى:
_متشغلش بالك إنت.. تعالى إقعد واحكيلي ليه سبت الجيم وشغلك عشان تدير محلاتي.
كاد إيثان باتبعه للأريكة التي سبقه إليها يُونس، ولكن كان آيوب الأسرع منه حينما أوقفه صائحًا بغضب:
_يقعد فين الساعه داخلة على 3 الفجر، اتكل يا عم وبكره تعالى اقرفنا! أقصد اتكلم مع يونس!
منحه نظرة شرسة ومال إليه يهمس بصوت منخفض للغاية:
_تحب أبلغ يونس بالخواجاية؟
فرد ذراعه مرحبًا:
_حبيبي يا إيثو اتقضل.. ده البيت بيتك يا راجل هو إنت غريب! ما أنت ياما حشرت نفسك وسطينا وجمعنا نفس السرير والاوضة وياما بردو عزمت نفسك بذات نفسك ولا هامك أي حد… سا راجل ده أنا بشوفك في بيتنا أكتر ما بشوفك في بيتك إنت شخصيًا!
ابتسم برضا تام لتحوله الملحوظ، واتجه بخطواتٍ واثقة مختارة حتى وصل جوار يونس، مشيرًا لآيوب بعنجهيةٍ:
_اعملي أنا ويونس فنجانين قهوة عشان هنحكي للصبح يا بشمهندس.
منحه نظرة نارية وقبل أن يطلق حديثًا مستشيط منه وجدها يحذره بنظرة تهديد فقال من بين اصطكاك أسنانه:
_محوجة ولا سادة على روحك!
اتسعت ابتسامته الباردة:
_لا مظبوطة يا حبيبي.. وياريت تفرد وشك شوية بدل ما يكش زي عضلاتك اللي اختفت من ساعة ما سافرت لندن، مكنتش بتدربها يا آيوب!
زفر بنفورٍ تام لأصعب شق بسفره إلى هنا، هذا الإيثان لا يترك رجلًا بحارته الا وجذبه عنوة للجسم الرياضي واقناعه بممارسة الرياضة ليحظو بجسدٍ مثالي، وليحمسهم كان يخصص يومين بالاسبوع باشتراك مجاني وكأنه رئيس الحي الذي يحرص على سلامة وصحة المواطنين ومن بين هؤلاء الفئة كان النصيب الأكبر ليونس وآيوب، فلقد أحاطهما إيثان باهتمامٍ مضاعف أرهق أبدانهما والآن على وشك سحبهما لنفس المصير!
أفاق من شروده يصيح بانفعال مرتعب:
_مش فاضي يا إيثوو الامتحانات بقى ولازم أذاكر عقبال أملتك هسافر أخر الشهر.
وأستطرد مشيرًا لمن يجلس جواره:
_صاحبك عندك أهو طلع عليه عُقدك كلها.. حاولوا تتماشوا مع بعض ومتعملوش حسابي في الليلة دي!
ضحك يهتف باستهزاء:
_طلعت خرع يابن الشيخ مهران.
تجاهله وإتجه للمطبخ بصمتٍ، بعبث بالأكياس التي أحضرها سابقًا ليصنع كوبين من القهوةٍ، بينما بالخارج كسر إيثان الصمت المتطرف بينهما وقال بعزيمةٍ وتهور:
_قولي يا يونس ناوي تعمل أيه عشان ترجع حقك، تأكد إني معاك وكتفي بكتفك لحد ما حقك يرجع قدام الحارة كلها.
مال برأسه على حافةٍ الأريكة بتعبٍ نفسي يفوق وجع جسده:
_بعدين يا إيثان.. بعدين نتكلم.
احتدت عينيه الخضراء واختفت جمالها ليبرز عاصفته الهائجة:
_بعدين ازاي!!! أنا مبنامش ليل ولا نهار بفكر في اليوم اللي هتخرج فيه وأساعدك تنتقم من معتز الكلب ده هو والخاينة اللي طعنتك في دهرك.. متخافش يا يونس مش هعمل حاجة تدينك ولا ترجعك السجن أنا أعرف عيال عندي في الجيم عاملين زي عفاريت الليل هيجيبولك حقك مخلص.
رفع فيروزته الباهته إليه وردد بحشرجة ذبحت حنجرته:
_وتفتكر إني مقدرش أعمل كده! دي أسهل حاجة ممكن اعملها أجر ناس شمال تجبلي حقي وأنا براءة قدام الحكومة والناس بس ده مش اللي أنا عايزه يا إيثان، أنا عايز أكسرهم الآتنين وأنا عيني في عينهم!
هز رأسه بحماس وربت على ساقه بقوةٍ:
_يحصل يا صاحبي، اللي تؤمر بيه يحصل لحد ما النار اللي جواك دي تبرد وتنطفي.
ابتسم بسخرية ملأها الألم:
_عمرها ما هتنطفي يا إيثان.
عاد الحزن يتوغل بخضرته، فمال إليه وهو يراقب آيوب المنشغل بسكب القهوة:
_احكيلي يا يونس عملوا فيك أيه ولاد ال*** دول.
أغلق عينيه بعنفٍ يعتصر جميع ذكرياته داخله ليحشدها عن الظهور لمجرد سماعه سؤال رفيقه، أطلق تنهيدته وترك حديثه المؤلم هذا حينما قال بثباتٍ مخادع:
_مقولتليش ليه سبت حالك ومالك ونزلت محلاتي،ورافض ليه تأخد نص الأرباح زي ما عرض عليك عم الشيخ؟
برق بحدقتيه بصدمة جعلت يونس يشعر وكأنه لقمه بسكين حاد:
_أنا ممسكتش مكانك عشان أقاسمك في تعبك وشقاك يا يونس، ثم إني لو كنت قاسمتك بالفلوس مكنتش كبرت المحلات ولا رأس مالك بالشكل ده.
_بس ده حقك وتعبك، واللي بسببه أهملت مالك وأكيد دخلك قل بسبب تفرغك الكامل للمحلات!!!
قالها يونس باندفاع يفوق غضب الاخير، فابتسم إيثان وقال ببساطةٍ تلقائية:
_لا متقلقش مستلفتش من حد ولا عندي اللي يطالبني بالمصروف، أنا لسه زي ما أنا عازب ومش ناوي أرتبط أساسًا فمعنديش حياة زوجية تطالبني بمصاريف، والموضوع مش زي ما أنت فاكر، أنا جبت للجيم مدربين وبيدخل دخل كويس على إيجار شقق العمارة بتاعتنا والدنيا ماشية وفل.
أنهى يونس حواره المستفيض حينما قال:
_إيثان من الأخر كده الفلوس اللي في البنك والمحلات لو مدخلتش معايا شريك فيهم مش واخد ولا مليم ولا نازل شغلي.
اتسعت مُقلتيه بذهولٍ وصدمة وصرخ منفعلًا:
_هو إنت خرجت ونسيت عقلك في الحبس ولا أيه، ده شغلك وتعبك والمحلاين ورثك من أبوك الله يرحمه، عايز تشاركني في أملاكك، يعني يا يونس لو أنا جرالي حاجة مش هتسد مكاني!! ده انا مش بأمن على أختي وأمي غير في وجودك، ولما بتحط في أي مصيبة بدخلها بقلب جامد إنك ورايا!
عاد يغلق عينيه بتعبٍ، وأنهى النقاش بحزمٍ:
_اللي عندي قولته.. ومتفتحش الحوار ده تاني على الأقل دلوقتي أنا مش قادر للمناهدة دي كفايا عليا آيوب!
وحينما تذكره اعتدل بجلسته وسأله باهتمامٍ:
_صحيح في أيه بينك وبينه لوي دراعه بيه ومخليه مطيع ليك على غير عادته!!
ابتسم بتفاخرٍ، وأحاط جسد الأريكة بكلتا ذراعيه واضعًا ساقًا فوق الاخرى:
_أسرار يا مُوهي.. والسر لو خرج من بينا ميبقاش سر يا مُوهي.
أزاح قدمه عن الاخرى هاتفًا بضيق:
_احترم نفسك يا إيثان وخف على الواد شوية مهوش حملك!
وضع آيوب الصينية على الطاولة بعنفٍ نثر بعضًا من القطرات على إيثان الذي ضم كفه بألمٍ بينما يصيح آيوب بنزقٍ:
_القهوة يا كابتن إيثو!
تجهمت معالمه غضبًا:
_مش قولتلك ألف مرة متقوليش أيثو دي تاني، أساسًا متنفعش بأي شكل جنب كلمة كابتن يا متخلف!!
أطلق أنفاسه بقلة حيلة وأشار ليونس الذي فضل متابعتهما بصمت لاعتياده على مثل تلك المشاحنات:
_شوف صاحبك اللي جاي يقرفنا الساعة 3 الفجر ده!!
ضحك إيثان مستهزءًا:
_بتشتكي لأخوكي الكبير مني يا بيضة!
استفزه بكلماته فاستهدفه بمقتل:
_خد بالك لو كترت بكلامك المستفز ده هتصلك بصاحبي يظبطك… آه مش عشان أكبر مني بكام سنة هتسوق فيها!
تابعهما يونس بمللٍ، فاسترخى بجلسته واستمع لهما بضجرٍ، فوجد إيثان يضحك بقوةٍ ويقول بسخريةٍ:
_صاحبك! وده هيمنعني من إنهي زواية.
استفزه بشكلٍ أباد جنونه، فجذب هاتفه وحرر زر الاتصال على “الطاووس الوقح” ، الذي أجابه بصوتٍ ناعس:
_آيوب خير… إنت كويس؟!
اندفعت كلماته بعصبيةٍ وعدم اتزان:
_عُمران إنت عارف إني طيب وماليش في جو التلات ورقات ده وآ..
_لخص يا آيوب قلقتني! إنت فين؟!
_اهدى يا عم الطاووس خليني أقولك الكلمتين.
ازى إيثان شفتيه بسخط وقال:
_بتشتكيني لمين يا بيضة؟
ونغز يونس المتفرج بصمت:
_ما تقوم تشكم أختك وتشوفها بتكلم مين في نصاص الليالي!
احتقنت الدماء بأوردة آيوب، الذي لطالما شعر بالعجز من مجابهة هذا الإيثان ذات اللسان السليط فأتاه صوت الوقح المستمع للحوار قائلًا بسخرية:
_مين العربجي ده!
صُعق بشكلٍ كاد بإسقاطه عن الأريكة، حينما برزت ضحكة آيوب بتشفي وخاصة حينما بدأ عُمران بفهم مغزى مكالمة آيوب لعدم قدرته بصد هذا المزعج، فتابع بقوة:
_ماله بيك ده يا آيوب.. حبيبي أنا مش منبه عليك وإنت نازل لمصر وقولتلك متلعبش مع أولاد الشارع!! أخلاقك يا آيوب.. أخلاقك يا حبيبي!
تحررت ضحكة عالية منه استفزت إيثان الذي انتفض بوقفته يصيح بغضب:
_مين ده يا آيوب؟!
أجابه ببرود وهو يضع الهاتف قبالة وجهه ليكون الصوت مسموعًا رغم أن السماعة الخارجية تنقل صوته بشكلٍ واضح:
_صاحبي وأخويا زي علاقتك إنت وابن عمي كده، وزي ما يونس طيب ومالوش في حواراتك أنا الطيب في نفس العلاقة بس حظك بقى واقعك مع طاووسنا الوقح “عُمران سالم الغرباوي”.
_حصلنا الرعب!! بس عشان الحارة نورها ميقفلش خليه ورا شاشة التليفون أحسن!
رد عُمران بثقةٍ:
_وإنت شايل الهم وزعلان ليه، كانوا بيسحبوا الكهربا من بيت مامي يا قمور!!
سقط آيوب أرضًا من فرط الضحك وردد بصعوبة بالحديث:
_احمد ربنا إنه مقالكش من بيت أمك!!!
ازدادت موجة غضب إيثان واستفزه هدوء يونس الذي لم يتأثر بما يدور حوله، فهزه بعنف:
_ما تشوف ابن عمك ده يا يُونس!! من كتر سكوتك الواد ساق فيها، بس وربي لأسحبه بكره الجيم عندي وأربيه
_إيدك تتمد عليه وأوعدك هكون على أول طايرة نازلة مصر بس ساعتها مش هتلاقي حضن حنين تعيط فيه.. ألا أمك عايشة ولا ميتة؟
أجابه آيوب ضاحكًا:
_لا عايشة يا عُمران.
_طمنتني إننا هنلاقي حد نرد عليه عمايله!
إيثان بانفعال:
_ترد على أمي ليه عيل صغير أنا!
_ده رأفة بيك إني بعاملك على إنك عيل وعقله فوت لكن لو عاملتك المعاملة التانية هتسبب بكسر فون آيوب والمسكين لسه ملحقش يتهنى بيه ومش بعيد تيجي هنا لندن تدور عليا ويبقى مدفنك هنا بعيد عن مامتك وإنت على ما أعتقد الحيلة.. مش كده ولا أيه يا حيلة أمك!!
اتسعت حدقتيه بدهشةٍ من ذلك الوقح، وردد بعدم استيعاب:
_ده من لندن ازاي!!
ضحك عُمران وأجابه:
_لا متقلقش أيام الجامعة كنت واخد كورس من صديق ليا من نزلة السمان، إنما أيه نفعني مع الاشكال الوقحة اللي زيك كده يا آ….
واستطرد بعجز:
_قولتلي إسمه أيه يا آيوب.
أتاه صوته الفرح يجيبه:
_إيثان… إيثوو!!
_أممم… وأيه يعرفك على أشكال زي دي يابن الشيخ مهران مش كنا عقلنا!
_ده صاحب ابن عمي مش تبعي، بس هو بيستغل الست سنين اللي بينا بشكل مستفز.
صاح إيثان بعصبية:
_ماشي يا آيوب.. هتنضرب يعني هتنضرب وشوف مين هيحوشك من إيدي!
_تضرب مين يا قمور! وحد الله واقعد في جنب عشان محطكش في دماغي وده أبشع مكان ممكن أحطك فيه، لأن قبل ما دراعي هيطولك كلابي هتقطعك على سنانها.
تحررت نوبة ضحك من آيوب الذي يراقب انعقاد ملامح إيثان بشماتة، فعلق على جملة “وحد الله” وقال:
_مسيحي هو يا عُمران.
_وماله يا حبيبي مسيحي مسلم المهم يقعد بأدبه!
جذب إيثان الهاتف من آيوب بقوة، هادرًا:
_وريني كده الاكونت بتاعه!
نجح بسحب الهاتف وفتح شاشة المكالمة، ومنها لحسابه الشخصي، فضحك عُمران وردد بوقاحةٍ:
_عايز تجمع معلومات عني يعني! ولا وقعت في غرامي وحابب تشوف شكلي!! بس خد بالك أنا بيوقع في غرامي ستات ورجالة عادي فخد بالك من قلبك لأسرقه يا قمور!
ابتسم يونس أخيرًا، بينما كان الذهول والاندهاش من نصيب إيثان الذي جلس برزانة على الأريكة يتطلع لحساب عُمران المتخطي للثلاثة مليون متابعًا، والذي بدى له من شخصه وصوره القيمة بأنه ليس شخصًا عاديًا، خمن بأن عمله مرتبط بالمنشئات الهندسية، وأكثر ما لفت انتباهه ذوقه الراقي وتنسيقه لملابسه بشكلٍ ملفت جعل فرحته بمشروع أحلامه يبرز فور رؤيته.
زفر عُمران بملل وقال:
_صوتك راح فين يا إيثو، بقالك نص ساعة جوه أكونتي أنا سايبك جوه بمزاجي عشان أعرف أجاريك بس!
وأخيرًا رفع عينيه لآيوب وأشار للهاتف بعدم تصديق:
_ده هو ده؟؟
هز رأسه كثيرًا، وأضاف مؤكدًا:
_أيوه، وإنت استفزيت النسخة الوقحة منه لما اتعديت على صاحبه مش كده ولا أيه يا عُمران؟
_حظه الأسود بقى… وسبحان الله أنا النهاردة مزاجي رايق ومستغرب إزاي هنام بالروقة دي!!
صاح إيثان بفضولٍ وكأنه تناسي حرب فنون الرد بينهما:
_هو (عارض أزياء.. Fashion model)؟
ضحك آيوب ونفى ذلك:
_مهندس أد الدنيا، وما شاء الله عنده أكتر من شركة بس هو كده عنده أناقة رهيبة في تنسيق هدومه بس إنت استسلمت من الخناقة وبتسأل عنه باهتمام كدليه.
صاح بحماسٍ:
_عشان ال butik(بوتيك) اللي بتمنى أفتحه، أعتقد إني وأخيرًا لقيت الشخص اللي هيساعدني وهيكون ال Destination of my products (وجهة منتجاتي!.) ، جسمه وشكله وذوقه باللبس ومكانته هتساعدني جدًا جدًا.
زفر عُمران بمللٍ وصاح:
_يا عم أيه نفورة الاحلام اللي طلعتلك من البروفيل بتاعي ده، أنا عارف إني عامل محمس ومحفز لأشكال ضايعة كتيرة بس مش لدرجة إنك تتخيليني هقبل ألبس من ماركاتك وأتصور بيهم لوجهة البوتيك بتاعك، لإن أولًا أنا مش بلبس على مزاج حد وصعب ذوقك أيًا كان يرضيني، ثانيًا مش فاضي للكلام ده أنا المسؤول الأول عن مشروعات شركاتي، ثالثًا وده الأهم أنا في لندن وانت في مصر هنعملها ازاي مش عارف، رابعًا صعب أساعدك وإنت مزعل آيوب وأنا اللي يزعله أظرف أمه قلم يخليه يلف حولين نفسه لحد ما أظرفه القلم التاني!
جذب آيوب الهاتف منه وقال بامتنان:
_صدق بالله بالرغم من اعتراضي على طريقتك وأنا في لندن لما جيت هنا وقابلت الكائن ده افتقدت لطريقتك وأنا عارف آنها اللي هتنفع مع إيثان.
وبجدية قال:
_بص يا عُمران.. إيثان ده صديق الطفولة المشترك بيني أنا وابن عمي، هو مدرب كمال أجسام وعنده جيم كبير، ومن واحنا عيال صغيرين عنده حلم آنه يكون محل ملابس رجالي فخم، ومحتفظ بفلوس سابهاله أبوه الله يرحمه من فترة كبيرة عشان ينفذ الحلم ده فكون إنه اختارك أنت تساعده فهو لاقى اللي مكنش لقيه هنا وسطينا ووسط شباب المنطقة فأنا عشمان إنك تساعده.
رد عليه بعقلانية بعدما بُددت موجة وقاحته وجنونه:
_مدام يخصك يا آيوب إعتبره من حبايبي، خليه يبعتلي add للأكونت وأنا هكلمه وهوصله بأكتر من براند كويس بتعامل معاهم ولما هنزل مصر عشانك يشرفني أزوره وأشوفه وش لوش.
جذب إيثان الهاتف وشكره بامتنان:
_شكرًا بجد.. هبعتلك أدد حالًا.. على فكرة أنا والواد آيوب بنهزر كده باستمرار بس لو من وراه منفعه هضطر أعمله باحترام للأسف.
ضحك عُمران وشاكسه:
_مش مضطر مجبور يا إيثو عشان فعلًا زعله بيفرق معايا.
ردد آيوب ببسمة جذابة:
_ده العشم يا طاووس.
إيثان باستغراب:
_طاووس أيه؟
_بنسميه في الشلة الطاووس الوقح، وعلى فكرة مغرور أوي أوي.
_أممم شكلي مش هقلب على إيثان ده لوحده هقلب عليك إنت كمان يا آيوب… اقفل يالا عايز أكمل نوم ولو احتاجت حاجة كلمني.
_تصبح على خير.
********
أغلق عُمران هاتفه وخرج من جناحه للأسفل، فلقد أيقن أنه من المحال النوم بسبب أصدقائه،يشعر وكأنه ملزوم منهم وكأنه أبيهم مع إنه الوحيد الذي لا يصلح لهذا الدور، خرج للحديقة يجلس على المقاعد الخارجية، يحاول الوصول لعمه الذي تأخر بعودته كثيرًا، أشغل ذاته بقراءة وارده اليومي على الهاتف بصوته العذب، إلى أن استمع بوق سيارة أحمد، وجده يسلم السيارة لأحد الحراس ويتجه للداخل بتعبٍ، فصاح بنبرة مضحكة:
_ما بدري يا بشمهندس، كنت خليتك للصبح بدل البهدالة دي يا راجل!
استدار أحمد للخلف فتفاجئ بمن يقف أمامه، وردظ بذهولٍ:
_عُمران أيه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟
صعد الدرج القصير إليه قائلًا بسخرية:
_مستنيك! تقدر تفهمني بقى أيه اللي مرجعك وش الصبح، كنت فين يا ولد؟
زفر باحباطٍ من مشاغبة ذلك الوقح، وقال:
_عُمران أنا راجع مرهق وتعبان وإنت مش هتبطل هزارك السخيف ده فاوعى من طريقي هطلع أريح ساعتين والصبح نشوف حوارك أيه!
كاد بالمرور من جواره ولكنه منع طريقه وقال بجدية:
_محتاج أتكلم مع حضرتك في حاجه.
نبرته الجادة جعلت احمد يشعر بالقلق، فسأله بخوف:
_احكيلي يا عُمران في أيه؟!
أشار بيده على مجلس الحديقة:
_ممكن نقعد.
أتجه للمجلس دون أي كلمة ولحق به عُمران، جلسوا قبالة بعضهما البعض، فبدأ بحديثه:
_حضرتك عارف بالمشروع اللي مسكته أنا وجمال.
هز رأسه يجيبه ببسمةٍ فخر:
_طبعًا والساحة كلها ملهاش سيرة غير عليه، وزي ما قولتلك قبل كده اني فخور بيك جدًا يا عُمران.
ابتسامة ممتنة شقت طريقها إليه وقال دون أن يماطل بحديثه:
_المشروع ده داخل فيه خمس شركاء كل واحد فيهم نازل بنسبة مختلفة بس أكبر شريكين هما دانيال وواحد كمان استبعد من المشاركة وأنا رشحت حضرتك مكانه والمفروض إنكم هتمضوا العقود بكره.
أسبل بجفنيه بعدم استيعاب لما قاله، فتحلى بالصمت يوازن جملته، لذا استغل عُمران صمته وقال يحمسه على تلك النقطة:
_عمي إنت سبق وقولتلي إنك تعبت من شغلنا ده ومحتاج نستريح ونستثمر فلوسك في شيء مريح ومضمون، وأظن مفيش أحسن من كده، مشروع بالضخامة دي أرباحه مضمونة وفوق الخيال.
هز رأسه بتأكيدٍ وقال:
_عارف.. المشروع ده أساسًا حديث كبار رجال الاعمال، وألف مين يتمنى يكون شريك فيه بس ليه أنا اللي ترشح إسمي يا عُمران؟ ليه مدخلتش إنت شريك بما إنك المسؤول عن تنفيذه؟
اجاباته كانت حاضرة، وكأنه توقع كل سؤالٍ سيُطرح عليه، فقال:
_لا انا ماليش في الادارة، أنا حابب مكاني والاسم اللي عملته، وبسعى إني احافظ على المستوى اللي وصلتله فمش ناوي أسيب المجال أبدًا، إنت المناسب ليه يا عمي..
ومال للأمام بجسده متسائلًا باهتمامْ:
_ها قولت أيه؟
رد بتوترٍ وارتباك لتلك الخطوة:
_أكيد مشروع ضخم زي ده محتاج مبلغ كبير!
أجابه بهدوءٍ:
_مية مليون دولار
أوضح له بعقلانية:
_عرض زي ده عمري ما كنت هرفضه ومقدر مجهودك واختيارك ليا جدًا يا عُمران، بس انا معيش المبلغ ده حاليًا تقريبًا معايا نصه، ما أنت عارف فلوسي كلها في السوق ومحتاج وقت عشان أقدر أجمعها!
ابتسم وهو يخرج من جيب بنطال بيجامته ورقة مطوية بعنايةٍ وقدمها إليه:
_اتفضل يا عمي.
التقط منه الورقة يتفحصها بدهشةٍ:
_ده أيه؟!
أجابه بقلقٍ من ردة فعله:
_شيك بالمبلغ.
واستطرد مسرعًا:
_وقبل ما تتنرفز ده سلفة لحد ما تلم فلوسك وترتب أمورك براحة راحتك، المهم نلحق المشروع ده ونوقع العقود بكره صدقني الموضوع يستاهل.
وضع أحمد الشيك بمنتصف الطاولة، وعاد بجسده للخلف مربعًا ذراعيه أمام صدره، ونظرات الشك تطوف بذلك المرتبك:
_ده انت مخطط ومجهز كل حاجة بقى! أفهم من ده كله أيه يا عُمران؟
ليس بالأحمق ليشك بذكاء عمه الذي تربى على يديه، فلم يجد الا طريق الصدق ليصل لهدفه:
_بحاول أرد جزء من جمايلك عليا يا عمي.
اندهش أحمد من سماع ما قال، وسأله:
_جمايل أيه؟
ابتسم بسخريةٍ، وواجهه:
_ترشيحك لاسم شريكتي في بدايتها، العملاء اللي كنت بتبعتهم ليا، كل حاجة كنت بتعملها في الخفى لحد ما ابتديت طريقي، أنا وصلت للي أنا فيه بفضل الله ثم بيك.
ارتبك أحمد، ظن أن ما فعله لم يعلم به عُمران، فقال بضيق:
_إنت وصلت لهنا بفضل مجهودك مش بفضل حد يا عُمران.. أنا آه اديتك الفرصة بس أنت كنت قداها وبعد كده بقى إسمك اللي مطلوب والكل بيتمنى يشتغل معاه.
ونقل بصره للشيك هاتفًا بحزنٍ:
_ولو فاكر إنك هتدفعلي تمن حناني وحبي ومساندتي لابني يبقي هتكون السبب في وجعي وحزني، لإني مش هقبل بده أبدًا.
انكمشت تعابيره بشكلٍ ملحوظ، فصرف عنه عُمران الراقي المبجل، وحان دور الطاووس الوقح للظهور، فاستقام بوقفته مسقطًا المقعد من خلفه وبكل خبثٍ صاح:
_ماشي يا عمي، زي ما تحب أرفض المشروع وطلعني عيل قدام دانيال وقدام المساهمين، أقولك انا هنسحب من المشروع ده أحسن.
وجذب الشيك واتجه للاعلى بعصبية مصطنعة، وقبل أن يخطو بقدمه للدرج، استدار يهدده بوقاحة:
_وزي ما جوزتك فيري هقدر أخليها تخلعك!
واسترسل بخشونة مضحكة:
_نتقابل بقى في محكمة الأسرة يا أحمد يا غرباوي ومن غير تصبح على خير.
مال برأسه يستند على يديه المعقودة وهو يهز رأسه بقلة حيلة أمام هذا العنيد، فزفر انفاسه بصوتٍ مسموع وردد باستسلام:
_هات الشيك وتعالى يا عُمران.. أنا عارف إن دماغك دي دماغ صعايدة واللي عايزه هتمشيه.. فبلاش مناهدة ووجع قلب.
هرع راكضًا إليه يجلس محله ببسمة واسعة:
_بجد هتيجي مكتبي توقع العقود؟
لاحت على شفتيه ابتسامة جذابة وقال:
_والله العظيم أنت طفل!! هاجي وهوقع لما أشوف أخرتها معاك مهو بيقولك في كل جوازة هتلاقي عمل أسود أهو إنت العمل الاسود اللي طالعلي!!
وسحب الشيك واستقام يردد بضجر:
_أروح انام بقى ولا لسه في خطط هتلبسهالي تاني؟
وضع ساقًا فوق الاخرى بعنجهيةٍ:
_حاليًا لأ مفيش، الله أعلم بعدين في أيه عمومًا عدي علينا بكره يمكن يكون في جديد!
مسح وجهه بتنهيدة مغتاظة، فوجد أن أسلم حل الرحيل من امام سليط اللسان هذا، فاتجه للمصعد وهو يبتسم بحبٍ وفخر بشخصية عُمران التي لطالما كانت محيرة وغامضة للجميع حتى عائلته!
******
نظرات الخوف كانت تملأ حدقتيه، يخشى أن يبتعد عنه ابنه حينما يستمع لما سيقول، يخشى أن يسقط من نظره أكثر من ذلك.
كظابط مخابرات محترف قرأ الخوف القابع داخل عينيه، فكان مقروء له بوضوحٍ، فقال ويده تضم كفه الموضوع على ساقيه ومازال آدهم ينحني بجلسته ليكون قبالة أبيه:
_بابا إتكلم أنا وعدتك إني هتقبل اللي هتقوله ومش هزعل منه، أرجوك أتكلم عشان أقدر أساعدك.
رفع مصطفى عينيه الدامعة إليه وقال بصوتٍ احتقن من كبت البكاء:
_لما عرفت انها حامل مرضتش أخليها تنزله، خوفت أشيل ذنب زي ده، فكانت بتابع في مستشفى خاصة وكل مرة كنت بروح معاها، لما شوفته على الجهاز اتعلقت بيه وحبيته ده مهما كان ابني وحتة مني، الدكتور وقتها كان محدد لينا أيام نتابع فيها كل 10أيام لإن حالتها كانت تعبانه جدًا وبتعاني من أمراض مزمنة مصاحبة حملها، بس هو أكدلنا إنها هتكون كويسة بعد الولادة.
وازدرد ريقه وهو يسترسل:
_كل مرة كنا بنروح هناك كانت بتقعد مع واحدة ست كانت معاد كشفها مع معادها، اتصاحبت عليها وحبوا بعض جدا، كنت كل ما بروح معاها الكشف كانت بتسبني وتروح تقعد معاها وأنا كنت بقعد مع جوزها، كان راجل طيب وحبيته أنا كمان، لدرجة إن كل مرة كنا بنروح بدري عشان نلحق نقعد معاهم..
ورفع عينيه يدقق بابنه المستمع بصمتٍ وقال:
_لحد معاد الولادة، كنت قاعد بره بفكر في اللي هيحصل لما والدتك تعرف بخبر جوازي لإن مهما كان الموضوع مستور ومخفي هيجي اليوم اللي، هيتكشف للنور، كنت بخطط لحياتي بعد كده هتكون ازاي وفي رقبتي ابن من واحدة جوازي منها مش معروف، بفكر في شكل عيشتنا بعد كده وفي الولد اللي جاي ومالوش ذنب في أي حاجة ده، وفجأة من وسط كل ده يخرجلي الدكتور ويديني الولد ويقولي البقاء لله… الدنيا وقفت من حوليا يابني وحسيت بعجز، عجز لمس جسمي وعقلي وروحي، قعدت وانا بين ايديا طفل مولود لا حول ليه ولا قوة.
بكى بضعف وانهيار، فمسح آدهم دموعه وحثه على الاستكمال:
_كمل يا بابا وبعدين؟
قال ببكاء شق صدر آدهم وهو يرى أبيه الصامد يبكي كطفلًا صغيرًا يخشى عقاب أبيه المستمع لجرائمه:
_كنت عاجز يا عمر ما بينك وما بينه، مكنتش عارف اختار بينكم، لو رجعت لأمك وحكيتلها كانت هتطلب الطلاق ومستحيل تكمل معايا، لانها بتكره الخيانة والكدب، وما بين اختياري اختارتك إنت يابني… أنا حتى مبصتش ليه لاني خوفت اتعلق بيه!
ربت على كف يده وشجعه وقلبه هو الذي يئن ليس أبيه:
_طيب وبعدين عملت بيه أيه؟
أزاح دموعه وقال:
_كنت بفكر أوديه ملجئ بس وأنا قاعد سمعت اتنين من الممرضين بيتكلموا عن الحالة اللي دخلت العمليات وكانت هي نفسها الست اللي كانت مراتي بتحب تقعد معاها، عرفت انها خلفت وحالتها صعبة وإن جوزها من زعله عليها مش قادر يصلب طوله، وقالت أنه صعبان عليها لان الحمل ده ربنا رزقهم بيه بعد عشرين سنة جواز،
فجيت ممرضة تالته عليهم من الحضانة وقالتلهم إن الولد قاطع النفس وشكله توفى وإنها محتاجة دكتور بسرعة يشوفه.
انهمر الدمع من مقلتيه واسترسل كأنه يرى هذا اليوم أمامه:
_عقلي اشتغل بسرعه، دخلت الاوضة وبدلت الاولاد، حطيت ابني مكان ابنه، وخرجت على طول، وقبل ما اطلع من المستشفى خليت دكتور اطفال يكشف على الولد واتاكدت انه توفى، فدفنته ورجعت المستشفى اراقب اللي بيحصل من بعيد.
تهدل جسد آدهم وجلس أرضًا يتابع أبيه بنظرة مؤلمة، سقطت دموعه وهو يطالعه بصدمة، فقال ببكاء:
_انا بايدي يا عمر حطيت ابني مكان الولد، كان عندي عشم في ربنا إن الشيخ ده هيقدر يربي ابني أحسن من الملاجئ لانه اتحرم من الخلفة عشرين سنة فهيعرف ازاي يربيه أحسن مني، بس لما رجعت لحياتي معرفتش أعيش، ندمت وبكيت لربنا يسامحني، وجع قلبي مخفش عشان كده رجعت بعدها بتسع شهور أدور عليه في كل مكان، مسبتش أي مكان الا ودروت حتى سجلات المستشفى، وحظي ان الدكتور نفسه سافر ايطاليا فمبقتش عارف اوصله، ولحد اللحظة دي بدفع التمن من وجعي وقهري.
تهاوى الدمع من عين آدهم، وعينيه جاحظة بالفراغ، عقله الذكي يربط الاحداث ببعضها، فرق تسع أعوام، شيخ ازهري، حمل بعد عشرون عامًا، مشاهد فاصلة، تشابه بينه ويين ذاك الغامض، شعوره الغريب تجاهه.
جاهد كل ما داخله، وبصوتٍ مرتعش، مرتبك، خائف، ملتاعًا، قال:
_الشيخ ده كان اسمه أيه؟
صفعه بقوة باجابته:
_الشيخ مهران!
أخفض آدهم عينيه أرضًا يبكي بصوت مسموع، وهو يردد بانهيارٍ تام:
_آيوب!!
تعالت شهقات بكائه حتى بات صاخبًا، وهمس بشحوب تام وهو يخبط صدره بشكلٍ جنوني:
_قلبي كان حاسس، كنت مستغرب أنا أيه يخليني قريب من شخص للدرجة دي، ازاي قدرت أجازف بشغلي وتاريخي عشان أنقذ شخص لسه متعرف عليه من الموت.
ورفع عينيه الباكية لابيه المنصدم من سماع ما يقول،و يسترسل بألمٍ قاتل:
_كنت مستغرب هو ليه شبهي في حاجات كتيرة، طريقة نومه، كرهه لأصناف غريبة من الأكل، كنت مستغرب ليه لما بحضنه بحس إنه مني!!!
اقترب منه بلهفة جعلته يرتطم بالأرض، فتسلل على يديه حتى بات قبالته يسأله بدموع ودهشة:
_إنت تعرفه يا عمر؟ إنت تعرف الشيخ مهران ده؟ تعرف ابني… شوفته؟!
ابتسم ساخرًا رغم وجعه:
_شوفته وعشت معاه فترة وكنت معاه من شوية.
سأله بابتسامة غريق يعود للحياة:
_اسمه أيه؟ شكله أيه؟ … قووم قوم روح هاته، عايز أخده في حضني… قوووم.
استعاد آدهم ثباته المهدور، فآزاح عن خديه دموعه واستقام بوقفته يحمل آبيه لمقعده، وجذب كوب من المياه يشير له:
_اشرب واهدى يا بابا عشان نعرف نتكلم من فضلك.
رفض وهو يلقي الكوب بعصبية:
_مش عايز حاجة عايز ابني هاته يا عمر.
فشل بالسيطرة على أعصابه فأي سيطرة هذة في ضل ما يتعرض له:
_عايزني أروح أقوله أيه؟؟؟ معلش يا آيوب أنا جيت اقولك إن في لبس في الموضوع، الشيخ مهران مش ابوك الحقيقي، ابوك الحقيقي اتخلى عنك وسابك لغيرك يربيك عشان يأمني حياة متكاملة فجيه عليك انت… ولا أقوله إنك كنت السبب إنه يتكتب باسم واحد تاني وان فجأة ضميرك صحي وعايز تاخده في حضنك، قولي أقوله أيه وأنا هخرج حالا وهنفذلك طلبك.
أخفض مصطفى وجهه أرضًا بحرجٍ، لقد حُرم من أبسط حقوقه بسبب لحظة قسى بها قلبه فعاش يسدد ثمنها عمرًا بأكمله.
ارتمى آدهم على المقعد المجاور لابيه يحيط جبينه بتعبٍ، ويستعيد جزءًا من رزانته وعقلانيته، يحاول قتل كل ما داخله واستحضار عقلية ظابط المخابرات داخله، فتنحنح قائلًا بندم:
_بابا أنا آسف بس غصب عني لازم أحطك في الصورة، الموضوع مش سهل وخصوصًا إن آيوب متعلق بالشيخ مهران جدًا، عشان كده من فضلك سبني أتصرف بالعقل عشان مخسرش صداقته اللي هقدر من خلالها أجمعك بيه.
هز رأسه وأردف بلهفة:
_حاضر يا آدهم هعمل كل اللي تقولي عليه.. هصبر يابني.
ابتسم رغمًا عن أوجاعه وقال:
_أول مرة تناديني بإسم آدهم!
ابتسم أبيه وقال وهو يزيح دموعه:
_مدام بتحبه أكتر من عمر مش هناديلك تاني غير بيه.
جذب يده يقبلها ويطبع قبلة على رأسه هامسًا بحبٍ تعمد زرعه بمبالغة حتى يحتوي أبيه في ذلك الموقف:
_ناديلي زي ما تحب.
وعاد لمقعده يخبره بهدوء:
_أنا دلوقتي كظابط مينفعش أمشي ورا شكوكي وكلامك فمحتاج برهان ودليل قوي، عشان كده هعمل تحليل DNA ليك ولآيوب عشان نطمن 100 في ال100 إنه هو.. وبعدها هحدد أول خطواتي.
تنهد بحزنٍ شديد وقال:
_لسه هستنى أسبوع يابني عشان نتأكد!
اتسعت ابتسامة آدهم وقال بغرور:
_ساعات والنتيجة هتطلع، إحنا شغلنا مدينا امتيازات يا حاج..
ابتسم بفرحة ورغمًا عنه قبل كف يده مرددًا:
_ربنا يباركلي فيك ياحبيبي.
سحب آدهم كفه وقال بضيق:
_وبعدين معاك يا مصطفى قولتلك الحركات دي بتنرفزني.
ومال يقبل رأسه ويده مجددًا:
_أنا اللي أبوس ايدك ورجلك كمان..
ثم اتجه لمقعد مكتبه وعاد بكيس صغير شفاف، جذب خصلة من شعر أبيه ووضعه بالكيس ثم قال:
_الفجر قرب يأذن اطلع بالاسانسير وارتاح.
_طيب وانت؟
قال بأعين مازالت دامعة:
_مش هيجيني نوم الا لما أشوف آيوب!
******
انزعج من رنين الهاتف المتكرر، فمل لجانبه يحرر شمعدان الكومود متفحصًا الوقت بذهولٍ ازداد حينما رفع شاشة هاتفه، ليرى اسم المتصل، فهمس باستغرابٍ:
_غريبة آدهم بيتصل بيا دلوقتي ليه؟
حرر زر الاجابة بلهفة وقلق اعتراه:
_آدهم آآ…
قاطعه بصوتٍ ذُبح فؤاد آيوب:
_انزل يا آيوب أنا تحت بيتك!
ودون أي كلمة أغلق الهاتف، أبعد آيوب غطائه وألقى نظرة متفحصة على يُونس وإيثان الذي يغفو جوار آيوب، ثم هبط للأسفل بخطواتٍ أشبه للركض، صوت آدهم المختنق، وجوده بتلك الساعة المتأخرة، جعلته يكاد يجن من قلقه عليه.
وصل لسيارته فوجده يستند على ظهرها وعينيه المتورمة شاردة بالفراغ، فناداه بلوعةٍ:
_آدهم!
انتصب بوقفته وتطلع له بنظراتٍ كانت غامضة لآيوب، وزادت من قلقه عليه، ودون أي مقدمات اندفع إليه يضمه لصدره وبتعلق به بقوةٍ، كأنه يضم ابنه الصغير، ربت آيوب على ظهره وسأله بهلعٍ:
_مالك يا آدهم؟ أول مرة أشوفك بالحالة دي؟!!!
ردد بصوت اختنقت به الدموع ومازال يحتضنه:
_أنا موجوع أوي يا آيوب… حاسس إن قلبي هيخرج من بين ضلوعي!
ربت على ظهره وسأله بلهفة وحزن:
_طيب اهدى واحكيلي مالك!
ابتعد عنه بعدما نجح بانتزاع أحد شعيرات رأسه الصغيرة دون أن ينتبه لها، ورفع أصبعه يزيح دموعه مرددًا:
_مفيش أنا بس لسه متخانق مع بابا وبسببي تعب جدًا.. ودلوقتي رافض يكلمني أو حتى يسمعني.
إلتمعت عينه بالدمع تأثرًا لحالة آدهم، دموعه يراها لمرته الاولى، مجرد شعوره بأنه يخوض نفس التجربة رفض ذلك، ربت على كتفه وقال:
_متزعلش شوية وهيهدى وهيسمعك.
قال وقد اختنقت أنفاسه:
_مش هقدر استنى… مش هقدر… أنا حتى مش عارف أنام يا آيوب.
وبلمحة ماكرة بعينيه قال:
_آيوب هو إنت ممكن تيجي معايا دلوقتي وتحاول تتكلم معاه وتخليه يسامحني؟
رد دون تردد، فلقد خاطر آدهم بحياته لاجله ولاجل أخيه ألا يستحق مساعدة صغيرة مثل هذة:
_طبعًا هاجي وهتكلم معاه لفجر اليوم التاني لحد ما يسامحك، بس الساعة دلوقتي أربعة الفجر أكيد لا ده توقيت ولا وقت مناسب للكلام.
قال بثبات شديد:
_هو صاحي أصلًا ورافض ينام أو يأخد أدويته بسبب زعله.. أرجوك يا آيوب أنا ماليش أصحاب أو حد يتكلم معاه.
إتجه ليغلق باب منزله الخارجي وقال:
_يلا نتحرك.
ابتسم آدهم بسعادة لتحقيق أمنية أبيه برؤيته حتى قبل أن يحدد الاختبار نتيجته، فإتجه به لمنزله قاصدًا غرفة والده.
طرق بابها فأتاه صوته المتلهف:
_تعالى يا عمر.
وقف آيوب بالخارج ينتظر أن يبلغ آدهم والده بوجوده، فولج آدهم يغمز لأبيه بعينيه، فاندهش من طريقته وكاد بأن يسأله ماذا فعل؟ ولكن آدهم كان الاسرع منه حينما قال بصوت مرتفع ليصل لآيوب بالخارج:
_أنا عارف ان حضرتك زعلان مني ورافض تسمعني فآيوب صاحبي صمم يجي معايا بنفسه عشان يصالحنا على بعض.
انتفض بمجلسه وتلألأت الدموع بعينيه التي اتجهت لباب الغرفة بكل لهفة امتلكها يومًا، فحذره آدهم بنظرة صارمة جعلته يهز رأسه وهو يهمس بصوت منخفض:
_مش هعمل حاجة والله ما هقوله حاجة أشوفه بس.
منع آدهم دموعه بصعوبة، وصاح بخشونة:
_اتفضل يا آيوب، ادخل!
تنحنح بحرجٍ لوجوده بوقتٍ كذلك، فولج للداخل مبتسمًا ببشاشة:
_صباح الخير يا والدي، أنا عارف إننا جايين بوقت متأخر جدًا بس آدهم من حبه فيك مش قادر يستنى للصبح.
تعجب آيوب من صمت مصطفى، وتأمله لوجهه بطريقة جعلته يرتاب، دموعه التي اخترقت وجهه، عينيه التي تتنقل على ملامحه وكأنه يتشربها داخله، وفجأة ومن بين كل تلك الاحاسيس الصادقة التي انتقلت لآيوب فأدمعت عينه بتأثرٍ فتح مصطفى ذراعيه وقال ببكاء متوسل:
_تعالى… تعالى في حضني يابني!!!!!

  •تابع الفصل التالي "رواية صرخات انثى" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent