Ads by Google X

رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل التاسع والخمسون 59 - بقلم نهال مصطفي

الصفحة الرئيسية

   

رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل التاسع والخمسون 59 - بقلم نهال مصطفي

 
 كُل الأشياء التِي أريدها
بشكلٍ ما أو بآخر تُصبح مستحيلة
فالحياةُ تُمسك المرء من قلبِه لا يده ..
~خُلق القلب عصيًا ..
•••••••
< قبـل بضع ساعات >
-الحيـاة علمتني قبـل ما أحكم على أي حد ، أحط نفسي مكانـه .. وبصراحة لو كنت مكانك ورجعت لقيت أختي المفقودة متجوزة راجل غريب وكمان حامل .. طبيعي مش هبقى مرتاح .
انفـرد عاصي برشيـد أثنـاء انشغال رسيل مع أخيهـا يونس بأحد الغُرف ، وقـرر كسب ثقـته شراءً لخاطر زوجتـه كي تنعم بحيـاةٍ هادئة برفقـة أحبابهـا .. ترك رشيد كأس الشاي من يد فوق المنضدة وقال بجمود :
-كده نبقى متفقين ..
أيده عاصي مُقاطعًا قبل أن يواصل حديثه :
-أحنـا لازم نتفق يا رشيد ، لأن عدونـا واحد ، أنا عارف أن فـريد هو اللي وراء اختفائكم وحاول يخلص منكم ، وحاول يخطف رسيل .. وكمان اللي متعرفهوش هو اللي ورا حادثـة المركب اللي راح فيهـا أبوكم واتنين من العُمال .
انصبت الصدمة بقدمي رشيـد فوثب فجأة ليستوعب ما قاله :
-أنت بتقول أيه ؟!
أجابه عاصي بثقة :
-اللي سمعتـه .. شفت بقا أن عدونـا واحد ويا عالم بيخطط لأي دلوقتي !!
سبـه رشيد في سره وعاد ليجلس مكانه :
-فريد ده لازم يتربى ويدفع تمن عمايله دي كلها ..
عاصي بثبات :
-يبقى نتفق !
< عودة إلى الوقت الحالي >
يقال إنَّ المـرء يموت في نهاية المطاف ، من تراكُمِ الأيّام وقسوتها التي ابتلعها طوال سنوات عمره ..
تحملت عالية على حُطام أيامها الهاويـة فوق رأسهـا وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة وتقترب من عبلة أكثر وأكثر وبنبـرة أكثـر شراسـة :
-أنا من حقي أعرف مين هي أمي ، انطقي .. قولي أنا مبن وبنت مين .. ؟
ثم اندفعت صارخة بجزعٍ :
-متسكُتيش .. مش وقت سكوت وتعيشي دور الضحيـة .
‏فمن يرسل شخصًا إلى الحزن العميق وتحطيم حياته كيف يبقى كاملًا في حياته دون خوف مما فعل؟!
تقدمت خطوات مراد لعندها كمحاولة فاشلة منه بأن يهدأ جسدها المتقلقل :
-عاليـة ممكن تهدي ..
انضم عاصي إلى مجمعهم تحت تأثيـر صدمته الشديدة :
-وكمان عاليـة مش بنتك !! ومفهماني طول الوقت ده أنهـا بنتك وأنا الشريـر الوحيـد في البيت ده ؟!
فانضم إليـهم تمـيم مشدوهًا مذهولًا :
-يعني عيشتينـا كُلنـا في كذبة السنين دي كلها !! مفهمـة الكل أني ابن زنـا وأنا الوحيد اللي من صُلب شهاب دويدار والوريث الشرعي لكُل ده ؟!! وكمـان أختي طلعت مش أختي ولا هي بنتك أصلا ؟!!
أطلق من شدق ضحكة استهزاء:
-لا وكمـان البيـه الكبيـر المكوش على الليلة دي كلها لا هو ابنك ولا ابن دويدار ؟!!! أنتِ جنسك أيه ؟!
حلـقة من خطايـا الماضي طوقت عبـلة التي تقف مرتعدة تتلقى زعابيب الرياح قبـل أن تستعد لاستقبالها .. وضعت يديهـا على أذنيهـا صارخة كي تفيق من ذلك الكابوس المروع بصرخة هستيرية :
-كفايـة كفاية بقا .. اخرسوا كُلكم ..
وبختها عاليـة بحقدٍ :
-مفيش مبرر واحد يشفع لك أنك تعملي فينا أحنا التلاتة كده غير أنك ست مريضة ولازم تتعالجي ..
خرجت عبلة عن صمتها باعترافات مرعبـة :
-همـا اللي عملـوا فيـا كده .. لما أبويـا ومراته باعوني لشهاب دويدار وأنا عيلة مش فاهمـة حاجـة .. كُنت كل ليلة بعيش فيلـم رعب لما يتقفل عليـا الباب مع راجل زي شهاب .. في الوقت أن كل اللي في سني بيلعبـوا ويستمتعوا بحياتهم .. أنا كنت بتعذب …
ثم تحركت لتقف أمام عاليـة مواصلة سرد أحزانها :
-لما ألقى نفسي حامل وأنا عيلة مكملتش الـ١٤ سنـة ، ومن قسوتـه ووحشيتـه معـايـا كان السبب أنه يخليني عقيمـة طول حياتي ، حرمني أكون أم ..
ثم تقطعت الكلمات بفمها وبكفها المرتعش وقفت أمام عاصي باكيـة :
-لما سابني مرميـة في المستشفى وحب عليـا الخياطة بتاعتـه وعاش معاها اللي حرمني منـه .. كان يعاملها هي ست البيت وأنا اللي خدامـة عنده .. كل ده عشان يذل أبويـا اللي خسر كل فلوسه وشغله .. وكمان مش أنا الست اللي تكفي احتياجات رجل زيه !!
حيث أشارت إلى مراد :
-أمك طول الوقت كانت بتشوف نفسها أحسن مني .. عشان هي عندها أم وأنا أمي ماتت .. هي كُل طلباتها مجابة وأنا بنت ضرتها اللي يا تقبل بخدمتهم ياما تتجوز راجل أد أبوها … كان لازم اكسرها واخليها دايمـا محتاجة لي ..
ثم انشق ثغر الحيـة بضحكة خبيثة :
-وأنا السبب في العداوة اللي بينك وبين عاصي وتميـم .. عشان انت رفضت تكون تحت سُلطتي ومشيت فكان لازم أهدك يا مراد .. بس لما لقيتك بتنجح وبترجع تُقف على رجلك قلت لازم أجوزك عالية .. اللي ماتعرفش تهده صاحبه .. وأهو خيره يُعم على الكُل !
فوجهت أنظارها ناحية عالية المنهارة :
-يعني أنتِ اتجوزتيه بمزاجي أنا ، وبسبب خطتي أنا .. بس طلعتي خايبـة .
فدارت نحو تميـم وأكملت حملة صراخها بوجهه :
-ومش بس كدا .. بعد ما ماتت تحيـة ، فضل يبات في أوضـة لوحده خمس سنين من حزنه عليهـا .. وأنا زيي زي عفش البيت ماليش لازمة ، بقيت أم لطفل وأنا مش عارفة اتعامل معاه ازاي .. بدفع تمن إفلاس ابويا وأنانية شهاب .. لحد بقا ما قابل أمك ، أصله كان غاوي خدامين ..
ثم غرزت سبابته بكتف تميم وأكملت لومـه كأنها تنتقم من أبيه :
-سابني كمان سنين وهو عايش مع أمك في السـر لحد ما رجعت القصر معاه وأنت على كتفها والمفروض اقبل بالذل ده ؟!!!!!
فصاحت معلنـة بحرقة تمزق قلبها إربابًا :
-يعني بصريح العبارة كلنـا كده ضحايا شهاب دويدار …
قال أحد السلف ناصحًا:
“لا تذهب إلى للبقالة وأنت جائع، ستأخذ الأشياء الخاطئة .”
‏و نفس الشي ينطبق على الحياة ، لا تدخل علاقة وأنت تشعر بالوحدة لقتـل شبح فراغك حتمًا ستأخذ الشيء الخطأ،
لانك عندما تكون يائسًا ستلتقط أي شيء تريد وليس ما تحتاج .. وهذا ما مارسـه شهاب دويدار على خريطة عمـر تلك الفتـاة التي أخرج منهـا شبحًا مُخيفًا .. جوعـه للانتقام من أبيهـا .. جوعه ليلبي نزواتـه الدنيئة .. جنونه بالمـال وتكوين ثروة طائلة من مصادر غيـر مشروعـة .. جميعها أفعال كانت كافيـة لتحويل ذلك القصر العملاق لقبـر تُدفن به حياة سكانه ….
شدها عاصي إليـه بقوة وسألها بحدة :
-أنا ابن دويدار ولا عبد العظيـم !!
ثم خفض نبـرته ليلتقط أنفاسـه المحملة بالغضب :
-جيه الوقت تكشفي فيه كُل الورق .. اتكلمي .
تدخل فريد مُصفقًا بغل :
-أنا شايف تحلوا مشاكلكم العائليـة دي بينكم ، بلاش فضايح أكتـر من كده ..ميصحش .
ثم تأهب أن يغادر :
-استأذنكم أنا ..
دار عاصي إليـه برياح غضبه وهو يُنادي على سيدة :
-سيدة نادي على الرجالة يجوا يأخدوه في أي داهيـة لحد ما أفوق له ده كمان ..
بنبـرة متحشرجة وسُحب الحزن متقطرة على وجنتيها انفجرت عاليـة متوسلة إليها :
-أعملي حاجة واحدة صح في حياتك وانطقي قولي فين أمي وأبويـا .. أنا بنت مين ؟!
كادت عبلة أن تحضنها بلهفه معلنة :
-بنتي انا .. أنتِ مش بنت حد غيري .. وعاصي كمـ ..
دفعتها عالية بعيدًا عنها برفض قاطع :
-كفاية تمثيـل بقا أنت ما بتزهقيش ؟!!!!!!
عاصي مهدئًا أخته وهو يشيع عبلة بنظرات استنكار :
-سيبيها يا عالية ، هي هتتكلم بس مش دلـ ..
في اللحظة التي انشغل فيهـا الجميع عن الشرارة المتوقدة بين عاليـة وعبلة وثرثرتهم الصاخبـة ، استغل فريد الفرصة ليسحب السكين المتروكة فوق صحن الفاكهـة وهو يشد حياة إليـه عنوة في لحظة غفل فيها الجميع واستغلها خصمهم لصالحه كمحاولة أخيرة لنجاته من براثن الموت ، صرخة قوية تحمل إشارة استغاثـة انطلقت من جوف حياة إثر ملامسة حد السكين لرقبتها …
‏في لحظة مباغتة اختارت الكلمات الهرب من الأفواه تلاشت الأصوات أصبحت دواخلهم فراغٍ واسع باتساع صدمتهم .. بأعين متسعة تكاد تهرب من الوجوه من هول ما تراه .. قلة حيلة كانت بسبب الخوف على ألا يصيب حيـاة بمكروه ..
اقترب عاصي خطوة عفوية بانفعال شديدٍ :
-لو لمست منها شعرة هدفنك مكانك ..
بنفس النبرة المرتفعة التي يكسوها الرعب وهو يشد حد السكين على رقبتها .. عج فريـد وهو يدور حول نفسه :
-متقربش ، خطوة كمان وهصفيها قُدامكم كلكم .
هاجت ثورة الغضب برأس أخوتها فتقدم رشيـد موبخًا :
-سيبها وخلي حسابك مع الرجالة ، بدل ما بتتشطر على الستات ..
قهقهه فـريد بضحكة مستهزئة :
-دي مش أي ست ، دي رسيل بنت المعلم قنديل المصـري .. يعني بنت بمليون راجل !!
ثم لهث قائلًا بوشوشة :
-فاكرة يا رسيل !!
نهره يونس محذرًا بصوتٍ مشحون :
-ورحمة أبويا لو ما سبتها لأقتلك بأيدي يافريد ..
فاندفع تميـم مزمجرًا :
-ولاه سيب السكينة دي !! أنت محدش مالي عينك يعني !! واللي عايزه هنعمله ..
فريد بنبرة المجنون الذي فقد عقله وهو يضم مقبض السكينة ؛ ليقول لاهثًا :
-أيـوة .. كلكم كده هتنفذوا كل اللي أقوله بالحرف .. ده لو تهمكم سلامة الحلوة .. أنا كده كده مبقتش باقي على حاجة .
تلاقت أعينها المتراقصه فوق حد السكين بأعين عاصي المضطربة ، فقرر مُسايسته بدون تفكيـر وهو يناظرها بعجز :
-كل اللي عايزه هيحصل ، وده وعد من عاصي دويدار بس سيبها .. سيبها وخلى كلامك معايا .
فريد مستنصحًا :
-لا أنا مش غبي عشان أبلع الطُعم مرتين ، أنا هوريكم ازاي تلعبـوا عليـا ..
احتدت نبرة عاصى بنفاذ صبـر :
-بقولك سيب الزفت اللي في أيدك ده وخرج حيـاة بره .
طافت عينيه في كل الاتجاهات وهو يتراجع للوراء حيث قال وهو ينهجُ :
-لا .. لسه شُغلي مع بنت عمي مخلصش .. ولا أيه !!
ثم غمغم في أذنيها بجحود :
-الدهب ؛ الدهب فين يا رسيـل ..
فرفع نبرة صوته محذرًا :
-قول لرجالتك بره يوسعوا الطريق .. وأي حركة غدر السكينة هتمشى على رقبتها .. يـــلا !!
حتى هرول كالسكيـر مغمعمًا :
-عشان تعرفي مفيش مفـر منى لا دنيا ولا أخرة ..
تحرك الحشد متبعًا خطوات فـريد المتراجعة للخلف ، إلا عاليـة التي تمسكت بكف مراد تترجاه ألا يتركها .. وضعت كفها المرتعش فوق فمها وهي تراقب مجانـة فريد التي تخطت الحدود .. أجبر مراد أن يترك كفها البارد ويندفع نحو ذلك المجنون .. ارتفعت عيني عاليـة المحملة بالعتاب واللوم نحو عبلة الجالسة على طرف المقعد مغيبـة عن الصخب الذي يحدث حولها :
-عاجبك !! كل ده بسببك أنتِ ، أهو البيت اللي عشتي عُمرك كله تبني فيه اتهد على رأس الكل وأولهم أنتِ .
ركضت شمس إليها واحتوت كتفيها المنتفضة بشفقة :
-عاليـة مش وقتـه الكلام ده .. أهدي يا حبيبتي !
صرخت عالية بوجهها بعجزٍ :
-خليها تشوف نتيجة أنانيتها وطمعها .. أهو كلنا بندفع تمن أفعالها ..مبسوطة كده ؟! هو ده إللي سعيت له يا عبلة هانم ؟! كُنتِ مستنية تحصدي أيه من الحقد والشر اللي زرعتيه ..
تسلل مراد من بين الحشد المتكتل حول فريد الذي سن أنياب انتقامه على رقبة رسيـل وجهر قائلًا :
-أنت فاكر هتطلع من هنـا على رجليك !! بلاش تزود حسابك وسيبها .. بلاش دم يا فريد وكله هيتحل .
دحرج جسدها من فوق درجات السُلم فألتوت ساقها عقب عنها صرخة قوية منها فتت قلب ورأس عاصي وهي تتشبث بساعد فريد المُتلف حول كتفيها وقالت متألمـة وهي على أبواب الهلع بألا يُصاب جنينها بأذى :
-هقولك مكان الدهب ، بس سيبني يا فريد .. سيبني .
اشتدت قبضتـه عليها وهو يقول بصوت مخيف :
-أنتِ كده كده هتقولي .. وهتيجي معايا .. عاجبك كده !! كل ده أخرة عنادك وتمردك يا بنت المصري .
ثم أشار إلى عاصي محذرًا وهو يتأمل فوهات أسلحة رجاله المحيطة بفريد :
-قولهم ينزلـوا سلاحهم .. وإلا مش هتشوف مراتك تاني ..
خرجت رسيل عن وعيها صارخة بذعر لتستعطفه :
-فريد كفاية .. كفاية غباء وأنانيـة لحد كده .. أعقل ياخي وبطل تهور !! فكر في فريال أختك ؟!
أخذت يطوف بها حول نفسه برعب وهو يُقر اعترافه :
-أنانية !! أنتِ أخر واحدة تتكلمي عن الأنانيـة .. عشت عمري كله محبتش غيرك وأنت ولا شيفاني ولا عايزة تديني فرصة ورحتي اترميتي في حضن صبي من بتوعنا ..
تقطرت عِبراتها على كفه الذي يحمل السكين وأكمل سرد مبررات أفعاله الدنيئة:
-كنت شغال مرمطون عند قنديل المصري وفي الأخر يرميلي ملاليم كل أخر شهر .. أبويا لما كان بيصارع الموت وأبوكي استخسر فيه يبيع مركبة من بتوعه عشان يسفره يعمل العمليـة .. وفي الاخر اطلع من المولد بلا حُمص !! لا مش أنا يا رسيل اللي يتضحك عليا !
ثم أطلق ضحكة مفعمـة بالشـر :
-جيه وقت سداد ديونكم يا ولاد قنديل المصري .. وأنتِ اللي هتدفعي التمن ده ، زي ما حرقتي قلبي وقررتي تغمضي عينك عن حبي ليكي ، أنا هقتلك ، حتى عشان يبقى لك قبـر ازورك فيه براحتي ..
حملة من المشاعر الثائرة هجمت على القلوب .. ما بين عاصي العاجز عن إحداث أي حركة غير محسوبة فيكون ثمنها روح حيـاته .. وتميـم المهزوز ما بين الحقائق التي رفعت الستائر عنها وأخوته ليست بأخوته ، للتو أدرك حقيقة ثلاثين عامًا من الكذب عاشهم في كنف خداع عبلة .. وإخوتها الذين يشاهدون شبح الموت يحيط بأختهم الكبرى بعجز تام منهم ..
الشخص الوحيـد المتحكم بأعصابه كان مُراد وهو يفحص المكان حوله بعينيه الثاقبـة حتى تلاقت بأعين بحارس كامن خلف الشجرة مُصوبًا سلاحه ناحيته محاولًا إصابة الهدف .. حاوره مراد بعينيه أن ينتظر اللحظة المناسبـة ثم تدخل ليُلاغيه :
-أنت عايز أيه دلوقتي ؟! خلي كلامك معايـا .
رد فريد بنبرة الخوف الساكن بجوفه :
-عربية بالسواق توصلني للمكان اللي هقوله عليـه .. بس هاخد رسيل معايا .
جهر عاصي رافضًا وهو يسحب السلاح من حارسـه ويوجهه نحو فريد :
-رسيل مش هتخطي خطوة واحدة بره .. وأنت حياتك مش كفاية لـ عمايلك دي يافريد ..
ضحك فريد بجنون وقال متفاخرًا :
-السلاح معايا وعلى رقبتها .. قبل ما تدوس على زينادك هتلاقيها سافرت تستناني فوق ..
ثم وشوش بأذنها كمجمون ليلى :
-مش كده يا سيلا !!
صرخت بنبرتها المرتجفة وقطرات العرق تتصبب من وجهها بملامح عجوز على أعتاب السبعين :
-بكرهك .. بكرهك يا فريد .
صرخ فريد بنفاذ صبر :
-فين العربية .. ؟!
تدخل مراد مطاوعًا وهو يقترب منـه بخفة :
-هاتوله عربية يا بني ..
ثم رفع يديه مستسلمًا :
-هيجيبولك عربيـة ، وهنفذلك طلباتك وو
قاطعه فريد منذرًا :
-متقربش .. خليك مكانك .. ولا حركة بقولكم هدبحها قُدامكم !!
مد عاصي ذراعه أمام مراد ليمنعه من الإقتراب بتلقائية :
-خلاص أهدى .. خلاص يا مراد ، هنفذلك اللي عايزه ..
تمسك مراد بساعد عاصي الممتد أمامه وهو يُطيـل النظر بأعين حياة التي ألتفتت بصعوبة لنظراته المُرشدة بالطريقـة التي تحمي بها نفسها من أذية فريد .. ضم على ذراع عاصي بكفيـه مغيرًا نبرة صوته التي تحولت فجأة وما زالت عينيه متعلقة بعيون حياة المتراقصة حتى دفع ذراع عاصي بكل قوته لأسفل كأنه يُرشد حياة أن تُقلده :
-أنت هتسيب المجنون ده يمشي كلامه علينا! …
شرعت حياة بتنفيذ أوامر وتسللت أصابعها الرفيعة لتلتف حول معصم يد فريد كوجهـة دفاع عن نفسها في أبعاد حد السلاح الأبيض عنها .. اختلق مراد مشكلة وهميـة مع عاصي ليُشتت انتباه فريـد ، في تلك اللحظة التي أحست فيها رسيل بارتخاء يده عن عنقها وهي يقول :
-وفروا خلافاتكم العائليـة دي لحد ما امشي صدعتوني ؟!!!
في تلك اللحظة استجمعت رسيل قوتها ليعطي مراد نظرة آمرة للحارس الذي يراقبهم في الخفاء بأن يُطلق رصاصته في نفس الثانية التي تعلقت فيها رسيل بساعد فريد لتخفضه بعيدًا عنها ؛ مع صدى صوت الرصاصة التي امتزجت بصوت صرخة رسيـل التي شدها مراد من كفها لترتمي كالحمامة المذبوحة في حضن عاصي ، استقرت الرصاصة بجمجمة رأس فريد الذي لقي حدفـه في الحال …
كانت لقاء أرواحهم قبل أجسادهم ، ككرة ملتهبة عانقت ماء البـحر .. رغم شدة العناق إلا أنها بدأت تهدأ وتستكين تدريجيـًا بين يديه التي أسرتها بحضنـه .. مسح على وجهها المتصبب بمياه الفزع :
-أنتِ كويسـة ..
انعقدت حلقة البقية حول فريد الذي التقى بمصيره الذي يستحقـه ، بصق رشيد على جثمانه ثم قال مستنكرًا :
-كان نفسي أخلص عليك بأيدي يا *** ..
تفوه يونس بهدوء ليمارس مهنة المحاماة التي يدرسها :
-كلموا الشُرطة وجهزوا الكاميرات عشان نثبت أنه دفاع عن النفس ..
ثم قال تميـم بهدوء مريب وهو يشير لكبير الحرس :
-نفذ الأوامر بسرعة ..
خرجت شمس راكضة أثر صوت الرصاص الذي أعجزها عن ممارسة مهمتها لمداواة عاليـة التي غرقت في حالة من الانهيار العصبي المفزعـة … رفعت حياة مُقلتيها الاتي اعتلاها كرب ثقيل وهي تتمسك ببطنهـا ، فسألها ملهوفة :
-أنتِ كويسـة ؟!
بصمت مُريبة انصب بمقلتيها السابحة بدموع الألم طالعتـه بعجزٍ قفز الرعب بقلبه فكرر سؤاله ملهوفًا :
-حياة !!!! قولي حاسة بأيه ؟!
انكمش قميصه حول قبضـة يدها المتعلقة به كأنه أخر ما تملك بالحياة وهي تُجيب بصوت مشج متهدج :
-عـا صي .. بطنــي .. ابننا ..
ثم انغلقت جفونها وهي تتلوى بوجع صامت بين يديه ، فوقعت أنظاره على القليل من قطرات الدماء الممطرة من رحمـها ، فاتسع بؤبؤ عينيها بصدمة لا توصف :
-حيـاة ..!! ردي عليـا ..
حملها بدون تفكيـر صارخًا باستغاثة :
-هاتـوا عربية بسـرعة ..
اندفعت شمس نحو مراد الواقف في وسط الحادث مستغيثـة :
-مراد ، تعالى بسرعة شوف عاليـة ..
-مالها عالية ؟!!
-تعالى …
••••••••
استوطن اليأس بقلبهـا إثر أنانيـة عبلة وعدم جوابها على أهم سؤال وأبسط حقوق المرء أن يعرفه ” من أنا ؟! ” شعرت بأنهـا لا تُريد من الحياة سوى أن تهرب من هذا الشعور القاتل .. فهو يشبه النار التي تشتعل في جسدها وتلتهم روحهـا .. طاحت يدها بالفازة التي تتوسط المنضدة لينتشر فتات زجاجها مثلمـا تفتت قلب عالية وهي تترجاه تارة وتصرخ بوجهها طورًا :
-أنتِ ساكتـة ليـه ؟!! قولي أي حاجة طيب ؟!! أنا أذيتك في أيه عشان تحرمي طفلة من أهلها !!
ثم جلست أمام ركبتي عبلة المهزوزة وتوسلت إليها :
-طيب ماما عايشـة ولا ماتت !! لو عايشـة قوليلي تلحق تعوضني عن سنين القسوة اللي عشتهم معاكي ..
ثم قبلت يدها بترجى ودموعها التي تغسل وجهها :
-عشان خاطري لو بتحبيني .. والله مش هسيبك ولا هبعد عنك بس مين أمى ..
لم تتفوه عبلة إلا بجملتين كأنها لم تتعلم غيرهم :
-أنتِ وعاصى ولادي … أنتوا مش ولاد حد تاني !!
ركض مُراد إليها وهو يشاهد موقفهم المثير للقلب والعاطفة ، مكث على ركبتيـه :
-عاليـة، قومي … مش هتتكلم ، هي لو عايزة تتكلم كانت اتكلمت من زمان !
طالعته بأعينها الذابلة :
-مراد قولها تتكلم .. أنا عايزه أعرف مين هي أمي .. مراد أعمل حاجة لو بتحبني ..
أمسك برسغها ليساعدها على النهوض :
-قومي يا عاليـة مفيش فايدة .. قومي .
تعلقت بملابسـه كالطفلة وهي على أعتاب حالة من الانهيار العصبي :
-أنا عشت أسوأ أيامي في البيت ده !! ومش عايزة اسمع اعتذار من حد ، قولها بس تقولي مين أمي وأنا هسامحها والله ..
لم يجد حلًا سوى حملهـا بين يديه متجهـًا إلى غُرفتـها .. فتدخلت شمس مقترحة :
-هجيبلها مهدئ تاخده عشان تنام ..
مراد باهتمام :
-بسرعة يا شمس .. جسمها كله بيترعش ..
ردت بعجلٍ :
-حاضر حاضر .. هكلم الصيدليـة حالًا …
انضمت نوران إلى أختها بملامح يخيـم عليها الآسى :
-مسكينـة يا عاليـة ..
تنهدت شمس بحزن :
-وربنـا يستر على حيـاة التانية هي والبيبي ..
حدجت نوران بأعينها الصقـرية عبلة الجالسة مطأطأة الرأس بخزى :
-أهو كله من العجوزة دي !!
زفرت شمس باختناق في وجهها اختها واتجهت ناحيـة الهاتف لتطلب دواء لعاليـة حيث جهرت آمرة قبل أن تتلقى ردًا بالهاتف :
-سيدة اعملي لمون لعاليـة بسرعة ..
ضربت سيدة كف على الآخر :
-كان مستخبي لكم فين كل ده بس ؟!!!!!
~ بالطابق العلوى ~
بنهايـة كُل أزمـة الأشيـاء والشعور بداخل المرء ، ولم يبقى منه إلا الذكريات المغبرة على رف النسيان الذي تمرر مذاق الحياة بفمه .. يصبح كل شيء باردًا وهادئًا ومُريبًا .. تكاد تكون كالجثة متبلد الأطراف والشعور تستقبل المزيد والمزيد من الصدمات بدون أي رد فعـل ..
شد مُراد الغطاء فوق جسد عالية البارد فتشبثت بيده راجية :
-مراد .. خليك معايـا ..
مال ليطبع قُبلة خفيـفة على جبهتها ليُطمئنها بوجوده :
-جمبك متقلقيش ..
ثم ابتعد عنها وزاح الغطاء ليُعري قدميها وينزع الحذاء منهما برفق وهي تتلوى على مراجل الحزن كأن ما ترقد فوقه جمر مشتعل وليست بقطن .. انتهى مراد من فعله ثم نزع هو الأخر حذائه ورقد بجوارها فتعلقت بعنقه وهي تتمتم :
-يعني أنا ماليش أهل يا مـراد ؟! هعيش طول عمري منسوبة لعيلة أنا مش بنتهم ! أنا ليه بيحصل فيا كل ده ؟!
أخذ يمسح على رأسها كي تهدئ :
-حبيبتي ممكن تهدي ومتفكريش في حاجات سلبيـة ! أنتِ ملكيش ذنب في كل اللي حصل يا عاليـة !
رفعت جفونه المحمرة إليه :
-يعني أنتَ مش هتسيبني بعد اللي عرفتـه !
-وايه يعيبك في كل اللي عرفته أسيبك عشانه !
انخرطت العبرات من مقلتيها و بشفاه مرتعشـة :
-هي عملت فيا كده ليـه ؟! انا أستاهل القسوة دي !
-عالية اهدي أنتِ جسمك كله بترعش !! أهدي وأنا جمبك أهو .. مش هسيبك ..
أطالت النظر بوجهه لتتأكد من وجوده وأنه خير ما أتى بظلمة أعوامها .. أخذت ترتجف وتأن وجعًا حتى طلبت منه بتوسـل ينزف دمعًا :
-ممكن تحضني أوي .. خدني في حضنك يا مراد أنا ماليش غيرك دلوقتِ ..
•••••••
~بالمشفـى ~
حملها بين يديه ودخل استقبال المشفى يُنادي بحنجرته القويـة :
-فين الدكاترة اللي هنـا .. !!
تابعه أخوتها بنفس السرعة التي يسير بها .. تحرك رشيد ناحية الاستقبال مندفعًا:
-اختي حامل وبتنزف ، عايزين دكتور بسـرعة ..
أمسك يونس بكف أخته التي تتضور وجعًا من تقلصات رحمها المميتـة :
-استحملي يا رسيـل ، إن شاء الله مفيش حاجة !
انفجرت صوتها الباكي الممزق من شدة الألم:
-مش قادرة .. وجع فظيع ..
كاد عاصي أن ينفجر بموظفى المشفى إلا أن جاء طاقم التمريض بالسرير المتحرك بعجلٍ ، وضعها فوقه وركضـوا بها ناحيـة غرفة العمليات.. أمسك بكفها ليطمئنها بالمصعد :
-متخافيش .. اهدي اهدي التوتر مش في صالحنا يا حياة ..
ضغطت علي كفه باكيـة وكأنها تفقد روحها :
-ابني يا عاصي .. ابني بيروح مني .. مش قادرة ..
رد ملهوفًا :
-سلامتك أهم .. عشان خاطري اهدي ، مفيش حاجة !أنتِ عندي بالدنيـا ..
ثم نهر طاقم التمريض :
-فين الدكتور اللي هنـا ..؟!
فُتح باب المصعد وأجابته الممرضة بسرعة وهي تركض بالسرير المتحرك :
-جاي حالًا .. لو سمحت ماينفعش تدخل العمليات استناها هنـا ..
انضم إليه رشيد ويونس ركضًا من ناحية السُلم حيث سأله رشيد :
-فين ؟! رسيل خدوها فين ؟!
رد بثقـل وهو يعاصـر نفس الحالة ونفس الألم الذي عاشه من قبـل ، فرغ طاقته المكبوتة وهو يضرب الحائط بقبضـة يده :
-العمليـات .. دخلت جوه .
ربت يونس على كتفه :
-مفيش حاجة ان شاء الله تخرج بالسـلامة هي والبيبي ..
أخذ يجوب المكان بعجز تام وقلة حيلة يعد الدقائق كي تعـود إليـه ‏كي ينظر بعينيها فيستمـد قوته من جديد ليواجه جمة المصائب التي تنتظره .. كي يتقلص إحباطه ويغتال هزائمه ويختفي كُل هذا الظلام بداخله ..
اشتعلت ملامحـه بجمر الغضب الذي توقد بملامحه .. رفع ساعده على الحائط وسند جبهته عليـه وهو يلوم نفسـه التي فشلت أن تحميها .. عن عجزه في تنفيذ وعده لها في ليلة ملأ عطر الحب صدورهم ، فأخذ على عينيها عهدًا عندمـا سألته :
-هل تحبّني ؟!
فطبع وسام العشق بقبلة طويله بين عينيها وقال :
“‏مهمتي في الحياة العيش لأحبك أولاً والحراسة المشددة لقلبك من كل حزن وألم .. لقد تجاوزت فيكِ الحب وأصبحت عاشقًا لكِ ”
بعد مرور السـاعـة خرج الطبيب من غُرفـة العمليـات وهو يخلع ” الماسك ” عن وجهها .. هرول عاصي وأخوتها نحـوه فسأله ملهوفًا :
-مراتي عاملة أيه !
بملامح حزينة أردف الطبيب :
-بنحاول بكل جهدنـا نحافظ على الجنين .. ولازم تبقى تحت الملاحظة والأجهزة الـ٢٤ ساعة الجايين ، واللي عايزه ربنـا هيكون .
عارضـه ملهوفًا :
-دكتور لو الجنين هيأثـر على حياتها نزله ، المهم هي ..
-أنا هتابع الحالة بنفسـي ، واتأكد صحة الأم عندنا أهم .. بعد أذنك .
ركل المقعد المعدني بساقـه وهو يجهر صارخًا معترضًا :
-ليـه !! ليـه عشان اخد حاجة لازم أخسر حاجة قُدامها !!
ثم لجأ للزجاج الفاصـل بينهم ليُراقب ملامحها النائمة ويترجاها بملامحه المنكسـرة وكأنه يشكو من فكرة غيابها .. هل تعي حجم الألم الذي سيسكنني أن ضب العمر حقائبه معك تلك المرة ، وتلك النظرة المميتة التي سترافقني بقيـة أيامي بعد بُعدم !! وتلك الدموع التي سترهقني وكل الليالي المؤلمة التي سأقضيها بدونك ؟! هل تعي ما سأكون عليـه أن غربت شمسك ؟!! ‏”كلما لملم جرح قلبهُ ، زارهُ الألم قديم :
-حيـاة متهزريش .. قومي ، أنا اللي كنت هسيبك ودلوقتي بقولك متسبنيش ؟!!!
••••••
~ عودة للقـصر ~
ضبت عبـلة سنوات عُمرها وهي تدور بتيـهٍ في أرجاء القصر الذي شهد على مُعاناتهـا حتى وقفت أمام صورة شهاب دويدار المُعلقـة على الحائط ، طالعته بأعين يملأها السخط والحقد على حياة سوداوية عاشتها معـه أخذتـه تحاوره كأنه يقف أمامها :
-شفت بنت الـ 14 سنـة عملت فيك أيه ؟!! لعبت بيك الكورة أنت وولادك يا شهاب .. مش أنت اللي فضلت شويـة خادمات عليا ؟! مش أنت اللي حرمتني أكون أم باقي عُمـري ..
هجم شريط الذكريـات على ذهنهـا وهي طفلة تُعاني تحت يده ، بكفوف مكبلة وصرخات مرتفعـة وخوف شنيع يحاصـرها ، تترجاه أن يتركها .. أن يبتعد عنها ، تخبره عن البركان الثائر برحمها ولكنـه لم يهتم ، كان يتجرع كؤوس النبيذ بدون وعي ثم يعـود إليها ليجدد أسوأ كابوس في يقظتهـا .. صرخات لا تعثر استغاثة .. دموع لا تجد مصبًا لمجراها .. آلآم يئست من تعانق الدواء .. خوف يعقبه نوبات هلعٍ لا تصادفها طمأنينة…
جففت عبراتها الجارية وأكملت محاورة صورته :
-قولت لك هاخد حقي منك .. وخدته ، شوفت انتقمت في ولادك ، السنين اللي عشتها متعذبة معاك عيشتهم زيها وهما خايفين ..
خيم فطر قديم من الذكرى على رأسهـا وهي تحاوره :
-أنت حبيت كُل الستات دي ، اشمعنـا أنا كنت بتنتقم مني ؟!
شد رابطة عنقـه وقال بفظاظـة :
-لأنك بنت المحلاوي ..
-تارك مع أبويـا ، ليـه اخلصـه أنا ؟! حرام عليك سيبني في حالي ؟!
أمسك ذراعها بقوة ورجها بعنفوان :
-أنتِ تحمدي ربنا ، لولا عاصي أنا كان زماني خلصت منك .. حظك الحلو خلفتي وأنا مش هربي عقدة نفسية لابني لما يشوف أمه بتتعذب قدام عينه .. عيشي لابنك يا عبلة وارضي .. وبلاش تفتشي في الماضي .
استردت وعيها وهي ترمقه بشماتـة :
-أنتَ اللي عملت فينـا كده .. كُنت مفكر إني هنسى ؟!! خلاص أنا هديت البيت اللي بنيته وفرقت ولادك .. ضيعت كل اللي عشت عشـانه ..
ثم انسحبت بهدوء وهي تغادر القصـر شاردة تائهـة لا ترى أمامها ، ولكن ذاكرتها تتخبط هنا وهنـاك حتى تأرجحت مشاهد الماضي برأسها وهي تقف وراء البـاب تُراقب العلاقة بين زوجهـا والخياطـة التي تدعى ” تحيـة ” وهي تأخذ مقاساته بشريط القياس ، فدار إليـها وهو يطوق خصرها قائلًا :
-كل ليلة يا تحيـة هتحجج بالمقاسـات عشان أشوفك ..
لتتملص الفتاة الشابة من يده :
-ياخبر يا شهاب بيـه ؟! مايصحش ست عبلة تشوفك !!
-وأنا أعمـل أيـه في قلبي اللي مش عارف يشـوف غيـرك ، تحيـة تتجوزيني !
كان الذعر منعكسًا بعينيها :
-انا مخطوبة لعبد العظيم يا شهاب بيه مش هينفع !!
نهرها بعنفوان وهو يدنوها منه :
-بصي في عيني .. أنا متأكد أنك بتحبيني زي ما بحبك ، مش هينفع تخبي .. تعرفي أنا وقعت بغرامك من أول يوم ، بقيت حابب لبسي كله يبقى تفصيـل أيدك ..
-وأنا كمان حبيتك ياسي شهاب ، وفاهمة نظرتك ليا من أول يوم جيت فيه هنـا .. بس بقول كل ده وهم بقا البيه الكُبرا ده هيبصلك أنتِ .
أطرقت بخجـل وهي تسكر من كلمـاته حتى انفرد الرجل الأربعيني بالفتاة التي لم تكمل العشرين من عمرها حتى هبت صارخة بوجهه :
-تكتب عليـا الأول ….
لقد عقد زمام نواياه فرد مطاوعًا وهي يكمل رحلة امتلاكها :
-هيحصل …
< عودة للوقت الحالي >
تشبثت عبلة بقلبـها وهي تغادر من بوابـة القصر سيرًا على قدميهـا بصمت مريب لتكمل حلقة استعادة ماضيها الأليـم لتذهب لتلك اللحظة التي جاءت إليهـا “تحيـة” تتوسل إليهـا :
-ست عبلة البيه مسافر وأنا عايزة اكلمه ضروري ؟
ردت عبلة بتوجس :
-ايه اللي بينك وبين البيه يا بت انطقي ..
ردت تحية بخوف :
-شغل ، كان طالب مني شغل ! قوليلي بس جاي أمتى ؟!
وثبت عبلة تتأمل ملامحها المذعورة :
-البيه مش هيرجع قبل سـنة لأنه بيأسس شغل جديد بره مصـر .
لطمت تحيـة على وجهها بندم :
-يانهار أسود ومنيل ..
ثم جلست على ركبتيها تتوسل إليـها :
-انا في عرضك يا هانم ، استري عليـا .. أنا حامل ولازم شهاب باشا يعرف أن اللي في بطنه ده ابنه .. هو وعدني هيرجع من السفر ويكتب عليـا وانا صدقته !! اتصرفي عبدالعظيم لو عرف هيقتلني .. اتصرفوا وخليني أكلم البيه ..
بعد ما وبختها عبلة بأسوأ الكلمات والمصطلحات التي تُقلل منهـا وهددتها أن تفضحها أمـام الجميع وأولهم خطيبها عبدالعظيـم ، نظرت إليها بمكر وهي تقول :
-بس في حل ينقذك من كُل ده .. وأنتِ حُرة يا توافقي يا ترفضي ..
ردت عليها بعجـز وكأنها تتعلق بقشة الغريق :
-انا هنفذ كل اللي تأمريني بيه ، بس استري عليـا ..
جاء اليوم التالي حيث أرسلت عبلة لتحية أن تأتي لعندها وبعد حوار طويل قالت عبلة :
-بصي أنا هساعدك عشان أنتِ بنت غلبانة .. وعشان شهاب دويدار ضحك عليكي واستغلك وأنت زي الهبلة صدقتيه لانه مستحيل يتجوز شغالة عنده ، فوقي لنفسك يابت .. والطفل اللي جاي ملهوش ذنب .. انا هاخدك بعيد عن القصـر وهصرف عليكي لحد ما تولدي ، وهاخد العيل اربيه واكتبه باسم أبوه واقوله أنه ابني ، وأنتِ الداية اللي هتولدك هتصلح غلطتك وأجوزك لعبد العظيم وتسافروا بره .. قُلتِ أيه !
ردت مستنجدة :
-موافقة ..
بعدما خرجت تحية من الغرفـة رن جرس الهاتف الأرضي لتركض إليه عبلة ، إذن بصوت شهاب الذي اتصل ليطمئن على حال القصر فزفت له عبلة ذلك الخبـر التعيس له :
-شهاب أنا حامل …
رُد إليها وعيها وهي تستريح على أحد المقاعد العامة تلتقط أنفاسها المحترقة فوق سُلم العمر مواصلة استعاد ذكرياتها بعد مرور ثمانية أشهر على اتفاقهـا مع تحيـة .. لقد أزفت ساعة وضعها .. جاءت تهرول إليها برفقة إحدى المولدات التي أسرعت لمساعدة تلك الشابة المتوجعة ، مرت أصعب لحظات على تحية حتى وضعت صغيرها وإذن بصبي يحمل معالم أبيـه .. حملت عبلة الطفل وأشارت للدايـة أن تنفذ اتفاقها مع عبلة وهو إنهاء روح المسكينـة والخلاص منها في الحال .. ثم دخل عبدالعظيم المُرتشي بالأموال الكثيـرة ليُسجل الصغير باسمـه وفي لحظة خروجه من السجل المدني جاءت سيارة بأقصى سرعة لتقضي عليـه وبهذه الطريقة وبمساعدة ابن خالها نفذت عبلة مخططها كما يجب أن يكون …
“المشاعرُ المكتومة لا تموت أبدًا، إنها مدفونةٌ وهي على قيد الحياةِ وستظهرُ لاحقا بطرقٍ بشِعة ومروعة للعقـل البشري ..”.
~عودة إلى القصـر ~
أقبلت شمس نحو غُرفة المكتب التي خرج منهـا تميم فاصطدم الاثنان ببعضهما .. تراجعت شمس مبررة :
-تميم كنت جاية لك ، لازم نتكلم ..
رد بتجاهل:
-بعدين يا شمس ..
-طيب أنتَ رايح فين الوقت ده ؟!
-المستشفى عنـد عاصي ..
همت مقترحة وهي تتبع خُطاه بإصرارٍ :
-هاجي معاك ..
••••••••
~فجـر اليوم التالي ~
حالة من الذعـر والقلق أصابت الجميع ، ما بين تراكض الأطباء وطاقم التمريض نحو غُرفة حيـاة والتساؤلات المتعرية من الإجابة التي اندلعت من فم عاصي ، جعلته يقف مضطربًا مكبل الأيدي ، مال الدنيـا لم يكن كافيـًا ليُردها إليـه ..
يُراقب الازدحام حوله ولكنـه لم يرٍ سواها .. الكثير من الكلمات لا تصف حالتـه ، تاهت الكلمات ببحر حزنه وعجزه ومعاصرته لنفس الألـم من جديد وكأن أعضائه الداخلية باتت ملطخة بالكدمات التي أحدثها الماضي والحاضر على عظامـه ..
جلس على طرف المقعد المعدني عندمـا يأس من جواب الأطباء عليـه دافنًا وجهه بين يديـه باستسلام لمشيئة الأقدار .. متنهدًا بمرارة كأنه يتمنى أن يهرب بعيدًا إلى مكانٍ يجهلونه جميع الناس ومن أوجاعه وماضيـه المُغبـر .. ومكانٍ خالي لا يضم سواها ..
خرج الطبيب بملامح الحزن والأسف فأسرع الجميع إليـه بلهفة حتى قال متأثرًا :
-للأسف خسرنا الجنين ..
✨ الفصـل التاسع والخمسـون ✨
~ الجزء الثاني من الفصـل ~
لم يخشى يومًا هول النهايات من كثرة ما عاناه ، كل الذي أثار مخاوفه وحزنه قسوة هذه النهاية أن يبدو الأمر وكأنه مزحة أو حلم بدَّده التيقظ ، يعيشها ككابوس مخيف مُجبر أن يُكملـه لآخره مكبل مقيد الجسد بعجزٍ تام على يمنع هربك منه ..
ربت تمـيم على كتف عاصي وكأنه يواسيـه على فقدانـه لابنـه مستمعًا لحواره مع الطبيب :
-طيب هي كويسـة ؟! في خطر على حياتها !! أنا جاهز أسفـرها حالًا .
رد الطبيب :
-لالا متكبرش الموضـوع يا عاصي بيـه .. المدام بخيـر وهننقلها أوضـة تانيـة دلوقتي ، كام ساعة وهتفوق ، مفيش حاجة تستاهل القلق .. اطمن
غادر الطبيـب فهتف تميم بحزن :
-ربنـا يعوضك يا عاصي .. شد حيلك .
تبادل كل من رشيد ويونس نظرات الحزن حيث تقدم الأول مواسيـًا :
-متزعلش يا عاصي ، المهم رسيـل بخير ..
مسح على وجهه عدة مرات متقبلًا مصيـره الذي حش جذور قلبـه ، كان للمرة الأولى يعيش معها تفاصيل كونـه سيصبح أبًا لطفل أمه إمرأة عظيمـة مثلهـا ..
خرجت من غرفت العمليـات لتُفرق جمعهم ، مال على السرير المتحرك وأمسك يدها متبعًا خُطى الممرضات .. بلهفة سألهم :
-هي نايمة وهتصحى كويسـة ؟!
-إن شاء الله يا فندم ..
مسح على جبهتها وسألهم :
-أنتوا هتودوها فين ؟!
-هننزلهـا أوضتها تحت …
دخل معهم المصعـد فسألها بنبرة طفل يخشى فُراق أمه :
-هينفع أقعد معاهـا ؟!
-أيـوة يا فنـدم مفيش مشكلة .. تقدر تقعد جمبها لحد ما تفوق .. هي زي الفـل أصلًا ..
تمتم بعرفان :
-الله يطمنـك ..
وصل مع الممرضـات إلى الغُرفة التي ستمكث بهـا ، فتقدم التمرجي ليحملهـا ويضعها على سـريرها الخاص فأرقفه عاصي بحدة :
-أنت هتعمل أيه ؟!
ثم تقدم بدون تفكيـر وحملها ووضعها برفق تام ، علقت الممرضة المحلول بمكانه و قالت له :
-أول ما المحلول يخلص رن الجرس .. الف سلامة عليها ..
جر المقعد وجلس بجوارها ممسكًا بيدها المُعلقـة بإبرة المحلول ، مال ليطبع العديد من القُبلات فوق يدهـا كأنه يعتذر لها لانه خذلها في حمايتها وحماية صغيـرها .. تأمل تفاصيـل وجهها النائم بشـوق يمزق قلبـه وقال :
-فتحي عينك يا حياة ..
أخذ يتأمـلها بأعين محب مغرم غارق في تفاصيلها تاركًا لقلبه الزمام كي يُخاطبها في منامها متوسلًا إليها :
(خذِني إليكِ أن أردتِ بقاءنا ..
أما الغيـاب بربك سيف يقتلُ !!
لا تتركيني خائبًا وحيدًا لعقارب الزمن السامة أنتظر عودتك
وأنا الذي لا شيء مني أوجعك ..
عودي .. ووعدي لعينيكِ لأبقيك في عيني كأنك واقفة في طرفها حتى أخافُ أن أرمش فأدمعك !
بات قلبي على غُربتك غريبًا يبكي دمًا ..
فقلبي لقلبك جوارٍ ، كصلة العين بالرمشِ ..
قلبي يتتوق شوقًا للقاءك ولكني أخشى أن ضممتكِ مرةً من لهفتي تُلاقي مصرعك ، اشتقت لـ عطرك مرةً في ملبسي أو صوتك يغرد حُبًا بمسامعي ..
واللهِ قلبي لا يطيقُ بُعدك
واللهِ نبضك لن يبارحَ أضلعي
لا شيء عندي قد يقال ليصبرني على غيبتك ولكن كل شيء عندي أفتديهِ لأُرجعك
خذني إليكِ ..
وأن نويتِ فراقي خذني
ولو ذكرى جِوارك تصطلي،
وإذا نويتَ فراقنا خذني معك .
أنا الذي بدونك لا شيء يُذكرُ …)
••••••••
انفلق الصبـاح بعد ليـلة من كثـرة الأتربة التي نُفضت من فوق صناديق الحقائق ظنـوا أنها ستحجب عنهم أشعة الشمس لسنـوات .. خرجت شمس عن صمتها الطويـل منذ رحيلهـم من المشفى فسألتـه :
-تميـم !! هنفضـل نلف كتيـر كده بالعربية ؟!
رد بفتـور :
-مش عايـز أروح ..
أطرقت بحنو مقدرة الحالة التي يُعاني منهـا :
-عايـز تروح فين طيب ..
زفـر باختنـاق :
-مش عارف .. مش عارف يا شمس ..
وضعت يدها على كتفه لتُحسسه بوجودها معـه :
-تحب نروح مكان هادي نفطـر فيـه .. ومنه تفضفض براحتك ..
رد بمـلل يقتـل رغبته بالحيـاة :
-ماليش نفس لأي حاجة ..
تأملته بحيـرة مفكرة كيف يمكنها أن تساعده على تجاوز تلك الفتـرة القاسيـة .. فاقتـرحت قائلة مشيرة على مكانٍ هادئ :
-ممكن تقف هنـا ؟!
تنهد بتعب:
-شمـس ..
بررت طلبـها :
-مش لازم تتكلم على فكرة ، ممكن ننزل وتفضـل ساكت وتبص للنيـل ، وأنا مش هضايقك .. ها ننزل !!
لبى طلبهـا وصف سيارتـه جنبًا ثم هبط منها ووقفت بانتظاره حتى احكم اغلاقها .. اقترب منها وهو يرتدي نظارته السوداء فتلقت قُربه بابتسامـة خفيفة استقبلها بهزة امتنان من رأسه .. تقدم عنهـا خطـوة أثناء سيره فـ طوت المسافة الفاصلة بينهم وهي تسد فراغات يـده بحركة غير متوقعـة اشعلت نيران الاستفهام في رأسـه .. دخل الثنائي معـا للمكان ثم أشارت له على الطاولة :
-نقعد هناك .. على النيـل ..
وافقها الرأي بصمت تمام .. جلس بتراخٍ وهو يلقى المفاتيـح من يـده بدون اهتمـام .. جاء النادل ووضع الدفتـر أمامهم ثم انصرف بهدوء .. ألتزمت شمس الصمت وأخذت تطلع على قائمـة الطلبات لتفسـح له مجالًا من الاختلاء بأفكاره ..
مرت دقائق عديدة حتى قطعت حبل الصمت المتصل بينهم بجملتها :
-هطلبكرفطار على ذوقي !
-افطري أنتِ ..
ردت بعناد :
-لو مش هتاكل أنا كمان مش هاكل .. هااه ؟! ولعلمك أنا هموت من الجوع ، بس براحتك !
رد بإبطاء وبنبـرة يكسـوها الإجبـار :
-تمام .. اللي عايزاه .
أشارت للنادل وألقت عليـه قائمة طلبـاتها مؤكدة على القهـوة بالمذاق الذي يحبذه تمـيم .. انسحب الرجل بهدوء ، وغيرت هي مقعدها لتنتقل للمقعد المجاور له .. طالعها بنظرة سريعـة ولكنها تعمدت أن تطيل الوقت لرؤيتـه .. فسألتـه بصوت خافت :
-تتكلم !
هوى في حفـرة الماضي بشرود :
-تعرفي كُنت حساب كُل حاجة ، ومستعد أواجـه أي حاجة وكنت حاسس بسـر كبيـر مداري ورا حيطان القصـر ده ؛ بس اللي مكنتش عامل حسـابه بجـد أن عاصي وعاليـة مايبقوش أخواتي .. فجأة لقيت نفسي وحيد .. مش متخيـل القصـر من غيرهم يا شمس .
بللت حلقها وهي تُطلعه بعيون يلمع بداخلها الدمع كالنجوم :
-عارفة أنها صعبـة .. بس أنت ليـه افترضت بُعدهم ؟!
-عاصي مش هيقبل يقعد في مكان مش بتاعه بعد ما كُل الورق اتكشف ..
فقاطعته :
-أنت بتحب عاصي يا تمـيم ؟!! يعني أقصد …
رد متفهمـًا :
-أنا فاهـم تقصـدي أيـه .. للأسف عبلة بفكرها المريض نجحت تبني جسـر طويل ما بينـا ، طلعتني ابن زنـا عشان تكسـرني ، وفهمت عاصي إني عدوه اللي لازم يحطه تحت المراقبة طول الوقت .. ربنا جوانا عداوة وللأسف أحنا عشنا الوهم معاها ..
غمغمت شمس بصوت خفيض :
-دي مستحيل تكون بشـر زينـا .. طيب أنت ناوي على أيه ؟!
-دماغي واقفة مش عارف أفكـر يا شمس .. واللي هيجنني عاصي كان عارف ، وهما الاتنين لعبوها علينـا ..
ثم تنهد بحرقة :
-طيب عاليـة ؟!! أنا مش مصدق إني مش هعرف احضنها تاني !! طيب هي فين أهلها وهتعمل أيـه وهيعيشـوا أزاي ؟!
ساد الصمت بين أفواههم للحظات ولكن عينيهم لم تتوقف بعد .. أخذت تُفكـر بتردد حتى حسمت قرارها لتخبره :
-تمـيم .. في حاجة جيـه الآوان تعرفهـا ..
-حاجة أيه يا شمس ..
-عاصي … !!
-ماله عاصي يا شمـس ؟!
تكلفت الهدوء وهي تخبره :
-عاصي هو محمد عبدالعظيم .. ابن تحيـة ، تحية عمتي …
تدفقت الكلمات من عينيـه باسئله جمة حتى راضت فضوله وقالت :
-هحكي لك كل حاجة ….
••••••••
~ عـودة إلى القصـر ~
يقف كريم في شُرفة غُرفتـه يتحدث بالهاتف مع أمه وأختـه هديـر التي أخبرته بنبرة تعني انقضاء الأمر دون نقاش :
-مصاريف جامعتك دفعتها .. والمفروض الميل يكون وصل على موبايـلك .. سافر يا كريم وشـوف مستقبلك ، وأبعد عن فلوس دويدار ، أنا كُنت غلط من الأول لما شغلتك عندهم .. بس أهو بصلح غلطي وأقولك سافر .
وقعت عينـه على نوران التي تجوب ساحة الحديقـة حائرة بنظرة ‏محبطة توضح ما معنى أن ينظر المرء بخيبةٍ لذات الأمور التي حدّق فيها بأمل .. فقال بتوجـس :
-أنتِ معاكِ حق ، بعد اللي عملتـه خالتك أنا ماليش حق أقعد هنـا .. كُل ده بقا من حق تمـيم ..
أطرقت هديـر بأسفٍ :
-عاصي عامل أيه ؟!
-عاصي مع مراته في المستشفى .. هلبس وأروحلهم ، وهجهز نفسي للسفـر ..
علقت غصـة حُبها لعاصي بحلقها ولكنها تجاهلت صدح قلبها الدامي باسمه وقالت :
-ده أنسب حل .. وأنا وماما هنحصلك على هنـاك ..
كادت أن تنهي مكالمتها مع أخيها ولكنها توقفت فجأة :
-كريم .. استنى ، أنت شوفت الأخبار الصبح ؟!
-لا ماشوفتش حاجة ؟! في أيه !!
فتحت هديـر الحاسوب أمامها وأخذت تقرأ عليـه الأخبار المنتشرة صباح اليوم :
-مزرعة الطريق الصحراوي التابعة لهاشـم مدكور ولعت وبيقولوا أنها اتحولت لخرابة ومحدش عرف يلحقها .. وكمان ده نفس اللي حصل في مصنع ممدوح علم ، والخسارة بالملايين .. معقولة عاصي يكون وراها ؟!
فكر كريم للحظة ثم قال :
-هو فاضي لكل ده ؟!!! بس تصدقي ممكن ، مش دول اللي ورا خطف عاليـة !!
أشادت هدير بإعجاب :
-لو كان عاصي عملها تبقى ضربة معلم بصحيح.. ومتطلعش غيـر منه …
-لو هو آكيد هنعرف ..
ثم قفل معها المكالمـة ليهرول مسرعًا إلى تلك الفراشة التي تتنقل بعشوائية فوق بساتين قلبـه الذي اتبعه ليعرف ما بهـا .. ارتدى معطفـه الأسود وهبط لعندها ، فأول سؤال أردفه :
-أنتِ بتعملي أيـه هنا الساعة دي !
ردت بقلقٍ وهي ترمي الهاتف من يدها فوق الطاولة :
-شمس وتميـم من إمبارح مختفيين مش بيردوا .. وأنا قلقانة عليها ..
رد بهدوء :
-تميم مش معاها !! قلقانة ليه .. سيبيهم الصدمة على تميم مش سهلة ..
-الله يكون في عونه الصـراحة ..
اقترب منها خطوتين وهو يضع يديه في جيوبه :
-أنتِ نمتي فين النهاردة ؟! قصدي أن مراد لسه فوق ؟!!
-ااه ، لسه مع عاليـة .. وأنا نمت مع البنات لقيتهم خايفين حرام وقاعدين تحت المكتب من الخوف لما سمعوا ضرب النار ، حضنتهم ونمنـا .
تنهد كريم بحزنٍ :
-مظلومين البنـات دول ..
-أوي ..
ساد الصمت بينهم طويلًا ، كل منهما يلقى نظرة سريعة على الآخر ثم يلجأ إلى السمـاء ليُعلق أعينه بها .. حتى تلاقت عيونهم أخيرًا ، فسألتـه نوران بارتباكٍ :
-بتبص لي كده ليـه ؟!
-نوران أنتِ عارفة أنا ماينفعش أقعد هنا بعد اللي حصل ، ووجودي مش لطيف ..
تفوهت بلهفت :
-ليـه !! قصدي يعني أنت مالك بكل اللي حصل ؟!
-ده الصح يا نوران ، كفاية أوي لحد كده ، حتى شغلي في الشركة هسيبـه ..
خفق قلبها بفزعٍ وهي يلقي عليه شظايا الوداع :
-هتروح فين طيب ؟!
-هسـافـر .. ساعات الحياة بتجبرنا على حاجات مش عايزينها ، بس مفيش حل .
احتبست العبرات في عينيها وهي توبخه بحرقة :
-والحـل أنك تهرب وتسافر!! أنتَ كده ناجح ؟! على فكرة بقا الانسان اللي مايعرفش يبني نفسه في البلد دي هيفضل طول عمره فاشـل .. سافر يا كريم عشان أنت بتلجأ للسهل مش عايز تحاول وتنجح ..
ثم وقفت أمامه باعتراض :
-مراد ده مش أخوك ؟!! مسافرش ليه !! بالعكس أهو قدر ينجح ويثبت نفسه في البلد دي ..
رد بيأسٍ :
-الموضوع بالنسـبة لي انتهى خلاص يا نوران .. عشان كده جيت معاكي دوغـري ، وقلت لك أنا عايز أبقى معاكِ ولولا الظروف دي أنا كنت طلبت أيدك من تميم بس أنت مش مريحة قلبي ..
ثم اقترب منها بعيون يملأها الرجاء :
-أنا قلت اللي جوايـا وأنت بتكابري ، أو يمكن حبي ليكِ من طرف واحد .. أنتِ مخلياني تايه ومتكتف مش عارف أعمل أيه ..
خبر رحيله من البيت والبلد كان بمثابة حد السيف الذي بتر تفكيـرها وجعلها تهذي بدون وعي :
-أعمل اللي يريحك يا كريم .. أنا هنجح في البلد دي وهبني نفسي هنا ، مش ههرب زيك ..
ثم اعتصرت قلبها المضطرب :
-وأنت صح ، حُبك من طرف واحد .. أنت كُنت بالنسبة لي صديق بيساعدني ، أنت فهمت كل ده غلط دي مشكلتك ..
أوشك دمع عينيها أن يفضح كذبها ، فألقت على مسامعـه أخر جملة ثم فرت هاربة كالأرنب من أمامه :
-سافر يا كريم ……..
••••••••
قيـل على لسان سيدة انعش الحُب قلبها …
“أدفعُ عُمري بأكمله لشخصٍ أُطلعُه على مخاوفي،
فيأمِّنُها،أُظهرُ له مساوئي، فـ يُجمِّلُها، أبوحُ له بهزائمي، فـ أراني في عينيه مقبولة .. لكُلٍّ مكانٌ في قلبي إلا من يجعلُني أقعُ في حُبِّ نَفْسِي،
فـ له كُلُّ الفؤادِ و نَفْسِي‌.”
رفعت عالية جفونها المُحمـلة بصخور من الحزن بعد ليلة طويلة قضتها بنومٍ متقطع بصرخات مدفون بصدر مُراد الذى آنس وحشة ليلتها .. أحست بصقيع جسدها لغيابه عنهـا .. تحسست وجوده بجوارها ولكن بدون جدوى ، ففزعت من نومه تتفوه باسمـه ، فوجدته يهل عليها من الباب حاملًا إفطارها .. هدأ هياج قلبهـا تدريجيـًا عند رؤيته فسألتـه :
-أنت كُنت فين ؟!
ترك المائدة التي بيده على الطاولة :
-جبت لك تفطري .. يالا.
ردت بثقل :
-اجيب نفس منين بس يا مراد ..
جلس بجوارها :
-عالية مش هنوقف حياتنـا على أخطاء الماضي ، اللي حصل حصل ، زعلك هيصلحه !
أجابته بخفوت :
-لا ..
-يبقى اتعلمي تتعاملي مع الصدمات كأنها أمر واقع ، نتقبله بس ميأثرش فينـا بالسلب ..
ثم غيـر مجرى الحوار قائلًا :
-هتقومي تفطري ولا اجيب الأكل هنا وأكلك بالإجبار ؟!!
-خلاص هفطر ..
ثم تراجعت متسائلة :
-حياة عاملة أيه .. وفين عاصي وتميم ؟!
-للأسف حياة خسرت الجنين ، بس آكيد ربنا هيعوضهم خيـر المهم أنها كويسة .. لسـه مكلم عاصي ورد عليا أخوها ..
تفوهت بتأثر يحمل الحزن :
-يا حبيبتي يا حياة… طيب وديني عندهم يا مراد .. أنا مش عايـزة أقعد هنـا تاني .. البيت ده بقا بيخنقني ..
-هوديكي مكان ما أنتِ تحبي .. بس قومي فوقي وخدي شاور وكله هيتحـل .. سهليهـا عشان تسهل .
رمقتـه بأمل :
-هلاقي أمي !! أنا حاسة أنها موجودة وهلاقيها قُريب ..
-هنلاقيها اطمني أنا جمبك .. يلا بقا قومي …
•••••••
~ عـودة إلى المشفى ~
بصـوت خفيض تحت تأثيـر المخدر الطبي غمغمت حيـاة بضعف :
-عاصي !! عاصي أنا فيـن ..
فزع من الأريكة التي يجلس فوقها باندفاعٍ وفرحة تملأ وجهه وهو يمسـح على شعرها بحنان :
-أنا جمبك أهو .. متقلقيش ..
رفعت عينيهـا لمستواه وسألته :
-أحنـا فين وبنعمل أيه هنـا ؟!
ثم طافت عينيـها محاولة استعياب المكان :
-دي مستشفى !!
جملتها جعلتها تفزع بلهفة وهي تتحسس بطنها :
-عاصي ابني حصله حاجة ..
ثم مررت يدها على بطنها تبحث عن نبضه بقلق :
-عاصي هو مابيتحركش ليـه ؟!! أنا مش حاسـة بوجوده ..
ثم سحبت كفه فوق بطنهـا طاردة جميع الأفكار السوداويـة التي هجمت على رأسها :
-شوف أنتَ كده !! نبض البيبي فين ، حاسس بحاجة ؟!
جلس على طرف مخدعها بعجزٍ يمنعـه من تفجير قنبـلة مثل هذه على رأس إمراة جنت ثمار العشق بأحشائها .. هربت الكلمات من شدقها وهي تتأمله بعينيها الذابلة وبخوف بدأ يبث وميضه بقلبها :
-حبيبي .. أنتَ مخبي عني حاجة ؟! ابننا بخير مش كده ؟! هو كويس طيب .. عاصي اتكلم ..
فتح كفوفها وطبع بداخل كُل واحد منهم قبلة إعتذار ثم رفع عينيـه إليها وقال بحزن وندم:
-شكله مش عايزني أبقى باباه ..
بفاهٍ مزمومٍ وأعين دامعـة ، عارضته مستفهمة :
-ماتقولش كده !! هو بيحبك وكان طول الوقت عايزني أبقى معاك .. أنا واثقة لمـا يجي وتشوفه هــ ….
ثم ابتلعت غصة وجعهـا بسيل منهمر من الدموع الذي صنع من وجنتيها مجرى :
-البيبي نزل … يعني هو مش موجود في بطني دلوقتٍ !! قول لا .. قولي فهمت غلط ، قولي هو تعب شوية بس لحقناه .. قول أي حاجـة تانية غير أنه مبقاش موجود ..
ثم مررت كفها المرتعش على وجنتـه بترجى :
-عاصي عشان خاطري ما تقولش كده … أنا كُنت بعد الأيام عشان أحضنه ويكون معايـا .. أنا كنت بختار اسمه معاك امبارح !!
دخلت في حالة اضطراب نفسي وهي تهذي بجنون غير مستوعبة الحدث :
-بس دي غلطتي أنا ؟!! أنا اللي ماينفعش احب ولا اتعلق بحاجة زيادة عن اللزوم .. أنا مش قولت لك قبل كده ، كل حاجة بحبها بتروح مني ؟!! أنا ليـه بيحصل معايـا كده !! يعني خلاص كده !! مش هحس بنبضه ولا شقاوته تاني !! انا ملحقتش أفرح والله .. صورته لسه كانت معايا .. خليتهم ليـه ينزلوا يا عاصي ، ليـه معملوش المستحيل عشان ابني ..
-حياة اهدي اهدي مش كده .. حياتك عندي أهم من كل ده ، وأنا مش عايز اطفال ولا عايز غيرك ..
فـ ضمها لصدره عنوة ‏كأنها بالنسبة له زمنًا كاملاً
‏، وأي شيءٌ أخر مجرد أوقات مستقطعة من العمر .. أخبرها بصوت متهدج :
-أنتِ عندي أهم .. اهدي عشان خاطري ..
صرحت باكية بحرقة تأكلها بأحشائها :
-أنا كنت مستنيـة أخلد بدايـة حبنـا معاه .. كنت عايزه أشوف في عيونه أحلى أيام عشتها جمبك .. كله راح خلاص ..
-بس أنا موجود وجمبك ومش هسيبك .. أهدي عشان خاطري ، أهدي .. اهدي يا حياة مفيش في أيدينا حاجة نعملها ..
جاءت الدكتورة ركضًا إليهم عند رنين جرس الإنذار وهي تفحصها بلهفـه خاصة عندما أحس ببرودة جسدها بين يديه .. وتراجعها للخلف فاقدة الوعي .. وثبت مفزوعًا وهي يسأل الطبيبة :
-هي مالها !!
ردت الطبيبه بسرعة :
-محتاجة حنقة مهدئة حالًا ..
ثم صرخت بالممرضة :
-كلمي دكتور جمال بسـرعة ..
ثم نظرت لعاصي :
-لو سمحت استنى بره ..
بهدوء ‏بدون أي جهد ، او مقاومة، وبشكل مفاجىء ولكنه مريب ومثيـر لخلق الكثيـر من المخاوف ، خرج من الغرفة وهو يراقبها من وراء الزجاج وكأن أحدهم قد سكب الماء على البارود فتوقف تمامًا عن الاشتعال .. جاء أخوتها إليـه بلهفه فساله رشيد :
-فاقت ؟!
لم يجب إلا بايماءة خفيفة وهو يطالع قلة حيلتها وضعفها وارتعاش شفتيـها بكلمات مزقت قلبـه .. خرج الطبيب من عندها فذهب إليه بذعرٍ :
-هي حصلها أيه يا دكتور..
-هي عرفت أن الجنين نزل ؟!
-للاسف .. معرفتش اخبي عليها ..
-متوقع .. كتيـر من الستات بتدخل في الحالة دي ، مش بتستحمل ، هي نايمة دلوقتِ ، ولما تصحى خليك جمبها هي محتاجة لك أكتر من أي حد .. بعد اذنكم ..
رافق عاصي خُطاه مبتعدًا عن أخوتها وأخذ يطرح عليه العديد من الأسئلة حتى ختمهم بطلبٍ :
-لو سمحت ليـا طلب ..
-طبعا اتفضل يا عاصي بيـه ..
تذكر معاناته مع مهـا قبل ان يخسرها .. مخاوفـه من خِسارته وتعلقها الشديد بذلك الطفل .. قسوة الليلة الماضية التي قضاها متقلبًا في لهب هواجسـه .. فاق على نداء الطبيب:
-عاصي بيه اتفضل ..
رد بثبات :
-كنت عايز حضرتك تعلق لها pills ..
عقد الطبيب حاجبيه باستغراب :
-ليه ؟! بالعكس دي فرصة كويسـه أنكم تعوضوا الطفل ده عشان تنسى وتطلع من الحالة اللي هي فيها ..
رد بإصرارٍ :
-معلش يا دكتور .. مش حابب نعيش نفس الوجع تاني ، ولا حابب أطفال الوقت الحال ، فوسيلة منع الحمل أنسب حل ..
-تمام .. مفيش مشكلة ..
اندفع عاصي طالبـًا :
-بس ليـا طلب كمـان !! مش عايزها تعرف ..
ثم برر موقفه للطبيب :
-لحد ما امهد لها الفكرة وزي ما أنت شايف حالتها ، محتاجة ترتاح شوية .. ممكن !!
-اللي تشوفه ….
•••••••••
-هو أزاي الإنسان المفروض يمسح كل سنين عمره وذكرياتـه من المكان ؟! أزاي ينسى عُمر كامل مش شخص ولا ذكرى سيئة !!
أردفت عاليـة جملتها وهي تجمع ما تحتاجـه من خزانـة ملابسـها خاصـة بعد ما أخبرت مراد بعدم تحملها لهذا المكان وهذه الجدران تضغط على قلبها .. اقترب مراد منها وطبع قُبلة خفيفة على كتفها وقال :
-اللي هيقف في شارع الماضي ، هيفوته جمال العالم بره يا غاليـة ..
دارت إليـه باستغراب :
-غاليـة !! أول مرة تقولي كده ؟!!!
-لأنك كده فعلًا بالنسبـة لي !! غاليـة .. وأغلى حاجة في الدنيـا ..
ثم تعمدت ملاطفة الأجواء كي تتغاضى قليلًا عن حزنها الذي أذبل ملامحها :
-بصرف النظر عن كُل المصايب اللي حصلت دي ، بس أنا مبسوط .. هاخدك في حضني كده ولا عاصي ولا غيره هيفتحوا بؤهم ..
ثم تبسم مجاملة :
-النهاردة بس عرفت معنى ” مصائب قوم عند قوم فوائد ”
خيم فطر الحزن مرة ثانية على ملامحها ، فانبثقت دمعة واحدة من طرف عينيها وباتت تسرد همها :
-يعني خلاص كده ؟! عاصي وتميـم مش هعرف أشوفهم تاني ؟! منكرش إني شفت قسوة من عاصي بس عمري ما كرهته ولا عرفت .. كنت دايما بشوف فيه الأب اللي لازم يقسى عشان نتربى ..
كفكفت عِبراتها بحزن وخيم :
-ولا في سهر مع تميم ودردشة طول الليل !! أنا كنت مستنة الوضع بيننا يتحسن ، مش يسوء بالطريقـة دي ..
ثم رفعت عينيها الباكية إليه وسألته :
-طيب أنتَ لما تزعلنـي ، أنا هتحامى في مين ، وهشتكيك لمين …
-بس أنا عمري ما هزعلك يا ستي .. وده وعدي ليكي ..
-مفيش راجل وست مفيش بينهم مشاكل .. واللي يقول غير كده يبقى بيكذب ..
مسك كفوفها بحبٍ :
-وأنا متفق معاكِ .. بس اتأكدي إني عمري ما هزعلك ..
ثم قبل رأسها بحنان وقال :
-هشوف كريم وأرجعلك تكوني خلصتِ .
غادر الغـرفة باحثًا عن كريم حتى وجده بالحديقة يفتش بالهاتف ، جلس على المقعد المجاور له وأخبره :
-أنتَ عارف أن وجودك هنـا مابقاش ينفع .. تعالى اقعد في شقتي لحد ما تشوف هتعمل أيه ..
رد كريم بضيق :
-عارف يا مراد .. وجهـزت حاجاتي وماشي ، مسافر ..
-مسافر فين ؟! من أمتى ده ؟!
ترك كريم هاتفه وانتبه لحواره مع أخيه وأجابه بملل :
-مفيش حاجة اقعد عشانها .. هسافر أمريكا أكمل دراستي واشتغل .. ومش هرجع هنا غير وأنا واقف على رجليـا ..
-ليه يا كريم ؟! ما تيجي وتشتغل معايا ونكبر سوا ؟
جاكر أخيه ممازحًا :
-أنتَ خايف أنافسك ولا أيه ؟!! أطمن كده كده هيحصل ..
ضحك الأخوة معًا ثم سأله مراد باهتمام :
-أنت مقتنع أنك عايز تعمل كده ؟!
تجاهل لصدح مشاعره الرافضه لذلك وقال :
-كده أحسن …..
-آللي يريحك… المهم خالتك مختفية من القصـر وسألت الحرس قالوا انها مشيت بالليل ومن غير عربيـة ولا حاجة ..
رد كريم بامتعاض:
-أعمل أيه يعني ؟!! وبعدين هي عيلة صغيرة يا مراد ؟!! دي عليها جبروت عدى جبروت هتلر …
-يالا خلي عندك دم .. وانزل دور على خالتك .. وانا هوصل عالية عند عاصي في المستشفى وهنزل ادور عليها …
ثم أخفض نبرته قائلًا :
-كريم دي خالتك ومن دمنـا ، محدش هنا من دمها عشان يهتم بيها .. لو سمحت قوم شوفها راحت فين .. على الاقل نطمن عليها ياخي …..
لبى طلبه على مضض :
-طيب هدور عليها.. حاجة تاني !
جاءت سيدة بتردد وبعينيها أسرارًا تفيض ، فسألته باضطراب :
-سي مراد ، هو عاصي بيه مش هيجي هنا تاني ؟!
-معرفش والله يا سيدة .. خلي بس بالك من القصـر الفترة دي ..
حكت كفوفها ببعض ويبدو عليها القلق:
-طيب أنا كنت عايزه أشوف عاصي بيه ضروري ..
-خير يا سيدة ؟! في حاجة أقدر أساعدك فيها ؟!
بللت سيدة حلقها الجاف من كثرة التفكير ليلًا :
-تعيش يا سي مراد .. دي حاجة تخص عاصي بيـه ولازم يعرفها بنفسـه …………
    google-playkhamsatmostaqltradent